بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مرحبا بكم مع الشيخ خالدالمغربي - المسجد الأقصى

007

الاعراف

آية رقم 011

وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ

صدق الله العظيم

 

حديث القرآن والسنة عن زواج الكر وموسومات وتحسين النسل بالإنقسام الميوزى

بقلم الدكتور محمود عبد الله إبراهيم نجا

مدرس مساعد بقسم الفارماكولوجيا الاكلينيكيه

 كلية طب- جامعة المنصورة - مصر

يمثل هذا البحث الجزء الثالث من بحث (حديث القرآن والسنة عن الحامض النووى فى الأمشاج) والذى سبق نشره على موقع موسوعة الإعجاز. فى الجزء الأول (القرآن والسنة يسبقان واطسون وكريك إلى معادلة توريث الصفات) لاحظنا أن القرآن والسنة يستخدمان كلمة التصوير في شرح معادلة توريث الصفات التى تصف كيفية إنتقال الصفات الوراثية من الخلايا الجسدية فى الآباء إلى النطفة الأمشاج ومن النطفة الى الجنين في الرحم. وفى الجزء الثانى (حديث القرآن والسنة عن الإنقسام الميتوزى وخلق الذرية قبل سجود الملائكة لآدم) بدأنا نصف كيفية تحول الخلايا الجنسية فى الخصية والمبيض إلى أمشاج وذلك على مرحلتين: الأولى منهما تعرف بالإنقسام الميتوزى وقد تم وصف هذه المرحلة بقول الله (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ) 11 الأعراف.

أما المرحلة الثانية فى إيجاد الأمشاج فتعرف فى العلم الحديث باسم الإنقسام الميوزى أوالاختزالي، وهى المسئولة عن إختلاف الذرية عن الآباء فى الصفات الوراثية وبالتالي فى الصفات الشكلية (أي تحسين النسل). وهذه المرحلة هي محل الشرح فى هذا البحث بإذن الله.

على الرغم من أن الله خلق الناس جميعاً مشتركين في وحدة الخلق فالناس جميعاً من لحم ودم وعظم... أصلهم جميعاً من تراب، ومع هذا فقد انفرد كل إنسان بصفاته المميزة التي يحملها وحده دون سائر البشر. وقد يشترك الأبناء مع الآباء في صفات جسدية ظاهرية، وقد يكون الشبه قوياً لدرجة يصعب معها أن نفرق بين أخوين أوتوأمين مثلاً. ولكن المدقق يرى أن التشابه بين الأشخاص وبين الإخوة لا يكون تاماً أبداً، فهناك دائماً أوجه كثيرة للإختلاف ولكن معرفتها تحتاج إلى التدقيق الشديد أحياناً كما يحدث بين التوأمين المتشابهين. وحين تقدم العلم واتسعت دائرته وتنوعت طرق البحث والدراسة استطاع الإنسان أن يدرك أنه لا تشابه بين إنسان وآخر في ظاهره أوفي داخله رغم اتحاد الناس جميعاً في التركيب الأساسي العام. وهذا الإختلاف فى الأشكال ذكره الله فى الإنسان والنبات والحيوان وجعله آية للعالمين, فقال تعالى:

{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإختلاف أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ }الروم22, وقال أيضا{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ. وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} فاطر27، 28. والإعجاز العلمي الذي نقدمه فى هذا البحث بإذن الله ليس مجرد ذكر إختلاف الأشكال فى الكائنات الحية وفقط فتلك حقيقة يعلمها الدانى والقاصى بمجرد النظر إلى مخلوقات الله تبارك وتعالى, ولكن الإعجاز الحقيقى فى هذا البحث هووصف كيفية حدوث هذا الإختلاف كما يصفه العلم الحديث بل وأدق من العلم الحديث، ولما لا والذى يصف هوالله الخالق القائل عن نفسه {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}فاطر14.

والعلم الحديث حين يتكلم عن تحسين النسل يقول بأن إختلاف الصفات الشكلية لا يأتى إلا من إختلاف الصفات الجينية بين الآباء والأبناء، وذلك بسبب حدوث تغيير فى التركيب الجينى لكروموسومات الأمشاج المتكونة فى أصلاب الآباء بحيث لا تتشابه فى تركيبها مع كروموسومات الخلايا الجسدية للآباء. وهذا التغيير الجينى ينشأ من زواج كروموسومات الخلايا الجنسية للآباء فى أثناء تكوين الأمشاج فى الخلايا الجنسية للخصية والمبيض بالإنقسام الميوزى الذى يحدث على مرحلتين:

1. الإنقسام الاختزالى الأول = التنصيفى (الميوزى الأول): (صورة 1)

يهدف هذا الإنقسام إلى اختزال عدد 46 كروموسوم فردى كامل (23 زوج) فى الخلية الجنسية إلى نصف العدد فى الأمشاج، أى 23 كروموسوم فردى كامل. وفيه تنقسم الخلية الجنسية إلى خليتين كل منهما تحتوى على 23 كروموسوم فردى كامل وتسمى الخلية المشيجية الأولية. مع العلم بأنه أثناء هذا الإنقسام يحدث زواج مع تبادل لبعض الجينات بين كل كروموسومين من الكروموسومات الزوجية المتماثلة في الشكل وهذا ما يعرف في الوراثة باسم التصالب (كيازما) أوالعبور (CHISMATA = Cross over). ويعد التصالب المسئول الرئيسي عن تحسين النسل حيث ينشأ عنه إختلاف في صفات الأمشاج الجينية عن بعضها البعض وعن الأصل بحيث أن الأبناء لا تشابه الآباء وبحيث يختلف البشر عن بعضهم البعض.

* وصف الإنقسام الاختزالي الأول فى القرآن والسنة: لوصف هذا الإنقسام نحتاج إلى الكلمات الآتية:

أ‌- الخلق لوصف الإيجاد والزيادة فى عدد الخلايا (خليه واحده تتحول إلى خليتين)

ب‌- التصوير لوصف حدوث التصالب والتزاوج بين الكروموسومات وتبادل الجينات (وصف دقيق)

ت‌- ناتج عملية الزواج والتصالب وهوحدوث تحسين فورى فى صور الأبناء عن الآباء (العطف بالفاء)

ث‌- وصف العلاقة بين الخلق والتصوير بالمصاحبة فنربط بينهما بحرف العطف (الواو).

* هذه المواصفات تجتمع فى آية {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأرض بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}التغابن2, 3.

و فى الحديث الصحيح الموافق للآية (سجد وجهي للذي خلقه وصوره فأحسن صورته).

* و هذا النوع من التصوير حدث فى أصلاب آدم و حواء و الذرية.

* بالرجوع إلى لسان العرب وجدت أن معنى (أَحْسَنَ) بتسكين الحاء وفتح السين والنون هو(حَسَّن) بتشديد السين بمعنى التحسين, وعليه فان الآية جاءت لتصف التصوير الوراثي المسئول عن تحسين صور الذرية بحيث لا تشابه الآباء والذى يحدث فى الإنقسام المنصف (الميوزى) الأول المشتمل على التصالب.

* نلاحظ هنا أن التصوير جاء بالمعنى الثانى فى لغة العرب وهوالإختلاف (حدوث تغيير فى الصورة عن الأصل), وقد رأينا فى البحث السابق (حديث القرآن والسنة عن الإنقسام الميتوزى) أن التصوير فى اللغة العربية قد يراد به مطابقة الأصل فيكون بمعنى النسخ والتساوى, كما أنه قد يراد به الإختلاف عن الأصل.

* وصف العلم الحديث لعملية التصالب: لكى تحدث تمر بالخطوات الآتية (صورة 2):

أ‌- فى كل زوج من الكروموسومات الزوجية المتماثلة يحدث ميل لأحدهما على الأخر

ب‌- التعانق بين كل كروموسومين من الكروموسومات الزوجية المتماثلة في الشكل

ت‌- تكثف بعض من أجزاء الكروموسومات المتعانقة ليتكون عليها عقد (loop = Knob) قريبة الشبه من شلة الخيط (Slooped skeins) المتصلة بخيط رفيع أورأس الإنسان على عنقه.

ث‌- تثاقل العقد على أطراف الكروموسومات المتعانقة (أوتثاقل الرأس على العنق إذا مالت جانبا)

هذا التثاقل عند أطراف الكروموسومات المتعانقة يؤدى إلى حدوث توتر عند العنق لا يزول إلا بحدوث تشققات عند العنق (Craks) يتبعها دخول إنزيم قاطع يقطع أطراف الكروموسومات المتعانقة إلى قطع صغيره مع تبادل القطع بين الكروموسومات المتعانقة لكي ينشأ تغيير في صفات الأمشاج الجينية عن الأصل. هذا التفصيل الدقيق لم يصل إليه العلم إلا فى الأعوام من 2004 إلى 2007.

2- كلمة التصويرالتحسينى فى القرآن والسنة أدق من كلمة التصالب أوالعبور

* التصالب فى اللغة لا يعنى إلا التعامد ولا يمكن أن يصف شكل حرف اكس (X) أما العبور فقد يصف التعامد وقد يصف شكل حرف اكس (X). وبما أن أطراف الكروموسومات المتماثلة تميل على بعضها وتتعانق فى شكل حرف اكس فان كلا اللفظين غير دقيق لوصف شكل التلاقى بين الكروموسومات المتماثلة. كما أن كلا اللفظين لا ينص على كيفية حدوث التحسين الوراثى من خلال تبادل الجينات.

* أما التصوير التحسيني (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) فيصف عملية التلاقي بين الكروموسومات المتماثلة فى الإنقسام الميوزى الأول بالميل والتعانق الذى لا يكون إلا على شكل حرف اكس(X) (صورة 3).

إذ أن من معانى التصوير فى لغة العرب: المَيَل وصارَ الشيءَ صَوْراً: أَماله فمال وخص بعضهم به إِمالة العنق والرجلُ يَصُور عُنُقَهُ إِلى الشيء إِذا مال نحوه بعنقه وصارَ وجَهَهُ يَصُورُ: أَقْبَل به.

* لا توجد كلمه على وجه الأرض لوصف أحداث عملية التصالب ككلمة (صُوَرَكُم) التى تأخذ عدة معانى فى لغة العرب يكمل بعضها بعضا من أجل وصف التصالب وصفا دقيقا لا يقدر عليه البشر. فالصورة مشتقه من الصَّوَرُ وهوالميل وذلك ما نجده فى معاجم اللغة العربية كلسان العرب وتاج العروس:

أ‌- الصَّوَرُ بالتحريك: المَيَل وصارَ الشيءَ صَوْراً: أَماله فمال وخص بعضهم به إِمالة العنق والرجلُ يَصُور عُنُقَهُ إِلى الشيء إِذا مال نحوه بعنقه وصارَ وجَهَهُ يَصُورُ: أَقْبَل به.

ب‌- ُوفي حديث عكرمة: حَمَلَة العَرْشِ كلُّهم صُورٌ هوجمع أَصْوَر وهوالمائل العنق لثقل حِمْلِهِ.

ت‌- وصارَ الشَّيْءَ يَصُورُه صَوْراً: قَطَعَه وفَصَّلَه صُورَةً صُورَةً

ث‌- وفي التنزيل (فَصُرْهُنَّ إلَيْك)َ قال بعضُهم: صُرْهُنّ: وجههن وصِرْهُنّ: قَطِّعْهُنّ وشَقِّقْهُنّ.

ومجموع هذه المعانى هوملخص التصالب الذى يحدث فيه ميل وتعانق للكروموسومات مع تشقق وتقطع لبعض أجزاءها لثقل الحمل على بعض أجزائها, ثم التحسين بتبادل الأجزاء المتقطعة بين الكروموسومات المتعانقة.

ولاحظ أن صِرْهُنّ بمعنى قَطِّعْهُنّ وشَقِّقْهُنّ تدل على أن هناك أداة قطع و هذا ما قال به العلم الحديث فى العام 2007 ونحن ننتظر من العلم الحديث فى العام 2008 إن شاء الله أن يكتشف أداة توجيه الجينات المقطوعة من كروموسوم إلى الآخر لأن صُرْهُنّ بمعنى وجههن يلزمها أداة توجيه.

2. الإنقسام الاختزالى الثانى = المتساوى (الميوزى الثاني):
يهدف إلى تضاعف الخليتين المشيجييتين الأوليتين الناتجتين من الإنقسام الميوزى الأول إلى أربع خلايا مشيجيه ثانوية لها نفس التركيب الجينى للخلية المشيجية الأولية, أي إنقسام بدون تحسين وراثى. وحاصل الميوزى الثانى في الذكر هوأربع حيوانات منوية، أما فى الأنثى فبويضة واحدة وثلاثة أجسام قطبيه. وخطوات هذا الإنقسام هى نفس خطوات الإنقسام الميتوزى السابق شرحه فى الجزء الثانى (حديث القرآن والسنة عن الإنقسام الميتوزى).

لاحظ أن العلم الحديث أطلق مسميان مختلفين وهما الانقسام الميتوزى والانقسام الاختزالي الثانى لوصف حدث واحد تتضاعف فيه أى خليه إلى خليتين بدون تحسين وراثى. بينما أطلق الله عليهما فى القرآن مسمى واحد وهوالخلق ثم التصوير (خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ) لكونهما نوع واحد.

الخاتمة

اذا كان وصف كيفية زواج الكروموسومات وتحسين النسل كحقيقة علمية ثابتة لا تقبل الشك قد غابت عن علماء العصر الحديث حتى العام 2004 – 2007 فكيف عرفها النبى الأمى محمد صلى الله عليه وسلم منذ ما يزيد على أربعة عشرة قرنا من الزمان إلا إذا كان رسولا من قبل الله لا ينطق عن الهوى يبلغ ما أرسله به ربه بلا زيادة أونقصان ليقيم الحجة العلمية على أهل هذا الزمان وكل الأزمان بقول الله {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }فصلت53. وإختلاف الألوان بزواج الكروموسومات آية من هذه الآيات التى تشهد بأن الإسلام هوالدين الحق {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ}آل عمران19.

يمكن التواصل مع المؤلف على الإيميل التالي: mnaga73@hotmail.com

 

مقالات سابقة للمؤلف:

 

 

حديث القرآن والسنة عن الانقسام الميتوزى وخلق الذرية قبل سجود الملائكة لآدم
 

 

صورة لجنين في بطن أمه

 

بقلم الدكتور محمود عبد الله إبراهيم نجا

مدرس مساعد بقسم الفارماكولوجيا الاكلينيكيه

- كلية طب- جامعة المنصورة - مصر

 

مثل هذا البحث الجزء الثاني من بحث (حديث القرآن و السنة عن الحامض النووي في الأمشاج) والذي سبق نشره على موقع موسوعة الإعجاز والعديد من المواقع الأخرى. في الجزء الأول (القرآن والسنة يسبقان واطسون و كريك إلى معادلة توريث الصفات) لاحظنا أن القرآن والسنة يستخدمان كلمة التصوير في شرح معادلة توريث الصفات التي تصف كيفية انتقال الصفات الوراثية من الخلايا الجسدية في الآباء إلى النطفة الأمشاج ومن النطفة إلى الجنين في الرحم. وعليه فان الآيات  والأحاديث التي تتناول دور الحامض النووي في التقدير الوراثي لابد وأنها تتحدث عن التصوير مقرونا بالخلق أو منفصلاً عنه.

أول مرة يذكر فيها الخلق مع التصوير في آية واحدة حسب ترتيب سور المصحف, هي قول الله (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ) 11 الأعراف. و المفسرون قد اختلفوا في تأويل هذه الآية, فذهب بعضهم كالطبري و ابن كثير إلى أن المقصود في هذه الآية هو آدم وأن التصوير حدث بعد الخلق لإيجاد الشكل الخارجي لآدم وقبل سجود الملائكة, فقال الطبري وابن كثير نقلاً عن الزجاج وابن قتيبة (خَلَقْنَاكُمْ) أي خلقنا آدم  و(صَوَّرْنَاكُمْ) بتصويرنا آدم وإنما قيل ذلك بالجمع لأنه أبو البشر. و غاب عن أصحاب هذا القول أن الإنسان الذرية قبل أن يخلق في الأرحام يخلق في الأصلاب {فَلْيَنظُرِ الإنسان مِمَّ خُلِقَ. خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ }الطارق7,6,5.

و قد كنت أظن أنني أول من قال بأن الجمع في (خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ) يدل على آدم و حواء و الذرية, وأن المقصد من التصوير في هذه الآية هو تصوير الذرية من آدم وليس تصوير الشكل الخارجي لآدم, إلا أنني وبفضل الله وجدت أن هذا الرأى سبقني إليه بعض كبار المفسرين كالقرطبي و الشوكانى نقلا عن أقوال العديد من السلف الصالح وعلى رأسهم ابن عباس, حيث قالوا بأن الذرية خلقت وصورت قبل السجود لآدم كما هو ظاهر من سياق الآية (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَم), فقالوا (خلقناكم) أي خلقنا آدم و(صورناكم) أي صورنا الذرية. قال القرطبي في هذه الآية, بدأ الله خلقكم أيها الناس بآدم{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ} و حواء {َخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} وخلق الذرية منهما في الأصلاب بخلق الأمشاج التي تحمل التقدير (البرنامج الوراثي) لخلقكم وتصويركم في الأرحام ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم.

والله يؤكد على خلق الذرية قبل التسوية والسجود لآدم في قوله ( وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ.  ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) 7, 8, 9 السجدة. اتفق المفسرون بالإجماع بما فيهم الفريق الأول (الطبري و ابن كثير) نقلا عن أقوال العديد من الصحابة والسلف الصالح أن قوله (وَبَدأ خَلْقَ الإنْسانِ مِنْ طِين) أي وبدأ خلق آدم من طين (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ) أي ذرّيته من سلالة من ماء مهين، أي الأمشاج, (ُثمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) أي سوّى الإنسان الذي بدأ خلقه من طين (آدم) خلقا سوياً معتدلاً وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ. إذا فمعنى الآية أوضح من الشمس في كبد السماء وهو أن الله جعل تقدير خلق ذرية آدم قبل التسوية ونفخة الروح ومعلوم أن كلاهما حدثا قبل السجود آدم (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) 28, 29 الحجر. وعليه فقوله تعالى {خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ} يشمل خلق وتصوير الذرية قبل السجود لآدم, و الله تعالى أعلم. و السؤال الذي نريد بمشيئة الله الإجابة عليه في هذا البحث, هل آية{خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ} تنص فقط على إيجاد الذرية في الأصلاب أم أنها تشرح كيفية خلق وتصوير الذرية في الأصلاب؟.

دقة كلمة التصوير في وصف انتقال الصفات الوراثية عبر الحامض النووي:

لا يستطيع أي عالم من علماء الوراثة أن ينكر أن الحامض النووي في الخلية البشرية هو صورة (تمثال) الجسم البشرى وأن الجنين في الرحم هو صورة (تمثال) الحامض النووي في النطفة. و لذا سمى الله الجنين في الرحم صورة (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كيف يشاء) 6 آل عمران. وكلمة التصوير المستخدمة في القرآن والسنة أدق من كلمة النسخ (Copy = Transcript) المستخدمة في اللغة الانجليزية لوصف انتقال الصفات الوراثية من الآباء إلى الأبناء عبر الأمشاج, فالنسخ يقتضي النقل الحرفي بدون تغيير أي المساواة أو التكرار, قال تعالى{إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }الجاثية29، أي ننسخ ما تكتبه الحفظة، ومنه استنساخ النعجة دوللى التي جاءت صورة طبق الأصل من أمها. إذاً فالنسخ يدل على أنه لا يوجد هناك تحسين في النسل وبالتالي ينبغي أن يكون الأبناء مثل الآباء في الشكل والتركيب الوراثي. ولما كان الأبناء مختلفون عن الآباء في الواقع، لم يستخدم الله كلمة النسخ مع الكلام عن الذرية لعدم دقتها, واستخدم مكانها كلمة التصوير الدقيقة التي تدل على علمه الواسع، فكلمة التصوير (التمثيل) في لغة العرب تدل على التماثل الكامل بين الصورة والأصل كما تدل على احتمالية حدوث تغيير في الصورة عن الأصل حتى ولو كان التغيير في الاتجاه فقط كما يحدث لصورة الإنسان في المرآة أو في الصور الفوتوغرافية. وفي لغة العرب يقال للتَّصاوِيرُ : التَّماثيل. والتمثال هو الصورة المصورة. إذاً فكلمة التصوير مأخوذة من المماثلة. وفي لغة العرب يقال مَثَّل له الشيءَ, أي صوَّره حتى كأَنه ينظر إِليه. والتِّمْثال اسم للشيء المصنوع مشبَّهاً بخلق من خلق الله. والمُماثَلةُ قد تكون على الإطلاق, فإذا قلت هذا الشيء مثل هذا الشيء فمعناه أنّه يَسُدُّ مَسَدَّه، وإذا قيل: هو مثلُه في كذا فهو مُساوٍ له في جِهةٍ دونَ جِهةٍ.

إذا التصوير في اللغة العربية قد يراد به مطابقة الأصل فيكون بمعنى النسخ والتساوي، كما أن التصوير قد يراد به الاختلاف عن الأصل. وإذا بحثنا في اللغة الانجليزية عن كلمة مساوية لكلمة التصوير في اللغة العربية تكون أفضل من كلمة النسخ الانجليزية (Copy = Transcript) بحيث تشير إلى وجود فيلم يتم التصوير عليه كما تشير إلى المماثلة الكاملة أو الجزئية بين شيئين كما أنها تعني التمثيل لشيء برمز كأنك تنظر إليه، فإننا سوف نجد كلمة (Image) وترجمتها التصوير, وهذه الكلمة (Image) تعنى في الانجليزية:

a.      Creating a film by scanning or photographing an object

وهذه الجملة تعنى إنشاء فيلم بالتفرس أو التصوير الفوتوغرافي لشيء وتحويله إلى مجموعة من النقاط. 

b.      to symbolize and to present a lifelike image of something

وهذه الجملة تعنى التمثيل لشيء برمز كأنك تنظر إليه

c.      one that closely or exactly resembles another

وهذه الجملة تعنى المماثلة الكاملة أو الجزئية بين شيئين

خلق و تصوير الأمشاج في الأصلاب (gametogenesis):

بدأ الله خلق الذرية في الأصلاب بخلق الخلايا الجنسية المكونة للحيوانات المنوية في آدم (Spermatogonium) والمكونة للبويضات في حواء (Oogonium). والخلايا الجنسية في الخصية والمبيض تحتوى على 46 كروموسوم فردى (23 زوج) مثل الخلايا الجسدية، وكل كروموسوم يتكون من خيطين متصلين بنقطه مركزيه (centromere) على شكل حرف اكس (ْX ) كما في (صورة 1).

 

صوره 1

 

* يتم خلق الأمشاج من الخلايا الجنسية في الخصية والمبيض على مرحلتين كالأتى:

1. المرحلة الأولى: تفيد النسخ المساوي للأصل من أجل التكرار وتعرف في العلم الحديث باسم الانقسام الميتوزى. وهذه المرحلة هي محل الشرح في هذا البحث بإذن الله.

2. المرحلة الثانية: تفيد اختلاف الذرية عن الأصل في الصفات الوراثية وتعرف في العلم الحديث باسم الانقسام الميوزى. وبإذن الله نرى وصف هذا النوع في القرآن والسنة في البحث القادم.

أولا: الانقسام الميتوز(Mitosis)  = النسخ المساوي للأصل

الهدف منه زيادة عدد الخلايا الجنسية في الخصية والمبيض وتكوين مخزون للمستقبل. في هذا الانقسام يحدث انشطار لكل كروموسوم في الخلية الجنسية إلى نصفين بحيث تتحول ال 46 كروموسوم كامل  في الخلية الجنسية إلى 92 نصف كروموسوم. يتبع ذلك انقسام الخلية الجنسية إلى خليتين متماثلتين تحتوى كل منهما على 46 نصف كروموسوم. بعد الانقسام إلى خليتين يتم تصوير (نسخ) كل نصف كروموسوم في كل خليه ليعطى النصف المكمل له بحيث تتحول أنصاف الكروموسومات إلى كروموسومات كاملة ومماثلة للخلية الأم (صوره 2).

صوره 2 . الانقسام الميتوزى

وصف الانقسام الميتوزى (Mitosis) في القرآن و السنة:

* لوصف هذا الانقسام في القرآن والسنة نحتاج إلى الكلمات الآتية:

  أ‌- الخلق لوصف الإيجاد والزيادة في عدد الخلايا (خلية تتحول إلى خليتين)                             

 ب‌-التصوير لوصف تحول أنصاف الكروموسومات في الخلايا الجديدة إلى كروموسومات كاملة كالموجودة في الخلية الأم, أي أنه تصوير بدون تحسين (مماثلة الصورة للأصل).

 ت‌-الخلق حدث قبل التصوير مع وصف الزمن بين الخلق و التصوير بالتراخي والانفصال، فنربط بينهما بحرف العطف (ثم).

* نلاحظ هنا أن التصوير جاء بالمعنى الأول في لغة العرب و هو النسخ والتساوي.

* الدلالة العلمية لاستخدام حرف العطف ثم في (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ): (صورة 3):

الدورة الخلوية تمر بفترتين، الفترة الأولى تسمى (M) أو فترة الخلق ويحدث فيها الانقسام الخلوي، حيث ينتج عن الخلية الأصلية خليتان كل منهما تحتوى على نصف كروموسوم. الفترة الثانية وتسمى الفترة بين كل انقسامين متتاليين وتعرف باسم "المرحلة البينية" .Interphase= وتقسم المرحلة البينية إلى ثلاث فترات:                                           

الأولى التي تلي تمام الانقسام مباشرة و تعرف باسم "G1" ، تليها الفترة "S" ثم الفترة "G2" التي تسبق الانقسام التالي. ويعتمد هذا التقسيم للمرحلة البينية

 صورة 3 : مراحل الدورة الخلوية

 على نشاط حمض الدنا DNA الموجود في الكروموسومات.  ويحدث تضاعف حمض الدنا DNA مرة واحدة في كل دورة خلوية. ومن المهم أن ندرك أن حمض الدنا DNA قبل المرحلة "S" آي في المرحلة G1 يظل على الحالة التى خرج بها من الفترة  (M) أو فترة الخلق أى يتكون من نصف كروموسوم  فلا يحدث تصوير في المرحلة G1. أما بعد تمام المرحلة "S" التي يحدث خلالها تصوير (نسخ) كل نصف كروموسوم في الخلية ليعطى النصف المكمل له بحيث تتحول أنصاف الكروموسومات إلى كروموسومات كاملة. -   معنى ذلك أن الفترة   (G1) هي فترة تراخى بين فترة الخلق (M)  و بين فترة التصوير "S"  و لهذا فان الله قد استخدم حرف العطف ثم للتعبير عن فترة التراخي (G1) و صدق الله إذ يقول:

الخاتمة

حين يصف قول الله تعالى {خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ} الانقسام الميتوزى بهذه الدقة المتناهية في العلم، فان ذلك يمثل معجزة علمية لا يمكن أن نصدق أن ينطق بها أي بشر منذ نصف قرن واحد من الزمان قبل اكتشاف الحامض النووي على يد واطسون وكريك, فكيف بنا إذا علمنا أن رجلا في البادية لا يقرأ ولا يكتب نطق بهذا الإعجاز منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان. لذا فمن الإنصاف أن نعترف بأن هذا الإعجاز القرآني من عند الله الخالق العليم بأحوال خلقه بلا أدنى شك أو ريبة و أن رجل البادية الذي بلغ عن الله هو الرسول الخاتم لكل النبيين, و هو سيد الأنام محمد بن عبد الله, صلى الله عليه و سلم في الأولين و الآخرين, الذي قال له ربه في كتابه الكريم {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}فصلت53. هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده و ما كان من خطأ أو نسيان فمنى و من الشيطان و الله و رسوله منه براء.

تعرف على المؤلف في سطور

يمكن التواصل مع المؤلف على الإيميل التالي: mnaga73@hotmail.com

 

 

مواضيع ذات علاقة

اسم الموضوع

هجري

تاريخ الموضوع

الإعجاز في جسم الإنسان في القرآن الكريم

06 شعبان 1429

2008/08/07