مهندس / حسين عبده طنطاوي(1)
قال الله تعالى:)هو
الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع
سماوات وهو بكل شيء عليم. وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض
خليفة قالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك
ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون
([البقرة:
29 ـ 30].
هذه بداية قصة الإنسان... هو قول الله خلق لكم أي: من أجلكم، وقوله:
)إني
جاعل في الأرض خليفة
(أي:
قوماً يخلف بعضهم بعضا قرناً بعد قرن، وجيلاً بعد جيل، وأن الله جعل ما
في الأرض والسماوات وما بينهما منعماً به عليهم ومسخراً لهم
)وسخر
لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه إن في ذلك لآيات لقوم
يتفكرون
([الجاثية:
13].
فلم يخلق شيء عبثاً، فلا بد له من منفعة لا يصح رجوعها إلى الله
لاستغنائه بذاته، فهي راجعة إلى البشر ليخبروا بذلك.
ولقد تضمن القرآن الإشارة على كل الثروات في كل الكون الذي خلقه الله،
وما جعله الله للإنسان من إمكانيات الانتفاع بما منحهم من قدرات عقلية
وفكرية وجسدية ليعمل بها في هذه الثروات للانتفاع متعاونون ومتكافلون،
وهذا التعاون يربط مصالح الفرد بمصالح الجماعة، وإن اختصاص الفرد لهذه
الثروات بالملكية رهين بجهده، ومكلف من الله تكليفاً شخصياً ومسؤول
بصفته عن أمور الدنيا بالسلوك الديني
)كل
نفس بما كسبت رهينة
(.
ولقد وضع القرآن والسنة للإنسان القواعد العامة للملكية والتصرف ليحقق
الإنتاج وتنميته وقواعد التصرف والملكية ومنع الاغتصاب والسرقة، وعلم
كيفية التعامل والتجارة وشؤون المحاسبة، والأجور والإدارة.... الخ.
وفي الواقع: فإنه نتيجة لأعمال أفراد الشعوب بقدراتها العقلية والفكرية
والجسدية، وسلوكياتهم العامة في مختلف المجالات يقاس مقدار تحضرها أو
تخلفها وارتفاع مستواها أو انخفاضه عن الحياة اللائقة للبشر فلذا كان
علينا أن نهتدي بما احتواه القرآن والسنة النبوية عن تنمية الإنتاج،
وأوجه الاستثمار لنقيس به أعمالنا لنعرف مواقع التقدم أو التخلف
وأسبابه.. وما هو مدى تحقيق المسلمين لقول الله:
)كنتم
خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله
ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون
([آل
عمران: 110].
ولما كان هذا الموضوع بالذات هو مشكلة المسلمين في حاضرهم الراهن
ومستقبلهم المجهول بالنسبة للأفراد والمجتمعات محلياً وعالمياً لذا وجب
علينا التركيز لتوضيح النمط الذي حدده القرآن والسنة النبوية، خاصة بعد
واقع تخبط الشعوب الإسلامية بإتباعها أنظمة من دول تدعى التقدم في ظل
مسميات نظام رأسمالي وآخر اشتراكي وذلك شيوعي. فتاهت وتخبطت في واقعها
لأنها مجهولة الهوية عن تركيبة معتقداتنا فوقع التخلف فينا والإسلام
بريء منه. إذ كيف نكون شعوباً إسلامية تكويناً وإدراكاً ثم نتبع
تكويناً مخالفاً وإدراكاً مخالفاً ثم لا يلحقنا تخلف؟.
وسنسرد نموذج من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المرشدة لجوانب
التنمية الإنتاجية والاستثمار لو قسنا بها ما يقوم به بعض أبناء الأمم
الإسلامية لأتضح لنا انعدام العقيدة الإسلامية في سلوكياتهم، وطبقوا في
غفلة من العقول نظريات انقادت لها الشعوب مستسلمة بحجة التطور فأصبحت
متخلفة بعد أن كانت بغداد والقاهرة والأندلس ودمشق وقرطبة وسمرقند
منارات الحضارة الإسلامية ومرتكز للتقدم العلمي. وقد ازدهرت تلك
الحضارات على فترات متقطعة من التاريخ لكن يحكمها قانون سلوكي موحد إذ
ازدهرت بالنهضة الإيمانية وخبت إذ طغت الشهوات المادية. وفي ذلك يقول
المستشرق الإيطالي ( ليبرتيني ) في
كتابه: ( الإسلام في أمجاده ) ( أنني
أكاد أعتبر أقطاب الأندلس وجزيرة العرب عندما أضاء سناء الحضارة بفضل
جهادهم والعلم المنتشر في ربوعهم ـ أكبر أعداء العالم ـ لأنهم لم
يكتفوا بإفناء بعضهم بعضاً بل تعدوا ذلك إلي وأد ألمع حضارة أوجدها
إنسان على وجه الأرض، وكانت لم تزل تترعرع في أحضان النهضة الإسلامية
الخارقة. فلو ارتاح لها أربابها والعاملون على إشعال قبسها الوضاء
الباهر أن تمشي في سبيلها إلى التكامل لما بقي على الأرض إلا كل عربي
أو مستعرب، ولما كان غير الإسلام ديناً ). ببساطة تساوينا في الأسلوب
فسبقونا بمؤامراتهم، فتخلت عنا هداية السماء فسرقوا ثرواتنا وما زالوا
يسرقونها حتى اليوم. وسرقوا تراثنا العلمي واستسلمنا لمشيئاتهم وأصابنا
الوهن وتسابقنا على الرزق وناسين الرزاق.
قال الله سبحانه وتعالى:
)هو
الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه
النشور
(.
أي: جعل لكم الأرض ساكنة لا تميد بما عليها من الجبال، وأنبع فيها
العيون، وسلك فيها السبل، وهيأ فيها من المنافع ومواضع الزروع والثمار،
فسافروا حيث شئتم من أقطارها وترددوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع
المكاسب والتجارات وأن سعيكم لا يجدي عليكم شيئاً إلا أن ييسره الله
لكم، والسعي لا ينافي التوكل على الله.
وتأسيساً على نظام وسنة الحياة من السعي للإنتاج وما يتلوه من الرزق
والثمرات، فخاطب سبحانه وتعالى العقول
)وما
خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين. ما خلقناهما إلا بالحق ولكن
أكثرهم لا يعلمون
([الدخان:
38 ـ 39].
إذن السماوات والأرض وليلها ونهارها وما أنزل الله من السماء من ماء،
والأرض وما حملته من جبال ومحيطات وأنهار، ومكوناتها، واختصاص أولي
الألباب بما يعني التخطيط والتنظيم وهما أساس العلم، فإن هذا من عناصر
الإنتاج.
ولقد فصلت سورة النمل الثروات التي وهبها الله للإنسان ومفتاح الأعمال
المثمرة والتي منها ما يلي:
رقم الآية |
النص |
بعض ما تدل عليه الآية |
3 |
)خالق
السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون
( |
الطبيعة |
4 |
)خلق
الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين
( |
الثروة البشرية |
5 |
)والأنعام
خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون
( |
الثروة الحيوانية |
6 |
)ولكم
فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون
( |
النقل والمواصلات |
7 |
)وتحمل
أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم
لرؤوف رحيم
( |
=
البرية |
8 |
)والخيل
والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون
( |
وسائل المواصلات |
9 |
)وعلى
الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين
( |
الاقتصاد من الدين |
10 |
)هو
الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون
( |
الثروة المائية |
11 |
)ينبت
لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن
في ذلك لآية لقوم يتفكرون
( |
الثروة الزراعية |
12 |
)وسخر
لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن
في ذلك لآيات لقوم يعقلون
( |
الطاقة الشمسية والفلك |
13 |
)وما
ذرأ لكم في الأرض مختلفاً ألوانه إن في ذلك لآية لقوم
يذكرون
( |
الثروة المعدنية |
14 |
)وهو
الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً وتستخرجوا منه
حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله
ولعلكم تشكرون
( |
الثروة السمكية والمعدنية والنقل البحري والتجارة |
15 |
)وألقى
في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهاراً وسبلاً لعلكم تهتدون
( |
الجبال والطرق النهرية والبرية |
16 |
)وعلامات
وبالنجم هم يهتدوون
( |
الثروة العلمية الفلكية |
17 |
)أفمن
يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون
( |
الله هو الخالق لكل شيء |
18 |
)وإن
تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم
( |
نعم الله لا تحصى كثرة ومنها المواد الطبيعية |
65 |
)والله
أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها إن في ذلك
لآية لقوم يسمعون
( |
مصادر المياه والمحافظة على خصوبة الأرض واستصلاحها |
66 |
)وإن
لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم
لبناً خالصاً سائغاً للشاربين
( |
صناعة الألبان في أجسام الأنعام |
67 |
)ومن
ثمرات النحيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً إن
في ذلك لآية لقوم يعقلون
( |
الصناعات الغذائية والمحفوظة والتي علمها الله للإنسان |
68 |
)وأوحى
ربك إلى النخل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما
يعرشون
( |
بعض ما تدل عليه الآية إنتاج العسل والأدوية سنة |
69 |
)ثم
كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللاً يخرج من بطونها
شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم
يتفكرون
( |
80 |
)والله
جعل لكم من بيوتكم سكناً وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتاً
تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها
وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين
( |
التعمير وتأثيث السكن |
81 |
)والله
جعل لكم مما خلق ظلالاً وجعل لكم من الجبال أكناناً وجعل
لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته
عليكم لعلكم تسلمون
( |
صناعة المظلات وتوفير الحصون وصناعة الملابس ودروع الحرب |
تعريف الثروة في الاقتصاد الإسلامي:
هي كل مال نافع لا ضرر في استعماله آل إلى مالكه بالطريقة المشروعة
دينياً وبنص الكتب السماوية ومصدرها ما هيأه الله في الأرض والسماء وما
بينهما إلا ما حرم الله بنص القرآن والسنة النبوية. ومن ثم تعتبر الخمر
والمخدرات والربا وما أخذ بالسرقة والاغتصاب ليست بثروة لضررها.
أما في الاقتصادي الرأسمالي هي الأموال الاقتصادية التي تنضوي تحت شروط
ثلاثة:
أـ المنفعة.
ب ـ الندرة.
جـ ـ التبادل.
أ ـ فبالنسبة للمنفعة:هي
صلاحية المال وقدرته على إشباع الحاجة. والحاجة عندهم هي إحساس داخلي
يؤدي إلى الألم والضيق ما لم يتم إشباعها ولا يلزم أن تتفق مع الدين
والخلق وأن المال الاقتصادي اللازم لإشباعها محايد ولذا كانت الخمر
والمخدرات والخنازير عندهم ثروة.
وحاجة الإنسان للأموال لا حدود لها، وتزداد كلما تقدم إنتاجه، ومنها
الضروري ومنها الكمالي، وقد يتحول الكمالي إلى ضروري بالتقدم
والرفاهية.
ب ـ أما الندوة:فتكون
الكمية المتاحة من الأموال أقل من الحاجة إليها وبذا يتحدد ثمن لندرتها
ومنفعتها.
جـ ـ أما التبادل:فالحاجة
إلى الأموال تخلق الطلب عليها وتظل كذلك طالما أنها نادرة ونافعة
ويتحدد سعرها بالأسواق بفعل العرض والطلب، وهذا يعني أن تكون الأموال
قابلة للتداول لكي تكون ثروة ويرفض الإسلام شرط الندرة وشروط التبادل
في المال ليكون ثروة لأن من الأموال وغيرها ما يمثل ثروة رغم كثرتها
واستحالة تبادلها وأمثلة ذلك:
الإنسان بإيمانه وعمله وعلمه ومواهبه ومهارته وفنه أكبر ثروة بشرية وإن
استحال تبادل هذه الصفات وتقدير ثمن لها في الميزانيات في حاضرنا.
)ولقد
كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر
([الإسراء:
70].
وإن الجبال والأنهار والغابات وإن لم تكن ثروة فردية إلا أنها ثروة
قومية رغم كثرتها وتعذر تداولها وتقدير ثمن لها.
والبحار والمحيطات وإن لم تكن ثروة فردية أو محلية إلا أنها عالمية لا
تتداول ولا تقدر بثمن والماء والهواء وحرارة الشمس ثروة لكل من ينتفع
بها في زيادة الإنتاج وفي توليد الطاقة وإنشاء المحطات النووية وغيرها.
والشهرة في تخصص معين والإحتياطات السرية ثروة.
والحكم العادل والقانون العادل واستتباب الأمن والنظام والعلوم والفنون
التكنولوجية والدواء والعلاج والمياه الصالحة للشرب والكهرباء كل ذلك
يمثل ثروة مهما زادت كميتها لمنفعتها في نمو الحياة الاجتماعية.
إذن عندما جعل الله الأرض ذلولاً من أجل الإنسان، فيجب ألا تمر هذه
الإشارة بغير تبصرة لأبعاد بغير حدود للأرزاق والمياه. وذلك رداً على
الذين يثيرون في المحافل والمؤتمرات العالمية التخوف من المجاعة
والجفاف حتى ينفوا عن أنفسهم جريمة التسبب العمد في إحداث المجاعة
والزعم بنقص المياه كأنهم هم المسيطرون. وليس هذا بعجيب على من يريدون
الاستئثار لأنفسهم بالمتعة على أنقاض الآخرين. ولكن العجب كل العجب كيف
ينساق المسلمون لهذه الأفكار وعندهم كتاب الله الذي يقول:
)إن
الله هو الرزاق ذو القوة المتين
(صدق
الله فجوف الأرض يحتوي طبقات من المعادن المختلفة، ومياه جوفية، وغازات
طبيعية وبترول كما أنها تدور حول الشمس تستمد منها الطاقة والحرارة.
وهي محاطة بغلاف هوائي يبلغ ضغطه 15 رطل على كل بوصة مما يؤكد استقرار
كل شيء على الأرض. ومن آثاره الرياح.
)ومن
آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره
ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون
([الروم:
46].ويعتبر
الهواء قمة الضروريات للإنسان والحيوان والنبات ولا يستطيع إنسان أن
يعيش دقائق بدون الهواء قمة الضروريات للإنسان والحيوان والنبات ولا
يستطيع إنسان أن يعيش دقائق بدون الهواء والماء قد جعل الله منه كل شيء
حي
)وهو
الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد
([الشورى:
28].
أليس هذا كله بثروات من أهم الضروريات في مواطن الإنتاج لأجل البشرية،
والماء بتحوله إلى بخار يصبح مصدر طاقة لتشغيل الآلات فيمكن إنتاج
المصنوعات، كما أن مجاري المياه من أنهار ومحيطات وبحيرات تمكن الإنسان
من قطع المسافات في أقصر الأوقات بأقل النفقات.
ولما كان الإنسان هو محور كل هذه النعم لتكون الدنيا معبر للحياة
الحقيقية في الآخرة، إذن فقد كفل للإنسان بعد أن استخلفه في الأرض
الوسائل ورسم له الحدود التي يعمل بها في هذه الثروات.
أسس استغلال الإنسان لهذه الثروات في الإسلام
قبل أن نتكلم عن هذه الأسس نوضح ما ورد بالقرآن والسنة وما قاله علماء
المسلمين عن الإنسان باعتباره مستخلفاً في الأرض بقول الله عز وجل:
)الذي
أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين. ثم جعل نسله من سلالة من
ماء مهين. ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة
قليلاً ما تشكرون
([السجدة:
7 ـ 9].
وعندما سئل سيدنا محمد عن الروح أنزل الله عليه الإجابة
)ويسألونك
عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً
([الإسراء:
85].
إذن الروح من أمر الله، وهي فوق المادة وفوق النواميس الأرضية، كلها
نور وصفاء، ولذا فقد أرسل الله أنبياءه، ومعهم الكتب والميزان ليحفظ
الروح على ظهرها.
وجاء في كتاب مقدمة ابن خلدون: ( الإنسان مركب من جزئين جسماني والآخر
روحاني ممتزج به ولكل جزء من الجزأين مدارك مختصة به والمدرك فيها واحد
وهو الجزء الروحاني. يدرك تارة مدارك روحية وتارة جسمانية إلا أن
المدارك الروحية يدركها بذاته بغير واسطة، والمدارك الجسمانية بواسطة
آلات الجسم من الدماغ والحواس، وكل مدرك فله ابتهاج بما يدركه، فلا شك
أن الابتهاج بالإدراك الذي للنفس من ذاتها بغير واسطة يكون أشد وألذ ).
لهذا أنزل الخالق تبارك وتعالى الأديان بكتبه ورسله لؤمنوا ويعملوا في
آن واحد. والإيمان لازم لإشباع مطالب الروح، ولأن العمل لإشباع حاجات
الجسد وبذلك يحتفظ الإنسان بتوازنه ويعتدل في كل تصرفاته.
ولذا: فالعمل بإيمان يدفع للإخلاص والإتقان والإبداع. والعلم ضرورة
لإصلاح حال الإنسان ورفعته ولزيادة الإنتاج وجودته ولتحقيق الثروة.
وقول الله تعالى:
)يرفع
الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات
([المجادلة:
11].وورد
بالقرآن كثير من الآيات توجه الإنسان المسلم لشؤون دينه ودنياه وآخرته.
نورد أمثلة عن داود عليه السلام:
)وعلمنه
صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم
(.
وعن يوسف الذي تولى قيادة التغلب على معركة الجدب والسنين الشداد
)ولما
بلغ أشده آتيناه حكماً وعلماً
([يوسف:
22].
وقصة الخضر لموسى عليه السلام:
)فوجدا
عبداً من عبادنا آتيناه رحمةً من عندنا وعلمناه من لدنا علماً. قال له
موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشداً
([الكهف:
65 ـ 66].
ويقول الله:
)واتقوا
الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم
([البقرة:
282].
ففي سنة 247هـ أنشىء أول مسجد كبير في فاس ولم يخصص للعبادة فقط بل كان
دار علم ليتلقى فيها الطلبة العلم ) ولم يكن قاصراً على الحديث
والتفسير والفقه، إنما كان يدرس فيها علوم الرياضيات والفلك والجغرافيا
وأطلق على المسجد جامعة القرويين.
وفي شأن هذه الجامعة يقول بندلي: (
من أكاديمية موسكو ): إن أقدم جامعة في العالم ليست في أوروبا كما كان
يظن، بل في أفريقيا، وفي مدينة فاس عاصمة المغرب ). وقد تخرج منها كثير
من الطلبة غير المسلمين وعلى رأسهم الراهب _ جربرت ) الذي صار فيما بعد
البابا ( سلفستر الثاني ) الذي أدخل الأعداد العربية إلى أوروبا وعندما
وصل إلى إيطاليا ترجم كل ما كتبه المسلمون في العلوم وهو الذي قاد فكرة
تعديل القانون الروماني ليتمشى مع الشريعة الإسلامية.
عقل الإنسان:وجعل
الله الإنسان ناطقاً مرفوع الرأس سميعاً بصيراً لا بعينيه فقط، قادراً
على العمل الصالح والإبداع، جميل المنظر، حسن الهيئة، يحب ويكره، ينفع
نفسه ويسعد غيره
)لقد
خلقنا الإنسان في أحسن تقويم
([التين:
4].
ويقول الله تعالى:
)إن
في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد
([ق:
37].
قال العلماء:إنه
قد يعبر عن العقل بالقلب لأن القلب كل العقل، والفؤاد محل القلب والصدر
محل الفؤاد.
ولقد ميز الله الإنسان بالعقل، وهو مصدر تصرفاته ولا سبيل لمعرفة حقيقة
إلا بالعقل نفسه. ويعجز العلماء عن تفسير هذه الحقيقة.
الماديون يقولون:إن
المخ والأعصاب تصنع تصرفات الإنسان، إلا أنها في الواقع جزء من عالم
المادة. وكما تتفاعل الروح مع الجسد فيتحرك، كذلك يتفاعل العقل مع المخ
فيعمل على الإدراك الحي والمعنوي. وهذه الميزة تميز بين الإنسان
والحيوان واستطاع الإنسان أن يؤمن بالله بعقله رغم استحالة
رؤيته )إن
شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون
([الأنفال:
122].
وقال عمر بن الخطاب: ( أصل الرجل عمله، وحسن
دينه ومرونة عقله ).
الإيمان:يكفل
للإنسان استمرارية الحياة المطمئنة والآمنة، ونموها وتقدمها إذا التزم
بها ورضي عنها واطمأن إليها قلبه واستراحت لها نفسه وانشرح بها صدره.
ومن المسلم به أن أنفع القواعد للإنسان هي:
1ـ ما قامت مبادئها على الحق والعدل.
2ـ وما كفلت قوانينها الحرية والمساواة.
3ـ وما غرست تعاليمها في النفوس الخلق الكريم والمثل العليا.
4ـ وما أقرت أحكامها حقوق الإنسان كاملة.
5ـ وما دعت إلى العلم والعمل والإنتاج الجيد.
6ـ وما بني فيها العلاقات والمعاملات بين الناس على التعارف والتضامن
والتكافل والأمن والسلام.
والإيمان في الإسلام طبقاً لما بينه سيدنا محمد من الأركان الخمسة
للإسلام فقد ورد عن عُمَرُ بنُ الْخَطّابِ أنه قال:
( كُنّا عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه
وسلم فَجَاءَ رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ
الشّعْرِ، لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السّفَرِ، وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنّا
أَحَدٌ حَتّى أَتَى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فَأَلْزَقَ رُكْبَتَهُ
بِرُكْبَتِهِ، ثُمّ قَالَ: يَا مُحمّدُ ما الاْيمَانُ؟ قَالَ: أَنْ
تُؤمِنَ بِالله وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَوْمِ
الاَخِرِ، وَالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرّهِ..
الخ )،والاقتصاد
في السلام هو نمط وأسلوب في حياة المؤمن
)وأقيموا
الصلاة وآتوا الزكاة
([البقرة:
43 ـ 83 ـ 110 والنساء: 77 والنور: 56 والمزمل: 20].
والإنفاق كاقتصاد بدافع الإيمان:
)آمنوا
بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم
وأنفقوا لهم أجر كبير
([الحديد:
7].وهو
حق في مال الأغنياء قال سيدنا محمد: ( إن في
المال حقاً سوى الزكاة ).
والتجارة كإقتصاد وردت مع فريضة الحج كعبادة
)ليس
عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله
عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين
([البقرة:
198].
وجاء في تفسير القرطبي " وابتغاء الفضل بمعنى التجارة وإن هذا في الآية
دليل على جواز التجارة في الحج ".
وزكاة الفطر بعد صوم رمضان ـ وإطعام مسكين إذا تعذر القضاء، والجوع
والعطش لكي يحسن المسلم بما يعانيه الفقير، فأوجب على المسلم البر
إليهم.
والقرض الحسن
)من
ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة
([البقرة:
245].
إعطاء القرض عبادة وعمل اقتصادي وتدعيم للمقترض وتقرب لله من المقرض.
والحكم بأن البيع والشراء حلال والربا حرام
)وأحل
الله البيع وحرم الربا
([البقرة:
275].
حرية الفكر والعقيدة مع أن الإسلام يدعو الناس جميعاً لاعتناقه تحقيقاً
لمصلحتهم ودفعاً للضرر الذي يلحق بهم فهو لا يكره أحداً على ذلك وتبين
ذلك في قوله تعالى:
)أفأنت
تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين
([يونس:
99].وفي
قوله: )فمن
شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر
([الكهف:
29].
السعي للرزق هو في غريزة الإنسان، أما الإنفاق فيحتاج لمجاهدة النفس:
)المال
والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً
وخير أملاً
([الكهف:
46].
قال القرطبي: ( إنما كان المال والبنون زينة الحياة الدنيا لأن في
المال جمالاً ونفعاً وفي البنين قوة ودفعاً فصارا زينة.
أما الباقيات الصالحات فهي عن ابن عباس الصلوات الخمس وكل عمل صالح من
قول وفعل يبقى للآخرة ).
الربط بين الإيمان والتقوى والاستقامة والتقدم الاقتصادي:
يقول الله:
)وأن
لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً
([الجن:
16].
)ولو
أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض
([الأعراف:
96].
رسم الطريق لحياة المؤمنين بإقامة العدل وحمايتهم بالإيمان والقوة:
)لقد
أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس
بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره
ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز
([الحديد:
25]ربط
قوي بين الثروة الروحية وهي القرآن والثروة المادية وهي الحديد لتستثمر
الحياة الدنيا بالحق والعدل والثروة والقوة.
ولما كانت الغاية من الاقتصاد هي سعادة الإنسان بصفة عامة فإن الغاية
من الإيمان هي سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة. وبذلك فإن الاقتصاد
الإسلامي يقوم على ما يقوم عليه الإسلام فيحل ما أحل الله ويحرم ما حرم
الله من الأعمال والأموال لتكون طيبة لا خبيثة ممنوعة. والدافع الأول
لهما على بذل الجهد هو الإيمان ليحقق الإخلاص والإتقان وأقل ألماً
وأوفر وقتاً ونفقة وأجود إنتاجاً وأضمن أمناً وسلاماً.
وصدق الله:
)من
عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم
أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون
([النحل:
97].والدافع
الثاني: تتوحد الغاية في كل من الإيمان والاقتصاد وهي سعادة الإنسان،
ووسائل تحقيقها واحدة وهي العمل.
العمل الإسلامي
العمل الإنساني هو الجهد الإرادي الذي يبذله الإنسان لإيجاد منفعة،
وواقعه في الطبيعة يجسد الصورة الإيمانية في عقل الإنسان.
والعمل أقدس القيم التي يرفعها الإسلام وهو أساس القيمة ومصدرها.
والعنصر المعنوي الوحيد في عناصر الإنتاج. والجهد الإرادي لتحقيق
الإنتاج ليس وحده كافياً، بل يجب أن يخضع الجهد للتنظيم حتى يكون
منتجاً لمنفعة مادية أو معنوية وإلا صار الجهد الإرادي للإنسان ضرباً
من العبث. ورب العمل هو المنظم المنوط به التأليف بين عناصر الإنتاج
المختلفة، في سبيل الحصول على سلع وخدمات لبيعها مقابل الربح، وفي
النظرة الإسلامية المسؤول الأول عن قيادته وتوجيهه. وهو في الأصل
يتقاضى ربحاً عن عمله إذا كان هو المالك وله أن يتقاضى أجراً وربحاً
إذا كان مساهماً في شركة حيث يكون مأجوراً عن بقية الشركاء.
العمل واجب وحق في آن واحد
)
اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب
والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون
([التوبة:
105].
إذن يجب على الإنسان أن يبحث عن العمل المناسب بالأجر المناسب تمكيناً
له من الكسب الحلال.
ومن أقوال سيدنا محمد في هذا الشأن: ( لأن
يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خيرٌ من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه ) ـ
( كان داود عليه السلام لا يأكل إلا من عمل يده )، ( ما أكل أحد طعاماً
قط خيراً من أن يأكل من عمل يده).
ويحض لقمان الحكيم ابنه على العمل:
يا بني استعن بالكسب الحلال عن الفقر فإنه ما افتقر أحد قط إلا أصابه
ثلاث خصال رقة وضعف في عقله وذهاب مروءته وأعظم من هذا استخفاف الناس
به.
وقال سيدنا عمر:لا
يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول: اللهم ارزقني فقد علمتم أن السماء لا
تمطر ذهباً أو فضة. جلس سيدنا محمد إلى أصحابه يوماً فرآهم ينظرون إلى
عامل قوي فقالوا: لو كان شبابه وجلده في سبيل الله، فقال لهم: لا
تقولوا هذا فإن كان يسعى على أبوين ضعيفين أو ذرية ضعاف ليغنيهم
ويكفيهم فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى تفاخراً وتكاثراً فهو في سبيل
الشيطان.
وقال سيدنا محمد: ( من أمسى كالاً من عمل
يده أمسى مغفوراً له ).
وروي عن سيدنا عيسى عليه السلام: أنه رأى رجلاً فقال له: ماذا تصنع
فقال الرجل: (أتدبر ) قال: ومن يعولك
قال: أخي. قال: ( أخوك أعبد منك ).
وقد جمع الله بين الجهاد في سبيله
)علم
أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون
يقاتلون في سبيل الله
([المزمل:
20].
وقد نزل في شأن الهجرة في طلب المعاش والكسب الزائد
)ومن
يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة ومن يخرج من بيته
مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان
الله غفوراً رحيماً
([النساء:
100].
ويطلق دوافع العمل من فضل الله على الناس ليقبلوا على عمارة الأرض:
أـ وللإنسان حاجات لا يمكنه الحصول عليها إلا بالإنتاج والعمل إلا هلك.
ب ـ إن موارد الطبيعة لا يمكن الحصول عليها ـ الانتفاع بها إلا بالعمل.
جـ ـ إن الطبيعة وآياتها لا يمكن التمتع بها إلا بالعمل
)إنا
جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً
([الكهف:
7].
د ـ الزيادة في عائد كافة فروع الإنتاج واستغلالها، والإقبال على
الإنشاء يزيد الصافي في الإنتاج وكذا في التجارة والصناعة.
هـ ـ الرغبة في التقدم والنمو والسيطرة والقوة والثروة يدفع إلى العمل
والإنتاج الجيد الغزير.
و ـ ما وعد الله به عباده من جزاء عادل يوم القيامة
)يومئذٍ
يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم. فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره. ومن
يعمل مثقال ذرة شراً يره
([الزلزلة:
6 ـ 8].
واجبات العاملين:
أـ اختيار العمل المناسب له
)لا
يكلف الله نفساً إلا وسعها
([البقرة:
286]
وقال سيدنا محمد: ( لا ينبغي للمؤمن أن يذل
نفسه قالوا: كيف يذل نفسه قال: يتعرض للبلاء لما لا يطيقه ).
ب ـ الاستمرار في طلب العلم ليستفيد بكل جديد ليتقنه. قال الرسول:
( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عمل أن يتقنه
).
جـ ـ بذل أقصى إنتاج بمقابل الأجر المناسب.
د ـ الزيادة الكبيرة في عائد كافة فروع الإنتاج وهو ما يشجع العاملين
على الإقبال على إنشائها واستغلالها. ففي الزراعة مثلاً يزيد صافي
الإنتاج، وكذا الصناعة.
هـ ـ الرغبة في التقدم والنمو والسيطرة والقوة والثروة يدفع إلى العمل
والإنتاج الجيد الغزير.
واجبات رب العمل:
أـ سداد الأجور في المواعيد المحددة ـ وقال سيدنا محمد:
( أعط الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ).
ب ـ وضع العامل المناسب في المكان المناسب.
جـ ـ عدم السماح بوجود بطالة مقنعة والسماح باشتراك العمال في نصيب عن
الزيادة من الأرباح.
هـ ـ المساهمة في تدعيم الحياة الاجتماعية للعامل.
واجبات ومسؤوليات الولاية:
أـ إصدار التشريعات لحماية العمل والعمال والأجور والمكافآت والبدلات.
ب ـ حماية الأطفال والنساء ( باعتبارهم الأضعف ).
جـ ـ القضاء على البطالة بإتاحة فرصة للعمل لكل فرد ( القائم حالياً
رفع مستلزمات الإنتاج وخفض سعر المنتج في مكان الإنتاج ).
د ـ التدخل من قبل الولاية لتحقيق الصالح للعمل والعمال ورب العمل ووضع
مقاييس تعاملاتهم المرتبطة.
هـ ـ الإشراف والرقابة والتوجيه والحساب وتوقيع الجزاء المناسب بما
يحافظ على العمل والعمال ورب العمل.
إنسانية الإنسان:
مراعاة مبدأ المحافظة على كرامة الإنسان
)يا
أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا
إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير
([الحجرات:
13].
)ولقد
كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم
على كثير ممن خلقنا تفضيلاً
([الإسراء:
70].
من أجل ذلك دعا الإسلام إلى التكامل والتعاون والتضامن لتوفير أسباب
الحياة الكريمة للضعفاء والمرضي وكبار السن وكل من يقعد عن العمل لسبب
خارج عن الإرادة كالبطالة والحوادث وطالب الأغنياء بهذا الواجب ليعيش
الناس عيشة راضية خالية من الكراهية.
الأجور:
الأجر هو ما يحصل عليه العامل مقابل جهده في عملية الإنتاج عن فترة
زمنية محددة قد تكون ساعة أو يوماً أو أسبوعاً أو شهراً أو سنة وقد
يحدد الأجر بالقطعة، وقد يحصل على ميزات مادية ويستخدم العامل أجره في
شراء السلع لحاجاته أو لأسرته أو في خدمات استهلاكية، وقد يدخر جزء منه
لاستثماره في مشاريع إنتاجية لزيادة دخله.
أولاً: مستوى الأسعار:يتحكم
في تحديد القيمة الشرائية للأجور فإذا ارتفعت الأسعار مع ثبات الأجور
انخفضت القيمة الشرائية، وإذا انخفضت الأسعار مع ثبات الأجور ارتفعت
القيمة الشرائية، وإذا تنافست الأسعار والأجور في الارتفاع نشأت أزمة
التضخم بكل مساوئها.
ثانياً: محددات الأجور:
أـ مستوى مسؤولية العمل وما يترتب عليها من نتائج.
ب ـ الشروط الواجب توفرها لكل عملية بجهاز العمل.
جـ ـ خبرة العامل ومستواه الإنتاجي كما ونوعاً.
د ـ الموارد الطبيعية من حيث الكم أو النوع.
هـ ـ المستوى العلمي والفني والوضع الاجتماعي.
و ـ أوقات الراحة وغيرها من المميزات.
ويرعى في كل ذلك كله إنسانية العامل بحيث أن تؤمن له عيشة كريمة كسائر
الناس ومراعاة تغطية احتياجاته الضرورية. إذ يقول ( سيدنا محمد
): ( من ولي لنا عملاً وليس له منزل فليتخذ
له منزلاً أو ليست له زوجة فليتخذ زوجة أو ليس له خادم فليتخذ له
خادماً أو ليست له دابة فليتخذ له دابة ).
ولذلك كان على ولي الأمر ( الحكومات ) التدخل في الحياة الاقتصادية
لتحديد حد أدنى للأجور ضماناً لحياة مستقرة للعامل وحفاظاً على اجتهاده
وإخلاصه وأمانته.
ثالثاً: اختلاف الأجور:
أـ باختلاف العاملين.
ب ـ اختلاف الأعمال.
جـ ـ اختلاف الأماكن بالنسبة لاختلاف العاملين:
يختلف العاملون في العقول والقدرات والاستعدادات فمنهم العالم والجاهل
والجد والخامل، والقوي الضعيف، والمصلح والمفسد، والأمين والخائن،
والعبقري والغبي، والسليم والمريض، والغني والفقير، والصادق والكاذب،
والمخلص والمسرف. الخ.... ومن الطبيعي أن يؤثر هذا في اختلاف أعمالهم
وجهدهم لتحقيق الإنتاج.
ومن العاملين الزارع والصانع، والطبيب والمهندس، والنجار وغيرهم وتختلف
أجورهم بالنسبة لكل مهنة بل لأبناء المهنة الواحدة.
ب ـ اختلاف الأعمال:الأعمال
تختلف من أهمها القضاء والتشريع والدفاع والسياسة والتربية والتعليم
والهندسة والمحاسبة، ومنها الزراعة والصناعة والتجارة والنسيج بل من
هذه قد تجد تصنيفاً ومنها السهل والصعب والمتوسط، ومنها العمل البدني
وآخر ذهني وآخر إداري أو تنفيذي، ولكل منها أجره مقابل الجهد المبذول
والنتائج ونوع العمل ومستواه ومسؤوليته.
جـ ـ اختلاف الأماكن:تختلف
الأماكن عن بعضها حسب موقعها الجغرافي وطبيعة أرضها وجوها وبعدها عن
مقر الإقامة ومستوى تكاليف المعيشة ووسائل النقل والمواصلات والخدمات
وتتحدد الأجور على ضوء العوامل الجغرافية
والاقتصادية والاجتماعية.
رابعاً: المساواة في الأجور:تستحيل
المساواة بين جميع العاملين لاختلافهم في الجنس والقوة والضعف، والسليم
والمريض، والعالم والجاهل، والغني والفقير، والمصلح والمفسد، والمجد
والخامل، والرئيس والمرؤوس، ولولا هذا الاختلاف لما وجد لكل عمل من
يشغله، ولما وجد لكل سلعة من يشتريها ولما وجد لكل خدمة من يؤديها ولما
أمكن للحياة أن تستمر ويقول الله:
)أهم
يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا
بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ورحمت ربك خير مما
يجمعون
([الزخرف:
32].
)ولولا
دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض
([البقرة:
251].
خامساً: العدل في الأجور:لا
أجد توضيحاً شاملاً لهذا الشأن إلا قول الله تعالى في الآيات الآتية:
)والله
فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت
أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون
([النحل:
71].
)ضرب
الله مثلاً عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقاً حسناً
فهو ينفق منه سراً وجهراً هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون.
وضرب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه
أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط
مستقيم
([النحل:
75 ـ 76].
هذه مشكلة بالنسبة للبشر ولكن يمكن تحديد العدل بقدر ما في إمكانية
البشر وهو:
1ـ دراسة كل عمل وتقسيمه إلى مراحل من واقع الميدان.
2ـ تحديد الشروط المطلوب توافرها في كل نوعية عمل في كل مرحلة.
3ـ تحديد الأجر المناسب لكل عمل على أساس واجباته.
4ـ مقابل للزيادة في الإنتاج عن المعدل وعن جودته.
ولما كان من بين العاملين في الحقل الواحد وبالأجر الواحد المجد وآخر
خامل فيكون الخامل تقاضى أكثر مما يستحق والمجد أقل.
ولما كان من الأعمال مجهودات يتعذر تقييمها فأي أجر يعدل عدل حاكم؟ وأي
أجر يساوي نفع عالم عامل؟ وأي أجر يعادل حق المخترع لشيء نافع؟ وأي أجر
يوازي نصر جندي على الأعداء وأي أجر يوازي فقد حياته وإصابته بعاهة؟
إذن ما زاد عن قدرة بصيرة المشرعين فهو شأن رب العالمين.
كما وإن من الأعمال ما لا يستحق صاحبه أجراً إذا أهمل أو قصر ومن يفرط
فيستحق العقوبة ومن أفسد أو استغل يستوجب أشد العقاب. ولذا فإن مشكلة
الأجور وعلاجها ستظل قائمة في الدنيا إذ إن منطق المقصرين في أعمالهم
)إن
هؤلاء ليقولون. إن هي إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين
([الدخان:
34 ـ 35].ويرد
عليهم الله:
)أفحسبتم
أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون
([المؤمنون:
115].
والقانون الإلهي لحياتنا هو الاستقامة والحق
)ويريد
الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين. ليحق الحق ويبطل الباطل
ولو كره المجرمون
([الأنفال:
7 ـ 8 ].
فليس من الحق أن يتساوى العادل مع الظالم، ولا المصلح مع المفسد، ولا
الأمين مع الخائن، ولا الجاني مع المجني عليه، ولا الظالم مع المظلوم.
وإن من العدل أن ينال كل جزاءه العادل ويكون الجزاء من جنس العمل وهذا
من اختصاص الوالي والقضاة المشرعون
)وما
خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين
كفروا من النار. أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في
الأرض أم نجعل المتقين كالفجار
([ص:
27 ـ 28].
سادساً: التفتيش:ويجب
أن يركز الولاة والقادة على الرقابة لتسجيل كل عمل قام به كل إنسان في
دنياه مع الشهود ( المفتشين ) والمستندات المؤيدة
)وكان
الله على كل شيءٍ رقيباً
([الأحزاب:
52]. )ولا
تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من
مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في
كتاب مبين
([يونس:
61].
وهل هناك أكبر توضيحاً من قول الله:
)ولقد
خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد.
إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد. ما يلفظ من قول إلا
لديه رقيب عتيد
([ق:
16 ـ 18].
سابعاً: الجزاء العادل حق:ويجب
على ولي الأمر أن يؤمن بقول الله:
)وخلق
الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون
([الجاثية:
22].
فالتجاوز عن الفساد ظلم إذا لم يخلق الله الحياة الدنيا لتكون فوضى لا
نظام لها ولا غاية، إنها خلقت بالحق كنظام وللحق كغاية، ويريد الله أن
يرى أثر نعمه الكثيرة على الإنسان حين ينتفع بها في الخير، ويبتعد عن
الشر، فيعمل العامل عمله بدافع الإيمان الصادق والعلم النافع يكون
عادلاً لا ظالماً وشجاعاً لا خائفاً ومعتدلاً لا مسرفاً ومتزناً لا
متعصباً وحكيماً لا مندفعاً.
فإن أطاع الله كان له الثواب، وإن عصى كان له أنسب عقاب.
هذه الأمور يجب أن يثقف بها العامل والوالي وتحل المشاكل
)من
عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبةً ولنجزينهم
أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون
([النحل:
97].
وفي الآية فعل شرط وجوابه، وفي الحياة الطيبة قال ابن عباس: إنه الرزق
الحلال.
وعن علي رضي الله عنه القناعة.
وقال الضحاك: من عمل صالحاً وهو مؤمن في فاقة وميسرة فحياته طيبة.
وقيل عن الحياة الطيبة: الاستغناء عن الخلق والانتقال إلى الحق، وقيل
الرضاء بالقضاء.
المال ورأس المال:
المال عند رجال القانون هو كل شيء قال للتملك للانتفاع به، ويشترط فيه
في الاقتصاد الإسلامي:
أولاً: أن يكون طيباً نافعاً لا خبيثاً ضاراً.
ثانياً: أن يكون الخلق كريماً ضماناً لتحقيق أولاً.
أما رأس المال فهو كل ثروة تستخدم لإنتاج سلع جديدة أو الحصول على دخل
سواء كان سلعاً إنتاجية أو استهلاكية. وناتج أي عملية إنتاجية رأس مال.
والمصدر الوحيد لملكية رأس المال أو المال هو العمل وليس يعني هذا عدم
إمكانية تداوله إذ يمكن أن تكتسب ملكيته عن طريق تصرفات ناقلة للملكية
كالبيع والهبة والوصية ولما كان قوله الله:
)آمنوا
بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم
وأنفقوا لهم أجر كبير
([الحديد:
7]فاستخلاف
الله للإنسان يعني:
1ـ أن أصل التملك للمال ( جميع الثروات ) يعود لله سبحانه وملكية
الإنسان بالوكالة.
2ـ نتيجة لذلك يصبح التصرف للإنسان فيما ملكه الله بالوكالة مقيداً
بإرادة الأصل وهو الوكيل وفق أوامره ونواهيه.
3ـ أن موضوع الخلافة أو محلها هو إعمار الأرض بمعنى زيادة ما فيها من
طيبات وذلك من الاستثمار. من هذا تبين لنا أن الله حدد وظيفة البشر في
الاستخلاف في قوله:
)هو
أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها
([هود:
61].
ومهمة المال تصب في صالح الفرد والمجتمع ليسهم في صلاح الدنيا والآخرة.
وعليه: ففي الإسلام تتجاوز وظيفة المال مجالات إشباع الحاجات إلى صالح
المجتمع ككل ودون ذلك فهو خلل في تأدية وظيفة المال. ومن حق المجتمع في
المال توسيع قاعدة المستفيدين.
)الذين
ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذًى لهم
أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون
([البقرة:
262].
)يا
أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض
ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا
أن الله غني حميد
([البقرة:
267].
والإسلام يمنع تراكم رأس المال بصورة تهدد التوازن الاجتماعي بما فرضه
من الزكاة كما منع الاحتكار.
قال سيدنا محمد: ( من احتكر على المسلمين
طعامهم ضربه الله بالإفلاس والجذام ).
إذ لا بد من استخدام رأس المال فيما يعود بالنفع على الأمة وقد أجاز
لولي الأمر منع الضرر عن طريق إجبار صاحب رأس المال على استثماره. إذ
فهي لله اكتناز الأموال وحرم حبسها عن الاستثمار فقال تعالى:
)والذين
يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم. يوم
يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم
لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون
([التوبة:
34 ـ 35].
وقال رسول الله: ( اتجروا في مال اليتيم حتى
لا تأكله الصدقة ).
كما قال رسول الله: ( نعم العون على تقوى
الله المال ).
تعريف الاستثمار:
هو ارتباط مالي بهدف تحقيق مكاسب يتوقع الحصول عليها على مدة طويلة في
المستقبل.
إذن: الاستثمار نوع من الإنفاق على أصول يتوقع عنها تحقيق عائد على مدى
فترة طويلة.
تقسيمات رأس المال المستغل في الاستثمار:
يقسم المادي وغير مادي.
فالمادي:كالآلات
والمباني، والمواد الأولية والنصف مصنوعة وهي قابلة للاستبدال.
أما الغير: قابلة للاستبدال كالماء والهواء وحرارة الشمس.
والغير مادي:
أـ داخلية:كصفات
الإنسان كالذكاء والمهارة وهي غير قابلة للاستبدال.
ب ـ خارجية:كالاسم
التجاري وهو قابل للاستبدال، ومنها غير قابل للاستبدال كشهرة المحل.
وقسم علماء المسلمين الأموال ورأس المال إلى:
الأول: الأموال الحلال. والثاني: الأموال الحرام.
فالأول: هو كل مال طيب وآلت ملكيته بالحق
)يا
أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً ولا تتبعوا خطوات الشيطان
إنه لكم عدو مبين
([البقرة:
168].
)ولا
تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من
أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون
([البقرة:
188].
إذن الأموال الحرام: هو كل مال خبيث وآلت ملكيته بالباطل.
وهي كل مال جاء عن طريق:
1ـ الربا.
2ـ المحاربة.
3ـ السرقة.
4ـ الخمر.
5ـ الغش.
6ـ الاحتكار.
7ـ الرشوة.
1ـ الربا: فضل مال بغير مقابل أو عوض مشروط في عقد معاوضة أو في مبادلة
مال بحال وحكمه حرام. ووجه الفساد أن النقود الورقية ـ أو غيرها ـ على
سبيل الحقيقة وسيلة التبادل في الأموال ( والمال ما له قيمة بين الناس
ينتفع به حال السعة والاختيار ) والنقود: يتوسل بها إلى معرفة مقادير
وقيم الأموال وهو ما يسمى بالثمن. فالثمن معيار الأموال به تعرف قيمتها
في التبادل. وعلى ذلك كيف يكون الثمن ثمناً لذاته أو نفسه وهذا شأن
الفائدة على النفوذ إذ هي نقود أيضاً والاستثمارات تتناسب طردياً مع
الربح الحلال وتتناسب عكسياً مع الربا.
فإذا كان الثمن معيار أموال الناس، فكيف يعاير الثمن نفسه وإذا كان لا
بد للثمن من مثمن فكيف يثمن نفسه؟.
وشيخ الإسلام أحمد بن تيمية مذهبه واضح في أن الأثمان معيار أموال
الناس ولهذا ينبغي للسلطان أن يضرب لهم فلوساً تكون بقيمة العدل في
معاملاتهم من غير ظلم لهم، ولا يتجر ذو السلطان في الفلوس أصلاً،
والشارع نهى أن يباع ثمن بثمن إلى أجل، وقد وردت آيات قرآنية تدل على
وسائل العلم بالتساوي والتماثل بقوله تعالى:
)ويا
قوم أوفو المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا
في الأرض مفسدين
([هود:
85]. )ولا
تنقصوا المكيال والميزان
([هود:
84].
)وزنوا
بالقسطاس المستقيم
([الشعراء:
182].
ولقد عني الفقهاء في استنباط المعيار فهي بالثمن وبالكيل وبالوزن
منفردة أو مجتمعة بعضها مع بعض.
وقد ورد عن الربا بالقرآن ما فيه الكفاية منها:
)وما
آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من
زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون
([الروم:
39].
)فبظلم
من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله
كثيراً. وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل
وأعتدنا للكافرين منهم عذاباً أليماً
([النساء:
160 ـ 161].
وأخطر آية عن الربا:
)يا
أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين.
فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم
لا تظلمون ولا تظلمون. وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير
لكم إن كنتم تعلمون
([البقرة:
278 ـ 280].
وعن ابن مسعود: لعن الرسول: ( آكل الربا
وموكله وكاتبه وشاهده ). وقال: (
رأيت ليلة أسري بي رجلاً يسبح في نهر يلقم بالحجارة فسألت من هذا فقيل:
آكل الربا ).
المحاربة:هي
قطع الطريق بقصد سلب الأموال ونهبها بالقوة.
)إنما
جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو
يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزيٌ
في الدنيا ولهم في الآخرة عذابٌ عظيم. إلا الذين تابوا من قبل أن
تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم
([المائدة:
33 ـ 34].
وقال مالك: ( المحارب عندنا من حمل على الناس في مصر أو في برية
وكابرهم عن أنفسهم وأموالهم دون نائرة ( هالجة ) ولا ذُحل ( الثأر ).
وقال القرطبي ـ رحمه الله ـ: وغنما كانت المحاربة عظيمة الضرر لأن فيها
سد الكسب على الناس فمن أكثر المكاسب وأعظمها التجارات وركنها وعمادها
الضرب في الأرض كما قال عز وجل:
)وآخرون
يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله
( فإذا
خيف الطريق انقطع الناس عن السفر واحتاجوا إلى لزوم البيوت فانسد باب
التجارة عليهم وانقطعت إكسابهم فشرع الله على قطاع الطريق الحدود
المغلظة وذلك الخزي في الدنيا ردعاً لهم عن سوء فعلهم والإمام مخير في
الحكم بالأحكام التي أوجبها الله من القتل والصلب أو القطع أو النفي.
السرقة: هي أخذ مال الغير بدون حق وبدون علم صاحبه أو موافقته
)والسارق
والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز
حكيم
([المائدة:
38].
وحدد الرسول إقامة الحد ( لا تقطع يد السارق
إلا في ربع دينار فصاعداً ) ولا تقطع للأبوين بسرقة ابنهما
لقوله عليه الصلاة والسلام: ( أنت ومالك
لأبيك ).
وقال ابن القاسم: ( ولا يقطع من سرق من جوع
أصابه ).
وقد أوقف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب تطبيق العقوبة في عام المجاعة.
وقال أبو حنيفة: لا قطع على أحد من ذوي المحارم مثل العمة والخالة
والأخت وغيرهن.
الخمر:من
الأموال التي حرمها الله وقد حرمت تدريجياً.
)يسألونك
عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من
نفعهما
(]البقرة:
219].
وقال رسول الله: ( إن الذي حرم شربها حرم
بيعها وقد لعن الخمر ولعن معها عشرة: بائعها ومبتاعها والمشتراة له
وعاصرها والمعصورة له وساقيها وشاربها وحاملها والمحمولة له وآكل ثمنها
).
الرشوة:أخذ
الرشوة لإبطال حق أو مالاً يجوز شرعاً وهي سحت حرام.
وقال القرطبي في تفسير:
)ولا
تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من
أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون
([البقرة:
188].
وقال الرسول في شأن من يحكم له القاضي والذي حكم له يعلم بأنه على باطل
( إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن
بحجته من بعض فأقضي له على نحو مما أسمع فمن قطعت له حق من أخيه شيئاً
فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من نار فليحملها أو يذرها ).
وقال الرسول: ( السحت أن يقضي الرجل لأخيه
حاجة فيهدى إليه هدية فيقبلها.. ). وقيل للرسول ما السحت؟ قال:(
الرشوة ).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من
استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً فما أخذ بعد ذلك فهو غلول ).
الغش: أمر الله سبحانه وتعالى بالحق والعدل في الأخذ والعطاء عند البيع
والشراء فقال:
)فأوفوا
الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد
إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين
([الأعراف:
85].
وقال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: ( لا
يحل لأحد بيعاً إلا أن يبين آفته ولا يحل لمن يعلم ذلك إلا تبيينه ).
وقال صلى الله عليه وسلم: ( البيعان إذا
صدقا ونصحا بورك لهما في بيعهما وإذا كتما وكذبا نزعت بركة بيعها.. ).
الاحتكار:الجالب
مرزوق والمحتكر محروم ومن احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله
بالإفلاس والجذام.
وإذا تدخل الوالي عن طريق أفراد أو مجموعة أشخاص بالقيام بعمل في فرع
معين لتحقيق أغراض اقتصادية أو اجتماعية للمصلحة العامة تخضع لقواعد
ويحكمها النظام فهذا جائز أما إذا نشأ الاحتكار نتيجة مميزات تبيح
لأشخاص حقيقيين أو معنويين القيام بأعمال صناعية لها صبغة احتكارية تضر
بالصالح العام عن طريق إخفاء السلعة إذ تعطيل الإنتفاع فترة من الوقت
بغرض رفع السعر لقلة المعروض فأجمع العلماء على تحريمه كما قال سيدنا
محمد: ( لا تسعروا فإن المسعر هو الله ).
فهذا يؤكد الحرية في التجارة والمنافسة المشروعة.
والعلاج بالتسعير الجبري إذا اقتضت الضرورة لصالح المسلمين يكون كعلاج
مؤقت لحين زوال الموانع.
وأموال أخرى محرمة: يضاف إلى ما سبق من الأموال الحرام أكل مال اليتيم
والصيد والإنسان محرم، وتربية الخنزير بغرض التجارة...
وقال رسول الله: ( الحلال بين والحرام بين
وبينهما أمور متشابهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات
استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي حول
الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله
محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد
الجسد كله ألا وهي القلب ).