تاريخ الخطبة: 19 شعبان 1422 الموافق ل 28/10/2002م

عنوان الخطبة: في استقبال رمضان

الموضوع الرئيسي: الرقاق والأخلاق والآداب, فقه

الموضوع الفرعي: الصوم, فضائل الأزمنة والأمكنة

اسم الخطيب: يوسف بن عبد الوهاب أبو سنينه

 

ملخص الخطبة

1- بعض خصائص شهر رمضان. 2- كيف ينبغي أن نستقبل رمضان. 3- أحوال المسلمين في رمضان. 4- من حكم الصوم تذكر أحوال الجياع. 5- جرائم يهودية لا تنتهي. 6- ظاهرة تفشي المخدرات في ظل سيطرة الاحتلال الإسرائيلي.

 

الخطبة الأولى

أما بعد:

أيها المؤمنون، روى الإمام البيهقي في "شعب الإيمان" عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال: ((أيها الناس، قد أظلكم شهر عظيم، شهر مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعاً، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزداد فيه رزق المؤمن، من فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتقاً لرقبته من النار، وكان له مثل أجره، من غير أن ينقص من أجره شيء)).

قلنا: يا رسول الله، ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((يعطي الله هذا الثواب من فطر صائماً على مِزقة لبن أو تمرة أو شربة من ماء، ومن أشبع صائماً سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة، وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخرة عتق من النار))[1] صدق سيدي رسول الله.

أيها المؤمنون، ها هو شهر رمضان قد أقبل، ورمضان خمسة أحرف، فالراء منه نسأل الله أن تكون رحمة، والميم مغفرة، والضاد ضماناً للجنة، والألف أمانا من النار، والنون نورا من الله العزيز الغفار.

وهكذا يمر موكب الأيام وكأن لم يكن بين الرمضانين إلا عشية أو ضحاها، ها هو شهر رمضان قد أقبل، فبأي شيء نستقبل هذا الشهر الفضيل؟ إننا لو زارنا أحد قادة الدول نستقبله ونفرش له الورود، والزهور والرياحين، وقد يكون كافراً فكيف نستقبل رمضان وهو زائر كريم من رب كريم رؤوف رحيم؟ إنه ضيف عزيز من الله تبارك وتعالى. هل أعلنا كلمة القرآن عالية، هل أمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر؟ هل احتشمت نساؤنا؟ هل سنترك رمضان يأتي غريباً ويعود إلى الله غريباً؟ فلا نصلح فيه أحوالنا، هل سيشهد رمضان لنا؟

عباد الله، صحيح أن رمضان يحل علينا وأحوال الأمة سيئة تتكالب عليها قوى الشر والعدوان، ولكن كما تعرفون، فشهر رمضان شهر الانتصارات الإسلامية ألم تنتصر جيوشكم في مواطن كثيرة، ألم ينتصروا في يوم بدر، ألم تقرؤوا قول الله تبارك وتعالى: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [آل عمران:123]، ألستم معي أن أعداءكم يحسبون لكم ألف حساب في شهر رمضان؟ أتعرفون لماذا أيها المؤمنون؟ لأنكم تتقربون فيه إلى الله تبارك وتعالى، تقرؤون كتابكم وقرآنكم وتعملون به، بنية صادقة، والمساجد تكون عامرة بإذن الله، لأنكم تتوبون إلى الله تبارك وتعالى، ولا ترتكبون المعاصي والآثام، لأنكم تخرجون صدقات أموالكم، وتتفقدون فقراءكم من الأرامل والأيتام وأسر الشهداء، لأنكم تصلون الصلوات في أوقاتها، وتحضرون صلاة التراويح وقيام الليل، فتزدادون إيماناً وصدقاً ويقيناً وقرباً من الله تبارك وتعالى، فقلوبكم تكون عامرة بذكر الله، مطمئنة بمحبته وطاعته. أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ [الرعد:28].

أيها المؤمنون، كيف يقضي الناس رمضان الآن؟ يقضونه بالحفلات والموسيقى والأفلام والأغاني، هل أنزل الله تبارك وتعالى القران في رمضان أم أنزل فيه الأفلام والمسرحيات؟ هل أنزل الله القران في رمضان لنجعل منه شهر ترفيه لا شهر توجيه؟! لقد ضعف الإيمان في قلوب بعض الناس.

إن كثيراً منا لم يحترموا هذا الشهر الكريم، ولم يقدروه حق قدره، كثير منا يمضى نهاره بالنوم والكسل والغفلة عن ذكر الله وتلاوة كتابه، ويذهب ليله بالسهرات والمقاهي والملاهي، والإعراض عن طاعة الله عز وجل، فهل نحن آمنون من مكر الله، هل نحن آمنون من عقوبته هل نحن مخلدون في هذه الحياة؟ إن المنايا كل يوم تختبر النفوس، والآجال كل لحظة تقربنا إلى دار الجزاء والمقام، كم ارتحل أقوام من قصورهم ولذاتهم وبهجتهم وفارقوا إلى قبور موحشة ولحود مظلمة ، ولن يجدوا إلا عملهم الصالح ولن يغني عنهم ما كانوا يجمعون، كم تناولوا من الحرام، والآثام، ووعظوا بفصيح الكلام، وكأنهم لا يسمعون.

أيها المؤمنون، لما ولى نبي الله يوسف عليه السلام خزائن مصر كان يصوم يوماً ويفطر يوم، فقيل له: يا نبي الله لم تكثر من الصيام وقد جعل الله خزائن الأرض تحت يديك، قال عليه السلام: (لأنني أخشي أن أشبع فأنسى الجائع)[2] إن الذين ينامون ملء عيونهم ويأكلون ملء بطونهم لا يدرون ماذا يحدث للأمعاء الجائعة لذلك نادى الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عليه وقال: الأكباد الجائعة أولى بالصدقات من بيت الله الحرام.

أيها المؤمنون، الذين لا يصومون لا يجوعون، الذين لا يجوعون قساة القلوب غلاظ الأكباد، الذين لا يشعرون بـالجوع لا يشعرون بآلام الجياع، نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل أول هذا الشهر صلاحاً، وأوسطه فلاحاً، وآخره نجاحاً، اللهم أسمعنا فيه ما يسر نفوسنا، وثبت علينا ديننا وعقولنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا، وبلغنا مما يرضيك آمالنا، اللهم أيقظنا من سِنة الغفلة وارحم غربتنا في القبور، وآمنا يوم البعث والنشور، وارحمنا برحمتك يا أرحم الرحمين.

عباد الله، توجهوا إلى المولى الكريم واسألوه من فضله العظيم، وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوز المستغفرين، استغفروا الله.


 


 

[1] ضعيف أخرجه ابن خزيمة (1887) وغيره عن سلمان رضي الله عنه.وفي إسناده علي بن زيد بن جُدعان, وقد ضعفوه.

[2] ذكره البيهقي في الشعب(5/37) والأصبهاني في الحلية(6/273)، من كلام الحسن البصري.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، نشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، ونشهد أن سيدنا محمداً رسول الله خاتم الأنبياء والمرسلين اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على عبدك ورسولك النبي الأمي وآله وأصحابه أجمعين.

أما بعد، أيها المؤمنون، في الوقت الذي تواصل فيه قوات الاحتلال حربها المبرمجة ضد أمتنا بمواصلة سياسة الاغتيالات والتصفيات وهدم المنازل وقتل الأبرياء ورسم الخريطة السياسية لمستقبل الضفة الغربية وقطاع غزة بعد إتمام مشروع الفصل أحادي الجانب وتعمل على تكريس احتلالها لمدينة القدس وتهويدها وإسقاطها من مبدأ المفاوضات نهائياً بعد أن أخذت الضوء الأخضر والمبارَكة من إعلان الإدارة الأمريكية وتوقيع رئيسها بأن القدس هي عاصمة إسرائيل، أي أنها غير قابلة لمبدأ التفاوض.

وفي الوقت الذي تواصل فيه الإدارة الأمريكية الاستعدادات العسكرية للعدوان المميت على العراق الشقيق بمؤازرة ودعم قوى الظلم والعدوان وفي مقدمتها بريطانيا الحاقدة، نجد أن أمتنا تعيش في حالة من التردي والهوان والاستسلام والانقسام، كل نظام من الأنظمة الحاكمة يعطى لنفسه الذرائع والمبررات للتخاذل والتقاعس عن نصرة العراق الشقيق، ويعطي التفسيرات وينقل الإملاءات التي تتناقلها وسائل الإعلام الأمريكية المعادية للإسلام والمسلمين لضرب العراق الشقيق بذريعة دعمه للإرهاب وتهديده للسلام العالمي على حد زعمهم، متناسين أن الصغير قبل الكبير يدرك دوافع العدوان الجديد، ليس تهديداً لأمن المنطقة فحسب، وإنما لسلب خيراته واقتسام أراضيه وسرقة بتروله.

أيها المؤمنون، في هذه الأجواء المسمومة من العداء لعالمنا الإسلامي نجد أن الاستعمار الصهيوني يبتدع أيضاً أساليب تهدف إلى هدم البنية الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والتعليمية والإيمانية لشعبنا الصابر الصامد المرابط، إن ما يقلق بال أمتنا اليوم ويقضّ من مضجعها ليل نهار، ليس الاحتلال العسكري فحسب، وإنما الاحتلال الثقافي الاجتماعي، فظاهرة غياب السلطة وانعدام القانون قد أوجدت وعززت ظاهرة تعاطي المخدرات والقتل وانتشار الفاحشة، فهذه دلالات وسلبيات ذات أبعاد خطيرة على مستقبل وحياة ومصير أمتنا. إن استفحال ظاهرة الإدمان على المخدرات وتعاطيها والاتجار فيها في مدينة القدس بالذات أرض الرباط، أرض الإسراء والمعراج، حتى بلغ عدد مدمني المخدرات في مدينة القدس وحدها أكثر من أربعة ألاف شخص، ومعدل أعمارهم ما بين العشرين والثلاثين أي أنهم في ريعان الصبا والشباب، زهرات تذبل في مستنقع المخدرات، وما تخلفه المخدرات من آثار سلبية قاتلة على الفرد والمجتمع، فأصبحت عاملاً مساعداً لانتشار الجريمة، جريمة القتل وبيع الأراضي والسرقة والاعتداءات على ممتلكات الأبرياء، وابتزاز أموالهم بأساليب البلطجة والزعرنة وغياب القانون، اسألوا أهلنا في كل مكان، اسألوهم كيف أصبحت الأزقة والحواري أوكاراً للمخدرات وارتكاب جرائم الاغتصاب والقتل، تعشعش فيها الغربان والكلاب الضالة وتجار السموم، أسألوهم واتعظوا منهم قبل فوات الأوان، واليوم يأتي دور القدس الشريف بيت المقدس، التي فتحها الفاروق عمر، وأبو عبيدة وخباب بن أوس، وعبادة بن الصامت، تتحول إلى أوكار للموبقات والمخدرات.

أيها المؤمنون، إن الرؤية القائمة لمجريات الأحداث السياسية والعسكرية والاجتماعية تحمل في طياتها نتائج خطيرة وسلبية على مجتمعنا الفلسطيني، والهدف منها هو إبعاد الناس عن دينهم، وزيادة المؤثرات والدوافع لانتشار الجريمة والفساد، وزيادة تعرض الشباب إلى الإصابة بالأمراض الخبيثة كسرطان الرئة والمعدة، تصيب شبابنا بالإدمان والإصابة بمرض الهلوسة والجنون أو الإقدام على الانتحار للتخلص من حالة الضياع، فعلى جميع ولاة الأمور ورعاة الأمة والآباء وذوي القلوب الحية النقية أن تتضافر جهودهم من أجل محاربة تجار المخدرات وتنظيف المدينة المقدسة من بؤر الرذيلة والفساد وإنقاذ شبابنا من الضياع والسقوط، وذلك عن طريق فتح المراكز لمعالجة وتأهيل الذين يتعاطون المخدرات، والضرب بيد من حديد على تجار المخدرات، إن إنقاذ هؤلاء من الوضع المتردي أمانة في أعناقنا، علينا أن نأخذ بأيديهم إلى جادة الرشاد والصواب، ليكونوا معاول بناء، لا أدوات هدم لمدينتهم ومجتمعهم ومستقبل وجودهم.

أيها المؤمنون، لماذا أصبحت القدس باحة لبيع السموم والمخدرات والمواد الغذائية الفاسدة؟ لماذا أصبحت مسرحاً للجريمة والسرقة وسلب أراضي الآخرين؟ لماذا أصبح العابثون ينشطون هنا وهناك دون رادع لهم من أحد؟

إن غياب دولة الإسلام أدى إلى انعدام الأخلاق وتفشي الرذيلة، هذه قاعدة أساسية يجب أن ندركها جميعا من أجل بناء مجتمع إسلامي سليم، والإسلام دين العزة والكرامة، هو دين الأخلاق والآداب والقيم والطمأنينة، ديننا دين الكبرياء والشموخ والنصر، هو رفعة الآمة ومجدها، هو إشراقة النور ووميض الأمل في النفوس المتلهفة المتعطشة للحياة الكريمة، ألم يأن لأمتنا الإسلامية أن تنهض من كبوتها وتتمسك بدينها وتعمل على إقامة دولتها دولة الخلافة، دولة الحق والعدل.