بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مرحبا بكم مع الشيخ خالدالمغربي - المسجد الأقصى

024

النور

آية رقم 043

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ

صدق الله العظيم

 

البَرَد... بين العلم والقرآن
 

بقلم عبد الدائم الكحيل

البرَد هو أحد الظواهر الأكثر تعقيداً والتي بحثها العلماء طويلاً ولم يزل هنالك الكثير مما نجهله حول هذه الظاهرة الخطيرة والجميلة، والتي تؤدي إلى خسارات تصل إلى مئات الملايين من الدولارات كل عام.

ففي إحدى عواصف البرد في عام 2000 قُتل أحد الناس عندما سقطت عليه حبَّة برد بحجم حبة التفاح! وفي عام 1981 سببت عاصفة رعدية نزل فيها البرد بكميات كبيرة في الولايات المتحدة خسارة أكثر من 100 مليون دولار. وأكبر حبة برد سقطت كانت في ولاية كنساس عام 1970 وتزن 750 غراماً.

يتجلَّى تعقيد هذه الظاهرة من خلال العمليات بالغة التعقيد التي ترافق تشكل البرَد، لأن تشكل البرَد يتم أثناء العواصف الرعدية، والتي تصل فيها سرعة التيار الهوائي المتجه لأعلى الغيمة إلى 160 كيلو متراً في الساعة أو أكثر. ويقوم العلماء اليوم باستخدام الرادارات التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء، وكذلك الأقمار الاصطناعية لدراسة أسرار هذه الظاهرة المعقدة.

لقد نُسجت الأساطير قديماً حول الظواهر الكونية المخيفة مثل كسوف الشمس والبرق والرعد وظاهرة البرَد، فكان للناس معتقدات ينسبون فيها هذه الظواهر إلى الآلهة، فالكسوف يعني غضب الآلهة أو موت زعيم عظيم، والبرق هو العصا التي يستخدمها بعض الآلهة في الحرب، وغير ذلك من الأساطير التي لا تقوم على أي أساس علمي.

لقد نزل القرآن العظيم في القرن السابع الميلادي، وفي ذلك العصر كانت الأساطير تملأ معتقدات البشر. ولكن كيف عالج القرآن هذه الظاهرة وماذا يقول عنها، وهل صحيح ما يدَّعيه بعض الملحدين أن القرآن من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم؟؟!

إن المنطق العلمي يفرض كما في جميع الكتب البشرية أن المؤلف عندما يتحدث عن ظاهرة كونية تجده ينقل لنا الأساطير التي تأثر بها، وتجد في ذلك الكتاب ثقافة ذلك العصر. والسؤال: هل تأثر القرآن فعلاً بثقافة القرن السابع الميلادي؟ وهل صحيح ما ينادي به بعضهم اليوم من أن القرآن نص تاريخي يقبل التبديل والتغيير بما يتناسب مع علوم كل عصر؟؟

لنطلع أولاً على ما يقوله علماء القرن الحادي والعشرين حول أسرار البرَد والعمليات الفيزيائية المعقدة لتطور حبَّة البرَد، وسوف ننقل المعلومات من أهم المواقع العالمية المتخصصة في هذا المجال. وبعد ذلك سوف نطلع على ما جاء في القرآن حول تشكل البرَد، ونتأمل ونتساءل: هل يوجد أي اختلاف أو تناقض بين العلم والقرآن؟ فإذا جاء كلام القرآن حول هذه الظاهرة الدقيقة مطابقاً لأحدث الحقائق العلمية اليقينية كان القرآن كتاب الله تعالى، لأنه يستحيل أن يأتي رجل مهما بلغ من العلم ويتحدث عن حقائق علمية صحيحة في ذلك العصر.

أما إذا وجدنا كلام القرآن هو كلام عادي ولا يتفق مع معطيات العلم، أو وجدنا أدنى اختلاف بين العلم والقرآن، كان هذا دليلاً على أن القرآن هو كتاب من عند غير الله! وهذا ما نجده واضحاً في كتاب الله تعالى عندما أمرنا أن نتدبَّر القرآن لنستيقن بأنه كتاب الله، يقول تعالى مخاطباً كل ملحد وكل مؤمن: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النساء: 82].

شكل (1) نرى في هذا الشكل الغيمة المناسبة لتشكل البرد، حيث تبدأ التيارات الهوائية بدفع الغيوم للأعلى وتجميعها حتى تصبح على شكل برج ترتفع عدة كيلو مترات. إن مجموعة من هذه الغيوم سوف تتآلف لتشكل الغيوم الركامية.

 

مراحل تشكل البرَد حسب أحدث الحقائق العلمية

في البداية تبدأ التيارات الهوائية بدفع وسوق الغيوم المتفرّقة باتجاه الأعلى. فحبات البرَد الصغيرة يتطلب تشكيلها تياراً هوائياً سرعته وسطياً 45 كيلو متراً في الساعة، أما حبات البرد المتوسطة فتتطلب تياراً هوائياً بسرعة 88  كيلو متراً في الساعة تقريباً، حبات البرد الكبيرة تتطلب تياراً هوائياً سرعته 160 كيلو متراً في الساعة تقريباً.

ثم تبدأ هذه الغيوم بالتجمع والتآلف، ثم بعد ذلك تتراكم الغيوم فوق بعضها البعض مشكِّلة ما يشبه الأبراج العالية التي تمتد لعدة كيلو مترات في الغلاف الجوي! في هذه الغيوم سوف تبدأ قطرات المطر بالتشكل، وكل مليون قطيرة ماء باردة سوف تتجمع لتشكل قطرة مطر واحدة!!

شكل (2) في هذه الغيمة نلاحظ خط الصفر (الخط الأحمر المتقطع) والذي يمثل درجة الحرارة صفر، وفوق هذا الخط يبدأ تشكل البرَد. أي أن البرد لا يتشكل في أسفل الغيمة إنما في أعلاها وأوسطها. وتظهر الأسهم الصفراء وهي تمثل تيارات الرياح التي تسوق السحب باتجاه الأعلى لتكوين السحاب الركامي.

 

شكل (3) بعد تجمع الغيوم تبدأ مرحلة تراكم هذه الغيوم فوق بعضها بفعل التيارات الهوائية، وهذه المرحلة ضرورية لتشكل البرد، لأن البرد يتشكل في الأجزاء العليا من الغيمة، ولذلك يجب أن تكون الغيوم مرتفعة كالجبال!

 

والآن يبدأ تشكل البرَد عندما تكون درجة الحرارة منخفضة جداً، دون الصفر، حيث تتجمع قطيرات الماء الصغيرة والشديدة البرودة لتتجمد وتشكل حبة البرَد. ويقول العلماء: إن حبة البرد الواحدة والصغيرة يستغرق تشكلها زمناً 5-10 دقائق، وتحتاج لمئات الملايين من قطيرات الماء التي تتجمع لتشكيل حبَّة برد واحدة!! وقد يصل أحياناً قطر حبة البرد إلى 15 سنتمتراً، وتصطدم بالأرض بسرعة 180 كيلو متراً. يتشكل البرد على ارتفاعات عالية تصل إلى 18 كيلو متراً.

 

 

شكل (4) رسم يمثل طريقة تشكل البرد، ونلاحظ أن المطر يخرج من جميع أجزاء الغيمة، بينما البرَد يتشكل ضمن منطقة محددة تشبة الجبل (المنطقة الخضراء) ويخرج من مناطق محددة.

يتشكل البرد حول قطرات الماء المجمدة، أو حول ذرات الثلج الصغيرة وقد يحوي البرَد في داخله بعض الغبار والأتربة العالقة أو الحشرات الصغيرة التي ساقها التيار الهوائي في الجو بين الغيوم. ويؤكد العلماء على أن الغيمة الأطول تملك فرصة أكبر في تشكل البرَد بسبب ملامستها لطبقات الجو العليا شديدة البرودة. والتيارات القوية من الهواء مطلوبة لتأمين تشكل البرَد، وحمله والتغلب على قوى الجاذبية الأرضية خصوصاً إذا كانت حبات البرَد كبيرة، وهذه التيارات هي ما يسبب تشكل أبراج من الغيوم الركامية كما يقول العلماء!!!

كلما كان التيار الهوائي المتجه للأعلى قوياً كانت حبات البرَد أكبر، وعندما يعجز التيار الهوائي عن حمل حبات البرَد فإن البرَد سيسقط. لذلك عندما نقطع حبَّة البَرَد إلى نصفين نلاحظ عدداً من الحلقات على شكل طبقات متعددة تماماً كحلقات البصلة، وهذا يعني أن حبة البرد تتشكل على مراحل كل مرحلة تنمو فيها حلقة. وقد لاحظ العلماء أن المطر ينزل من كل الغيمة بينما البرد يسقط فقط من ممرات محددة من الغيمة وتدعى صفوف البرد.

شكل (5) تظهر في هذا الشكل حبات برَد مقسومة إلى نصفين ونلاحظ وجود حلقات، مما يدل على أن البرد تشكل على مراحل متعاقبة، تتمثل في دوران حبة البرد دورات متعددة بسبب التيارات الهوائية، وفي كل دورة تتشكل طبقة.

 

طبعاً جميع هذه المراحل والتي تسبق تشكل البرد ضرورية ولا يمكن أن يتشكل البرد بدونها. يتواجد البرد بشكل شبه دائم في أعالي الغيوم وأواسطها. وعلى كل حال إما أن تذوب حبة البرد قبل وصولها إلى الأرض أو تكون صغيرة الحجم فتذوب داخل التيار الهوائي في الغيمة. وقد تبين أن معظم البرد المتشكل في الغيمة (من 40-70 %) يذوب قبل وصوله إلى الأرض!

وأخيراً يؤكد العلماء أن التيارات الهوائية المتجهة نحو الأعلى لا تقتصر مهمتها على تشكيل البرَد، بل إنها أيضاً مسؤولة عن دفع قمم الغيوم الركامية عالياً إلى طبقة التروبوسفير، مما يؤدي لخلق البيئة المناسبة لحدوث البرق!

شكل (6) إن تشكل البرَد في الأجزاء العالية من الغيوم يهيء البيئة المناسبة لحدوث البرق. إذن هنالك علاقة وثيقة بين البرَد والبرق لأن الظروف المناسبة لتشكل البرد هي ذاتها المناسبة لحدوث البرق.

 

والآن وبعدما تعرّفنا على الحقائق العلمية اليقينية حول ظاهرة تشكل البرَد والتي هي محل اتفاق علماء الغرب، وبعد أن استمعنا إلى أهم الاكتشافات في هذا المجال، ماذا عن كتاب الحقائق-القرآن؟ وكيف تناول كتاب الله تعالى هذه الظاهرة وكيف وصفها؟

حقائق علمية من القرآن

لقد تحدث القرآن عن البرَد في آية من آياته العظيمة، في هذه الآية جمع الله كل الحقائق العلمية التي رأيناها بمنتهى الدقة والإيجاز، وبنفس التسلسل العلمي. لقد بدأت الآية بقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا) [النور: 43]. وقد رأينا أن عملية تشكل البرد تبدأ بدفع التيارات الهوائية للغيوم وتجميعها والتآلف بينها، وكلمة (يُزْجِي)  تعني في اللغة "يسوق ويدفع". وهذا ما نراه في أول مرحلة من مراحل تشكل البرد.

ثم تأتي المرحلة الثانية بعد ذلك في قوله تعالى: (ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ)، أي يجمع بين السحُب، وهذه المرحلة رأيناها عندما تبدأ الغيوم بالتجمع. ثم تأتي المرحلة الأخيرة لتشكل الغيوم وهي الغيوم الركامية وهذه نجدها في قوله تعالى: (ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا). وكلمة "رَكَمَ" في اللغة تعني "ألقى الأشياء بعضها فوق بعض"، وهذا ما يحدث تماماً في الغيوم الركامية حيت تدفعها التيارات الهوائية باتجاه الأعلى وتجمّعها باتجاه عالٍ يشبه الأبراج ذات القاعدة العريضة وتضيق كلما ارتفعنا للأعلى وتكوّن شكلاً يشبه "الجبل". وتأمل معي كيف يستخدم القرآن كلمة (ركاماً) وهي نفس الكلمة التي يستخدمها العلماء اليوم "الغيوم الركامية".

وفي المرحلة التالية يبدأ تشكل المطر ونزوله وهذا ما تخبرنا عنه الآية بعد ذلك في قوله تعالى: (فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ) وقد ثبُت أن المطر الغزير وهو (الودْق) يخرج من جميع أجزاء الغيمة وهذا ما أشارت إليه الآية في عبارة (مِنْ خِلَالِهِ).

شكل (7) تظهر في هذا الشكل حبة برَد عملاقة قطرها 15 سنتميراً، هذه الحبة تركبت من عشرات البلايين من قطيرات الماء الصغيرة تجمعت وتآلفت وشكلت هذه الحبة!! وتتم عملية تشكل هذه الحبة من البرَد وفق قوانين دقيقة ومحكمة بتقدير من الله تعالى. وفق مراحل تتوافق مئة بالمئة مع ما جاء في القرآن الكريم.  

 

والآن بعدما تشكلت قطيرات المطر أصبحت إمكانية تشكل البرد ممكنة، وذلك من خلال اجتماع ملايين القطيرات من الماء شديد البرودة لتشكيل حبات البرد والتي تتجمع في مناطق محددة في أعلى وأوسط الغيمة ويبدأ نزول البرد من مناطق محددة أيضاً، وهذا ما تحدثنا عنه الآية بعد ذلك: (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ)!!   

وهنا نلاحظ أن القرآن يستخدم كلمة (جبال) والعلماء يستخدمون كلمة "أبراج" من الغيوم، لأنهم وجدوا أن شكل الغيوم التي تحوي البرَد يشبه البرج. فتأمل التقارب الشديد بين الكلمة القرآنية والكلمة العلمية. ونلاحظ أيضاً كيف يراعي القرآن تسلسل المراحل.

ويقول العلماء أيضاً إن البرد لا يوجد في جميع أجزاء الغيمة بل في مناطق محددة فيها، وينزل من مناطق محددة أيضاً وليس من الغيمة كلها، ولذلك لم يقل تعالى: وينزل البرَد، بل قال: (مِنْ بَرَدٍ) أي أن جبال الغيوم الركامية تحوي شيئاً من البرَد.

ولكن العلماء وجدوا أن قسماً كبيراً من البرد المتشكل يذوب قبل وصوله إلى الأرض، وقسماً آخر يذوب داخل الغيمة. وهذا ما عبَّر عنه القرآن بقوله تعالى: (فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ). إذن الله تعالى يصيب بهذا البرد من يشاء فتجد أن حبات البرد تبقى متجمدة حتى تصل إلى الأرض، ويصرف الله تعالى هذا البرد عمن يشاء من خلال ذوبان الجزء الأكبر من حبات البرد وعدم وصولها إلى الأرض.

ولكن بقي شيء مهم يحدثنا عنه العلماء كما رأينا وهو موضوع البرق وارتباطه بالبرد. فالبيئة المناسبة لتشكل البرد هي ذاتها المناسبة لحدوث ومضة البرق، وهذا أيضاً حدثنا عنه القرآن في نفس الآية في قوله تعالى: (يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ)، فتأمل أخي القارئ هذا التسلسل العجيب!!

الإعجاز العلمي للآية

لنكتب الآن الآية كاملة ونرى الحقيقة العلمية الكاملة لظاهرة تشكل البرد: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ) [النور: 43].

إن الذي يتأمل هذه الآية الكريمة يدرك مباشرة التطابق والتوافق الكامل مع معطيات العلم الحديث، ويدرك أيضاً أنه لا اختلاف ولا تناقض بين الحقيقة العلمية اليقينية وبين النص القرآني. وفي هذا الدليل العلمي على أن القرآن إنما نزل بعلم الله عز وجل، وأنه لا ينبغي لبشر ولا يستطيع أبدأً أن يتحدث عن هذه الظاهرة المعقدة بكل الدقة العلمية التي رأيناها.

والآن نلخص إعجاز الآية من خلال ذكرها لمراحل تشكل البرد:

1- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا: إشارة إلى التيارات الهوائية التي تدفع وتسوق السحب باتجاه الأعلى. 

2- ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ: إشارة إلى تجميع الغيوم لتشكل تجمعات كبيرة من السحب. 

3- ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا: إشارة إلى تشكل الغيوم الركامية، أي المتراكم بعضها فوق بعض.

4- فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ: إشارة إلى تشكل قطرات المطر وخروجها من أجزاء الغيمة.

5- وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ: إشارة الشكل الهندسي للغيوم الركامية، حيث تشبه الجبال في شكلها، وإشارة أيضاً إلى أماكن تشكل وتجمع البرَد في أجزاء محددة من الغيوم وليس في كلها.

6- فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ: إشارة إلى وصول جزء من البرَد إلى الأرض، وذوبان الجزء الآخر من البرَد وعدم وصوله إلى الأرض.

7- يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ: أي يكاد ضوء البرق يذهب بالأبصار، وفي هذا إشارة لحدوث البرق في هذه البيئة التي تشكَّل فيها البرَد.

هذه المقاطع السبعة تشكل آية عظيمة تحدث فيها الله تعالى عن تشكل البرد ومراحله وعلاقته بالبرق بكلمات في قمة البلاغة والبيان، ولكن العلماء استغرقوا عشرات السنين من البحث والتجارب وبالنتيجة وصلوا إلى الحقائق ذاتها، والسؤال: أليس هذا إعجازاً واضحاً للآية الكريمة؟

إن هذه الحقائق دليل على أن القرآن كتاب الله ولو أن هذا القرآن من تأليف بشر لوجدنا فيه اختلافات كثيرة، وهنا يتجلى قوله تعالى:

وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا

مراجع البحث

- القرآن الكريم.

- التفاسير الشهيرة: ابن كثير، الطبري، القرطبي.

- معاجم اللغة العربية: لسان العرب، مختار الصحاح.

- مقالات حديثة حول ظاهرة البرَد وأسباب تشكله ومراحل تطوره على الروابط:

http://www.islandnet.com/~see/weather/elements/hailform.htm-

http://www.mcwar.org/articles/hail.html-

http://www.hailstop.qc.ca/en/technical_library/hail_formation.html-

http://www.msc-smc.ec.gc.ca/cd/brochures/thunder_e.cfm#3-

http://www.srh.weather.gov/srh/jetstream/mesoscale/hail.htm#hail-

http://science.nasa.gov/newhome/headlines/essd11jun99_1.htm

 

 

إعجاز الكتاب في وصف السحاب
 

بقلم الأستاذ الدكتور كارم غنيم

رئيس جمعية الإعجاز العلمي للقرآن في القاهرة

يقول الله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ)[سورة النور: 34].

ورد في (غريب القرآن ) أن قول الله تعالى :(يزجي سحاباً) يعني يسوقه بالرياح، (ثم يؤلفه بينه) : يعني يجمع قطع السحاب، فيجعلها سحاباً واحداً متراكماً ساداً للأفق .

(الودق) يعني : المطر أو القطر، (يخرج من خلاله) يعني: من فتوقه (من جبال فيها من برد) يعني : كما أن الجبال جمع جبل، من جبال في السماء. وقال عامة المفسرين: إن في السماء جبالاً من برد خلقها الله فيها كما خلق في الأرض جبالاً من حجر.

وقال أهل المعنى: السماء ههنا الغيم(السحاب) المرتفع فوق رؤوس الناس، والمراد بالجبال كثرتها.. وقبل أن ندخل في جولة بين التفاسير المشهورة، وهي عديدة، لنتعرف على السحاب، وكيف يتكون، وما أنواعه ..

ومحاولات علماء الفيزياء و الأرصاد الجوية لاستزراع السحب.

ما هو السحاب؟
يعرف العلماء السحاب ( Cloud) بأنه بخار الماء متكاثف يتألف من جسيمات (Particales) متكون من قطيرات (Droplets) صغيرة الحجم من الماء السائل، أو بلورات ( Crystals) صغيرة من الثلج، قطر الواحد منها لا يتجاوز عشرة أجزاء من الألف من المليمتر، ولو صُف ألف جسيم منها لم يتعد طوله 1.5 سنتمتر. يقوم الهواء بحمل هذه الجسيمات الدقيقة، فتظل متعلقة في الجو، ويمدها غالباً بتيارات صاعدة(مندفعة في الأسفل إلى الأعلى ).

ويحتوي الهواء مواد عديدة كالبكتيريا، وأملاح البحار، والأتربة والدخان، والهباب، والغبار، وحتى حبوب لقاح الأزهار، وهي ما يطلق عليها العلماء اسم [ نوى التكاثف Condensation nuclei] وهي مواد يتوفر وجودها في طبقات الجو السفلى، وتتكثف عليها قطرات الماء الصغيرة جداً في السحب، فتزداد أحجامها، ويتألف منها المطر بعد أن تصعد الرياح الحارة المشبعة ببخار الماء إلى طبقات الجو العليا وتتكون منها السحب.

صورة توضح كيفية تكاثف قطرات الماء الصغيرة حول نوى التكاثف

وأما المصدر الطبيعي للملح في الجو، فإن الرياح حيت تلطم سطح البحر صباح مساء تحمل رذاذه المحمل بجزيئات الملح إلى الجو، وترتفع في طبقاته، وتعمل كنوى تكاثف في السحب، إضافة إلى الشوائب الأخرى التي أشرنا إلى أهمها من قبل. ومما يذكر في هذا المقام أن جميع السحب التي تغطي سطح الأرض في وقت واحد، لا تحتوي سوى واحد بالألف من ماء الكرة الأرضية.. !!

كيف يتكون السحاب .. وكيف يتساقط منه البريد ؟؟؟

لقد أفاض القرآن العظيم في وصف العوامل والأسباب التي تتدخل في تكوين السحب، وهطول المطر، وذلك قبل أن يتوصل العلماء حالياً إلى معرفتها. وأوضح القرآن أن الرياح هي التي تثير السحب وتوزع حملها من الأمطار : (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ

فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ {48} وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ)[سورة الروم].

 كما فرق القرآن بين أنواع السحب، وأوضح كيف يخرج الودق [أي المطر ] من خلال هذا الركام (الذي يشبه الجبال)، وكيف ينهمر البرد من هذا الركام (الذي يشبه الجبال)، وكيف ينهمر البرد من هذا النوع فقط من السحب : (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء)[سورة النور:43].

وكيف يحدث البرق والرعد ؟ وكيف تقوم الرياح بتلقيح السحب؟ :( وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ {22} )[سورة الحجر].

وأصبح من المعلوم الآن أن السحب تتكون حينما يبرد الهواء، ويصل إلى نقطة الندى( Dew Point)، أو درجة التشبع (Saturation)، فتقل قدرته على حمل بخار الماء (water vapour) فيتحول إلى نقطة ماء، أو إلى بلورات ثلج، حسب درجة حرارة تلك المنطقة من الجو هذا وقد أشرنا إلى أن القطيرات المائية، التي تتصاعد محمولة على متن الريح الصاعدة، صغيرة جداً بحيث لا ترى إلا بالمجهر [ الميكروسكوب]، وخفيفة جداً لدرجة أنها تصعد مع أهدأ تيار هوائي.. وتزداد أحجام هذه القطيرات شيئاً فشيئاً ـ كما أوضحنا من قبل ـ فتكون السحابة في النهاية مشكلة من قطيرات ماء وهواء، ويمثل الهواء النقي أكثر من 99% من مكونات أية سحابة.

وينزل الماء الطهور العذب بهطول السحابة وهو ما أشار إليه القرآن العظيم في قول الله تعالى :( وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا) [سورة الفرقان: 48].
(
وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُم مَّاء فُرَاتًا)[سورة المرسلات:27].

نعم وذلك لأن أشعة الشمس بما فيها من أشعة فوق بنفسجية (Ultraviolet) وأشعة تحت حمراء ( infrared) وغاز الأوزون ( Ozon) ولأن البرق، ولأن المركبات الكيميائية المختلفة الموجودة في طبقات الجو العليا، تقوم هذه وتلك بقتل الميكروبات، وإعدام الأحياء الدقيقة الضارة التي تحملها الرياح عادة وتدخل بها في السحب، وبالتالي ينزل المطر بماء طاهر نظيف خال من الجراثيم والميكروبات، وهي الكائنات التي لم يعرفها الإنسان إلا بعد أن أكتشفها العالم الفرنسي " باستير" في القرن التاسع عشر الميلادي ( أي بعد نزول القرآن بنحو أثني عشر قرناً ميلادياً) .

وماء المطر عذب " فرات"، فبالرغم من أن ما صعدت به الرياح وكونت به السحب، إنما هو ماء مالح من البحار والمحيطات ، فإن الله سبحانه هيأ الأسباب لإزالة ملوحته أثناء عملية البخر الطبيعي !!! أليس هذا إعجاز للكتاب في وصف السحاب ؟ ! بل إنه كذلك، وسوف نزيد ذوي الألباب من الكثير في هذا الباب .

لدينا أربعة نصوص قرآنية تشرح ـ بالتفصيل ـ جوانب مهمة في السحب والمطر هي :

(1)   (لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ)[سورة النور:43].

(2)   (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ {48} وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ)[سورة الروم].

(3)    ( أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ {68} أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ {69} لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ{70} أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ )[سورة الواقعة:68_70].

(4)   (إنَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِوالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ ِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَامن كل ِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[سورة البقرة:164].

هذه نصوص قرآنية سنرجع إليها كثيراً، لذلك أثبتناها هنا، وفيما يلي نعرض ما نريد أن نوضح به جوانب فيها كل الناس (حتى القرن السابع عشر الميلادي) يعتقدون بأن السحب عبارة عن هواء بارد سميك، إلى أن ظهر " ديكارت" وقال بأن الهواء وبخار الماء شيئان مختلفان، ولكن القرآن العظيم حين نزل (في القرن السابع الميلادي) فرق بين الرياح والسحب، وبين الدور الذي تقوم به الرياح في تكوين السحب وإنزال المطر والبرد منها.

وكلما اكتشف العلماء حقيقة علمية أو توصلوا إلى معرفة أسرار حدث كوني أو أمر طبيعي، ثم طالعنا آيات القرآن العظيم، وجدناها قد أشارت إليه، أو ذكرته، أو شرحته، مباشرة أو بطريقة غير مباشرة. وهكذا يظهر القرآن على غيره مما يحاول الحاقدون أن يتشبثوا به ... وهكذا يظل هذا الكتاب المجيد متجدداً ومستمر العطاء ودائم الإبهار لجميع الدراسين له..
ومنذ مدة لا تزيد على 200سنة فقط، قام " لوك هوارد " بوضع تقسيم السحب، ولا يزال يعمل به المتخصصون إلى الآن، وذلك حسب الشكل والسمك والارتفاع، ويتضمن ثلاثة أنواع:

[1] السحب العالية:يتراوح ارتفاعها بين 8 ـ 14 كيلومتر، حيث الجو شديد البرودة، ويسمى السحاب الموجود على هذه الارتفاعات (سمحاق) وتقابله اللفظة الأجنبية " سيرس Cirrus"  أي : ريشية الشكل، كذيول الخيل.

ويظهر السحاب في السماء كالشعر الأبيض في مساحات واسعة، ويظهر مع الشمس في شكل هالة، ويتألف من بلورات ثلج صغيرة منفصلة عن بعضها البعض، ولونه أبيض نهاراً وردي صباحاً وعند الغسق (Dusk)، ويعقبه حدوث تقلبات جوية وأعاصير، ومنه سمحاق طبقي، وسمحاق ركامي.

[2] السحب المتوسطة :يترواح ارتفاعها بين 2_5 كيلومترات، وتسمى (السحب الركامية)، وهي تقابل اللفظة الأجنبية " كيوميولس Cumulus "ويبدأ تكون هذه السحب في فترة الضحى أو قبيل العصر، ويزداد نموها رأسياً مع اقتراب المساء، وترتفع حتى يصل سمكها إلى 5 كيلومترات .

ويصحب هذه السحب حدوث عواصف واضطرابات جوية، كالرعد والبرق، وخصوصاً مع بداية هطول المطر منها، وقد يصحب هذا المطر سقوط (برد) ..

تتنوع السحب الركامية إلى: سحب بيضاء وسحب ممطرة، وغيرها.

ويتألف السحاب الركامي من ثلاث طبقات، بعضها فوق بعض هي :

أ ـ منطقة عليا :وتحتوي بلورات ثلجية ناصعة البياض.

ب ـ منطقة وسطى:وتحتوي خليطاً من نقطة الماء الزائدة البرودة (over cold)، وبلورات الثلج المتساقطة من أعلى (بفعل الجاذبية الأرضية (Gravity).

ج ـ منطقة سفلى:وتحتوي على نقطاً من الماء أو بلورات من الثلج على أهبة الاستعداد للسقوط إلى الأرض، ولونها معتم غير منفذ للضوء .

[3] السحب المنخفضة:لا يزيد ارتفاعها على 600متر فوق سطح الأرض، وتسمى (السحب الطبقية) أو (السحب البساطية )، وتقابل بالأجنبية (Stratiform Clouds)تتكون هذه السحب في الجو المستقرن ولا يصاحبها حدوث عواصف رعدية، أو سقوط برد، ولذلك يرحب بها الناس عادة.

والسحب الممطرة (المزن) في جو الأرض قليلة إذا قوبلت بالسحب غير الممطرة، وهي كثيفة قاتمة، وليس لها شكل معين، وحوافها مهلهلة، وينهمر منها المطر أو الثلج بصفة مستمرة.

والسحاب الثقال ذكره القرآن بقول الله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ)[سورة الرعد:12].

وبقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ لرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ لثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[الأعراف:75].

وهذا السحاب الثقال نمط من السحب، يرتفع غلى 20 كيلومتراً عن سطح الأرض، ويصل قطره إلى 400كيلومتراً، وحمولته 500طن من الماء، ومحتواه الحراري يكفي لسد حاجيات دولة كبرى كالولايات المتحدة من الكهرباء، لثلث ساعة تقريباً .

ويسقط المطر على سطح الأرض وسطح البحار والمحيطات، فيعيد ما سبق أن أخذته الرياح منها، من ماء وطاقة حرارية، ثم امتصاصها بالتبخير إلى طبقات الجو العليا، ثم يمتص الماء والطاقة الحرارية مرة أخرى، ثم يعيدها المطر مرة أخرى، وهكذا في دورة مستمرة، عبر عنها القرآن المجيد بقول الله تعالى : (والسماء ذات الرجع) .

نعود إلى النصوص المذكورة صدر هذه المقالة، ففي النص القرآني الأول يوضح المولى جل جلاله أنه يزجي، أي :"يسوق" قطع السحاب برفق نحو بعضها البعض، ثم " يؤلف بينه" أي : يتم التجاذب فيما بينها نظراً لاختلاف شحناتها الكهربائية .

وهكذا فإن الفعل : يؤلف  يشير غلى التجاذب الكهربائي بين السحب الركامية. وأما كيف تتراكم الشحنات المتشابهة مع بعضها البعض في مكان واحد، فغير معلوم على وجه الدقة حتى الآن، فقد تكون السحابة الركامية مثلاً موجبة الشحنة عند القمة، ثم سالبة الشحنة في وسطها، ثم موجبة الشحنة عند قاعدتها، ثم تولد هذه الشحنة شحنة أخرى سالبة تحتها ... وبذلك فإن الفعل " يؤلف " المذكور في الآية يفيد التأليف بين السحاب ـ ضمن إفاداته الأخرى ـ من حيث الشحنات الكهربائية، أي : تجميع الشحنات المتشابهة والمختلفة داخل السحابة الركامية الواحدة والجملة القرآنية ( ثم يجعله ركاماً ) تعني أن الله يهيء الظروف لتراكم قطع السحب فوق بعضها البعض فتصبح " ركاماً " ويشبه الجبال، ولذلك جاء في نفس الآية القرآنية قول الله سبحانه : (وينزل من السماء من جبال فيها من برد )

فالسحب الركامية ضخمة وعالية ومتراكبة، أي أنها متراكمة في أحجام الجبال، كما عبرت الآيات القرآنية المعجزة .

نصل كلامنا بالفقرات السابقة، ونواصل تناول تعبيرات وجمل وكلمات الآيات الواردة في النصوص القرآنية التي صدرنا بها الحلقة المذكورة، لنرى قول الله تعالى: (فترى الودق يخرج من خلاله ) يعني المطر ذي القطرات الكبيرة تهبط من الفتوق التي تحدث بالتراكم من هذه الجبال، أي : الجبال السحبية. وأما " البرد " الذي جاء ذكره في قول الله تعالى : ( وينزل من السماء من جبال فيها من برد ) فقد تكلمنا عن نشأته آنفاً، وعلينا الآن أن نعرف آثاره المدمرة، إذ يسقط في شكل حبيبات ثلجية كروية، تتكون من طبقات شفافة ومعتمة، تشبه البصلة، ويصل وزن الواحدة رطلاً وثلث الرطل.

وقد حدث أن سقط البرد في نبراسكا في يوليو 1928م وسقط في كانساس في سبتمبر 1970م، وكانت حبات البرد حين تسقط تسبب خسائر اقتصادية خطيرة أحياناً، فلقد خسرت الولايات المتحدة في إحدى الفترات ما قيمته 300مليون دولار بسبب سقوط البرد على البلاد.

وهكذا يتبين من هذه الجزئية : (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ)كيف أن القرآن العظيم سبق العلم الحديث بإشارته إلى أن السحاب الركامي هو النوع الوحيد من السحب الذي ينزل منه (البرد) .
أما الجزئية التي أعقبت تلك الجزئية في نفس النص القرآني :( فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء ) تفيد بأن الله يصيب بالبرد أناساً، ويقي آخرين منه، أي أن تأثيره محلياً وليس عالمياً، بل وقد يكون في البلد الواحد حقل يسقط عليه البرد وحقل آخر لا يسقط عليه. ومن نافلة القول إن التنبؤ بموعد سقوط البرد أمر غير متاح بدقة حتى الآن ...!!

وأما الجزئية الأخيرة في هذا النص الكريم، فتتحدث عن " البرق " وهو حدث فيزيائي ينشأ كشرارة في الجو نتيجة مختلفتين، فإذا تم هذا التفريغ بين سحابة وبين جسم موجود على سطح الأرض (كجبل أو شجرة مثلا) سمى الناتج عن هذا التماس [صاعقة] .. وعند حدوث

التفريغ الكهربائي يرتفع فوق الجهد لدرجة تجعل الهواء موصلاً للكهرباء لأن ذراته قد تأينت فتمر الشرارة ويحدث البرق في زمن قليل قد لا يتعدى جزء من الثانية ...

والرعد يصاحب " البرق " وذلك لأن درجة حرارة شرارة البرق تصل إلى أكثر من 1000درجة مئوية، فيسخن الهواء ويتمدد وتحدث الفرقعة المدوية. وإذا نظر الإنسان في وجه البرق الشديد الضياء فإنه لا بد وأن يصاب بالعمى المؤقت، لذلك قال الله في نفس الآية القرآنية : (يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار)، ويشير النص القرآنية: (يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار)، ويشير النص القرآني الذي أثبتناه في الفقرة السابقة [الآية 48 من سورة الروم] إلى تكوين السحب البساطية، وكيف أنها تكون (كسفا) أي : طبقة رقيقة فوق طبقة رقيقة، أي كتلة أفقية تنمو دائماً أفقياً وليست رأسياً (كما هو الحال في السحب الركامية) .

وأما النص الثالث[ الآيات 68ـ 70من سورة الواقعة ]، فيشير إلى السحب الممطرة باللفظ "المزن "، وكيف أن الله أنزل الماء الصالح للشرب للمخلوقات الحية من هذه السحب الممطرة، وأنه قادر على جعله ملحاً أجاجاً بدل أن يجعله عذاباً فراتاً .

ونصل سريعاً إلى النص القرآني الأخير [ الآية 164من سورة البقرة]، وهي نص جامع شامل للعديد من الأمور الكونية والأحداث الطبيعية، ثم يختم المولى جل جلاله هذا النص بإظهار الحكمة من إيراده، وهي أن الله خلق وصنع وقدر وأحكم كل الظواهر والأشياء لكي يتفكر الإنسان فيها ويتدبر عظمة الخالق جل جلاله .. ونمر سريعاً مع هذا النص الكريم لنفهم بعضاً مما ورد فيه:

[1] (إن في خلق السماوات والأرض]، أي في إبداعها وإبداع الدقة والإحكام فيهما، والسموات والأرض هما الكون كله ـ عموماً ـ بما فيه من أجرام فلكية، وليس المدلول اللفظي للكلمات فقط، وذكر هما يدل أيضاً على ما بينهما من مخلوقات.

[2] (واختلاف الليل والنهار)أي : حدوثهما وتعاقبهما وعدم تساوي مدتيهما يومياً . ويدل هذا ضمناً على دوران الأرض حول محورها أمام الشمس . ولا شك أن طول كل منهما يختلف في المكان الواحد من فصل إلى آخر، كما يختلف طول كل منهما في الفصل الواحد حسب خط عرض المكان.

[3] (والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس).

وفي هذا إنعام من الله على الإنسان، أن خلق لخدمته ظاهرة الطفو على سطح الماء، ليركب الإنسان السفن، ويتنقل هنا وهناك ويدير حركة التجارة البحرية وغير ذلك من شئون الحياة.

[4] (وما أنزل الله من السماء من ماء)،هو المطر، والمطر هو المصدر الأساسي لماء الأرض، وهو ـ في الأحوال الطبيعية العادية ـ عذب فرات صالح للشرب.

إذاً (فأحيا به الأرض بعد موتها ) وإحياء التربة هو إنباتها للنبات، فيظهر لها رونق وجمال ونضرة، وتدب الحياة فيها وعليها.

[6] (وبث فيها من كل دابة)،لفظة " بث " تعني فرق ونشر ووزع، والدابة هي كل ما يدب على الأرض وأغلب استعمالها في اللغة لحيوانات الركوب والأحمال.

[7] (تصريف الرياح)يعني توجيهها وتيسيرها وتوزيعها بقدرة الله، وقد شرحنا هذا في حلقة سابقة.

[8] (والسحاب المسخر بين السماء والأرض)أي : السحب التي تسير وفق إرادة الله فهي مسخرة في نشأتها وفي حركتها وفي وجهتها، تبعاً لإرادة الله، إذ لو بقي السحاب معلقاُ في  الهواء لكثر وتعاظم وزادت أحجامه واتسعت مساحاته وحجب ضوء الشمس عن المخلوقات، وفي هذا ضرر شديد، وإذا تكاثر السحاب ودام لاستمر هطول الأمطار وغرقت الأرض، وفي هذا أيضاً ضرر شديد .

لكن الله يسوق الرياح فتحرك السحاب وتقوده إلى حيث يشاء الله، وينزل منه المطر في الوقت والمكان اللذين تحددهما المشيئة الإلهية، التي شاءت أيضاً أن ينزل هذا القرآن هداية للناس ومنهاجاً لصلاح دنياهم وآخرتهم .

 

 

 

تكون المطر والبرد
 

 بقلم للشيخ عبد المجيد الزنداني

 قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ) (النور:43) يقول الشيخ عبد المجيد الزنداني : درسنا السحاب لمدة سنتين تقريباً في جامعة الملك عبد العزيز مع

صورة للسحاب على شكل قزع

 قسم الأرصاد في جدة فعند الدراسة ظهرت لنا أن هناك أنواع متعددة من السحب، لكن الأنواع الممطرة ثلاثة أنواع فقط، فلما راجعت القرآن وجدت أن القرآن ذكر الأنواع الثلاثة بالضبط، ووصف كل نوع منها وصفاً دقيقاً هذا الوصف.. هذا الوصف لكل سحاب يختلف تماماً عن وصف السحاب الآخر، فالسحب الممطرة ثلاث أنواع

 منها النوع الركامي، يقول الله –جل وعلا- في السحاب الركامي: (ألم تر أن الله يزجي سحاباً ثم يؤلف بينه) يعني الآن يصنف لنا القرآن طريقة تكوين السحاب الركامي، ووجد أن السحاب الركامي يتكون هكذا، يزجي أي يسوق برفق يتكون (قزع)

 ثم يساق هذا (القزع) إلى خط تجمع السحاب فيساق برفق إلى خط هذا التجمع (ألم تر أن الله يزجي سحاباً ثم يؤلف بينه -في هذا الخط- ثم يجعله ركاماً) يقوم فوقه فوق بعض (ثم يجعله ركاماً فترى الودق يخرج من خلاله) يعني قطرات المطر تخرج متى؟ إذا حدث الركام (فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار) وصف كامل بالضبط لطريقة تكوين السحاب، للظواهر المصاحبة لتكوينه، للنتائج المترتبة عليه، قلنا يبدأ بالسوق، ثم بتأليف، ثم بالتراكم،  فينزل المطر، تغير حرف العطف انظر الدقة على

هذه الصورة التقطت عن طريق الأقمار الصناعية تبين سوق الرياح للسحاب كأن يداً خفية تقوم بتوجيه حركة السحاب .

 مستوى الحرف، لأن الفترة من فترة السوق إلى التأليف تأخذ زمن، ومن التأليف إلى نهاية الركم تأخذ زمن، لكن بعد أن ينتهي الركم إلى نزول المطر بدون وجود زمن، ولذلك كان الفارق في هذا الحرف (فاء) عبر بالفاء الذي يدل على التعقيب والترتيب، بسرعة، ولذلك قال (ألم تر أن الله يزجي سحاباً ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاماً –فـ- فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال)  يعني يقول لك أنظر إلى  السماء (وينزل من السماء.. من جبال) ما الجبال (فيها من برد) إذن هي سحاب (وينزل من جبال فيها من برد) لا يتكون البرد إلا في السحاب الركامي، الذي تختلف درجة حرارة قاعدته عن قمته، وبسبب هذا الشكل الجبلي للسحاب يتكون البرد، الشكل الطبقي لا يتكون فيه برد ولذلك قال: (وينزل من السماء من جبال) يجب أن  يكون السحاب على شكل جبل.

صورة للسحاب التي لها شكل الجبال التي يتكون منها البرد

(وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء) الله الضمير يرجع إلى البرد (وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به –أي بالبرد- فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء).

يقول علماء الأرصاد يتكون البرد وينزل إلى قاعدة السحاب وفجأة يأتي تيار هوائي يصرفه ويعيده إلى وسط السحاب.

 أما  كيف نفهم قوله تعالى :(فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء) يعني

هذه صورة توضيحية لحركة البرد داخل السحابة الركامية

كان متجهاً إلى قوم... فقال له ارجع اطلع فوق، وتتبع علماء الأرصاد ذلك... فوجدها دورة يدورها.. تدورها البردة تكون غلاف فلما تنزل البردة إلى الأرض نحسب كم غلاف نعرف كم دورة دارت هذه البردة في جسم السحابة (فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار) سنا برقه يعني لمعان برقه، و الكلام كله عن البرد (فيصيب به- أي بالبرد- من يشاء ويصرفه- أي يصرف البرد- ويصرفه عمن يشاء يكاد سن

صورة لكيفية تكون البرق والرعد

ا برقه) لمعان برقه، أي  برق البرد، في عام 1985م قُدِّم ولأول مرة في مؤتمر دولي أن البرد هو السبب الحقيقي لتكوين البرق

فعندما يتحول البرد من سائل إلى جسم صلب تتكون الشحنات الكهربائي الموجبة والسالبة، عندما تدور حبة البرد توزع الشحنات الموجبة والشحنات السالبة، عندما يستمر الدوران تقوم بعملية التوصيل فالبرد.. فالبرق من البرد.

 

 

مواضيع ذات علاقة

اسم الموضوع

هجري

تاريخ الموضوع

الإعجاز في علوم الأرض في القرآن الكريم

30 شعبان 1429

2008/08/31