تاريخ الخطبة: 01 جمادي الثانية 1426 وفق 8/7/2005م
عنوان الخطبة: التذكير بالاستعداد ليوم الرحيل
الموضوع الرئيسي: الرقاق والأخلاق والآداب, العلم والدعوة والجهاد
الموضوع الفرعي: التربية والتزكية, الموت والحشر
اسم الخطيب: يوسف بن عبد الوهاب أبو سنينه
ملخص الخطبة
1- التذكير بقرب الحساب. 2- حال السلف مع الإعداد للموت والحساب. 3- إنكار المهرجانات الغنائية في فلسطين. 4- السبب الحقيقي لواقع الأمة المرير وكيفية الخروج منه. 5- وقفة مع تفجيرات لندن. 6- أحوال الأسرى في السجون الإسرائيلية. 7- استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على الأقصى والقدس والمدن الفلسطينية.
الخطبة الأولى
أما بعد: عباد الله، يقول الله تعالى:
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ
حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ
مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ
ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ
لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ
وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ
أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ
[الأنبياء:1-3].
عباد الله، ذكر المفسرون: إن رجلاً من أصحاب رسول الله
كان يبني جدارًا،
فمرّ به آخر في يوم نزول هذه السورة ـ وهي سورة الأنبياء ـ فقال الذي كان يبني
الجدار: ماذا نزل اليوم من القرآن؟ فقال الآخر: نزل:
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ
حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ
،
فنفَضَ يده من البنيان، وقال: والله لا بنيت أبدًا وقد اقترب الحساب.
وسُئل الصحابي عامر بن ربيعة
: هلاّ سألت النبي
عنها. فقال: نزلت
اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا.
عباد الله، ومن عَلِم اقتراب الساعة قَصُرَ أملُه، وطابت نفسُه بالتوبة، ولم يركن إلى الدنيا، فكأنّ ما كان لم يكن إذا ذهب، وأنتم تعلمون أنّ كل آتٍ قريب، والموت لا محالة آت، وموت الإنسان قيام ساعته.
عباد الله، الموت باب وكل الناس داخله، وكأس وكل الناس شاربه، وحوض وكل الناس
وارده، وصدق الله وهو يقول:
كُلُّ نَفْسٍ
ذَائِقَةُ الْمَوْتِ
[الأنبياء:35].
هذا نبي الله نوح عليه السلام أطول الأنبياء عمرًا، حينما جاءه مَلَك الموت ليتوفّاه سأله: كيف وجدت الدنيا؟ قال: وجدتها كدار لها بابان، دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر.
عباد الله، مرض أحد الصالحين مرض الموت، فعاده بعض أصحابه فقالوا له: أي شيء تشتكي؟
قال: أشتكي ذنوبي. قالوا له: وأي شيء تشتهي؟ قال: مغفرة ربي. قالوا له: ألا ندعو لك
طبيبًا؟ قال: الطبيب هو الذي أمرضني. هكذا كانت قلوب أهل الإيمان معلّقة بالله عزّ
وجل، كل ما يشغلهم هو لقاء الله، وحسابهم بين يدي الله تعالى. كان خوفهم من الله
تعالى:
تَتَجَافَى
جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا
[السجدة:16]. لا يرتكبون المعاصي والآثام، ولا يقعون في الحرام، ويبتعدون عن
الشبهات والشهوات.
استمعوا ـ أيها المؤمنون ـ لهذه القصة، وتعلّموا منها، فقد جاء رجل إلى الإمام أبي
حنيفة النعمان وقال
له: أقرضني مبلغًا من المال، وخذ هذا البيت رَهْنًا عندك. وقَبِل أبو حنيفة
الرَّهْن، وذات يوم مرّ به أحد الناس فرأى الإمام واقفًا والحرّ شديد الأُوَار،
والشمس ترسل لُعَابًا كالمُهْلِ يشوي الوجوه، وأبو حنيفة واقف في حرّ الشمس وأمامه
البيت، فقال له: يا إمام، لماذا تقف في حرّ الشمس وأمامك ظل هذا البيت؟ فقال له
الإمام: إن هذا البيت مرهون عندي، وأنا أخشى أن أقف في ظلّه فأكون قد انتفعت منه،
فيسألني الله عن ذلك يوم القيامة.
عباد الله، لو أن الإمام أبا حنيفة
نظر اليوم إلى عصرنا
ورأى أحوال المسلمين الصعبة ماذا سيكون موقفه؟ وكيف سيكون موقفه من أكلة الربا
والذين يتعاملون بالحرام؟ وكيف سيكون موقفه لو علم أن حصص التربية الإسلامية في
بلادنا تنقص يومًا بعد يوم، وأنها ستكون حصة أسبوعية واحدة في المنهج الصناعي، وأن
أولادنا لن يتعلموا مادة الدين إلا كما يضع المريض القطر في عينه؟ وإني لأعجب
وإياكم من ذلك، ندرس أولادنا ما يضرهم ولا ينفعهم ونحذف حصص الدين من المناهج! إن
هذا لشيء عجيب، غيرنا يركّز على أمور دينه ونحن نبتعد عن ذلك، وأحوالنا يُرثَى لها،
أحوالنا أصبحت لا تُطاق في أرضنا المباركة، نحن نقيم المهرجانات التي تلهي الناس عن
دينهم وتُبعدهم عن عقيدتهم ـ وللأسف الشديد ـ شعبنا يتخبّط هنا وهناك، ولا يعرف أين
هي المصلحة، ويتقوقع بين الملاهي واللعب والغناء الفاحش [بدل] أن يتّجه إلى الله.
ونحن من هنا، من هذا المقام الرفيع نقولها صريحة وواضحة: إن إقامة هذه المهرجانات في أرضنا المباركة هو من الفساد في الأرض، فبالله عليكم كيف يليق بأمة دماء شهدائها لم تجفّ بعد، كيف تقوم بمثل هذه الأعمال؟! فاتقوا الله يا من تروّجون لأمثال هذه المهرجانات، واعملوا لرِفْعة دينكم وأمّتكم خير لكم عند ربكم، وإلا فانتظروا عذاب الله تعالى، وتذكروا أن الله يمهل ولا بهمل، وأنّ عذابه واقع بأهل الفساد والعناد.
عباد الله، ونحن من هنا نهيب بعلماء الأمة أن ينكروا هذا المنكر، وإلا فهم داخلون في ساحة من يرتكب المعصية، ويسكت عنها، وقانا الله وإياكم من شرّها ومن شرّ أصحابها وشر من يروّج لها.
عباد الله، كان سلفنا الصالح رضي الله عنهم إذا نزل بأحدهم بلاء رجع إلى نفسه وقال:
لا بد أني قد أذنبت وقصّرت في حق الله، فسرعان ما يرجع إلى ربه، ويقرع بابه تائبًا
مستغفرًا ويقول:
رَبَّنَا ظَلَمْنَا
أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ
الْخَاسِرِينَ
[الأعراف:23]. وكان الواحد منهم يقول: إني لأرى شؤم معصيتي في سوء خُلُق امرأتي
ودابّتي، فالمعاصي لها آثارها الوخيمة ـ يا عباد الله ـ في الدنيا والآخرة.
يقول حَبْر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (إن للحسنة ضياءً في الوجه، ونورًا في القلب، وسعةً في الرزق، وقوةً في البدن، ومحبةً في قلوب الخلق، وإن للسيئة سوادًا في الوجه، وظلمةً في القلب، ووهنًا في البدن، ونقصًا في الرزق، وبُغضًا في قلوب الخلق).
عباد الله، لا بد أن نسأل أنفسنا: لماذا أصابنا ما أصابنا؟ كما كان أصحاب رسول الله
، فقد سألوا أنفسهم
بعد غزوة أحد حينما خالفوا ما أمرهم به رسول الله
، وتركوا ظهرهم
للمشركين، فكان أنْ قُتِل سبعون من خيارهم، فلما سألوا أنفسهم ردّ الله عليهم
بقوله:
أَوَلَمَّا
أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ
هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
[آل عمران:165]، هكذا يجب أن نحاسب أنفسنا أيها المؤمنون، أن نقف مع أنفسنا ساعة
ونسأل أنفسنا: ماذا فعلنا لإسلامنا؟ وماذا فعلنا لإقامة دولتنا الإسلامية؟ أيكفي
الواحد منا أن يقيم العبادات فقط، ويتناسى أحوال الأمة؟ كلا، فإن الإسلام جزء واحد
كما قال جلّ وعلا:
أَفَتُؤْمِنُونَ
بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ
[البقرة:85].
فالمؤمن ـ يا عباد الله ـ بعيد المدى، شديد القوى، يقول فَصْلاً ويحكم عدلاً، يتفجّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواهيه، ليستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته، غزير العَبْرة، طويل الفِكْرة، يقلّب كفّيه ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما خَشُن، ومن الطعام ما قلّ، يعظّم أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، إذا أرخى الليل سُدوله، وغارت نجومه قام ممتثلاً في محرابه، قابضًا على لحيته، يَتَمَلْمَلُ تَمَلْمُلَ السليم، ويبكي بكاء اليتيم، ويقول: يا دنيا، غُرِّي غيري، إليّ تَعَرَّضْتِ أم إليّ تَشَوَّقْتِ، هَيْهات هَيْهات، لقد طلّقتك ثلاثة لا رَجْعة فيها، فعمرك قصير، وخطر حقير، آه من قلّة الزاد، وبعد السفر ، ووحشة الطريق.
عباد الله، لو أن الناس استحضروا الآخرة والموت والقبر والقيامة والصراط والميزان،
واستحضروا الجنة والنار؛ لانحلّت مشكلات الحياة، ولما رأينا الصراع على هذا المتاع
الأدنى، وما رأينا الإنسان يقاتل أهله، ويجافي إخوانه، وما رأينا تنازع البقاء أو
تنازع الفناء الذي نشهده، إن مشكلة الناس في عصرنا أن الآخرة غائبة عنهم، لو أن
الآخرة حاضرة في وَعْيهم وعقولهم وقلوبهم لحلّت المشكلات بِتَسَامِ الناس، لأعطى كل
ذي حقّ حقّه، ولما تظالم الناس، ولا طغى بعضهم على بعض، ولكنها الغفلة عن الآخرة،
والغفلة شرّ ما يصيب الناس، ولهذا قال الله تعالى في ذمّ قومٍ جعلهم حطب جهنم:
أُوْلَئِكَ
كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُون
[الأعراف:179].
عباد الله، سُئل بعض السلف: كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت قريبًا أجلي، بعيدًا أملي، سيئًا عملي. وسُئل الإمام الشافعي: كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟ سُئل في مرضه الأخير، فقال: أصبحت عن الدنيا راحلاً، وللإخوان مفارقًا، ولسوء عملي ملاقيًا، ولكأس المنية شاربًا، وعلى الله تعالى وارِدًا، ولا أدري روحي تصير إلى الجنة فأُهَنّيها، أم إلى النار فأُعَزّيها، ثم أنشأ يقول:
ولما قسـا قـلبي وضـاقت مَذاهبِي جعلت رجـائي نحو عفوك سُلّمًا
تعـاظَمَني ذنبـي فلمـا قـرنتُـه بعفـوك ربي كـان عفوك أعظمًا
فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل تجـود وتعفـو مِنَّـةً وتكـرُّمًا
فلولاك لم يصمد لإبـليس عـابـد فكيف وقد أغوى صَفِيّـك آدما
فالمهم ـ أيها المسلم ـ أن تستعدّ للموت، لقوله
:
((فالكيِّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز
من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله)).
والعاقل ـ يا عباد الله ـ من حاسبها، وأعدّ للأمر عُدّته، وأخذ له أُهْبته، حتى لا يسير بغير زاد، وصدق من قال:
تَـزَوّد للـذي لا بدّ منـه فإن الموت مِيقـات العباد
أترضى أن تكون رفيق قـوم لهـم زاد وأنـت بغير زاد
عباد الله، قال الجريري رحمه الله: حضرت الجُنَيد عند وفاته وهو يقرأ ويختم، فقلت: يا أبا القاسم، في مثل هذه الحالة؟! فقال: ومن أولى بهذا مني، والآن تُطوى صحيفتي؟
فنحن ـ أيها المؤمنون ـ بحاجة إلى الإيمان الحق، نحن بحاجة إلى الثقة بالله حتى ننجو يوم القيامة، يوم الحسرة والندامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.
وتذكروا ـ يا عباد الله ـ أنّ من انقطع إلى الله كفاه الله، ورزقه من حيث لا يحتسب، ومن انقطع إلى الدنيا وَكَلَهُ الله إليها. فأكثروا ـ أيها المؤمنون ـ من الاستغفار، فمن اتّقى واستغفر جعل الله له من كل هَمِّ فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ومن كل عسر يسرًا.
عباد الله، جعلنا الله وإياكم ممن أفاق لنفسه، وفاق بالتحفّظ أبناء جنسه، وأعدّ عُدّة تَصلُح لرَمْسِه، واستدرك في يومه ما مضى من أمسه، قبل ظهور العجائب، ومَشِيب الذَّوائِب، وقدوم الغائب، وحَزْم الركائب.
توجهوا إلى الله يا عباد الله، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوز المستغفرين، استغفروا الله.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لم يزل عليمًا عظيمًا عليًّا، جبّارًا قهّارًا قادرًا قويًّا، قسم الخلائق سعيدًا وشقيًّا، وقسم الرزق بينهم فترى فقيرًا وغنيًّا، فهو الذي جاد لأوليائه بإسعاده، وبنى لهم مناهج الهدى بفضله وإرشاده، ورمى المخالفين له بطرده وإبعاده، وأجرى البرايا على مشيئته ومراده، واطّلع على سرّ العبد وقلبه وفؤاده، وقدّر صلاحه وقضى عليه بفساده، فهو الباطن الظاهر وهو القاهر فوق عباده.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، المرسل إلى الناس في جميع بلاده.
أما بعد: قال رئيس الوزراء البريطاني: "إن منفذّي هجمات لندن يوم الخميس الماضي تحرّكوا باسم الإسلام، وإن العالم يشهد صراع حضارات وقِيَم، حضارة الغرب وحضارة الإرهاب وقيمه".
أيها المسلمون، أين كانت حضارة وقِيَم بريطانيا حين أعطت وعد (بلفور) المشؤوم عام (1917) حقًّا لليهود لإقامة وطن لهم في فلسطين؟! هذا الوعد الذي لا يزال شعبنا الفلسطيني حتى هذه اللحظة يدفع الثمن غاليًا، ويعاني من ظلم المعتدين. أين كانت حضارة وقِيَم أمريكا ودول الكفر في عدوانها واغتصابها لثروات الشعوب الإسلامية في العراق والسودان وأفغانستان؟! أين كانت حضارة وقِيَم روسيا في عدوانها على شعب الشيشان؟!
أيها المسلمون، إسلامنا العظيم يحرّم سَفْك الدماء، وقتل الأبرياء، وتشريد الآمنين، واضطهاد الشعوب وإذلالهم، إسلامنا كان وسيظل دومًا منارة للعلم، ونورًا يضيء ظلمات الجهل والجهالة، وعلى العالم المُسْتَبِدّ الظالم أن يعيد حساباته، ويراجع مواقفه من الإسلام والمسلمين، دين المحبّة والإخاء والرخاء.
أيها المؤمنون، في زيارتها الأخيرة لفلسطين دعت وزيرة الخارجية الأمريكية السلطة الوطنية الفلسطينية إلى عدم إضاعة ما أسمته فرصة تحقيق السلام في المنطقة، وذلك من خلال الالتزام التام بوقف إطلاق النار المعلن بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية ومحاربة الإرهاب.
وزيرة الخارجية الأمريكية تعمّدت أن تتناسى وتتجاهل الممارسات الإسرائيلية ضد أبناء شعبنا الفلسطيني في مدنه وقُراه ومخيّماته، والتي لم تتورّع قوات الاحتلال عن استمرار عمليات التصفية والاغتيالات والاعتقالات، ومصادرة الأراضي وهدم المنازل وتوسيع المستوطنات، ألم تعلم الوزيرة الأمريكية أن الفلسطينيين فقدوا منذ وقف إطلاق النار وحتى يومنا هذا أكثر من خمسين شهيدًا اغتالتهم إسرائيل بوسائلها القذرة المعهودة جوًّا بالطائرات، وبرًّا بالوحدات الخاصة والمستعربين، في حين استمرّ الجانب الفلسطيني ملتزمًا بوقف إطلاق النار؟! ألم تعلم الوزيرة الأمريكية أن إسرائيل اعتقلت زهاء خمسمائة من أبناء فلسطين خلال الأشهر الثلاثة الماضية؟! تقول إسرائيل: إنها أطلقت سراح أربعمائة أسير فلسطيني، وبذلك تكون قد أخرجتهم من باب، وأعادت أكثر منهم من باب آخر.
أيها المسلمون، أسرانا يعاملون معاملة سيّئة، أوضاعهم صعبة، سوء في التغذية والعلاج والرعاية، وقد نبّه نادي الأسير الفلسطيني مؤخّرًا إلى المخاطر التي يتعرّض لها الأسرى في المعتقلات الإسرائيلية، وأشار إلى أن عشرة من المعتقلين قد استشهدوا داخل زنازين الاحتلال جرّاء التنكيل والتعذيب، وعدم تقديم العلاج الناجع، وإهمال الحالة الصحية للعديد من المعتقلين، ونحن من هنا نتوجه إلى الله العلي القدير أن يخفّف آلامهم، وأن يطلق سراحهم، وأن يكتب لهم الأمن والأمان وأن يعيدهم إلى أهلهم سالمين غانمين آمنين.
أيها المسلمون، كشفت صحف أمريكية مؤخّرًا أن الرئيس الأمريكي الحالي بعث برسالة إلى رئيس وزراء إسرائيل الحالي يقول فيها: "إن الحكومات الأمريكية المتعاقبة منذ عام سبعة وستين وحتى اليوم تعارض سياسة الاستيطان التي تقوم بها إسرائيل في الأراضي المحتلة عام (1967)". ولكن لم تطلب أية حكومة أمريكية أو رئيس أمريكي من إسرائيل وقف عمليات البناء! هذه السياسة المُلْتَوِيَة والتي تندرج ضمن سياسة التعمية الإعلامية التي تمارسها الإدارة الأمريكية ضد الشعوب الإسلامية والعربية، والتوافق الإستراتيجي بين أمريكا وإسرائيل.
وأوضحت الصحيفة الأمريكية المعنية بتغطية الاستيطان الإسرائيلي أن مستوطنة معاليه أدوميم ستمتد إلى مشارف جبل المكبر جنوب القدس، وأن الحزام الفاصل سيكون على امتداد الضفّة الشرقية، وأن التواصل الاستيطاني حول القدس الكبرى لإحكام القبضة.
أيها المؤمنون، إن كانت عمليات بناء المستوطنات وتوسيعها مستمرّة فإن عملية الاستيلاء على العقارات العربية داخل حدود القدس ـ سواء داخل البلدة القديمة أو خارج أسوارها ـ لم تتوقف كذلك، فقد ذكرت الإذاعة الإسرائيلي الناطقة بالعِبْرِيّة عشيّة ذكرى حرب حُزَيران على لسان أحد زعماء المستوطنين في لقاء مفتوح أنه تم الاستيلاء وامتلاك أكثر من تسعين منزلاً داخل أسوار البلدة القديمة خلال السنوات القليلة الماضية عبر صفقات تجارية، وسيتم استلام هذه العقارات والبيوت بعد عدة سنوات. وقال: "إننا نتطلع إلى اليوم الذي نقيم فيه صلواتنا على جبل المكبر"، ويقصد به الحرم القدسي الشريف والمسجد الأقصى المبارك.
أيها المؤمنون، المستوطنون يعيثون في الأرض فسادًا ، يعربدون ويعتدون ويقتلون دون مبرّر، وإسرائيل لا تعاملهم بحزم وقوّة، وكأنها تعطيهم الضوء الأخضر للاستمرار باعتداءاتهم.
لقد قلنا مرارًا: إن القدس في خطر، والأقصى في خطر، المقدسيون أصحاب هذه الديار في خطر، وإسرائيل تواصل بناء الجدار العنصري وقد أصبح أمرًا واقعيًّا، وتواصل إقامة البوّابات الدائمة على مدخل القدس لعصر المدينة وخنقها، وتواصل تهديداتها بهدم المنازل في سلوان وغيرها من المناطق.
عباد الله، إلى متى سنبقى هكذا؟ هل تصحو الأمة من سُبَاتها؟ وهل تتنبه الأمّة حكّامًا ومحكومين للخطر المُحدِق بنا، أم تبقى الأمور كما هي ومن سيئ إلى أسوأ؟ هل سنصبح في القريب مُهجّرين ومُهمّشين، ويُسحَب البساط من تحتنا رويدًا رويدًا؟
وأنتم هنا تسألون: كيف يكون الخلاص؟ والجواب بيّن، أن تعمل أمتنا لإقامة دولتنا الإسلامية التي تحكمنا بشرع الله، وترفع عنا الذل والهوان، الدولة التي تعيد الكرامة والعزة والشرف لأبنائنا، أن نعتصم بحبل الله، وأن نتجاوز الخلافات القائمة بيننا، وأن نتعاون على البر والتقوى، وأن نتوقف عن اتهام لآخرين بغير الحق، وأن نعرف ونطبّق أحكام ديننا، وبغير ذلك فلن تقوم لنا قائمة، لن يكون لنا مكانة، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
عباد الله، لا يفوتني في الختام أن أشيد بالجهود الحثيثة التي قامت بها الهيئة الوطنية العليا لمحاربة المخدرات تحت شعار: "وطن بلا مخدرات"، من أجل دفع الأذى عن شبابنا، وتنقية مجتمعنا من الفواحش المضرّة القاتلة، نسأل الله تعالى أن يجنّب شبابنا هذه الآفة الخطيرة، وأن يكتب لنا ولهم الصحة والعافية في الدنيا والآخرة.
عباد الله، توجّهوا إلى الله، ولا تقنطوا من رحمة الله، ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون، ولا تيأسوا من روح الله، إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون.