بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مرحبا بكم مع الشيخ خالدالمغربي - المسجد الأقصى

002

البقرة

آية رقم 183

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ

صدق الله العظيم

 

قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أما قوله كتب، فمعناه فرض والذين من قبلنا، هم أهل الكتاب وفي كاف التشبيه في قوله: "كما" ثلاثة أقوال:

أحدها: أنها ترجع إلى حكم الصوم وصفته لا إلى عدده.

أخبرنا عبد الحق بن عبد الخالق، قال: أبنا محمد بن مرزوق، قال: أبنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أبنا عبد الله بن يحيى السكري، قال: أبنا جعفر الخلدي، وقال: أبنا أبو علاثة محمد بن عمرو بن خالد، قال: بنا أبي قال: بنا يونس بن راشد، عن عطاء الخراساني عن عكرمة عن ابن عباس =رضي الله عنهما= وأخبرنا إسماعيل بن أحمد، وقال: بنا أبو الفضل البقال، قال: أبنا أبو الحسين بن بشران قال: بنا إسحاق الكاذي قال: بنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال: بنا حجاج عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس =رضي الله عنهما= ولم يذكر عكرمة - قال: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ يعني بذلك: أهل الكتاب، وكان كتابه على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أن الرجل كان يأكل ويشرب، وينكح، ما بينه وبين أن يصلي العتمة، أو يرقد وإذا صلى العتمة أو رقد منع ذلك إلى مثلها، فنسختها هذه الآية أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ أخبرنا محمد بن أبي منصور قال: أبنا علي بن أبي أيوب، قال: أبنا أبو علي بن شاذان، قال: أخبرنا أبو بكر النجاد، قال: بنا أبو داود السجستاني، قال: أبنا نصر بن علي، قال: بنا أبو أحمد، قال: بنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال: كان الرجل إذا صام فنام لم يأكل إلى مثلها من القابلة، وأن قيس بن صرمة أتى امرأته، وكان صائما فقال: عندك شيء قالت: لعلي أذهب فأطلب لك، فذهبت وغلبته عينه فجاءت فقالت: خيبة لك فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فنـزلت أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ إلى قوله مِنَ الْفَجْرِ وقال سعيد بن جبير: كتب عليهم إذا نام أحدهم قبل أن يطعم لم يحل له أن يطعم إلى القابلة، والنساء عليهم حرام ليلة الصيام، وهو عليهم ثابت وقد أرخص لكم فعلى هذا القول تكون الآية منسوخة بقوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ الآية، وقد روى أن قيس بن صرمة أكل بعدما نام، وأن عمر بن الخطاب جامع زوجته بعد أن نامت، فنـزل فيهما قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ الآية.

القول الثاني: أنها ترجع إلى عدد الصوم لا إلى صفته، ولأرباب هذا القول في ذلك ثلاثة أقوال:

أما الأول: فأخبرنا أبو بكر بن حبيب، قال: أبنا علي بن الفضل العامري قال: أبنا ابن عبد الصمد، قال: أبنا ابن حموية، قال: أبنا إبراهيم بن حريم قال: حدثنا عبد الحميد، قال: بنا هاشم بن القاسم، قال: بنا محمد بن طلحة عن الأعمش، قال: قال ابن عباس =رضي الله عنهما= كتب على النصارى الصيام كما كتب عليكم، فكان أول أمر النصارى أن قدموا يوما قالوا: حتى لا نخطئ، قال: ثم آخر أمرهم صار إلى أن قالوا: نقدمه عشرا ونؤخر عشرا حتى لا نخطئ، فضلوا، وقال "دغفل" بن حنظلة كان على النصارى صوم رمضان فمرض ملكهم "فقالوا" إن شفاه الله تعالى لنـزيدن عشرة، ثم كان بعده ملك آخر فأكل اللحم فوجع فوه فقال: إن شفاه ليزيدن سبعة أيام ثم ملك بعده ملك، فقال: ما ندع من هذه الثلاثة الأيام أن نتمها، ونجعل صومنا في الربيع، ففعل فصارت خمسين يوما وروى السدي عن أشياخه، قال: اشتد على النصاري صيام رمضان، وجعل يتقلب عليهم في الشتاء والصيف، فلما رأوا ذلك اجتمعوا فجعلوا صياما في الفصل بين الشتاء والصيف، وقالوا نـزيد عشرين يوما نكفر بها ما صنعنا فجعلوا صيامهم خمسين يوما فعلى هذا البيان الآية محكمة غير منسوخة.

وأما الثاني: فأخبرنا عبد الوهاب، قال: أبنا أبو الفضل بن خيرون، وأبو طاهر الباقلاوي، قالا أخبرنا أبو علي بن شاذان، قال: أبنا أحمد بن كامل، قال: أبنا محمد بن سعد، قال: حدثنا أبي قال حدثني عمي الحسين بن الحسن ابن عطية، قال: حدثني أبي عن جدي عن ابن عباس =رضي الله عنهما= كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ فكان ثلاثة أيام في كل شهر، ثم نسخ ذلك ما أنـزل من صيام رمضان وقال قتادة: كتب الله عز وجل على الناس قبل نـزول شهر رمضان ثلاثة أيام من كل شهر.

وأما الثالث: فقد روى "النـزال" بن سبرة عن ابن مسعود، أنه قال: ثلاثة أيام من كل شهر، ويوم "عاشوراء" وقد زعم أرباب هذا القول، أن الآية منسوخة بقوله: شَهْرُ رَمَضَانَ وفي هذا بعد كثير، لأن قوله شَهْرُ رَمَضَانَ جاء عقيب قوله كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ فهو كالتفسير للصيام والبيان له.

القول الثالث: أن التشبيه راجع إلى نفس الصوم لا إلى صفته ولا إلى عدده، وبيان ذلك، أن قوله تعالى كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لا يدل على عدد ولا صفة، ولا وقت، وإنما يشير إلى نفس الصيام كيف وقد عقبه الله بقوله تعالى أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فتلك يقع على يسير الأيام وكثيرها، فلما قال تعالى: في نسق التلاوة شهر رمضان، بين عدد الأيام المعدودات ووقتها، وأمر بصومها فكان التشبيه الواقع في نفس الصوم. والمعنى كتب عليكم أن تصوموا كما كتب عليهم، وأما صفة الصوم وعدده فمعلوم من وجوه أخر لا من نفس الآية، وهذا المعنى مروي عن ابن أبي ليلى وقد أشار إليه السدي والزجاج، والقاضي أبو يعلى وما رأيت مفسرا يميل إلى التحقيق إلا وقد أومى إليه، وهو الصحيح وما ذكره المفسرون فإنه شرح حال صوم المتقدمين، وكيف كتب عليهم لا أنه تفسير للآية وعلى هذا البيان لا تكون الآية منسوخة أصلا.

 

الصيام والشفاء
 

د. عبد الجواد الصاوي

طيب أستشار في الطب البديل باحث في

 الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن

إِن الصيام وسائر التشريعات الإلهية فضلا على أنها عبادة لله تعالى فهي أيضا لتحقيق مصلحة روحية وسلوكية وبدنية لازمة لهذا الإِنسان للحفاظ على صحته الجسدية؛ لذلك فرض الله سبحانه وتعالى الصيام علينا وعلى جميع الأمم قبلنا ، قال تعالى : ( يَا أيهَا الَّذِينَ آمنوا كتِبَ عَلَيكم الصِّيَامُ كما كتب عَلَى الَّذِينَ من قَبْلكمْ لعلكم تتقون) (البقرة183) كما أخبرنا جل في علاه أن في الصيام خيرا ليس للأصحاء المقيمين فقط ، بل أيضا للمرضى والمسافرين ، والذين يستطيعون الصوم بمشقة ؛ ككبار السن ومن في حكمهم ، قال تعالى : ( أياماً معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون) (البقرة184 )

والخير اسم تفضيل - على غير قياس -وهو الحسن لذاته ولما يحقق من لذة أو نفع أو سعادة  ، فالصيام حسن لذاته ، ولما يحققه للمؤمن من المنافع واللذة الروحية والسعادة في الدنيا والآخرة . ومعنى { إن كنتم تعلمون } أي فضيلة الصوم وفوائده .

وهذه المنافع والفوائد متحققة لكل مكلف من الأصحاء المقيمين ، والذين يصومون بلا مشقة زائدة من أهل الرخص الذين يستطيعون تناول وجبتي الفطور والسحور كالأصحاء،  ولا يوجد بحث علمي- فيما أعلم- أجري على الصائمين الأصحاء ، في الظروف الطبيعية ، إلا وأفاد أحد أمرين :  إما عدم تأثير الصيام على وظائف الأعضاء ومكونات الجسم بأي قدر يشكل خطورة على الجسم أو يسبب ضررا محققا على معظم الأمراض. أو أنه يظهر فائدة جلية في بعض هذه الوظائف ، أو يحسن بعض مكونات الجسم ووظائف الأعضاء في الشيخوخة , أو أثناء الحمل ، أو الرضاعة  أو أثناء السفر،  بل وأثبتت الأبحاث بأن الصيام يساعد في شفاء بعض الأمراض.

وبذلك يظل في الصيام خير لمعظم المرضى ، والمسافرين ، والمطيقين للصيام ، ويكون محققا لهم من الفوائد والمنافع الشيء الكثير الذي لا يعلمونه .فالصيام للمرضى والمسافرين والمطيقين هو الأولى والأنفع ، مالم تضعف النفس عن تحمل المشقة ، أو يصيبها أو يصيب الجسد ضرر محقق : ففي الأولى تكون الرخصة ، وفي الثانية تكون العزمة ، ويتعين الإفطار ، وبهذا قال بعض أهل التفسير وجمهور الفقهاء.وقد تجلت هذه الفوائد واستقر خبرها في زماننا هذا، وسنلخص في هذه المقالة علاقة الصيام بالشفاء من الأمراض قديماً وحديثاً.

الصيام وسيلة علاجية

بعد انتشار الإسلام وممارسة الصيام الإسلامي عند كثير من الأمم تبين فضل هذا الصيام وفوائده ، " فوصف الطبيب المسلم ( ابن سينا ) الصوم لمعالجة جميع الأمراض المزمنة ، ووصف الأطباء المسلمون في القرنين العاشر والحادي عشر ( الميلادي ) صوم ثلاثة أسابيع للشفاء من الجدري ، ومرض الداء الإفرنجي ( السيفلس ) ، وخلال احتلال نابليون لمصر جرى تطبيق الصوم في المستشفيات للمعالجة من الأمراض التناسلية ".

   وفي عصر النهضة في أوروبا ، أخذ علماؤها يطالبون الناس  بالحد من الإفراط في تناول الطعام وترك الانغماس في الملذات والشراب ويقترحون الصوم للتخفيف من الشهوات الجامحة .  وفي ألمانيا وجد الطبيب ( فريدريك هوفمان ) (    1660-1842 م ) أن الصوم ( يقصد به التجويع المتواصل وهو ما يعرف بالصيام الطبي)   يعين على معالجة داء الصرع والقرحة والسرطانات الدموية والساد(أ) الذي يصيب العينين وأورام اللثة ونزيفها والقرحة الجفنية ، كما أعلن أنه ينصح المريض في أي مرض كان ، ألا يأكل شيئا.

وفي روسيا ، توصل الأطباء إلى نتيجة مماثلة ، في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين . . . فلقد تقدم الدكتور ( بيترفينيا مينوف ) من جامعة موسكو بتقرير نشر في سنة  1769 م نصح فيه المرضى بالتوقف الكلي عن الطعام أثناء فترة المرض . . . وعلل ذلك بقوله : " إن الصوم يعطي المعدة فترة راحة تمكن المريض من الهضم بشكل مناسب عندما يتعافى ، ويعود إلى الأكل ثانية " ، بعد ذلك أعلن الدكتور( ب . ج . سباسكي ) الأستاذ في جامعة موسكو، عن النجاح في معالجة ( الحمى الراجعة ) بالصوم ، وقال : " إن الصوم يسمح بحدوث المعالجات المتزايدة في داخل الجسم ، دون تدخل من الخارج ، وهذا في الحقيقة علاج للأمراض المزمنة"(ب) .

وفي القرن التاسع عشر أعلن الطبيب الروسي ( زيلاند ) أن الصوم قد أثر إيجابيا على الجهاز العصبي للمريض ، كما أثر تأثيرا لا بأس به على هضمه ودمه بوجه عام ، وكتب قائلا : إن الصوم يسمح للجسم بأن يرتاح ثم يستأنف نشاطه الطبيعي بقوة متجددة.

   وفي الولايات المتحدة الأمريكية بدأ الاهتمام بالصوم باعتباره علاجا للمرضى ، منذ القرن الماضي .  فقد عالج الدكتور ( إدوارد ديوي ) قبل قرن بالصوم كلا من الاضطرابات المعدية والمعوية ، وداء الاستسقاء ، والالتهابات العديدة ، بالإضافة إلى الضعف والترهل الجسدي . . . وكان يري أن الراحة من الطعام - وليس الطعام - هي التي ترمم الجهاز العصبي ، في حين أن الطعام - بالنسبة للمريض - يسبب توترا شديدا بقدر التوتر الذي يسببه العمل المتعب ، ويؤكد على أن الطعام خلال المرض ، يصبح عبثا على المريض.

هذا وقد انتشرت المصحات الطبية التي تعالج الأمراض بالصوم في كثير من بلدان العالم الشرقي والغربي.

الصيام والأبحاث العلمية الحديثة

الصيام ومرضى السكري:  كثر الحديث عن إمكانية صيام مرضى السكري في شهر رمضان! وهل يعتبر هؤلاء المرضى جميعا من ذوي الأعذار الذين يباح لهم الفطر؟ أم يمكن أن يباح ذلك للبعض دون الآخر؟ ومن هم على وجه التحديد؟ وقد أثبتت الأبحاث الطبية الحديثة أن الصيام لا يشكل خطرا علي معظم مرضي السكري ، إن لم يكن يفيد الكثيرين منهم.

ففي بحث أجراه الدكتور رياض سليماني وزملاؤه في كلية الطب بمستشفى الملك خالد الجامعي، (1990م) حول تأثير صيام رمضان على التحكم في مرض السكري ، عند 47 من مرضى النوع الثاني2 ، وعند مجموعة من الأشخاص الذين لا يعانون من هذا المرض ، وتم تحديد وزن الجسم ، والبروتين السكري ، وخضاب الدم السكري ، قبل رمضان وفور انتهائه ، عند كل من المجموعتين .وتم قياس البروتين السكري ، ( Glycosylated Protein) عند 9 من مرضى السكري ، وقد لوحظ أنه لم يطرأ أي تغير على الوزن عند هؤلاء المرضى إذ كان قبل رمضان ( 75.2+12.8)   مقابل ، ( 75.1+12.4 )كلجم بعده ، كما لم يطرأ تغير على خضاب الدم السكري ، ( Glycosylated Hemoglobin) إذ كان قبل رمضان (  10.9+3.1)في مقابل (10.5+2.8  ) مجم /  100مل بعده ، ولم يطرأ تغير على البروتين السكري ( Glycosylated Protein) حيث كان (1.19+0.35  ) مقابل  (1017+0.39  ) ، ملجم /100، بعد انتهاء صيام رمضان .  أما في المجموعة التي لا يعاني أفرادها من مرض السكري ؛ فقد لوحظ انخفاض هام في وزنهم خلال الصيام (  74.2+10.4) كلجم ، مقابل (72.5+10,2) كلجم ، بيد أنه لم يسجل أي تغيير يذكر في خضاب الدم السكري ( Glycosylated Hemoglobin) .

واستنتج الباحثون من ذلك أن صيام شهر رمضان لا يسبب أي فقدان هام في وزن الجسم ، وليس له أي أثر يذكر على التحكم في مرض السكري لدى مرض النوع الثاني (د) .

كما قام الدكتور ألفونشو( Olufonsho) وزملاؤه بكلية الطب مستشفى الملك خالد الجامعي بالرياض ، (1990م)  بتوزيع استبيان على 203 من مرضى السكري ، (89 من الذكور و 114 من الإناث ) وذلك لتقويم مفاهيمهم ، ومواقفهم ، وممارساتهم ، خلال شهر رمضان .

وقد قام أكثر هؤلاء (89%) بصيام رمضان ، وكان أقل نسبة للصيام (72%) عند من هم دون سن الخامسة والعشرين ، اعترف 12%  فقط بأنهم يتناولون قدرا أكبر من الطعام في رمضان ، بينما ذكر عدد أكبر منهم 27% أنهم يستهلكون قدرا أكبر من الحلويات ، وذكر أكثر من الثلث (37%) أن نشاطهم الجسمي يقل في رمضان ، كما أن ضعف هذا النشاط كان أكثر شيوعا لدى أولئك الذين لم يصوموا رمضان ( 61%) منه لدى الذين صاموه ، (35%)، وأعرب عدد كبير(59%) أنهم شعروا بتحسن صحتهم خلال شهر رمضان ، ولم يتردد على المستشفيات في حالات طارئة ، سوى (5 ، 6%)  منهم ، في حين لم تتجاوز نسبة من دخلوا المستشفى بسبب مرض السكري (5%) أما بالنسبة للأشخاص الذين لم يصوموا ، فقد كانت هذه النتائج أقل إيجابية ، إذ أعرب ( 10 %) منهم فقط عن تحسن الصحة ، فيما ارتفعت المراجعات الطارئة للمستشفى ( 15 %) ، وبلف حالات دخول المستشفى ( 15 %) .

وكان هناك اعتقاد سائد لدى ( 75% من المرضى ) بأن صيام شهر رمضان يؤدي إلى تحسن الصحة ، وكان هذا الشعور قويا لدى المرضي الذين صاموا الشهر (80%) مقابل المرض الذين أفطروه (26%) .

وقد أظهرت الدراسة أن معظم مرض السكري ، يفضلون صيام شهر رمضان ، وأنهم يعتقدون أن لذلك أثرا إيجابيا على مرضهم (5) .

وقد أثبت باربر( Barber SG) وزملاؤه سنة   1979 م في برمنجهام ، أن هناك تغيرا قليلا في تحكم مرض السكري عند المسلمين الصائمين ، وأن عدد المرضى المراجعين لعيادات السكر قد تناقص ، ولا توجد زيادة في معدل احتجاز مرضى السكري المرتفع وغير المتحكم فيه ، داخل المستشفى خلال شهر رمضان.

وقد قام خوقير وزملاؤه سنة 1987 م بدراسة شملت 52مريضا من مرضى السكري ، 20 منهم يعتمدون على الأنسولين في العلاج ، و 32 منهم لا يعتمدون على الأنسولين ، وقد وجد أن 15 مريضا من الذين لا يعتمدون على الأنسولين ، قل وزنهم وانخفضت مستويات السكر ( Glucose Levels) لديهم بعد الصيام ، عنه قبل أن يصوموا .

كما قلت جرعة الأنسولين بنسبة  10% عن المعتاد عند المجموعة التي تعتمد على الأنسولين في العلاج ، وقل وزن سبعة منهم ، بينما ارتفع معدل السكر عند باقي المجموعة ، لذلك نصح الباحثون بعناية خاصة لهؤلاء المرضى ، إذا أرادوا أن يصوموا كل أيام شهر رمضان ، ولا حرج عليهم بعد ذلك.

كما  أثبتت بعض الدراسات الحديثة أنه لا توجد تغيرات باثولوجية أو أي مضاعفات سريرية على مرضى السكري الذين يصومون شهر رمضان في المكونات التالية :

-جلوكوز الدم – الهيموجلوبين     - الأنسولين - الكولوستيرول- وثلاثي الجلسريد، ووزن الجسم.  مع الأخذ في الاعتبار ضرورة أن يهتم المرضى بضبط جرعاتهم  الدوائية ويمارسون نشاطهم اليومي وينضبطوا في حميتهم  الغذائية خصوصاً المرضى الذين يتناولون الأنسولين.

أما مرض السكري الذين ينصحون بعدم الصيام فقد حددتهم دراسة التقويم الشامل الذي أجراه الدكتور سليماني وزملاؤه عن مرض السكري وصيام رمضان سنة 1988 م وهم كالتالي :      

1-  المرضي المعرضون لزيادة الأجسام الكيتونية في دمائهم  

2 - المرضي الذين يعانون من تأرجح كبير وسرعة تغير في مستوى الجلوكوز لديهم . 

3 - الحوامل .

4- الأطفال المصابون بمرض السكري .

5- مرضى السكري الذين يعانون من مضاعفات مرضية خطيرة مثل الفشل الكلوي أو الذبحة الصدرية .

6 - مرضى السكري الذين يعانون من أمراض خطيرة مثل التسمم الدموي الشديد ،( Sever sepsis) ، أو فشل القلب الاحتقاني (Congestive Heart Failure)

ويسمح بالصيام لباقي المرضى ، والمرضى الذين يتقبلون النصائح الطبية ويشجع الصيام للمرضى البدنيين من النوع الثاني الذين لا يعتمدون على الأنسولين ماعدا الحوامل منهن والمرضعات اللاتي لديهن السكر ثابت مع زيادة في الوزن فوق 20% من الوزن المثالي. والخلاصة أن معظم الأبحاث تشير إلى أن صيام شهر رمضان لمرضى السكر آمن من الناحية الصحية طالما كان هناك وعي وضبط غذائي ودوائي .

معظم مرضى النوع  الثاني يمكن أن يصوموا بأمان و أحيانا يستطيع مرضى النوع الأول الصيام طالما كان هناك ضبط وعناية بالغذاء والدواء والحركة والنشاط .. ويعتبر التحكم في هذه الأمور أشياء مهمة للصيام .

قرحة المعدة: يعدل الصيام الإسلامي ارتفاع حموضية المعدة، وبالتالي يساعد في التئام قرحة المعدة مع العلاج المناسب . وقد أجرى الباحثون معظم , وعلى ، وحسين ، (1963م) دراسة كان الهدف منها التعرف على تأثير صيام شهر رمضان على حموضية المعدة ( زيادة الحموضة وقلتها) ، وقد وجد الباحثون أن الحموضية في المعدة اعتدلت ، ( lsochlorhydria) عند كل من المرض الذين يعانون من قلة الحموضية، ( Hypochlorhydria) أو زيادتها ( Hyperchlorhydria) ، مما يؤكد أن صيام شهر رمضان يخفف ويمنع حدوث الحموضة الزائدة ، والتي تكون سببا رئيسيا في حدوث قرحة المعدة .

أمراض الأوعية الدموية الطرفية: عالج الصيام عدداً من الأمراض الناتجة عن السمنة : كمرض تصلب الشرايين ، وضغط الدم ، وبعض أمراض القلب. كما يساعد في علاج بعض أمراض الدورة الدموية الطرفية، فهناك أمراض عديدة تصيب الأوعية الدموية الطرفية ، والتي تبدو أن لها علاقة بنشاط الجهاز العصبي الودي ( السمبثاوي ) الزائد في نهايات الشرايين الدموية ( Arterioles) ، ويعتبر مرض الرينود (Raynoud's Disease) أحد هذه الأمراض ، حيث تنقبض فيه عضلات جدر الشرايين الدقيقة انقباضا ذاتيا شديدا ، مسببة آلاما مبرحة ، وتهجم هذه الآلام عند التعرض للبرد ، أو الضغط العصبي ، ولو استمر المرض لعدة سنوات فقد يؤدي إلى فقدان الأطراف ، ولعلاج هذا المرض يمنع التعرض للبرد ما أمكن ، ويتحاشى التدخين ، ويعطى المريض بعض الأدوية كموسعات للأوعية الدموية ، كما يستأصل العصب السمبثاوي الموضعي المغذي للأطراف ، ويتحاشى التعرض للضغوط العصبية والنفسية .

وهناك مرض آخر  (Buerger's Disease) من نفس هذا النوع ، يؤثر على الشرايين والأوردة الطرفية ، والتدخين ينشط هذا المرض ويزيده سوءا ، وعند منع التدخين يتحسن المريض تحسنا ملحوظا ، وقد يحتاج بعض المرضى إلى استئصال العصب الودي ( السمبثاوي ) المغذي للأطراف ، وأحيانا يحتاج هذا المريض إلى بتر أطرافه لو استمر في التدخين .

وقد ذكر الدكتور صباح الباقر في دراسة له سنة   1991 م أن الصيام الإسلامي يؤدي دورا هاما في علاج أمراض الأوعية الدموية الدقيقة ، ولخص هذا الدور في النقطتين التاليتين :

ا - تحريم التدخين أثناء ساعات الصيام ، يقدم خدمة جليلة في علاج المرض .

2 - لا يشكل الصيام أي مشقة أو ضغط على الجسم بل على العكس ، يعتبر عاملا مهدئا ، حيث تزداد العوامل المنشطة للإيمان في الصلاة والذكر وقراءة القرآن .

وخلص الدكتور الباقر إلى أن تثبيط الجهاز العصبي الودي ( السمبثاوي ) أثناء الصيام ، يلغي العامل الثاني المسبب للمرض ، وبالتالي تظهر فائدة الصيام الإسلامي في الشفاء من مثل هذه الأمراض.

الصيام ومرضى الجهاز البولي: كان وما زال الأطباء يعتقدون أن الصيام يؤثر على مرض المسالك البولية، وخصوصا الذين يعانون من تكون الحصيات ، أو الذين يعانون من فشل كلوي ، فينصحون مرضاهم بالفطر، وتناول كميات كبيرة من السوائل .

وقد ثبت خلاف ذلك ، إذ ربما كان الصيام سببا في عدم تكون بعض الحصيات ، وإذابة بعض الأملاح ، ولم يؤثر الصيام مطلقا حتى على من يعانون من أخطر أمراض الجهاز البولي ، وهو مرض الفشل الكلوي مع الغسيل المتكرر .

أجرى الدكتور فاهم عبد الرحيم وزملاؤه بكلية طب الأزهر (1986م)، بحثا عن تأثير صيام شهر رمضان على عمل وظائف الكليتين عند الأشخاص العاديين ، وعند المرضى المصابين ببعض أمراض الجهاز البولي ، أو بمرض تكون الحصى الكلوي (  RenaI caIcuIi) ، وشملت الدراسة عشرة من مرضى الجهاز البولي ، وخمسة عشر مريضا بالحصى ، بالإضافة  إلى عشرة أشخاص عاديين للمقارنة ، وتم خلال كل من فترتي الصيام والإفطار أخذ عينات من البول ، وتحليلها لمعرفة نسبة الكالسيوم ، والصوديوم ، والبوتاسيوم ، واليوريا ، والكرياتينين ، والحامض البولي .

وكانت نتيجة تأثير الصيام على هذه العناصر على النحو التالي :

حدث نقص هام في حجم البول ، وزيادة في كثافته النوعية ، لدى كل المجموعات التي شملتها الدراسة ، وحدثت تغيرات طفيفة جدا في مكونات المصل من الكالسيوم ، والصوديوم ، والبوتاسيوم ، والحامض البولي ، والكرياتينين ، واليوريا لدى الجميع .

وحدثت زيادة طفيفة في الكالسيوم في البول لدى الجميع .

وعليه فقد كان التغير الحاصل في عناصر المصل لدى كل المجموعات التي شملتها الدراسة طفيفا ، عديم الأهمية ، بيد أن التغيرات التي طرأت على مكونات البول خلال الصيام ، قد تمنع تكون الحصى ، نظرا لنقص الكالسيوم في البول ، وزيادة الصوديوم والبوتاسيوم ، التي كانت نسبتها أكبر لدى من يعانون من الحصى ، ولدى المصابين بأمراض الجهاز البولي .

وقد استنتج الباحثون من ذلك أن الصيام لم يؤثر سلبيا على مجموعات المرضى الذين شملتهم هذه الدراسة ، والذين يعانون إما من تكون الحصى في الكلية ، أومن أمراض الجهاز البولي ، فضلا عن التأثير المحتمل للصيام في منع تكون حصيات الكلي ، عكس ما هو شائع عند الأطباء وغيرهم ، إذ إن زيادة الكثافة النوعية للبول ترجع إلى زيادة إفراز البولة ، التي تكون 80% من المواد المذابة في البول ، والبولينا مادة غروية تنتشر فتساعد على عدم ترسب أملاح البول التي تكون حصيات المسالك البولية .

كما أجرى قادر وزملاؤه سنة 1988م ، دراسة على المرضى الذين يعيشون على غسيل كلوي مزمن ، ويصومون شهر رمضان ، وأثبتوا أنه لا يوجد تغير يذكر في نسبة اليوريا ، والكرياتينين ، والصوديوم ، والبيكربونات ، والفوسفور والكالسيوم ، ولكن وجد ارتفاع ملحوظ على نسبة البوتاسيوم في الدم ، وعزا الباحثون ذلك إلى تناول المشروبات الغنية بالبوتاسيوم بعد الإفطار.

الصيام وتجلط الدم: كان يعتقد أن الفقدان النسبي لسوائل الجسم ، وانخفاض عدد ضربات القلب ، وزيادة الإجهاد أثناء الصوم ، يؤثر تأثيرا سلبيا على التحكم في منع تجلط الدم ، وهو من أخطر الأمراض ، وقد ثبت أن الصيام الإسلامي لا يؤثر على ذلك في المرضى الذين يتناولون الجرعات المحددة من العلاج.

أجرى الدكتور جلال ساعور أستاذ الأمراض الباطنية بمستشفي الملك فيصل التخصصي  (1990م)، بحثاً عن تأثير الصيام على مرضى القلب ، الذين يتناولون علاجا مضادا لتجلط الدم ، وقد كتب الدكتور ملخصا لبحثه فقال :

تقبل الغالبية العظمى من المسلمين علي صيام شهر رمضان كل سنة ، ويترتب على الصيام حدوث تغيرات رئيسية في النشاط الجسمي وأنماط النوم ، فضلا عن تغير أوقات تناول الطعام والشراب ، ونوعه ، وكميته ، وعليه فمن الممكن أن يؤثر الصيام تأثيرا سلبيا على التحكم في منع التجلط من خلال الفقدان النسبي لسوائل الجسم ، وانخفاض النتاج القلبي ، وزيادة الإجهاد ، ولزوجة الدم ، فضلا عن التغيرات إلى تطرأ على امتصاص الأدوية واستقلابها .

وفي الفترة الواقعة بين  1981م إلي 1985 م تم فحص ما مجموعه 289 مريضا في عيادة منع تخثر الدم بمستشفى الملك فيصل التخصصي ، تلقي 247 مريضا منهم العلاج المضاد لتجلط الدم ، نظرا لحالة القلب لديهم ، و 42 نظرا للتجلط الشديد في الأوردة ، مع الانسداد الرئوي أو بدونه  .

وفي فترة العلاج (4 سنوات) ، صام عدد 106 من هؤلاء المرضى، ما مجموعه 309 شهرا رمضانيا، ولم يصم عدد 183 منهم، ما مجموعه 594 شهراً.

ولوحظ أن حدوث مضاعفات الانسداد التجلطي والنزيف متماثلة في المجموعتين ، وكان متوسط الجرعة من الوارفارين4 اللازمة لإحداث أفضل تأثير لمنع التجلط في المجموعتين خلال شهر رمضان متماثلا : 5 . 6 + 1 ، 2 ملجم مقابل 7.6 +2.2 ملجم .

ومنذ عام  1986م ، أخذنا ننصح مرضانا الذين يتناولون علاجا ضد التجلط عن طريق   الفم ، بأنه لا ضرر من صومهم شهر رمضان ، وقام خلال هذه الفترة   277 مريضا يحملون صمامات بديلة ، بصيام ما مجموعه 1054 شهرا، ولم تظهر على أي منهم في هذه الفترة مضاعفات الانسداد التجلطي.

الصيام والإخصاب: يحسن الصيام خصوبة المرأة والرجل على السواء.  فقد أجرى الدكتور سمير عباس والدكتور عبد الله باسلامة ، بكلية الطب جامعة الملك عبد العزيز، (1986) دراسة على واحد وعشرين شخصا ، ثمانية منهم أصحاء ، وعشرة يعانون من نقص المنويات (oIigospermia) ، وثلاثة ليست لديهم منويات ، وأخذت منهم عينات من الدم ، والمني ، في خلال شهر شعبان ، ورمضان ، وشوال ، لتحليل المني ، والهرمونات التالية :

·       التيستوستيرون  Testosterone.

·       ا لبرولاكتين  ProIactin.

·       الهرمون الملوتن  L . H.

·       الهرمون المنبه للجريب  F.S.H.

وذلك لمعرفة تأثير صيام شهر رمضان على خصوبة الرجل ، وقد أظهرت نتائج البحث ، أن هناك تغيرات حيوية بين الأشخاص الطبيعيين ، حيث يتحسن أداء هرمون الذكورة (Testosterone) ، لكن لم يحصل في مستواه أي ارتفاع حيوي خلال الأشهر الثلاثة من البحث ، كما أن حجم المني ، والعدد الكلي للمنويات ، ازداد ازديادا ملحوظا أثناء شهر الصيام ، ولاحظ الباحثان من إحصائيات المستشفى الجامعي ، أن عدد حالات الحمل تصل إلى معدل كبير في شهر شوال ، كما وجد أن هناك تحسنا في نسبة المنويات الحية، وانخفاضا في نسبة المنويات الميتة أثناء شهر الصيام .

كما أن الهرمون المنبه للجريب ( F.S.H)، يزداد ازديادا ملحوظا خلال شهر رمضان ، مقارنة بمستواه قبل وبعد الصيام في الأشخاص الطبيعيين ويقل عن شهر شوال في الأشخاص الذين يعانون من نقص المنويات ، أو انعدامها ، وهذا  الهرمون له علاقة بتصنيع المركبات الاستيرويدية في نسيج الخصية ، كما يمكن  أن يعزى التغير في مستوى التيستوستيرون إلى التغير في مستوى هذا الهرمون  لأن الهرمون الملوتن (LH) ازداد زيادة ملحوظة أثناء الصيام ، ونقص بعده في الأشخاص الطبيعيين ، كما أنه لم تسجل له أي تغيرات هامة عند الأشخاص المرضى بنقص المنويات ، وحدث نقص هام عند المرض بانعدام المنويات ، وهذا الهرمون له علاقة بتكون المنويات الحية في الخصية ، كما سجلت زيادة في البرولاكتين ، أثناء وبعد رمضان عند الأشخاص الطبيعيين ، ونقص بعد الصيام عند المرضى بقلة المنويات ، وارتفاع عال عند المرضى بانعدام المنويات ، بالمقارنة مع المجموعات الأخرى ، وهذا الهرمون له تأثير مثبط على تكون الإندروجين الناتج من الخصية .

وخلص الباحثان على أن للصيام أثرا مفيدا على تكون المنويات ، إما عن طريق محور التأثير الهرموني Hypothalamo - pitutary testicular، أو عن طريق التأثير المباشر على الخصيتين.

الصيام وجهاز المناعة:أجري الدكتور رياض البيبي ، والدكتور أحمد القاضي في الولايات المتحدة الأمريكية تجارب مخبرية على متطوعين أثناء صيام شهر رمضان ، وأجريت لهم تحليلات الدم قبل بداية الصيام ، وأثناء الشهر، وبعد انتهاء الصيام ، وشملت الفحوص التحليلات الكيميائية للدم ، بما في ذلك تحديد نسبة البروتينات الشحمية (Lipoproteins) إضافة إلى فحوص متخصصة لتقويم كفاءة جهاز المناعة في الجسم ، وقد شملت الفحوصات تحديد عدد الخلايا الليمفاوية في الدم (Lymphocytes)، ونسبة أنواعها المختلفة بعضها إلي بعض ، ومدى حسن أداء كل منها، هذا إضافة إلي قياس نسبة الأجسام المضادة في الدم (Antibodies)، وقد أظهرت هذه التجارب أثرا إيجابيا واضحا للصيام على جهاز المناعة في الجسم ، حيث تحسن المؤشر الوظيفي للخلايا اللمفاوية عشرة أضعاف ، وبالرغم من أن العدد الكلي للخلايا اللمفاوية لم يتغير، إلا أن نسبة النوع المسئول عن مقاومة الأمراض خلايا (ت ) ، ازداد كثيرا بالنسبة إلى الأنواع الأخرى ، هذا بالإضافة إلى ارتفاع محدود في أحد فصائل البروتين في الدم (IGE) ، وهو أحد أعضاء مجموعة البروتينات المكونة للأجسام المضادة في الدم ، وكانت التغيرات التي طرأت على البروتين الدهني ، على شكل زيادة في النوع منخفض الكثافة (LDL)، دون أي زيادة في النوع عالي الكثافة ( HDL) ، وهذا نمط له تأثير منشط على الردود المناعية.

الصيام وهرمونات الغدة الدرقية: أجرى الدكتور رياض سليماني (1988م) ، دراسة تناولت أثر صيام شهر رمضان على عمل الغدة الدرقية ، وجرى في الدراسة تحديد مستوى كل من ثيروكسين البلازما (Plasma Thyyoxin :  T4) والثيروكسين الحر، والثيرونين ثلاثي اليود ( Triiodo - Thyronin :  T3) والهرمون المنشط للغدة الدرقية (TSH)، عند 28 من الذكور الأصحاء ، قبل رمضان وبعده ، كما تمت دراسة آثار الامتناع عن تناول الطعام على المدى القصير من بزوغ الفجر إلى غروب الشمس ، ولم تسجل أية اختلافات هامة في اختبارات عمل الغدة الدرقية بين هذه المستويات في الصباح والمساء ، ( بعد فترة صيام لمدة 14 ساعة ).

ولم تظهر بالإضافة إلى ذلك أية اختلافات هامة ، في نتائج اختبارات الغدة الدرقية، التي أجريت قبل رمضان وفي نهايته ، واستنتج الباحث أن صيام شهر رمضان من قبل رجال يتمتعون بصحة جيدة ، لم يغير النسب القياسية لعمل الغدة الدرقية.

الصيام وهرمونات المرأة: أجرى الدكتور حسن نصرت والدكتور منصور سليمان ، بجامعة الملك عبد العزيز (1987م) بحثا حول تأثير صيام رمضان على مستوي البرجستيرون والبرولاكتين في مصل الدم ، لنساء صحيحات ، تتراوح أعمارهن بين 22 - 25 عاما ، لتحديد مدى تأثير صيام رمضان على فسيولوجيا الخصوبة عند المرأة ، وقد أظهرت النتائج أن ثمانين بالمائة قد نقص عندهن مستوي البرولاكتين في المصل ، ولم يتغير مستوي البرجستيرون ، وقد نصح الباحثان المرضعات بالإفطار.

وهذا البحث يؤكد أهمية الصوم لعلاج العقم عند المرأة المتسبب من زيادة هرمون البرولاكتين ، فحينما ينقص بالصيام تنهيا المرأة لحالتها الطبيعية في الخصوبة.

كما يعالج الصيام كثيرا من الأمراض التي تنشأ من تراكم السموم ، والفضلات الضارة في الجسم .  ولا يسبب الصيام أي خطر علي المرضعات ، أو الحوامل ، ولا يغير من التركيب الكيميائي ، أو التبدلات الاستقلابية في الجسم عند المرضعات ، وخلال الشهور الأولى والمتوسطة من الحمل.

الصيام المثالي: وفي الختام نؤكد على ضرورة أداء الصيام على صورته المثلي ، والتي يمكن أن تتحقق  بتقليل فترة الصيام اليومي ، وذلك بتعجيل الفطور وتأخير السحور، وتناول وجبة السحور وعدم إهمالها، والاعتدال في الطعام والشراب أثناء السحور والإفطار ، والاقتصار عليهما ، وترك عادة كثرة الأكل طوال الليل . والقيام بالحركة والنشاط والجهد اليومي المعتاد، ونوم جزء من الليل وترك السهر المتواصل . مع تمنياتنا لكم بصيام مقبول وشفاء مأمول.

يمكن التواصل مع المؤلف على الإيميل التالي:

sawi50@gawab.com

مواضيع ذات صلة:

المراجع

1-  هـ . م . شيلتون ، التداوي بالصوم ، ترجمة ونشر، دار الرشيد ، ط 2،1407       1987م ، دمشق ، بيروت .

2-  د . آلان كوت . دراسة حول الصوم الطبي ، النظام الغذائي الأمثل . إعداد فاروق أقبيق وآخرين . مؤسسة الإيمان - بيروت ، ط 2, 1407, هـ 1987

3- د. فاهم عبد الرحيم وآخرين . تأثير الصيام الإسلامي على مرضى الكلى والمسالك البولية ، نشرة الطب الإسلامي ، العدد الرابع - أعمال وأبحاث المؤتمر العالمي الرابع عن الطب الإسلامي - منظمة الطب ا لإسلامي ،  الكويت 1407هـ - 1986م . ص 707 – 714

4. Barber SG, Sebastian Fairweather , Wright AD, etal. Muslims Ramadan  and diabetes mellitus. BMJ  1979:  7 : 46 - 47.

5. Olufunsho 0. Famyiwa et al, Beliefs, attitudes and practices  of diabetic patients    during Ramadan fasting, : lts Effects On  Health And Diseases - Basic Principles And     Cl:n:cal Practice( Abstracts) college  Of  Medicine King Saud  University. Riydh, December /  1990.

6. Sulimani R.A. Laajim M, Al-Attas O, etal,(1991) Theeffect Of Ramadan Fasting on Diabetes control in type ll diabetic patients Nutr Res 11 :261-264

7. Muazzam  MG., Ali M.N. and Husain  A. (1963) Observations  on the effects of Ramadan Fasting  on Gastric  acedtity.  The Medicus, 25 : 228.

8. S.M. Bakir . (1991) Can Fasting in Ramadan help in some periphral vascular diseases? JIMA : VOL. 23 : 163 - 164.

9. Khader AA, - Gamdi A, Hasoni  MK, AL - Dhar  JM. (1988) Implications  of Fasting  in Ramadan in patients  on hemodialysis. Annals  of SaudiMedicine  8 (6) 518A.

10. Jalal Saour, Does  Ramadan fasting complicate anticoagulant therapy?.  Fasting  lts  Effects  On Health And Diseases - basic principles And Clinical  practice (abstrats) College Of Medicine King Saud University. Riydh, December / I 99O.

11. S.M.A. Abbas And A.H.Basalamah Effects Of Ramadan Fast On Male Fertility   (1986), Archives  of   Andrology    16 :  161-166.

48-Gale Maleskey,  The truth about fasting, Prevention. October  1984.  Page : 59-64.

12. Riyad Albiby And Ahmed Elkadi, priliminary Report on Efects of islamic fasting pn lipoproteins  Snd immunity.The JournalOf JMA Vol  17  1988: page  84.

13 .Riad.  A.  Sulimani.  (1988)  The effects  of Ramadan fasting on thyroid functions  in healthy  male subjects, Nurt Res  8 (6) : 518  A.

14. Hasan  Nasrat  and  MansourSuliman, Effects  of Ramadan  fasting  on plasma  progesterone  and prolactin. Islamic  Legalation  & the Current Medical 

الهوامش

 (أ)  عتمة وابيضاض في عدسة العين ، وهو ما يسمي كاتراكت أو المياه البيضاء 

 (ب) هو النوع الذي لا يعتمد المريض فيه على تناول دواء الأنسولين .

 (ج) عدد أشهر الصيام المحسوبة هنا هي مجموع الشهور التي صامها جميع هؤلاء الصائمين (106) خلال فترة الاختبار ( 4 سنوات ) فمنهم من صام 4 أشهر ومنهم من صام ثلاثة أو اثنين ، وهكذا . . ، وبالمقابل المفطرين أيضا ، فهي مجموع الشهور التي افطروها جميعا خلال فترة الاختبار .

 (د) اسم دواء .

 (هـ) لذلك ندرك سر الشارع الحكيم في إباحة الفطر للمرضع. 

المصدر : موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة http://nooran.org

 

 

الصوم: سلاح يعمل في الخفاء
 

أثناء تجولي في بعض المواقع الطبية والعلاج الطبيعي وجدتُ أكثرهم يؤكد على أن أفضل طريقة لعلاج الكثير من الأمراض هو الصوم، ووجدتهم يطلقون الصيحات والنداءات للناس لكي يعتمدوا هذه "التقنية" الرخيصة وذات الفوائد الكثيرة. وتذكرتُ نعمة الله علينا نحن المسلمين عندما أمرنا بالصيام، بل وجعل الصوم عبادة خاصة له سبحانه هو يجزي بها.

وقد أكَّد أهمية هذه العبادة حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم عندما شبَّه الصوم بالترس الذي يحتمي به المقاتل فقال: (والصوم جُنَّة) [رواه مسلم]. والجُنَّة هي الشيء الذي يحتمي الإنسان به من خطر ما أو من عدو ما. والسؤال: ما هي الأخطار ومن هم الأعداء الذين يقف الصيام بيننا وبينهم؟

يقول العلماء إن أخطر شيء يهدد حياة الخلايا في الجسم هي السموم التي تتراكم داخل الخلايا وتعيق عملها وتقلل من نشاطها. هذه السموم تمكث لفترات طويلة في الجسم ولا يمكن إزالتها، وغالباً تكون هذه السموم مسؤولة عن الهرم المبكر لدى الإنسان.

إن أحدنا يستهلك من السموم كل يوم أكثر من 500 سنتمتر مكعب، من خلال الهواء الملوث والغذاء الملوث والماء الملوث، حتى الهواتف الخليوية تؤثر على كمية السموم في الجسم! والجسم له قدرة كبيرة على امتصاص السموم وكذلك على معالجتها، ولكن عندما تزيد كمية السموم عن حد معين يكون الجسم في حالة المرض.

وعلى الرغم من الجهود والأبحاث الكثيرة التي تهدف إلى إزالة هذه السموم، لم يجد العلماء وسيلة أفضل من الصيام للقيام بهذه المهمة. إن السموم المتراكمة في الجسم تعمل على تدمير الجسم باستمرار، والصيام يعمل مثل السلاح الخفي الذي يحارب هذه السموم ويزيلها دون أن يؤثر على بقية أجزاء الجسم.

للصوم تأثيرات مدهشة، فهو يعمل على صيانة خلايا الجسم، ويعتبر الصيام أنجع وسيلة للقضاء على مختلف الأمراض والفيروسات والبكتريا، وهذا الكلام ليس فيه مبالغة، وربما تعجب عزيزي القارئ إذا علمت أن في دول الغرب مراكز متخصصة تعالج بالصيام فقط!! وتجد في هذه المراكز كثير من الحالات التي استعصت على الطب الحديث، ولكن بمجرد أن مارست الصيام تم الشفاء خلال زمن قياسي!

وأقول من جديد سبحان الله! لقد وفَّر الله علينا عناء فتح هذه المراكز وعناء إقناع الناس بهذه الطريقة، فجعل الصيام فريضة نتقرب بها من الله، وثوابها كبير جداً حتى إن الله تعالى خصص باباًَ للجنة لا يدخل منه إلا الصائمون!

من أهم الفوائد التي يقدمها الصيام أنه ينشط نظام المناعة للجسم، ونحن نعلم أن جهاز المناعة هو بمثابة الجنود التي تحرس الجسم وتهاجم الفيروسات والبكتريا الضارة وتدافع عن الجسم ضد أي جسم غريب يدخل إلى الجسم. ولذلك فإن الصيام يقوي هذه "الجنود" ويزيد من نشاطها وكفاءتها، وبالتالي فهو يعمل كسلاح فعال يساعد الجسم على الدفاع عن نفسه.

إن مرض السُّمنة أو البدانة أو الوزن الزائد، هو مرض العصر، فهناك مئات الملايين الذين تزيد أوزانهم عن الوزن الحرج، وهؤلاء مهددون بشكل دائم بالنوبات أو بمختلف الأمراض، ولذلك يمكن اعتبار الوزن الزائد عدواً يفتك بالإنسان دون أن يشعر. والصيام يهاجم هذا العدو ويعالج ظاهرة الوزن الزائد، فهو يعمل كسلاح غير مرئي ينفذ مهامه بدقة وباستمرار.

الاضطرابات النفسية تعتبر من الأمراض الأكثر انتشاراً في العصر الحديث، هذه الاضطرابات تعمل على تدمير البنية النفسية للجسم، وقد أثبت الدراسات أن الصيام يعمل على تخفيف هذه الاضطرابات ويعمل كذلك على تخميد المراكز ذات النشاط الزائد في الدماغ، ولذلك فالصوم هو أفضل سلاح لمقاومة الأمراض النفسية بأنواعها.

هل حاولت عزيزي القارئ أن تطور مداركك وأن تصبح أكثر إبداعاً؟ إنه الصوم! أفضل وسيلة عملية لتنشيط خلايا الدماغ، وإعادة برمجتها وزيادة قدرتها على العمل والإبداع. وهذا يحسّن سيطرتك على نفسك وزيادة قوة إرادتك.

وهكذا لو تتبعنا القائمة الطويلة من الأمراض التي يعالجها الصيام نلاحظ أن هذه القائمة تزداد يوماً بعد يوم، وفي كل يوم يكشف الطب الحديث فائدة جديدة للصيام، وقد قمتُ بإحصاء الأمراض التي يعالجها الصوم فوجدت أن جميع الأمراض تقريباً يعمل الصيام كسلاح فعال على علاجها ومقاومتها والقضاء عليها: سلاح ضد الشيخوخة، سلاح ضد آلام المفاصل وأمراض ضغط الدم.... ومن هنا نستطيع أن نعمق فهمنا للحديث الشريف (والصوم جُنَّة) أي أن الصوم هو وقاية وستر وسلاح يقينا شر الأمراض في الدنيا، ويقينا حرَّ جهنم يوم القيامة.

أخي المؤمن! أختي المؤمنة! أقول لكم وبكل ثقة إذا كان واحد منكم يعاني من أي مرض مزمن، فعليه بالصوم المتكرر، مع الإكثار من تناول حبات من التمر على الفطور، مع قراءة القرآن باستمرار والاستماع إلى القرآن بصوت مقرئ مع الخشوع التام، فإن هذا سيكون علاجاً مثالياً لأي مرض كان!

ــــــــــــــــ

بقلم عبد الدائم الكحيل

www.kaheel7.com

 

 

صيام رمضان يزيد مستوى الكولسترول الحميد بالدم
 

أظهرت نتائج دراسة أعدها باحثون من المعهد الوطني للتغذية في تونس زيادة مستويات الكولسترول الحميد HDL عند الصائمين الأصحاء في شهر رمضان الكريم بنسبة وصلت إلى 20% وهي من العوامل التي تقلل من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين، إلا أن هذا الأمر تراجع بعد انتهاء شهر الصيام.

وتألفت عينة الدراسة من 30 شخصاً من الأصحاء، كان عدد الإناث بينهم 21 امرأة، حيث تم إخضاع المشاركين لفحوص طبية على ثلاث مراحل، الأولى كانت قبل بدء شهر رمضان بثلاثة أسابيع، والثانية تمت في الأسبوع الرابع من شهر الصيام، أما المرحلة الأخيرة فكانت بعد انقضاء شهر رمضان بثلاثة أسابيع.

وتضمنت الفحوص إجراء تقييم لعدد من العوامل البيولوجية في الدم مثل سكر الجلوكوز، الدهون الثلاثية، مستوى الكولسترول الكلي، الكولسترول الحميد أو الجيد HDL، والكولسترول السيئ أو ما يعرف بكولسترول البروتين الدهني المنخفض LDL . كما تم تحديد قيمة الوزن عند كل مشارك خلال مراحل الاختبار.

وبحسب نتائج الدراسة التي نشرتها " الدورية الطبية التونسية" فعلى الرغم من زيادة كمية السعرات الحرارية التي تناولها الفرد خلال شهر رمضان، إلا أنه لم يُلاحظ تغير في أوزان المشاركين أو مستويات جلوكوز الدم عندهم.

وطبقاً لما أشار إليه الباحثون فقد ازدادت كميات الدهون غير المشبعة التي تناولها الفرد من المشاركين خلال شهر رمضان، والتي يمكن الحصول عليها من الدهون النباتية والحبوب والأسماك، وهي ذات تأثيرات إيجابية على صحة الإنسان

المصدر : موقع العربية

http://www.alarabiya.net/articles/2007/09/12/39038.html

 

 

 

وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لكم .. من المنظور الطبي الحديث
 

د / عبد الباسط محمد سيد

أستاذ ورئيس قسم الكيمياء الحيوية بالمركز القومي للبحوث سابقاً

 ورئيس مجلس إدارة جمعية الإعجاز العلمي للقرآن والسنة 

يظن كثير من الناس أن للصيام تأثيراً سلبياً على صحتهم، وينظرون إلى أجسامهم نظرتهم إلى الآلة الصماء، التي لا تعمل إلا بالوقود، وقد اصطلحوا على أن تناول ثلاث وجبات يومياً أمر ضروري لحفظ حياتهم، وأن ترك وجبة طعام واحدة سيكون لها من الأضرار والأخطار الشيء الكثير.. مما يجعلهم يقضون الليل في شهر الصيام يلتهمون كل أنواع الطعام والشراب.. وقد رسخ هذا الاعتقاد وظهرت آثاره السلوكية في الأفراد والمجتمعات كنتيجة طبيعية للجهل العلمي، بطبيعة الصيام الإسلامي وفوائده المحققة، وفي هذا اللقاء سنلقي الضوء على بعض أوجه الإعجاز العلمي في الصيام، وهي الأوجه التي تثبت بالدليل العلمي القاطع بطلان تلك الظنون الوهمية.

* الوجه الأول: الوقاية من العمل والأمراض:

أخبر الله سبحانه وتعالى أنه فرض علينا الصيام، وعلى كل أهل الملل قبلنا، لنكتسب به التقوى الإيمانية التي تحجزنا عن المعاصي والآثام، ولتتوقى به كثيراً من الأمراض والعلل الجسمية والنفسية، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [ البقرة: 183].

وقال صلى الله عليه وسلم: ( الصيام جُنَّة )، أي وقاية وستر(3). وقد ثبت من خلال الأبحاث الطبية بعض الفوائد الوقائية للصيام ضد كثير من الأمراض والعلل الجسمية والنفسية، ومنها على سبيل المثال – لا الحصر:

يقوى الصيام جهاز المناعة، فيقي الجسم من أمراض كثيرة، حيث يتحسن المؤشر الوظيفي للخلايا الليمفاوية عشرة أضعاف، كما تزداد نسبة الخلايا المسؤولة عن المناعة النوعية(T. lymphocyes) (4)زيادة كبيرة، كما ترتفع بعض أنواع الأجسام المضادة في الجسم، وتنشط الردود المناعية نتيجة لزيادة البروتين الدهني منخفض الكثافة(5).

ومن الفوائد أيضاً: الوقاية من مرض السمنة وأخطارها، حيث إنه من المعتقد أن السمنة تنتج عن خلل في تمثيل الغذاء، فقد تنتج من ضغوط بيئية أو نفسية أو اجتماعية، وقد تتضافر هذه العوامل جميعاً في حدوثها، وقد يؤدي الاضطراب النفسي إلى حدوث خلل في التمثيل الغذائي... وكل هذه العوامل، التي يمكن أن تنجم عنها السمنة، يمكن الوقاية منها بالصوم من خلال الاستقرار النفسي والعقلي الذي يتحقق بالصوم نتيجة للجو الإيماني الذي يحيط الصائم وكثرة العبادة والذكر، وقراءة القرآن، والبعد عن الانفعال والتوتر، وضبط النوازع والرغبات، وتوجيه الطاقات النفسية والجسمية توجيهاً إيجابياً نافعاً.

1-  يقي الصيام الجسم من تكون حصيات الكُلى، إذ يرفع معدل الصوديوم في الدم فيمنع تبلور أملاح الكالسيوم، كما أن زيادة مادة البولينا في البول تساعد في عدم ترب أملاح البول، التي تكون حصيات المسالك البولية (6).

2-  يقي الصيام الجسم من أخطار المسموم المتراكمة في خلاياه، وبين أنسجته من جراء تناول الأطعمة – وخصوصاً المحفوظة والمصنعة منها – وتناول الأدوية واستنشاق الهواء الملوث بهذه السموم (7).

3-  يخفف الصيام ويهدئ ثورة الغريزة الجنسية، وخصوصاً عند الشباب وبذلك يقي الجسم من الاضطرابات النفسية والجسمية، والانحرافات السلوكية، وذلك تحقيقاً للإعجاز في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء )، إذا التزم الشاب الصيام وأكثر منه، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فعليه بالصوم )، أي فليكثر من الصوم.. وقد أُجرِيَ بحثٌ عن تأثير الصيام المتواصل على الغدد الجنسية وكانت له نتائج إيجابية، وسلط الضوء على وجه الإعجاز في هذا الحديث الشريف. وقد وجد أن الإكثار من الصوم، مع الاعتدال في الطعام والشراب وبذل الجهد المعتاد، يقترب من الصيام المتواصل، ويجني الشاب فائدته في تثبيط غرائزه المتأججة بيسر، كما لا يتعرض إلى أخطار هذا النوع من الصيام، وهذا البحث يجلي بوضوح الإعجاز في قول النبي صلى الله عليه وسلم ( فإنه له وجاء) من وجهين:

الأول: الإشارة إلى أن الخصيتين هما مكان إنتاج عوامل الإثارة الجنسية حيث أن معنى الوجا أن ترض أنثيا الفحل ( خصيتيه) رضاً شديداً، يُذهب شهوة الجماع، ويتنزل في قطعه منزلة الخصي (8).

وقد ثبت أن في الخصيتين خلايا متخصصة في إنتاج هرمون التيستوستيرون (Testosterone) (9)، وهو الهرمون المحرك والمثير للرغبة الجنسية، وأن قطع الخصيتين ( الخصى) يُذهب هذه الرغبة، ويخمدها تماماً.

الثاني:أن الإكثار من الصوم مثبط للرغبة الجنسية وكابح لها، وقد ثبت في هذا البحث هبوط مستوى هرمون الذكورة ( التيستوستيرون) هبوطاً كبيراً أثناء الصيام المتواصل، بل وبعد إعادة التغذية بثلاثة أيام، ثم ارتفع ارتفاعاً كبيراً بعد ذلك، وهذا يؤكد أن الصيام له القدرة على كبح الرغبة الجنسية مع تحسينها بعد ذلك، وهذا يؤكد فائدة الصوم في زيادة الخصوبة عند الرجل بعد الإفطار.

* الوجه الثاني: { وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ }

بعد أن أخبرنا الله سبحانه وتعالى، وأخبرنا رسوله صلى الله عليه وسلم أن الصيام يحقق لنا وقاية من العلل الجسمية والنفسية، ويشكل حاجزاً وستراً لنا من عقاب الله، أخبرنا جل في علاه أن الصيام خيراً ليس للأصحاء المقيمين فقط، بل وللمرضى والمسافرين أيضاً والذين يستطيعون الصوم بمشقة، ككبار السن ومن في حكمهم. قال تعالى: { أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [البقرة: 184]. أي: فضيلة الصوم وفوائده، وذلك لعموم اللفظ في قوله تعالى: { وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ }. وقد تجلت هذه الفوائد واستقر خبرها في زماننا هذا، لمن أوجب الله عليهم الصيام، ولمن أطاقوه من أهل ارخص الذين يستطيعون تناول وجبتي الفطور والسحور كالأصحاء.

بعض الأمراض الخطرة التي كان يخشى معها من الصيام:

·   كان – وما زال – الأطباء يعتقدون أن الصيام يؤثر على مرضى المسالك البولية، وخصوصاً الذين يعانون من تكوين الحصيات، أو الذين يعانون من فشل كلوي، فينصحون مرضاهم بالفطر وتناول كميات كبيرة من السوائل.

·   وقد ثبت خلاف ذلك، إذ ربما كان الصيام سبباً في عدم تكوين بعض الحصيات وإذابة بعض الأملاح، ولم يؤثر الصيام مطلقاً حتى على من يعانون أخطر أمراض الجهاز البولي، وهو مرض الفشل الكلوي مع الغسيل المتكرر(10).

·   كان يعتقد أن الفقدان النسبي لسوائل الجسم وانخفاض عدد ضربات القلب وزيادة الإجهاد أثناء الصوم يؤثر تأثيراً سلبياً على التحكم في منع تجلط الدم، وهو من أخطر الأمراض، وقد ثبت أن الصيام الإسلامي لا يؤثر على ذلك في المرضى الذين يتناولون الجرعات المحددة من العلاج (11).

·        ثبت أن الصيام لا يشكل خطراً على معظم مرضى السكر، إن لم يكن يفيد الكثيرين منهم (12).

بعض أمراض التي يعالجها الصيام:

يعالج الصيام عدداً من الأمراض الخطيرة من أهمها:

1-      الأمراض الناتجة عن السمنة، كمرض تصلب الشرايين وضغط الدم وبعض أمراض القلب (13).

2-      بعض أمراض الدورة الدموية الطرفية، مثل مرض الرينود (Rynaud`s diseade) ومرض برجر (14).

3-      يعالج الصيام المتواصل مرض التهاب المفاصل المزمن ( الروماتويد) (15).

4-      يعدل الصيام الإسلامي من ارتفاع حموضة المعدة، وبالتالي يساعد في التئام قرحة المعدة مع العلاج المناسب (16).

5-   لا يسبب الصيام أي خطر على المرضعات أو الحوامل، ولا يغير من التركيب الكيميائي أو التبدلات الاستقلابية (17) في الجسم عند المرضعات، وخلال الشهور الأولى والمتوسطة من الحمل (18).

فوائد أخرى للصوم:

1-  يُمَكّن الصيام آليات الهضم والامتصاص – في الجهاز الهضمي وملحقاته – من أداء وظائفها على أتم وأكمل وجه، وذلك بعدم إدخال الطعام والشراب على الوجبة الغذائية أثناء هضمها وامتصاصها، كما يحقق الصيام راحة فسيولوجية للجهاز الهضمي وملحقاته، وذلك بمنع تناول الطعام والشراب لفترة زمنية تتراوح من 9-11 ساعة بعد امتصاص الغذاء، كما تستريح آليات الامتصاص في الأمعاء طوال هذه الفترة من الصيام (19). وتتمكن الانقباضات الخاصة (Motor Complex Migrating ) بتنظيف الأمعاء من عملها المستمر، دون توقف(20).

2-  يُمكّن الصيام الغدد الصماء ذات العلاقة بعمليات الاستقلاب، في فترة ما بعد الامتصاص، من أداء وظائفها في تنظيم وإفراز هرموناتها الحيوية على أتم حال، وذلك بتنشيط آليات التثبيط والتنبيه لها يومياً، ولفترة دورية ثابتة، ومتغيرة طوال العام، مثل هرمونيّ: النمو والإنسولين – كهرمونات بناء من ناحية – وهو موئي: الجلوكاجون والكروتيزول، كهرمونات هدم من ناحية أخرى، والذي يتوقف على توازنها الدقيق تركيز الأحماض الأمينية في الدم، توازن الاستقلاب (21).

3-  ينشط الصيام آليات الاستقلاب أو التمثيل الغذائي ي البناء والهدم للجلوكوز والدهون والبروتينات في الخلايا، لتقوم بوظائفها على أكمل وجه.

4-  أما إذا اقتصر الجسم على البناء فقط، وكان همه التخزين للغذاء في داخله، فإن آليات البناء تغلب آليات الهدم، فيعترى الأخيرة – لعدم استعمالها بكامل طاقتها – وهن تدريجي تظهر ملامحه عند تعرض الجسم لشدة مفاجئة بانقطاع الطعام عنه في الصحة أو المرض، فقد لا يستطيع هذا الإنسان مواصلة حياته، أو مقاومة مرضه(22).

5-     يحسن الصيام خصوبة المرأة والرجل، على السواء (23).

6-     يستفيد الجسم بالطاقة وتحسين القدرة على التعليم وتقوية الذاكرة (24).

7-  تتهدم الخلايا المريضة والضعيفة في الجسم عندما يتغلب الهدم على البناء أثناء الصيام، وتتجدد الخلايا أثناء مرحلة البناء (25).

8-  كذلك، فإن أداء الصيام الإسلامي طاعة لله وخشوعاً له ورجاء فيما عنده سبحانه وتعالى من والأجر والمثوبة، لعمل ذو فائدة جمة لنفس الإنسان وجسمه، حيث يبث في النفس السكينة والطمأنينة.. وينعكس هذا على آليات الاستقلاب. فيجعلها تتم في أوفق وأيسر وأنفع السبل، مما يعود بالنفع والفائدة على الجسم (26).

إن الصيام، كاقتناع فكري وممارسة عملية، يقوى لدى الإنسان كثيراً من جوانبه النفسية، فيقوى لديه الصبر والجلد والإرادة وضبط النوازع والرغبات، ويضفي على نفسه السكينة والرضا والفرح... وقد أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه ).

9-  ثبت بالدليل العلمي القاطع أن الصيام الإسلامي ليس له أي تأثير سلبي على الأداء العضلي وتحمل المجهود البدني، بل بالعكس فلقد أظهرت نتائج البحث القيم الذي أجراه الدكتور أحمد القاضي وزملاؤه بالولايات المتحدة الأمريكية أن درجة تحمل المجهود البدني – وبالتالي كفاءة الأداء العضلي – قد ازداد بنسبة 200% عند 30% من أفراد التجربة و7% عند 40% منهم، وتحسنت سرعة دقات القلب بمقدار 6% وتحسنت حصيلة ضغط الدم مضروباً في سرعة النبض بمقدار 12%، وتحسنت درجة الشعور بضيق التنفس بمقدار 9%... كما تحسنت درجة الشعور بإرهاق الساقين بمقدار 11% وهذا يبطل المفهوم الشائع عند كثير من الناس من أن الصيام يضعف المجهود البدني ويؤثر على النشاط، فيقضون معظم النهار في النوم والكسل.

* الوجه الثالث يسر الصيام الإسلامي وسهولته:

تشير الدراسات العلمية المحققة، في وظائف أعضاء الجسم، أثناء مراحل التجويع، إلى يُسر الصيام الإسلامي وسهولته، تحقيقاً لقوله تعالى: { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } [البقرة: 185]. وفي تفسير هذه الآية قال الرازي: إن الله تعالى أوجب الصوم على سبيل السهولة واليسر، وما أوجبه إلا في مدة قليلة من السنة، ثم ما أوجب هذا القليل على المريض ولا على المسافر (27).

كما يتجلى يسر الصيام الإسلامي في إمداد الجسم بجميع احتياجاته الغذائية. وعدم حرمانه من كل ما هو لازم ومفيد له، فالإنسان في هذا الصيام يمتنع عن الطعام والشراب فترة زمنية محدودة، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وله حرية المطعم والمشرب من جميع الأغذية والأشربة المباحة ليلاً، ولا يعتبر الصيام الإسلامي بهذا تغييراً لمواعيد تناول الطعام والشراب فحسب، فلم يفرض الله سبحانه الانقطاع الكلي عن الطعام مدة طويلة، أو حتى لمدة يوم وليلة، تيسيراً وتخفيفاً على أمة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم، وقد تجلى هذا اليسر بعد تقدم وسائل المعرفة والتقنية في هذا العصر فقد قسمت المراجع الطبية التجويع إلى ثلاث مراحل: مراحل مبكرة، وثانية متوسطة، وثالثة طويلة الأجل (28).

وتقع المرحلة المبكرة بعد نهاية فترة امتصاص آخر وجبة ( أي عبد حوالي 5 ساعات من الأكل) وحتى نهاية فترة ما بعد الامتصاص، والتي تتراوح مدتها حوالي 12 ساعة، وقد تمتد إلى 40 ساعة عند بعض العلماء، فهذه الفترة يقع الصيام الإسلامي، كما يقع في فترة امتصاص الغذاء، وهذه الفترة من الانقطاع عن الطعام آمنة تماماً المقاييس العلمية، فالجلوكوز هو الوقود الوحيد للمخ، والدهون تتأكسد بالقدر الذي يولد أجساماً كيتونية بالدم أثناء هذه الفترة، كما لا يستهلك البروتين في إنتاج الطاقة بالقدر الذي يحدث خللاً في التوازن النتروجيني في الجسم. مما حدا ببعض العلماء أن يسقط فترة ما بعد الامتصاص من مراحل التجويع أصلاً، وهذه الحقيقة تجعل الصيام الإسلامي متفرداً في يسره وسهولته بعكس مراحل التجويع الأخرى.

من خلال عرض الحقائق السابقة، ندرك أن مدة الصيام الإسلامي والتي تتراوح من 12-16 ساعة في المتوسط، يقع جزء منها في فترة الامتصاص، ويقع معظمها في فترة ما بعد الامتصاص، ويتوفر فيها تنشيط جميع آليات الامتصاص والاستقلاب بتوازن، فتنشط آلية تحلل الجليكوجين وأكسدة الدهون وتحلها وتحل البروتين وتكوين الجلوكوز الجديد منه، ولا يحدث للجسم البشري أي خلل في أي وظيفة من وظائفه، فلا تتأكسد الدهون بالقدر الذي يولد أجساماً كينونية تضر بالجسم، ولا يحدث توازن نتروجيني سلبي توازن استقلاب البروتين، ويعتمد المخ البشري وخلايا الدم الحمراء والجهاز العصبي على الجلوكوز وحده لحصول منه على الطاقة.

بينما لا يقف التجويع أو الصيام الطبي – القصير والطويل منه – عند تنشيط هذه الآليات، بل يشتد حتى يحدث خللاً في بعض وظائف الجسم، ويتيح الصيام الإسلامي تمثيلاً غذائياً فريداً، إذ يشتمل على مرحلتي البناء والهدم، فبعد وجبتي الإفطار والسحور، يبدأ البناء للمركبات الهامة في الخلايا، وتجديد المواد المختزنة – والتي استهلكت في إنتاج الطاقة – وبعد فترة امتصاص وجبة السحور يبدأ الهدم فيتحلل المخزون الغذائي من الجليكوجين والدهون ليمد الجسم بالطاقة اللازمة، أثناء الحركة والنشاط في نهار الصيام (29). لذلك كان حث النبي صلى الله عليه وسلم وتأكيده على ضرورة تناول وجبة السحور، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( تسحروا.. فإن في السحور بركة) متفق عليه. وذلك لإمداد الجسم بوجبة بناء يستمر لمدة مقدارها 4 ساعات، محسوبة من زمن الانقطاع عن الطعام.

وبهذا أيضاً يمكن تقليص فترة ما بعد الامتصاص إلى أقل زمن ممكن، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على تعجيل الفطر حيث قال: ( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور) متفق عليه... وتأخير السحور، فقد روي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: (تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قمنا إلى الصلاة، قيل: كم كان ينهما ؟ قال: خمسون آية) متفق عليه. وهذا من شأنه تقليص فترة الصيام – أيضاً – إلى أقل حد ممكن، حتى لا يتجاوز فترة ما بعد الامتصاص كلما أمكن، وبالتالي، فإن الصيام الإسلامي لا يسبب شدة، ولا يشكل ضغطاً نفسياً ضاراً على الجسم البشري، بحال من الأحوال، وبناء على هذه الحقائق يمكننا أن نؤكد أن الذي يتوقف أثناء الصيام هو عمليات الهضم والامتصاص وليست عمليات التغذية، فخلايا الجسم تعمل بصورة طبيعية، وتحصل على جميع احتياجاتها اللازمة لها – من هذا المخزون بعد تحلله – والذي يعتبر هضماً داخل الخلية، فيتحول الجليكوجين إلى سكر الجلوكوز، والدسم والبروتينات إلى أحماض دهنية وأحماض أمينية، وذلك بفعل شبكة معقدة من الإنزيمات والتفاعلات الكيميائية الحيوية الدقيقة، والتي يقف الإنسان أمامها مشدوهاً معترفاً بجلال الله وعلمه وعظيم قدرته وإحكام صنعه.

فمن أخبر محمداً صلى الله عليه وسلم أن في الصيام وقاية للإنسان من أضرار نفسية وجسدية؟ ومن أخبره أن فيه منافع وفوائد يجنيها الأصحاء؟ بل ومن يستطيع الصيام من المرضى وأصحاب الأعذار !! ومن أخبره صلى الله عليه وسلم بأن الصيام سهل ميسور لا يضر بالجسم ولا يجهد النفس ؟ ومن أطلعه على أن كثرة الصوم تثبط الرغبة الجنسية ؟ وتخفق من حدتها وثورتها، خصوصاً عند الشباب !! وخصوصاً أنه نشأ في بيئة لا تعرف هذا الصيام ولا تمارسه.

الصيام والتخلص من السموم:

يتعرض الجسم البشري لكثير من المواد الضارة والسموم التي قد تتراكم في أنسجته، وأغلب هذه المواد يأتي للجسم عبر الغذاء الذي يتناوله بكثرة، وخصوصاً في هذا العصر الذي عمت فيه الرفاهية مجتمعات كثيرة، وحدث وفر هائل في الأطعمة بأنواعها المختلفة، وتقدمت وسائل التقنية في تحسينها وتهيئتها وإغراء الناس بها، فانكب الناس يلتهمونها بنهم، مما كان له أكبر الأثر في إحداث الخل لكثير من العمليات الحيوية داخل خلايا الجسم، وظهر – نتيجة لذلك – ما يسمى بأمراض الحضارة: كالسمنة، وتصلب الشرايين، وارتفاع الضغط الدموي وجلطات القلب، والمخ، والرئة، ومرض السرطان، وأمراض الحساسية والمناعة.

وتذكر المراجع الطبية (30):أن جميع الأطعمة تقريباً – في هذا الزمان – تحتوي على كميات قليلة من المواد السامة، وهذه المواد تضاف للطعام أثناء إعداده، أو حفظه، كالنكهات الألوان ومضادات الأكسدة والمواد الحافظة، أو الإضافات الكيميائية للنبات أو الحيوان: كمنشطات النمو والمضادات الحيوية والمخصبات أو مشتقاتها، وتحتوي بعض النباتات في تركيبها على بعض المواد الضارة... كما أن عدداً كبيراً من الأطعمة يحتوي على نسبة من الكائنات الدقيقة، التي تفرز سمومها فيها وتعرضها للتلوث (31).

هذا بالإضافة إلى السموم التي نستنشقها مع الهواء من عوادم السيارات، وغازات المصانع، وسموم الأدوية التي يتناولها الناس بغير ضوابط.. إلى غير ذلك من سموم الكائنات الدقيقة التي تقطن في أجسامنا بأعداد تفوق الوصف والحصر... وأخيراً مخلفات الاحتراق الداخلي للخلايا، والتي تسبح في الدم، كغاز ثاني أكسيد الكربون واليوريا والكرياتينين والأمونيا والكبريتات وحمض اليوريا.. إلخ، ومخلفات الغذاء المهضوم، والغازات السامة التي تنتج من تخمره وتعفنه، مثل: الأندول والسكاتول والفينول (32)...

كل هذه السموم جعل الله سبحانه وتعالى للجسم منها فرجاً ومخرجاً، فيقوم الكبد – وهو الجهاز الرئيسي في تنظيف الجسم من السموم – بإبطال مفعول كثير من هذه المواد السامة، بل قل يحولها إلى مواد نافعة، مثل: اليوريا والكرياتين وأملاح الأمونيا، غير أن للكبد جهداً وطاقة محدودة، وقد يعتري خلاياه بعض الخلل لأسباب مرضية، أو لأسباب طبيعية، كتقدم السن، فيترسب جزء من هذه المواد السامة في أنسجة الجسم، وخصوصاً في المخازن الدهنية، وتذكر المراجع الطبية(33) أن الكبد يقوم بتحويل مجموعة كبيرة من الجزيئات السمية، والتي غالباً ما تقبل الذوبان في الشحوم إلى جزئيات غير سامة تذوب في الماء، يمكن أن يفرزها الكبد عن طريق الجهاز الهضمي، أو قد تخرج عن طريق الكلى.

وفي الصيام تتحول كميات هائلة من الشحوم المختزنة في الجسم إلى الكبد، حتى تُؤكسد ويُنتفع بها، وتُستخرج منها السموم الذاتية فيها، وتُزالُ سُميتها ويُتخلص منها مع نفايات الجسد، كما أن الدهون المتجمعة أثناء الصيام في الكبد – والقادمة من مخازنها المختلفة – يساعد ما فيها من الكوليستيرول على التحكم وزيادة إنتاج مركبات الصفراء في الكبد، والتي بدورها تقوم بإذابة مثل هذه المواد السامة والتخلص منها مع البراز.

ويؤدي الصيام خدمة جليلة للخلايا الكبدية، بأكسدته للأحماض الدهنية، فيخلص هذه الخلايا من مخزونها من الدهون، وبالتالي تنشط هذه الخلايا، وتقوم بدورها خير قيام، فتعادل كثيراً من المواد السامة – بإضافة حمض الكبريت أو حمض الجلوكونيك – حتى تصبح غير فعالة ويتخلص منها الجسم، كما يقوم الكبد بالتهام أية مواد دقيقة، كدقائق الكربون التي تصل إلى الدم ببلعمة جزيئاتها، بواسطة خلايا خاصة تسمى خلايا ( كوبفر)، والتي تبطن الجيوب الكبدية ويتم إفرازها مع الصفراء، وفي أثناء الصيام يكون نشاط وكفاءة هذه الخلايا في أعلى معدل كفاءتها للقيام بوظائفها، فتقوم بالتهام البكتريا بعد أن تهاجمها الأجسام المضادة المتراصة (34).

وبما أن عمليات الهدم (Catabolism) (35)في الكبد أثناء الصيام تغلب علميات البناء (anabolism)(36) في التمثيل الغذائي، فإن فرصة طرح السموم المتراكمة في خلايا الجسم تزداد خلال هذه الفترة، ويزداد أيضاً نشاط الخلايا الكبدية في إزالة سمية كثير من المواد السامة، وهكذا يعتبر الصيام شهادة صحية لأجهزة الجسم بالسلامة.

يقول الدكتور ماك فادون – وهو من الأطباء العالميين الذين اهتموا بدراسة الصوم وأثره – إن كل إنسان يحتاج إلى الصوم، وإن لم يكن مريضاً لأن سموم الأغذية والأدوية تجتمع في الجسم فتجعله كالمريض وتثقله، فيقل نشاطه، فإذا صام الإنسان تخلص من أعباء هذه السموم، وشعر بنشاط وقوة لا عهد له بهما من قبل.

هل من الأفضل في الصيام: الحركة أم السكون ؟:

ذكرت المراجع الطبية(37) إن الحركة العضلية في فترة ما بعد امتصاص الغذاء – أثناء الصوم – تؤكسد مجموعة خاصة من الأحماض الأمينية ( ليوسين وأيسوليوسين والفالين)، وتسمى الأحماض ذات السلسلة المتفرعة (Br CAAs). وبعد أن تحصل الخلايا العضلية على الطاقة المنبعثة من هذا التأكسد يتكون داخل هذه الخلايا حامضان أمينيان في غاية الأهمية، وهما حمضا الألانين والجلوتامين، ويعتبر الأول وقوداً أساسياً في تصنيع الجلوكوز الجديد في الكبد، ويدخل الثاني في تصنيع الأحماض النووية، ويتحول جزء منه إلى الحمض الأول. كما يتكون أثناء النشاط والحركة حمضاً البيروفيت واللاكتيت، وذلك من أكسدة الجلوكوز في الخلايا العضلية، وهما الحامضان اللذان يعتبران أيضاً الوقود الأولى لتصنيع جلوكوز الكبد.

تتأكسد الأحماض الأمينية ذات السلسلة المتفرعة أساساً في العضلات(38)، حيث يوجد الإنزيم الخاص بتحويل مجموعة الأمين (Amino Trans - ferase)بكثرة في جهازي الاحتراق (ميتوكوندريا) والسيتوزول (Cytosol) في الخلايا العضلية. وتزداد هذه الأكسدة بالحركة، لذلك فإن عملية تصنيع جلوكوز جديد في الكبد تزداد بازدياد الحركة العضلية، وربما تصل إلى ثلاثة أضعافها في حالة عدم الحركة (39).

ويعتبر حمض الألانين أهم الأحماض الأمينية المتكونة في العضلات أثناء الصيام، إذ يبلغ 30 % منها، وتزيد هذه النسبة بالحركة والنشاط، ويتكون من أكسدة بعض الأحماض الأمينية ومن البيروفيت، كما يتحول هو أيضاً إلى البيروفيت – عبرة دائرة تصنيع الجلوكوز في الكبد وأكسدته في العضلات (40).

ويستهلك الجهاز العضلي الجلوكوز القادم من الكبد ( للحصول منه على الطاقة)، فإن زادت الحركة وأصبح الجلوكوز غير كاف لإمداد العضلات بالطلاقة، حصلت على حاجتها من أكسدة الأحماض الأمينية الحرة القادمة من تحلل الدهن في الأنسجة الشحمية، فإن قلت الأحماض الدهنية حصلت العضلات على الطاقة من الأجسام الكيتونية الناتجة من أكسدة الدهون في الكبد، والذي يؤكد أن النشاط والحركة تنشط جميع عمليات الأكسدة لكل المركبات التي تمد الجسم بالطاقة، وتنشط عملية تحلل الدهون، كما تنشط عملية تصنيع الجلوكوز بالكبد، من الجليسرول الناتج عن تحلل الدهون في النسيج الشحمي، ومن اللاكتيت الناتج من أكسدة الجلوكوز في العضلات.

ولذلك فالحركة أثناء الصيام الإسلامي تعتبر عملاً إيجابياً وحيوياً يزيد من كفاءة عمل الكبد والعضلات، ويخلص الجسم من الشحوم، ويحميه من أخطار زيادة الأجسام الكيتونية، كما أن الحركة العضلية تثبط تصنيع البروتين في الكبد والعضلات، وتتناسب درجة التثبيط مع قوة الحركة ومدتها، وهذا بدوره يوفر طاقة هائلة تستخدم في تكوين البروتين، حيث تحتاج كل رابطة من الأحماض الأمينية إلى مخزون الطاقة في خمسة جزيئات للأدينوزين والجوانين ثلاثي الفوسفات (ATP & CTP وإذا كان كل جزيء من هذين المركبين يحتوي على كمية من الطاقة تتراوح من 5-10 كيلو كالورى، وإذا علمنا أن أبسط أنواع البروتين لا يحتوي الجزيء منه على أقل من 100 حمض أميني، فكم تكون إذاً تلك الطاقة المتوفرة من تثبيط تكوين مجموعة البروتينات المختلفة بأنواعها المتعددة(41)؟

وفي أثناء الحركة، أيضاً، يستخدم الجلوكوز والأحماض الدهنية والأحماض الأمينية في إنتاج الطاقة للخلايا العضلية، وهذا بدوره يؤدي إلى تنبيه مركز الأكل في الوساد تحت البصري (Hypothalamus)(42)، وذلك لوجود علاقة عكسية (Feed Back)بين هذه المواد في الدم ودرجة التشبع وتنبيه مركز الأكل في الدماغ (43). لذلك فإن الحركة العضلية تنبه مركز الأكل وتفتح الشهية للطعام.

كما أن الحركة، والنشاط العضلي الزائد، يحلل الجليكوجين إلى جلوكوز في غياب الأكسجين، وينتج حمض اللاكتيك ممن جراء التمثيل الغذائي للسكر الناتج، وهو الحمض الذي يمر إلى الدم ويتحول بدوره إلى جلوكوز، وجليكوجين بواسطة الكبد... ففي العضلات لا يتحلل الجليكوجين إلى جلوكوز في حالة السكون، كما في الكبد، وذلك لغياب إنزيم فوسفاتاز – 6 – الجلوكوز (Glucose 6 phosphatase).فالحركة إذن عامل هام لتنشيط استقلاب المخزون من الجليكوجين العضلي إلى جلوكوز، وتقديمه للأنسجة التي تعتمد عليه كالمخ والجهاز العصبي وخلايا الدم ونقيُ العظام ولب الكلى(44).

ويمكن كذلك، أن تكون للحركة العضلية علاقة بتجديد الخلايا المبطنة لأمعاء، فيتحسن الهضم والامتصاص للمواد الغذائية، إذ تحتاج هذه الخلايا لحمض الجلوتامين لتصنيع الأحماض النووية (Nucleotide Synthesis)، وهو الحمض الذي تنتجه العضلات بكثرة أثناء الحركة (45). ويتجدد شباب الخلايا المبطنة للأمعاء (Mucosal Cells)كل يومين إلى 6 أيام، وتفقد يومياً 17 بليون خلية(46)، فهل يمكن أن تكون الحركة العضلية علاجاً لاضطرابات الهضم وسوء الامتصاص ؟؟

إن فلسفة الصيام مبنية على ترك الطعام والشراب، وتشجيع آليات الهدم ( العمليات الكيميائية الحيوية) أساساً في عملية التمثيل الغذائي، والنهار هو الوقت الذي تزداد فيه عمليات التمثيل الغذائي، وخصوصاً عمليات الهدم، لأنه هو وقت النشاط والحركة واستهلاك الطاقات في أعمال المعاش... وقد هيأ الله سبحانه وتعالى للجسم البشري ساعة بيولوجية تنظم هرمونات الغدد الصماء، وكثيراً من آليات التمثيل الغذائي، بما يتوافق ونشاط هذه الآليات أثناء النهار، ولنضرب مثلاً بهرمون الكورتيزول وهرمون الأدرينالين، فالأول يكون في أقصى زيادة له عند التاسعة صباحاً تقريباً – في الشخص الذي ينام ليلاً – ويقل تدريجياً حتى يصل إلى خُمس معدل تركيزه عند منتصف الليل. وهذا الهرمون هو من هرمونات الهدم، إذ يعمل على تكسير البروتينات إلى أحماض أمينية، والثاني هرمون الأدرينالين، إذ يصل إلى أقصى معدل له في نهاية فترتي الصباح والظهيرة ( حوالي التاسعة صباحاُ والثانية ظهراً) وهذا الهرمون برفع ممل تركيز الجلوكوز والأحماض الدهنية، ويزيد من معدل هدمها، كما يساعد في تثبيط تكوين البروتين وأكسدة الأحماض الأمينية في العضلات ويحرك الألانين إلى الكبد (47)– لتكوين جلوكوز جديد فيه وتقديم المزيد من الطاقة لجسم – كما ينبه الجهاز العصبي... لذلك فقد يكون هذا أحد الأسرار التي جعل الله من أجلها الصيام في النهار، وقت النشاط والحركة والسعي في مناكب الأرض، ولم يجعله بالليل وقت السكون والراحة !

من أجل هذا – يمكننا أن نقول – وبكل ثقة -: إن النشاط والحركة أثناء الصيام يوفر لجسيم من الجلوكوز المصنع أو المخزون في الكبد، وهو الوقود المثالي لإمداد المخ وكرات الدم الحمراء ونقي العظام والجهاز العصبي بالطاقة اللازمة، لتجعلها أكثر كفاءة لأداء وظائفها، كما توفر الحركة طاقة للجسم البشري تستخدم في عملياته الحيوية، فهي تثبط تكون البروتين من الأحماض الأمينية، وتزيد من تنشيط آليات الهدم أثناء النهار، فتستهلك الطاقات المختزنة وتنظف المخازن من السموم التي يمكن أن تكون متماسكة أو ذاتية في المركبات الدهنية أو الأمينية... وإن الكسل والخمول والنوم أثناء نهار الصيام ليعطل الحصول على كل هذه الفوائد، بل قد يصيب صاحبه بكثير من العلل ويجعله أكثر خمولاً وتبلداً، كما أن النوم أثناء النهار والسهر طوال ليل رمضان، يؤدي إلى حدوث اضطراب عمل الساعة البيولوجية في الجسم، مما يكون له أثر سيء على الاستقلاب الغذائي داخل الخلايا.

ولقد أجريت دراسة أثبتت هذا الاضطراب على هرمون الكورتيزول، فلقد قام الدكتور محمد الحضرامي في كلية الطب – جامعة الملك عبد العزيز (48) – بإجراء دراسة على 10 أشخاص أصحاء مقيمين خارج المستشفى، وأظهرت الدراسة أن أربعة منهم حدث عندهم اضطراب في دورة الكوتيزول اليومية، وذلك خلال الأسبوعين الأخيرين من شهر رمضان، مع انقلاب النسب المعهودة في الصباح وفي منتصف الليل. فقد لوحظ أن المستوى الصباحي قد انخفض وأن المستوى المسائي قد ارتفع، وهذا على عكس الوضع الاعتيادي اليومي، وقد عزا الباحث هذا الاضطراب إلى التغيير في العادات السلوكية عند هؤلاء الصائمين، الذين يقضون النهار في النوم، ويقضون الليل في السهر، وقد عاد الوضع الطبيعي للكورتيزول بعد 4 أسابيع من نهاية شهر الصيام، وبعد أن استقر نظام النوم ليلاً والنشاط نهاراً عند هؤلاء الأشخاص.

من أجل هذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه والمسلمون الأولون لا يفرقون في الأعمال بين أيام الصيام وغيرها، بل قد يعقدون ألوية الحرب ويخوضونها صائمين متعبدين... فهل يتحرر المسلمون من أوهام الخوف من الحركة والعمل أثناء الصيام !! وهل يهبون قائمين لله عاملين ومنتجين ومجاهدين، مقتدين بنبيهم صلى الله عليه وسلم وسلفهم الصالح رضوان الله عليهم !!

الصيام والتخلص من الشحوم:

تعتمد السمنة على الإفراط في تناول الطعام، وخصوصاً الأطعمة الغنية بالدهون، هذا بالإضافة إلى وسائل الحياة المريحة، والسمنة مشكلة واسعة الانتشار، وقد وجد أن السمنة تقترن بزيادة خطر الأمراض القلبية الوعائية، مثل: قصور القلب والسكتة القلبية ومرض الشريان التاجي ومرض انسداد الشرايين المحيطة بالقلب.

 وتحدث السمنة نتيجة لاضطراب العلاقة بين ثلاثة عناصر من الطاقة وهي: الكمية المستهلكة من الطعام، والطاقة المبذولة في النشاط والحركة، والطاقة المختزنة على هيئة دهون بصفة أساسية، فالإفراط في تناول الطعام مع قلة الطاقة المبذولة في الحركة يؤدي إلى ظهور السمنة.

إن الإنسان العادي يستهلك حوالي 20 طناً من الطعام خلال حياته، وظهور نسبة 25% من الخطأ في توازن الطاقة يؤدي إلى حدوث زيادة في الوزن تبلغ 50 كجم، أو حدوث زيادة عند شخص بالغ يزن 70 كجم، فيصبح وزنه 120 كجم... وهذا من شأنه أن يبين مدى الدقة المطلوبة في تنظيم تناول الطعام للمحافظة على استقرار وزن الجسم.

ومن المعتقد أن السمنة تنجم إما عن خلل استقلابي ( خلل في التمثيل الغذائي)، أو عن ضغوط بيئية، أو اجتماعية، وقد تحدث البدانة أيضاً بسبب خلل في الغدد الصماء، أو بأسباب نفسية واجتماعية متضافرة تظهر على شكل إفراط في الأكل، وكثيراً ما يتزامن حدوث الاضطرابات الاستقلابية والضغوط البيئية بحيث يصل أحدهما الآخر، فتتفاقم الحالة.

وفي المقابل، يرى الكثير من العلماء أن الاضطراب النفسي الذي يفضي إلى الشراهة في تناول الطعام، والذي يتسبب في السمنة قد يؤدي إلى ظهور اضطرابات الرئيسية في توازن الطاقة – في حالة السمنة – على أنها عبارة التغيير في أحد العناصر، ولكن يظل واضحاً تماماً أن الإفراط في الأكل هو أحد العوامل الرئيسية في حدوث السمنة.

وهناك تغيرات كيميائية الشحمية ( نوع بيتا) في البلازما والأحماض الدهنية الحرة، ويزداد تركيز الأنسولين في الدم زيادة كبيرة، مما يؤدي إلى تضخم في البنكرياس، أو زيادة أنسجته، فيؤدي إلى زيادة إنتاج الأنسولين، الذي يتسبب في تكون الأحماض الدهنية في الكبد من المواد الكربوهيدراتية، وزيادة ترسب المواد الدهنية في الأنسجة الشحمية، وهذا يؤدي إلى ظهور أعراض ( مرض السكري) حيث تفقد مستقبلات الأنسولين – الموجودة على الأنسجة – الاستجابة للأنسولين.

لقد حاول كثيرون علاج السمنة فوضعت أنظمة غذائية كثيرة، كان أغلبها مزيفاً، وغير مبني على أسس علمية، إذ لا تعمل هذه الأنظمة إلى على فقدان كمية كبيرة نسبياً من ماء الجسم، فيعطي الانطباع بانخفاض الوزن، وبعض هذه الأنظمة أدى إلى فقدان الجسم لكمية من الدهون، لكنها أدت أيضاً إلى ظهور الأجسام الكيتونية (48).

أما الصيام الإسلامي المثالي فيعتبر النموذج الفريد للوقاية والعلاج من السمنة في آن واحد، حيث يمثل الأكل المعتدل والامتناع عنه مع النشاط والحركة، عاملين مؤثرين في تخفيف الوزن، وذلك بزيادة معدل استقلاب الغذاء بعد وجبة السحور، وتحريك الدهن المختزن لأكسدته في إنتاج الطاقة اللازمة بعد منتصف النهار.

ويرجع العلماء حدوث الزيادة في معدل استقلاب الغذاء (BMR) بعد تناول وجبة الطعام، إلى ارتفاع الأدرينالين والنور أدرينالين، وازدياد السيالات الودية (Sympathetic dischargeنتيجة لنشاط الجهاز العصبي الودي (49). وعمل القوة المتحركة النوعية (Specific Dynamic Action)، حيث يستهلك كل نوع من محتويات الطعام طاقة حتمية أثناء عمليات الغذائي. فتستهلك كمية البروتين التي يمكن أن تعطي الجسم 100 كيلو كالورى، 30 كيلو كالورى، وتستهلك نفس الكمية من الكربوهيدرات والدهون 6 ك. ك، و4 ك. ك على التوالي، ويستمر نشاط عمليات الاستقلاب لمدة 6 ساعات، أو أكثر، بعد تناول وجبة الطعام.

ويعتبر بذل الجهد العضلي من أهم الأمور التي تؤدي إلى زيادة معدل الأيض (الاستقلاب) (Metabolic rateوهو الذي يظل مرتفعاً، ليس أثناء الجهد العضلي فقط، ولكن بعد ذلك بفترة طويلة كافية (50). وبهذا يحقق الصيام الإسلامي المثالي – المتمثل في الحفاظ على وجبة السحور والاعتدال في الأكل والحركة والنشاط أثناء الصيام – نظاماً غذائياً ناجحاً في علاج السمنة، أما نظام التجويع الطويل بالانقطاع الكلي عن الطعام فيؤدي إلى هبوط الاستقلاب، نتيجة لتثبيط الجهاز الودي ( السمبثاوي) وهبوط الأدرينالين والنور أدرينالين السابح في الجسم، وهذا يفسر لماذا يهبط وزن الشخص الذي يريد تخفيف وزنه بواسطة التجويع بشدة في البداية، ثم يقل بالتدريج بعد ذلك، ويكون معظم الوزن المفقود في الأيام الأولى هو في الواقع من الماء الموجود داخل الجسم، المليء بالطاقة المختزنة والأملاح المرافقة لها (51).

الصيام وتجدد الخلايا:

اقتضت حكمة الله تعالى أن يحدث التغيير والتبديل في كل شيء وفق سنة ثابتة، وقد اقتضت هذه السنة في جسم الإنسان أن تتبدل محتوى خلاياه كل ستة أشهر على الأقل، وبعض الأنسجة تتجدد خلاياها في فترات قصيرة تعد بالأيام، وبالأسابيع، مع الاحتفاظ بالشكل الخارجي الجيني، وتتغير خلايا جسم الإنسان وتتبدل فتهرم خلايا ثم تموت وتنشأ أخرى جديدة تواصل مسيرة الحياة... هكذا باضطراد، حتى يأتي أجل الإنسان، إن عدد الخلايا التي تموت في الثانية الواحدة في جسم الإنسان يصل إلى 125 مليون خلية(52)، وأكثر من هذا العدد يتجدد يومياً خلال مراحل النمو، ومثله في وسط العمر، ثم يقل عدد الخلايا المتجددة مع تقدم السن.

وبما أن الأحماض الأمينية هي التي تشكل البنية الأساسية في الخلايا، ففي الصيام الإسلامي تتجمع هذه الأحماض القادمة من الغذاء مع الأحماض الناتجة عن عملية الهدم، في مجمع الأحماض الأمينية في الكبد (Amino acid pool)ويحدث فيها تحول داخلي واسع النطاق وتدخل في دورة السترات (Citrate Cycleويتم إعادة توزيعها بعد عملية التحول الداخلي (Interconversion)، ودمجها في جزئيات أخرى، كالبيورين (Purines)، والبيريميدين، أو البروفرين (Prophyrinsويصنع منها كل أنواع البروتينات الخلوية، وبروتين البلازما والهرمونات وغير ذلك من المركبات الحيوية، أما أثناء التجويع فتتحول معظم الأحماض الأمينية القادمة من العضلات – وأغلبها من نوع حمض الألانين – تتحول إلى جلوكوز الدم، وقد يستعمل جزء منها لتركيب البروتين، أو تجرى أكسدته لإنتاج الطاقة – بعد أن يتحول إلى أحماض أكسجينية (Oxoacids) (53)... وهكذا نرى أنه أثناء الصيام يحدث تبدل وتحول واسع النطاق داخل الأحماض الأمينية المتجمعة من الغذاء، وعمليات الهدم للخلايا، بعد خلطها وإعادة تشكيلها ثم توزيعها حسب احتياجات خلايا الجسم، وهذا يوفر لبنات جديدة للخلايا لترميم بنائها، ولرفع كفاءتها الوظيفية، مما يعود على الجسم البشرى بالصحة والنماء والعافية، وهذا لا يحدث في التجويع ( حيث الهدم المستمر لمكونات الخلايا وحيث الحرمان من الأحماض الأمينية الأساسية) فعندما تعود بعض اللبنات القديمة لإعادة الترميم تتداعى القوى، ويصير الجسم عرضة للأسقام أو الهلاك، فنقص حمض أميني أساسي واحد – يدخل في تركيب بروتين خاص – يجعل هذا البروتين لا يتكون... والأعجب من ذلك أن بقية الأحماض الأمينية التي يتكون منها هذا البروتين تتهدم وتتدمر (54).

كما أن إمداد الجسم بالأحماض الدهنية الأساسية (Essential Fatty Acids) في الغذاء، له دور هام في تكوين الدهون الفوسفاتية (Phospholipids)والتي مع الدهن العادي (Triacylglycorol)تدخل في تركيب البروتينات الدهنية (Lipoproteins)، ويقوم النوع منخفض الكثافة جداً منها (very low density lipoprotein)بنقل الدهون الفوسفاتية والكوليسترول – من أماكن تصنيعها بالكبد – إلى جميع خلايا الجسم، لتدخل في تركيب جدر الخلايا الجديدة وتكوين بعض مركباتها الهامة، ويعرقل هذه العملية الحيوية كل من الأكل الغني جداً بالدهون وكذلك الحرمان المطلق من الغذاء – كما في حالة التجويع، حيث تتجمع كميات كبيرة من الدهون في الكبد تجعله غير قادر على تصنيع الدهون الفرسفاتية والبروتين بمعدل يكفي لتصنيع البروتين الشحمي، فلا تنتقل الدهون من الكبد إلى أنحاء الجسم لتشارك في بناء الخلايا الجديدة، وتتراكم فيه وقد تصيبه بحالة التشمع الكبدي (55) (Fatty Liver)فتضطرب وظائفه، وينعكس هذا بالطبع على تجدد خلاياه هو أولاً، ثم على خلايا الجسم، وتقدم أجل وأعظم الخدمات في تجديد وإصلاح خلايا الجسم كله، غذ تقوم بإنتاج بروتينات البلازما كلها تقريباً (30-50جم يومياً) وتكوين الأحماض الأمينية المختلفة، وذلك بعمليات التحول الداخلي وتحويل البروتين والدهن والكربوهيدرات، كل منها للآخر، وتقديمها لخلايا الجسم بحسب احتياجاتها، وتدخل في صناعة الجلوكوز وتخزينه لحفظ تركيزه [81] في الدم، وأكسدة الجلولكوز والأحماض الدهنية بمعدلات مرتفعة لإمداد الجسم وخلاياه بالطاقة اللازمة في البناء والتجديد (56)، إذ تحتوي كل خلية كبدية من الوحدات المولدة للطاقة (Mitochondria)(57)1000 وحدة تقريباً، كما تكون الخلايا الكبدية الكوليسترول والدهون والفوسفاتية التي تدخل في تركيب جدر الخلايا، وفي المركبات الدقيقة داخل الخلية وفي العديد من المركبات الكيميائية الهامة واللازمة لوظيفة الخلية...

كما تقوم خلايا الكبد بصناعة إنزيمات حيوية وهامة لخلايا الجسم، كخميرة الفوسفتاز القلوية (Alkaline Phosphataseوالتي بدونها لا تستخدم الطاقة المتولدة من الجلوكوز والأكسجين، ولا يتم الكثير من عمليات الخمائر والهرمونات وتبادل الشوارد (58). فيتأثر تجدد الخلايا وتضطرب وظائفها... كما تقدم خلايا الكبد خدمة جليلة في بناء الخلايا الجديدة حيث تختزن في داخلها عدداً من المعادن والفيتامينات الهامة اللازمة لتجديد خلايا الجسم، كالحديد، والنحاس، وفيتامين أ، ب2، ب12، وفيتامين د. وتقدم خلايا الكبد، أيضاً، أعظم الخدمات لتجديد الخلايا، حيث تزيل من الجسم المواد السامة، وهي المواد التي تعرقل هذا التجديد، أو حتى تدمر الخلايا نفسها ( كما في مادة الأمونيا التي تسمم خلايا المخ وتدخل مريض تليف الكبد إلى غيبوبة تامة).

إن الصيام الإسلامي هو وحده النظام الغذائي الأمثل لتحسين الكفاءة الوظيفية للكبد، حيث يؤدي إلى مده بالأحماض الدهنية والأمينية الأساسية، خلال وجبتي الإفطار والسحور، فتتكون لبنات البروتين، والدهون الفوسفاتية والكوليسترون وغيرها لبناء الخلايا الجديدة وتنظيف خلايا الكبد من الدهون التي تجمعت فيه بعد الغذاء خلال نهار الصوم فيستحيل بذلك أن يصاب الكبد بالتشمع الكبدي، أو تضطرب وظائفه بعدم تكوين المادة الناقلة للدهون منه، وهي الدهن الشحمي منخفض الكثافة جداً، (VLDL) والذي يعرقل تكونها التجويع، أو كثرة الأكل الغني بالدهون – كما بينا، وعلى هذا، يمكن أن نستنتج أن الصيام الإسلامي يمتلك دوراً فعالاً في الحفاظ على نشاط ووظائف خلايا الكبد، وبالتالي يؤثر بدرجة كبيرة في سرعة تجدد خلايا الكبد – وكل خلايا الجسد – وهو ما لا يفعله الصيام الطبي ولا يؤدي إليه الترف في الطعام الغني بالدهون.

لماذا الإفطار على التمر ؟

عند نهاية مرحلة ما بعد الامتصاص – في نهاية يوم الصوم – يهبط مستوى تركيز الجلوكوز والإنسولين من دم الوريد البابي الكبدي، وهذا يقلل بدوره من نفاذ الجلوكوز وأخذه بواسطة خلايا الكبد والأنسجة الطرفية (59)، كخلايا العضلات وخلايا الأعصاب، ويكون قد تحلل كل المخزون من الجليلكوجين الكبدي أو كاد، وتعتمد الأنسجة حينئذ في الحصول على الطاقة من أكسدة الأحماض الدهنية، وأكسدة الجلوكوز المصنع في الكبد من الأحماض الأمينية والجليسرول، لذلك، فإمداد الجسم السريع بالجلوكوز في هذا الوقت له فوائد جمة، إذ يرتفع تركيزه بسرعة في دم الوريد البابي الكبدي فور امتصاصه ويدخل إلى خلايا الكبد أولاً، ثم خلايا المخ والدم والجهاز العصبي والعضلي وجميع الأنسجة الأخرى، والتي هيأها الله تعالى لتكون السكريات غذاؤها الأمثل والأيسر للحصول منها على الطاقة (60).

ويتوقف بذلك تأكسد الأحماض الدهنية، فيقطع الطريق على تكون الأجسام الكيتونية الضارة، وتزول أعراض الهمود، والضعف العام، والاضطراب البسيط في الجهاز العصبي، إن وجدت لتأكسد كميات كبيرة من الدهون – كما يوقف تناول الجلوكوز عملية تصنيع الجلوكوز في الكبد، فيتوقف هدم الأحماض الأمينية وبالتالي حفظ بروتين الجسم.

ويعتبر التمر من أغنى الأغذية بسكر الجلوكوز، وبالتالي فهو أفضل غذاء يقدم للجسم حينئذ، إذ يحتوي على نسبة عالية من السكريات، تتراوح ما بين (75 – 87%)، ويشكل الجلوكوز 55% منها، والفركتوز 45%، هذا علاوة على نسبة من البروتينات والدهون وبعض الفيتامينات وأهمها: أ، ب2، ب 12، وكذلك بعض المعادن الهامة وأهمها: الكالسيوم، والفوسفور، والبوتاسيوم والكبريت، والصوديوم، والمغنيسيوم، والكوبالت، والزنك، والفلورين، والنحاس، والمنجنيز، ونسبة من السلولوز، ويتحول الفركتوز إلى جلوكوز بسرعة فائقة ويمتص مباشرة من الجهاز الهضمي ليروي ظمأ الجسم من الطاقة، وخصوصاً تلك الأنسجة التي تعتمد عليه أساساً، كخلايا المخ والأعصاب وخلايا الدم الحمراء وخلايا نقيُ العظام.

وللفركتوز مع السليلولوز تأثير منشط للحركة الدودية(61) للأمعاء، كما أن الفوسفور مهم في تغذية حجرات الدماغ، ويدخل في تركيب المركبات الفوسفاتية، مثال: الأدينوزين، والجوانين ثلاثي الفوسفات، وهي المواد التي تنقل الطاقة وترشد استخدامها في جميع خلايا الجسم... كما أن جميع الفيتامينات التي يحتويها التمر لها دور فعال في عمليات التمثيل الغذائي (أ، ب1، ب2، والبيوتين، والريبوفلافين... الخ)، ولها أيضاً تأثير مهدئ للأعصاب، وللمعادن الموجودة التمر دور أساسي في تكوين بعض الإنزيمات الهامة في عمليات الجسم الحيوية، ودور حيوي في عمل البعض الآخر، كما أن لها دوراً هاماً في انقباض وانبساط العضلات والتعادل الحمضي – القاعدي في الجسم، فيزول بذلك أيّ توتر عضلي أو عصبي، فيعم النشاط والهدوء والسكينة سائر البدن (62).

وعلى العكس من ذلك، لو بدأ الإنسان إفطاره بتناول المواد البروتينية أو الدهنية، فإنها لا تمتص إلا بعد فترة طويلة من الهضم والتحلل، ولا تؤد الغرض في إسعاف الجسم بحاجته السريعة للطاقة، فضلاً على أن ارتفاع الأحماض الأمينية في الجسم نتيجة للغذاء الخالي من السكريات، أو حتى الذي يحتوي على كمية قليلة منه، يؤدي إلى هبوط سكر الدم (63)، لهذه الأسباب، يمكن أن ندرك الحكمة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإفطار على التمر ؟!

عن سلمان بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإن لم جد فليفطر على ماء، فإنه طهور ) رواه أبو داود والترمذي. وقال: حديث حسن صحيح، وعن أنس رضي الله عنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم تكن رطبات فتميرات، فإن لم تكن تميرات حسا حسوات من ماء) رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن.

لماذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصائم بالهدوء والبعد عن الشجار !

إذا اعترى الصائم غضب وانفعال وتوتر، ازداد إفراز الأدرينالين(64) في دمه زيادة كبيرة، وقد يصل إلى 20 أو 30 ضعفاً عن معدله العادي، وذلك أثناء الغضب الشديد أو العراك. فإن حدث هذا في أول الصوم، أثناء فترة الهضم والامتصاص، اضطرب هضم الغذاء وامتصاصه زيادة على الاضطراب العام في جميع أجهزة الجسم، وذلك لأن الأدرينالين يعمل على ارتخاء العضلات الملساء في الجهاز الهضمي، ويقلل من تقلصات المرارة، ويعمل على تضييق الأوعية الدموية الطرفية وتوسيع الأوعية التاجية، كما يرفع الضغط الدموي الشرياني ويزيد كمية الدم الواردة إلى القلب وعدد دقاته. وإن حدث الغضب والشجار في منتصف النهار، أو في آخره، أثناء فترة ما بعد الامتصاص – تحل ما تبقى من مخزون الجليكوجين في الكبد، وتحلل بروتين الجسم إلى أحماض أمينية، وتأكسد المزيد من الأحماض الدهنية، كل ذلك ليرتفع مستوى الجلوكوز في الدم، فيحترق ليمد الجسم بالطاقة اللازمة في الشجار والعراك، وبهذا تستهلك الطاقة بغير ترشيد، كما أن بعض الجلوكوز قد يفقد مع البول إن زاد عن المعدل الطبيعي، وبالتالي يفقد الجسم كمية من الطاقة الحيوية الهامة في غير فائدة تعود عليه، ويضطر إلى استهلاك الطاقة من الأحماض الدهنية التي يؤكسد المزيد منها، وقد تؤدي إلى تولد الأجسام الكيتونية الضارة في الدم.

كما أن الازدياد الشديد للأدرينالين في الدم يعمل على خروج كميات كبيرة من الماء من الجسم، بواسطة الإدرار البولي (Diuresisكما يرتفع معدل الأيض ( الاستقلاب) الأساسي ( Basal Metabolic Rate)عند الغضب والتوتر، نتيجة لارتفاع الأدرينال وزيادة الشد العضلي(65). وقد يؤدي ارتفاع الأدرينالين إلى حدوث نوبات قلبية، أو إلى موت الفجاءة عند بعض الأشخاص المهيئين لذلك، وذلك نتيجة لارتفاع ضغط الدم، وارتفاع حاجة عضلة القلب للأكسجين (من جراء ازدياد سرعته)... وقد يتسبب الغضب، أيضاً في حدوث النوبات الدماغية، لدى المصابين بارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين.

كما أن ارتفاع الأدرينالين – نتيجة للضغط النفسي في حالات الغضب والتوتر – يؤدي إلى زيادة الكوليسترول في الدم، حيث يتكون من الدهن البروتيني منخفض الكثافة، والي قد يزداد أثناء الصيام، وقد ثبتت علاقته بمرض تصلب الشرايين، لهذا، ولغيره مما عرف ومما لم يعرف بعد، أوصى النبي صلى الله عليه وسلم الصائم بالسكينة وعدم الصخب والانفعال أو الدخول في عراك مع الآخرين... فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم ) متفق عليه.

من فوائد عدم شرب الماء في الصيام:

يشكل الماء حوالي 60-70% من وزن الجسم عند البالغين، وهو ينقسم إلى قسمين رئيسيين: قسم داخل الخلايا، وقسم خارجها، بين الخلايا، في الأنسجة والأوعية الدموية والعصارات الهضمية وغير ذلك، وبين القسمين توازن دقيق، والتغير في تركيزات الأملاح – خصوصاً الصوديوم الذي يتركز وجوده في السائل خارج الخلايا – ينبه أو يثبط عمليتين حيويتين داخل الجسم، وهما: آلية إفراز الهرمون المضاد لإدرار البول (ADH)، وآلية الإحساس بالعطش، وتؤثر كل منهما في تهيئة الجسم لحفاظه على الماء داخله وقت الشدة، وذلك بتأثير الهرمون المضاد لإدرار البول على زيادة نفاذية الأنابيب الكلوية البعيدة، والأنابيب والقنوات الجامعة، حيث يسرّع امتصاص الماء ويقلل من إخراجه، كما يتحكم القسمان معاً في تركيزات الصوديوم خارج الخلايا... وكلما زاد تركيز الصوديوم زاد حفظ الماء داخل الجسم.

ولقد درس مصطفى وزملاؤه في السودان ( سنة 1987م) توازن الماء والأملاح في جسم الصائم، وأثبت هذا البحث أن الإخراج الكلي للصوديوم يقل، وخصوصاً أثناء النهار (66)، إن تناول الماء أثناء الامتناع عن الطعام ( في الصيام) يؤدي إلى تخفيف التناضح (Osmolarity)(67)في السائل خارج الخلايا، وهذا بدوره يؤدي إلى تثبيط إفراز الهرمون المضاد لإدرار البول، فيزداد الماء الخارج من الجسم في البول مع ما يصحبه من الصوديوم وبعض الأملاح الأخرى، وفي هذا تهديد لحياة الإنسان ( إن لم تعوض هذه الأملاح) حيث يعتبر الصوديوم عنصراً حيوياً في توطيد الجهد الكهربائي عبراً جدران الخلايا العصبية وغير العصبية... كما أن له دوراً حيوياً في تنبيه وانقباض العضلات، وعند نقصانه يصاب الإنسان بضعف عام في جسمه.

وهناك علاقة بين العطش وبين تحلل الجليكوجين: إذ يسبب العطش إفراز جرعات – تتناسب وقوة العطش – من هرموني الأنجوتنسين 2 (Angiotensin II)والهرمون القابض للأوعية الدموية (Vasopressin)، وهما اللذان يسببان تحلل الجليكوجين في إحدى مراحل تحلله بخلايا الكبد (68). فكلما زاد العطش زاد إفراز هذين الهرمونين بكميات كبيرة، مما يساعد في إمداد الجسم بالطاقة، وخصوصاً في نهاية اليوم.

كما أن زيادة الهرمون المضاد لإدرار البول(ADH) المستمر طوال فترة الصيام في شهر رمضان، قد يكون له دور هام في تحسين القدرة على التعلم وتقوية الذاكرة وقد ثبت ذلك على حيوانات التجارب(69). لذلك فالقدرة العقلية قد تتحسن عند الصائمين، بعكس ما يعتقد عامة الناس، كما أن الحرمان من الماء أثناء الصيام، يتسبب في حدوث زيادة كبيرة في آليات تركيز البول في الكلى، مع ارتفاع القوة الأزموزية البولية ( قد يصل من 1000 إلى 12 ألف مل أزمو/ كجم ماء) وهكذا تنشط هذه الآليات الهامة لسلامة وظائف الكلى.

كما أن عدم شرب الماء خلال نهار الصيام يقلل من حجمه داخل الأوعية الدموية، وهذا بدوره يؤدي إلى تنشيط الآلية المحلية بتنظيم الأوعية وزيادة إنتاج البروستاجلاندين (Prosaglandine)، والذي له تأثيرات عديدة وبجرعات قليلة إذ أن له دوراً في حيوية ونشاط خلايا الدم الحمراء، وله دور في التحكم في تنظيم قدرة هذه الخلايا لتعبر من خلال جدران الشعيرات الدموية... وبعض أنواعه له دور في تقليل حموضة المعدة، ومن ثم تثبيط تكون القُرح المعدية – كما ثبت في حيوانات التجارب... كما أنه له دوراً في علاج العقم، حيث يسبب تحلل الجسم الأصفر، ومن ثم فقد يؤدي دوراً في تنظيم دورة الحمل عند المرأة... كما يؤثر على عدة هرمونات داخل الجسم، فينبه إفراز هرمون الرينين، وبعض الهرمونات الأخرى، مثل الهرمون الحاث للقشرة الكظرية (SH and ACTH)وغيره... كما يزيد من قوة استجابة الغدة النخامية (Pituitary gland)(70)للهرمونات المفرزة من منطقة تحت الوساد في المخ.... كما يؤثر على هرمون الجلوكاجون، وهرمون الكاتيكولامين ( الأدرينالين والنورادرينالين)، وبقية الهرمونات التي تؤثر على إطلاق الأحماض الدهنية الحرة... كما يوجد البروستجلاندين في المخ، ومن ثم له تأثير في إفراز الناقلات للإشارة العصبية.. كما أنه له دوراً في التحكم في إنتاج أحادى فوسفات الأدينوزين الحلقي (CAMP)وهو الذي يزداد مستواه لأسباب عديدة... ويؤدي دوراً هاماً في تحلل الدهن المختزن(71)... لذلك، فإن العطش أثناء الصيام له فوائد عديدة – بطريق مباشر أو غير مباشر – نتيجة لزيادة مادة البروستجلاندين، حيث يمكن أن يحسن كفاءة خلايا الدم، ويحمي الجسم من قرحة المعدة، ويشارك في علاج العقم، ويسهل الولادة، ويحسن الذاكرة، ويحسن آليات عمل الكلى، وغير ذلك.

إن الله سبحانه وتعالى جعل للجسم البشري مقدرة على صنع الماء من خلال العمليات والتحولات الكيميائية العديدة التي تحدث في جميع خلايا الجسم، إذ يتكون أثناء عمليات أيض ( استقلاب) الغذاء وتكوين الطاقة في الكبد والكلى والمخ والدم وسائر الخلايا – تقريباً – جزئيات ماء، وقد قدر العلماء كمية هذا الماء في اليوم من ثلث إلى نصف لتر، ويسمى الماء الذاتي، أو الداخلي (Intrinsic Water كما خلق الله للإنسان ماء داخلاً، خلق له طعاماً داخلياً فمن نفايات أكسدة الجلوكوز يُصنّع الجلوكوز مرة أخرى، حيث يتحول كل من حمض اللاكتيك والبيروفيت ( وهما نتاج أكسدة الجلوكوز) إلى جلوكوز مرة أخرى، حيث تتوجه هذه النفايات إلى الكبد فيجعلها وقوداً لتصنيع جلوكوز جيد في الكبد، ويتكون يومياً حوالي 36 جراماً من هذا الجلوكوز الجديد من هذين الحمضين، غير الذي يتكون من الجليسرول والأحماض الأمينية (72).

وبهذا يمكن أن ندرك سر نهي النبي صلى الله عليه وسلم الناس عن إكراه مرضاه على الطعام والشراب، حيث كان الناس يظنون – وللأسف لا يزالون – أن الجسم البشري كالآلة الصماء، لا تعمل إلا بالإمداد الدائم بالغذاء، وأن في الغذاء الخارجي فقط تكمن مقاومة ضعف المرض، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الله يطعمهم ويسقيهم، فقال عليه الصلاة والسلام: ( لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب، فإن الله عز وجل يطعمهم ويسقيهم ) رواه ابن ماجه والحاكم، وصححه هو والألباني..

إنه الله...... آمنت بالله..

===============

(1) محاضرة ألقيت بالموسم الثقافي لعام 2001م.

(2) أستاذ ورئيس قسم الكيمياء الحيوية بالمركز القومي للبحوث سابقاً، ورئيس مجلس إدارة جمعية الإعجاز العلمي للقرآن والسنة، وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر، وصاحب العديد من براءات الاختراع المسجلة في دول أوروبية وأمريكية، في مجال العقاقير والمنتجات الطبيعية واستعمالاتها الطبية.

(3) الحديث رواه مسلم 2/807 رقم 163، وأحمد 2/283، والنسائي 4/1163.

(4) خلايا لمفاوية مائية، والخلايا الليمفاوية طراز من الخلايا الدموية البيض، التي تتميز بأنها غير حبيبة وتمثل الخلية الأساسية في الليمف ( المحرر العلمي).

(5)Riyad Albiby and Ahmed Elkadi: A preliminary Report on Effects of Islamic Fasting on Lipoprotens and Immunity. JMA, vol , 17 188 page 84.

(6) د/ عبد الجواد الصاوي: الصيام معجزة علمية ص 123 و144. 1413هـ / 1992، ط1، دار القبلة.

(7) د/ فاهم عبد الرحيم وآخرون: تأثير الصيام الإسلامي على مرض الكلى والمسالك البولية، نشرة الطب الإسلامي، العدد الرابع، أعمال وأبحاث المؤتمر العالمي الرابع عن الطب الإسلامي ( منظمة الطب الإسلامي بالكويت) 1407 هـ 1986م ص 707 – 714.

(8) د/ عبد الجواد الصاوي: الصيام معجزة علمية ص 123 و144. 1413هـ / 1992، ط1، دار القبلة.

(9) تستوستيرون هو الخصيون، وهو هرمون تنتجه الخلايا البيئية في الخصية، وهو الهرمون الذكري الأساسي، إذ تظهر مسؤوليته في تنمية الأعضاء الشقية ( الجنسية) المساعدة وظهور الصفات الشقية الثانوية في الحيوان الذكر ( المحرر العلمي).

(10) د/ عبد الجواد الصاوي: الصيام معجزة علمية ص 123 و144. 1413هـ / 1992، ط1، دار القبلة.

(11)jalal Saour: Does Ramadan Fasting Complicate Antcoagulant Therapy? Fasting: Its Efects on Gealth and Diseases Basic Priniciples and Clinical Practive (Abstracts). College of Medicine King Saud University , Riyadh, December 1990.

(12)Sulimami R. A. Famuyiwa F. O. Laaga M. A. (1988): Diabetes Mellitus and Ramadan Fasting: the Need for Critical Appraisal. Diabetes Medicine 8: 549-552.

9- S. M Bakir , (1991): Can Fasting in Ramadan Help in Some Peripheral Vascular Diseases ? JIMA, Vol. 23: 163-164.

(13) د/ عبد الجواد الصاوي: الصيام معجزة علمية ص 123 و144. 1413هـ / 1992، ط1، دار القبلة.

(14)S. M Bakir , (1991): Can Fasting in Ramadan Help in Some Peripheral Vascular Diseases ? JIMA, Vol. 23: 163-164.

(15)A N N. Mariuden, I. Trang, N veniselos, and Pamblad (1983): Neutrophil Functions and Clinical Prformance After Total Fasting in Patients with Rheumatis. Annals of Rheumatic Diseases. 42: 45-51.

(16)Muzam MG,. Ali M. N. and Husain A. (1963): Observations on the Effects Of Ramadan Fasting On Gastric On Gastric Acidity , the Medicus 25: 228.

(17) الاستقلاب هو الأيض (Metabolism)، وهو يتضمن عمليات التحويل الكيميائي للمواد الغذائية المعقدة إلى مواد بسيطة يستطيع الجسم أن يستفيد منها ( المحرر العلمي).

(18)Prentice, A. M. Prenctice, A. Lamd W. H: Lunn p. G. (1983): Austins. Hum Nutr Clin Nur , 37 (4) 283-94.

13- M. Y. Sukkar h. A. Elmunshid and M. S. M Ardawi (1993): Concis Human Physiology: Blackwell Scientific Publications , Oxford. Pp. 175-181.

(19) د/ عبد الجواد الصاوي: الصيام معجزة علمية ص 123 و144. 1413هـ / 1992، ط1، دار القبلة.

(20)M. Y. Sukkar h. A. Elmunshid and M. S. M Ardawi (1993): Concis Human Physiology: Blackwell Scientific Publications , Oxford. Pp. 175-181.

(21) د/ عبد الجواد الصاوي: الصيام معجزة علمية ص 123 و144. 1413هـ / 1992، ط1، دار القبلة.

(22) د/ عبد الجواد الصاوي: الصيام معجزة علمية ص 123 و144. 1413هـ / 1992، ط1، دار القبلة.

(23)Hasan Nasrat and Mansour Suliman (1987): Efact Of Ramadan Fast-ing on Plasma Progesercne and Prolactin. Islamic International Conference on Islamic legalation & the Current Medical Problems 2-3 Fib. 1987 Cairo Egypt.

and: S. M. A Abbas and A. H. Basahmah (1986): Effcts Of Ramadan Fast On Male Fertility. Archives Of Andorology. 16: 161-166.

(24) د/ عبد الجواد الصاوي: الصيام معجزة علمية ص 123 و144. 1413هـ / 1992، ط1، دار القبلة.

(25) المرجع السابق.

(26)المرجع السابق.

(27)jalal Saour: Does Ramadan Fasting Complicate Antcoagulant Therapy? Fasting: Its Efects on Gealth and Diseases Basic Priniciples and Clinical Practive (Abstracts). College of Medicine King Saud University , Riyadh, December 1990.

(28) د/ عبد الجواد الصاوي: الصيام معجزة علمية ص 123 و144. 1413هـ / 1992، ط1، دار القبلة.

(29)William F. Ganong (1991): Review of Medical Physiology. 15th Edition. Appleton & Lange , Los Altos , California.

(30)J. Hywel Thomas and Brian Gillham (1989): Will`s Biochemical Basis of Medicine , 2nd Edition London.

(31) المرجع السابق.

(32)William F. Ganong (1991): Review of Medical Physiology. 15th Edition. Appleton & Lange , Los Altos , California.

(33) المرجع السابق.

(34) الكاتابولزم هو الأيض الهدمي، وهو أحد شكلي الأيض، ويحدث فيه هدم جزيئات البروتوبلازم، وذلك بقصد إنتاج الطاقة اللازمة للأنشطة الحيوية بجسم الكائن الحي (المحرر العلمي).

(35) الأنابوليزم هو الأيض البنائي، وهو فعالية كيميائية حيوية بنائية تمثل جزءاً من الأيض ( أو الاستقلاب) العام، يحدث فيها اتحاد جزئيات صغيرة بجزئيات أكبر منها ويتم بها تخليق البنية النسيجية في الكائن الحي، وعكسه الأيض الهدمي ( المحرر العلمي).

(36)William F. Ganong (1991): Review of Medical Physiology. 15th Edition. Appleton & Lange , Los Altos , California.

(37) نجيب الكيلاني: الصوم والصحة، مؤسسة الرسالة (بيروت) ط1، 1987م.

(38)William F. Ganong (1991): Review of Medical Physiology. 15th Edition. Appleton & Lange , Los Altos , California.

(39)M. Y Sukkar. H. A. El-munshid and M. S. M Ardawi (1993): Concise Human Physiology: Blackewell Scientific Publications , Oxford. Pp. 175-181.

(40)William F. Ganong (1991): Review of Medical Physiology. 15th Edition. Appleton & Lange , Los Altos , California.

(41) الهيبوثالامس هو تحت المهاد، وهو أرضية سمكية للبطين الثالث في الدماغ، ويعتبر مكان إنتاج عدد من المواد تؤثر في الغدية النخامية، وهو في الثدييات يحتوي مراكز عصبية تتحكم في تنظيم درجة حرارة الجسم (المحرر العلمي).

(42)William F. Ganong (1991): Review of Medical Physiology. 15th Edition. Appleton & Lange , Los Altos , California.

(43)Dianes Colby (1985): Biochemistry: Asynopsis. Middle Ease Edition Medical Publication Los Altos , California. Pp 64 140.

(44)William F. Ganong (1991): Review of Medical Physiology. 15th Edition. Appleton & Lange , Los Altos , California.

(45)S. M. A Abbas and A. H. Basahmah (1986): Effcts Of Ramadan Fast On Male Fertility. Archives Of Andorology. 16: 161-166.

(46) نجيب الكيلاني: الصوم والصحة، مؤسسة الرسالة (بيروت) ط1، 1987م.

(47) د/ آلان كوت: دراسة حول الصوم الطبي النظام الغذائي الأمثل، إعداد فاروق آقبيق وآخرين، مؤسسة الإيمان ( بيروت) ط2، 1407هـ / 1987م.

(48)S. M Bakir , (1991): Can Fasting in Ramadan Help in Some Peripheral Vascular Diseases ? JIMA, Vol. 23: 163-164.

(49) الجهاز العصبي الودي، أو التعاطفي، أو السمبثاوي، يمثل جزءاُ من الجهاز العصبي الذاتي وهو يعصب العضلات المخططة وغدد الجسم المختلفة، تترك أعصابه الحبل الشوكي في الجهة السفلية وتذهب إلى سلسلة من العقد العصبية الموجودة على كلا جانبي العمودي الفقري، أو إلى عقدة وسيطة موجودة في المساريقا، وبالتالي إلى الأحشاء (المحرر العلمي).

(50) د. م. / منيب بيجين: بيوكيماوي (كيمياء حيوية) على صوم رمضان. نشرة الطب الإسلامي، العدد الثالث، أعمال وأبحاث المؤتمر العلمي الثالث عن الطب الإسلامي ( منظمة الطب الإسلامي بالكويت) 1405هـ / 1984م – ص 384- 390.

(51) المرجع السابق.

(52)William F. Ganong (1991): Review of Medical Physiology. 15th Edition. Appleton & Lange , Los Altos , California.

(53) المرجع السابق.

(54) د. م. / منيب بيجين: بيوكيماوي (كيمياء حيوية) على صوم رمضان. نشرة الطب الإسلامي، العدد الثالث، أعمال وأبحاث المؤتمر العلمي الثالث عن الطب الإسلامي ( منظمة الطب الإسلامي بالكويت) 1405هـ / 1984م – ص 384- 390.

(55)William F. Ganong (1991): Review of Medical Physiology. 15th Edition. Appleton & Lange , Los Altos , California.

(56) المرجع السابق.

(57) الميتوكوندريا: هي جسيمات سيتوبلازمية غنية بالصبغين ( كروماتين) يكن في جبلة الخلية مصدراً لحبيباتها، أي لتكن حبات النشا وغيرها... وتنتشر هذه السبحيات في أنحاء السيتوبلازم، وتعمل كمصدر لطاقة في الخلية. حيث تحصل فيها تفاعلات التأكسد التي تمد عمليات الخلية المحتاجة لطاقة بحاجتها من أكسدة الغذاء في الخلية ( المحرر العلمي).

(85)Al-Hadramy M. S. , Zawawi T. H. , Abdelwahed S. M. (1988): Altered Cortisol Level in Relation to Ramadan. Eur. J. Clin. Nutr 42: 359-362.

(59) نجيب الكيلاني: الصوم والصحة، مؤسسة الرسالة (بيروت) ط1، 1987م.

(60) المرجع السابق.

(61) الحركة الدودية (Peristalsis) هي بالفصحى العربية، ( التمعج)، وهي حركة تموجية منتظمة ومتقدمة تحدث في الأمعاء وغيرها من أنابيب الجسم، نتيجة لتقص عضلاتها الطولية والعرضية، وهي في الأمعاء تحدث لدفع المواد الغذائية باتجاه المستقيم، ثم منطقة الإست ( المحرر العلمي).

(62) د/ حكمت عبد الكريم فريحات: الوجيز في علم وظائف الأعضاء، دار البشير ( عمان) ط1، 1407هـ / 1986م. ص 201-233.

(63)William F. Ganong (1991): Review of Medical Physiology. 15th Edition. Appleton & Lange , Los Altos , California.

(64) الأدرينالين هو الكظرين، وهو هرمون ينتج من اللب الكظري في الحيوان وفي الإنسان، وتفرزه بعض نهايات الأعصاب التعاطفية حيث يتعرض الجسم لضغط نفسي، يؤدي إفرازه في تيار الدم إلى ارتفاع مستوى السكر في الدم، والإسراع من ضربات القلب، وانقباض الشرايين الدموية الدقيقة، واتساع حدقة العين، وأحداث أخرى (المحرر العلمي).

(65) د. م. / منيب بيجين: بيوكيماوي (كيمياء حيوية) على صوم رمضان. نشرة الطب الإسلامي، العدد الثالث، أعمال وأبحاث المؤتمر العلمي الثالث عن الطب الإسلامي ( منظمة الطب الإسلامي بالكويت) 1405هـ / 1984م – ص 384- 390.

(66) د/ عبد الله عبد الرزاق السعيد: الرطب والنخلة، الدار السعودية للنشر والتوزيع، ط1، 1405هـ - 1985م، ص 107- 145.

(67) التناضح (Osmolarity) هو الدفع أو التحال، وهو تبادل يحصل بين محلولين كثافتيهما مختلفين، يفصلهما عن بعضهما البعض غشاء عضوي نفاذ، ويظل التبادل جارياً فيما بينها حتى يتجانسا، وإذا كان المحلول الأقل كثافة ينتقل إلى الأكثر كثافة سميت العملية: تناضجاً داخلياً (Endoosmosis)، وإذا حدث العكس سميت: تناضجاً خارجياً (exoosmosis) وهو (الدافع)، على اساس أن المقطع Osmosبالإغريقية يعني Pushبالإنجليزية، أي ( الدفع) بالعربية ( المحرر العلمي).

(68)K. Y. Mustafa, N. A. Mohamoud , K. A Gumaa and A. M. Gader (1978): The Effects of Fasting in Ramadan on Fluid and Electrolyte Balance Br. J. Nutr. 40: 583-589.

(69) هـ. م. شيلتون. التداوي بالصوم، ترجمة ونشر دار الرشيد، ط 2، 1407هـ / 1987م. دمشق وبيروت.

(70) الغدة النخامية، أو الجسم النخامي، يسميها البعض: ( الغدة النخامية)، وهي غدة صماء صغيرة بيضية الشكل، تقلع في قاعدة الدماغ، وتفرز هرمونات تسيطر على بقية الغدد الصم الأخرى بالجسم، وتأثيرها في ضبط النمو مشهور، تتألف هذه الغدة من فصين بينهما جزء متوسط ضيق يسمى: ( المنطقة المتوسطة)، ويختلف الفصان عن بعضهما، مظهراً وتركيباً ووظيفة.. ويفرز الفص الأمامي هرموناً ينظم نمو العظام، فإذا زاد تضخمت العظام، خاصة عظام اليدين والقدمين والفك السفلي، وإذا نقص سبب قصر القامة، وأما الفص الخلفي فيفرز مادة النخامين (Pituitrin) التي تعمل على انقباض الرحم، خاصة وقت الحمل، كما يسهل الولادة ويوقف النزيف بعدها، ويشترك في إدرار الحليب للوليد، كما يعمل على رفع ضغط الدم وعلى فيض العضلات غير الإرادية كجدران المثانة أثناء التبول، وجدران الشعب الرئوية أثناء التنفس، وجدران الأمعاء أثناء البترزن ويتحكم في عضلات الثدي أثناء عملية الرضاعة ( المحرر العلمي).

(71) د. م. / منيب بيجين: بيوكيماوي (كيمياء حيوية) على صوم رمضان. نشرة الطب الإسلامي، العدد الثالث، أعمال وأبحاث المؤتمر العلمي الثالث عن الطب الإسلامي ( منظمة الطب الإسلامي بالكويت) 1405هـ / 1984م – ص 384- 390.

(72) المرجع السابق.

المصادر والمراجع

1- الحديث رواه مسلم 2/807 رقم 163، وأحمد 2/283، والنسائي 4/1163.

2- Riyad Albiby and Ahmed Elkadi: A preliminary Report on Effects of Islamic Fasting on Lipoprotens and Immunity. JMA, vol , 17 188 page 84.

3- د/ عبد الجواد الصاوي: الصيام معجزة علمية ص 123 و144. 1413هـ / 1992، ط1، دار القبلة.

4- د/ فاهم عبد الرحيم وآخرون: تأثير الصيام الإسلامي على مرض الكلى والمسالك البولية، نشرة الطب الإسلامي، العدد الرابع، أعمال وأبحاث المؤتمر العالمي الرابع عن الطب الإسلامي ( منظمة الطب الإسلامي بالكويت) 1407 هـ 1986م ص 707 – 714.

5- K. Inesh Beitins , Thomas , Badger et. al (1981): Reproductive Function During Fasting – Men. j of Clin Endocrin and Metabol. 53: 258-266.

6- محاسن التأويل للقاسمي 2/87.

7- jalal Saour: Does Ramadan Fasting Complicate Antcoagulant Therapy? Fasting: Its Efects on Gealth and Diseases Basic Priniciples and Clinical Practive (Abstracts). College of Medicine King Saud University , Riyadh, December 1990.

8- Sulimami R. A. Famuyiwa F. O. Laaga M. A. (1988): Diabetes Mellitus and Ramadan Fasting: the Need for Critical Appraisal. Diabetes Medicine 8: 549-552.

9- S. M Bakir , (1991): Can Fasting in Ramadan Help in Some Peripheral Vascular Diseases ? JIMA, Vol. 23: 163-164.

10- A N N. Mariuden, I. Trang, N veniselos, and Pamblad (1983): Neutrophil Functions and Clinical Prformance After Total Fasting in Patients with Rheumatis. Annals of Rheumatic Diseases. 42: 45-51.

11- Muzam MG,. Ali M. N. and Husain A. (1963): Observations on the Effects Of Ramadan Fasting On Gastric On Gastric Acidity , the Medicus 25: 228.

12- Prentice, A. M. Prenctice, A. Lamd W. H: Lunn p. G. (1983): Austins. Hum Nutr Clin Nur , 37 (4) 283-94.

13- M. Y. Sukkar h. A. Elmunshid and M. S. M Ardawi (1993): Concis Human Physiology: Blackwell Scientific Publications , Oxford. Pp. 175-181.

14- Hasan Nasrat and Mansour Suliman (1987): Efact Of Ramadan Fast-ing on Plasma Progesercne and Prolactin. Islamic International Conference on Islamic legalation & the Current Medical Problems 2-3 Fib. 1987 Cairo Egypt.

15- S. M. A Abbas and A. H. Basahmah (1986): Effcts Of Ramadan Fast On Male Fertility. Archives Of Andorology. 16: 161-166.

16- دليل جديد على الإعجاز العلمي لحديث ( صوموا تصحوا)، وآية { وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ }. د/ أحمد القاضي، معهد الطب الإسلامي للتعليم والبحوث. (بنماسيتي – فلوريدا – الولايات المتحدة).

17- التفسير الكبير للرازي 20/82 ط 3 دار الباز.

18- J. Hywel Thomas and Brian Gallaham, Will`s Biochemical Basis of Medicine , 2nd Edition (1989) , London pp. 97-114. 272-97.

19- د. م. / منيب بيجين: بيوكيماوي (كيمياء حيوية) على صوم رمضان. نشرة الطب الإسلامي، العدد الثالث، أعمال وأبحاث المؤتمر العلمي الثالث عن الطب الإسلامي ( منظمة الطب الإسلامي بالكويت) 1405هـ / 1984م – ص 384- 390.

20- William F. Ganong (1991): Review of Medical Physiology. 15th Edition. Appleton & Lange , Los Altos , California.

21- J. Hywel Thomas and Brian Gillham (1989): Will`s Biochemical Basis of Medicine , 2nd Edition London.

22- د/ حامد محمد حامد: رحلة الإيمان في جسم الإنسان، دار القلم ( دمشق) ط1، 1411هـ / 1991م.

23- القرآن الكريم.

24- نجيب الكيلاني: الصوم والصحة، مؤسسة الرسالة (بيروت) ط1، 1987م.

25- M. Y Sukkar. H. A. El-munshid and M. S. M Ardawi (1993): Concise Human Physiology: Blackewell Scientific Publications , Oxford. Pp. 175-181.

26- DianesColby (1985): Biochemistry: Asynopsis. Middle Ease Edition Medical Publication Los Altos , California. Pp 64 140.

27- د/ آلان كوت: دراسة حول الصوم الطبي النظام الغذائي الأمثل، إعداد فاروق آقبيق وآخرين، مؤسسة الإيمان ( بيروت) ط2، 1407هـ / 1987م.

28- Al-Hadramy M. S. , Zawawi T. H. , Abdelwahed S. M. (1988): Altered Cortisol Level in Relation to Ramadan. Eur. J. Clin. Nutr 42: 359-362.

29- د/ حكمت عبد الكريم فريحات: الوجيز في علم وظائف الأعضاء، دار البشير ( عمان) ط1، 1407هـ / 1986م. ص 201-233.

30- د/ عبد الله عبد الرزاق السعيد: الرطب والنخلة، الدار السعودية للنشر والتوزيع، ط1، 1405هـ - 1985م، ص 107- 145.

31- K. Y. Mustafa, N. A. Mohamoud , K. A Gumaa and A. M. Gader (1978): The Effects of Fasting in Ramadan on Fluid and Electrolyte Balance Br. J. Nutr. 40: 583-589.

32- هـ. م. شيلتون. التداوي بالصوم، ترجمة ونشر دار الرشيد، ط 2، 1407هـ / 1987م. دمشق وبيروت.

 

 

 

الصيــــام بــين الفقــه والطــب
 

بقلم الدكتور محمد السقا عيد

من المعلوم لدى المسلمين ، أن الصحة نعمة من نعم الله تبارك وتعالى، أسبغها على عباده ، ومنّ بها على الناس ، أمرهم بصيانتها ، وحرم عليهم ما يتلفها ويضعفها ، من مأكولات أو مشروبات  الخ .[1]

وقد بين الإسلام ، أن الإنسان في هذه الحياة ما بين صحة سقم ، وعافية وابتلاء ، هذه سنة الحياة ، فما من مخلوق إلا ويعتريه الصحة والمرض ، والإنسان ذلك الكائن الحي يتعرض لما يتعرض له غيره من المخلوقات من صحة ومرض ، إلا أنه في مرضه تكون له حالات معينة، تأخذ أحكاماً شرعية لأنه يمتاز عن غيره من الكائنات الحية بالتكليف وبالعبادة ، التي تتطلب أفعالاً مخصوصة لابد من مراعاتها ، حتى تكون عبادته صحيحة وعمله متقبلاً .

فكثير من الأحكام الفقهية تحتاج في تقديرها إلى طبيب ثقة ، يقدر فيها المرض الذي يعيق الإنسان عن أداء العبادة تبعاً لحالة المريض أو يؤجلها إلى حين الشفاء .

لهذا كان لزاماً على المريض أن يسترشد بأمر الطبيب الثقة ، في كيفية عبادته لحالته المرضية الملازمة له أو العارضة .

يقول الحق تبارك وتعالى ، في محكم التنزيل في الآية 185 من سورة البقرة ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون ) . سورة البقرة .

 قد يحدث أن يأتي المريض إلى الطبيب في حالة لا يتحمل معها أداء العبادات ، ويقوم جهلاً منه مع سلامة نية وحسن طوية ، بأداء تلك العبادات فينتكس المريض وتعظم العلة ، ويتحكم الداء ، ويقف الطبيب موقف العاجز عن إرشاده أو توجيهه إسلامياً ، وبيان حكم الإسلام في حالته هذه ، أو تكون الأمور على عكس ذلك ، فمثلاً قد تسمح حالة المريض بالقيام بالعبادات كلها أو بعضها ، فيمنعه الطبيب من مزاولتها ، ويتسبب في تعطيل الشعائر الدينية والواجبات الإسلامية ، والواجب على الطبيب الذي يقف موقف الإرشاد والتوجيه دائماً أن يكون على علم بهذه الأمور ، خاصة وأن كثيراً من تلك الأحكام لها علاقة بالنظافة والوقاية من الأمراض .

الصوم وما يتعلق به من أحكام فقهية :

صوم رمضان فريضة ، ومن المعلوم " إن الله يجب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه " وعلى الطبيب المسلم أن يتقى الله تعالى في كافة أموره ، خاصة ما يختص بالأحكام الشرعية  ، التي تتعلق بسؤال المريض للطبيب المسلم عن الأمور التعبدية ، والتي أرجع الشرع فيها الرأي للطبيب المسلم الثقة العدل ، والطبيب المسلم الثقة هو المتميز بأنه :

حاذق في مهنته ، عالم بما يتعلق بعمله من أحكام ، مقيم للفرائض ، مجتنب للكبائر ، غير مُصّر على الصغائر .

الآراء الفقهية ومسألة فطر المريض :

إباحة الفطر لأصحاب الأعذار : يرخص الفطر للشيخ الكبير ، والمرأة العجوز ، اللذان لا يقدران على الصوم ويزدادان ضعفاً مع الأيام ، وكذلك المريض يلازمه مرض لا يبرأ منه إلى آخر حياته ، ولا يستطيع مع مرضه هذا أن يصوم ؟ فهؤلاء جميعاً يرخص لهم الفطر وليس عليهم قضاء ويطمعون عن كل يوم مسكيناً غداء وعشاء  ، ويقدر ينصف صاع أو صاع من غالب قوت أهل البلد  ، على خلاف في ذلك ، كما أجاز الحنفية إخراج القيمة نقداً .

من يرخص لهم بالفطرة وعليهم القضاء :

يرخص الفطر للمريض مرضاً شديداً يزيده الصوم ، أو يخشى تأخر برئه ، ويعرف ذلك إما بالتجربة أو بإخبار الطبيب الثقة .

وكذلك من غلبه الجوع والعطش وخاف على نفسه الهلاك ، لزمه الفطر وإن كان صحيحاً على نفسه الهلاك ، لزمه الفطر وإن كان صحيحاً مقيماً وعليه القضاء ، قال تعالى )ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً (.

وعلى هذا ، فالمريض الذى يخبره الطبيب المسلم الخبير ، أن مرضه يمنعه من الصوم وجب عليه أن يفطر .

من يجب عليهم الفطر والقضاء :

اتفق الفقهاء على أنه يجب الفطر على الحائض والنفساء ويحرم علهم الصوم ، وإذا صامتا لا يصح صومهما ، ويكون باطلاً وعليهما القضاء لقول لعائشة رضي الله عنها ، فيما رواه البخاري ومسلم : ( كنا نحيض على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم  فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة ) ، بل إنهما تأثمان إذا صامتا حال الحيض والنفاس .

لاستعمال الدواء في الصوم ثلاث حالات :

§   الأولى: عن طريق الفم . فإذا استعمل المريض الدواء عن طريق الفم، ودخل الدواء جوفه فإنه يفسد صومه سواء كان الدواء سائلاً أو جامداً ، مغذياً أو غير مغذ .

§   الثانية: عن طريق الدبر (فتحه الشرج) : كل ما دخل إلى الجسم سواء كان سائلاً أو لبوساً أو حقناً فإنه يفسد الصوم .

§   الثالثة: عن طريق الحقن بالوريد أو العضل ، فإذا أخذ المريض الدواء عن طريق الوريد أو العضل ، قال فريق من العلماء : فسد صومه لأن الدواء دخل الجسم واختلط بالدم ، وهو أبلغ في الفطر وأقوى ، ولأن ما في المعدة سيصل إلى الدم وهذا قد وصل ، واستشهدوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم  ( الفطر مما دخل ) والنبي  صلى الله عليه وسلم  أمر بالأثمد عند النوم ليتقه الصائم .

وقال فريق آخر ، لا يفسد صومه ، وهو رأى ابن تيمية أيضاً .

والأولى أن نأخذ بالرأي الأول ، خروجاً على الخلاف إذا لم يكن هناك حرج ومشقة أما إذا كان هناك حرج ومشقة في ذلك فلا بأس في الأخذ بالرأي الثاني .

استعمال المناظير في الصيام :

إذ أريد إجراء منظار للمريض عن طريق الفم إلى المعدة ، فإذا أستطاع تأجيل المنظار إلى ما بعد الصوم فعل ، إن كان ذلك لا يضره ، كأن يريد الإنسان أن يعمل فحوصات مثلاً للاطمئنان على صحته ، أما إذا كان التأخير لنهاية يوم الصوم يضره ، وكان هناك داع لذلك ، فعل ذلك ، وقضى يوماً بدلاً من ذلك الذي فعل فيه المنظار ، لأنه بدخول المنظار إلى المعدة في نهار رمضان يفطر الصائم ، وعند الحنفية إذا كان المنظار جافاً وبقى طرفه المدلى إلى الخارج فإن الصوم لا يفسد .

المنظار عن طريق الدبر :

دخول المنظار عن طريق الدبر لا يفطر الصائم ، في رأى المالكية لأنهم يشترطون أن يكون الداخل من الدبر مائعاً ، وهو رأي القاضي من الشافعية ورأى ابن تيمية .

وقال الشافعية والحنفية والحنابلة يفطر الصائم ، وعلى هذا : إما أن يأخذ المريض بالرأي الأول ، وإما يؤخر المنظار إذا كان ذلك لا يضره وإن كان يضره التأخير يكون له عذر المريض ويقضي عند الشفاء ، إن شاء الله تعالى .

المنظار عن طريق المثانة :

في المنظار عن طريق المثانة رأيان ، أصحهما أنه لا يفطر الصائم فإما أن يأخذ به المريض ، وإما أن يؤخر المنظار إن كان ذلك لا يضره.

الخروج من الجسم :

قد يخرج الأطباء شيئاً من جسم الإنسان ، مثل القسطرة من المثانة خروج البول أو خروج سائل من النخاع ، أو عينات من أجزاء الجسم ، أو أخذ دم من المريض لتحليله ، أو لإسعاف مريض أو إخراج صديد أو بذل دمل، أو ما إلى ذلك ، كل ذلك لا يفطر الصائم ، وعليه أن يكمل صومه طبيعياً ، أما إذا أدى ذلك إلى ضعف المريض أو إرهاقه ، فإنه يفطر للمرض وليس بسبب الأخذ ، وعليه أن يقضى يوماً أخر بدلاً من ذلك عند الشفاء والاستطاعة .

أمراض القلب العضوية وحكم الصيام فيها :

§        هبوط القلب : (H.F.)

(أ) متكافئ Compensated 

في هذه الحالة يستطيع المريض أن يصوم وفي ذلك فائدة للحالة في العلاج ، خاصة أولئك المرضى الذين يعانون من السمنة كسبب مساعد في أمراض القلب .

(ب) غير متكافئ Decompansated

يباح الفطر في هذه الحالة ، خاصة وأن المريض يحتاج إلى تناول العقاقير على فترات قصيرة إلى أن يتم شفاء حالة المريض فيقضى المريض ما عليه بإذن الله تعالى :

§        أمراض الشريان التاجي والذبحة الصدرية Ischemic heart diseases 

يعتمد الحكم في هذه الحالات على حالة المريض ، من حيث استقرار حالته ومعدل تكرار آلام الصدر ، فمثلاً إذا كانت حالة المريض مستقرة تحت نظام العلاج ولا يشعر بنوبات الذبحة المتكررة ، ففي هذه الحالة يعتبر الصيام جزءاً من العلاج ، حيث يقلل من امتلاء المعدة بالطعام ، فتحسن الدورة الدموية المعدية للقلب كما يساعد في إنقاص وزن المريض، وهذا عامل مساعد في تحسن حالة القلب ، أما إذا كانت حالة المريض غير مستقرة (Unstable) وتتكرر فيها نوبات الألم ، مما يستدعى تناول العقاقير تحت اللسان على فترات متقاربة فيرخص الفطر إلى أن تستقر حالة المريض ، ثم يقضى ما فاته بإذن الله تعالى .

§        روماتيزم القلب النشط : Pheumatic Carditits

تتميز هذه الحالة بارتفاع في درجة الحرارة وعدم استقرار حالة القلب، مما يتطلب معها نظاماً خاصاً في العلاج المتكرر على فترات منتظمة . متقاربة ، ونظاماً خاصاً للتغذية والراحة ، لذا يرخص للمريض بالفطر حتى يشفي بإذن الله تعالى ، وتستقر حالته ، ويقرر الطبيب المسلم بعد ذلك مدى قدرته على قضاء ما فاته من صيام .

§        أمراض صمامات القلب :Valvular heart diseases 

سواء أكانت متكافئة أو غير متكافئة ، لا يستطيع المريض معها الصيام ويرخص له بالفطر إلى أن يشفي وتستقر حالته ، ثم يقضى ما عليه .

§        ارتفاع ضغط الدم S.Hypertension

يعتبر الصيام جزءاً من العلاج في حالات ارتفاع الضغط الطفيفة والمتوسطة الشدة ، التي يمكن السيطرة عليها بالعلاج الطبي ، أما في الحالات الشديدة Severe or malignantالتي تحتاج لتكرار العلاج عن طريق الفم في فترات متقاربة ، فننصح بالفطر ، على أن يعاود المريض الصيام عند ثبات الحالة وانضباط الضغط .

أمراض الجهاز التنفسي :

§        الدرن الرئوي : Pulmonary tuberculosis

وينقسم حسب تطور الحالة إلى :

(أ) نشط (Active) وفي هذه الحالة تعتبر التغذية جزءاً مهما من العلاج لذا يرخص للمريض بالفطر إلى تستقر حالته ويعود إلى طبيعته ويكمن مرضه فيقضى ما عليه .

(ب) غير نشط ومستقر Controlledويمكن لهؤلاء المرضى الصيام لاستقرار حالتهم ، لأنه قد لوحظ أن مضادات الدرن من العقاقير التي يمكن بل يستحسن أن تعطى جرعة واحدة وكذلك باقي أمراض الجهاز التنفسي كالأزمات الشعبية والربو وتمدد الرئتين ويرها ويكون الحكم فيها حسب الحالة التي يقدرها الطبيب المسلم .

حصوات الكلى والتهاباتها :

تعتبر السوائل بكثرة عن طريق الفم ، خطوط العلاج الرئيسية

لذا يرخص بالفطر لهؤلاء المرضى حتى تستقر حالتهم ويتم الشفاء بإذن الله تعالى وعليهم بعد ذلك القضاء .

أمراض النساء والتوليد :

الحيض والنفاس:اتفق الفقهاء على أنه يجب الفطر على الحائض والنفساء ويحرم عليهما الصيام ، وإذا صامتا لا يصح صومهما ، ويكون باطلاً وتأثمان ، وعليهما القضاء لحديث السيدة عائشة رضى الله عنها فيما رواه البخاري كما وضحنا سابقاً .

الاستحاضة Metrorrhagia:وتطلق على الدم الخارج من الفرج دون الرحم ، في غير أيام الحيض والنفاس وعلامته ألا يكون منتناً ، ويجب على المرأة الصيام ولا تقضى منه في هذه الحالة ، أما إذا كان النزيف بصحة المرأة فتقدر الطبيبة المسلمة لها الفطر وعليها القضاء بعد الشفاء .

الحامل والمرضع :

إن الإسلام حريص على المسلمة  بحيث لا تضار صحياً ، ويضار جنينها ، ولذلك فإن الحمل في المرحلة الأولى ، إذا لم يصاحبه مضاعفات كالقيء والغثيان ولم تكن هناك أعراض مرضية أخرى ، فعلى الحامل الصوم في هذه المرحلة دون الخوف على جنينها أو نفسها  ، أما إذا كانت أعراض الوحم شديدة وصاحبها القيء والغثيان ورأت الطبيبة المسلمة حاجة إلى الفطر فإنه يرخص لها بالفطر ، حتى تزول هذه الأعراض ثم تقضى ما أفطرته .

أما مرحلة الحمل الثانية : Second Trimester

فعليها أن تصوم دون خوف ، مادامت خالية من أية أمراض تتعارض مع الصوم .

وفي المرحلة الثانية :

فإن معظم السيدات يقطعن الصيام ، إلا إذا حدث لهن : ضعف شديد ، ضيق بالتنفس ، عدم القدرة على القيام بالمجهود المعتاد ، أو حدوث أية أمراض أخرى في هذه الفترة إذا حدث ، فيجوز الفطر وعليهن القضاء.

وفي الأحوال كلها ، على المريضة ألا تقرر بنفسها ، وإنما تستعين بطبيبة مسلمة ماهرة وبالنسبة للمرضع ، فإنها تستطيع أن تتخذ القرار وحدها ، فإذا كان لبنها يشبع طفلها أو يستفيد من إضافة اللبن الصناعي ، فإنها تستطيع الصيام ، أما إذا كان لبنها لا يكفي وتريد إرضاعه طبيعياً فهذا حقها ولها أن تفطر ثم تقضى بعد ذلك .

مرضي السكر والصوم :

لاشك أن الصوم إذا روعيت آدابه وفهمت مراميه الصحية ، فإنه يحمى من السمنة أو البدانة ، وبالتالي يعتبر عملاً وقائياً ضد مرض السكر عند بعض الناس ، ويمكننا تقسيم مرضى السكر إلى :

أولاً: المرضى البدينون (Obese):لاشك أن الصوم يفيد هؤلاء كجزء من العلاج مع بعض ، الأقراص لعلاج السكر بعد الإفطار والسحور، مع تقليل الجرعة مع الصيام .

ثانياً: بعض المرضى الذين يأخذونإبرة الأنسولين كعلاج مرة واحدة في اليوم ، يمكنهم الصوم على أن يأخذوا إبرة الأنسولين قبل الإفطار مباشرة ، وأن يكونوا تحت إشراف طبي دقيق ويلاحظ أيضاً تقليل جرعة الأنسولين مع الصيام .

ثالثاً: مرض السكر النحاف وصغار السن :Juvenile Onset  : على هؤلاء أن يفطروا ، لأن حالتهم الصحية لا تسمح لهم بالصيام .

رابعاً: المرضى الذين يأخذون جرعات الأنسولينأكثر من مرة في اليوم، بسبب ارتفاع السكر بدرجة شديدة، فهؤلاء لا يستطيعون الصوم .

خامساً: مرضى السكر الضعاف، والذين لديهم مضاعفات في الأعصاب أو الكلى ، أو الالتهابات ، أو الذين لهم جراحات أو مرضى السكر الحوامل كلهم لابد لهم من الإفطار .

الصيام ومرضى الروماتيزم :

ولكي يسهل على القارئ استيعاب هذا المرض ، نقسم نفسهم مرضى الروماتيزم إلى ثلاثة فئات :

أولاً : الأمراض الروماتيزمية الإلتهابية :

مثل الروماتويد ، وروماتيزم العمود الفقري التيبسي ومرضى القناع الأحمر Systemic Lupus erythematosus.

والحمى الروماتيزمية وأمثالها هذه الأمراض تحتاج في حالتها الحادة إلى علاج دوائي بالفم عادة ، في فترات منتظمة كل 4 أو 6 ساعات لمدة قد تطول ، كذلك يحسن تناول الأقراص بعد الأكل حتى لا تؤثر على معدة المريض ، هناك لا مناص من أن يفطر المريض ، حتى ينتظم العلاج، ويحدث الشفاء ، ويقضى المريض الأيام التي أفطرها بعد الشفاء.

أما مرضى روماتيزم المفصل الواحد الذين يحتاجون فقط إلى حقن موضعية بالمفصل المصاب ، فيمكنهم الصيام ولا يفسد العلاج صيامهم .

كذلك المرضى الذين يحتاجون للعلاج الطبيعي فقط ، فيمكنهم أخذ جلسات الأشعة القصيرة وفوق الصوتية ، وعمل حمامات الشمع والتمارين العلاجية أثناء الصيام ، كما أن المرضى الذين يحتاجون للعلاج الإشعاعي بالأشعة العميقة ، يمكنهم عمل ذلك سواء أثناء الصيام أو بعد الإفطار ، حيث أن ذلك لا يتعارض مع صيامهم .

ثانياً : مرضى الروماتيزم الميتا بوليزمى :

وهو الروماتيزم الذي ينشأ نتيجة أخطاء الميتابوليزم وأمراض الغدد الصماء ، وأهم هذه الأنواع من الروماتيزم ، مرض النقرس Gout، ومرض الروماتيزم المصاحب لمرض السكر ، فمريض النقرس عادة ، يكون من الذكور ، ونسبة إصابة الذكور إلى الإناث 1:9 وغالباً ما يبدأ المرض وبالتورم والاحمرار ، الذي يصيب إبهام إحدى القدمين غالباً ولا تزيد النوبة على عدة أيام ثم تختفي لمدة طويلة ، قد تمتد إلى عدة سنوات، قبل أن يعانى المريض من نوبة أخرى ، والصيام في هذه الحالة يتوقف على عدة عوامل :

فمثلاً أثناء النوبات الحادة ، لا يطيق المريض الصيام لاحتياجه الُملّح إلى أدوية بسرعة ، وعلى فترات متقاربة ، قد تكون كل ساعة أو ساعتين، حتى تنتهي النوبة الحادة بسرعة ويزول الألم ، أما المرضى في غير النوبات الحادة ، فإذا كانت حالتهم بسيطة ومبكرة ، وكانت وظيفة الكليتين جيدة ، ولم يسبق لهم أن أصيبوا بنوبات مغص كلوي ، فيمكنهم الصيام .

وبالنسبة لنسبة حمض البوليك ، إذا كانت شديدة الارتفاع ، وكانت وظيفة الكليتين غير متكافئة ، فيجب عليهم الإفطار ، لأنهم محتاجون إلى شرب السوائل بصفة منتظمة وبكميات كبيرة ، من 2 3 لتر يومياً .

والامتناع عن السوائل هنا ، قد يعرض الكلية للخطر ، لهذا فالإفطار مباح حسب نصيحة الطبيب المعالج .

أما الروماتيزم الذي يصاحب مريض السكر والذي من أهم أعراضه ، آلام الكتف وإصبع الزناد وتنميل الأصابع ، ,ألم أسفل الظهر ، وروماتيزم القدم ، فإن الصيام مفيد لهم .

ثالثاً : الروماتيزم التعظمي (الروماتيزم المفصلي العظمي)

كالذي يصيب أسفل الظهر ، ومفصل الفخذ ، أو مفصل الركبة  ، أو بسبب مهماز القدم ، فإن الصيام واجب ومفيد ، حيث أن إنقاص الوزن وتقليل الحركة ، من العوامل الرئيسية للشفاء .

ولا يفوتنا في هذا المجال ، أن نذكر أن الصفاء الروحي ، واتجاه الصائم بقلبه ووجدانه إلى بارئه ، له أثر السحر في شفاء الكثير من الأمراض الروماتيزمية ، لأن الأيمان العميق الصادق بالله ، وملائكته وكتبه ورسله ، وكذلك الروحانية التي تسود شهر رمضان ، كل هذا يبعث الأمل في نفس المريض والثقة بالشفاء ، مما يرفع من معنوياته ، ويقوى جهاز المناعة أي جهاز التغلب على العديد من الأمراض التي تستحكم ، نتيجة إخلال المناعة بالجسم مثل الروماتويد ، ومرض القناع الأحمر وغيره .

الصيام والسمنة :

يؤدى الإفراط في تناول الطعام والشراب إلى زيادة الوزن وما ينتج عن ذلك معروف من مضاعفات مرضية ، مثل ارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين ، والتهابات الحويصلة المرارية الخ وينصح الأطباء كل من يرغب في إنقاص وزنه ، أن يتبع نظاماً معيناً ، خلاصته : الإقلال من النشويات والسكريات ، والأملاح والدهون ، مع الإكثار من الخضروات والبروتينيات ، وممارسة أبسط أنواع الرياضة ، ألا وهى المشي .

وعلى ذلك ، يكون الصيام من أهم العوامل التي تساعد على إنقاص الوزن ، بشرط عدم الإسراف في وجبتي الإفطار والسحور ، وما بينهما.

فلسفة الصوم الصحية : [2]

تقوم فلسفة الصوم الصحية على إرهاق المعدة بالطعام الكثير أو الزائد على حاجتها والذي يسيء إلى الجسم عامة ويجلب عليه ألواناً من المرض. ولذلك يقول القرآن الكريم :

" كلوا واشربوا ولا تسرفوا " ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم  ( إن من السرف أن تأكل كل ما اشتهيت )

وجاءت طائفة من الأحاديث النبوية الدالة على أن تقليل الطعام أو الاقتصاد فيه على ما يحتاج الجسم هو طريق السلامة والغنيمة . ومن هذه الأحاديث :

          #                    ( صوموا تصحوا )

    #       ( ما ملأ ابن آدم وعاءاً شراً من بطنه ، بحسب ابن آدم لقيمات يقيم صلبه فإن كان لا محالة فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه)

ومن الملاحظ أن المعدة هي العضو الوحيد الذي يعمل داخل الجسم طوال العام بلا تحذر أو نظام فهي تحتاج إلى راحة في بعض الأيام . وإذا لم يعطها صاحبها هذه الراحة اختياراً  أخذتها المعدة بنفسها على الرغم منها اضطرارياً وجلبت على صاحبها متاعب وأضراراً لأنها ستستريح عن طريق المرض فتتعب صاحبها وتكلفه الكثير من جهده وماله في علاجها وإعادتها إلى حالتها الطبيعية ولذلك أعطاها الدين هذا الشهر من كل عام (وهو شهر رمضان ) ليصوم فيه فتهدأ وتستريح .

والأطباء فوق هذا  ينصحون بالصوم لعلاج الكثير من الأمراض كأمراض السمنة والكبد وتصلب الشرايين وارتفاع ضغط الدم والسكر وغير ذلك . والظاهرة السائد في أغلب حالات المرض أن الطبيب ينصح المريض بالتخفيف من الطعام أو الامتناع عن أنواع منه وذلك للتخفيف عن المعدة والجسم ، وهذا هو ما يحققه الصوم إذا اعتدل واستقام وبذلك يكون في الصوم علاج وشفاء .

وإذا كانت المعدة هي بيت الطعام . ذلك البيت الكريم الذي لا يرفض أي زائر ليلاً أو نهاراً فإنها بهذا الكرم الزائد تضر بكل ما يحيط بها سواء كان هذا الضرر بقد أو بدون قصد . وفي شهر رمضان تستعد المعدة لاستقبال أصناف كثيرة من الطعام فيصوم الإنسان فترة لا تقل عن أربع عشرة ساعة فيؤدى هذا إلى الارتخاء في عضلات المعدة ، وبعد مدفع الإفطار وفي جو أقل من نصف ساعة تمتلئ المعدة فجأة بكل ألوان الطعام فتصاب الأمعاء بالتلبك لأن المواد الدسمة عسرة الهضم وفي الوقت نفسه لا يُسمح بمرور الطعام من المعدة إلى الإثني عشر إلا بعد فترة طويلة مما يؤدى إلى انتفاخ البطن وكثرة الغازات .

إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة :

هناك عدة تساؤلات تطرح نفسها وهى : هل الصيام يقلل من تحمل الإنسان ؟ هل الصيام يؤثر على المخ الإنسان وعلى وظائفه ؟ ثم ما هي وظائف المخ ؟

وللإجابة على هذه الأسئلة الكثيرة التي تتردد على الأذهان :

نقول أن الله سبحانه وتعالى وهب الإنسان ذلك المخ القريب من الجسم، المخ هو ذلك الجزء الهلامي الذي يحاط بقلعه محكمة من غطاء الجمجمة لحمايته .... ويزن حوالي 1 كجم ويتكون من 14 بليون خلية كل منها لها وظائف محددة ويعمل في تناسق وانتظام غريب . "وتحتاج خلايا المخ للماء والهواء والسكر لتعمل بكفاءة . فالمخ عنيد متشبث بنوعية الغذاء ولا يقبل لها بديلاً لهذا فإن المخ يتأثر بغياب الماء والسكر في فترة الصيام.

نعم المخ في حاجة إلى الماء والسكر ولكن إذا زادت كمية الغذاء للمخ يصاب بتخمة شديدة ويبطل عمله وتتكاسل وظائفه ومن هنا كانت أهمية تنظيم الطعام في رمضان .

نضيف إلى ذلك عاملا مهماً وهو القدرة التي وهبها الله تعالى للمخ على تحمل الجوع والتكامل والتأقلم على ذلك ففي الأيام الأولى من الصيام قد يشعر المريض بقليل من الدوخة أو الدوار خاصة عندما يأتي موعد الوجبات كالإفطار والغذاء ... لكن سرعان ما زول هذه الأعراض ويتأقلم الجسم على الوضع الجديد وتسير الأمور في مجرياتها الطبيعية .

فلنصلح ما أفسدناه طوال العام :

وذلك بمزيد من العمل والنشاط لاعتدال قوامنا وظهوره بالصورة اللائقة وكذا بعدم المبالغة في تقدير حاجتنا من الطعام خاصة وأن أغلب الصائمين على عكس ذلك . فإنه من العجيب المؤسف حقاً أن الناس إلا أقلهم قد انحرفوا بفلسفة الصوم حتى أفسدوها أو قلبوها رأساً على عقب فجعلوا شهر رمضان شهر إسراف في ألوان الطعام والشراب وأصناف الحلوى فيستعدون له قبل مجيئه بأسابيع ويطالبون المسئولين بأن يوفروا لهم ما لذا وطاب ولو بشق الأنفس على حساب مصالح أخرى لها أهميتها. وهذا ليس من الإسلام .

الصيام والأمراض الباطنية :

يفيد الصوم في علاج الاضطرابات المزمنة للأمعاء والمصحوبة بتخمر المواد النشوية والبروتينية ، وذلك نظراً لاستراحة الجهاز الهضمي أثناء ساعات النهار ، من إفراز العصارات الهاضمة ، وكذلك تقل حركة الأمعاء الكثيرة ، وهذا بدوره يعطى للأمعاء فرصة للتخلص من الفضلات المتراكمة بها ، وعلى هذا ، فإن الصيام يعتبر من أفضل الوسائل لتطهير الأمعاء .

كذلك فالصيام يفيد لزيادة الوزن الناشئة من كثرة الغذاء على نحو ما ذكرنا سابقاً ، وللصيام أيضاً دور في علاج بعض حالات الضغط الدموي.

والصيام أيضاً فعال لعسر الهضم ، الذي يحدث لدى بعض المرضى نتيجة لإدخال كميات طعام كبيرة من المواد الدسمة أكثر مما يحتاجه الجسم، لذلك فالصيام ينظم الوجبات ويعالج هذا المرض ، بشرط عدم الإسراف في تناول تلك  الأطعمة على مائدة الإفطار . لأنك بهذا عزيزي القارئ  - ستُفقد الصيام بعض حكمته التي فرضه الله تعالى من أجلها ،  أما في البول السكري ، فلما كان قبل ظهوره غير مصحوب غالباً بزيادة في الوزن فالصوم يكون في هذه الحالة علاجاً مفيداً أو نافعاً .

قرحة المعدة والإثني عشر :

كثر الكلام في هذا الموضوع في الآونة الأخيرة .لهذا لا أحب أن أجرك إلى متاهات طبية تحتاج إلى المتخصصين ولكن سأثبت فقط ما قاله طبيب مسلم وعالم فاضل في هذا الشأن ، وهذا الطبيب هو المرحوم الأستاذ الدكتور/ خليل لطفي أستاذ ورئيس قسم الأمراض الباطنية بجامعة الإسكندرية  - رحمه الله - وجزاه عن مرضاه وطلبته خير الجزاء يقول رحمه الله :

" إن هناك احتمالين : شخص مصاب بقرحة الجهاز الهضمي ، وعلى الأخص الإثني عشر فهو في هذه الحالة على مرض وهو يعفي من الصيام لأن علاج هذه القرحة ، يحتاج إلى أكلات كثيرة صغيرة ومتعددة، ويقضى بعد الشفاء .

وأما الفريق الثاني: فهو يخشى الإصابة بالقرحة ، وهم هؤلاء الذين عندهم حموضة أكثر من الطبيعي ، وقد لوحظ بالتجربة العملية في بحث علمي بالقسم (قسم الباطنة - جامعة الإسكندرية) نشر باللغة الإيطالية في 26 مايو 1961 - أن الحموضة تزداد في المعدة الخالية تدريجياً ، ولكن هناك بالطبع ظروف صناعية تتحكم أثناء فحص هذه الحالات وتغير النتيجة مثل : لخوف من ابتلاء الأنبوبة ، ولكن الحموضة فقط ليست هي العامل الوحيد في هذه الحالات ، بل هناك عوامل أخرى من أهمها العامل النفسي .

ولذلك فعلى الرغم من ازدياد الحموضة في هذه الحالات ، فلم نلاحظ معها حدوث القرحة في شهر رمضان ، ومما لا شك فيه أن الصائم الذي يصوم إيماناً واحتساباً ، عنده من هدوء النفس والطمأنينة ، ما يساعده على رفع شر هذه الحموضة المتزايدة .

أما الحالات التي يلاحظ اصابتها بأعراض عسر هضم ، أثناء الأيام الأولى من شهر رمضان فهي جميعاً نتيجة لتغيير نظام الأكل وإدخال كمية كبيرة ودسمة أكثر من المعتاد عند الإفطار .

ولم يلاحظ زيادة في حدوث القرحة أثناء شهر رمضان ، ولست الآن في موقف اذكر فيه فوائد الصيام للصحة ، فيقول الرسول   صلى الله عليه وسلم  ( صوموا تصحوا ) صحيح تماماً ولم يقصد بمنع الأكل فقط ، بل بجميع ما نبغيه من تخليص النفس من الشوائب ونقاء الضمير والقلب وهدوء النفس ، والإيمان المطلق بالله وقانا الله شر الأمراض ما ظهر منها وما بطن .

الصيام والأمراض الجلدية :

يقول الأستاذ الدكتور/ محمد الظواهري - أستاذ الأمراض الجلدية - إن كرم رمضان يشمل مرضى الأمراض الجلدية ، إذ يتحسن بعض هذه الأمراض بالصوم ، ويتأتى هذا من أن هناك علاقة متينة بين الغذاء وإصابة الإنسان بالأمراض الجلدية ، إذ أن الامتناع عن الطعام والشراب مدة ما ، تقلل من الماء في الجسم والدم وهذا بدوره يدعو إلى قلته في الجلد ، وحينئذ تزداد مقاومة الجلد للأمراض المعدية والمكيروبية ، ومقاومة الجلد في علاج الأمراض المعدية ، هي العامل الأول الذي يعتمد عليه في سرعة الشفاء وتقلل الماء في الجلد أيضاً ، من حدة الأمراض الجلدية الالتهابية والحادة والمنتشرة بمساحات كبيرة في الجسم .

كما أن قلة الطعام ، تؤدى إلى نقص الكمية التي تصل إلى الأمعاء ، هذا بدوره يريحها من تكاثر الميكروبات الكامنة بها ، وما أكثرها ، عندئذ يقل نشاط تلك الميكروبات المعدية ويقل إفرازها للسموم وبالتالي يقل امتصاص تلك السموم من الأمعاء ، وهذه السموم تسبب العديد من الأمراض الجلدية ، والأمعاء ما هي إلا بؤرة خطرة من البؤر العفنة التي تشع سمومها عند كثير من الناس ، وتؤذى الجسم والجلد وتسبب لهما أمراضاً لا حصر لها .. شهر رمضان هو هدنة للراحة من تلك السموم وأضرارها :

ويعالج الصيام أيضاً ، أمراض البشرة الدهنية وأمراض زيادة الحساسية ، وقد جاء في كتاب " الصوم والنفس" للدكتور فائق الجوهرى ، ما نصه :

" إن الصوم من وجهة النظر الصحيحة وسيلة لتطهير الجسم مما يحتمل أن يكون به من زيادات في السموم الضارة ، أو غذاء لا لزوم له، ونحن نجده في الموسوعات الطبية ، تحت باب العلاج بالغذاء " .

وبعد فهذا جانب مضيء من الجوانب المضيئة لفوائد الصيام ، وعلاجه للأمراض النفسية والعضوية ... وهناك جوانب أخرى لا يتسع المقام لذكرها .

هذا علاوة على ما للصوم من أثر على الناحية الخلقية ، وكذلك الناحية الاقتصادية ، وما فيه من رياضة روحية تقرب بين العبد وربه ... الخ .

فهل رأيت عزيزي القارئ كلمة الصوم التي  شرعها الله في القرآن الكريم ، وما حوته من أسرار طبية ونفسية ، غير ما نعرف من فضائل الحث على الصدق والإحسان إلى الفقير والمحتاج ، أليس هذا لصالح العبد، وصالحه وحده ؟

ولا يسعنا بعد هذه العجالة إلا أن نفق خاشعين أمام قول الحق جل شأنه " وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون " البقرة 184 .


 

[1]أنظر مقالنا بمجلة " منار الإسلام " الظبيانية العدد التاسع السنة العشرون رمضان 1415هـ فبراير 1995 .

[2]أنظر مجلة " منار الإسلام " الظبيانية العدد التاسع السنة الحادية عشره إصدار رمضان 1406هـ مايو 1986م

 

 

الصوم.. عمليَّة بدون جراحة
 

 بقلم المهندس عبد الدائم الكحيل

مقدمة

عُرف الصيام قديماً منذ آلاف السنين عند معظم شعوب العالم، وكان دائماً الوسيلة الطبيعية للشفاء من كثير من الأمراض. ونحن اليوم نستطيع أن نشاهد ما كتبه حكماء الإغريق منذ آلاف السنين حول فوائد الصيام من خلال المخطوطات القديمة الموجودة في متاحف العالم. ونجد الأطباء منذ القديم يوصون بالصوم مثل سقراط وأفلاطون وأرسطو وجالينوس والذين يؤكدون أن الصوم هو الطريق الطبيعي للشفاء من الأمراض! (1).

وهنا تتجلى معجزة قرآننا العظيم عندما يخبرنا عن وجود هذه الظاهرة عند الأمم قبل الإسلام، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183]. والله تعالى لا يكتب شيئاً على عباده إلا إذا كان فيه مصلحة ومنفعة لهم.

وسوف نرى الآن ما يقوله الطب الحديث عن فوائد ومنافع الصيام لندرك أن القرآن عندما جعل الصيام فرضاً واجباً على المسلم إنما سبق أطباء العصر الحديث في دعوتهم اليوم إلى هذا الصيام بعدما رأوا النتائج المبهرة التي يقدمها هذا السلاح العجيب للإنسان في مواجهة مختلف الأمراض. حتى إننا نجد اليوم على شبكة الإنترنت مواقع ومجلات بأكملها خاصة بالصوم، مثلاً موقع الصوم:  www.fasting.com

إن الدواء لكثير من الأمراض موجود في داخل كل منا، فجميع الأطباء يؤكدون اليوم أن الصوم ضرورة حيوية لكل إنسان حتى ولو كان يبدو صحيح الجسم، فالسموم التي تتراكم خلال حياة الإنسان لا يمكن إزالتها إلا بالصيام والامتناع عن الطعام والشراب. يقول أحد الأطباء: يدخل إلى جسم كل واحد منا في فترة حياته من الماء الذي يشربه فقط أكثر من مئتي كيلو غرام من المعادن والمواد السامة!! (2) وكل واحد منا يستهلك في الهواء الذي يستنشقه عدة كيلوغرامات من المواد السامة والملوثة مثل أكاسيد الكربون والرصاص والكبريت.

فتأمل معي كم يستهلك الإنسان من معادن لا يستطيع الجسم أن يمتصها أو يستفيد منها، بل هي عبء ثقيل تجعل الإنسان يحسّ بالوهن والضعف وحتى الاضطراب في التفكير، بمعنى آخر هذه السموم تنعكس سلباً على جسده ونفسه، وقد تكون هي السبب الخفي الذي لا يراه الطبيب لكثير من الأمراض المزمنة، ولكن ما هو الحل؟

إن الحل الأمثل لاستئصال هذه المواد المتراكمة في خلايا الجسم هو استخدام سلاح الصوم الذي يقوم بصيانة وتنظيف هذه الخلايا بشكل فعال، وإن أفضل أنواع الصوم ما كان منتظماً. ونحن عندما نصوم لله شهراً في كل عام إنما نتبع نظاماً ميكانيكياً جيداً لتصريف مختلف أنواع السموم من أجسادنا.

سوف نعدد بعضاً من فوائد الصيام والتي ظهرت حديثاً وقد يجهلها الكثير من الأخوة القراء:

الصوم أقوى سلاح للاضطرابات النفسية!

من أغرب الأشياء التي لفتت انتباهي في الصوم قدرته على علاج الاضطرابات النفسية القوية مثل الفصام!! حيث يقدم الصوم للدماغ وخلايا المخ استراحة جيدة، وبنفس الوقت يقوم بتطهير خلابا الجسم من السموم، وهذا ينعكس إيجابياً على استقرار الوضع النفسي لدى الصائم.

حتى إن الدكتور يوري نيكولايف Dr. Yuri Nikolayev مدير وحدة الصوم في معهد موسكوالنفسي قد عالج أكثر من سبعة آلاف مريض نفسي باستخدام الصوم، حيث استجاب هؤلاء المرضى لدواء الصوم فيما فشلت وسائل العلاج الأخرى، وكانت معظم النتائج مبهرة وناجحة! واعتبر أن الصوم هو الدواء الناجع لكثير من الأمراض النفسية المزمنة مثل مرض الفصام والاكتئاب والقلق والاحباط (3).

حتى إن إحدى المجلات الطبية اليابانية (4) أكدت في دراسة لها أن الصيام يحسِّن قدرتنا على تحمل الإجهادات وعلى مواجهة المصاعب الحياتية، بالإضافة للقدرة على مواجهة الإحباط المتكرر. وما أحوجنا في هذا العصر المليء بالإحباط أن نجد العلاج الفعال لمواجهة هذا الخطر! كما أن الصوم يحسن النوم ويهدّئ الحالة النفسية.

فلدى البدء بالصوم يبدأ الدم بطرح الفضلات السامة منه أي يصبح أكثر نقاء، وعندما يذهب هذا الدم للدماغ يقوم بتنظيفه أيضاً فيكون لدينا دماغ أكثر قدرة على التفكير والتحمل، بكلمة أخرى أكثر استقراراً للوضع النفسي.

سلاح ضد البدانة والوزن الزائد!

حالما يبدأ الإنسان بالصيام تبدأ الخلايا الضعيفة والمريضة أو المتضررة في الجسم لتكون غذاءً لهذا الجسم حسب قاعدة: الأضعف سيكون غذاءً للأقوى، وسوف يمارس الجسم عملية الهضم الآلي للمواد المخزنة على شكل شحوم ضارة، وسوف يبدأ "بانتهام" النفايات السامة والأنسجة المتضررة ويزيل هذه السموم. ويؤكد الباحثون أن هذه العملية تكون في أعلى مستوياتها في حالة الصيام الكامل، أي الصيام عن الطعام والشراب، وبكلمة أخرى الصيام الإسلامي، فتأمل عظمة الصيام الذي فرضه الله علينا والفائدة التي يقدمها لنا.

هنالك أكثر من 60% من الشعب الأمريكي زائد الوزن عن الحدود الطبيعية! وهؤلاء كلّفوا الدولة 117 بليون دولار في سنة واحدة عام 2002. بالإضافة إلى 300 ألف وفاة سنوياً بسبب مشاكل الوزن الزائد الذي يكون بدوره سبباً رئيسياً في مرض السكر وأمراض القلب والتهاب المفاصل ومشاكل في الجهاز التنفسي والاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب، وجميع هذه الأمراض الخطيرة ترتبط بالبدانة بشكل مباشر (5).

وليس غريباً أن يكون الصيام سلاحاً ناجعاً ضد السمنة وما ينتج عنها من أمراض، ولو أنهم طبقوا القواعد الإسلامية في الصوم، فكم سيوفّروا من المال والمرض والمعاناة؟

الصوم: هل يخفّض الشهوة الجنسية؟

إن إنتاج الهرمون الجنسي يكاد يكون معدوماً أثناء الصوم، وهذا ما حدثنا عنه الحبيب الأعظم صلوات الله وسلامه عليه بقوله: (فعليه بالصوم فإنه له وِجاء). والوِجاء هو رضّ عروق البيضتين فيكون شبيهاً بالخصاء (6). وفي هذه الكلمة إشارة قوية وعلمية لانخفاض شهية الصائم الجنسية بسبب انخفاض هرمون الجنس عنده حتى الحدود الدنيا.

الصوم يطيل العمر!

الصيام يطيل العمر! حتى إن التجارب قد أظهرت أن ممارسة الصيام على الحيوانات يضاعف من فترة بقائها أو حياتها! (7). ونجد كذلك المئات من الكتب الصادرة حول الصيام وهي لمؤلفين غير مسلمين، وجميعهم يؤكدون علاقة الصيام بالعمر المديد، ويؤكد كثير من العلماء أن الصوم هو أفضل طريقة للسيطرة على جسم صحيح ومعافى.

إن التنظيف المستمر للخلايا باستخدام الصيام يؤدي إلى إطالة عمر هذه الخلايا وبالتالي تأخر الشيخوخة لدى من ينتظم في الصيام. حتى إن حاجة الجسم من البروتين تخف خلال الصيام إلى الخمس! وهذا ما يعطي قدراً من الراحة للخلايا، حتى إن الصيام هو وسيلة لتجديد خلايا الجسم بشكل آمن وصحيح.

الصوم من أجل طاقة أكبر للجسم!

أكثر من عُشر طاقة الجسم تُستهلك في عمليات مضغ وهضم الأطعمة والأشربة التي نتناولها، وهذه الكمية من الطاقة تزداد مع زيادة الكميات المستهلكة من الطعام والشراب، في حالة الصيام سيتم توفير هذه الطاقة طبعاً ويشعر الإنسان بالارتياح والرشاقة. وسيتم استخدام هذه الطاقة في عمليات إزالة السموم من الجسم وتطهيره من الفضلات السامة، ويؤكد الباحثون اليوم أن مستوى الطاقة عند الصائم يرتفع للحدود القصوى!!! (8).

الصوم مفيد حتى لمدمني المخدرات والتدخين!

حتى إن الصوم أعطى نتائج ممتازة لمدمني المخدرات حيث تنخفض شهيتهم لتعاطي المخدرات بشكل كبير! وسبحانك ياربّ العالمين! حتى عبادك من العاصين والبعيدين عن طريقك القويم، جعلتَ الصوم نافعاً ومفيداً لهم، فهل هنالك أوسع من رحمة الله بعباده؟ أيضاً الصوم يساعد على ترك التدخين! فهو يعمل في جسم الإنسان مثل السلاح الخفي الذي لا يُرى فيطرد المواد السامة مثل النيكوتين، وبنفس الوقت ينظف الدم فتنخفض الشهوة للدخان بسرعة مذهلة (انظر موقع الصوم).

الصوم شفاء من آلام المفاصل!

من الأشياء الغريبة في الصوم أنه يساعد على شفاء آلام الظهر والعمود الفقري والرقبة. وقد أوضحت دراسة نروجية أن الصوم علاج ناجع لالتهاب المفاصل (8) بشرط أن يستمر الصوم لمدة أربعة أسابيع (وتأمل أخي الحبيب هذه المدة وكم هي قريبة لصيام شهر واحد هو رمضان)!

أمراض الجهاز الهضمي علاجها مؤكد مئة بالمئة!

كم هو عدد الأشخاص المصابين بالإمساك المزمن وقد تناولوا الكثير من الأدوية دون أية فائدة، ليتهم يجرّبون الصوم وسيجدون التحسُّن السريع لحالتهم بإذن الله تعالى. وكذلك الأمراض المزمنة للجهاز الهضمي يمكن أن يجدوا في الصيام حلاًّ مؤكداً لشفائها. وكذلك التهاب الكولون والتهاب الأمعاء المزمن. ونجد الباحثين يؤكدون بأن 85 % من الأمراض تبدأ في الكولون غير النظيف والدم الملوث (9).

قائمة طويلة من الأمراض يختصّ الصوم بعلاجها!

أثبتت الدراسات الحديثة والتي شملت عشرات الآلاف من المرضى، والتي أجريت في بلاد غير إسلامية، أن الصوم يساعد بشكل فعال في شفاء العديد من الأمراض ونذكر منها:

1- ضغط الدم العالي يعالجه الصيام بشكل جيد.

2- وحتى مرضى السكر فإن الصوم لا يضُرّهم، بل يساعدهم على الشفاء.

3- الصوم وسيلة جيدة لعلاج الربو وأمراض الجهاز التنفسي.

4- الأمراض القلبية وتصلب الشرايين.

5- أمراض الكبد مهما كان نوعها فقد أثبت الصوم قدرته على علاجها بدون آثار سلبية.

6- أمراض الجلد وبشكل خاص الحساسية والأكزما المزمنة.

7- الوقاية من مرض الحصى الكلوية.

8- علاج الأمراض الخبيثة مثل السرطان.

9- كما أن الصوم يعتبر السلاح رقم واحد في الطب الوقائي.

معجزة نبوية!

إن الرسول الكريم عليه صلوات الله وسلامه يقول: (والصوم جُنَّة)، فماذا تعني هذه الكلمة؟ ففي معجم مختار الصحاح نجد أن معنى كلمة (الجُنَّة): هو السلاح الذي يستتر به المرء. والصيام هو سلاح لا يراه الآخرون ولكنه يمارس عمله في الخفاء، فيدمر الخلايا الهرمة والضعيفة وبنفس الوقت يهاجم السموم في مخابئها ويخرجها ويبعدها. أليس التعبير النبوي عن الصيام دقيقاً من الناحية العلمية والطبية؟

إن ما يقدمه لك الدواء في سنوات قد يقدمه لك الصيام في أيام وبدون آثار سلبية. ولذلك فإن الصيام يحسن أداء أجهزة الدفاع لدى الجسم ويقوّي نظام المناعة، فالصيام هو سلاح بكل معنى الكلمة! هذا السلاح يحمينا من هجمات الفيروسات المحتملة ويقينا مختلف الأمراض، أليس الرسول على حق عندما سمى الصيام (جُنَّة) أي سلاح نستتر به؟ أليست هذه معجزة نبوية مبهرة؟!

ومن نعمة الله علينا أن جعل خير الشهور شهر رمضان، وأنزل فيه أعظم كتاب على وجه الأرض وهو القرآن فقال: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[البقرة: 185].

من أقوال أطباء غير مسلمين عن الصوم

يصف أحد أشهر الأطباء المعالجين بالصوم فوائده المتعددة فيقول (10):

"Decreased weight, clearer skin, increased elimination, tissue repair, decreased pain and inflammation, increased concentration, relaxation, plus spare time and savings in the cost of food. Perhaps the greatest benefit is the satisfaction that you are taking a major role in improving your health."

 وهذا الكلام يعني:

"وزن أقل، جلد نقي، إزالة متزايدة للسموم، إصلاح للأنسجة، انخفاض في الألم والالتهاب، زيادة في التركيز، استرخاء، توفير في الغذاء والوقت. وربما الفائدة الكبرى تتمثل في الرضا بأنك لعبت دوراً رئيسياً في تحسين صحتك".

وقد لخّص القرآن كل هذا الكلام بكلمات بليغة ووجيزة، يقول تعالى: (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[البقرة: 184].

خاتمة (الصوم الإسلامي هو الأكثر أماناً)

يؤكد الاختصاصيون أن الصوم المستمر لفترات طويلة له مخاطر كثيرة وآثار سلبية، ولكن يؤكدون في الوقت نفسه أن الصوم القصير والمتكرر (وهو الصوم الإسلامي من الفجر وحتى المغرب) هذا النوع آمن ومفيد دائماً حتى لمرضى الكبد والسكر!! (11).

كما أن الصوم الذي يمارسونه في الغرب هو صوم ناقص حيث يسمح للصائم بأخذ شيء من العصير أو الأغذية التي يحددونها له، ومع هذه الحالة لا يمكن للصوم أن يقوم بمهمته التطهيرية على الوجه الأكمل، بل إنهم يعترفون بأن الصوم الكامل هو العملية المثالية لتنظيف الجسم من السموم.

هنالك ميزة في الصيام الإسلامي وهي أنه متاح لكل المؤمنين وميسّر ولا توجد له أية مساوئ أو أضرار. بينما الصيام الذي يمارسه غير المؤمن هو صيام تجويع وهو صعب ولا يتحقق إلا بإشراف الطبيب، وهكذا يفقد الجانب الروحي والإيماني وهو من أقوى العوامل في إنجاح عملية الصوم وتحقيق الهدف منها. كيف لا ونحن نصوم شهراً أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار؟!

الصوم الإسلامي يقبل عليه المسلمون برغبة شديدة بل وينتظرون هذا الشهر الكريم بفارغ الصبر وتجدهم يصومون في معاً ويفطرون معاً وكأنهم أسرة واحدة، وهذا ما لا نجده في الصوم الطبي حيث أنك تصوم والكل من حولك مفطر! وهذا ينعكس بشكل سيء على الاستقرار النفسي للصائم.

إننا نصوم لله تعالى فنكسب أجري الدنيا والآخرة ونكسب مرضاة الله تبارك وتعالى، ونستجيب لأمر النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، وهذه الأشياء تجعل عملية الصوم الإسلامي أكثر نجاحاً وفائدة. حتى إن الله تعالى قد جعل الصوم فريضة خاصة به يجزي بها بنفسه، وخصص باباً من أبواب الجنة الثمانية لا يدخل منه إلا الصائمون! فهل نستجيب لنداء الحقّ عز وجل: (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[البقرة: 184].

اللهم ارحمنا واغفر لنا وأعتقنا من النار

يمكن مراسلة المؤلف على البريد التالي:

newmiracle7@hotmail.com

الهوامش

(1) انظر مقالة علمية حول الصوم على الرابط التالي:

 http://www.althealth.co.uk/services/info/misc/fasting1.php

(2) انظر مجموعة مقالات حول الماء الذي نشربه وما يحويه من مواد سامة، على الرابط:

www.juicersaustralia.com.au

(3) انظر مقالة حول النتائج المبهرة للعلاج بالصوم الطبي، على موقع الصوم:

http://www.fasting.com/solution.html

(4) دراسة حول تأثيرات الصوم على إحدى المجلات الطبية اليابانية:

The Sapporo Medical Journal, 1986; 55(2): 125-136

(5) العديد من التصريحات حول فوائد الصوم على الرابط:

http://www.fasting.com/index.html

(6) انظر معنى كلمة (أَوَجَ) في معاجم اللغة، مثلاً مختار الصحاح.

(7) الصوم يطيل العمر، حسب المراجع:

 Masoro, E.J., Shimokawa, I., Yu, B.P., Retardation of the Aging Process In Rats by Food Restriction, Annals of the New York Academy of Science, 1990; pp. 337-52; Goodrick, C.L., Ingram, D.K., Reynolds, M.A., Freeman, J.R., Cider, N.L., Effects of Intermittent Feeding Upon Growth, Activity, and Lifespan In Rats Allowed Voluntary Exercise, Experimental Aging Research, 1983; 9: 1477-94.

(8)  مقالة حول التأثيرات النفسية للصوم على الرابط:

http://www.vanderbilt.edu/AnS/psychology/health_psychology/fast.htm

(9)مقالة حول تطهير الجسم من الداخل بواسطة الصوم على الرابط:

http://www.hps-online.com/nsectionfast.htm

(10) هذه الأقوال حسب الدكتور سالوم:

Salloum, T. Fasting - Patient Guidelines Textbook of Natural Medicine, Bastyr University, Seattle WA. 1987. 

(11) انظر فوائد الصيام وذلك على الرابط:

http://www.healthy.net/scr/article.asp?ID=496#1

المراجع

يمكنك عزيزي القارئ أن تطلع على آلاف المقالات والتجارب والأبحاث العلمية على شبكة الإنترنت حول فوائد وتأثيرات الصوم، وقد اخترت لك أهمها:

http://www.medicomm.net/Consumer%20Site/am/fasting.htm

http://www.healthy.net/scr/article.asp?ID=1996

http://www.healthpromoting.com/Articles/articles/benefit.htm

http://www.althealth.co.uk/services/info/misc/fasting1.php

http://www.geocities.co.jp/Beautycare-Venus/2032/english/paper.html

http://www.healthy.net/scr/article.asp?ID=496

http://www.healthy.net/scr/article.asp?ID=1996#1

http://www.healthy.net/hwlibrarybooks/chaitow/chap4.htm

كما يمكنك عزيزي القارئ مراجعة كتاب الصوم للصحة والعمر المديد:

Carrington, Dr. Hereward, Fasting For Health And Long Life.

 

 

العلم الحديث يكشف حكمة صيام الأيام البيض
 
أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أوصاني خليلي بثلاث : صيام ثلاثة أيام من كل شهر ، وركعتي الضحى ، وأن أوتر قبل أن أنام . وجاء في فتح الباري شرح صحيح البخاري أن : المراد بالبيض الليالي التي يكون القمر فيها من أول الليل إلى آخره . وقد دل هذا الحديث على أنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر الصحابة بصيام هذه الأيام البيض ، محمول على الندب لا على الوجوب . فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يعرض له عارض فلا يصومها مما يدل على عدم الوجوب ، وهذا متفق عليه .
 وسميت بالبيض لأن لياليها بيضاء من شدة ضوء القمر عند اكتماله .. ولأنها أشبهت بالنهار لشدة ضوئها واكتماله .. وانسحب الاسم إلى اليوم لأن اليوم يشمل بياض النهار وسواد الليل . قال ابن سينا في القانون : " ويأمر باستعمال الحجامة لا في أول الشهر ، لأن الأخلاط لا تكون قد تحركت وهاجت ، ولا في آخره - لأنها تكون قد نقصت - بل في وسط الشهر حين تكون الأخلاط هائجة بالغة في تزايدها ، لتزايد النور في جرم القمر " . العلم الحديث يكشف السر : وقد ظهرت في الأعوام الأخيرة أبحاث علمية كثيرة مفادها أن القمر عندما يكون بدرا ، أي في الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر ، يزداد التهيج العصبي والتوتر النفسي إلى درجة بالغة .. ويقول الدكتور ليبر عالم النفس بميامي في الولايات المتحدة : " إن هناك علاقة قوية بين العدوان البشري والدورة القمرية وخاصة بينه وبين مدمني الكحول ، والميالين إلى الحوادث وذوي النـزعات الإجرامية ، وأولئك الذين يعانون من عدم الاستقرار العقلي والعاطفي " . ويشرح ليبر نظريته قائلا : " إن جسم الإنسان مثل سطح الأرض يتكون من 80 % من الماء والباقي هو المواد الصلبة " . ومن ثم فهو يعتقد بأن قوة جاذبية القمر التي تسبب المد والجزر في البحار والمحيطات تسبب أيضا هذا المد في أجسامنا عندما يبلغ القمر أوج اكتماله في أيام البيض . ويقول الدكتور ليبر في كتابه " التأثير القمري " إنه نبه شرطة ميامي ، كما طلب وضع أخصائي التحليل النفسي في مستشفى جاكسون التذكاري في حالة طوارئ تحسبا للأحداث التي ستقع نتيجة الاضطرابات في السلوك الإنساني ، والمتأثرة بزيادة جاذبية القمر .. ويقول الدكتور ليبر : "إن ما حديث كان جحيما انفتح ، فقد تضاعفت الجريمة في الأسابيع الثلاثة الأولى من يناير 1973 ، كما وردت أنباء عن جرائم أخرى غريبة وجرائم ليس لها أي دافع " .. وأصبح من المعروف أن للقمر في دورته تأثيرا على السلوك الإنساني وعلى الحالة المزاجية ، وهناك حالات تسمى :الجنون القمري حيث يبلغ الاضطراب في السلوك الإنساني أقصى مداه في الأيام التي يكون القمر فيها بدرا ( في الأيام البيض) . فما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأحكمه وأعلمه بأسرار النفس وأسرار تكوينها أخلاطها وهرموناتها ، فصلى الله عليه وسلم أفضل وأكمل ما صلى على أحد من العالمين
 المصدر :
موقع الدكتور محمد على البار على شبكة الإنترنت .

 

 

فوائد الصيام الصحية
 
 

بقلم الدكتور محمد نزار الدقر

لم يعد هناك أي شك لدى الباحثين المنصفين من أن الصوم هو ضرورة من ضرورات الحياة. وقد أثبتت الحقائق التاريخية والدينية والعلمية هذه المقولة. لقد عرف الإنسان الصوم ومارسه منذ فجر البشرية. وأقدم الوثائق التاريخية ما نقش في معابد الفراعنة وما كتب في أوراق البردي من أن المصريين القدماء مارسوا الصوم وخاصة أيام الفتن حسب ما تمليه شعائرهم الدينية. وللهنود والبراهمة والبوذيين تقاليدهم الخاصة في الصوم حددتها كتبهم المقدسة  ?

و لعل أبوقراط _ القرن الخامس قبل الميلاد _ أول من قام بتدوين طرق الصيام وأهميته العلاجية. وفي عهد البطالسة كان أطباء الإسكندرية ينصحون مرضاهم بالصوم تعجيلاً للشفاء. كما أن كافة الأديان السماوية قد فرضت الصيام على أتباعها  ? كما يتبين لنا من النص القرآني فيقوله تعالى:

{ يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم }  [ سورة  البقرة: الآية  183  ].

و الحقيقة أن الإنسان لا يصوم بمفرده، فقد تبين لعلماء الطبيعة أن جميع المخلوقات الحية تمر بفترة صوم اختياري مهما توفر الغذاء من حولها، فالحيوانات تصوم وتحجز نفسها أياماً  وربما شهوراً متوالية في جحورها تمتنع فيها عن الحركة والطعام، والطيور والأسماك والحشرات كلها تصوم.

إذ معروف تماماً أن كل حشرة تمر أثناء تطورها بمرحلة الشرنقة التي تصوم فيها تماماً معتزلة ضمن شرنقتها. وقد لاحظ العلماء أن هذه المخلوقات تخرج من فترة صيامها هذه وهي أكثر نشاطاً وحيوية. كما أن معظمها يزداد نمواً وصحة بعد فترة الصوم هذه  ?

و يعتبر العلماء الصوم ظاهرة حيوية فطرية لا تستمر الحياة السوية والصحة الكاملة بدونها. وإن أي مخلوق لابد وأن يصاب بالأمراض التي يعاف فيها الطعام إذا لم يصم من تلقاء نفسه، وهنا تتجلى المعجزة الإلهية بتشريع هذه العبادة. فالصيام يساعد العضوية على التكيف مع أقل ما يمكن من الغذاء مع مزاولة حياة طبيعية، كما أن العلوم الطبية العصرية أثبتت أن الصوم وقاية وشفاء لكثير من أخطر أمراض العصر  ?

فمع قلة كمية الطعام الوارد إلى الأمعاء، يل ضغط البطن على الصدر، فينتظم التنفس ويعمل بصورة أكثر راحةً وانسجاماً، إذ تتمدد الرئتان دون عوائق، ويقل العبء الملقى على القلب فتقل ضرباته لعدم الحاجة إلى بذل ذلك الجهد الكبير لدفع الدم إلى الجهاز الهضمي للعمل على هضم تلك الكميات الهائلة من الطعام.

و قبل كل شيء فإن الجهاز الهضمي يحصل على الراحة اللازمة لتجديد أنسجته التالفة، وحيويته التامة، كما أن قلة نواتج التمثيل الغذائي وفضلاته تسمح بفترة راحة لجهاز الإفراغ _ الكلي _ تجدد بها نشاطها وتجبر ضعفها، وبذا يكون الصوم فرصة ذهبية للعضوية لاستعادة توازنها الحيوي وتجديد نفسها بنفسها. وقد أكد البروفيسور نيكولايف بيلوي من موسكو في كتابه " الجوع من أجل الصحة  1976 " أن على كل إنسان _ وخاصة سكان المدن الكبرى أن يمارس الصوم بالامتناع عن الطعام لمدة 3 – 4 أسابيع كل سنة كي يتمتع بالصحة الكاملة طيلة حياته  ?

أما ماك فادون  ? من علماء الصحة الأمريكيين فيقول: إن كل إنسان يحتاج إلى الصوم وإن لم يكن مريضاً لأن سموم الأغذية تجتمع في الجسم فتجعله كالمريض فتثقله ويقل نشاطه فإذا صام خف وزنه وتحللت هذه السموم من جسمه وتذهب عنه حتى يصفو صفاءً تاماً ويستطيع أن يسترد وزنه ويجدد خلاياه في مدة لا تزيد عن 20 يوماً بعد الإفطار. لكنه يحس بنشاط وقوة لا عهد له بهما من قبل. وقد كان ماك فادون يعالج مرضاه بالصوم وخاصة المصابين بأمراض المعدة وكان يقول: فالصوم لها مثل العصا السحرية، يسارع في شفائها، وتليها أمراض الدم والعروق فالروماتيزم.....

أما الكسيس كاريل الحائز على جائزة نوبل في الطب فيقول في كتابه " الإنسان ذلك المجهول ": إن كثرة وجبات الطعام ووفرتها تعطل وظيفة أدت دوراً عظيماً في بقاء الأجناس الحيوانية وهي وظيفة التكيف على قلة الطعام، ولذلك كان الناس يصومون على مر العصور، وإن الأديان كافة لا تفتأ تدعو الناس إلى وجوب الصيام والحرمان من الطعام لفترات محدودة، إذ يحدث في أول الأمر شعور بالجوع ويحدث أحياناً تهيج عصبي ثم يعقب ذلك شعور بالضعف، بيد انه يحدث إلى جانب ذلك ظواهر خفية أهم بكثير، فإن سكر الكبد يتحرك ويتحرك معه أيضاً الدهن المخزون تحت الجلد. وتضحي جميع الأعضاء بمادتها الخاصة من أجل الإبقاء على كمال الوسط الداخلي وسلامة القلب. وإن الصوم لينظف ويبدل أنسجتنا، والصوم الذي يقول به كاريل يطابق تماماً الصوم الإسلامي من حيث الإمساك فهو يغير من نظام الوجبات الغذائية ويقلل كميتها.

و قد سئل أحد المعمرين وهو ميشيل أنجلو عن سر صحته الجيدة وتمتعه بنشاط غير عادي بعد أن تجاوز الستين من عمره فقال: إن السبب في احتفاظي بالصحة والقوة والنشاط إلى اليوم هو أني كنت أمارس الصوم من حين لآخر  ?

و يرى الدكتور محمد سعيد السيوطي  ? أن الصيام الحق يمنع تراكم المواد السمّية الضارة كحمض البول والبولة وفوسفات الأمونياك والمنغنيزا في الدم وما تؤهب إليم من تراكمات مؤذية في المفاصل، , الكلى _ الحصى البولية _ ويقي من داء الملوك _ النقرس _ وينقل أبحاث الغرب أن الصيام ليوم واحد يطهر الجسم من فضلات عشرة أيام، وهكذا فإن شهر الصيام يطهر الجسم من فضلات وسموم عشرة أشهر على الأقل.

و من هنا نرى الحكمة من أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصيام ستة أيام من شوال، وحتى تكتمل عملية التنظيف، وأردفه بأيام معدودات من كل شهر لكمال الحيطة. يقول صلى الله عليه وسلم: " من صام رمضان وأتبعه بست من شوال كان كصوم الدهر "  [ رواه الإمام مسلم عن أبي أيوب الأنصاري ].

و يكتب الدكتور إبراهيم الراوي عن أثر الصيام على القدرات الفكرية عند الإنسان  ?: يؤثر الصيام في تنشيط الخلايا الدماغية التي تضاعف حيويتها لتوقف نشاط الجهاز الهضمي فيندفع الدم بغزارة إلى أنسجة المخ لتغذية تلافيفه، وتزويد الحجر الدماغية بالغذاء الأمثل لعملها.

نعم، إن المخ البشري يحتوي على 15 ألف مليون خلية ألهمتها القدرة الإلهية قابليات خارقة على التفكير والتعمق في المسائل المعقدة وحلها. وتزداد هذه القابليات مع زيادة ورود الدم إليها. وهكذا نرى أصحاب العقول المفكرة يصومون كل فترة لتجديد نشاط أدمغتهم.

و يتفق الباحثون على أهمية الصوم الحيوية من ناحية أن تخزين المواد الضرورية في البدن من فيتامينات وحوامض أمينية يجب ألا يستمر زمناً طويلاً، فهي مواد تفقد حيويتها مع طول مدة التخزين. لذا يجب إخراجها من " المخزن " ومن ثمَ استخدامها قبل أن تفسد. وهكذا فإن الجسم بحاجة من فترة لأخرى إلى فرصة لإخراج مخزونه من المواد الحيوية قبل تفككها وتلفها. وهذه الفرصة لا تتاح إلا في الصوم، وبالصوم وحده يتمكن الجسم من تحريك مخزونه الحيوي واستهلاكه قبل فوات أوانه، ومن ثم يقوم بتجديده بعد الإفطار  ?

و قد بين ألن سوري  Alain Saury  ? قيمة الصوم في تجديد حيوية الجسم ونشاطه ولو كان في حالة المرض، وأورد حالات عدد من المسنين، تجاوزت أعمارهم السبعين، استطاعوا بفضل الصوم استرجاع نشاطهم وحيويتهم الجسمانية والنفسانية حتى أن عدداً منهم استطاع العودة غلى مزاولة عمله الصناعي أو الزراعي كما كان يفعل في السابق نسبياً.

لمحة غريزية عن الصيام:

الصيام هو حرمان البدن من المواد الغذائية ليوم أو أكثر. وقد دلت التجارب على أن حرمان الماء أشد تأثيراً من حرمان الغذاء  ?فالإنسان يعيش حوالي 40 يوماً إذا أعطي الماء فقط. ويحصل الجسم على الطاقة أثناء الصيام من مدخراته السكرية أولاً والتي تكون على شكل غليكوجين مدخرة في الكبد والعضلات. وهذه تصرف خلال الأولى من الصيام. وبعد ذلك يلجأ البدن إلى مدخراته الشحمية، إلا أنه لا يستهلك الداخل منها في تركيب الخلايا الأساسية مطلقاً مهما طال أمد الصيام  ?، ثم يعمد الجسم بعد ذلك إلى تجميع المواد الناجمة عن هذه العملية ويعيد استعمالها لاستخراج الطاقة ولصيانة الأعضاء والأنسجة الحيوية أثناء الصوم.

و في الصيام المديد، وبعد أن يستهلك البدن مدخراته من الغليوكوجين والشحوم، عند ذلك يلجأ إلى أكسدة المواد البروتينية ويحولها إلى سكر لتأمين ما يلزمه من الطاقة، وهذا يعني تخريبه للنسج البروتينية المكونة للحم العضلات وما يلحق من جراء ذلك من أذى بيّن يلحق الأعضاء المعنية [ ويدعو العلماء عملية إذابة المدخرات الدهنية ومن ثم بوتينات الجسم بعملية الانحلال الذاتي  Autolyze  ويستخدم فيها البدن العديد من الخمائر ]. وإن الحرمان الشديد يؤدي إلى ظهور اضطربات غذائية عصبية في الدماغ المتوسط مما يؤثر على الغدد الصم وعلى السلوك والانفعال النفسي  ?

و من هنا نرى أهمية كون الصيام الإسلامي مؤقتاً من الفجر إلى الغروب دون تحريم لنوع ما من الأغذية مع طلب الاعتدال وعدم الإسراف في الطعام في فترة الإفطار. وقد سجل درينيك Dreanik  ومساعدوه _ 1964 _ عدداً من المضاعفات الخطيرة من جراء استمرار الصيام لأكثر من 31 – 40 يوماً  ? وتتضح هنا المعجزة النبوية بالنهي عن الوصال في الصوم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والوصال " قالها ثلاث مرات. قالوا فإنك تواصل يا رسول الله ؟ قال: " إنكم لستم في ذلك مثلي، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني "  [ رواه الشيخان ].

و عن ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا صام من صام الدهر "  [ رواه البخاري ].

و قد غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما بلغه أن بعض المسلمين قرروا اعتزال النساء وصوم الدهر فقال: " أما والله إني أخشاكم الله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني "  [ رواه البخاري ومسلم ].

و عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بلغني أنك تصوم النهار وتقوم الليل فلا تفعل فإن لجسدك عليك حقاً، صم وأفطر، صم من كل شهر ثلاثة أيام فذلك صوم الدهر "، قلت: يا رسول الله إن لي قوة، قال: صم صوم داود عليه السلام، صم يوماً وأفطر يوماً، فكان يقول: يا ليتني أخذت بالرخصة.  [ رواه البخاري ومسلم ].

و عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من صام الأبد صام ولا أفطر "  [ رواه النسائي وهو حديث صحيح ].

 

صوموا تصحّوا:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " سافروا تربحوا، وصوموا تصحوا، واغزوا تغنموا "  [ رواه الإمام أحمد وأخرجه الطبراني في الأوسط بلفظ: " اغزوا تغنموا، , صوموا تصحوا، , سافروا تستغنوا ". وأورده السيوطي مقتصراً على لفظ " صوموا تصحوا " ورمز له بالحسن. وقال المناوي في فيض القدير عن الزين العراقي: كلاهما سنده ضعيف ].

يقول صاحب الظلال في معرض تفسيره لآيات الصوم:... وذلك كله إلى جانب ما ينكشف على مدار الزمن من آثار نافعة للصيام في وظائف الأبدان، ومع أنني لا أميل إلى تعليق الفرائض والتوجيهات الإلهية بما يظهر للعين من فوائد حسية، إذ الحكمة الأصلية فيها هي إعداد الكائن البشري لدوره على الأرض، وتهيئته للكمال المقدر له في الحياة الآخرة..... مع هذا فإني لا أحب أن أنفي ما تكشف عنه الملاحظة أو يكشف عنه العلم من فوائد لهذه الفرائض، وذلك ارتكازاً إلى المفهوم من مراعاة التدبير الإلهي بهذا الذي ينكشف عنه العلم البشري. فمجال هذا العلم محدود لا يرتقي إلى اتساع حكمة الله في كل ما يروض به هذا الكائن البشري.....

فنحن حينما نصوم، إنما نتعبد بهذا الصوم خالقنا العظيم جل جلاله، الذي أمرنا بالصيام، امتثالاً لأمره سبحانه وخضوعاً لإرادته.  وإن ما يكشفه العلم لنا من فوائد صحية لهذا الصوم فما هي إلا عظات، تزيد المؤمن إيماناً بصدق مبلغ الشريعة صلى الله عليه وسلم وحباً بالخالق البارئ منزل هذا التشريع.

لقد قام عدد من الباحثين الغربيين، ومنذ أواخر القرن الماضي، بدراسة آثار الصوم على البدن منهم هالبروك  Holbrook   الذي قال: ليس الصوم بلعبة سحرية عابرة، بل هو اليقين والضمان الوحيد من أجل صحة جيدة  ?

و في أوائل هذا القرن قام الدكتور دووى   Dewey بأبحاث موضوعية عن الصوم لخصها في كتابه " الصوم الذي يشفي ". كما قامت مناظرات عديدة تناقش هذا الموضوع لعل أهمها مناظرة   Ecosse التي جمعت مشاهير الأطباء الريطانيين والمهتمين بتقويم الصحة وتدبير الطعام، كان على رأسهم طبيب الملك ويلكوكس   Wilcox وقد أجمع الحاضرون على أهمية تأثير " الصوم الصحي " على عضوية الإنسان  ?

و الصوم الصحي أو الصوم الطبي كما يسموه والذي قامت عليه دراسات الغرب يمكن أن تعرفه بأنه الإقلاع عن الطعام كلياً أثناء النهار ولا يسمح له إلا ببعض جرعات من الماء إذا ما أحس بعطش شديد ودعت الضرورة القصوى إليه.

و في المساء يعطى وجبة واحدة تتألف من كوب من الحليب أو شوربة خضر و100 غ من اللحم أو الدجاج أو السمك ثم بعض الفواكه وتكون هذه الوجبة الوحيدة خلال يوم وليلة. وكما رأينا فهو أقرب ما يكون إلى " صومنا الإسلامي " لذا رأينا أن نورد خلاصة لأهم الدراسات:

منها دراسة شلتون   Shelton  في كتابه عن الصوم   Le  Jeune. ودراسة لوتزنر   H. lutzner  في كتابه " العودة إلى حياة سليمة بالصوم "  _ ترجمة الدكتور طاهر إسماعيل _. وإليكم أهم هذه الفوائد للصيام:

1.الصوم راحة للجسم يمكنه من إصلاح أعطابه ومراجعة ذاته.

2.الصوم يوقف عملية امتصاص المواد المتبقية في الأمعاء  ويعمل على طرحها والتي يمكن أن يؤدي طول مكثها إلى تحولها لنفايات سامة. كما أنه الوسيلة الوحيدة الفعالة التي يسمح بطرد السموم المتراكمة في البدن والآتية من المحيط الملوث.

3.بفضل الصوم تستعيد أجهزة الإطراح والإفراغ نشاطها وقوتها ويتحسن أداؤها الوظيفي في تنقية الجسم، مما يؤدي إلى ضبط الثوابت الحيوية في الدم وسوائل البدن. ولذا نرى الإجماع الطبي على ضرورة إجراء الفحوص الدموية على الريق، أي يكون المفحوص صائماً. فإذا حصل أن عاملاً من هذه الثوابت في غير مستواه فإنه يكون دليلاً على أن هناك خللاً ما.

4.بفضل الصوم يستطيع البدن تحليل المواد الزائدة والترسبات المختلفة داخل الأنسجة المريضة.

5.الصوم أداة يمكن أن تعيد الشباب والحيوية إلى الخلايا والأنسجة المختلفة في البدن. ولقد أكدت أبحاث مورغوليس   Morgulis  أن الصوم وحده قادر على إعادة شباب حقيقي للجسد.

6.الصوم يضمن الحفاظ على الطاقة الجسدية ويعمل على ترشيد توزيعها حسب حاجة الجسم.

7.و الصوم يحسن وظيفة الهضم،  ويسهل الامتصاص ويسمح بتصحيح فرط التغذية

8.الصوم يفتح الذهن ويقوي الإدراك.

9.للصوم تأثيرات هامة على الجلد،  تماماً كما يفعل مرهم التجميل، يُجَمل وينظف الجلد.

10.الصوم علاج شاف، هو الأكثر فعالية والأقل خطراً لكثير من أمراض العصر المتنامية. فهو  يخفف العبء عن جهاز الدوران، وتهبط نسبة الدسم وحمض البول في الدم أثناء الصيام، فيقي البدين من الإصابة بتصلب الشرايين، وداء النقرس، وغيرها من أمراض التغذية والدوران وآفات القلب.

و هكذا وبعد أن ينظف الجسم من سمومه وتأخذ أجهزته الراحة الفيزيولوجية الكاملة بسبب الصوم، يتفرغ إلى لأم جروحه وإصلاح ما تلف من أنسجته وتنظيم الخلل الحاصل في وظائفها. إذ يسترجع الجسد أنفاسه ويستجمع قواه لمواجهة الطوارئ بفضل الراحة  والاستجمام اللذان أتيحا له بفضل الصوم.

يقول الدكتور ليك  Liek: يوفر الجسم بفضل الصوم الجهد،  والطاقة المخصصة للهضم، ويدخرها لنشاطات أخرى، ذات أولوية وأهمية قصوى: كالتئام الجروح، ومحاربة الأمراض.

و ليعلم أن الصائم قد يشعر ببعض المضايقات في أيام صومه الأولى، كالصداع والوهن والنرفزة وانقلاب المزاج، وهذه تفسر بأن الجسم عندما يتخلص من رواسبه المتبقية داخل الأنسجة، ينتج عن تذويبها سموم تتدفق في الدم قبل أن يلقى بها خارج الجسم، وهي إذ تمر بالدم، تمر عبر الجسد وأجهزته كلها من قلب ودماغ وأعصاب مما يؤدي إلى تخريشها أول الأمر وظهور هذه الأعراض، والتي تزول بعد أيام من بدء الصيام  ?

و أخيراً فإن للصوم آثاره الرائعة على النفس البشرية، ونظراً للعلاقة الوثيقة بين الاطمئنان النفسي وصحة الجسد عموماً، فإن الآثار والفوائد النفسية التي يجنيها الصائم لها مردودها الإيجابي في حسن سير الوظائف العضوية لكل أجهزة البدن.

و من وصايا لقمان لابنه قوله: " يا بني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة وقعدت الأعضاء عن العبادة ".

يقول الإمام الغزالي رحمه الله: الصيام زكاة النفس ورياضة للجسم، فهو للإنسان وقاية وللجماعة صيانة. في جوع الجسم صفاء القلب  وإنقاذ البصيرة لأن الشبع يورث البلادة ويعمي القلب ويكثر الشجار فيتبلّد الذهن. أحيوا قلوبكم بقلة الضحك وقلة الشبع وطهروها بالجوع تصفو وترق  ?

فالصيام ينمي الإخلاص للخالق سبحانه وتعالى، فهو سرٌ بين العبد وربه لا رقيب على تنفيذه إلا ضميره ورغبته الصادقة في رضاء الله سبحانه، وعند الجوع يزول البطر وتنكسر حدة الشهوات. وإن البطر والأشر هما مبدأ الطغيان والغفلة عن الله، فلا تنكسر النفس ولا تذل كما تذل بالجوع، فعنده تسكن لربها وتخشع له.

و هذه أمور كلها تخفف من توتر الجهاز العصبي وتهدئه. والجوع يساعد الصائم على السيطرة على نفسه. ويدعم الجوع في كسر حدة الشهوات، مراقبة الصائم الله واستشعاره أنه في عبادة له، مما يصرفه عن التفكير بالمعاصي والفواحش.

و الصيام يؤدي إلى صفاء الذهن وتقوية الإرادة وترويض النفس على الصبر. عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الصوم نصف الصبر "  [ رواه ابن ماجة والترمذي وحسنه ].

و أخيراً فإن الصوم يعمل على إيقاظ الشعور المشترك في صفوف الأمة حيث يذوق الجميع غنيهم وفقيرهم آلام الجوع ومرارة العطش  ?

 

التداوي بالصوم 

استخدم الجوع كوسيلة علاجية منذ أقدم العصور  ?  ولجأ إليه أطباء اليونان أمثال أسكابياد وسيلوس لمعالجة كثير من الأمراض التي استعصيت على وسائل المداواة المتوفرة لديهم حينئذ. وفي القرن الخامس عشر قام لودفيفو كورنا باستعمال الصوم في معالجة مختلف الأمراض المعندة وطبق طريقته في الصوم على نفسه وعاش ما يقارب مائة سنة وهو بصحة جيدة بعد أن كان يعاني من داء عضال، وألف في أيامه الأخيرة رسائل في المعالجة بالصوم تحت شعار  " من يأكل قليلاً يعمر طويلاً "  ?

و لعل هذا نجده في ظلال الآية الكريمة: { كلوا واشربوا ولا تسرفوا }  [ سورة  الأعراف: الآية  31  ].

و نستشعره أبداً في توجيهات النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ومنها قوله: " ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه "  [ رواه الترمذي ].

و مع بداية عصر النهضة نشطت الدعوة من جديد إلى المعالجة بالصوم في كل أوربا منها ما كتبه الطبيب السويسري بارسيلوس  ?: إن فائدة الصوم في العلاج تفوق مرات ومرات استخدام الأدوية المختلفة.  أما فينيامين _ الأستاذ في جامعة موسكو _  ? فقد كتب يقول: لو راقبنا الإنسان عن كثب لوجدنا أن نفسه تعاف الطعام وترفضه في بعض الفترات، وكأنها بذلك تفرض على نفسها الصيام المؤقت الذي يؤمن لها التوازن الداخلي ويحفظها من المؤثرات الخارجية.

و من فرنسا عمد الدكتور  هلبا   Helba   _ 1911 _  إلى طريقة المعالجة بالصوم على فترات متقطعة، فكان يمنع الطعام عن مرضاه خلال بضعة أيام، يقدم لهم بعدها وجبات خفيفة.

و في عام 1928 ألقى الدكتور دترمان في المؤتمر الثامن لاختصاصي الحمية الغذائية في أمستردام محاضرة، دعا فيها إلى استخدام الجوع على فترات متقطعة في الممارسة الطبية. وقد أقر المجتمعون فائدة الصيام لمعالجة الأمراض الناجمة عن فرط التغذية أو اضطراب الاستقلاب وفي حالات تصلب الشرايين وارتفاع الضغط الدموي وفي الاختلاجات العضلية  ?

و في عام 1941 صدر كتاب بوخنجر  "المعالجة بالصوم كطريقة بيولوجية "، شرح فيه المؤلف كيفية استخدام الصوم في معالجة كثير من الأمراض المستعصية، ويبين أن الجوع يغير من تركيب البنية العضوية للجسم ويؤدي إلى طرح السموم منه  ?

 

معالجة البدانة بالصيام:

حظيت البدانة وما يرافقها من اضطراب استقلاب الدسم اهتماماً كبيراً، بل وإجماعاً  لدى المؤلفين حول استفادتها من العلاج بالصوم. ذلك أن السمنة المفرطة وازدياد تراكم الشحوم في البدن تشكل خطراً حقيقياً على حياة الشخص من جراء تعرضه لآفات شديدة الخطورة: كتصلب الشرايين، وارتفاع الضغط الدموي، وتشمع الكبد، والعنانة، والداء السكري، وأمراض القلب العضوية، والنزيف الدماغي، وغيرها.

و للبدانة أسباب ولكن أهمها تضخم المدخول الغذائي نسبة للمجهود العملي الذي يقوم به الشخص وهي مرتبطة بعوائد التغذية التي تعود عليها الشخص منذ صباه  ?

و يعتبر الصيام وسيلة غريزية مجدية في إذابة الشحوم في البدن واعتدال استقلاب الأغذية فيه. كما أن مشاركة الجوع بالعلاجات الفيزيائية كالمشي والتمارين الرياضية والتدليك والحمامات المائية تعطي أفضل النتائج، فضلاً عن أنها وسائل غير مؤذية ولا تقضي إلى النتائج الوخيمة المشاهدة عند استعمال الهرمونات والمدرات ومثبطات الشهية التي يهرع إليها البدينون بغية إنقاص وزنهم  ?

و يرى بلوم   W. Bloom  أنه بفضل الصوم يستطيع الإنسان تحمل مسؤولياته على وعي كامل منه وحزم. وينتبه للعيب الذي أصابه جسدياً ونفسياً مما يقوي لديه العزيمة والصبر على تحمل الجوع، علماً بأن الصائم يفقد الإحساس بالجوع بعد اليوم الرابع من بدء العلاج. هذا وتوصي كتب الطب الإنسان البدين أن يصوم بضعة أيام كل أسبوع صياماً جزئياً يقتصر فيها على اللبن والفواكه والماء  ?

و هناك مدارس توصي بالصيام المطلق عن الطعام لمدد مختلفة على أن تكون تحت إشراف طبي ويزود المعالج بالماء والشوارد اللازمة  ? . ويرى فيدوتوف أن البدين يتحمل الجوع بشكل جيد ويوصي بالصوم لمدة 5 – 15 يوماً تعقبها فترات استراحة يتناول فيها المريض وجبات خفيفة. ولم يلاحظ عند المعالجين أي اضطراب في حالتهم الصحية أو بتغيرات مخبرية مرضية.

 

 

مواضيع ذات علاقة

اسم الموضوع

هجري

تاريخ الموضوع

الإعجاز الطبي والدوائي في القرآن الكريم

12 شعبان 1429

2008/08/13

الآيات المنسوخة عند ابن الجوزي

23 رجب 1429

2008/07/26

 

مطويات ذات علاقة

الموضوع الذي أخذت منه المطوية المطوية كنسخة وورد هجري التاريخ الرقم
  تدبر القرآن الكريم وتفسيره - الحلقة العاشرة

الناسخ والمنسوخ - جدول الآيات المنسوخة

1429/07/22 2008/07/25 073
  تدبر القرآن الكريم وتفسيره - الحلقة التاسعة

الناسخ والمنسوخ

1429/07/15 2008/07/18 072