قوله تعالى: وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ وقوله:
وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا الآيتان أما الآية الأولى
[فإنها] دلت على [أن] حد الزانية كان [أول] الإسلام الحبس إلى أن تموت أو يجعل الله
لها سبيلا وهو عام في البكر والثيب، [والآية الثانية] اقتضت أن حد الزانيين الأذى
فظهر من الآيتين أن حد المرأة كان الحبس والأذى جميعا، وحد الرجل كان الأذى فقط،
لأن الحبس ورد خاصا في النساء، والأذى ورد عاما في الرجل والمرأة، وإنما خص النساء
في الآية الأولى بالذكر، لأنهن ينفردن بالحبس دون الرجال، وجمع بينهما في الآية
الثانية، لأنهما يشتركان في الأذى، ولا يختلف العلماء في نسخ "هذين" الحكمين عن
الزانيين، أعني الحبس والأذى، وإنما اختلفوا بماذا نسخا؟ فقال قوم نسخا بقوله
تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ
جَلْدَةٍ.
أخبرنا المبارك بن علي، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: أبنا أبو إسحاق
البرمكي، قال: أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس، قال: بنا أبو بكر بن أبي داود قال:
بنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا أبو صالح قال: حدثني معاوية بن صالح "عن علي بن أبي
طلحة" عن ابن عباس =رضي الله عنهما= وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ
نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ قال: كانت المرأة إذا
زنت حبست في البيت [حتى تموت، وكان الرجل] إذا زنى أوذي بالتعيير، والضرب بالنعال،
فنـزلت: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ
جَلْدَةٍ وإن كانا محصنين رجما بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبنا عبد الوهاب
الحافظ، قال: أبنا أبو طاهر الباقلاوي، قال: أبنا أبو علي بن شاذان، قال: أبنا عبد
الرحمن بن الحسن، قال: أبنا إبراهيم بن الحسين، قال: بنا آدم، قال: بنا ورقاء عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد فَآذُوهُمَا يعني سبا ثم نسختها الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي
فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: بنا عمر بن عبيد الله، قال: بنا ابن بشران، قال: أبنا
إسحاق بن أحمد، قال: بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: بنا عبد
الرزاق، قال: بنا معمر عن قتادة فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى
يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ قال: نسختها الحدود. قال أحمد: وبنا عبد الوهاب عن سعيد
عن قتادة وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ [قال: كانت هذه الآية
قبل الحدود ثم أنـزلت: وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ] فَآذُوهُمَا قال:
كانا يؤذيان بالقول والشتم وتحبس المرأة ثم إن الله تعالى نسخ ذلك فقال:
الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ
قال أحمد: وبنا علي بن حفص عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا
مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا قال: نسخته الآية التي في النور بالحد المفروض وقال قوم: نسخ
هذان الحكمان بحديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خذوا
عني خذوا عني [قد جعل الله لهن] سبيلا الثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة والبكر
بالبكر جلد مائة [ونفي سنة]. قالوا فنسخت الآية بهذا الحديث وهؤلاء يجيزون نسخ
القرآن "بالسنة" وهذا قول مطرح، لأنه لو جاز نسخ القرآن بالسنة لكان ينبغي أن يشترط
التواتر في ذلك الحديث، فأما أن ينسخ القرآن بأخبار الآحاد فلا يجوز ذلك وهو من
أخبار الآحاد. وقال الآخرون: السبيل الذي جعل الله لهن هو الآية: الزَّانِيَةُ
وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وقال آخرون: بل
السبيل قرآن نـزل ثم رفع رسمه وبقي حكمه وظاهر حديث عبادة يدل على ذلك، "لأنه" قال:
قد جعل الله لهن سبيلا فأخبر أن الله تعالى جعل لهن السبيل والظاهر أنه بوحي بل
تستقر تلاوته وهذا يخرج على قول من لا يرى نسخ القرآن بالسنة وقد اختلف العلماء
بماذا ثبت الرجم على قولين:
أحدهما: أنه نـزل به قرآن ثم نسخ لفظه، وانعقد الإجماع على بقاء حكمه.
والثاني: أنه ثبت بالسنة.