تاريخ الخطبة: 23 شوال 1426 وفق 25/11/2005م

عنوان الخطبة: رسالة إلى أهل العراق

الموضوع الرئيسي: العلم والدعوة والجهاد

الموضوع الفرعي: المسلمون في العالم

اسم الخطيب: يوسف بن عبد الوهاب أبو سنينه

 

ملخص الخطبة

1- أسباب توتر الأوضاع في الشرق الأوسط. 2- إطلالة على أحوال العراق. 3- رسالة إلى أهل العراق. 4- استمرار العمليات الإسرائيلية في تهويد القدس. 5- تكفل الله بنصرة دينه وإظهاره.

 

الخطبة الأولى

أيها المسلمون، قالت مصادر صحفية في الولايات المتحدة الأمريكية: إن كبار رجال الساسة والمهتمين بمنطقة الشرق الأوسط أكدوا للرئيس الأمريكي أن تفاقم الأوضاع وتدهور الحالة الأمنية وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط يعود أساسًا إلى إخفاق الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بالتوصل إلى تحقيق السلام بينهما. وأكد المسؤولون الأمريكيون أن عدم تنفيذ ما يسمونه: "خارطة الطريق" والتي ترعاها الإدارة الأمريكية ستزيد الأمور تعقيدًا وزيادة حدة التوتر وأعمال العنف، ويسبب بالتالي الانزعاج والقلق لمصداقية الإدارة الأمريكية في العالم العربي؛ بسبب انحيازها المكشوف لصالح إسرائيل، وأن إدارة الرئيس الأمريكي تتغاضى كليًّا عن الممارسات التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، وفي مناطق خاضعة للسلطة الفلسطينية، من مداهمات يومية واغتيالات واعتقالات ومصادرة للأراضي وتوسيع للمستوطنات. وربطت المصادر الأمريكية بين التوتر الذي تشهده العديد من العواصم العربية وبين الأوضاع المأساوية في فلسطين إلى سوء الإدارة الأمريكية التي فشلت في تطبيق ما أسمته الديمقراطية في العراق وإحلال السلام والحرية للشعب العراقي من دكتاتورية النظام السابق.

أيها المسلمون، إن الطائفية المَقِيتة أخذت بُعْدًا خطيرًا بين العراقيين أنفسهم من ويلات التعذيب داخل زنازين ومعتقلات السلطة العراقية الحاكمة والمتمثلة بالطائفة الشيعية، فالعراقيون يعانون من الاضطهاد والتنكيل وشتّى أصناف وألوان العذاب، وإذا كان هذا هو الواقع العراقي فما الذي تغير؟! وهل مصير الشعب العراقي أن ينجر إلى دوامة الحرب الأهلية والتي تحصد الأخضر واليابس؟!

أيها المسلمون، عراق الرافِدَين لم يعد واحدًا، بل هو ساحة حرب، وساحة تفجيرات وانتقامات واغتيالات، آلاف مؤلفة من العراقيين أُزهِقت أرواحهم، الأمر الذي دفع مؤخّرًا بالجامعة العربية إلى إقناع الأطراف المعنية لحضور مؤتمر مصالحة عُقِد في القاهرة؛ لوضع آلية مصالحة، الإدارة الأمريكية رحّبت بقرار مؤتمر المصالحة، بعد أن كانت ترفض أي تدخل في الشأن العراقي عربيًّا كان أم أجنبيًّا، ويأتي الترحيب الأميركي لمؤتمر المصالحة لا لسواد عيون العرب والمسلمين، ولا لوقف حمّام الدم في أرض الرافِدَين، وإنما لوقف النزيف الدموي والحد من الخسائر البشرية في القوات الأمريكية، هذه الخسائر التي أخذت تداعياتها تؤثر سلبًا على الرئيس الأمريكي ومكانته، حيث هبطت شعبيته إلى أدنى مستوى. أمريكا وقوى الشر تُغذّي الاقتتال، وفي الوقت ذاته تُنَصِّب نفسها مصلحًا اجتماعيًّا.

فحذار من الحرب الأهلية والطائفية البغيضة، اسمعوا قوله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29].

أيها العراقيون، عودوا إلى رشدكم وصوابكم، وحّدوا صفوفكم، وليكن هدفكم واحدًا، العراق لكم، فلا تدعوا قوى الظلم والعدوان تسلب ثرواتكم وتنهب خيراتكم، لا تجعلوا من عراق الرشيد والمعتصم مقرًّا دائمًا للغزاة والحاقدين، كونوا أمة واحدة كما أرادكم الله، اسمعوا قوله تعالى: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:92]، وأنتم تعلمون شرعًا أنه لا يجوز لمسلم أن يشهر السلاح بوجه أخيه المسلم.

أيها المسلمون، شعبنا المسلم في أرضنا المقدسة يكتوي بنار الاحتلال، ويقع حاليًّا ضحية التفاعلات والتناقضات في العالم كله، إذ لم يعد قادرًا على المطالبة بحقوقه المشروعة، ذلك أن إسرائيل تستغل الحملة الدولية ضد الإرهاب لتعكس سياستها التوسعية على حساب الحقوق الفلسطينية، وتخلط بين الإرهاب والحق المشروع، فلم يعد في القاموس الدولي ما يعرف بالنِّضَال العادل والمشروع، وإنما يجب محاربة الإرهاب. وقد كشفت وزارة الخارجية البريطانية النقاب عن وثائق سرية تتحدث عن اعتزام الحكومة الإسرائيلية مواصلة تهويد مدينة القدس، ومصادرة المزيد من الأراضي لإقامة مستوطنات جديدة وتوسيع المُقَامَة، وإقامة نقاط حدود تعيق حركة المواطنين.

أيها المسلمون، الحركة المسعورة لتهويد مدينة القدس لا تزال مستمرة وبشتى الوسائل، فقد قامت دائرة الطابو الإسرائيلية بتسجيل ألف وثلاثمائة عقار داخل البلدة القديمة بأسماء يهود، وأمتنا غافلة لاهية وتحت مسمع العالم، ماذا تبقّى من بيوت وعقارات داخل القدس؟! العقارات تسرّب بطرق غير مشروعة، وقد يتم الاستيلاء عليها عنوة وبالقوة، وقد أعلنت الهيئة الإسلامية العليا رفضها لهذه الخطوة من جانب إسرائيل، ودعت المجتمع الدولي ورابطة العالم الإسلامي إلى التدخل السريع لوضع حد لهذه الممارسات التي تفقد الفلسطينيين حقهم المشروع في ممتلكاتهم. ومن هنا فالواجب أخذ الحيطة والحذر الكامل والتمسك بحقنا وتكثيف السكن والتواجد في البلدة القديمة وعدم إعطاء الفرص والذرائع لغيرنا بالاستيلاء على ممتلكاتنا.

عباد الله، وضمن سياسة تهويد المدينة تعتزم بلدية القدس القيام بحملة واسعة لهدم البيوت في مدينة القدس وضواحيها بدعوى البناء غير المرخص، علمًا بأن البلدية لا تعطي رخص بناء، وتفرض قيودًا تعجيزية تكلف المواطن مئات آلاف من الشواقل للحصول على رخص بناء، قبل الهدم تفرض الغرامات الباهظة والمخالفات المتعددة فيدفعها المواطن لعل الهدم يتوقف، ثم يفاجأ بقرار الهدم، ويصبح البيت رمادًا تجرفه جَرّافات الظلم. فلا الغرامات تعفيه من الهدم، ولا التراخيص بالأمر الهين السهل حتى يحصل عليها، فهل تعرف بلدية القدس أن أعداد الأسر تتكاثر، وأنه لا بد لهم من سكن ومأوى؟! هل تعرف للإنسانية معنى أو العدالة مغزى؟! هل يريدون أن نرحل من أرضنا؟! فليطمئنوا؛ لن نرحل من أرضنا وأرض الإسلام والمسلمين ما دام فينا عرق ينبض.

أيها المسلمون، أفيقوا من سباتكم، وانتبهوا لأنفسكم، فنحن نعيش في زمن المآسي والآلام والأحزان، لم نتذوق حلاوة الإيمان والنصر منذ زمن، وأنتم ترون بأنفسكم أن أفراحكم تتحول إلى أحزان ومآتم، وأبناء جلدتنا يروّجون للكفر والإلحاد والعلمانية والعولمة، وليس لكم من سبيل إلا أن تعودوا إلى طريق الله، وأن تتمسكوا بحبل الله، وأن تعملوا لإقامة دولتكم دولة العدل دولة القوة والتسامح دولة الإسلام دولة الأمن والأمان، فلا تكونوا عونًا للشيطان، وكونوا أهلاً لحمل المسؤولية، وتيقّنوا أن من كان مع الله فلن يخذله، فانصروا الله ينصركم، ويثبت أقدامكم، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا [الطلاق:2، 3]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا [الطلاق:5، 6].

 

 

الخطبة الثانية

أما بعد: أيها المؤمنون، إن الله تعالى قد تكفّل بنصرة هذا الدين إلى يوم القيامة وبظهوره على الدين كله، وشهد بذلك وكفى بالله شهيدًا، وأخبر الصادق المصدوق أنه لا تزال طائفة من أمته ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم إلى يوم القيامة، وأخبر أنهم في أرض الشام، كما أخبرنا أن الساعة لا تقوم حتى نقاتل قومًا صغار الأعين، ذُلْف الأنوف، يَنْتَعِلُون الشعر، كأن وجوههم المجَانّ المُطْرَقَة. وأخبر أن أمته لا يزالون يقاتلون الأمم حتى يقاتلوا الأعور الدجال حين ينزل المسيح عيسى ابن مريم من السماء على المنارة البيضاء شرقي دمشق، وأخبرنا أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد دينها، وأنتم تعلمون أن التجديد لا يكون إلا بعد هدم، ويقول نبينا : ((سألت ربي أن لا يُسلّط على أمتي عدوًّا من غيرهم فيجتاحهم فأعطانيها، وسألته أن لا يهلكهم بسنة عامة فأعطانيها)).

وما تزال دلائل نبوته تظهر شيئًا بعد شيء يا عباد الله، وأنتم ترون ذلك بأعينكم، مهما حدث لكم من تعب ونصب فاصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون.

عباد الله، نريد مسلمين حقيقة لا بأسماء ولا بالوراثة ولا بالوجود في أرض الإسلام، نريد مسلمين مستعدين أن يبذلوا في سبيل دينهم وأمتهم وعقيدتهم.

عباد الله، إن هذا الدين منصور لا محالة، فكونوا أنتم ـ أيها المؤمنون ـ أنصار الله، كونوا أتباع رسول الله ، كونوا أنتم الفئة المرجوة لنصرة دين الله تعالى، فإن لم تفعلوا: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54]. كونوا أنتم رجال الإسلام والقرآن والإيمان.

أيها المسلمون، إن الإسلام ـ والحمد لله ـ طود شامخ وجبل راسخ، بل هو أرسى من الجبال لا تزعزعه الرياح مهما عصفت، إن ديننا يمتد هنا وهناك، ويدخل فيه الكثيرون، ونحن موقنون أن المستقبل للإسلام والمسلمين.

عباد الله، نحن ننتظر اليوم الذي يعم فيه نور الإسلام في كل مكان، ووعد الله سوف يتحقق، ولن يخلف الله وعده، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.