|
صورة لجنين في
بطن أمه |
بقلم
الدكتور
محمود عبد الله إبراهيم نجا
مدرس مساعد بقسم الفارماكولوجيا
الاكلينيكيه
- كلية طب- جامعة المنصورة - مصر
مثل هذا البحث الجزء الثاني من بحث (حديث القرآن و السنة عن الحامض
النووي في الأمشاج) والذي سبق نشره على موقع موسوعة الإعجاز والعديد من
المواقع الأخرى. في الجزء الأول (القرآن والسنة يسبقان واطسون و كريك
إلى معادلة توريث الصفات) لاحظنا أن القرآن والسنة يستخدمان كلمة
التصوير في شرح معادلة توريث الصفات التي تصف كيفية انتقال الصفات
الوراثية من الخلايا الجسدية في الآباء إلى النطفة الأمشاج ومن النطفة
إلى الجنين في الرحم. وعليه فان الآيات والأحاديث التي تتناول دور
الحامض النووي في التقدير الوراثي لابد وأنها تتحدث عن التصوير مقرونا
بالخلق أو منفصلاً عنه.
أول مرة يذكر فيها الخلق مع التصوير في آية واحدة حسب ترتيب سور المصحف,
هي قول الله (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ
صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ) 11
الأعراف. و المفسرون قد اختلفوا في تأويل هذه الآية, فذهب بعضهم
كالطبري و ابن كثير إلى أن المقصود في هذه الآية هو آدم وأن التصوير
حدث بعد الخلق لإيجاد الشكل الخارجي لآدم وقبل سجود الملائكة, فقال
الطبري وابن كثير نقلاً عن الزجاج وابن قتيبة (خَلَقْنَاكُمْ) أي خلقنا
آدم و(صَوَّرْنَاكُمْ) بتصويرنا آدم وإنما قيل ذلك بالجمع لأنه أبو
البشر. و غاب عن أصحاب هذا القول أن الإنسان الذرية قبل أن يخلق في
الأرحام يخلق في الأصلاب {فَلْيَنظُرِ الإنسان
مِمَّ خُلِقَ. خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ
وَالتَّرَائِبِ }الطارق7,6,5.
و
قد كنت أظن أنني أول من قال بأن الجمع في (خَلَقْنَاكُمْ
ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ) يدل على آدم و حواء و الذرية, وأن المقصد
من التصوير في هذه الآية هو تصوير الذرية من آدم وليس تصوير الشكل
الخارجي لآدم, إلا أنني وبفضل الله وجدت أن هذا الرأى سبقني إليه بعض
كبار المفسرين كالقرطبي و الشوكانى نقلا عن أقوال العديد من السلف
الصالح وعلى رأسهم ابن عباس, حيث قالوا بأن الذرية خلقت وصورت قبل
السجود لآدم كما هو ظاهر من سياق الآية (وَلَقَدْ
خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ
اسْجُدُوا لآدَم), فقالوا (خلقناكم) أي خلقنا آدم و(صورناكم) أي
صورنا الذرية. قال القرطبي في هذه الآية, بدأ الله خلقكم أيها الناس
بآدم{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلالَةٍ
مِّن طِينٍ} و حواء {َخَلَقَ مِنْهَا
زَوْجَهَا} وخلق الذرية منهما في الأصلاب بخلق الأمشاج التي
تحمل التقدير (البرنامج الوراثي) لخلقكم وتصويركم في الأرحام ثم قلنا
للملائكة اسجدوا لآدم.
والله يؤكد على خلق الذرية قبل التسوية والسجود لآدم في قوله
( وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ
جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ. ثُمَّ سَوَّاهُ
وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) 7, 8, 9 السجدة. اتفق المفسرون
بالإجماع بما فيهم الفريق الأول (الطبري و ابن كثير) نقلا عن أقوال
العديد من الصحابة والسلف الصالح أن قوله (وَبَدأ
خَلْقَ الإنْسانِ مِنْ طِين) أي وبدأ خلق آدم من طين
(ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ
مَاءٍ مَهِينٍ) أي ذرّيته من سلالة من ماء مهين، أي الأمشاج,
(ُثمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ)
أي سوّى الإنسان الذي بدأ خلقه من طين (آدم) خلقا سوياً معتدلاً
وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ. إذا فمعنى الآية أوضح من الشمس في كبد
السماء وهو أن الله جعل تقدير خلق ذرية آدم قبل التسوية ونفخة الروح
ومعلوم أن كلاهما حدثا قبل السجود آدم (وَإِذْ
قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ
مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ
رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) 28, 29 الحجر. وعليه فقوله
تعالى {خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ
قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ} يشمل خلق وتصوير
الذرية قبل السجود لآدم, و الله تعالى أعلم. و السؤال الذي نريد بمشيئة
الله الإجابة عليه في هذا البحث, هل آية{خَلَقْنَاكُمْ
ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ}
تنص فقط على إيجاد الذرية في الأصلاب أم أنها تشرح كيفية خلق وتصوير
الذرية في الأصلاب؟.
دقة كلمة
التصوير في وصف انتقال الصفات الوراثية عبر الحامض النووي:
لا يستطيع أي عالم من علماء الوراثة أن ينكر أن الحامض النووي في
الخلية البشرية هو صورة (تمثال) الجسم البشرى وأن الجنين في الرحم هو
صورة (تمثال) الحامض النووي في النطفة. و لذا سمى الله الجنين في الرحم
صورة (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي
الأَرْحَامِ كيف يشاء) 6 آل عمران. وكلمة التصوير المستخدمة في
القرآن والسنة أدق من كلمة النسخ (Copy = Transcript) المستخدمة في
اللغة الانجليزية لوصف انتقال الصفات الوراثية من الآباء إلى الأبناء
عبر الأمشاج, فالنسخ يقتضي النقل الحرفي بدون تغيير أي المساواة أو
التكرار, قال تعالى{إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ
مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }الجاثية29، أي ننسخ ما تكتبه الحفظة،
ومنه استنساخ النعجة دوللى التي جاءت صورة طبق الأصل من أمها. إذاً
فالنسخ يدل على أنه لا يوجد هناك تحسين في النسل وبالتالي ينبغي أن
يكون الأبناء مثل الآباء في الشكل والتركيب الوراثي. ولما كان الأبناء
مختلفون عن الآباء في الواقع، لم يستخدم الله كلمة النسخ مع الكلام عن
الذرية لعدم دقتها, واستخدم مكانها كلمة التصوير الدقيقة التي تدل على
علمه الواسع، فكلمة التصوير (التمثيل) في لغة العرب تدل على التماثل
الكامل بين الصورة والأصل كما تدل على احتمالية حدوث تغيير في الصورة
عن الأصل حتى ولو كان التغيير في الاتجاه فقط كما يحدث لصورة الإنسان
في المرآة أو في الصور الفوتوغرافية. وفي لغة العرب يقال للتَّصاوِيرُ
: التَّماثيل. والتمثال هو الصورة المصورة. إذاً فكلمة التصوير مأخوذة
من المماثلة. وفي لغة العرب يقال مَثَّل له الشيءَ, أي صوَّره حتى
كأَنه ينظر إِليه. والتِّمْثال اسم للشيء المصنوع مشبَّهاً بخلق من خلق
الله. والمُماثَلةُ قد تكون على الإطلاق, فإذا قلت هذا الشيء مثل هذا
الشيء فمعناه أنّه يَسُدُّ مَسَدَّه، وإذا قيل: هو مثلُه في كذا فهو
مُساوٍ له في جِهةٍ دونَ جِهةٍ.
إذا التصوير في اللغة العربية قد يراد به مطابقة الأصل فيكون بمعنى
النسخ والتساوي، كما أن التصوير قد يراد به الاختلاف عن الأصل. وإذا
بحثنا في اللغة الانجليزية عن كلمة مساوية لكلمة التصوير في اللغة
العربية تكون أفضل من كلمة النسخ الانجليزية (Copy = Transcript) بحيث
تشير إلى وجود فيلم يتم التصوير عليه كما تشير إلى المماثلة الكاملة أو
الجزئية بين شيئين كما أنها تعني التمثيل لشيء برمز كأنك تنظر إليه،
فإننا سوف نجد كلمة (Image) وترجمتها التصوير, وهذه الكلمة (Image)
تعنى في الانجليزية:
a. Creating a film by scanning or photographing an object
وهذه الجملة تعنى إنشاء فيلم بالتفرس أو التصوير الفوتوغرافي لشيء
وتحويله إلى مجموعة من النقاط.
b. to symbolize and to present a lifelike image of something
وهذه الجملة تعنى التمثيل لشيء برمز كأنك تنظر إليه
c. one that closely or exactly resembles another
وهذه الجملة تعنى المماثلة الكاملة أو الجزئية بين شيئين
خلق و تصوير
الأمشاج في الأصلاب (gametogenesis):
بدأ الله خلق الذرية في الأصلاب بخلق الخلايا الجنسية المكونة
للحيوانات المنوية في آدم (Spermatogonium) والمكونة للبويضات في حواء
(Oogonium). والخلايا الجنسية في الخصية والمبيض تحتوى على 46 كروموسوم
فردى (23 زوج) مثل الخلايا الجسدية، وكل كروموسوم يتكون من خيطين
متصلين بنقطه مركزيه (centromere) على شكل حرف اكس (ْX ) كما في (صورة
1).
|
صوره
1 |
* يتم خلق
الأمشاج من الخلايا الجنسية في الخصية والمبيض على مرحلتين كالأتى:
1. المرحلة الأولى: تفيد النسخ المساوي
للأصل من أجل التكرار وتعرف في العلم الحديث باسم الانقسام الميتوزى.
وهذه المرحلة هي محل الشرح في هذا البحث بإذن الله.
2. المرحلة الثانية: تفيد اختلاف الذرية
عن الأصل في الصفات الوراثية وتعرف في العلم الحديث باسم الانقسام
الميوزى. وبإذن الله نرى وصف هذا النوع في القرآن والسنة في البحث
القادم.
أولا:
الانقسام الميتوز(Mitosis) = النسخ المساوي للأصل
الهدف منه زيادة عدد الخلايا الجنسية في الخصية والمبيض وتكوين مخزون
للمستقبل. في هذا الانقسام يحدث انشطار لكل كروموسوم في الخلية الجنسية
إلى نصفين بحيث تتحول ال 46 كروموسوم كامل في الخلية الجنسية إلى 92
نصف كروموسوم. يتبع ذلك انقسام الخلية الجنسية إلى خليتين متماثلتين
تحتوى كل منهما على 46 نصف كروموسوم. بعد الانقسام إلى خليتين يتم
تصوير (نسخ) كل نصف كروموسوم في كل خليه ليعطى النصف المكمل له بحيث
تتحول أنصاف الكروموسومات إلى كروموسومات كاملة ومماثلة للخلية الأم (صوره
2).
|
صوره 2 .
الانقسام الميتوزى |
وصف الانقسام
الميتوزى (Mitosis) في القرآن و السنة:
* لوصف هذا
الانقسام في القرآن والسنة نحتاج إلى الكلمات الآتية:
أ- الخلق لوصف الإيجاد والزيادة في عدد الخلايا (خلية تتحول إلى
خليتين)
ب-التصوير لوصف تحول أنصاف الكروموسومات في الخلايا الجديدة إلى
كروموسومات كاملة كالموجودة في الخلية الأم, أي أنه تصوير بدون تحسين
(مماثلة الصورة للأصل).
ت-الخلق حدث قبل التصوير مع وصف الزمن بين الخلق و التصوير بالتراخي
والانفصال، فنربط بينهما بحرف العطف (ثم).
*
نلاحظ هنا أن التصوير جاء بالمعنى الأول في لغة العرب و هو النسخ
والتساوي.
* الدلالة
العلمية لاستخدام حرف العطف ثم في (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ
صَوَّرْنَاكُمْ): (صورة 3):
الدورة الخلوية تمر بفترتين، الفترة الأولى تسمى (M) أو فترة الخلق
ويحدث فيها الانقسام الخلوي، حيث ينتج عن الخلية الأصلية خليتان كل
منهما تحتوى على نصف كروموسوم. الفترة الثانية وتسمى الفترة بين كل
انقسامين متتاليين وتعرف باسم "المرحلة البينية"
.Interphase= وتقسم المرحلة البينية إلى ثلاث
فترات:
الأولى التي تلي تمام الانقسام مباشرة و تعرف باسم "G1" ، تليها الفترة
"S" ثم الفترة "G2" التي تسبق الانقسام التالي. ويعتمد هذا التقسيم
للمرحلة البينية
|
صورة 3 :
مراحل الدورة الخلوية |
على نشاط حمض الدنا DNA الموجود في الكروموسومات. ويحدث تضاعف حمض
الدنا DNA مرة واحدة في كل دورة خلوية. ومن المهم أن ندرك أن حمض الدنا
DNA قبل المرحلة "S" آي في المرحلة G1 يظل على الحالة التى خرج بها من
الفترة (M) أو فترة الخلق أى يتكون من نصف كروموسوم فلا يحدث تصوير
في المرحلة G1. أما بعد تمام المرحلة "S" التي يحدث خلالها تصوير (نسخ)
كل نصف كروموسوم في الخلية ليعطى النصف المكمل له بحيث تتحول أنصاف
الكروموسومات إلى كروموسومات كاملة. - معنى ذلك أن الفترة (G1) هي
فترة تراخى بين فترة الخلق (M) و بين فترة التصوير "S" و لهذا فان
الله قد استخدم حرف العطف ثم للتعبير عن فترة التراخي (G1) و صدق الله
إذ يقول:
الخاتمة
حين يصف قول الله تعالى {خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ
صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ}
الانقسام الميتوزى بهذه الدقة المتناهية في العلم، فان ذلك يمثل معجزة
علمية لا يمكن أن نصدق أن ينطق بها أي بشر منذ نصف قرن واحد من الزمان
قبل اكتشاف الحامض النووي على يد واطسون وكريك, فكيف بنا إذا علمنا أن
رجلا في البادية لا يقرأ ولا يكتب نطق بهذا الإعجاز منذ أكثر من أربعة
عشر قرنا من الزمان. لذا فمن الإنصاف أن نعترف بأن هذا الإعجاز القرآني
من عند الله الخالق العليم بأحوال خلقه بلا أدنى شك أو ريبة و أن رجل
البادية الذي بلغ عن الله هو الرسول الخاتم لكل النبيين, و هو سيد
الأنام محمد بن عبد الله, صلى الله عليه و سلم في الأولين و الآخرين,
الذي قال له ربه في كتابه الكريم {سَنُرِيهِمْ
آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ
أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
شَهِيدٌ}فصلت53. هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده و ما كان
من خطأ أو نسيان فمنى و من الشيطان و الله و رسوله منه براء.
تعرف على
المؤلف في سطور
يمكن التواصل
مع المؤلف على الإيميل التالي:
mnaga73@hotmail.com