بقلم
الدكتور محمد السقا عيد
مقدمــــة
التلقيح الصناعي … طفل الأنابيب … زرع ونقل الأعضاء …
الهندسة الوراثية … الاستنساخ الحيوي … القتل الرحيم … طب الأعشاب …
الخ
هذه القضايا الطبية المعاصرة وغيرها الكثير والكثير …..
قضايا ساخنة تفرض نفسها على الواقع الطبي … تناولها الباحثون والعلماء
والمفكرون بالدراسة والتحليل والمناقشة كأطباء.وبمشيئة الله تعالى سوف
نعرض لمعظم هذه القضايا ونناقشها من وجهة النظر الإسلامية لنقف على
أحكامها وكيفية التعامل معها إذا ما تعرضنا لها.. كأطباء .. أو كمرضى …
ملتزمين بالدين الإسلامي.
زرع ونقل الأعضاء
لقد اقتضت حكمة الله تعالى أن تكون رسالة الإسلام
متوافقة زماناً ومكاناً مع فطرة الله التي فطر الناس عليها … كما اقتضت
صلاح الناس بتلك الرسالة وفسادهم بدونها …
ومن صلاح الإنسان أن تكون له قواعد ثابتة يركن إليها
ويعتمد عليها وينطلق منها إلى تحقيق غاياته ومقاصده. وهى مبينة على
الوضوح والبساطة فلا تأباها العقول ولا تجفوها الأفهام. فما كان من باب
المبادئ والمعتقدات والغيبيات والعبادات مما لا يختلف باختلاف الزمان
والمكان ولا باختلاف الأجناس والألوان ولا يبلى له قديم ولا يطرأ له
جديد، فقد بينه في تفصيل كامل ووضحه في نصوص صريحة فليس لأحد أن يزيد
عليها ولا أن ينقص منها.
وما يختلف باختلاف المكان وتتابع العصور والأزمان وتطور
الأجيال وتغير الظواهر فقد جاء به مجملاً في صورة أسس وقواعد عامة حتى
يتفق مع مصالح الناس ومع أحوالهم في جميع العصور والبيئات.
وقضية زرع ونقل الأعضاء واحدة من القضايا الحديثة في
عالم الطب والتي لم تكن معروفة في القرون الماضية. لهذا فسأناقش في هذا
الفصل بعض من هذه النقاط الهامة. وأُفندها – بتوفيق الله تعالى – أمام
القارئ ليرى أن الإسلام قد حسم هذه القضايا مع جدتها وعدم وجودها أيام
الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه
رضوان الله عليهم.
يقول ربنا جل جلاله
(فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)سورة الأنبياء
آية (7)
هذه الجملة من كتاب الله تعالى تشير بما لا يدع مجالاً
للشك إلى أن كل علم له أهلا ينبغي الرجوع إليهم للتعرف على دخائله
وخصائصه.
فالطبيب في عمله وتخصصه من أهل الذكر. والعلم أمانة ومن
ثم كان على الطبيب شرعاً أن ينصح لله ولرسوله وللمؤمنين.
وأقصد بالطبيب هنا …. الطبيب المسلم الحاذق في مهنته
العارف لإسلامه والدارس للكتاب والسنة والفقه. هذا هو الطبيب الذي
يعتمد عليه ويؤخذ بكلامه.
كذلك يجب على الطبيب ألا يعجل بالرأي قبل أن يستوثق بكل
الطرق العلمية الممكنة وأن يستوثق بمشورة غيره في الحالات التي تحتاج
للتأني وتحتمله.
وصية الميت بقطع عضو منه بعد الوفاة (أي التبرع به):
لننظر إلى هذه النقطة من منظور إسلامي ولنسأل أنفسنا
أولاً هذا السؤال. ما هو المقصود بكلمة (وصية) في الفقه الإسلامي ؟
الوصية في اصطلاح فقهاء الشريعة الإسلامية هي (تمليك
مضاف إلى ما بعد الموت) وبهذا المعنى تكون الوصية شرعاً جارية في
الأموال والمنافع والديون. وقد عَّرّفها قانون الوصية بأنها " تصرّف في
التركة مضاف لما بعد الموت " ولهذا فإن الإيصاء ببعض أجزاء الميت لا
يدخل في نطاق الوصية بمعناها الإصطلاحى الشرعي وذلك لأن جسم الإنسان
ليس تركة. ولكنه في المعنى اللغوي للفظ (الوصية).
ولكن هذا اللفظ هنا يطلق بمعنى العهد إلى الغير في
القيام بفعل شئ حال حياة الموصي أو بعد وفاته.
وقـد يتبادر إلى الذهن سؤال: هل يجوز شرعاً التبرع بجزء
من الجسم حـال الحياة أو لا ؟
- قال أهل العلم على أنه إذا جزم طبيب مسلم (أو
غير مسلم) كما هو مذهب الإمام مالك بأن شق أي جزء من أجزاء جسم الإنسان
الحي بإذنه وأخذ عضو منه أو بعضه لنقله إلى جسم إنسان حي – إذا جزم أن
هذا لا يضر بالمأخوذ منه أصلاً (إذ الضرر لا يُزال بالضرر) ويفيد
المنقول إليه جاز هذا شرعاً بشرط: ألا يكون الجزء المنقول على سبيل
البيع أو بمقابل لأن بيع الإنسان الحر أو بعضه باطل وذلك لكرامة
الإنسان بنص القرآن ….
(
ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم في البر والبحر )
الإسراء آية رقم (70).
كذلك فإن كل إنسان صاحب إرادة فيما يتعلق بشخصه. وإن
كانت إرادة مقيدة بالنطاق المستفاد من قوله
تعالى :(وَأَنفِقُواْ
فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ
وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(195سورة
البقرة).
وقوله جل جلاله
)
ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما )[سورة
النساء].
- وهناك سؤال آخر يفرض نفسه: كثيراً ما نسمع عن
نقل بعض أجزاء جسم بعد الوفاة من قبيل خدمة المرضى المحتاجين كالكلى
والقرنية وغيرها فهل يباح ذلك ؟
لا جدال في أن الله سبحانه وتعالى كرم الإنسان وفضّله
على كثير من خلقه، ونهى عن ابتذال ذاته ونفسه والتعدي على حرماته حياً
وميتاً، وكان من مقاصد التشريع الإسلامي حفظ النفس كما تدل على ذلك
الآيتان الكريمتان السابقتان.
كذلك يدل على تكريم الإنسان للموتى من بنى الإنسان ما
شرع من التكفين والدفن وتحريم نبش القبر إلا لضرورة. كما يدل على ذلك
نهى الرسول
r عن
كسر عظم الميت بقوله عليه السلام في الحديث الشريف ما معناه
( كسر عظم الميت ككسره حياً ) وقد
روى هذا الحديث البيهقى في السنن الكبرى كما رواه أبو داود في سننه
وكذلك ابن ماجة في سننه عن عائشة رضي الله عنها والظاهر من هذا الحديث
أن للميت حرمة كحرمة الحي فلا يتعدى على جسمه بكسر عظم أو غير هذا مما
فيه ابتذال له لغير ضرورة أو مصلحة راجحة.
وقد ذكر المحدثون أن لهذا الحديث سبب وهو أن الحفار
الذي يحفر القبر أراد كسر عظم إنسان دون أن تكون هناك مصلحة تستدعى ذلك
فنهاه الرسول
rعن
هذا العمل. (البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف حـ3 صـ64).
وبهذا المفهوم يتفق الحديث مع مقاصد الإسلام المنية على
رعاية المصالح الراجحة. وتحمل الضرر الأخف لجلب مصلحة تفويتها أشد.
قال تعالى:
(وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ
جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم
بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ)[سورة
المائدة ].
وهذه إشارة إلى رجحان العمل بهذه الصفة التي ارتآها
الأئمة فقهاء مذهب الشافعية والحنفية وعلى هذا يجوز نقل أجزاء من الميت
لحاجة الحي لها بنفس الشروط السابقة وهى أن لا يكون بمقابل.
شق جسد الميت بعد الوفاة :
وثمة نقطة أخرى قد يتعرض للسؤال فيها الطبيب المسلم كأن
يبتلع إنسان ذهباً أو مالاً أو غير ذلك أو أن تموت الأم والجنين يتحرك
في بطنها …
وإلى غير ذلك من الأمور التي يتساءل الناس ساعتها هل
نشق بطن الميت لاستخراج المال أو الجنين أم أن ذلك حرام ولا يجوز فعله
؟
حين نرجع إلى كتب الفقه التي بأيدينا نرى أن الفقهاء قد
تحدثوا في باب الجنائز عن شق بطن من ماتت حاملاً وجنينها حي، وما إذا
مات الجنين في بطن أمه وعن شق بطن الميت لاستخراج ما يكون قد ابتلع من
مال قبل وفاته.
وفى هذا يقول فقهاء المذهب الحنفي. حامل ماتت وولدها حي
يضطرب تُشق بطنها من الجانب الأيسر ويخرج ولدها، ولو بالعكس بأن مات
الولد في بطن أمه حيه قُطع أو أُخرج وذلك لأنه متى بانت علامة غالبة
على حياة الجنين في بطن الأم المتوفاة كان في شق بطنها وإخراجه صيانة
لحرمة الحي وحياته وهذا أولى من صيانة حرمة الميت.
وفى شأن شق البطن لإخراج ما ابتلعه الميت من مال قالوا:
أنه إذا ابتلع الإنسان مالاً مملوكاً له ثم مات فلا يشق بطنه لاستخراجه
لأن حرمة الآدمي وتكريمه أعلى من حرمة المال فلا تبطل الحرمة الأعلى
للوصول إلى الأدنى.
أما إذا كان المال الذي ابتلعه لغيره فإن كان في تركته
ما يفي بقيمته أو وقع في جوفه بدون فعله فلا يشق بطنه لأن في تركته
وفاء به ولأنه إذا وقع في جوفه بغير فعله … يكون متعدياً.
أما إذا ابتلعه قصداً فإنه يشق بطنه لاستخراجه لأن حق
الآدمي صاحب المال مقدم في هذه الحالة على حق الله تعالى - لاسيما وهذا
الإنسان صار ظالماً بابتلاعه مال غيره فزالت حرمته بهذا التعدي.
وفى فقه الشافعي: أنه إذا ماتت امرأة وفى جوفها جنين حي
شق بطنها لأنه استبقاء حي بإتلاف جزء من الميت. هذا إذا رجي حياة
الجنين بعد إخراجه، أما إذا لم ترج حياته ففي قول لا تشق بطنها ولا
تدفن حتى يموت، وفى قول تشق ويخرج.
وعن ابتلاع المال قالوا: إن بلع الميت جوهرة غيره وطالب
بها صاحبها شق جوفه وردت الجوهرة. أما إذا كانت الجوهرة له
ففيه وجهان:
- أحدهما: يشق لأنها صارت للورثة فهي كجوهرة
الأجنبي.
- الثاني: لا يجب استهلاكها في حياته فلم يتعلق
بها حق الورثة.
وفى الفقه المالكي:أنه
يشق بطن الميت لاستخراج المال الذي ابتلعه حياً سواء كان المال له أو
لغيره ولا يُشق لإخراج جنين وإن كانت
حياته مرجوة.
وفى فقه الحنابلة:أن
المرأة إذا ماتت وفى بطنها ولد يتحرك فلا يشق بطنها ويخرجه القوابل من
المحل المعتاد. وإن كان الميت قد بلع مالاً حال حياته فإن كان مملوكاً
له لم يُشق لأنه استهلكه في حياته إذا كان يسيراً. وإن كثرت قيمته شق
بطنه واستخرج المال حفظاً له من الضياع ولنفع الورثة الذين تعلَّق به
حقهم بمرضه.
أما إذا كان المال لغيره وابتلعه بإذن مالكه فهو كحكم
ماله لأن صاحبه أذن في إتلافه.
وإن بلعه غصباً ففيه وجهان:
1- لا يُشق بطنه ويغرم من تركته.
2- يُشق إن كان كثيراً لأن فيه دفع الضرر عن المالك برد
ماله إليه وعن الميت بإبراء ذمته وعن الورثة بحفظ التركة لهم.
خلاصة القول:
أن فقه مذهب الإمامين أبى حنيفة والشافعي يجيزان شق بطن
الميت سواء لاستخراج جنين حي أو استخراج مال. أما فقه مذهب الإمام مالك
والإمام أحمد فالشق في المال دون الجنين، والذي اختاره الحنفية
والشافعية كما جنح إلى هذا الرأي الشيخ جاد الحق على جاد الحق شيخ
الأزهر- رحمه الله- وإن كان يجوز للطبيب الأخذ بأي الرأيين.
ما هي شروط نقل عضو من الميت ؟
من الشروط التي يجب مراعاتها عند قطع عضو أو جزء لنقله
لمريض أن لا تتم عملية القطع إلا إذا تحققت وفاته. والموت كما في الفقه
(هو زوال الحياة).
وليس هناك ما يمنع من استعمال أدوات طبية للتحقق من موت
الجهاز العصبي حيث أنه قد ثبت حديثاً أن الإنسان لا يموت بعد توقف قلبه
عن النبض ولكن العلامة الأكيدة لكي نحكم على إنسان بالموت هي توقف
جهازه العصبي ومفارقة روحه جسده، على نحو ما سنذكر.
ولا إثم إذا وقفت الأجهزة التي تساعد على التنفس وعلى
النبض متى بان للمختص القائم بالعلاج أن حالة المحتضر ذاهبة إلى الموت،
لأنه يمتنع تعذيب المريض المحتضر باستعمال أي أدوات أو أدوية متى بان
للطبيب أن هذا كله لا يجدي.
مسألة هامة :
ولعل من التتمة بيان حكم ما قد يُثار عن المفاضلة بين
عدد من المرضى الذين تساوت حالاتهم في ضرورة نقل عضو أو نقل دم أو
إعطائه دواء حالة أن الموجود هو عضو واحد أو كمية من الدم أو الدواء لا
تكفى لإنقاذ الجميع.
هل تجوز المفاضلة بين المرضى في هذه الحالة المتعلقة
بأمور الحياة والموت أم ماذا ؟
لا مراء في أن الآجال موقوتة عند الله سبحانه وتعالى
وهذا أمر غيبي لا يصل إليه علم الإنسان. ولا مراء أيضاً في أن المرض
ليس دائماً علامة على قرب الأجل أو على حتمية الموت عقبه … وغلبة الظن
أساس شرعي تقوم عليه بعض الأحكام فإذا غلب على ظن الطبيب المختص بحكم
التجربة والممارسة وبشرط إجادته وحذقه لمهنة الطب أن أحد هؤلاء المرضي
يفيده هذا العضو أو تلك الكمية من الدواء كان إيثاره بذلك باعتبار أن
العلامات والقرائن قد أكدت انتفاعه بهذا العضو أو بالدم إذا انتقل إليه
… أما إذا لم يغلب على الطبيب ذلك بقرائن وعلامات مكتسبة من الخبرة
والتجربة فإن الإسلام قد أرشد إلى اتخاذ القرعة
لإستبانة المستحق عند التساوي في سبب الاستحقاق وانعدام
أوجه المفاضلة الأخرى.
وهذه القرعة قد فعلها الرسول
r في
أمور كثيرة منها الاقتراع لمعرفة من ترافقه من نسائه أمهات المؤمنين في
سفره.
حكم نقل الدم :
يجوز مثل نقل عضو من شخص لآخر، وكذلك يحرم اقتضاء مقابل
للدم لأن بيع الآدمي الحر باطل شرعاً كما سبق أن وضحنا.
خلاصة ما سبق شرحه:
نخلص مما سبق إلى أن هناك مبادئ وأساسيات يجب مراعاتها
عند نقل عضو من شخص لآخر وكذلك عند نقل الدم ويمكن تلخيص هذه المبادئ
فيما يلي:
1- الإيصاء ببعض أجزاء الجسم لا يدخل في نطاق الوصية
بمعناها الشرعي
2- إرادة الإنسان بالنسبة لشخصه مقيدة بعدم إهلاك نفسه.
3- يجوز نقل عضو أو جزء من إنسان حي متبرع لوضعه في جسم
إنسان آخر بشروط، كما يجوز نقل الدم بنفس الشروط متى غلب على ظن الطبيب
استفادة المنقول إليه وعدم الضرر بالمنقول منه.
4- يُمنع تعذيب المريض المحتضر كما سبق.
5- يجوز المفاضلة بين المريض في حالة التزاحم على عضو
واحد أو كمية من الدم.
6- يكون القطع بعد الوفاة إذا أوصى بذلك قبل وفاته أو
بموافقة عُصبته إذا كانت أسرته معروفة أما إذا جُهلت شخصيته أو عُرفت
وجُهل أهله فإنه يجوز أخذ جزء من جسده نقلاً لإنسان آخر يستفيد به في
علاجه لتعليم طلاب كليات الطب وذلك بعد إذن النيابة العامة.
جراحات التجميل :
من يقرأ كتب " فقه الأحاديث الشريفة " وغيرها من
الأحاديث الواردة في لتداوى يرى جواز إجراء جراحة يتحول فيها الرجل إلى
امرأة والمرأة إلى رجل متى انتهى رأى الطبيب الثقة إلى وجود الدواعي
الخلقية في ذات الجسد بعلامات الأنوثة المطمورة أو علامات الرجولة
المغمورة باعتبار هذه الجراحة مظهرة للأعضاء المطمورة تداوياً من علة
جسدية لا تزول إلا بهذه الجراحة كما جاء في حديث جابر قال
( بعث رسول الله (ص) إلى أبى بكر بن كعب
طبيباً فقطع منه عرقاً ثم كواه) رواه أحمد ومسلم - منتقى
الأخبار وشرحه نيل الوتار - الشوكانى حـ8 صـ200.
ومما يزكى هذا النظر ما أشار إليه القسطلانى والعسقلانى
في شرحيهما حيث قالا ما مؤداه: أن على المخنث أن يتكلف إزالة مظاهر
الأنوثة. ولعل ما قال به صاحب فتح الباري وأوضح الدلالة على أن التكلف
الذي يؤمر به المخنث قد يكون المعالجة. والجراحة علاج بل لعله أنجح
علاج. وقد أفاض في هذا الموضوع أطباء كثيرون ومن أراد المزيد في موضوع
"الخنثى" فليراجع كتاب " خلق الإنسان
بين الطب والقرآن " لمؤلفه الدكتور / محمد على البار الذي أفاض في هذا
الموضوع وأفرد له باباً في كتابه.
ومن الجدير بالذكر أن هذه الجراحة لا تجوز بمجرد الرغبة
في التغيير من نوع الإنسان من امرأة إلى رجل أو العكس دون دواع جسدية
صريحة غالبة وإلا دخل في حكم الحديث الشريف الذي رواه البخاري عن أنس
في منتقى الأخبار وشرحه نيل الأوطار للشوكانى حـ 6 صـ 193 قال:
( لعن رسول الله المخنثين من
الرجال والمترجلات من النساء وقال: أخرجوهم من بيوتكم، فأخرج النبي
r فلاناً،
وأخرج عمر فلاناً)
رواه أحمد والبخاري.
كذلك يجوز إجراء الجراحة لإبراز ما استتر من أعضاء
الذكورة أو الأنوثة بل إنه يصير واجباً باعتباره علاجاً متى نصح بذلك
الطبيب الثقة. وهنا نجد الفرق واضحاً بين الإسلام الذي أباح هذه
الجراحات بشروطها وضوابطها الشرعية وبين الغرب الذي أباح هذا النوع من
العمليات على إطلاقه... وكما والأول:بقاً فإن هذه النقطة من الفروق
الجوهرية بين الطب الإسلامي والطب الحديث المتحرر من القيم والأخلاق
الإنسانية.
جراحة التجميل بين التشريع الإسلامي والواقع المعاصر:
يفرق الإسلام بين عمليات التجميل ، ويفارق بين موقفه
منها حسب هذا التفريق ، إلى قسمين :
القسم الأول :
الجراحات التجميلية التي تعالج عيباً في الإنسان -
امرالعمر. أو رجلاً - يتسبب في إيذائه ، نفسياً أو بدنياً ويصاحبه -
كذلك - إن لم يعالج ألم شديد ، لا يستطيع صاحبه تحمله ، كما قد يتسبب
في إعاقته عن أداء وظيفته أو كمال قيامه بها . ولأن التشريع الإسلامي
لا يهدف إلى: تعذيب الناس أو حرمانهم مما يحقق لهم فائدة، تُمكنهم من
النجاح في حياتهم، وتعينهم على تحقيق إنسانيتهم دونما إطلاق لعنان فوضى
الغرائز، ودونما إماتة لفطرة الأنوثة - التي خلقها المشرع سبحانه - في
المرأة فقد أباح هذا النوع من عمليات التجميل.
القسم الثانى:
الجراحات التجميلية، التي لا تعالج عيباً في المرأة
يؤلمها ويؤذيها، بل يكون الدافع لذلك:
- أنها أساساً رغبة المرأة في إشباع نزعة غرور
تعتريها .
- أو تطلعها إلى فترة ثانية من الشباب، بعد تقدمها في
العمر .
وأن المرأة عندما تقرر أن تعيد صنع وجهها، أو زيادة، أو
تقليل حجم صدرها، أو رفع بطنها التي تدلت أو ارتخت … فمعنى ذلك: أنها
تنشد معونة الطبيب في حل مشكلات نفسية تتعرض لها، قد تقودها إذا لم تحل
إلى مآس في بعض الأحيان .
وهذا النوع: يحرم الإسلام القليل منه والبسيط ويحرم من
باب أولى: الكثير منه والمعتقد كالأمثلة السابقة. ومن الأدلة على ذلك:
أولا : من القرآن الكريم :
دخوله في
عموم قوله تعالى "
وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ
فَانتَهُوا "
ففي رواية مسلم: من صحيحة عن عبد الله بن مسعود أنه
قال:
" لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات
والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله، فبلغ ذلك امرأة من بنى أسد، يقال
لها: أم يعقوب، وكانت تقرأ القرآن فأتته، فقالت: ما حديث بلغني عنك أنك
لعنت الواشمات والمستوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات
خلق الله.
فقال عبد الله:ومالي
لا ألعن من لعن الرسول
r وهو
في كتاب الله ، فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف ، فما وجدته
، فقال لئن كنت قرأته لقد وجدتيه، قال الله عز وجل " وما آتاكم الرسول
فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)
فقالت المرأة :فأنى
أرى شيئاً من هذا على امرأتك الآن ، قال : إذهبى فانظري قال
- أي الراوي - فدخلت على امرأة عبد الله ، فلم تر شيئاً
فجاءت إليه ، فقالت : ما رأيت شيئاً فقال أما لو كان ذلك لم نجامعها "
ثانياً: من السنة:
ما رواه: البخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم.
وكله: يحرم المبالغة في عملية التزين، وينهى عن تغيير -
أو محاولة تغيير - خلق الله تعالى.
وهى نصوص أكثر من أن يتسع لها المقام هنا والرجوع إليها
في المصادر المذكورة ميسورة لمن أراد ذلك، بإذن الله تعالى.
ثالثاً : إجماع سلف
هذه الأمة ، وعلمائها على : تحريم ذلك والالتزام باجتنابه.
(أ) فهذا: عبد الله بن مسعود، الصحابي الجليل،
المتوفى سنة 32 هـ - 653م تتحداه أم يعقوب في بيته - كما رأينا - حتى
تتأكد من براءته من الوقوع فيما حكم بحرمته، ونهى عنه.
وقد أخرج الطبراني هذا الحديث: وزاد في آخره، كما يقول
ابن حجر في فتح الباري، فقال عبد الله: ما حفظت وصية شعيب إذا، يعنى:
قوله تعالى حكاية عن شعيب عليه السلام (وما أريد أن أخالفكم إلى ما
أنهاكم عنه ).
(ب) ومن الضروري أن يكون جل الصحابة رضوان الله عليهم -
إن لم يكن كلهم - على شاكلة عبد الله بن مسعود، فهماً وتطبيقاً لهذا.
(جـ) ويرى الإمام الطبري، المتوفى سنة 310هـ، 922م أنه
لا يجوز للمرأة تغيير شئ من خلقتها التي خلقها الله عليها، بزيادة أو
نقص، إلتماساً للحسن، لا للزوج ولا لغيره. كمن تكون: مقرونة الحاجبين
فتزيل ما بينهما، توهم البلج، ومن تكون: لها سن زائدة فتقلعها أو طويلة
فتقطع منها، أو لحية، أو شارب أو عنقفة فتزيلها بالنتف ومن يكون شعرها
قصيراً أو حقيراً، فتطوله أو تغرزه بشعر غيرها، فكل ذلك: داخل في
النهى، وهو من تغيير خلق الله.
ثم يقول: ويُستثنى من ذلك: ما يحصل به الضرر والأذية،
كمن تكون لها: سن زائدة أو طويلة تعوقها في الأكل، أو إصبع زائدة،
تؤذيها وتؤلمها، فيجوز ذلك... ( أنظر : صحيح مسلم بشرح النووى 14/106 ،
107 .
(د) لكن الإمام النووى ، المتوفى سنة 676 هـ 1277م يرى
أنه إذا نبت للمرأة لحية أو شارب أو عنقفة ، فلا يحرم إزالتها ، بل
يستحب. (أنظر المصدر السابق)
(هـ) ويعقب ابن حجر المتوفى سنة 852 هـ – 1448م على ما
يراه النووى بقوله: وإطلاقه مقيد بإذن الزوج، وعلمه، وإلا فمتى خلا عن
ذلك: منع، للتدليس. ( أنظر فتح البلوى 10/378)
ويقول في موضع آخر من فتح الباري: المذمومة، من فعلت
ذلك - أي عمليات التجميل لأجل الحسن فلو احتاجت إلى ذلك لمداواة مثلاً
جاز. (أنظر فتح الباري 10/37/3/3 ).
(و) وقال بعض الحنابلة: يجوز للمرأة الحف والتحمير ،
والنقش والتطريف إذا كان بإذن الزوج لأنه سن الزينة .
وفى فتح الباري: أخرج الطبري من طريق أبى إسحاق عن
امرأته: أنها دخلت على عائشة - أم المؤمنين - وكانت - أي: امرأة أبى
إسحاق - شابة، يعجبها الجمال.. !!
فقالت: المرأة تحف جبينها لزوجها.. ؟ قالت عائشة أميطى
عنك الأذى ما استطعت. ولكن الإمام ابن جحر قال عقب ذلك مباشرة: وقال
النووى: يجوز التزين بما ذكر، إلا الحف، فإنه من جملة النماص . (أنظر
فتح الباري 10/37/3/373 )
(ز) ولا نرى تعارضاً بين ما رواه الإمام الطبري عن أم
المؤمنين عائشة رضي الله عنها وما قاله الإمام النووى رضي الله عنه.
إذ أن السيدة عائشة - كما يفهم من العبارة - أباحت
إزالة ما يسبب للمرأة الأذى والألم .
وأن الإمام النووى: منع الحف على إطلاقه، ولو كان بغير
ضرورة، أم إذا وجُدت الضرورة: فإنه يتفق معها في الإباحة، بل يرى رضي
الله عنه: أن ذلك مستحباً كما سبق في (د).
لمـــــــاذا … ؟
قد يعترض بعض الناس، أو يحلو لهم أن يتساءلوا: لماذا
كان موقف التشريع الإسلامي على نحو ما سبق ذكره ؟
ولم لم يترك للناس الحرية في أمور مثل هذه، خاصة: وأنها
أمور شخصية، يدخل التصرف فيها في نطاق الحرية الفردية، التي نثق أن
الإسلام لا يحجر فيها على أهله ؟ .
ونقول لهؤلاء ، ونحن نخاف عليهم ونرجوا لهم الخير :
قال الإمام الخطابي المتوفى ( سنة 388 هـ – 1988 ) إنما
ورد الوعيد الشديد، في هذه الأشياء، لما فيها من الغش والخداع، ولو رخص
في شيء منها، لكان وسيلة إلى إستجازة غيرها من أنواع الغش، لما فيها من
تغيير الخلقة (انظر فتح البارى 10 / 380).
كما يضاف إلى ذلك :
أن فتح الباب للنساء في هذه المبالغات، يؤدى إلى
ارتمائهن في أحضان الشهوانية، والبعد - تدريجياً – عن رسالتهن
الإنسانية.
وعدم النجاح بالتالي في خلافة الإنسان لله على هذه
الأرض، بل فشله بسبب إغراقه في مثل ذلك، في عمارة الكون، وحسن الإفادة
من كل ما سخره الله تعالى له.
ولشغله الوقوع الدائم في هذا المنكر الذي حرمه عليه
لمصلحته التشريع الإسلامي عن عبادة الله تعالى، بل عن الإيمان نفسه.
وبالضرورة: عن الأمر المعروف، الذي لا يفعله هو، أو لا
يعرفه أصلاً، وعن النهى عن المنكر، الذي يفعله هو، عن علم، أو عن جهل.
وهنا: يفقد ( خيريته ) التي خصه الله تعالى بها، والتي
تؤهله لقيادة هذا العالم، الذي يعانى التخبط، ويقاسى الحروب، ويحاط
بالرعب، … و … و … الخ، والذي هو في أمس الحاجة إلى
قيادة، حكيمة، عاقلة، راشدة.
ولن تكون هذه القيادة للعالم … إلا بتوجيه ممن خلق هذا
العالم نفسه، وبإرشاد منه، وبالتزام لمنهجه، وتعاليمه، ولا يتوافر كل
ذلك، أو بعض ذلك، إلا في أمة محمد.
أضف إلى ذلك أيضاً :
أنه لو عمت هذه العمليات: لكان الاعتراض الدائم على ما
خلق الله، سبحانه وتعالى، والانشغال بتغييره عن الوظائف الحقيقية،
والمهام الأساسية التي أنيطت بالإنسان في هذا الكون، ولصرفت المرأة بها
عن الرغبة في الإنجاب، ولو أنجبت: لصرفت عن التنشئة والتربية، حتى لا
يحرمها هذا الإنجاب من الجمال، أو تصرفها التنشئة وتشغلها عنه.
ومن هنا ولكل هذا :
فقد حرم التشريع الإسلامي هذا النوع من عمليات التجميل.
وليس التشريع الإسلامي في هذا: متجنياً على المرأة أو
مانعاً لها من شيء فيه مصلحتها.
وإنما ينبه المرأة دائماً إلى: أن الجمال الحقيقي: هو
جمال الروح والأفعال والأقوال لا في الأشكال والهيئات، وأن الذي ينبغي
الحرص عليه: هو ما به يتحقق للمرأة إنسانيتها، وكرامتها، وحسن سيرتها،
وهو جمال الخلق والطباع، وأن الجري وراء هذه المحاولات المستمرة للبحث
عن الجمال الشكلي الزائف: لن تكسب الإنسان امرأة كانت أو رجلا شيئاً
يستحق الذكر، بل لم يكسبه في عصوره الغابرة، سوى الانطلاق في طريق
الشهوات والغرائز، الذي يشيع للفاحشة في المجتمع، ثم ينتهي به إلى:
الانحلال، والدمار والهلاك.
خاتمـــــة
حقاً: إنه ما انتشرت هذه الأشياء في قوم، وألفها
الناس، وأحبوها، إلا كانت دليلاً على انشغالهم بالوسائل دون الغايات،
وعلامة بارزة على شيوع الفواحش، والموبقات، ونذيراً إلى اضمحلال
حضارتهم، وطريقاً سريعاً إلى هلاكهم ودمارهم.
والتاريخ القديم والحديث يؤكد ذلك.
فقد قال النبي، فيما يرويه: البخاري، ومسلم، وأصحاب
السنن، لأصحابه ونساء أمته:
" إنما هلك بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم".
وهو نفس ما حدث للإمبراطورية الرومانية، وللإمبراطورية
الفارسية، و … لكثير من الحضارات الغابرة.
ويذكر المؤرخون: أن فرنسا لم تهزم قريباً إلا لأن
رجالها كانوا بين الكئوس وأفخاذ النساء، حين دخلتها جيوش الاحتلال.
ولأن المشرع :
لا يحب للحضارة الإسلامية الدمار … !!
ولا يحب للأمة الإسلامية الإبادة … !!
ولا يحب للجماعة الإسلامية الهلاك … !!
ولا يحب للفرد المسلم الضياع … !!
فقد حرم عليه: أن ينغمس في الشهوات، أو ينشغل بما يهيج
غرائزه. حتى لا تتغلب شهواته على عقله، وينفصل في واقعه الذي يعيشه،
على التشريع الذي يحفظ عليه آدميته، ويعلى من إنسانيته.
يقول الإمام الغزالي رحمه الله: خلق الله الخلق على
أقسام ثلاثة:
خلق الملائكة : وركب فيها العقل ، ولم يركب
فيها الشهوة .
وخلق الحيوان : وركب فيه الشهوة ، ولم يركب فيه
العقل .
وخلق الإنسان : وركب فيه العقل والشهوة معاً :
فمن غلبت شهوته على عقله من بنى الإنسان : فالحيوان خير منه .
ومن غلب عقله على شهوته: فهو خير من الملائكة. ولن تكون
المرأة، بل لن يكون الإنسان رجلاً كان أو امرأة خير من الملائكة، بل
حتى إنساناً، إلا بمثابرته في البعد عن الشهوات المحرمة ، ومراقبته
الدائمة لله تعالى في كل أوقاته، وأحواله ، وأفعاله .
ولن تتحقق في المسلم الخيرية: إلا بالنجاح في ذلك، ولن
تتحقق للمسلم السيادة على الكون والحياة والأحياء: إلا بالنجاح في ذلك.
هل يجوز نقل أكباد المتوفين دماغياً ؟
فجَّر الدكتور محمد سيد طنطاوى شيخ الجامع الأزهر قضية
على جانب كبير من الأهمية في عالم طب زراعة الأعضاء، فقد أفتى فضيلته
بجواز نقل أكباد المتوفين دماغياً بسبب مرض أو حادث إلى إنسان تتوقف
حياته على الحصول على كبد سليم. (أنظر جريدة الأهرام القاهرية عدد
4/8/1995 )
والمتوفون دماغياً هم الذين يقر الأطباء بوفاتهم بالرغم
من أن قلوبهم لا تزال تنبض وتضخ الدماء إلى عروقهم، ولكن هذا النبض يتم
بفعل جهاز طبي يتم توصيله بالجسم لاستمرار عمل عضلة القلب. ولكن بمجرد
فصل الجهاز فإن جميع هذه الأعضاء تتوقف تماماً.
ولقد قامت فعلاً المستشفيات السعودية بنحو حوالي 75%
حالة زرع كبد من المتوفين دماغياً بعد أن صدرت هناك فتاوى لأكبر
المجالس الفقهية السعودية تُجيز ذلك.
تساؤلات وشبهات :
وكما نرى فإن الفتوى سوف تفتح باباً جديداً للأمل أمام
آلاف المرضى من أصحاب حالات فشل الكبد الميئوس منها بعد أن كان عدم
وجود فتوى شرعية بذلك سبباً.
- وقد أثيرت التساؤلات حول فتوى المفتى وما يرتبط
بها من مخاوف قد تفتح الطريق واسعاً للتجار في الأعضاء البشرية تحت
مسمى التبرع.
وقد قال الشيخ جاد الحق على جاد الحق شيخ الأزهر
السابق - رحمه الله - في التعقيب على الذي نشرته جريدة
الأهرام القاهرية بتاريخ 11/9/1995 الموافق 14 ربيع الأول تحت
عنوان “ الموت لا يتحقق إلا بانتهاء مظاهر
الحياة في كل أجهزة الجسم... " يدعى الأطباء أن " موت الدماغ أو الموت
الإكلينيكي “ هي حالة يحكمون بها على موت الإنسان وانتزاع
أعضائه، ولكن هذا القول غير صحيح لأن موت الجهاز العصبي ليس وحده علامة
الموت بمعنى زوال الحياة، بل أن استمرار التنفس وعمل القلب والنبض كل
أولئك دليل استمرار الحياة في الجسد وإن دلت الأجهزة الطبية على فقدان
الجهاز العصبي - المخ - لخواصه الوظيفية إذ أن الإنسان لا يعتبر ميتاً
بتوقف الحياة في بعض أجزائه بل يعتبر كذلك - أي ميتاً وتترتب الوفاة
متى تحقق موته كلية ".
أما عن الموت الشرعي فيقول شيخ الأزهر السابق - رحمه
الله -:
". الموت الذي تبنى عليه الأحكام الشرعية من إرث وقصاص
ودية وانتهاء العقود وغير ذلك من الأحكام لا يتحقق إلا بمفارقة الروح
للجسد وبهذه المفارقة تتوقف جميع أجهزة الجسد وتنتهي مظاهر الحياة من
تنفس ونبض وتماسك عضلات وغير ذلك." .
وحول
انتزاع كبد الإنسان بينما قلبه مازال ينبض بالحياة
يقول - رحمه الله
- " إذا كان الله تعالى قد أمر بعدم قطع شئ من البهيمة
قبل أن تموت تماماً وتبرد حركتها. ونهى النبي أن
يتعجل موتها فتسلخ أو تقطع قبل أن تهمد وتبرد فأولى بذلك الإنسان الذي
كرمه الله تعالى حياً وميتاً. فلا يجوز بحال أن يتعجل موته وتبقر بطنه
لنأخذ كليته أو قلبه أو كبده قبل أن يموت تماماً ويبرد ".
ويضيف أنه لا يجوز الإقدام على إزهاق روح إنسان معصوم
الدم على التأبيد وبه حياة مستقرة ولو كانت بعض الظواهر تشير إلى عدم
استمرارها أو كان ميئوسا من بقائها بقصد أخذ بعض أعضائه لعلاج إنسان
آخر.
ويؤكد شيخ الأزهر - رحمه الله - أن انتزاع كبد الإنسان
ومازال قلبه ينبض بالحياة يُقَّيد جريمة قتل قائلاً إنه:
" يحرم ويمتنع قانوناً
التعرض للمحتضر بقطع أي جزء قاتل من جسده قبل انتهاء حياته بظهور
علامات الموت سالفة الذكر، فإذا وقع هذا من أي إنسان على المحتضر قبل
تأكد وقوع الموت به كان قاتلاً إذا انتهت الحياة أو بقيتها بهذا القطع
ووجب محاكمته جنائياً ".
كما يؤكد - رحمه الله - أن الطبيب يعتبر قاتلاً إذا
أنتزع عضواً من إنسان وأدى ذلك إلى موته حتى لو كان هذا الإنسان قبل
انتزاع العضو منه " في حكم الميت "
ويوضح ذلك بقوله أنه شق بطن إنسان وقطع حشوته وأصبح المصاب ملاقى الموت
لا محالة بسبب جراحة ولكن بقيت فيه حياة فجاء آخر وفصل رأسه عن جسده
فإن القتل ينسب لهذا الأخير ويكون الأول مسئولاً عن الجراح فقط لأن فعل
الأخير هو الذي تبعه الموت وقطع رابطة السببية بين الفعل الأول وبين
الموت. ومن ثم كان قطع أي عضو من الإنسان قد بدت عليه إمارات الموت دون
أن يموت فعلاً قتلاً بغير حق إذا مات إثر هذا القطع أو مجرد الجرح.
رأى الأطباء :
ونشرت الجريدة نفسها في نفس العدد الأسبوعي رأى بعض
الأطباء في هذا الموضوع فقد أكد الأطباء... صفوت حسن لطفي (طب القصر
العيني)، حاتم سعد إسماعيل ( طب عين شمس)، جمال صبحي (معهد أبحاث
العيون) أن انتزاع الأعضاء من جسد الذين يطلق عليهم.
" موتى الدماغ " هو قتل للنفس
وأوضحوا في تقصيهم أن ما يطلق عليه " موت
الدماغ " أو " الموت الإكلينيكي "
هو حالة يكون فيها المريض حياً وتظهر فيه كل مظاهر الحياة رغم
توقف بعض وظائف المخ... حيث ينبض القلب نبضاً طبيعياً ويحتفظ الجسم
بحرارته وتستمر معظم إفرازات الجسم كما هي، كما تعمل الكليتان بصورة
طبيعية ويستمر التمثيل الغذائي
للكبد … كما أن المرأة الحامل التي تصاب بموت المخ
تستمر في حملها ينمو الجنين نمواً طبيعياً حتى اكتماله وولادته.
ويرى هؤلاء الأطباء أن الحكم الشرعي في مثل هذا الأمر
الخطير لابد أن يكون حاسماً ومحدداً. فالمريض الذي ينبض قلبه وتعمل
أجهزة جسمه هو " إنسان حي " ولا يُحكم عليه بالموت إلا إذا توقف قلبه
وزالت حرارته وتوقفت أجهزته، وهنا تسرى عليه أحكام الموت في الأمور
الشرعية من الدفن والميراث وغيرها. وعلى ذلك فإن انتزاع الأعضاء من جسد
من يسمون بـ " موتى الدماغ " هو
عملية قتل لنفس حرم الله قتلها إلا بالحق.
نشرت جريدة الأهرام القاهرية في عدد الجمعة 20/8/1995
الموافق 27 ربيع الأول 1419هـ تعقيباً تحت عنوان “ قضية موت الدماغ
تحتاج لمناقشات مستفيضة من أهل الاختصاص " وضح هذا التعقيب أن المدخل
الصحيح لتناول هذه المشكلات هو المدخل العلمي بمعنى أن يلتقي أهل
الاختصاص من الأطباء لمناقشة الأسس العلمية لهذا الموضوع حتى يتضح
للجميع بداية ماهية محور الحديث والمناقشة ، والمقصود به ومفهوم الوفاة
المخية ، وهذا الأمر يتطلب الإعداد لسلسة من الندوات لتدارس الجوانب
المختلفة للموضوع على المستوى الأكاديمي أولاً ثم يلي ذلك مناقشات
مستفيضة للنواحي الدينية والأخلاقية والقانونية والاجتماعية وغيرها
وذلك بمشاركة مجموعة من المتخصصين في هذه المجالات .
وبالطبع فإن نتائج أعمال هذه الندوات في النهاية سوف
تعرض على الرأي العام من خلال وسائل الإعلام المختلفة، حتى تصل من خلال
المناقشات الموسعة واستبيان آراء أفراد مجتمعنا في مختلف القطاعات إلى
ما فيه خير البلاد ونفع العباد.
- لهذا بات هذا الموضوع من الموضوعات التي يجب
حسمها في ظل التقدم العلمي والطب الحديث.
رأى الأطباء في نقل أعضاء المحكوم عليهم بالإعدام :
وقد أثارت مجلة "الأطباء" التي تصدرها النقابة العامة
للأطباء بجمهورية مصر العربية في عددها رقم (111) السنة (37) إصدار
ربيع الآخر 1413هـ – أكتوبر 1992 م هذا الموضوع، فبعد أن وضحت أن قضية
نقل الأعضاء قضية متشعبة ومتشابكة ويتشابك فيها العلم والدين والتجارة،
ووضحت أن نقابة الأطباء قد أصدرت قرارها بمنع نقل الكلى من غير الأقارب
حتى الدرجة الثانية منعاً للتجارة، واستطردت: بأنه قد ظهرت موضة جديدة
في موضوع نقل الأعضاء وهى نقل أعضاء المحكوم عليهم بالإعدام وقد أيد
المنادون بذلك كلامهم بأن هؤلاء الناس مهدر دمهم وأنهم سيعودون إلى
التراب بدون الاستفادة منهم، فكتب أحد المؤيدين لذلك رسالة نشرتها له
جريدة (الأهرام القاهرية) تحت عنوان
" ماذا يستفيد التراب":
وأوردت مجلة " الأطباء" الرد على لسان أحد أساتذة الطب
والذي أنكر ذلك ودافع بشدة عن حرمة الإنسان ووضح أن الإنسان ليس بآلة
أو سيارة تفك ويُعاد تركيبها وتُباع مستعملة أو جديدة ولكنه أعظم ما
خلق الله تعالى في هذا الوجود.
وأن هذا الكلام غير مقبول شرعاً ولا أخلاقياً ويتعارض
مع صريح قول الله تعالى:
(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ
وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ
عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)الإسراء
(70).
أما منطق أن الإنسان سيعود إلى التراب دون الاستفادة من
جسده فإن التراب هذا منه خُلقنا وإليه سنعود مصداقاً لقول الله تع
(مِنْهَا
خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً
أُخْرَى)
طه (55) .
وأما عن مبدأ أن هذا الإنسان دمه مهدر لجرمه فهذا قول
فيه تعد على الشرع لأن الرسول أمر
بإحسان القتل لمن يقتل ونهى التمثيل بأجساد الموتى. كما أن المستقر في
الأعراف القضائية أن حق المجتمع يستوفى بتطبيق العقوبة على المتهم وليس
بتمزيق أوصاله، وأما عن مبدأ المحكوم عليهم قد أقر بموافقته على ما تم
فهذا الإقرار باطل لأنه تنازل فيما لا يملك، لأن هذا لجسد مملوك لله
تعالى بإجماع جميع الأئمة والفقهاء ولا يجوز لأحد التصرف فيه بالبيع أو
الشراء أو الهبة أو الوصية... وهذه نقطة خلاف بعض مشايخنا وفضيلة مفتى
جمهورية مصر العربية على نحو ما أوردنا سالفاً.
ومن هنا نعود فنؤكد - والكلام لمجلة " الأطباء " أن
قرار السيد النائب العام بإيقاف عمليات نقل الأعضاء من المحكوم عليهم
بالإعدام هو قرار إنساني عظيم يتفق مع ما أمرت به الشريعة الإسلامية
وما أقرَّه العرف والقانون والأخلاق.
زراعة خلايا الأجنة لعلاج أمراض خطيرة :
وقد طالعتنا مجلة " طبيبك
الخاص " القاهرية ببشرى لمرضى الشلل الرعاش والسكر والعقم
وأمراض المخ والخلل والأنزيمي ، حيث نشرت في عددها رقم (292) صدور
أكتوبر 1993م في مقال لها بعنوان
" متجر الجسم البشرى.... معجزة القرن الواحد والعشرين
" تقول فيه: " أخيراً... تحقق الأمل في الشفاء لعشرات
الملايين من المرضى بأمراض مستعصية طالما وقف العلماء عاجزين عن وضع حد
لها ولآلامها أو وقف تدهورها إلى أن تأتى النهاية الطبيعية وهى الموت
".
والمدهش في تقنية العلاج الجراحى الجديد والتي تتمثل في
العلاج بزرع خلايا وأنسجة الأجنة... أن العلماء رغم اعتقادهم في القدرة
على علاج الأمراض المستعصية على اختلافها عن طريق استخدام خلايا الأجنة
الصغيرة إلا أنهم خاضوا معركة تحدى نحو 65 عاماً.
•
لماذا خلايا الأجنة
يذكر دكتور (أندروكمبرل) في كتابه بعنوان " متجر الجسم
البشرى " أن اختيار خلايا وأنسجة الجنين لعمليات الزراعة يرجع لسرعة
نموها وانقسامها بوضوح بيد أن الاكتشاف الأول لمثل هذا الاختيار من
وجهة نظر " كمبرل " يرجع لجهود العلماء الكنديين الذي اكتشفوا - بحقن
أنسجة الأجنة في حيوانات التجارب - أن العضلات تماثلت للشفاء سريعاً
وعادت تبنى نفسها من جديد. على أنه من الأمور العلمية البحتة التي تميز
خلايا وأنسجة عن غيرها من الخلايا هي أن هذه الخلايا الجنينية لا تشمل
على علامات سطحية حتى يميزها النظام المناعي للمريض فيرفضها كأجسام
غريبة.. فضلاً عن مرونة هذه الخلايا وقابليتها الشديدة للتشكل في صور
كلية أو خلايا كبد أو أي عضو أخر... فالخلايا التي يتم بها العلاج هي
في الأصل من داخل الجسم البشرى كما أنها تحقن في جسم بشرى أيضاً. ومن
هنا صارت تسمية دكتور كمبرل لكتابه الجديد "
متجر الجسم البشرى ".لهذا يؤكد دكتور
" كمبرل " أن الحل لابد وأن يأتي من داخل الجسم البشرى. أما
استخدام المواد الصناعية في العلاج فلن يقدم الكثير في مجال العلاج
الجراحي الناجح.
ولهذه الأسباب مجتمعة كان اختيار العلماء لخلايا الأجنة
لعلاج الأمراض المستعصية بل وإصرارهم على نجاح هذا النوع من العلاج.
•
الشلل الرعاش :
شكَّل هذا المرض القاتل لغزاً أمام العلماء طيلة عشرات
السنين... من أهم أعراضه عدم القدرة على السيطرة على الحركة مع الرعشة
ثم تصلب الجسم وأخيراً حدوث الشلل. ويتسبب المرض عن عدم وصول مادة
الدوبامين (Dopamine)
إلى الجزء الخاص بالتحكم في الحركة بالمخ بانتظام. وقد
ثبت أن العقاقيرسيئة، تحدث خلايا المخ على تكوين الدوبامين اللازم للمخ
لها تأثيرات جانبية مخيفة بعضها له أعراض نفسية سيئة، فضلاً عن قلة
تأثير مثل هذه العقاقير مع مرور الوقت.
وعبر سنين من مشوار علاج هذا المرض اللعين استطاع
العلماء أن يتوصلوا لفكرة زرع خلايا عصبية جنينية في مخ المريض بالشلل
الرعاش.
ويمثل عام 1988 أول محاولة ناجحة لزراعة الخلايا
العصبية التي تم استخلاصها من أجنة صغيرة من مخ المريض بالشلل الرعاش.
وقد قام بالمحاولة الناجحة د/ كورت فريد بمركز العلوم والصحة التابع
لجامعة "كولورادو" بالولايات المتحدة
الأمريكية .
وقد كتب دكتور ( آندر جوز كلوند ) السويدى الذي قاد
فريقاً من العلماء بجامعة (أوول ليندفال) بالسويد لعلاج مثل المريض.لات
... كتب أن خلايا الجنين تستمر حية وتدفع الدوبامين لمخ المريض
المستقبل بعد أن يتم زرعها في مكانها بدلاً من العضو المريض . وأكد أن
خلايا المخ المستخلصة من جنين يتراوح عمره بين 6: 8 أسابيع تستطيع أن
تنمو داخل مخ المريض وتُكون خلايا مخ كاملة النمو والوظيفة.
•
داء البول السكري :
وقد جرت أول محاولة ناجحة لعلاج هذا المرض جراحياً
بزراعة خلايا الأجنة عام 1987 حيث قاد (د. كيفن لاقرنى) فريقاً من
العلماء بجامعة (كولورادو) الأمريكية وتمكنوا من زرع أنسجة بنكرياس من
أجنة صغيرة في 16 مريض بهذا الداء . وقد تحولت خلايا البكرياس الجنينية
في أسابيع إلى خلايا كاملة النمو وتمكنت أجسام المرضى من إفراز
الأنسولين بصورة معتادة.
•
عقم السيدات :
في عام 1990 قام (د. مايكل ماكون ) مدير الأبحاث بهيئة
" بالوألتو " بالولايات المتحدة الأمريكية باستخلاص
أجزاء من خلايا الكبد والخلايا الليمفاوية من أجنة أشخاص وزرعها في فأر
مولود يفتقر إلى جهاز المناعة. وبعد شهرين نمت الأجزاء المزروعة حتى
أصبحت في حجم بذرة الفول وكونت خلايا بشرية خاصة بالمناعة . وعقب هذا
النجاح قام ( د. روجز جوسدن) الباحث بجامعة (إدنبورج) بالعديد من
الأبحاث الخاصة بعلاج العقم عند السيدات ... وقام بعملية زرع البويضات
من جنين يبلغ عمره أسابيع قليلة وتمت تلك البويضات وكونت خصوبة كاملة
داخل السيدة العاقر .
•
مرض الزهيمر :
يعد واحداً من الأمراض الخطيرة التي تصيب الإنسان حيث
تعانى الخلايا العصبية بالمخ من عدم القدرة على الاتصال.. الأمر الذي
يدمرها في النهاية وتضيع معها الذاكرة تماماً. ويقول العلماء أن عمليات
زرع أجنة في مخ مريض بهذا الداء سوف تكون متشابكة وغير
سهلة... فالخلايا العصبية التي يتم ترتيبها بسبب هذا
المرض غير محددة الأماكن بالمخ بل هي منتشرة، لذا فإن عملية تحديد
الموضع الذي يجب إجراء عملية الزرع فيه تعتبر صعبة حتى الآن.. غير أن
التطورات العلمية السريعة والتي لا تتوقف يمكن أن تصل إلى حل لهذه
المشكلة مهما كانت معقدة.
آفاق جديدة :
ويتوقع العلماء لهذا النجاح الجراحى آفاقاً رحبة في
رحلة العلاج الطويلة مع الأمراض … ويقولون... من يدرى فقد يأتي اليوم
الذي يتمكن فيه الإنسان من تكوين (كلية) مثلاً كاملة النمو والوظائف من
خلايا الكلية الجنينية .
ويتوقع فريق آخر منهم أن تنجح زراعات خلايا الأجنة في
علاج الحبل الشوكى الذي يصيب سنوياً بالولايات المتحدة وحدها نحو 180
ألف مريض.
وقد توصل العلماء حتى الآن لعلاج الخلايا الليفية
العصبية في الحيوانات وذلك بتطعيمها بخلايا عصبية مأخوذة من أجنة ونجحت
العملية … كما قد ينجح العلماء مستقبلاً في علاج حالات تلف النخاع …
وهى أمراض تضع الإنسان على حافة الموت.
أعضاء
الخنازير … هل تصلح بديلاً للأعضاء البشرية ؟؟
تحت هذا العنوان أثارت " المجلة العربية " في عددها رقم
(242) للسنة (21) إصدار ربيع الأول 1418 هـ – يوليو / أغسطس 1997 –
هذه القضية فتقول المجلة : لقد نشرت الصحف مؤخراً عن إمكانية استبدال
الأعضاء البشرية بأعضاء من الخنازير لحل مشكلة نقل الأعضاء حيث نجح
علماء سويسرا في استخدام أعضاء الخنازير بديلاً للأعضاء البشرية في
الجراحات وذلك بعد إخضاع الخنازير لمعالجات تعتمد على الهندسة الوراثية
.
ونوقش هذا الموضوع في المؤتمر الدولي لزراعة الأعضاء
الذي عقد مؤخراً في برشلونة، وأكد هذا المؤتمر أن استخدام الهندسة
الوراثية والمناعية يجعل أعضاء الخنازير صالحة تماماً للنقل إلى
الإنسان بدون الحاجة إلى الأدوية المثبطة للمناعة ولأن أنسجة الخنزير
أقرب إلى أنسجة الحيوان.
وسنعرض لبعض آراء الأطباء وعلماء الدين في هذه القضية
لمعرفة مدى صلاحية أعضاء الخنازير كبديل للأعضاء البشرية من الناحية
الطبية والبشرية.
•
التحريم مقتصر على لحم الخنزير :
في البداية يقول الدكتور أحمد شوقي الفن جرى (طبيب): إن
القرآن الكريم لم يحرم إلا لحم الخنزير بنص الآية
حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير
المائدة آية (3).
وتحريم لحم الخنزير لا يعنى عدم الاستفادة منه في أي
شيء آخر غير الأكل فمن الممكن استخدام شعره أو جلده في حالة الحروق لأن
الخنزير أقرب شيء إلى الإنسان، فالجينات لديه قريبة من جينات الإنسان،
فالآن ينقلون كبداً من الخنزير إلى الإنسان وينقلون العظام، وآخر تجربة
قاموا بها هي نقل قلب الخنزير إلى الإنسان ولم يلفظه الجسم، وهناك
الأنسولين لمرضى السكر فهو خنزيري المنشأ حيث يستخلص من بنكرياس
الخنزير.
وحول الحكمة من تحريم لحم الخنزير يؤكد الدكتور الفن
جرى أن أي حيوان يأكل من نفس فصيلته يصاب بالجنون مثل (جنون البقر) كما
حدث في الخارج لأن البقر بدأ يأكل من نفس فصيلته وذلك عندما صنعوا
العلف من مخلفات البقر (الدم - الأحشاء – الفضلات) ووجدوا أنها تسمنه
بسرعة ولكنها تصيب أفراده بجنون البقر، كذلك الأمر بالنسبة للإنسان،
فالإنسان إذا أكل لحم البشر يصاب بالجنون، ولأن الخنزير قريب من
الإنسان فقد حرمه الله لأن لحمه يصيب الإنسان بكثير من الأمراض ومنها
جنون البقر وحزواته " أي يصبح الإنسان مثل الحيوان " وغيرها مما هو
ثابت ومعروف في ديننا الإسلامي الحنيف.
•
جائز عند الضرورة :
ويرى الدكتور عبد المعطى بيومي – العميد السابق لكلية
أصول الدين بجامعة الأزهر – أن الخنزير نجس العين فكله نجس بأعضائه
وشعره ولحمه وكل ما فيه ولا يجوز استخدام شيء منه للجسم البشرى.
ولكن في حالة الضرورة إذا تعلقت حياة الإنسان باستبدال
عضو من أعضائه بعضو من الخنزير جاز ذلك للضرورة إعمالاً للقاعدة
الشرعية
" الضرورات تبيح المحظورات " ولقوله تعالى
(فَمَنِ
اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ
غَفُورٌ رَّحِيمٌ)
ومعنى الضرورة أن تتوقف حياة المريض على عضو الخنزير،
فإذا كان من الممكن استبدال عضو آخر من غير الخنزير بالعضو الآدمي فإنه
يحرم استبدال عضو الآدمي بعضو الخنزير. وإذا لم تتوقف حياة الشخص بحيث
لا تكون معرضة للهلاك المحقق فلا يحل استبدال عضو الآدمي بعضو الخنزير
لقوله (ص) " ما جعل
الله شفاء أمتي فيما حرم عليها ".
ويؤكد الدكتور بيومي أن الضرورة الوحيدة لاستخدام أعضاء
الخنازير أن يكون الجسم معرضاً للهلاك المحقق.
أما في غير الضرورة فإن استبدال الأعضاء البشرية بأعضاء
الخنزير محرمة قياساً على تحريم أكله، فإذا كان أكله يعطى الإنسان طاقة
هي من الخنزير فإن الاستبدال يعطى الإنسان قوة بالعضو الجديد. ولذا
نقول أن الأكل كالاستبدال فإذا حرم ذلك فقد حرم ذاك إلا لمن اضطر.
ويتفق مع هذا الرأي الدكتور
محمد نبيل غنايم – رئيس قسم الشريعة الإسلامية بكلية دار
العلوم بجامعة القاهرة .
النقل غير جائز شرعاً :
- وعلى الجانب الآخر يرى الدكتور عبد الرحمن
العدوى عضو مجمع البحوث الإسلامية والأستاذ بجامعة الأزهر أن الانتفاع
بعضو من الخنزير غير جائز شرعاً لسببين: الأول أن الخنزير نجس العين
بمعنى أن كل عضو فيه هو قطعة من النجاسة لا يجوز استخدامه في أي غرض من
الأغراض والسبب الثاني أن الأطباء قد قرروا أن نقل عضو من حيوان إلى
إنسان يؤدى إلى التأثير في طباع الإنسان وتصرفاته وحركاته بما يتلاءم
مع هذا العضو، فقد أجريت تجربة لنقل كلية قرد إلى إنسان وبعد فترة
تغيرت أفعاله وحركاته وصار يميل في تصرفاته إلى تصرفات القرود – فالعضو
– وكما أكدت المؤتمرات الطبية والعلمية يؤثر في الجسم ولا يكون قاصراً
على وظيفته الأساسية التي يقوم بها.
وفى حالة الاستعانة بأعضاء الخنازير فإنه سيحدث أن
تنتقل إلى الإنسان صفات الخنزير وحركاته وهى صفات فيها من الدناءة
والخسة مما جعل الشرع يحرم أكله حتى لا تنتقل عن طريق الطعام ومن
الأولى أن نمنع نقل الأعضاء لأنها في التأثير في البدن أكثر من تأثير
الأكل عن طريق الفم وفى البدن أخطر من تأثير الأكل عن طريق الفم:
الإنسان طاهر … والخنزير نجس:
- ويؤكد الشيخ محمود عبد الوهاب فايد - الرئيس
العام للجمعيات الشرعية - ما ذكره الدكتور العدوى ويقول: لا أرى صحة
نقل أعضاء الخنازير إلى الإنسان من الناحية الشرعية، فالإنسان طاهر
والخنزير نجس فلا يجوز أن نعالج الإنسان بالنجاسة كما لا يجوز أن نضيف
إلى الإنسان الذي كرمه الله وطهره ما هو نجس العين. فإذا كان الحق
سبحانه وتعالى قد حرم لحم الخنزير فإن أعضائه جزء من لحمه وهى محرمة
ولا يجوز استعمالها في الجسد البشرى.
كلمة أخيرة :
وبعد أن أثارت " المجلة العربية " هذه القضية التي
عرضها الأستاذ الزميل أحمد أبو زيد قالت: هذه مسألة من المسائل
المستجدة ونازلة من نوازل العصر تطرق لبحثها
والحديث عنها أطباء وعلماء متخصصون كل أدلى بدلوه ونحسب أن الموضوع لم
ينته بعد، وهو قابل للنقاش وطرح المزيد من الآراء، ولا ندرى عن مدى صحة
ونتيجة الجراحات التي استخدمت فيها أعضاء من الخنازير للإنسان وهل
الذين نقلت إليهم ما زالوا أحياء أم أنهم ما توا ؟
ولعل المجال يبقى مفتوحاً لمزيد من الآراء التي تثرى
الحوار من المختصين ولا سيما ما تساءلنا عنه عن حالة المنقولة لهم
أعضاء الخنازير.
هذا عن ما حدث ويحدث من محاولات مستميتة وبحوث متواصلة
في هذا المضمار على المستوى العالمي. ولكن بقى أن نعرف موقف الإسلام من
هذه الجراحات في حالة نجاحها وتطبيقها على المرضى الآدميين … لهذا يجب
على المختصين من علمائنا قراءة هذه البحوث جيداً والبت فيها من وجهة
النظر الإسلامية حتى يتسنى لنا كأطباء أن نلم بها ونجيب عنها إذا ما
تعرض أي منا لسؤال من هذا النوع.
وبعد فهذه بعض التساؤلاتوالشبهات
المثارة التي يتعرض لها الطبيب في هذه الأيام قصدت من وراء إيرادها لفت
نظر أطباء المسلمين إليها حتى يكونوا على بينة منها ومن أمثالها لكي
يكونوا على علم بأمور دينهم فيما يخص مهنتهم ولا يكونوا عرضة للحرج
أو الإثم حينما يتعرضون لمثل هذه القضايا.