د.
عاطف الهندي – الأردن
مقدمة
استوقفتني آية
{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ
وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ
وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ }الأعراف133 وعرفت من قراءة
القرآن أن رب العزة يخاطبنا في التفكر في آياته المفصلات {كَذَلِكَ
نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }يونس24 فلما كان الجراد
آية مفصلة؛ الجواب هو ما سيأتي :
ميتة الجراد
أباح الله الجراد بتقرير من رسوله لأن سنته إما قول أو
فعل أو تقرير (والتقرير يعني تغاضي الرسول عن فعل الصحابة) عَنْ أَبِى
يَعْفُورٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِى أَوْفَى - رضى الله عنهما -
قَالَ غَزَوْنَا مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله
عليه وسلم - سَبْعَ غَزَوَاتٍ كُنَّا نَأْكُلُ مَعَهُ الْجَرَادَ .
متفق عليه . وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ صلى الله عليه
وسلم قَالَ : أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ : الْجَرَادُ
وَالْحِيتَانُ وَالْكَبْدُ وَالطِّحَالُ.رواه الدارقطني و
البيهقي .
الأصل أن الميتة حرام لأنها مجمع للدم المسئول عن جذب
الميكروبات فلم تمت الميتة إلا لأن العدد البكتيري فيها وصل حداً لا
ينفع العلاج بعده لا للحيوان ولا لآكله ولكن ميتة الجراد حلال فهذه هي
الآية التي يجب التفكر فيها وإذا قال قائل لما الكبد والطحال حلال وهما
مشبعتان بالدم -موئل الميكروبات- فنقول له أن الكبد والطحال خاليان من
ألياف الميوسين
myosinوالأكتينactin
ومن الكالسيوم القاسي الذي بينهما الموجودين في اللحم
( وحتى في لحمة القلب ) الذين يحولوا دون استواء اللحم عند الطبخ
وبالتالي عدم القضاء بتاتاً على الميكروبات،أما الكبد والطحال فيستويان
على درجة حرارة بسيطة فكيف إذا طبخا -لا يبقى أي أثر لجرثومة بل على
العكس نستفيد من البروتين البكتيري الموجود والذي قتل بالطبخ .
وعَنْ أَبِى عُثْمَانَ النَّهْدِىِّ عَنْ سَلْمَانَ
قَالَ سُئِلَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْجَرَادِ فَقَالَ
« أَكْثَرُ جُنُودِ اللَّهِ لاَ آكُلُهُ
وَلاَ أُحَرِّمُهُ ». رواه أَبُو دَاوُدَ . وقد روى الحافظ ابن
عساكر في جزء جمعه في الجراد، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم لا يأكل الجراد، ولا الكلوتين، ولا الضب، من غير أن يحرمها.
أما الجراد: فرجز وعذاب. وأما الكلوتان: فلقربهما من البول. وأما الضب
فقال: "أتخوف أن يكون
مسخا" .
وعَنْ أَبِى سَعْدٍ الْبَقَّالِ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ
مَالِكٍ يَقُولُ كُنَّ أَزْوَاجُ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم-
يَتَهَادَيْنَ الْجَرَادَ عَلَى الأَطْبَاقِ.رواه ابن ماجه . وعَنْ
جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِىَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ : الْجَرَادُ وَالنُّونُ
ذَكِىٌّ كُلُّهُ.رواه البيهقي . وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ سُئِلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنِ الْجَرَادِ
فَقَالَ وَدِدْتُ أَنَّ عِنْدِى قَفْعَةً
نَأْكُلُ مِنْهُ. ويروي الدميري في حياة الحيوان الكبرى أنه كان
طعام يحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام الجراد وقلوب الشجر، وكان
يقول: من أنعم منك يا يحيى وطعامك الجراد.
عن يَزِيدَ الْقَينِىُّ قَالَ سَمِعْتُ صُدَىَّ بْنَ
عَجْلاَنَ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِىَّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ
يَقُولُ إِنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ
:« إِنَّ مَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ
سَأَلَتْ رَبَّهَا أَنْ يُطْعِمَهَا لَحْمًا لاَ دَمَ لَهُ
فَأَطْعَمَهَا الْجَرَادَ فَقَالَتِ اللَّهُمَّ أَعِشْهُ بِغَيْرِ
رَضَاعٍ وَتَابِعْ بَيْنَهُ بِغَيْرِ شِيَاعٍ ». قُلْتُ : يَا
أَبَا الْفَضْلِ مَا الشِّيَاعُ؟ قَالَ : الصَّوْتُ.رواه البيهقي
والهندي والطبراني
وأقتطف من شرح الباري في صحيح بخاري لابن حجر العسقلاني
من بَاب أَكْلِ الْجَرَاد ِحيث قال:
الْجَرَاد بِفَتْحِ الْجِيم وَتَخْفِيف الرَّاء
مَعْرُوف وَالْوَاحِدَة جَرَادَة وَالذَّكَر وَالْأُنْثَى سَوَاء
كَالْحَمَامَةِ وَيُقَال إِنَّهُ مُشْتَقّ مِنْ الْجَرْد لِأَنَّهُ لَا
يَنْزِل عَلَى شَيْء إِلَّا جَرَّدَهُ ، وَخِلْقَةُ الْجَرَاد عَجِيبَة
فِيهَا عَشَرَة مِنْ الْحَيَوَانَات ذَكَرَ بَعْضهَا القاضي محي الدين
اِبْن الشَّهْرُزُورِيّ فِي قَوْله : لَهَا فَخِذَا بَكْر(يعني جمل)
وَسَاقَا نَعَامَة وَقَادِمَتَا(يعني جناحا) نَسْر وَجُؤْجُؤ(صدر)
ضَيْغَم(أسد) حَبَتْهَا أَفَاعِي الرَّمَل (وفي رواية العقارب) بَطْنًا
وَأَنْعَمَتْ عَلَيْهَا جِيَاد الْخَيْل بِالرَّأْسِ وَالْفَم. ـ
قِيلَ و َفَاته(أي نسي الشهرزوري) ذكر أن عينه عَيْن الْفِيل وَعنقه
عُنُق الثَّوْر وَ قرنه قَرْن الْأَيِّل وَذَنَبه ذنب الْحَيَّة .
وَهُوَ صِنْفَانِ طَيَّار وَوَثَّاب ، وَيَبِيض فِي
الصَّخْر فَيَتْرُكهُ حَتَّى يَيْبَس وَيَنْتَشِر فَلَا يَمُرّ
بِزَرْعٍ إِلَّا اِجْتَاحَهُ ، وَقِيلَ . وَاخْتُلِفَ فِي أَصْله
فَقِيلَ إِنَّهُ نَثْرَة حُوت فَلِذَلِكَ كَانَ أَكْله بِغَيْرِ ذَكَاة
، وَهَذَا وَرَدَ فِي حَدِيث ضَعِيف أَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ عَنْ
أَنَس رَفَعَهُ " إِنَّ الْجَرَاد نَثْرَة حُوت مِنْ الْبَحْر " وَمِنْ
حَدِيث أَبَى هُرَيْرَة " خَرَجْنَا مَعَ
رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجّ أَوْ عَمْرَة
فَاسْتَقْبَلَنَا رِجْل مِنْ جَرَاد ، فَجَعَلْنَا نَضْرِب
بِنِعَالِنَا وَأَسْوَاطنَا ، فَقَالَ : كُلُوهُ فَإِنَّهُ مِنْ صَيْد
الْبَحْر " أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن
مَاجَهْ وَسَنَده ضَعِيف ، وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ فِيهِ حُجَّة لِمَنْ
قَالَ لَا جَزَاء فِيهِ إِذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِم، وَجُمْهُور
الْعُلَمَاء عَلَى خِلَافه، قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : لَمْ يَقُلْ لَا
جَزَاء فِيهِ غَيْر أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيِّ وَعُرْوَة بْن
الزُّبَيْر ، وَاخْتُلِفَ عَنْ كَعْب الْأَحْبَار ، وَإِذَا ثَبَتَ
فِيهِ الْجَزَاء دَلَّ عَلَى أَنَّهُ بَرِّيّ . (التعليق : الجراد ليس
من صيد البحر فقد جعل عمر كفارة صيد الجراد في الحرم درهمين لكن صيد
البحر لا جزاء فيه
للمحرم )
وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى جَوَاز أَكْله
بِغَيْرِ تَذْكِيَة إِلَّا أَنَّ الْمَشْهُور عِنْد الْمَالِكِيَّة
اِشْتِرَاط تَذْكِيَته . وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَتهَا فَقِيلَ بِقَطْعِ
رَأْسه وَقِيلَ إِنْ وَقَعَ فِي قِدْر أَوْ نَار حَلَّ ، وَقَالَ اِبْن
وَهْب أَخْذه ذَكَاته ، وَوَافَقَ مُطَرِّف مِنْهُمْ الْجُمْهُور فِي
أَنَّهُ لَا يُفْتَقَر إِلَى ذَكَاته لِحَدِيثِ اِبْن عُمَر "
أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ : السَّمَك وَالْجَرَاد
وَالْكَبِد وَالطِّحَال " أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَالدَّارَقُطْنِيّ
مَرْفُوعًا.
إذاً ميتة الجراد من غير ذكاة حلال عند جمهور العلماء
للأحاديث السابقة باستثناء مالك فاشترط ذكاته و ذكاته عنده موته بقطع
جزء منه كالرأس أو الجناحين أي ليس طريقة الذكاة المعهودة التي تشترط
إسالة الدم وإخراج أكبر قدر ممكن منه إذاً ميتة الجراد بطريقة جمهور
العلماء حلال فلماذا هذه الميتة حلال وجعل ذلك آية مفصلة يجب التفكر
فيها مع أن ميتة بقية الحيوان حرام : الجراد حلال لأنه مثل السمك بيضه
كثير ودمه قليل فكأنه لحم مذكى يعني مصفى من جزء كبير من الدم .
وانظر إلى الدورة الدموية البسيطة التي يتكون منها
الجراد وهي عبارة عن أنبوب رقيق أو تجويف دموي
haemocoelيبدأ
من المخ وينتهي بالمؤخرة، يغلظ في أجزاء ظهرية تسمى جيوبsinuses تمثل
القلب الغير متطور وتعتبر هذه الجيوب مخازن مؤقتة للدم ويوجد لهذه
الجيوب فتحات تمرر الدم عبر الأنسجة ويوجد عند بداية الجناحين تجويفين
يمثلان أعضاء دموية نابضة مساعدة تقوم مقام القلب المتطور في دفع الدم
في الجناحين ويتميز الجهاز الدموي في الجراد وبقية الحشرات بأنه نظام
مفتوح وليس مغلق وذلك يعني عدم احتفاظ الحشرة بالدم داخل الأوعية
الدموية،
والدم القليل الموجود في الجراد غير مسئول عن تبادل
الأكسجين ويقتصر فقط على تبادل الغذاء بين أنسجة الجسم والجهاز
الدوراني .
|
الشكل
التالي يبين الدورة الدموية البسيطة للجراد |
ولكن لماذا لم تحل بقية الحشرات حيث كلها لها نفس
النظام الدموي ونجيب فذلك لأن من طبع بقية الحشرات أن تأتي على الخبائث
فقد حرمت الأنعام إذا كانت جلالة أي التي تأتي على العذرة (الأوساخ
والزبالة) ويجب أن تحبس أسبوع قبل ان تذبح. وما ينطبق على الجراد ينطبق
على الجندب الذي هو من عائلته وفصيلته وإذا سألتني لما لا نأكل النحل
فأقول لك كما قالوا من حفظت عنهم: سكت ربكم رحمة بكم ولا تحرموا إلا ما
ورد في الكتاب فإن أردت أن تأكل النحل فلك ذلك ولكن لن تشبعك خلايا نحل
مجتمعة بقدر ما يشبعك من شرابها الذي تكونه فلما تأخذ القليل مقابل
الكثير و يوجد حديث ينهي عن قتل النحل . عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ
إِنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم-
نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنَ الدَّوَابِّ النَّمْلَةُ
وَالنَّحْلَةُ وَالْهُدْهُدُ وَالصُّرَدُ. رواه أبو داوود وابن ماجه
وأحمد
وانظر لهذه الآية {خُشَّعاً
أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ
مُّنتَشِرٌ }القمر7 ألا يشبه وصف الجراد بالخاشعة أبصارهم وصف
الأنعام المذللة لنا في هذه الآية :
{وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ
}يس72 فلماذا الذلة في الطرفين الجراد والأنعام ؟ بالتأكيد
عرفتم لأنهم آكلات أعشاب مستكينات غير ضاريات فالبروتين الحيواني ضاري
ولقد فعل فعله في الأبقار فأصابها جنون بقر وفعل فعله في الإنسان الذي
يأكله ولا يأكل غيره فأصابه بجنون البشر (مرض كروتسفيلد جاكوب) وفعل
فعله في مرضى السرطان لأنه عبارة عن جينات غير مضبوطة وغير مستكينة بل
حيوية أو حيوانية لذا قليل منه جيد .
ونرجع للجراد الذي تفكرنا في حلال ميتته وعلمنا أن
الرسول لم يأكله مع أن بعض نسائه تهادينه وكثير من الصحابة كان مغرم به
مثل عمر ولقد بين الرسول الكريم سبب عزوفه عنه هو أنه جند من جنود
الله أريد به رجز وعذاب فلا يأكل عذاب بل ودعا عليه إذا حل في ديار
المسلمين عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
قَالاَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا دَعَا عَلَى
الْجَرَادِ قَالَ « اللَّهُمَّ
أَهْلِكِ الْجَرَادَ اقْتُلْ كِبَارَهُ وَأَهْلِكْ صِغَارَهُ
وَأَفْسِدْ بَيْضَهُ وَاقْطَعْ دَابِرَهُ وَخُذْ بِأَفْوَاهِهِمْ عَنْ
مَعَاشِنَا وَأَرْزَاقِنَا إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ». ». رواه
الترمذي.
وقد يتساءل البعض لماذا البحث من جانب الإسلام في أكل
الجراد ونعلل أن أحد الطرق للتخلص منه ومن أذاه هو أكل ميتته فهو غني
بالبروتين ومستساغ ولا ضير منه واسأل المنظمات والمؤسسات والهيئات
الدولية المعنية بالأمور الزراعية واعرف عن الميزانيات الضخمة التي تعد
لمكافحة الجراد المنتشر هل استطاعت أن تحد من خطر الجراد لو وقع رجزه
.
المراجع :
1.
الموسوعة الإسلامية الشاملة – الإصدار الثاني
2.
الصورة الأولى ماخوذة من موقع جامعة نبراسكا – لينكولن
3.
الصورة الثانية مأخوذة من
Encarta 2000