د/ حسين رضوان اللبيدي
مدير مستشفى وعضو هيئة الإعجاز العلمي بمكة المكرمة
وعضو جمعية الإعجاز العلمي بالقاهرة وجنوب الوادي
مقدمة
لكل قضية دعوى ودعوى قضية الإسلام هي :
إن القرآن الكريم هو كتاب الله الخالد الباقي المحفوظ ليدين به الجميع
وليكون دستوراً للعالمين لمن شاء منهم أن يستقيم.
وحيثيات الدعوة هي خلاصة علوم مقارنة الأديان والكتب المقدسة بجميع
نواحيها في العقيدة والتوحيد والتاريخ والعلوم الإنسانية والكونية
والتي بينت .
1- إن القرآن هو الكتاب الوحيد الخالي من التناقض والاختلاف والتحريف
والتصحيف.
2- إن القرآن هو الكتاب الوحيد المعجز في معانيه ومبانيه من أول كلمة
إلى آخر كلمة فيه.
3- إن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي ينزه الألوهية مما لا يليق
بكمالها
4- إن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي ينزه الرسل المكرمين من كبائر
الإثم والفواحش.
5- إن القرآن هو الكتاب الوحيد الباقي كما أنزل والذي يرجع إسناده إلى
المصدر مباشرة.
6- إن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي نجد منه نسخة وحيدة
متطابقة في أي زمان ومكان.
7- إن القرآن الكريم عالمي في منهاجه فهو يحقق التوازن والعدل بين
الإنسان ونفسه، والإنسان وأخيه الإنسان ، والإنسان والكون من حوله.
8- إن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي نجد فيه إشارات علمية من
الذرة إلى المجرة ومن النطفة إلى المخ البشري تتطابق مع الحقائق
العلمية المكتشفة بأدق وسائل التقنية .
وعلى العموم فالقرآن كلام الله يشعر المستمع إليه أنه يأتي من السماء.
ولقد أفردنا في شرح ذلك كتاباً أسميناه -لماذا القرآن - ليكون رأساً
لسلسلة -لماذا القرآن ولماذا الإسلام ؟ والذي منها هذا العمل الذي
سنتناول فيه قضية علم الأجنة وما ترتب عليها من قضايا أخرى كقضية
التلقيح الصناعي وطفل الأنابيب ، والاستنساخ وسيكون تناولنا للجانب
العلمي والعقائدي لهذه القضايا ، أما الجانب الشرعي ( الحلال والحرام )
فهو متروك للفقهاء .
فالقضية العلمية المعملية قضية مجردة تهدف إلى كشف سر من أسرار الكون ،
ولكن عندما تدخل للتطبيق الواسع بين البشر فقد ينشأ من جراء ذلك أخطار
ومشاكل تحتاج إلى توجيه أو تقنين ، ومثال ذلك اكتشاف أسرار الانشطار
النووي والطاقة الذرية ، كان في البداية كشفاً علمياً عن أسرار الذرة
وطاقات الكون الكامنة التي تقدم للبشرية خيراً كثيراً من خلال
الاستفادة من الطاقة المتولدة عنها ، ولكن عندما دخل استخدامها إلى
أسلحة الدمار الشامل كان لا بد من تدخل المشرع ليدلي بدلوه في هذا
الاتجاه الذي ينشر الفساد والدمار في الأرض .
فلا حجر ولا زجر على الأبحاث العلمية التي تكشف أسرار الكون ما دامت
محدودة في المعامل ، ولكن عندما تدخل إلى حيز التطبيق فلا بد من تدخل
المشرع لتقنيتها ووضع القواعد والضوابط والضمانات الشرعية لها .
أولاً : خلق الجنين
عندما كان العقل لا يملك من وسائل التقنية ما يمكنه من معرفة أسرار
تكون الجنين من البداية ، وضع نظريات عن نشأة الجنين كالآتي :
1- الجنين من لا شيء عن طريق التولد الذاتي بالصدفة.
2- الجنين ينشأ من بذور تخرج من الرجل وتحمل صورة مصغرة وكاملة للطفل
وما الزوجة إلا مكان ينمو فيه (بمعنى يزداد في الحجم)
3- الجنين ينشأ من الأم وما السائل الذكري إلا خميرة تعمل كعامل مساعد
فقط .
وعندما أُكتشف المجهر وتطورت وسائل التقنية عرف العلماء أن النظريات
السابقة لتكون الجنين لا أساس لها من الصحة ، وفي القرن التاسع عشر وما
بعده عُرفت الأطوار الحقيقية للجنين كما يأتي :
أ- يبدأ تكون الجنين باتحاد النطفة المذكرة ( الحيوان المنوي )وهو
يحمل نصف صفات الجنين مع النطفة المؤنثة ( البويضة ) وهي تحمل النصف
الآخر للصفات وينشأ عن هذا الاتحاد نطفة أمشاج وهي الخلية الأولى التي
تحتوي على صفات الجنين كلها وتسمى ( الزيجوت ) .
ومن هذه الخلية الأمشاج يتكون الجنين مرحلة من بعد مرحلة بتوالي
الانقسامات لتكوين أعداد متزايدة من الخلايا المتشابهة في طور حر
الحركة يتجه نحو تجويف الرحم وعند ذلك يكتسب خاصية العلوق وهنا يبدأ
الطور التالي :
ب- طور العلقة :
وفيها يتعلق الجنين بالرحم وتبدأ عملية تمايزه إلى طبقات ثلاثة مسطحة
ليبدأ بعده طور المضغة .
ج- طور المضغة :وفي
هذا الطور تظهر على الجنين مرتفعات ومنخفضات فيشبه بذلك قطعة اللحم أو
اللبان الممضوغ وهو ما يسمى طور الأجسام البدنية والتي تتمايز إلى عظام
وعضلات وغير ذلك .
د- طور ظهور الهيكل العظمي وكساءه بالعضلات :
في هذا الطور يبدأ ظهور العظام والعضلات من منطقتين متجاورتين بعدها
تكسوا العضلات هيكلها العظمي وبعد انقضاء 120 يوم يظهر الشكل الآدمي
لوجه الطفل .
· وكان الكشف العلمي الحديث لمراحل الجنين الحقيقية أحد الأدلة على
صدق القرآن الكريم وإعجازه وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم وعالمية
الإسلام .
فقد لخص القرآن الكريم في إعجاز علمي باهر مراحل الجنين من النطفة إلى
الخلق الآخر في آية واحدة كما يأتي :
يقول الحق في سورة المؤمنون
)ثم
خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا
العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين
(وتشير
هذه الآية في إعجاز إلى الحقائق التالية
1- الجنين لا يكون كامل من البداية بل يبدأ بمرحلة بسيطة تزداد في
التعقيد مرحله بعد مرحلة وطور بعد طور .
2- الطور الأول بعد النطفة يشبه العلقة لأنه شكلاً مثل دودة العلق
الطبي ولأنه اكتسب خاصية التعلق بعد أن كان قطرة حرة الحركة .
3- الطور التالي يشبه قطعة اللحم الممضوغ لظهور تغضنات عليه في بداية
التمايز الجنيني .
4- تظهر بدايات العظام واللحم ويتحدد للهيكل العظمي هيئته البنائية .
5- يتم كساء الهيكل باللحم ( العضلات ) .
6- يتشكل في النهاية الشكل الآدمي المميز .
ولأن هذه الحقائق لم تكن معروفة حتى بعد نزول القرآن بأكثر من ألف عام
فإن وجودها في القرآن يعتبر دليلاً يقينياً وعالمياً على صدق الرسالة
وصدق الرسول وهذا ما دفع أحد أكبر علماء الأجنة في العالم بالقول "
أشهد أن هذا الكلام (عن الأجنة ) الذي ذكره القرآن لابد وأن يكون قد
نزل على محمد من عند الله " وكان ذلك في التليفزيون الكندي وعندما وجه
إليه السؤال التالي : لماذا تقول ذلك ؟
فأجاب : لأن هذه المعلومات عن مراحل الجنين لم يعرفها العلماء إلا بعد
أكثر من ألف عام من نزول القرآن فلابد وأن تكون هذه المعلومات من عند
الله .
وكان هذا العالم الجليل هو أ . د/ كث المور
وهو من أكبر علماء الأجنة في العالم
ولم يقتصر تفكير العلماء على معرفة خطوات الجنين ومراحله ، بل لاحظوا
ظاهرة محيرة هي :كيف أمكن للخلية الواحدة أن تعطي خلايا مختلفة
متميزة ؟
وبمعنى آخر : متى وكيف يحدث التمايز الخلوي ؟
وكان العلماء يعلمون أن مرحلة النطفة الأمشاج لها بداية ونهاية .
أما البداية:فهي
خلية واحدة تسمى الزيجوت .
وأما النهاية
:فهي
مجموعة من الخلايا المتشابهة تماماً نشأت من انقسامات متتالية للخلية
الأولى وكان العلماء أيضاً يعلمون أن المرحلة التالية هي مرحلة العلقة،
وفيها يبدأ التمايز الخلوي بظهور خلايا متخصصة في طبقات ثلاثة.
الخارجة ، والوسطى، والداخلية، وهي مسطحات من الخلايا لا نجد فيها
عوجاً ولا صدعاً، وبعدها يظهر في الجنين مزيداً من التمايز الخلوي
بظهور الأجسام البدنية في طور المضغة والتي تتمايز بعد ذلك إلى العظام
والعضلات وغيرها ويتم التمايز حتى ينشأ الجنين في أحسن تقويم وهنا ظهرت
أسئلة محيرة :
كيف تحولت خلايا النطفة المتشابهة إلى ثلاثة أنواع من الخلايا
المتمايزة في كائن العلقة ؟
وكيف تمايزت العلقة ذات الثلاثة طبقات وذات الأسطح المستوية إلى كائن
متغضن عليه نتوءات وثنيات ويحفه على الجانبين عقد من البروزات المحددة
في كائن المضغة ؟
ثم من الذي حول تلك البروزات إلى عظام وعضلات ؟
وبمعنى آخر: من أين جاء ذلك التمايز والأصل خلية واحدة متجانسة ؟
فيكون الجواب المنطقي :
لا بد وأن تكون هناك أوامر تصدر للخلية لكي تتمايز ، فيكون السؤال
التالي :
من أين تأتي هذه الأوامر ؟
والجواب العلمي على ذلك : إنه لا يوجد إلا ثلاث طرق محتملة تأتي منها
تلك الأوامر هي :
1- من نواة الخلية .
2-
من المادة حول النواة .
3-
من خارج الخلية .
وقبل أن ندلي بدلونا ونقدم اجتهادنا في هذا المجال هيا بنا في جولة
علمية رائعة مع أسرار التمايز الخلوي .
أولاً : أبحاث على النواة :
تمكن د . جوردون ، د . لاسكي من إكسفورد من تنشئة ضفدعة بالغة عادية
قادرة على التكاثر من بيضة غير مخصبة تحوي نواة خلية معوية متميزة
ليرقة ضفدع وكان ذلك في الخمسينات ، وحديثاً قام بهذه التجارب د .
مورون ومعاونوه في إنجلترا مؤكداً ما سبق ، وأن أي خلية حتى التي
تمايزت تحتوي على كل الجينوم أو كل الصفات ولكن بعضها كامن والآخر عامل
.
ثانياً : أبحاث على السيتوبلازم:
وجد العلماء هذه الظواهر الهامة :
1 - عند إزالة النواة
من بيضة المنشطة فإن البويضة الخالية من النواة تتفلج (تنقسم) بصورة
عادية ويقف التفلج عند بدأ مرحلة التبطين
GASTRLATION وهنا
لابد من تدخل النواة بمعلومات وأوامر لاستكمال مشروع الجنين الكامل .
2- تجربة الهلال السنجابي :
في بعض بويضات الحيوانات الدنيا يظهر في السيتوبلازم هلال سنجابي بعد
التلقيح ، فلو قمنا بفصل البيضة الملقحة فصلاً غير تام ، بحيث تبقى
النواة في قطب ويبقى الهلال السنجابي في القطب الآخر ، ثم بعد عدة
انقسامات من النواة سمحنا لنواة واحدة بالمرور إلى القسم الذي فيه
الهلال السنجابي فإن القسم الذي فيه الهلال السنجابي يتكون منه جنين
كامل والقسم الآخر الخالي من الهلال السنجابي لا يتكون منه جنين .
ثالثاً : التعويض:
من الملاحظ أن الحيوانات الدنيا تستطيع تعويض ما يفقد منها من أجزاء
الجسم المختلفة بل إن بعض الحيوانات العليا تستطيع ذلك وفي الحقيقة أن
عملية التعويض على المستوى الخلوي أمر شائع في الحياة وحتى في الإنسان
يمكن تعويض كثيراً من الخلايا كبطانة الجسم وخلايا الكبد وغير ذلك .
ويكون السؤال الأول في هذا المجال هو ، كيف تتم عملية التعويض ؟
الجواب : يوجد طريقتان لذلك هما :
1- طريقة انقسام الخلايا المجاورة للمنطقة المفقودة وانتشارها لتغطي
المنطقة المفقودة وهو أمر يحدث عند تعويض قطعة من الكبد أو الجلد مثلاً
.
2-
تكوين كتلة لها سمك من الخلايا غير متمايزة تسمى بلاستيما (Blastema)
والتي
تتمايز وتتحرك فراغياً لتكوين المفقود وهي مشهورة في حالة تعويض ذيل
أو رجل مثلاً في بعض الحيوانات الدنيا
فيكون السؤال التالي : من أين جاءت هذه البلاستيما ؟
الإجابة ربما جاءت من خلايا حافة الجزء المقطوع أو من أنواع خاصة من
الخلايا الاحتياطية والتي تعتبر (كامنة) في الظروف العادية وتتحرك
مهاجرة عند الضرورة لتذهب للمكان الذي حدث فيه القطع حيث تتراكم
وتتمايز في الفراغ ، وتسمى هذه الخلايا ((Neoblastأو(Interstitial)
ويسمى التعويض بواسطة البلاستيما (Epimorphosis)
.
هذا في الظاهر ولكن على المستوى الخلوي كيف تتم عملية التعويض ؟
وفي بداية البحث في هذه القضية سأل العلماء هذا السؤال : هل عملية
التعويض نتيجة لأمر عام من الجسم أم أمر محلي في مكان القسم المفقود ؟
ولأجل كشف السر عن هذه المشكلة قام العلماء ببتر طرف من أطراف حيوان
معين ثم قاموا بتعريض كل جسم الحيوان قيد التجربة للأشاعات المتأينة
وشمل التعريض المنطقة المبتورة ، وراقبوا عملية التعويض فلم تحدث .
فقاموا في تجربة ثانية بتعريض منطقة البتر فقط فلم تحدث عملية التعويض
أيضاً وفي تجربة ثالثة عرضوا الجسم ولم يعرضوا منطقة البتر فحدث
التعويض ، مما يوحي بأن جهاز التعويض أو خلاياه العاملة موجودة في
منطقة البتر أو القطع .
ولكن بقيت مشكلة هامة وهي نوعية الخلايا المستخدمة في التعويض ، هل هي
من الأنواع المحلية المتمايزة والتي تقع على حافة القطع كالعضلات
والعظام ، أم هي من خلايا أخرى كامنة غير متمايزة ؟
وللإجابة العلمية عن هذه المعضلة كانت هذه التجربة الرائعة والتي
أجراها العلماء على حيوان بر مائي يشبه السحالي اسمه ( سَمنَدَل الماء
) وأجريت التجربة على إحدى أطراف السمندل كما يأتي:
بعد قطع جزء معين من طرف الحيوان :
1-
قطع العلماء عظام الجزء الباقي ( غير المقطوع ) وعندما تمت عملية
التعويض بنمو جزء بديل عن المقطوع لاحظ العلماء أن الجزء الذي نما
حديثاً كاملاً حتى بعظامه بينما الجزء الموجود والملتصق بجسم الحيوان
لم تنمو فيه العظام التي أزيلت وبقي خالياً من العظام فمن أين جاءت
عظام الجزء النامي مع أنه ينمو من منطقة ما زالت بلا عظام ؟
يقول العلماء لا يوجد إلا طريقين لما حدث:
1- إن الأنسجة الغير عظيمة ( العضلات مثلاً ) تفقد تمايزها ثم تتمايز
مرة أخرى إلى عظام مثلاً لتعوض ما فقد .
إن هناك خلايا كامنة غير متمايزة تنشط وتتمايز تحت هذه الظروف .
ولكن كيف يرجح العلماء هذا الطريق أو ذلك ؟
هذا ما سوف نراه في الأبحاث التالية:
استخدم العلماء وسائل ضرب النسيج الحي بجرعة مُشعة غير قاتلة للحياة
وإن كانت معطلة لقدرة التعويض وقاموا بعد ذلك باستئصال أنسجة وزرع أخرى
غير مشعة (سليمة) وراقبوا عملية النمو للتعويض ، وإذا بالمفاجأة
المذهلة :
كثيراً من الأنسجة المزروعة في الطرف المبتور كقطعة عظم أو قطعة غضروف
أو جلد سرعان ما فقدت تمايزها لتعود وتعطي أنسجة أخرى (غيرها) متعددة
التمايز وتسمى هذه العملية
(de /deffrentlation)أو
تسمى (re
/deffrentiation)
.
وأيضاً وجد العلماء أن هناك داخل العضلات المتمايزة توجد خلايا بدائية
تسمى (MUSCLE-
SATELLITE) يمكنها
عند الضرورة أن تتمايز إلى خلايا عضلية عاملة .
وتشير هذه الظاهرة إلى : أن التمايز في السيتوبلازم عكوسي بمعنى أنه
قابل للنقض أي أنه ليس صفة ثابتة واصليه وهي ظاهرة تخص الحيوانات
الدنيا ، أما الحيوانات العليا فلم تُشاهد هذه الظاهرة فيها الا في
حالات نادرة وفي أماكن ضيقة كسلامية إصبع اليد .
ربعاً : مزج الأجنة:
من الممكن دمج جنينين من الثدييات معاً ليكون جنيناً عملاقاً ينمو
بصورة عادية ، وحديثاً تمت تربية الفئران من ثلاث أجنة مدمجة تمثل ستة
آباء !
وتشير هذه الظاهرة إلى : أنه في المراحل الأولى للجنين لا يوجد تمايز
للنواة أو لما حولها وإنما يظهر التمايز بعد فترة .
خامساً : ولادة التوائم :
المقصود هنا التوائم ذات المشيمة الواحدة التي تنشأ من انقسام في
الكتلة الداخلية بعد التعليق بجدار الرحم أي في طور العلقة .
وهذا يعني أن خلايا الكتلة الداخلية للعلقه لو انقسمت إلى عدة أقسام
فإنها يمكن أن تعطي عدة أجنة لها مشيمة واحدة ، وهذه ظاهرة ملحوظة في
الثدييات والإنسان ، وتشير هذه الظاهرة إلى أن التمايز يبدأ حول مرحلة
العلقة في الثدييات والإنسان .
بعد هذه الجولة العلمية الراقية يمكن أن نخلص إلى ما يأتي :
1- إن السيتوبلازم يمكن أن ينقسم في المراحل المبكرة حتى بدون النواة
2- إن النواة لازمة لتكملة إنشاء الجنين
3- إن النواة المتمايزة تحتفظ بكل الجينوم (الصفات) التي تتمتع به
النطفة الأمشاج أو الخلية الأولى (الزيجوت) بمعنى أن تمايزها يمكن أن
يتوقف لتعود إلى مرحلة ما قبل التمايز .
4- إن السيتوبلازم المتمايز يمكن أن يعود إلى مرحلة ما قبل التمايز
(التعويض) .
5- في الثدييات والإنسان يتأخر تمايز النواة وما حولها إلى مرحلة حول
مرحلة العلوق ، أي في نهاية مرحلة النطفة .
وهنا نعود إلى الأسئلة السابقة :
هل أوامر النواة هي المسئولة عن التمايز الخلوي من البداية ؟ أم هو
السيتوبلازم ؟ أم هو أمر قادم من خارج الخلية ؟
مستحيل أن يكون أمراً قادماً من خارج الخلية لأن الأمر القادم من
الخارج يؤثر في كل الخلايا بنفس الدرجة لأن كل الخلايا متشابهة في
الصفات والظروف والأحوال .
وغير جائز أن يكون الأمر المبكر صادراً عن النواة لأن النواة إذا أصدرت
أمر التمايز فإنها إما تصدره لغيرها أو لنفسها استحالة أن تصدر الأمر
لغيرها ؛ لأن أمر كل نواة ينتهي في السيتوبلازم الخاص بها وغير جائز أن
تصدره لنفسها فكيف تأمر النواة نفسها إن توقف بعضها وكل الصفات في
نواتها ممكنة بنفس الدرجة ، بمعنى لا ترجيح لصفة على صفة بالإضافة إلى
أن الوسط الذي يحيط بالنواة لا تمايز فيه في ذلك الوقت ، ولو كان الأمر
متأصلاً في النواة من البداية ما عادت لكامل تشكيلها الجيني الأول عند
تهيئة الوسط الأولى لها ، فهي محتفظة بحياة كل الجينوم من البداية إلى
النهاية .
فلا يبقى إلا أن يكون الأمر قادماً من المنطقة حول النواة
(السيتوبلازم، والقشرة) ولكن عندما قام العلماء بشفط نسبة كبيرة من
السيتوبلازم لم يؤثر ذلك على كفاءة الانقسام ، إذن لم يبقى إلا منطقة
القشرة حول السيتوبلازم .
ولقد شاهد العلماء أدلة تؤكد ذلك ، وذلك لأن في قشرة البويضات
اللافقارية مناطق مختلفة هي المسئولة عن تمايز الجهة المقابلة لها من
النواة ، بمعنى أن هذه البويضات (الزيجوت) عندما تنقسم فإن كل قسم من
القشرة يحوي عاملاً مختلفاً عن القسم الآخر فتتمايز النواة تبعاً لذلك
.
ووجد العلماء أيضاً أن التمايز في القشرة يبدأ مبكراً بعد الإخصاب
مباشرة بحيث أن أي انقسام يتم بعد الإخصاب يتخلف عنه فلجات (الخلايا)
تشكل كل فلجة من البداية جزء من كل وأي فقد لأي خلية مبكراً يؤدي إلى
فقد قسم من مشروع الجنين ينقص قسم من بنائه .
وأوحت هذه الأبحاث بأن عامل التحديد في السيتوبلازم أو في القشرة عامل
أصيل ونهائي بمعنى أنه غير عكوسي (ثابت) ولكن ملاحظات لظواهر علمية
نقضت هذا الاعتقاد ، وكان من هذه الظواهر التعويض وقد رأينا فيه نقض
التمايز بعودة السيتوبلازم المتمايز إلى حالته الأولى الغير متمايزة
وأيضاً مزج الأجنة المختلفة والذي نتج عنه جنين واحد وكل ذلك يزيح دور
السيتوبلازم وقشرته عن موقع القيادة ، هذا بالنسبة للحيوانات الدنيا ،
أما بالنسبة للثدييات وخصوصاً الإنسان
فالقضية مختلفة إلى حد بعيد كما يأتي :
في مراحل الجنين الأول وحتى طور العلقة أو ما قبلها بقليل كل الخلايا
بنواتها وما حول النواة لا تمايز فيها بحيث يمكن لأي خلية أو أي قسم من
المجموع أن يعطي كائن كامل لا نقص فيه ، وإن فقد خلية أو مجموعة من
الخلايا في هذه المرحلة لا يخل أو ينقص من تركيب الكائن النهائي .
وكان من الأدلة على ذلك في الإنسان ولادة التوائم المتعددة التي تزداد
على الستة والذين يشتركون في مشيمة واحدة وفي هذا دليل على أن كتلة
الخلايا قد تقسمت بعد عملية العلوق أي في بداية الدخول إلى طور العلقة
وهذا يعني أن الخلايا حتى نهاية مرحلة النطفة وبداية مرحلة التعلق ما
زالت غير متمايزة أي أن كل مجموعة من الخلايا يمكن أن تعطي إنساناً
كاملاً لا نقص فيه .
إذن كيف حدث التمايز بعد ذلك ؟
أو كيف تنشأ من هذه الخلايا الغير متمايزة خلايا متمايزة ؟
وقد بينت الظواهر العلمية التي سبق أن ناقشناها ما يأتي :
1- التميز ليس أمراً من النواة ، لأن النواة فيها كل الجينوم من
البداية ولا ترجيح فيه لصفة على صفة حتى مرحلة ما قبل العلوق (في
الثدييات والإنسان) وبعدها يأتي الأمر للنواة بالتمايز ، بأن تبقى بعض
الجينات نشطة وتكمن الأخرى .
2-
التمايز ليس أمراً أصيلاً في السيتوبلازم من البداية لأن السيتوبلازم
من البداية حتى نهاية النطفة غير متمايز (في الثدييات والإنسان) ويحتاج
إلى أمر يُحدث له التمايز.
|
صورة حقيقية للنطفة وهي
تخترق البيضة لتلقيحها |
3-
إذن لا مفّر من الإقرار بحتمية خلق أحداث لم تكن موجودة في منطقة
النواة وما حولها ، وهذا الخلق يبدأ مع مرحلة العلق وفيها .
وبينما يصل العلم الحديث بأدق تقنية إلى هذه الحقيقة نسمع صوت القرآن
الهادي يرتل
)ولقد
خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا
النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام
لحما ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين(.
يا الله إني عاجز عن أن أوفي إعجاز كتابك حقه وكيف لي ذلك وأنا الفقير
بذاتي لا فضل لي إلا بك ولا علم لي إلا ما علمت . هذه الآيات والتي
استخدم فيها الحق سبحانه الفعل (جعل) مع النطفة والفعل (خلق) مع كل
الأطوار بدءاً من العلقة لهي إشارة علمية معجزة إلى عملية التمايز ،
بأنها تبدأ بعد النطفة ومن مرحلة العلقة وهو تمايز لا يتم دفعة واحدة
بل على دفعات متتالية تأخذ بعضها بأعناق بعض .
ولكن كيف يتم استنباط ذلك من الآيات ؟
هذا ما ستعرفه بعد جولة مع أسرار الفعل (جعل) وأسرار الفعل (خلق) .
يقول أ . د / علي اليمني دردير في
كتابه الرائع : أسرار الترادف في القرآن .
ويختلف التعبير بلفظي (خلق) و (جعل) في لغة القرآن في الآية الواحدة
كما في قوله تعالى :
)الحمد
لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور).
فالفعل (خلق) يدل في اللغة
على الإيجاد بعد العدم ، والتقدير والإبداع على غير مثال مسبوق ، ولهذا
فهو يباشر مفعوله دفعة واحدة .
أما (جعل) فيفيد التضمين
والتصيير والتحويل والانتقال ولهذا فهو فعل يباشر مفعوله حالاً بعد حال
فيتعدد فيه المفعول وتتدرج فيه الأطوار .
ولما كان الشأن في خلق السموات والأرض إيجاداً بعد عدم وإبداعاً على
غير مثال عبر عنه بالفعل (خلق) ليدل على أن ذلك مرحلة في
الإنشاء قائمة بذاتها ولما كان الشأن في الظلمات والنور أن تأتي تابعة
لغيرها مترتبة عليه مسبوقة به وأن الإيجاد فيها إيجاد تحول وانتقال
وليس إنشاءً وإبداعاً ، عبر عنه بالفعل (جعل) ليدل على أنه
مرحلة في الظهور لاحقة لمرحلة في الخلق سابقة وطور في الوجود يتجدد
ويتكرر حالاً بعد حال.
وقد ذكر الإمام / عبد العزيز يحيى الكناني المكي في كتابه القيم
(الحيدة) أن (جعل) الذي هو على معنى التصيير موجود في القرآن
الموصول الذي لا يدري المخاطب به
حتى يصل الكلمة بكلمة بعدها فيعلم ما أراد بها ، وإن تركها مفصولة لم
يصلها بغيرها من كلام لم يفهم السامع لها ما يعني بها ، ولم يقف على ما
أراد بها ، وضرب لذلك أمثلة منها :
)يا
داود إنا جعلناك خليفة في الأرض
(فلو
قال : ( إنا جعلناك ) ولم
يصلها بخليفة في الأرض ، لم يعقل داود ما خاطبه به عز وجل ، لأنه خاطبه
وهو مخلوق فلما وصلها بخليفة ، عقل داود ما أراد بخطابه .
|
الشكل التالي يوضح الجنين
في بطن أمه |
وكذلك حين قال لأم موسى : )وجاعلوه
من المرسلين
(فلو
لم يصل (جاعلوه) ب
(المرسلين) لم تعقل أم موسى ما عنى
الله عز وجل بقوله وجاعلوه إذا كان خلق " موسى " متقدماً لرده إليها ،
فلما وصل جاعلوه بالمرسلين عقلت أم موسى ما أراد الله عز وجل بخطابها .
وبعد هذه الجولة العلمية نقول أن (جعل) في الآية
)ثم
جعلناه نطفة في قرار مكين
( بمعنى
صيرناه أي تحول من صلب الذكر إلى رحم المرأة ، وهذا ما قاله الطبري ،
وجاء في تفسير روح المعاني للألوسي : فهنا (جعل) بمعنى تحول أو
نقل من مكان إلى مكان إنها عملية نقل أو تحويل فحسب ، أما الفعل (خلق)
فهو يدل على الإيجاد بعد العدم والتقدير والإبداع على غير مثال مسبوق .
ولأن الآية تصف مراحل جنين الإنسان بالذات فإن استخدام (جعل) مع
النطفة (وخلق) بعد مرحلة النطفة يعني أنه في مرحلة النطفة تبقى
الخلايا بلا تمايز حتى إذا انتهت مرحلة النطفة لتبدأ مرحلة العلقة خلق
الله أحداثاً لم تكن موجودة داخل الخلايا تدفعها للتمايز إلى علقة
فمضغة وهكذا مرحلة بعد مرحلة وخلقاً من بعد خلق .
وهذا ما تأكد تماماً كما بينا في قضية التمايز الجنيني فالتمايز يبدأ
مع العلقة وقدمنا الأدلة على ذلك . بل إن الفعل (جعل) المصاحب للنطفة
يعطي الضوء الأخضر للعقل في بحوثه في مجالات شتى ومنها التلقيح الصناعي
، وطفل الأنابيب .
فالتلقيح الصناعي مشابه للتلقيح العادي ، فكما أن التلقيح العادي عبارة
عن حقن السائل المنوي بواسطة آلة الذكر ، فإن التلقيح الصناعي يتم فيه
حقن سائل الأب بواسطة محقن خاص في رحم الزوجة ليلتقي بالبويضة مكوناً
نطفة أمشاج ، فكلا العمليتين استخدم فيها طريقة الحقن ، فليس في
العملية تحدي لقدرة الله أو إرادته ، فلا يكون إلا ما أراد الله وهو
سبحانه خالق كل شيء ، خالق العالم والعلم والمعلوم بل وخالق أدوات
العلم .
)والله
خلقكم وما تعملون
(
)خالق
كل شيء
(
)أفرأيتم
ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون
(.
والفعل (جعل) في الآية يسمح
بذلك ، فجعل بالنسبة للنطفة المذكرة هو فقط عملية نقل لها إلى الرحم ،
نقل مخلوق لله إلى مكان مخلوق لله معد لذلك . وسواء تم النقل بآلة
الذكر أو بآلة مصنوعة فهي داخلة تحت الفعل (جعل)
لا تتعداه.
أما طفل الأنابيب فهو عبارة عن عملية جمع تتم خارج الرحم في أنبوب مجهز
بسائل مناسب للحياة يتم فيه الجمع بين النطفة المذكرة المخلوقة لله مع
النطفة المؤنثة المخلوقة لله ، وحتى إذا التقى الحيوان المنوي بالبويضة
تكونت منهما النطفة الأمشاج التي تبدأ في الانقسام حتى مرحلة العلقة
وكل خلية تنشأ عن الانقسام هي تكرار للنطفة الأمشاج ، فهي نطفة أمشاج
من البداية وكل خلية تالية بعد ذلك هي أيضاً نطفة أمشاج ، وبعد تكون
النطفة الأمشاج داخل الأنبوب يقوم العلماء بحقن النطفة الأمشاج داخل
الرحم ولا بد أن تصل إلى الرحم مبكراً في مرحلة النطفة وإلا هلكت وفنيت
.
والآية
)ثم
جعلناه نطفة في قرار مكين
(تسمح
بذلك ، فالفعل (جعل) بمعنى
صير أو نقل (ونطفة) تشمل النطفة المذكرة، والمؤنثة، والنطفة
الأمشاج، ولأن النطفة الأمشاج هي الأصل لتكوين الجنين من البداية،
فالنطفة بجميع أشكالها ومراحلها تخضع للفعل (جعل) ولا مكان
لتلبيس إبليس هنا، وقد قلنا أن الحق قد أعطى الضوء الأخضر بالفعل (جعل)
بالنسبة للنطفة عموماً من النطفة المذكرة إلى النطفة الأمشاج .
وتدخل قضية الاستنساخ تحت مظلة الفعل (جعل) مرتبطاً بالنطفة
(الأمشاج) … كيف ؟ هذا ما سنعرفه بعد قليل .
قضية الاستنساخ
إن قضية الاستنساخ من القضايا الخطرة وخصوصاً في ميدان العقائد عندما
يدخل فيها تلبيس إبليس ، فهي قضية يطل منها وجه الشيطان القبيح ، وهذه
القضية تحتاج إلى إمعان فكر ، فهيا بنا نتابع أسرار هذه القضية وتلبيس
إبليس فيها .
1- عندما لاحظ العلماء أن خلايا الجنين بعد عدة انقسامات تبدأ في
التمايز ، فهذه تعطي جلد وتلك تعطي عظم … وهكذا ، وكان العلماء يعلمون
أن الخلايا الأولى تحتوي في أنويتها على كل صفات الكائن (كل الجينوم) .
وهنا سأل العلماء ماذا يحدث لبقية الصفات داخل النواة عندما تتمايز
الخلايا ؟
2- للإجابة عن هذا السؤال قام العلماء بنزع نواة خلية متمايزة (جلد
مثلاً) من حيوان أبوزنيبه ووضعوها بدلاً عن نواة بويضة ضفدع بالغة غير
مخصبة وتركوها تنمو فماذا وجدوا ؟
لقد وجدوا أمراً عجباً وجدوا أن هذه الخلطة أعطت أبوزنيبة كامل وكان
ذلك سنة 1952 ، وعندها عرف العلماء أن نواة الخلية المتميزة (جلد أو
عظم أو غير ذلك) تحوي في نواتها كل الصفات التي توجد في نواة النطفة
الأمشاج دون نقص أو خلل ، ولكن بعضها يكمن والبعض الآخر ينشط . ومن هذا
الوقت وجهد العلماء لم يتوقف في هذا المجال الذي انتهى بمولد النعجة
دللي .
فنواة أي خلية في الجسم (ما عدا الجنسية) تحتوي على كل الصفات
(الجينات) فهي نسخة مكررة للنطفة الأمشاج ، ولكن خلق أحداث في الخلية
في نهاية النطفة يجعل بعض الصفات تكمن وبعضها ينشط أو يستمر نشيطاً .
فإذا أخذنا نواة أي خلية متميزة ووضعناها في وسط سيتوبلازمي لنطفة
مؤنثة (أي بويضة غير ملقحة ومنزوعة النواة ) فإن المجموع سيشكل نطفة
أمشاج كالتي بدأ منها الجنين ، وتعود كل الصفات للنشاط والعمل كما لو
كانت (الزيجوت) الأول أو النطفة الأمشاج الأولى ، وبعدها تخلق أحداث
تميزها إلى علقة فمضغة فعظام… ألخ .
وباختصار العملية ما هي إلا وضع نطفة أمشاج مخلوقة لله وجاهزة مسبقاً
في رحم مجهز لذلك ليتم بعدها تخليق الجنين بإذن الله خلقاً من بعد خلق
، وكل أفعال العلماء -وهم عباد الله - تدور حول منطقة النطفة لا
تتعداها وكل أفعالهم ما هي إلا عملية تؤدي إلى تصيير نطفة أمشاج في رحم
مجهز لاستقبالها فهي عملية نقل أو تحويل لا خلق فيها وتدخل تحت مسمى
(الجعل) .
وهذه التجارب قد تمت في الحيوانات الدنيا وأخيراً في الثدييات ، وقد لا
تنجح في الإنسان لخصوصيته ولكن لو فرضنا جدلاً أنها ستنجح في
الإنسان ، فهل سيعتبر ذلك تدخلاً في الخلق؟
أقول :
لا ، بل تدخل أيضاً تحت مسمى الجعل الذي ذكره الله في الآية مرتبطاً
بمرحلة النطفة الأمشاج في الآية التي بدأت كما يأتي :
)ولقد
خلقنا الإنسان من سلالة من طين
(والسلالة
من طين هنا مقصود بها سلالة من آدم كما جاء في الطبري وغيره ، وبعدها
قال الحق : )ثم
جعلناه نطفة في قرار مكين
(فبملاحظة
(ثم) هنا وبملاحظة الفعل (جعل)
وربط ذلك بالنطفة الأمشاج يمكن أن نستنتج أن المقصود هنا هو أحوال
تخليق الجنين بعد آدم وأنه يبدأ بتصيير النطفة الأمشاج لتستقر في الرحم
المقدر لها مجرد نقل وتصيير وبعدها تُخلق أحداث لم تكن موجودة تحول
الخلية الواحدة أو الخلايا المتعددة المتشابهة تماماً إلى خلايا
متباينة في أنسجة مختلفة ومتداخلة في كائن غاية في الإبداع
)ثم
أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين
(.
ومن الإعجاز الباهر أن تأتي الآية في هذا التركيب :
)ثم
جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة
فخلقنا المضغة عظاما … (
وفيها ارتبط طور النطفة بالجعل وباقي
الأطوار بالخلق ، حتى إذا جاء العلماء في آخر الزمان وجهزوا في المعامل
نطفة أمشاج من أجزاء حية مخلوقة لله ثم نقلوها إلى رحم قابل لها فإن
ذلك لا يعتبر تدخل في الخلق بل هي خطوة يسمح بها الفعل (جعل)
.
وفي الحقيقة فإن الله خالق الصانع والصنعة والمصنوع
)خالق
كل شيء ( )والله
خلقكم وما تعملون (
.
ولكن أليس في هذه التجربة فتنة للعامة ؟
أقول : نعم ، ولا ، كيف ؟
نعم:
لأن إبليس وأعوانه من الملاحدة سيصيحون ها هو الإنسان قد بدأ الخطوات
الأولى لخلق الجنين ، أو يقولون : أن الإنسان تدخل في شأن من شئون الله
أو ملائكة الله كما تقول الأديان ، وهم بذلك يريدون أن يلبسون الحق
بالباطل لتهتز عقائد المؤمنين .
ولا:
لأن المؤمن المتمسك بكتاب الله الحق وبمعجزته الخالدة المحفوظة القرآن
وبسنة المصطفى سيجد فيهما ما يحصنه ضد الشكوك ويقيه من الزيغ أعاذنا
الله منه .
وكما بينا بطريقة علمية أن الأبحاث كانت في حدود لا يمكن أن تسمى (خلق)
بل هي عملية (جعل) وأن العلماء لم يخلقوا شيئاً بل استخدموا
مخلوقات لله جاهزة )أفرأيتم
ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون
(وتحت
كل الظروف فالكتاب والسنة قد حسما هذه القضايا وما يجد فيها بأن الله
سبحانه خالق الصانع والصنعة والمصنوع ، وأن كل أفعال العباد مخلوقة له
سبحانه وتعالى . )خالق
كل شيء (ومع
أن التزاوج بين الذكر والأنثى مقدمة لتخليق الجنين بإذن الله فإن قضية
التزاوج قضية لها شخصيتها المستقلة ، فقد يحدث تزاوج لا يؤدي إلى تخليق
جنين وقد يحدث تكوين جنين بلا تزاوج (وهو شيء معروف في علم الحيوان
ويسمى بالتكاثر العزري ) .
فقضية التزاوج أو الزوجية تشير إلى آية تجعل العقل المؤمن
يتسائل :
من الذي قدر للزوج زوج يسكن إليه لتكون بينهما مودة ورحمة ؟ ومن الذي
قدر في أحدهما نطفة مذكرة فيها نصف عدد الصفات وفي الآخرى المؤنثة
النصف الآخر ؟ ومن الذي جمع بينهما في لقاء فيه مودة وعلاقة ممتدة
فيها رحمة ؟ .
فالزوجية آية ، وتخليق الجنين آية أخرى والربط بين الآيتين آية ثالثة ،
لأن فيهم معنى الامتداد (الأبناء من الأصلاب ) وبأمشاجها تقوى وتتباين
الصفات (صفات الأم وصفات الأب) .
وما يسمح الله من بحوث علمية يترتب عليها أحداث من خلق الله أو ظواهر
في الخلق تخرق العادة إلا لحكمة ، كما أشار القرآن إلى خلق آدم بلا أم
ولا أب وخلق حواء من آدم بلا أم ، وخلق عيسى بلا أب ، وكما أظهر
سبحانه لصاحب الحمار العظام المبعثرة وهي تنشز ثم يكسوها اللحم من
العدم لتدب الحياة في الحمار بلا مقدمات بلا تزاوج أو أجنة ، وكما شهد
إبراهيم عليه السلام الطير المقطع وقد اتصلت أجزائه ودبت فيه الحياة
بإذن ربه .
وكذلك لا يحدث شيء بمشيئة الله إلا ويحمل آية ، فهل في الاستنساخ
آية ودلالة تعود إلى العقل بمعاني إيمانية ؟ أقول : نعم ، كيف
؟ .
1- أظهر الاستنساخ أن كل خلية متمايزة فيها كل صفات الكائن ، فمثلاً
خلية الجلد فيها صفات الجلد واللحم والعظم والعصب والدم وغير ذلك ، فمن
خلق فيها التخصص ، ومن رجح صفة بعينها من بين إمكان كل الصفات بنفس
الدرجة ؟
2-
أظهر الاستنساخ معجزة الذكر والأنثى ، فإذا كانت الخلية الأولى كما
يقول رجال التطور فيها صفات الذكورة أو الأنوثة مثلاً فكان من المنطق
أن تستمر هذه الصفة الواحدة إلى ما لا نهاية فمن الذي خلق الجنس
الآخر ؟ وإذا كانت الخلية الأولى لا تحمل أي جنس فمن الذي خلق الذكر
والأنثى من لا شيء ؟
3-
بين الاستنساخ أنه يمكن أن يخرج من جلد الإنسان مثلاً (برعم) ينمو منه
نسخة مثله تماماً فيها كل صفاته (وهناك بعض الكائنات تتكاثر بهذه
الطريقة) ، فماذا سيحدث لو كان التكاثر في الإنسان بهذه الطريقة من
البداية ؟ .
حتماً كان ذلك سيؤدي إلى خروج نماذج متشابهة تماماً لنسخة واحدة لجنس
واحد ولأدى ذلك إلى خلق بلا معنى بلا هدف بل وبلا وعي في ذلك الكائن
المكلف ولكن خلق الزوج المقابل في الإنسان وجعلهما يتزاوجان نتج عنه
نماذج مختلفة وألوان شتى شعوباً وقبائل ، فظهر الوعي والمعاني والأهداف
وأصبح لذلك المخلوق المكلف قيمة راقية ، فمن الذي قدر كل ذلك ؟ ومن
الذي خلق ؟
4- النسخ بين إمكان خروج إنسان من غير أب بمعنى أن ذلك من الممكنات
العقلية ، فأبطل بذلك إدعاء من قال بتأليه عيسى لأنه خلق من غير أب .
5-
النسخ قدم دعماً عقلياً للحديث الصحيح الذي أشار إلى أن كل إنسان
سيبلى بعد تحلله إلا جزء صغير من عظامه يسمى ( عجب الذنب ) وهو يشبه
ذرة من خردل (حجم خلية واحدة) سيخرج منها نسخة طبق الأصل من الإنسان
ولأن الخلية المذكورة في الحديث الصحيح خلية عظم متمايزة ، بمعنى أنها
تحمل صفة جزء من كل ، فكيف يمكن أن يخرج منها كل الإنسان ؟ وعندما
أثبتت أبحاث الاستنساخ أن كل خلية في الجسم حتى خلية العظام تحمل في
نواتها كل الصفات اللازمة لإنشاء إنسان كامل قدمت بذلك دلالة علمية
ودعماً يدل على صدق الرسول .
وأخيراً فإن ما تناولت في هذا البحث هو القسم الخاص بالعقيدة في قضية
الاستنساخ ، أما القسم المتعلق بالشريعة (الحلال والحرام) فهو مجال
علماء الشرع وهو الجانب الآخر من جوانب القضية .
ولا حول ولا قوة إلا بالله والحمد لله رب العالمين .
خلاصة قضية الاستنساخ
قد لاحظ العلماء منذ عهد قريب حقيقة بيولوجية هي : أن الجنين يبدأ
بخلية واحدة تسمى خلية الزيجوت أو النطفة الأمشاج ، ومعنى نطفة قليل من
سائل أو قطرة حرة الحركة ، ومعنى أمشاج أخلاط فيكون معنى (النطفة
الأمشاج) هو شيء سيال حر الحركة مكون من أخلاط وهذه الأخلاط هي محتويات
الحيوان المنوي + محتويات البويضة وهذا هو الزيجوت الأول أو الخلية
الأولى التي تنقسم داخل أنبوب الرحم فتصبح مجموعة من الخلايا المتشابهة
تماماً على هيئة كرات صغيرة متجمعة كل كرة عبارة عن خلية فيها كل صفات
الخلية الأولى (الزيجوت) بمعنى أن كل خلية يمكن اعتبارها تكرار أو نسخة
مكررة من الزيجوت أو الخلية الأمشاج الأولى وفيها كل صفات الكائن ،
بمعنى أنها لو فصلت من المجموع لأعطت كائن كامل لا نقص فيه ، وبعد أيام
تكون قد وصلت إلى تجويف الرحم وعند ذلك تكتسب خاصية العلوق فتتعلق
بجدار الرحم ثم تنمو منه في طور يشبه دودة العلق ومن هذه المرحلة يبدأ
تمايزها فتظهر عليها أولاً تغضنات مرتفعات ومنخفضات فتشبه قطعة اللحم
الممضوغ ويتوالي تمايز الخلايا فتظهر خلايا العظام والعضلات وغيرها من
الخلايا المختلفة وقد وصف القرآن ذلك في إعجاز مبهر وقبل أن يعرف
العلماء تلك الأسرار بأكثر من ألف عام يقول سبحانه
)ولقد
خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا
النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام
لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين
(وكان
هذا الوصف العلمي لمراحل الجنين دليلاً علمياً عالمياً على صدق الرسالة
وصدق الرسول وعالمية الدعوة .
وقصة الجنين تنتهي بتمايز الخلايا إلى خلايا جلد وخلايا عظام وعضلات
وخلايا مخ ودم وغير ذلك ، وتبدو كل خلية لها صفة محدودة تحكمها وكأنها
أخذت من الصفات الكلية الجزء الخاص بها فقط .
ولكن المفاجأة البيولوجية الحديثة أن العلماء اكتشفوا أن كل خلية
متمايزة (متخصصة) تحمل في نواتها كل صفات الكائن الحي بمعنى أن خلية
الجلد أو العظام مثلاً فيها صفات الجلد والعظم والمخ والدم وكل شيء
بحيث تحمل كل خلية كل صفات الكائن الذي تنتمي إليه من البداية إلى
النهاية ، ولكن بعض الصفات في حالة كمون والأخرى في حالة نشاط ، وبمعنى
آخر أن نواة كل خلية متخصصة هي نسخة مكررة لنواة النطفة الأمشاج أو
الزيجوت بمعنى أن الصفات داخل خلية العظام مثلاً صورة طبق الأصل للصفات
داخل النطفة الأمشاج الأولى (الزيجوت) وينطبق ذلك على كل خلية متخصصة
ما عدا الجنسية.
وهنا سأل العلماء هذا السؤال :
ماذا لو هيئنا لهذه الأنوية الناضجة أو المتخصصة ظروف تشبه ظروف
الزيجوت أو النطفة الأمشاج الأولى وذلك بوضع نواة خلية جلد مثلاً بدلاً
من نواة بويضة من نفس النوع وتهيئة الظروف والأحوال لحياتها؟
وكانت المفاجأة أن هذه الخلطة أو هذا (المشج) نتج عنه خلية مطابقة
تماماً لخلية (الزيجوت) أو للنطفة الأمشاج التي بدأ منها تخليق الجنين
وعندما نقلت إلى الرحم قبل مرحلة العلقة تعلقت به وتتابعت بعدها أطوار
الجنين من علقة إلى مضغة إلى غير ذلك حتى نشأ حيوان كامل مصابق لصفات
الكائن الذي أخذ منه ، وهذه هي قضية الاستنساخ التي قام بها بعض
العلماء فقامت الدنيا ولم تقعد ووقف بعض العلماء يلعنون من قام بها
ويطالبون بالحرمان والقصاص مع أن العلماء لم ولن يخلقوا كائن حي ،
وكل ما عملوه أن أخذوا مخلوقاً لله (نواة
خلية) ووضعوها في مخلوق لله (سيتوبلازم بويضة) في عملية خلط ونقلوها
بعد ذلك إلى رحم مخلوق لذلك ومنها بدأت مرحلة الجنين كالمعتاد وهي
أبحاث محدودة على الحيوانات ولم تُجر على الإنسان ، ولو فرض جدلاً أنها
نجحت على إنسان (بمشيئة الله) في لن تعني خلق بل هي فقط (جعل) بمعنى
تصيير أو نقل (نطفة أمشاج) إلى رحم معد لها مجرد (جعل) أما مراحل تخليق
الجنين بمعنى (خلق) إحداث من العدم فهي من شئون الخلاق العليم .
ولو درس العلماء إعجاز القرآن المتمثل في الآية 14 سورة المؤمنون
لاستراحوا وأراحوا فهيا بنا مع كلام الله الخالد الباقي المحفوظ
ومعجزته العالمية لنحسم القضية ونستريح فيها .
)ولقد
خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا
النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام
لحما ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين
(
نلاحظ هنا أن الحق سبحانه استخدم مع مرحلة النطفة (الأمشاج) الفعل
(جعل) ومع بقية المراحل الفعل (خلق) ، ومعنى
)ثم
جعلناه نطفة في قرار مكين
(أي
صيرناه أو نقلناه إلى مكان مخلوق لله ليتم فيه عملية التخلق ألا وهو
الرحم ، وسواء نقلت النطفة بالطريق المعتاد بحقن الذكر للسائل المنوي
ليلتقي بالبويضة في أنبوب الرحم أو حتى في أنبوب المعامل فالفكرة واحدة
تنتهي بتكون النطفة الأمشاج التي تنقل بعد ذلك أو تصير إلى داخل رحم
معد لها ، وكل ذلك يدخل تحت الفعل (جعل) ، وأما بقية المراحل والتي
تبدأ بتعلق الجنين في الرحم أي مرحلة العلقة فهي مراحل يتم فيها خلق
أحداث لم تكن موجودة وهذه الأحداث المخلوقة هي التي توجه الخلايا
الجنينية المتشابهة تماماً للتمايز والتخصص مرحلة من بعد مرحلة في خط
يتصاعد إلى خلق كائن متكامل بأجهزته وتراكيبه المتخصصة والمعقدة
والمتداخلة ، ولذلك أخذت هذه المراحل في القرآن الفعل (خلق) .
وكأن الحق - والله أعلم بمراده_ قد أعطى الضوء الأخضر لأبحاث التلقيح
الصناعي وطفل الأنابيب وغير ذلك من خلال الفعل (جعل) مع مرحلة النطفة
والذي معناه نقل أو تصيير مخلوق لله وهو النطفة المذكر أو المؤنثة أو
الأمشاج ، نقلها إلى مستقرها ومكان تخلقها ، مجرد عملية نقل ، أما
مراحل خلق الأحوال فيها مرحلة بعد مرحلة فهذه شأن من شئون الخالق لا
دخل لمخلوق فيها ولذلك أخذت الفعل (خلق) في الآية .
وهذا منتهى الإعجاز وحل الإشكال من الناحية التي تمس العقيدة ، أما
ناحية سوء استخدام النتائج العلمية فهي قضية أخرى تخضع لتقنين المشرع
على ضوء من شرع الله في حلاله وحرامه وهذا عمل الفقهاء .
ملحق الآيات والأحاديث
1- خلق أفعال العباد :
جاء في كتاب خلق أفعال العباد للإمام البخاري :
قال صلى الله عليه وسلم ( إن الله يصنع كل
صانع وصنعته ) ، وعن حذيفة رضي الله عنه
( إن الله خلق كل صانع وصنعته ) .
وقال أبوعبد الله محمد بن إسماعيل : سمعت عبد الله بن سعيد يقول : سمعت
يحيى بن سعيد يقول : ما زلت أسمع من أصحابنا يقولون : إن أفعال العباد
مخلوقة قال أبو عبد الله : ( حركاتهم
وأصواتهم واكتسابهم وكتابتهم مخلوقة … ) وكلها بأسانيد صحيحة .
2- الزوجية آية من آيات الله :
) والله
جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة
(72
النحل
)ومن
آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة
ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون
(
21 الروم .
3- خلق بلا تزاوج :
إِنَّ مَثَلَ
عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ
لَهُ كُن
فَيَكُونُ [آل عمران : 59].
)قالت
أنى يكون لي غلام ولم يمسسسني بشر ولم أكن بغيا * قال كذلك قال ربك هو
علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمراً مقضيا
(20،21
مريم
)أو
كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحي هذه الله بعد
موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض
يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى
حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً
فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير
(
259 البقرة
)وإذ
قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن
ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل
منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم
(
260 البقرة
4- أحاديث عجب الذنب :
أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم (
ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظماً واحداً وهو عجب الذنب ومنه يركب
الخلق يوم القيامه ) وقال أيضاً :
(ثم يُنزل الله من السماء ماءاً فينبتون كما ينبت البقل )
وأخر ج الإمام مسلم في صحيحه مثله قال : (
إن في الإنسان عظم لا تأكله الأرض أبداً فيه يركب يوم القيامة قالوا :
أي عظم هو يا رسول الله ، قال: عجب الذنب ) وأخرجه ابن حبان في
صحيحه وكلها عن أبي هريرة إلا حديثاً واحداً عن أبي سعيد الخدري يرفعه
إلى النبي rقال
فيه: ( يأكل التراب كل شيء من الإنسان إلا
عجب ذنبه ، قيل : وما هو يا رسول الله ؟ قال : مثل حبة خردل منه ينشأ
) .
الجنس أو الزوجين الذكر والأنثى
يقول (ستيف جونز) وهو من علماء الجينات والبيولوجي يقول في كتابه
الشهير (لغة الجينات) :
ما الجنس ؟ كيف يعمل ؟ هذه في البيولوجيا هي أكبر المشاكل
التي لم تجد لها حلاً حتى الآن ، لا بد أن يكون الجنس مهماً وإلا لما
كان هكذا مكلفاً . فإذا كانت سمة كائنات تكتفي بجنس واحد ، بحيث يمكن
لكل أنثى أن تنتج نسخاً من نفسها ، فلماذا إذن يزعج الكثير منها نفسه
بالذكور؟ فالأنثى التي تستغني عنهم ستنجب من البنات ضعف ما تنتجه في
وجودهم ، ثم أن البنات سيحملن كل جيناتها لكن الأنثى كجنس ثان تبدد
وقتها كي تجد الزوج أولاً فإذا وجدته فستنجب أبناء ذكوراً لا يحملون
إلا نصف مورثاتها ، لا نعرف حتى الآن بيقين سبب وجود الذكور ، ثم إذا
ما كان من الضروري وجودهم ولماذا يوجد منهم كل هذا العدد .
ويقول أيضاً : وتعريف الجنس أمر بسيط هو :
إنه طريقة لإنتاج أفراد يحملون جينات من أكثر من خط سلفي ، يجب أن
تجتمع في كل جيل معلومات وراثية من أسلاف مختلفين . ففي الكائن
اللاجنسي يكون لكل فرد أم واحدة ، وجدة واحدة ، وأم جدة واحدة وهكذا في
سلسلة لا تنقطع من التتابع المباشر إلى أن تصل إلى الأم الأولى التي
يبتديء بها النسب .
أما الكائنات الجنسية فتختلف : فعدد الأسلاف يتضاعف في كل جيل ، لكل
فرد أبوان وأربعة أجيال وهكذا .
هذا هو الجنس أما تفهم السبب في وجوده فهذا أمر أكثر صعوبة ، سمة نظرية
تستدعي الطفرات، عن السبب في ألا تكون الحياة أنثى . فإذا ما حدث بكائن
لا جنسي تغير في
D.N.A
فستحمله كل سلالته دون استثناء مهما كانت درجة ضراوته وبمرور الوقت
سيظهر خطأ آخر مؤذي في جين آخر في خط العائلة مما يؤدي إلى التدهور
والبلى والانهيار في النهاية .
أما الكائن الجنسي فيمكنه التطهر من الطفرة الجديدة (الضارة) بتمريرها
إلى بعض سلالته دون الآخر ثم يقول :
قام العلماء بمحاولات كثيرة بتبرير وجود الذكور فبينوا أن الكائنات
التي استغنت عن الذكور تواجه المشاكل فكل النباتات اللاجنسية تقريباً
لا تستخدم إلا عدداً محدوداً من السنين ، ثم تصبح مثقلة بالأخطاء
الوراثية حتى لتعجز عن الاستمرار في الحياة ، أو هي لا تستطيع أن تستمر
في السباق التطوري مع طفيلياتها ، وضرب مثلاً لنبات لا جنسي وهو
البطاطس فقال :
وقعت مجاعة البطاطس في أيرلنده لأن كل ما كان يستخدم منها كان ينتمي
إلى صنف لاجنسي قديم سرعان ما تدهورت حالته فتغلبت عليه الفطريات
وأبادته .
ولكن وجود الجنس يحل هذه المشاكل المدمرة للنوع لأن الجنس يعني أن تظهر
مخاليط جديدة من الجينات طول الوقت مع عملية التمازج بين كروموزمات
الأبوين في النسل . في كل جيل يظهر أفراد ناجحون يحصلون على قدر مؤات
من الطفرات بينما يرث آخرون مجموعة أقل مؤاتاه ، يفسلون في تمريرها إلى
نسلهم ، وقد عبر برنارد شو عن هذا في جملة تعتبر دقيقة بيولوجياً .
فعندما سألته أحد الممثلات إذا كان من الممكن أن تتزوجه لتنجب منه
طفلاً له جسدها وعقل (شو) فأشار (شو) إلى خطر أن يكون للوليد عقلها
التافه وجسمه هو .
فالجنس هو وسيلة ملائمة لتجميع الأفضل والتخلص من الأسوء .
بعد هذه الجولة مع ذلك العالم الكبير نقول :
أن الفكر المادي الذي وقع ذلك العالم في أسره جعله في حيرة عن سبب ظهور
الزوجين الذكر والأنثى وكيفية هذا الظهور مع وجود الشواهد العلمية التي
تدل العقول على أهمية الزوجية من الناحية البيولوجية وهي تقوية الأمشاج
(أخلاط الكروموزومات أو المورثات) والتي ينتج عنها نسلاً قوياً .
فهيا بنا مع القرآن وعلوم الإسلام لنتعرف على سر زوجية الذكر والأنثى :
يقول الحق سبحانه
)يا
أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث
منهما رجالاً كثيراً ونساء
(
(1) النساء .
ويقول أيضاً :
)والله
جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ….(
(72) النحل .
ويقول سبحانه :
)يا
أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا
إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ) (13) الحجرات
وهذه الآيات البينات تشير إلى زوجية الذكر والأنثى التي كانت بداية
نشأة هذه الأنواع المتعددة من البشر شعوباً وقبائل بمختلف أجناسها
وأشكالها ، ولكن السؤال هنا هو : ما السر في هذه البداية الزوجية
(ذكر وأنثى) ولماذا لم تكن البداية غير زوجية بمعنى أنها تكون من نوع
واحد (أنثى مثلاً) ؟
علماء البيولوجيا لا يعرفون الإجابة الشاملة عن هذا السؤال الهام ،
ولكن القرآن وعلوم الإسلام يمكن أن يقدم إجابة علمية متكاملة عن هذا
السؤال الهام كما يأتي :
يقول الحق في سورة الإنسان آية (1،2):)هل
أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً * إنا خلقنا
الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً
(
والأمشاج هنا تعني النطفة التي نشأت نتيجة اندماج محتويات النطفة
المذكرة مع النطفة المؤنثة ، والتعبير بأمشاج تعبيراً معجزاً ؛ لأنه
يشير إلى حقيقة بيولوجية اكتشفها العلماء حديثاً وهي أن محتويات النطفة
المذكرة تختلط بمحتويات النطفة المؤنثة ثم بعد ذلك تذهب بعض أجزاء من
النطفة المذكرة لتتبادل مع أجزاء مقابلة لها في النطفة المؤنثة في
عملية تداخل واتحاد وليست مجرد خلط بسيط بحيث تتكون في النهاية حالة أو
هيئة من الكروموزومات (حاملات الصفات الوراثية) المكونة من عناصر من
الأب تداخلت مع عناصر من الأم وفي ذلك كما لاحظ علماء الجينات تقوية
للنسل وخصوصاً عندما يتم المشج بين أفراد متباعدون في القرابة من
الشعوب والقبائل .
وفي السنة شرحاً لذلك ، ففي الفقه في فضائل باب النكاح نجد ما يأتي :
1- قال رسول صلى الله عليه وسلم (( تخيروا
لنطفكم فإن العرق دساس )) ، ويرى بعض الباحثين أن مفهوم العرق
هنا من جوامع الكلم التي تشمل (الكروموزومات) حاملات الصفات الوراثية
.
2- أن تكون المرأة أجنبية أي ليست قريبة للخاطب هذا وقد استدل علماء
الشافعية والحنابلة على أن الأولى عن الزواج بالقريبة بالأدلة الآتية :
أ- ما ورد في الأثر : ( ولا تنكحوا القرابة
القريبة ، فإن الولد يخلق ضاوياً) (ضعيفاً)
ب- كما ورد في الأثر أيضاً : ( اغربوا ولا
تضووا ) أي تزوجوا بالأباعد حتى لا يضعف نسلكم .
ج- ولأن التزوج بالأجنبيات فيه نجابة للأولاد وقوة لأبدانهم فقد روي أن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لبني السائب :
( قد أضويتم فانكحوا الغرائب ) بمعنى
لقد ضعف نسلكم بسبب إصراركم على نكاح الأقارب ، إذن لولا الأمشاج التي
كانت بسبب خلق الجنسين (الذكر والأنثى) لولاها لضعف النسل مع مرور
الأيام ضعفاً متزايداً ولأدى ذلك في النهاية إلى تدمير الجنس البشري
وهذا هو السر البيولوجي لزوجية الذكر والأنثى .
لكن القرآن لا يكتفي بهذا الجانب من القضية بل يقدم امتدادا لها من
خلال الآية (21) من سورة الروم التي يقول الحق فيها :
)ومن
آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة
ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون
(
.
فبالإضافة إلى الأهمية البيولوجية لأمشاج الزوجية بين الذكر والأنثى
فإن فيهما آيات أخرى منها : أن العقل المفكر يقول أنه إذا كانت بداية
الإنسان ذكر مثلاً أو أنثى فكان من المفروض أن يستمر هذا الجنس كما هو
حتى ينقرض أو يتكاثر بطريقة لا جنسية ، ولكن عندما نجد له مقابل يحقق
هدف وغاية هي التزاوج الذي ينتج من أمشاجه نسلاً قوياً بالإضافة إلى
السكينة والاستقرار النفسي والمودة والرحمة بين الأزواج مما يتحقق معه
القيمة الراقية للإنسانية فإن ذلك يشكل آيات تدل العقل على وجوب وجود
خالقاً بارئاً مصوراً حكيماً عليماً رحيماً كان بفضله كل هذه الآيات .
وفي النهاية نذكر قضية علمية تسببت في إثارت أسئلة هامة تمس العقيدة
وهي :
لقد تمكن العلماء من تحديد أن جنس الذكر والأنثى بسبب أن الحيوانات
المنوية أو النطفة المذكرة تنقسم إلى نوعين : نوع يحمل صفة الذكورة ،
والنوع الآخر يحمل صفة الأنوثة ، ثم تواترت الأخبار العلمية على أن
العلماء يمكنهم أن يفصلوا بين الحيوانات المنوية التي تحمل صفة الذكورة
عن تلك التي تحمل صفة الأنوثة بحيث يمكن للأب أو الأم أن تختار جنس
المولود فتنجب ذكوراً أو إناثاً كما تشاء ، وهنا ظهر تلبيس إبليس الذي
أوحى إلى أولياءه ليتساءلوا إذا كان بمقدرة العلماء أن يهب الذكور أو
الأناث لمن يطلب فما بال الآية (49.50 ) من سورة الشورى التي تقول
)لله
ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء
الذكور * أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم
قدير (
.
أقول وبالله التوفيق : قبل
أن نرد على هذه التساؤلات الماكرة أحب أن أبين أن العلماء رغم تقدمهم
في مجال التعرف على جنس الحيوان المنوي ما إذا كان يحمل صفات الذكورة
أو الأنوثة ولكن الفصل التام لنوعي الحيوان المنوي غير متحقق عملياً
مما يجعل احتمال اختلاط الأنواع وارداً ، وأيضاً قد يفصل نوع الحيوان
ولكن يفشل في عملية الإخصاب ، وحتى إذا تم الإخصاب بالحيوان المطلوب
فإن هناك عوامل هرمونية خاصة بالأم أو بالجنين يمكن أن تعطل التعبير
الوظيفي لجنس الجنين فقد يصبح الجنين خنثى حتى ولو كان من أصل حيوان
منوي مذكر وغير ذلك من المعوقات الكثير والذي تعرف عليها العلماء
الراسخون في العلم.
وعلى العموم فحتى لو نجح العلماء في الوصول إلى أهدافهم فإن القاعدة
الشرعية الراسخة والتي تقول بأن الله خالق الصنعة والصانع والمصنوع وكل
شيء يتم بمشيئته وإرادته فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، فالعلماء
وعقولهم وأعضائهم وأفعالهم بل والأدوات التي يستخدمونها والمخلوقات
الحية التي ينقلونها كلها مخلوقة لله .
ونعود إلى الآية المذكورة سابقاً فنقول للمتسائل المشكك مهلاً فإنك لم
تفهم الحكمة التي من وراء هذه الآية المعجزة :
فالآية لا تعني عمليات محدودة تخص قليلاً من الذكور أو قليلاً من
النساء بل تعني نظاماً حكيماً يشمل الأرض كلها من أقصاها إلى أقصاها
وهي بذلك تشير إلى عملية توزيع الذكور والإناث على مستوى الأرض جميعاً
بحيث يتحقق منه التوازن الذي تستقيم معه الحياة ، ولشرح ذلك نضرب هذا
المثل :
هب أن العلماء استطاعوا أن يصلوا إلى تقنية تمكنهم من أن يجعلوا كل
سيدة أو كل رجل يمكنه أن يتحكم في جنس الجنين الذي يحب أن يكون له ،
وهب أن أغلب البشر قد اختاروا أن ينجبوا ذكوراً على مستوى الأرض جميعاً
فماذا ستكون النتيجة ؟ إن النتيجة الحتمية أن الأيام ستدور وسوف لا
يبقى إلا الذكور الذين سينقضي أجلهم فيكون في ذلك فناء للبشرية جمعاء ،
وقس على ذلك في النساء ، وحتى لو كان عدد الذكور المختارين يشكل نسبة
80% مثلاً فإنهم سيقتتلون ويذبح بعضهم بعضا في مذبحة عالمية تهلك الحرث
والنسل حتى يفوز واحد منهم بالأنثى وهذا منتهى الفوضى والخراب .
فليست القضية مجرد الوهب العشوائي للذكور والإناث ، ولكن القضية هي
تقدير نسبة الذكور والإناث على مستوى الأرض جميعاً في كل مكان وزمان
بحيث يتحقق التوازن والاستقرار وهذا لا ينبغي إلا لله سبحانه وتعالى
ولذلك جاءت نهاية الآية (إنه عليم قدير) ففي القضية علم وفيها قدرة لا
تكون إلا للخالق الباريء المصور العليم القدير سبحانه وتعالى ولا حول
ولا قوة إلا به .
وهذا التلبيس من إبليس يذكرنا بما حدث من تشكيك بعد أن اكتشف العلماء
جهاز الكشف بالأشعة فوق الصوتية والذي مكنهم من اكتشاف نوع الجنين
وكذلك عندما تقدمت أبحاث الهندسة الوراثية وتمكن العلماء من أخذ عينة
من الجنين في بطن أمه لمعرفة جنسه والأمراض التي يمكن أن يحملها ، فقال
المشككون ها هو العلم قد علم ما في الأرحام مع أن القرآن يقول :
)ويعلم
ما في الأرحام
( مخصصاً
ذلك العلم لله سبحانه . ونرد على ذلك بقولنا :
إن لله علم وللإنسان علم ، ولله قدرة ، وللإنسان قدرة ، وكما أن قدرة
الإنسان لا تقارن بقدرة الله لأنها قدرة ضيقة محدودة وهبها الله إليه
من باب التكليف على حسب طاقته الضعيفة وكذلك علم الله لا يقارن بعلوم
المخلوقين فعلم الله شامل كامل غير محدود يليق بكمال الله وعظمته
وعلينا عندما نناقش هذه القضايا أن نضع كل ذلك في الاعتبار ، فإذا كان
علم البشر قد مكنهم من معرفة بعض الظواهر العلمية داخل بعض الأرحام فإن
هذا علم محدود وقاصر ولكن علم الله يشمل العلم الشامل الكامل بكل شيء
من الذرة إلى التركيبات الأعقد في كل الأرحام في أي زمان ومكان وفي كل
لحظة ويكون علمه علماً شاملاً كاملاً بل ويشمل ذلك العلم بما إذا كان
الطفل سيكون بعد ذلك سعيداً أو شقياً وغير ذلك من الأمور التي لا
يعلمها إلا هو .
الهندسة الوراثية
الهندسة الوراثية:هي
التقنية التي تتعامل مع الجينات أو الوحدات الوراثية المتواجدة على
الكروموزومات فصلاً ووصلاً وإدخالاً لأجزاء منها من كائن إلى آخر بغرض
إحداث حالة تمكن العلماء من معرفة وظيفة (الجين) أو بهدف الحصول على
طبعات كثيرة من نواتجه أو بهدف استكمال ما نقص منه في خلية مستهدفة .
ولشرح ذلك نقول : بعد أن عرف العلماء طبيعة ووظيفة الصبغيات أو
الكروموزومات وهي أجسام صغيرة جداً لا ترى بالعين وتوجد داخل كل خلية ،
وهي مكونة من أشرطة مسجل عليها صفات الكائن المادية ، وهذه الأشرطة
تسمى الجينات .
|
الشكل التالي يبين شكل
الكروموزومات في الخلية |
وتقدم العلم فاكتشف أن هذه المورثات أو حاملات الصفات ما هي إلا سلم
مزدوج من مادة تسمى
D.N.A
الحمض النووي المعروف الآن بحامل الشفرة الوراثية وبعدها
درس العلماء خصائصه وتعرفوا عليها ،
فماذا وجدوا ؟ لقد وجدوا ما يأتي
1- أن D.N.Aهو
حامل الشفرة الوراثية .
2- أن الصفات التي يحملها تترجم منه إلى بروتينات تتجسد على هيئة
الصفة المطلوب تنفيذها .
3- أن كل خيط يمكن أن يكون قالباً يتكون عليه خيط جديد يتزاوج معه
مستخدماً وحداته البنائية من السيتوبلازم .
4- أنه يمكن قطع ووصل هذا اللولب المزدوج بوسائل تقنية متعددة وفي
أماكن مختلفة . كما يمكن بسهولة فصل زوجي اللولب .
5- أنه يمكن قص ولصق قطعة منه من مكان لآخر .
6- أن تغييراً أو تدميراً يشوه هذا النظام يؤدي إلى : إما نتيجة قاتلة
للكائن أو حالة مرضية مترتبة على تعطل صفة من صفاته والتي تختلف من حيث
أهميته
7- إن تركيب D.N.A
ومكوناته هي [ سكر ، وأدنين ، وفوسفات ] وهذه التركيبة مشتركة في جميع
الكائنات من الفيروس إلى الفيل .
وهذه الملحوظات فتحت الطريق أمام العلماء لمزيد من التجارب من خلال
إدخال وإخراج أجزاء من هذه الشفرة الوراثية ومن خلال قطع ووصل أجزائها
بل ومحاولة إدخال أجزاء من
D.N.A
لكائن معين إلى أجزاء من
D.N.A
لكائن آخر .
ومن خلال ذلك انفتحت الأبواب أمام علوم ما يسمى بالهندسة الوراثية،
فقد تمكن العلماء من إدخال جينات (مورثات) من حيوان إلى بكتريا ، بل
ومن إنسان إلى بكتريا أو حيوان ، وكانت المفاجأة المذهلة أن البكتريا
المطعمة بالجين الغريب أخذت في الانقسام لتنتج طبعات كثيرة من هذا
الجين أُمكن من خلالها دراسته دراسة مستفيضة ، بل وأُمكن من خلال إدخال
جينات - قطع حاملة لبعض الصفات - معينة من الإنسان إلى الحيوان أن نحصل
على نواتج ذلك (الجين) بكميات كبيرة من خلال ألبان هذا الحيوان .
وأُمكن من خلال هذه الهندسة الحصول على الأنسولين البشري وعامل التجلط
البشري بل وعوامل إذابة الجلطة ، وعامل النمو البشري بكميات كبيرة ما
كان للإنسان أن يصل إليها أبداً من مصادرها .
وسنضرب لذلك الأمثلة التالية :
جاء في مجلة العلوم الأمريكية مجلد 13 عدد 4 أبريل 1997 (ترجمة الكويت)
جاء ما يأتي :
في عام 1981 أوضح (
W.J
كوردن ) وزملاؤه في جامعة يال : أن الجنين المخصب لفأر يستطيع أن يدمج
مادة جينية غريبة (D.N.A)
في صبغياته (مورثاته) وبعدها جاء علماء من جامعة (أوهايو) الذين برهنوا
أن الجين (وهو قطعة من
D.N.Aتحمل
رموزاً لبروتين معين المأخوذ من الأرنب يمكن أن يؤدي وظيفته في الفأر
بعد حقنه في جنين فأر وحيد الخلية ) وكان من المدهش أن لاحظ العلماء أن
D.N.Aالغريب
والمحقون من خلايا الأرنب إلى خلايا الفأر سرعان ما يتكامل مع صفات
الفأر ، ويحتمل أن تكون الخلية ميزته على أنه قطعة مكسورة من
D.N.Aالخاص
بها والذي يحتاج إلى ترميم .
وفي 1987 ظهر اكتشاف هام آخر يتعلق بالحيوانات المحورة جينياً ، فقد
قام مجموعة من العلماء بابتكار وسائل لتنشيط الجينات الغريبة في الغدة
الثديية للفأر كان من نتيجتها تكوين جزيئات بروتينية غريبة وإفرازها في
حليب الفأر المحور جينياً .
وتمخضت هذه الأبحاث الفذة على إمكان إنتاج البروتين البشري (منشط
البلازمينوجين ) من خلال إدخال الجين البشري حامل هذه الصفة في الخلايا
المنتجة للبن في حيوان مختار ، لتكون النتيجة أن يخرج هذا البروتين
بكميات كبيرة في لبن الحيوان لاستخدامه كوسيلة للعلاج في حالة نقص هذا
البروتين في المرضى من البشر .
وقد طبقت هذه التقنيات في إنتاج بروتينات علاجية هامة مثل البروتينات
المانعة للنزيف والمانعة للتجلط ، ومن قبل أُمكن تخليق الأنسولين
البشري من خلال إدخال جين بشري حاملاً لصفته داخل بكتريا معينة .
وواكب هذه الاكتشافات المبهرة حملة إعلامية عارمة لعب فيها الخيال
العلمي دوراً مؤثراً على عقول عامة المثقفين وضعت علامات استفهام أمام
الفكر الديني المستنير ، فقد تناقلت أجهزة الإعلام أخبار عن إمكان أن
يتقدم الآباء أو الأمهات بطلبات إلى العلماء للحصول على أطفال لها
موصفات معينة في الشكل واللون والذكاء والقدرة الجسمانية أو العقلية ،
بل وذهب الخيال العلمي إلى إمكان إدخال جين (صفة) التمثيل الضوئي من
النبات الأخضر إلى الأجنة البشرية للحصول على الإنسان الأخضر الذي يمكن
أن يستخدم أشعة الشمس وثاني أكسيد الكربون من الجو للحصول على غذائه
وطاقته ، وبذلك لا يصبح هناك أي مشاكل اقتصادية لها علاقة بالغذاء … .
وإذا كان ذلك كذلك فإن أسئلة هامة لا بد وأن تثار كالآتي :
1- هل يعتبر ذلك تدخلاً في شأن من شئون الله ؟ .
2- هل يعتبر ذلك تعديلاً لخلق الله إلى الأفضل ؟ .
3- هل يعتبر ذلك دليلاً على صدق النظرية المادية البحتة ؟ هل وهل
وهل .
قبل أن نرد على هذه الأسئلة لا بد وأن نبين للعقل المفكر أن هذه
الأسئلة زائفة أصلاً وباطلة عقلاً لأنها لا تعتمد على حقائق بل تعتمد
على خيال وأوهام وضلالات كيف ؟
سأستعير الإجابة من كلام علماء الهندسة الوراثية والذين يعملون في هذا
المجال كما يأتي :
يقول (إيرفين شار جاف) أحد مؤسسي علم البيولوجيا الجزيئية : إن اللعب
في الجينات يعرضنا للخطر .
ويقول ( وليام بيتز ) عالم الهندسة الوراثية وصاحب مؤلف الهندسة
الوراثية للجميع : " إن وظيفة معظم ما نحمله من
D.N.Aلا
يزال سراً والحقيقة أن معظمه يبدو بلا فائدة ، وأن 90% من بعض أطوال
الجينات لا يحمل معلومات ، ويقول أيضاً : أن علماء البيولوجية لا
يعلمون إلا القليل جداً من معضلة أسرار الجينات ، وأن العلماء إذا
أدخلوا جيناً (صفة) في خلية مستهدفة فسيواجه هذا الجين المدخل أحد
مصيرين :
· إما أن يلتحم ب (D.N.A)
الموجود فعلاً في الخلية أو يظل منعزلاً عنه كمقطع مستقل ، والعلماء لا
يستطيعون أن يحددوا ماذا سيحدث بل كل ما يعملوه هو أن يقوموا بإلقاء
الشفرة الوراثية المأخوذة من كائن في الخلية المستهدفة ، ثم ينتظرون
فقد تستطيع الخلية دمجها في المكان المناسب وقد لا تستطيع ولا علم
للعلماء بالنتيجة مسبقة ولا دخل لهم في إتمامها الدقيق.
وقد تؤدي بعض تقنيات الهندسة الوراثية المصاحبة للجينات المدخلة إلى
الخلية المستهدفة إلى إكساب الخلية صفات سرطانية كما يحدث أحياناً
نتيجة استخدام الفيروسات أو مكوناتها لدمج جين معين في خلية حيوانية
مستهدفة .
وفي كتاب مستقبلنا الوراثي للجمعية الطبية البريطانية يقول علماء
الهندسة الوراثية
إن التحوير الوراثي يستخدم لعلاج الأمراض الوراثية الخطيرة ، أما
احتمال أن يستطيع الوالدان في يوم ما طلب أطفال بخصائص معينة فإن هذا
ليس أمراً ممقوتاً فحسب وإنما هو أيضاً لا يحتمل قط التوصل إليه .
ونجد في هذا المرجع العالمي أيضاً : والفوائد المباشرة للعلاج الجيني
الناجح للخلايا الجسدية قد تكون أمراً واضحاً ، أما التأثيرات
المستقبلية وعلى المدى الطويل فهي مما قد يصعب التكهن به ، فمن الممكن
مثلاً أن يحدث خطأ في إيلاج الجينات يؤدي إلى تحول الخلية إلى خلية
سرطانية مع عدم ظهور السرطان إلا بعد سنين تالية لذلك .
وخلاصة كل ذلك أن حقل الهندسة الوراثية لا يتعدى تسخير البكتريا أو
الحيوانات لإنتاج بروتينات تستخدم لعلاج بعض المرضى الذين يعانون من
نقص وراثي في هذه المركبات ، بمعنى أن هذه البكتريا أو الحيوانات
المستخدمة لإنتاج المطلوب تعويضاً لما فقد من الإنسان ما هي إلا كائنات
تسخر لعمل ذلك حتى أن أحد كبار علماء الهندسة الوراثية أطلق على هذه
الكائنات المسخرة تعبير (حمير مسخرة للعمل) .
وكذلك عمل العلماء لمحاولة إدخال بعض الجينات المفقودة أو المعطوبة
يدخل من باب تسخير هذه الجينات لصالح العودة بها إلى حالتها المفطورة
عليها وهو من باب العلاج والتداوي .
وصدق الحق الذي قال :
)ألم
تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض
(20
لقمان
)وسخر
لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه
(13
الجاثية
وطاعة للرسول في حث الناس على التداوي :
[ تداوا عباد الله
…]
.
ولكن هل يمكن للإنسان أن يلعب في الجينات ويغير فيها بالزيادة أو
النقصان أو التبديل ؟
الإجابة : نعم يمكنه ذلك .
فيكون السؤال التالي :
وماذا ستكون النتيجة ؟
الإجابة : هناك وسائل إيضاح شاهدها العلماء في واقع الحياة حيث لاحظوا
أن هناك كائنات تحدث لها طفرات أو تغيرات تؤدي إلى حذف أو قطع أو إضافة
جينات (صفات ) تخرجها من فطرتها المفطورة عليها إلى حالة مخالفة ، ولقد
لاحظ العلماء أن أغلب هذه التغيرات إما قاتلة مدمرة للكائن أو ممرضة له
بدرجة لا حل لها .
والإجماع على أن التغير في الخلق المفطور عليه الكائن مخرب أو مدمر أو ممرض
حتى ولو بعد حين .
أما عملية التهجين في السلالات الحيوانية والنباتية مثلاً فلا تدخل ضمن
قضية التغير والتبديل ، لأن التهجين لا تغيير فيه بل تبقى الصفات في
مكانها وعلى هيئتا ولكن يتم مزاوجة صفات من كائن بصفات من كائن من
نوعه كما يتم تزاوج مورث يحمل صفة الطول (مثلاً ) مع مورث لا يحملها
ليكون الناتج حاملاً لصفة الطول وقس على ذلك .
أما التدخل لتغيير خلق إلى هيئة أخرى كإنتاج إنسان أخضر أو طفل عبقري
فهذا من المستحيل عقلاً ونقلاُ :
عقلاً :لأن
العلماء لا يعلمون من أسرار الجينات إلا القليل ، ولأن القضية ليس جين
معين بل علاقات جينية متشابكة ومتداخلة في شبكة لا يحيط بها إلا الخالق
الباري المصور، ولأن الملاحظة العملية أكدت خطورة التغيير على الكائن
الحي
ونقلاً :لأن
الحق يقول ( لا تبديل لخلق الله ) .
ولكن لو حدث أن تم ذلك التبديل فإن النتيجة لا خير فيها بل إن البشرية
لن تجني من ورائها إلا الخراب والتدمير وهو من أمر الشيطان لأوليائه ،
الذي قال الحق عنه :
( ولأمرنهم فليغيرن خلق الله ) النساء آية 119
وهاهم العلماء النابهين يعقدون المؤتمرات ويحزرون من اللعب بالجينات
تغيراً وتبديلاً بدرجة تخرجها عن فطرتها خوفاً من أن تتكاثر وتنطلق في
البيئة وتخرج منها أجيال مدمرة أو تخل بالتوازن البيولوجي الذي خلقه
الله بمقدار وعلماً وحكمة ( وكل شيً عنده
بمقدار ) بل وهاهم العلماء الراسخون في العلم يحزرون من إمكان
أن تتحول الخلية المسالمة إلى أخرى سرطانية قاتلة نتيجة اللعب بجيناتها
تبديلاً وتغييراً .
د/ حسين رضوان اللبيدى
( مدير مستشفى ) وعضو هيئة الإعجاز العلمي بمكة سابقا
وعضو جمعية الإعجاز العلمي للقرآن الكريم بالقاهرة وجنوب الوادي
مصر 0127580446
hussan_brain@yahoo.com
مصدر الصور : الموسوعة الحرة