بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مرحبا بكم مع الشيخ خالدالمغربي - المسجد الأقصى

025

الفرقان

آية رقم 053

وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا

صدق الله العظيم

 

عندما يلتقي النهر العذب بالبحر المالح
 

إنها آية عظيمة حدثنا فيها الله تبارك وتعالى عن حقيقة علمية موجودة بين النهر والبحر، في المنطقة التي تسمى منطقة المصب (أي مصب النهر في البحر) إنها منطقة حساسة جداً ومهمة جداً، ولم يدرك أهميتها العلماء إلا حديثاً، في السنوات القليلة الماضية.

فقد قام علماء من الولايات المتحدة الأمريكية ببحثٍ حديثٍ جداً قبل أشهر قليلة في دراسة هذه المنطقة، أي المنطقة التي يصب فيها النهر العذب في البحر المالح، وقد نزلوا بأجهزتهم إلى أعمق نقطة في منطقة المصب، وطبعاً جميع الأنهار كما نعلم تصب في البحار، فكل نهر له منبع ينبع من منطقة معينة ثم يسير ثم ينتهي عند البحر حيث يصبّ هذا الماء العذب ويخترق الماء المالح لعدة كيلو مترات ويقذف مياهه في البحر المالح.

والظاهرة التي حدثنا عنها القرآن أنه على الرغم من تدفق الأنهار العذبة إلى البحار المالحة لا يحدث أي طغيان لهذا على ذاك، أي أن البحر المالح على الرغم من ضخامته لا يمكن أن يطغى على النهر أو يجعل ماءه مالحاً.

وطبعاً هذه الحقائق لم تكن معلومة زمن نزول القرآن، بل استرعت انتباه العلماء حديثاً، بعدما حدث التلوث الكبير في البيئة وحدث التلوث في الأنهار أيضاً، كانت منطقة المصب هذه هي صمام الأمان لهذه المياه العذبة التي سخرها الله تبارك وتعالى لنا.

عندما قام العلماء بحساب كميات الماء الموجودة على سطح الأرض وجدوا أن هذه المياه 97.5 بالمائة منها مياه مالحة، واثنان ونصف في المائة هي مياه عذبة، وثلثي المياه العذبة يتركز في المناطق الجليدية، في القطبين الشمالي والجنوبي، أي 69 بالمائة من المياه العذبة موجودة على شكل مياه متجمدة، والثلث الباقي هو مياه جوفية ومياه موجودة في التربة، ورطوبة محمولة في الجو والغيوم وغير ذلك، ولا يوجد أنهار وبحيرات إلا أقل من ثلاثة بالألف من المياه العذبة، أي أن كل ما نراه من أنهار وبحيرات وينابيع جميعها لا تشكل إلا أقل من ثلاثة بالألف من المياه العذبة، والمياه العذبة لا تشكل إلا اثنان ونصف بالمائة من مجموع المياه على ظهر هذا الكوكب.

وفي رحلة بحث العلماء عن مصادرَ للمياه العذبة، كان لا بد من دراسة التلوث في الأنهار، التلوث الكبير الذي أحدثته مخلفات التكنولوجيا الحديثة. وكانت المنطقة المهمة جداً والحساسة جداً هي منطقة المصب بين النهر والبحر، فقام هؤلاء العلماء بدراسة هذه المنطقة دراسة دقيقة، وخرجوا بعدد من النتائج وربما نُذهب إذا علمنا أن الله تبارك وتعالى قد جمع كل هذه النتائج في آية واحدة، وذلك عندما قال: (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً).

فالنتيجة الأولى التي وصل إليها هؤلاء العلماء: أن هذه المنطقة يحدث فيها تمازج مستمر للماء العذب مع الماء المالح، وهذا يعني أن الله تبارك وتعالى عندما قال (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) أي خلق البحرين (البحر العذب والبحر المالح ) وهنا لا بد أن نتعرف لماذا قال الله تبارك وتعالى (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) ولم يقل (مرج النهر والبحر).

فعندما درس العلماء هذه المنطقة أي منطقة المصب وجدوا أن هنالك تمازجاً واختلاطاً مستمراً للماء العذب مع الماء المالح، ووجد العلماء أيضاً أن هنالك اختلافات كبيرة في درجات الحرارة وفي نسبة الملوحة وفي كثافة الماء، في هذه المنطقة بالذات.

ونلاحظ هذه الاختلافات من خلال المنحنيات البيانية التي رسمها هؤلاء الباحثون فقد درسوا درجة الحرارة في منطقة المصب ووجدوا أن هنالك اختلافاً وفوارق كبيرة بين الليل والنهار ومن فصل لآخر. ووجدوا أن هنالك اختلافات في ملوحة هذه المنطقة بسبب اختلاط الماء العذب مع الماء المالح.

والشيء الجديد الذي وجده هؤلاء العلماء لأول مرة: أن طبيعة الجريان أي جريان الماء العذب داخل الماء المالح هو جريان مضطرب وليس مستقراً، والجريان المستقر يكون جرياناً صفائحياً لا توجد فيه اضطرابات، بينما الجريان المضطرب للماء يعني وجود دوامات وهنالك اختلافات في سرعة الجريان من نقطة لأخرى.

نستطيع أن نلخص بحث هؤلاء العلماء في ثلاثة نقاط أساسية:

أن منطقة المصب يتم فيها مزج دائم للماء المالح مع الماء العذب.

ويتم فيها اضطراب في الجريان.

وهنالك اختلافات كثيرة في الكثافة والملوحة والحرارة.

وعندما رجعت إلى قواميس اللغة لأبحث عن كلمة مرج (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ) وجدت أن هذه الكلمة تتضمن المعاني الثلاثة التي وجدها العلماء حديثاً. فمن معنى كلمة مرج (أي خلط ومزج). وهنالك معنى آخر (المرج هو الاختلاف أيضاً). والمعنى الثالث (المرج هو: الاضطراب ).

لذلك قال تعالى عن أولئك المشككين الذين هم في اضطراب من أمرهم (فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) [ق: 5] أي مضطرب لا يستقر، أي أن كلامهم عن القرآن وتشكيكهم برسالة الإسلام أشبه بإنسان مضطرب لا يستقر ولا يستقيم (فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) أي أمر مضطرب.

وهنا يعجب الإنسان المؤمن من دقة هذا التصوير الإلهي أن الله تبارك وتعالى اختار كلمة واحدة ليصف بها العمليات الفيزيائية الدقيقة التي تحدث في هذه المنطقة، ولذلك عندما قال: (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) في كلمة مرج قمة الدقة العلمية.

ولكن السؤال لماذا قال: (الْبَحْرَيْنِ) ولم يقل (النهر والبحر) كما قلنا منذ قليل؟

عندما درس العلماء البحار وجدوا أن الأنهار ليست هي المصدر الوحيد للمياه العذبة هنالك في قاع المحيطات وتحت قاع المحيطات خزانات ضخمة للمياه العذبة تتدفق باستمرار من قاع المحيطات، وهذه الخزانات الضخمة يبلغ حجمها أضعاف ما يضخه النهر في البحر.

في كل نبع في قاع المحيط يضخ كميات من المياه العذبة أضعاف ما يضخه ذلك النهر.

وهنا ندرك لماذا قال الله تبارك وتعالى: (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) لأن هنالك بحراً عذباً وخفياً لا نراه بأعيننا ولكنه موجود، وهذه المياه العذبة التي تتدفق من قاع المحيطات أحياناً تصل إلى سطح الماء، تسير آلاف الأمتار حتى تصل إلى سطح الماء، وتظهر لنا الأقمار الاصطناعية التي قامت بتصوير هذه المحيطات والخلجان بالأشعة تحت الحمراء تظهر وجود هذه الينابيع التي تمتزج بشكل دائم مع المياه المالحة.

إذا دققنا في هذه الصور نلاحظ أن ماء النبع العذب نجد أنه يتلون في الصورة طبعاً بلون آخر، يدل على أن هذه المنطقة تحوي مياه عذبة باردة، تكون عادة باردة. وهنا نجد الله تبارك وتعالى دقيق في تعابيره عندما قال (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) أي أن هنالك بحراً عذباً غير الأنهار التي نهراها، هنالك بحراً عذباً في قاع المحيطات، وهنالك بحراً مالحاً.

(هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ) وهذه الكلمات الرائعة توقفت عندها طويلاً، وقلت لماذا قال الله تبارك وتعالى (هذا عذب فرات)، لم يقل عذب فقط، ولماذا قال (هذا ملح أجاج)، ولم يقل ملح؟

وهنا سوف نكتشف معجزة في هذه الكلمات الأربعة: عذب - فرات - ملح - أجاج

فمياه الأنهار ليست عذبة مائة بالمائة، إنما تحوي نسبة ضئيلة من الأملاح والمعادن وبعض المركبات الكيميائية. ومياه البحار أيضاً فيها ملوحة زائدة، فعني في كل متر مكعب من مياه البحر هنالك بحدود 35 كيلو غرام من الملح،هنالك ملوحة زائدة في هذه البحار لذلك قال الله تعالى: (وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ).

عن المياه العذبة لم يقل (هذا عذب) فقط، إنما قال (فُرَاتٌ) وكلمة (فرات) في اللغة أي: المستساغ المذاق، لو كانت مياه النهر عذبة مائة بالمائة ليس لها طعم، وليس لها أي شيء يستساغ، ولكن عندما تمتزج مع هذه الأملاح والمعادن إلى آخره فإنها تكسبها هذا الطعم المستساغ الذي نُحس به أثناء شربنا لهذه المياه العذبة.

عندما قال تبارك وتعالى (هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ) إنما تعامل القرآن مع قضية المياه بدقة علمية كبيرة، فعلماء المياه اليوم يصنفون المياه حسب درجة الشوائب التي فيها، أو الأملاح التي تحتويها، فالماء المقطر هو ماء عذب مائة بالمائة، والماء الفرات هو ماء الأنهار يحوي نسبة ضئيلة جداً من الأملاح لا نحس بها ولكنها موجودة، والله تبارك وتعالى عبر عن ذلك بكلمة فرات (هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ). أما المياه الخاصة بمياه البحار: هذه المياه تحتوي كميات زائدة من الملح، لم يكن أحد يعرف ذلك الأمر ولكن القرآن وصف لنا بأن ماء البحر هو (مِلْحٌ أُجَاجٌ)


 

ولو تابعنا تدبر الآية الكريمة يقول تبارك وتعالى:

1- (وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً) جعل بين البحر المالح والنهر العذب برزخاً: أي مسافة فاصلة يمتزج فيها هذين البحرين ولا يطغى أحدهما على الآخر، هذه المنطقة هي المنطقة الحساسة جداً التي سماها العلماء منطقة المصب. ولم يكن أحد يعلم شيئاً عن هذه المنطقة، يعني حتى كلمة (المصب) أو (منطقة المصب) تحديداً هذا مصطلح علمي حديث لم يكن موجوداً زمن النبي عليه الصلاة والسلام، ولم يكن أحد يعلم شيئاً عن وجود برزخ أو منطقة فاصلة.

وبالفعل ثبت أن هذه المنطقة الفاصلة بين البحر المالح والنهر العذب، هذه المنطقة لها خصائص ولها ميزات ولها صفات تختلف عن كلا البحرين (العذب والمالح).

2- (وَحِجْراً مَحْجُوراً) أي أن هنالك حجر أشبه بالجدار الذي يحجز ماء النهر عن ماء البحر، كأن هنالك منطقة محصنة وحجراً محجوراً أي حصناً منيعاً لا يسمح لأحد البحرين أن يطغى على الآخر، وهذا ما وجده العلماء حديثاً، ولم يتسرب الخلل إلى هذه المنطقة إلا عندما لوث الإنسان الأنهار ولوث البحار فاختل التوازن في هذه المنطقة.

اليوم يعمل العلماء على إعادة التوازن لمنطقة (المصب) بسبب حساسيتها وأهميتها البيئية، وهذا ما أخبرنا به القرآن عندما قال: (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً) يعني انتبه أيها الإنسان إلى أهمية هذه المنطقة، لا تلوثها لأن الله تبارك وتعالى جعلها منطقة توازن حساسة جداً، وهي تشكل مصدراً لك ولغيرك من المخلوقات التي تعيش في هذه المنطقة.


 

والآن نتساءل عن الهدف من وراء ذكر هذه الحقيقة العلمية في القرآن الكريم؟

لماذا حدثنا الله تبارك وتعالى عن برزخ، وعن ماء فرات، وماء أجاج وحجر محجور وامتزاج واختلاط واضطراب لماذا؟ إذا تدبرنا سورة الفرقان حيث وردت هذه الآية، نلاحظ أن الله تبارك وتعالى أحياناً يخبرنا عن الهدف من الحقيقة العلمية قبل ذكر الحقيقة، فقبل هذه الآية ماذا يقول تبارك وتعالى بعدما عدد آيات كثيرة عن البحار وعن المياه وعن الرياح وغير ذلك آيات كونية ذكرنا بنعمه عز وجل قال: (فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) [الفرقان: 52] هذه الآية ماذا تعني؟

تعني أن كل مؤمن مطلوب منه أن يجاهد في سبيل الله ولكن بما يتناسب مع العصر الذي يعيش فيه، فالقرآن الكريم ذكر الجهاد في كثير من مواضعه ولكن المرة الوحيدة التي ذكر فيها الجهاد الكبير كانت في هذه الآية.

يقول تعالى: (فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ) أي بالقرآن (جِهَادًا كَبِيرًا)، (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا) [الفرقان: 53] كأن الله تبارك وتعالى يريد أن يوصل لنا رسالة من خلال هذه الحقيقة الكونية، أنه سيأتي زمن يكون فيه الجهاد الكبير هو الجهاد بالعلم، الجهاد بحقائق القرآن، إذ أننا عندما نُخاطَب يقول الله تعالى لنا (وَجَاهِدْهُمْ بِهِ) أي بالقرآن جهاداً كبيراً، كيف نجاهد غير المؤمنين بالقرآن؟ من خلال تعريفهم على حقائق القرآن.

وبما أننا نعيش عصر العلم وعصر التقنيات العلمية وعصر الاكتشافات العلمية فكانت أفضل وسيلة لدعوة غير المسلمين إلى الإسلام هي لغة الحقائق العلمية التي أودعها الله في هذا الكتاب لأن الله تبارك وتعالى عندما حدثنا عن هذه الحقيقة إنما حدثنا لهدف وهو أن تكون هذه الحقيقة سلاح بأيدينا نحن المسلمين لدعوة غير المسلمين إلى طريق الله تبارك وتعالى.

ــــــــــــــ

بقلم عبد الدائم الكحيل

www.kaheel7.com

[1] Rocky Geyer, Where the Rivers Meet the Sea, Oceanus, December 16, 2004.

2- Matthew Charette, Ann Mulligan, Water Flowing Underground, Oceanus, December 10, 2004.

3- What is an estuary, www.estuarylive.org

 

 

مروج وأنهار أرض العرب في الماضي والمستقبل
 

دراسة في الإعجاز العلمي للقرآن و السنة

بقلم أ.د/ على صادق

قسم الجيولوجيا – كلية العلوم – جامعة القاهرة

هذه المحاضرة ألقيت في مؤتمر الإعجاز العلمي في القرآن والسنة الذي عقد في مصر ـ جامعة المنصورة ـ والذي حضره حشد غفير من المهتمين يمكن تحميل نص المحاضرة على شكل ملف بوربوينت لاستعراض المحاضرة على شكل شرائح

أضغط هنا للتحميل

 

 

 

أسرار البرزخ المائي بين الماء العذب والماء المالح
 

بقلم الباحث المهندس عبد الدائم الكحيل

نعيش مع أحدث الاكتشافات العلمية حول المنطقة التي يلتقي فيها النهر العذب مع البحر المالح، وكيف يتطابق العلم الحديث مع ما جاء به القرآن قبل أربعة عشر قرناً، لنقرأ...

 يقول تعالى: (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا) [الفرقان: 53]. تحدثت هذه الآية عن نعمة من نعم الله تعالى علينا، وهي أن جعل بين النهر العذب والبحر المالح برزخاً منيعاً يمنع طغيان أحدهما على الآخر ويحافظ على التوازن المائي على كوكب الأرض، ولذلك قال: (وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا). ونلاحظ من هذه الآية أن البحر يمكن أن يكون عذباً فراتاً ويمكن أن يكون ملحاً أجاجاً. وفي هذه الآية إشارة أيضاً إلى وجود حاجز منيع وقوي سمّاه القرآن (البرزخ).

إن الذي يتأمل هذه الآية يدرك أن الله تعالى يتحدث عن معجزة عظيمة وآية كبرى، وهي امتزاج الماء العذب بالماء المالح عبر حاجز منيع وحِجرٍ محكم. وكأن الله تعالى يعطينا إشارة إلى أهمية هذه المنطقة، أي منطقة مصبّات الأنهار في البحار، وهذا ما سنراه الآن علمياً.

ما هو الحِجْر؟

يقول الفيروز آبادي في معجم القاموس المحيط: "الحَجْرُ: المَنْعُ، ونشأَ في حِجْره أي: في حِفظِه"[1]. ونستطيع أن نستنتج أن هنالك حاجزاً منيعاً ومحفوظاً برعاية الله تعالى، أو أن هنالك منطقة من الماء محاطة بحواجز كأنها حجرة مغلقة، ويقول ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: "وهو الذي مرج البحرين: أي خلق الماءين، الحلو والملح. فالحلو كالأنهار والعيون والآبار، وهذا هو البحر الحلو. وجعل بينهما برزخاً: أي حاجزاً، وحِجراً محجوراً: أي مانعاً من أن يصل أحدهما إلى الآخر[2]". ولكن ماذا عن العلم الحديث وماذا يقول في ذلك؟

أهمية البرزخ المائي

البرزخ المائي هو منطقة تقع على مصبات الأنهار عندما يلتقي النهر مع البحر، أي عندما يلتقي الماء العذب بالماء المالح، وهي منطقة تعتبر مغلقة ومحاطة بحاجز مائي أو من اليابسة. يسميها العلماء اليوم estuaryوتحظى هذه المناطق باهتمام كبير من قبل العلماء، لأن امتزاج الماء العذب بالمالح هي ظاهرة فريدة ورائعة حقاً[3].

إن الذي يزور منطقة المصب هذه أو التي يسميها القرآن بمنطقة الحاجز أو البرزخ يلاحظ الاختلافات الكبيرة في هذه البيئة والفروقات في كثافة المياه ودرجة ملوحتها ودرجة حرارتها من لحظة لأخرى ومن فصل لآخر[4]، أي أن هنالك عملية مزج وخلط وتداخل مستمر للماء العذب والماء المالح.

وربما نعجب إذا علمنا أن كلمة (مَرَجَ) الواردة في قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) تعبر تعبيراً دقيقاً عن العمليات التي تتم في هذه المنطقة والتي رصدها العلماء حديثاً.

ففي القاموس المحيط نجد معنى كلمة (مَرَجَ): خَلَطَ، وأمر مَرِيج: مختلط، والمَرجُ: الاختلاط والاضطراب[5]. وفي تفسير ابن كثير: "المريج: المختلف المضطرب الملتبس المنكر خلاله، كقوله تعالى (إنكم لفي قول مختلف) [الذاريات: 8]"[6].

والعجيب جداً أن ما يحدث فعلاً في منطقة المصب يشمل جميع هذه المعاني، أي أن الكلمة القرآنية تعبّر تعبيراً دقيقاً عن حقيقة ما يحدث، كيف لا تعبر عن الحقيقة وهي منزّلة من خالق هذا المصب سبحانه وتعالى؟

أقسام منطقة المصب

يقسّم العلماء اليوم منطقة المصب إلى ثلاثة أقسام:

1- منطقة الماء العذب من جهة النهر.

2- منطقة الماء المالح من جهة البحر.

3- منطقة الحاجز بين النهر والبحر، وهي ما يسميه القرآن بالبرزخ.

ويمكن أن يمتد تأثير المياه العذبة على المياه المالحة لمئات الكيلو مترات في البحر. وبالرغم من وجود الكثير من مصبات الأنهار في العالم، إلا أنه لا يوجد برزخ يشبه الآخر! فكل برزخ يتميز بخصائص محددة عن غيره تتبع الاختلاف في درجة الملوحة، والاختلاف في درجة الحرارة، وهذا يتبع درجة ملوحة ماء البحر، وطول النهر، وغير ذلك من العوامل مثل درجة الحموضة PH  وكمية العوالق في ماء النهر وسرعة تدفق ماء النهر...[7].

 

صورة بالقمر الاصطناعي التابع لوكالة ناسا لمصب "ريو دي لابلاتا" في الأرجنتين، وتظهر منطقة البرزخ واضحة مميزة بخصائصها وألوانها[8].

المنطقة المحجورة

في منطقة المصب، حيث يلتقي النهر مع البحر، هذه المنطقة تتميز بوجود اختلاف كبير في درجة الملوحة ودرجات الحرارة، وعلى الرغم من ذلك هنالك كائنات ونباتات وحيوانات تأقلمت وتعيش في هذه المنطقة.

إن الكائنات التي تعيش في الماء المالح لا تستطيع الحياة في الماء العذب، لأن خلايا جسدها تحوي تركيزاً محدداً من الملح وبمجرد إلقائها في الماء العذب سوف تموت بسبب دخول الماء العذب إلى جسمها بكميات كبيرة.

الكائنات التي تعيش في الماء العذب أيضاً لا يمكنها أن تعيش في الماء المالح للسبب ذاته، أما الكائنات التي تعيش في المنطقة الفاصلة بين النهر والبحر أي منطقة البرزخ فهي أيضاً لا يمكنها أن تعيش خارج هذه المنطقة لأنها تأقلمت معها، وبالتالي يقوم اليوم العلماء بدراسة منطقة المصب كمنطقة مستقلة لها طبيعتها وقوانينها وكائناتها.

وهذا يدل على أن منطقة المصب هي منطقة محجورة ولها استقلاليتها ومحفوظة أيضاً برعاية الله تعالى، وهي منطقة مغلقة تشبه الحجرة المغلقة، ومن هنا يمكن أن نفهم بعمق أكبر معنى قوله تعالى(وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا).

 

هنالك كائنات عديدة تعيش في منطقة المصب بين النهر والبحر، وقد زوّدها الله تعالى بأجهزة تستطيع التأقلم مع الاختلافات الكبيرة في درجات الحرارة والملوحة في هذه المنطقة. وهذه أسماك تأقلمت مع الاختلاف المستمر في درجة الملوحة والحرارة، وهذه الكائنات لا تستطيع العيش إلا في هذه المنطقة، وكأن منطقة البرزخ هذه محجورة ومحفوظة وتمنع دخول أي كائنات أخرى إليها.

اختلاط واضطراب واختلاف

من عظمة البيان القرآني أنه يعطينا التعبير العلمي الدقيق والمختصر في أقل عدد من الكلمات، فكلمة (مَرَجَ) تتضمن العديد من المعاني أهمها:

1- الخلط:يقول العلماء إن هنالك خلطاً ومزجاً مستمراً للماء المالح بالماء العذب، وهذا الخلط لا يتوقف أبداً، إذ أن سطح الماء يرتفع وينخفض باستمرار وبنظام محكم، ويبقى كل ماء منفصل عن الآخر بمنطقة محددة بينهما هي ما سمّاه القرآن بالبرزخ، هذا البرزخ قد يمتد لعدة كيلو مترات. ومن معاني كلمة (مرج): خلط، كما رأينا.

 

نرى في هذا الشكل نهر الفرايزر الذي ينبع من كولومبيا ويصب في مياه المحيط المالحة. ونرى كيف تتشكل الجبهة المالحة والتي تعتبر بمثابة حاجز محكم تمر من خلاله المياه العذبة إلى المياه المالحة. ونرى أيضاً كيف يطفو الماء العذب على سطح الماء المالح، وعندما درس العلماء جريان الماء في هذه المنطقة وجدوه جرياناً مضطرباً، مع العلم أن الذي ينظر إلى الماء يظنه ساكناً، وهذا يتوافق تماماً مع قوله تعالى (مرج البحرين)، والمرج هو الاضطراب، فسبحان الذي يعلم السرّ وأخفى!

2- الاضطراب: إذا نظرنا إلى منطقة المصب نلاحظ أن الجريان مستقر، وأنها منطقة هادئة غالباً. ولكن التجارب الجديدة في منطقة البرزخ المائي بين النهر العذب والبحر المالح أشارت إلى أن الجريان هو جريان مضطرب، وهذه معلومات دقيقة لم يصل إليها العلماء إلا حديثاً جداً[9]. وهذا هو أحد معاني كلمة (مرج).

 

باحثون يقومون بأخذ عينات من ماء ورواسب منطقة البرزخ بين النهر والبحر (منطقة المصب)، لقد وجد هؤلاء العلماء أن هنالك مزجاً مستمراً للماء المالح بالماء العذب، كما وجدوا اختلافات كبيرة في نسبة الملوحة والحرارة والكثافة من منطقة لأخرى ومن وقت لآخر، ووجدوا أيضاً أن الجريان تحت سطح الماء مضطرب، مع العلم أنه يظهر للعين وكأنه مستقر، إذن وجدوا ثلاث حقائق في هذه المنطقة وهي: اضطراب الجريان، واختلاط الماء باستمرار، واختلاف خصائص الماء، وهذه المعاني الثلاثة تجمعها كلمة واحدة هي (مَرَجَ)، فسبحان الله!

3- الاختلاف:هنالك اختلاف في درجات الحرارة والملوحة تبعاً لليل والنهار، المنحني الأسود المتعرج يمثل المدّ والجزر، أي يمثل ارتفاع مستوى سطح الماء وانخفاضه بين الليل والنهار، يمثل الخط الأحمر اختلاف درجة الحرارة بين الليل والنهار، أما الخط الأزرق فيمثل اختلاف درجة الملوحة بين الليل والنهار. طبعاً عندما يرتفع مستوى سطح البحر فإن درجة ملوحة الماء تزداد في منطقة البرزخ، بينما عندما يكون البحر في حالة الجزر، فإن كمية الماء العذب المتدفقة من النهر تزداد، وبالتالي تنخفض ملوحة الماء في منطقة المصب.

وتجدر الإشارة إلى أن الاختلاف في درجة الملوحة يتبع الليل والنهار والشهر والفصل ودرجة الحرارة وحركة المد والجزر. وربما نتذكر قوله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) [آل عمران: 190]. ففي هذه الآية الكريمة إشارة إلى الاختلافات والتغيرات الكثيرة التي نشاهدها خلال الليل والنهار، ومنها الاختلافات في الحرارة والملوحة في منطقة البرزخ. وتتضمن كلمة (مرج) هذا المعنى.

 

منحني بياني يمثل الاختلاف في درجات الحرارة والملوحة، وذلك في خليج Narragansettحيث يختلط الماء العذب بالماء المالح. الخط الأحمر يمثل الاختلاف في درجة حرارة الماء، أما الخط الأزرق فيمثل الاختلاف في درجة ملوحة الماء، ونلاحظ أن درجة حرارة الماء تراوح بين 3 درجات تقريباً و 6 درجات مئوية تبعاً لليل والنهر وذلك خلال الشتاء (شهر مارس/آذار). أما درجة الملوحة فتنخفض إلى 10 أجزاء بالألف، وتصل حتى 30 جزءاً بالألف. طبعاً الخط الأسود يمثل المد والجزر، أي يمثل ارتفاع مستوى سطح الماء وتغيره خلال الليل والنهار[10].

 

حساسية البرزخ المائي

إن الذي يتأمل التعبير القرآني (برزخ)، يلاحظ أن هنالك مسافة تفصل بين النهر العذب والبحر المالح، وهذه المنطقة حساسة جداً، فالبرزخ هو الحاجز بين الشيئين[11]. وقد ثبُت علمياً أن هذا البرزخ المائي حساس جداً ويجب العناية به، فهو آية من آيات الله ونعمة ينبغي أن نحافظ عليها، ولكن ما الذي حدث؟

لقد كان الناس وحتى السنوات القليلة الماضية يجهلون طبيعة وأهمية وحساسية هذا البرزخ، ولكن اكتشفوا ذلك بعدما تلوث عدد كبير من مصبات الأنهار في الدول المتقدمة صناعياً، مثل الولايات المتحدة الأمريكية.

فقد وجد العلماء أن منطقة المصبات تحوي ترسبات في قاعها تتراكم خلال السنوات الماضية، وكل طبقة تعبر عن سنة، وتعطي فكرة واضحة عن البيئة السائدة في ذلك الوقت، وعن نوعية الملوثات التي كان يتم إلقاؤها في هذه المنطقة، أي أن منطقة البرزخ لها ذاكرة ممتازة[12]!

واليوم تُصرف بلايين الدولارات على تنظيف مصبات الأنهار في الولايات المتحدة الأمريكية. ويقول الباحثون إنهم كانوا يجهلون التأثير السيئ للنفايات الصناعية والملوثات على هذه المناطق الحساسة بيئياً، ولو أن هؤلاء العلماء علموا بأهمية هذه المناطق لكانوا أكثر حفاظاً عليها.

 

تعتبر منطقة مصبات الأنهار في البحار من أجمل المناطق وأكثرها غنى وقد نشأت كثير من الحضارات حولها، ومنطقة المصب تكون عادة محاطة بالغابات والنباتات المنوعة من أطرافها الثلاثة ومفتوحة على البحر حيث يختلط الماء العذب بالماء المالح. إن منطقة المصبات لها خصائص وميزات رائعة، فكل شيء في هذه البيئة المميزة يختلف عما يحيط بها، فهي بيئة محفوظة ومحجورة وممنوعة من أي كائنات حية أخرى غير الكائنات التي تعودت على العيش فيها، ولها خصائص فيزيائية وكيميائية أيضاً تتميز بها عن غيرها من المناطق.

تعتبر منطقة مصبات الأنهار في البحار من أجمل المناطق وأكثرها غنى وقد نشأت كثير من الحضارات حولها، ومنطقة المصب تكون عادة محاطة بالغابات والنباتات المنوعة من أطرافها الثلاثة ومفتوحة على البحر حيث يختلط الماء العذب بالماء المالح. إن منطقة المصبات لها خصائص وميزات رائعة، فكل شيء في هذه البيئة المميزة يختلف عما يحيط بها، فهي بيئة محفوظة ومحجورة وممنوعة من أي كائنات حية أخرى غير الكائنات التي تعودت على العيش فيها، ولها خصائص فيزيائية وكيميائية أيضاً تتميز بها عن غيرها من المناطق.

 

مياه عذبة في قاع البحر!

لقد اكتشف العلماء وجود ينابيع عذبة تتدفق داخل المحيطات والبحار مصدرها المياه الجوفية المختزنة في طبقات الأرض. ويمكن القول بأن عملية امتزاج الماء المالح بالماء العذب لا تقتصر على الأنهار بل هنالك مياه مخزنة تحت الأرض أيضاً تتدفق وتمتزج بمياه البحر، ويحدث اختلاط واضطراب واختلاف في درجات الملوحة والحرارة، وبالتالي فإن التعبير القرآني (مرج البحرين) ينطبق على هذه الحالة.

وتبلغ كمية الماء العذب المختزن تحت الأرض كمياه جوفية 23.4 مليون كيلو متر مكعب، بينما تبلغ كمية الماء الموجودة في جميع الأنهار في العالم 2.12 ألف كيلو متر مكعب فقط، ويبلغ حجم الماء في البحيرات العذبة 91  ألف كيلو متر مكعب، ويمكن القول بأن حجم الماء المختزن تحت سطح الأرض أكبر من حجم الماء في الأنهار بـ 250 ضعفاً[13]. 

 

رسم يوضح دورة امتزاج الماء العذب بالماء المالح، فالأنهار والينابيع والمياه الجوفية تشارك في هذه العملية مع ماء البحر، ولذلك نجد البيان الإلهي يعبر تعبيراً دقيقاً (مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج)، وفي تفسير ابن كثير كما رأينا فإن البحر العذب هو الأنهار والآبار أو المياه الجوفية والينابيع، وجميع هذه المياه تمتزج وتختلط بماء البحر، فانظر إلى دقة كلام الله تعالى[14]!

 

 

صورة بالأشعة تحت الحمراء تظهر تدفق المياه العذبة من قاع خليج Waquoitفي سبتمبر 2002، والدوائر السوداء التي تحيط بالمناطق الصفراء اللامعة هي المناطق التي تتدفق فيها المياه العذبة من القاع الرملي وتختلط مع مياه الخليج الدافئة((WHOIب[15]. .

وجه الإعجاز

1- في قوله تعالى (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ)حديث عن العمليات الفيزيائية التي تحصل فعلاً في منطقة الالتقاء بين النهر والبحر، وهي عمليات خلط مستمر وذهاب وإياب للماء، وهذا هو تماماً ما تعنيه هذه الكلمة.

2- نلاحظ أن الله تعالى قال: (مرج البحرين)ولم يقل (مرج النهر والبحر)،لأن عملية المرج تتم مع الأنهار ومع المياه العذبة المختزنة في الأرض، والتي تتدفق من قاع المحيطات، وهذه المياه هي بحر أيضاً، ولكنه بحر عذب لا نراه، ولكن الله يراه وقد حدثنا عنه قبل علماء أمريكا بقرون كثيرة!

3- إن كلمة (مرج) هي الكلمة الدقيقة للتعبير عن طبيعة ما يجري في منطقة اختلاط الماء العذب بالماء المالح، بينما نجد العلماء يستخدمون عدة كلمات للتعبير عن هذه الظاهرة مثل (خلط، تمازج، حركة، اضطراب، اختلاف...)، وجميع هذه المعاني تحققها الكلمة القرآنية، فسبحان من أنزل هذه الكلمة!

4- في قوله تعالى (وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا)حديث عن وجود برزخ، وهو منطقة تفصل بين ماء النهر وماء البحر، وهذه المنطقة أو هذا البرزخ هو ما يسميه العلماء بمنطقة المصب أو Estuary. طبعاً هذه المنطقة تتشكل بسبب القوانين التي أودعها الله في الماء، وتسمى بقوانين ميكانيك السوائل، أي أن القرآن قد قرر حقيقة علمية قبل أن يكتشفها العلماء بقرون طويلة، وهذا سبق قرآني في علم المياه.

5- في قوله تعالى (وَحِجْرًا مَحْجُورًا)،إشارة إلى أن هذه المنطقة مميزة وذات خصائص محددة تختلف عما يحيط بها من بحر أو نهر، وفيها كائنات محددة تختلف أيضاً عن كائنات البحر وكائنات النهر، وهذه المنطقة لا تسمح للماء المالح أن يطغى على الماء العذب، ولذلك فهي كالحجرة المنيعة والمغلقة، وهذا ما يقوله العلماء اليوم.

6- في قوله تعالى: (هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ)حديث عن الاختلاف الكبير في درجة الملوحة بين ماء النهر وماء البحر، وهذا ما نراه فعلاً، فماء النهر يكاد يخلو من الملح إلا بنسبة ضئيلة جداً، بينما نجد أن المتر المكعب من ماء البحر يحوي 35 كيلو غرام من الملح! ولو أن القرآن وصف ماء النهر بالعذب فقط لكان هنالك خطأ علمي، إذ أن ماء النهر ليس عذباً مئة بالمئة، إنما هنالك بعض الأملاح والمعادن والمواد الأخرى التي تعطي هذا الماء طعماً مستساغاً، ولذلك قال تعالى (عَذْبٌ فُرَاتٌ).

الأمر ذاته ينطبق على ماء البحر، فلم يقل القرآن (وهذا ملح)، ولو قال ذلك لكان هنالك خطأ علمي أيضاً، لأن جميع المياه في الأرض تحوي شيئاً من الأملاح بنسبة أو بأخرى. ولذلك قال (وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ)كإشارة إلى الملوحة الزائدة، وهذا التعبير دقيق من الناحية العلمية.

7- تعتبر منطقة المصبات من أكثر المناطق حساسية وذات أهمية بيئية كبيرة، وهي لذلك تستحق الذكر كنعمة من نعم الله علينا، حتى إن الكثير من الحضارات ازدهرت في مناطق المصبات، مثل دلتا النيل، والمنطقة بين نهر دجلة والفرات، ونهر التايمز في مدينة لندن، ونهر هيدسون في مدينة نيويورك[16]. وإن القرآن عندما يتحدث عن هذه المنطقة إنما يؤكد أهميتها وتميزها، مع العلم أن هذه المعلومات لم تكن متوافرة لإنسان يعيش في صحراء لا أنهار فيها ولا بحار، ومن غير الممكن لبشر أن يتحدث عن هذه المناطق بدقة مذهلة لو لم يكن رسولاً من عند الله تعالى!

فيا ليت علماء الغرب يقرأون القرآن ويتدبّرونه، ليستفيدوا من هذه الحقائق في الوصول إلى معرفة الله تعالى والإيمان به. ويا ليتنا نطور أنفسنا من الناحية العلمية ونسبقهم لهذه الاكتشافات!

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا

بقلم المهندس عبد الدائم الكحيل

www.kaheel7.com


 [1] الفيروز آبادي، معجم القاموس المحيط، ص 256 ، دار المعرفة بيروت 2005.

 [2] تفسير الإمام ابن كثير، ص 1142، دار المعرفة، بيروت 2004.

[3]  GREG JOHNSTON, Muddy Waters: Nature thrives in estuaries,www.seattlepi.nwsource.com, March 4, 1999.

 [4]  What is an estuary, www.estuarylive.org

 [5] الفيروز آبادي، معجم القاموس المحيط، ص 1214 ، دار المعرفة بيروت 2005.

 [6] تفسير الإمام ابن كثير، تفسير الآية الخامسة من سورة ق، ص 1497، دار المعرفة، بيروت 2004.

 [7] Emelyan M. (TRN) Emelyanov, E. M. Emelianov, The Barrier Zones in the Ocean, Springer, 2005. [8]http://disc.gsfc.nasa.gov/oceancolor/scifocus/oceanColor/black_water.shml

 [9] Rocky Geyer, Where the Rivers Meet the Sea, Oceanus, December 16, 2004.

 [10] http://omp.gso.uri.edu/doee/science/intro.htm

 [11] الفيروز آبادي، معجم القاموس المحيط، ص 95 ، دار المعرفة بيروت 2005.

 [12] Rocky Geyer, Where the Rivers Meet the Sea, Oceanus, December 16, 2004.

 [13] Steve Graham, Claire Parkinson, and Mous Chahine, The water cycle, www.nasa.gov

 [14] Matthew Charette, Ann Mulligan, Water Flowing Underground, Oceanus, December 10, 2004

 [15] Matthew Charette, Ann Mulligan, Water Flowing Underground, Oceanus, December 10, 2004

 [16] http://www.britannica.com/eb/article-9033105

 

 

المروج والبرزخ والحاجز المائي
 

الأستاذ الدكتور المهندس/ مصطفي محمد الجمال

مقدمة:

تناول القرآن الكريم منذ قرابة ألف وخمسمائة عام وجود البرزخ المائي وهي منطقة تعرف باسم الحد المائي الفاصل "Water Bar"، ونجد هذه المعجزة الكيميائية والتي توصل إليها علماء الحاضر بعد رحلة من المعاناة والتفسيرات والتأويلات العلمية منذ حقبة قصيرة، ولو تمعنا نحن علماء العرب والذين بين أيديهم علم الكتاب وفهمنا ووعينا ما جاء فيه من آيات وبحثنا في مكنوناتها وما تحتويه من خوارق المعلومات لكان لنا السبق في مضمار العلم وامتلاك سبل التقنيات. إلا أنه أتي علينا دهورا وتعاقبت علي أمتنا البلايا والنكبات، مما جعل المحصلة أننا أصبحنا عن العلم منعزلين وركبنا موجة الجهل فغرقنا في شبر من بحور العلم، ونسينا الله الحق الوهاب فحق علينا بنسيانه غضب الله والعقاب. ومما يجدر ذكره هنا أن كلمة برزخ أو حاجز الماء تنطق بالإنجليزية "بارBar " وهما من الكلمات المتقاربة ذات الأصل الواحد في المعني وفي النطق حيث أنه لا يوجد حرف في هذه اللغة يحوي الحرف "خ".

وعن عملية تكوين البرزخ والحاجز المائي تخضع لقوانين ما نعرفه نحن الآن باسم النظرية البيو-كيميائية وذلك طبقا لما جاء بالمرجع رقم {1} "Bio-chemical Theorem".

أهم المواقع القرآنية التي تناولت ذكر البرزخ المائي:

تم ذكرها في عدد أربع سور بعدد خمسة آيات، فنجدها صريحة في سورة الفرقان الآية (53)(وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا(53) ) ثم أشارت سورة النمل في الآية رقم (61)(أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلـلها أنهـــرا وجعل لها روسي وجعل بين البحرين حاجزا أءله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون ) إلى معجزة وجود حاجز"Barrier"فيما بين المائين، كما نجدها مضمنةفي سورة فاطر الآية رقم (12)(ومايستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وتري الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون (12))والتي تحدثت عن عدم الاستواء وسوف نتناول معني عدم الاستواء لمياه البحر المالح ومياهالأنهار العذبة وهي حقيقة علمية مؤكدة تم معرفتها واكتشافها حديثا، ثم في سورة الرحمن الآيتين رقم (19) ورقم (20)(مرج البحـرين يلتقيان (19) بينهما برزخ لا يبغيــــــان )علي الترتيب، حيث تصف لنا الآية الأولىمن تلك السورة "مرج البحرين" وإلتقاؤهما فهذا ماء عذب فرات وذاك ماء مالح أجاج، وتصف لنا الآية الثانية تلك الحقيقة المعجزة الخارقة للعادات فهي تقص علينا وجود البرزخ المائي أي الفاصل فيما بين النوعين من الماء فإنه من فضل الله سبحانه وتعالي أن جعل هذا الفاصل نتيجة الفروق في التحاليل الكيميائية للنوعين، كما وأننا نراه سبحانه وتعالي وقد ميز كلا منهما من ناحية الكثافة وقوي التوتر السطحي "Surface tension forces"وما نعرفه نحن الآن باسم اللزوجــــــة    "Viscosity"والذي ينتج عنه ظاهرة زيادة مقاومة المياه نتيجة حدوث ظاهرة أكتشفها العلماء منذ فترة قصيرة تعرف باسم مقاومة الطبقة الرقيقة "Boundary Layer Resistance" مما يؤثر في سرعة المنشآت البحرية المتحركة في مياهالبحر المالح عنها في مياه الأنهار. يوضح الجدول رقم [1] من هذا البحث مضمون أهم الآيات التي تناولت ذكر هذه الظاهرة العلمية الخارقة والتي جعلت من الموانئ في بعض البلاد الأوروبية أن تشيد في داخل الأنهار حرصا علي سلامة السفن المبحرة والرسو الآمن، نتيجة حدوث ظواهر المد والجزر وانحسار مياهالبحر المالح عن الشاطئ لعدة ساعات، مما يعيق عمليات شحن وتفريغ السفن إذا ما كان قد أقيم الميناء مباشرة علي البحر المالح. ومن أمثلة ذلك هي الموانئ في المملكة المتحدة البريطانية والتي نجدها داخل الأنهار وتبتعد عدة أميال عن المياة المالحة تجنبا لحدوث غرق وجنوح وانقلاب السفن، ومنها علي سبيل المثال ميناء لندن والذي يقع علىنهر التيمز وميناء نيوكاسل والذي يقع علي نهر التايموهكذا فإن الله سبحانه وتعالي أعطانا من الذكر الحكيم ما نستطيع به أن ندرأ عن ديننا الوهاج أنه دين تخلف ولا يحض علي التقدم، فحاشا لله أن نتخلف بعد اليوم عن سبل العلم وامتلاك التقنيات، فتعالوا بنا نستقرأ عظيم الآيات ونستدل منها علي خوارق المعجزات وأن نستلهم من وراء ومضات الكلمات القرآنية بعض الاستدلالات الحياتية.

المعني الديني من وراء مكنون هذه الكلمات العطرة:

تقول لنا الآيات من سورة الفرقان وسورة فاطر ثم سورة الرحمن أن الله سبحانه وتعالي خلق البحرين وجعلهما في مناطق المروج – وهي تشبه مناطق الرعي فإنك تقول مثلا مرج الدابة فلان أي أرسلها ترعي وأصل كلمة المرج هي الخلط وقيل للمرعي لاختلاط أنواع الدواب المختلفة والتي ترعي وتتغذي من نفس الزروع – وهذه المناطق متجاورة ونعرفها نحن الآن باسم مناطق مصبات الأنهار عند التقاءها بمياة البحر المالحة، فالأول مياهه عذب فرات يستسيغ شربها الإنسان - وأصل كلمة فرات هو ُُفرْتُ العطش أي قطعه وأجهز عليه بكسره- وكذا يشربها الحيوان وتعيش بريها النباتات والمزروعات أما النوع الثاني فمياهه شديد الملوحة إلىحد المرارة – وأصل كلمة أجاج هي أجيج بمعني التهب وفار مثل لهيب النار وذلك لأن شربه وتناوله يزيد من عطش الإنسان ويفعل بمنظومة حياته كفعل النار والتي تتأجج داخل الإنسان نتيجة تواجد الأملاح والتي تختزل المياه من الجسم بظاهرة نعرفها نحن الآن باسم الضغط الأسموزي مما ينتج عنه نقصا شديدا في مياهالجسم ومما قد يتسبب في حدوث خلل لنسب المياه في الجسم مما قد يؤدي في نهاية الأمر إلىوفاته، وأن الله قد جعل بين المياهين فاصلا لن ولا نراه بحيث أن النوعين لا يختلط بعضهما ببعض، وأنه سبحانه وتعالي قد جعل بينهما ساترا يمنع مزجهما وإختلاطهما ببعض عند مناطق الالتقاء. وتتجلي رحمة الله الواسعة ببني الإنسان أن جعل مثل هذا الفاصل وذاك الساتر غير مرئي، فهو يمنع بغي أحد المائين علي الآخر، والبغي هنا قد يعني أكثر من معني أحدهما عدم ازدياد منسوب مياه البحر عن منسوب مياة النهر في منطقة الالتقاء بمعني الحفاظ علي منظومة الحياة وعدم حدوث نحر مفاجئ في مناطق مصبات الأنهار قد ينتج عنه تآكل التربة وتسرب مياهالبحر أسفل التربة مما يعني تلفها وفقد مميزات كانت تتحلي بها مثل زرعها بمزروعات تتلف بمجرد وصول جذورها إلىعمق مياهالبحر الذي تخلل تلك المناطق حسب نظرية الأواني المستطرقة. ونقول عن البيان الديني من هذه الآيات الكريمة أن السؤال الذي يوجهه الله سبحانه وتعالي إلىالبشر لعل أحد منهم يعي الإجابة فيؤمن وهو:"هل تستطيع يأيها الإنسان أن تبتلع المياه المالحة؟" وهل يستوي الماء العذب السائغ طعمه مع مياه البحر التي لا يستطيع الإنسان ابتلاعها نتيجة ما تحمله من ملوحة، والمقصود هنا بالاستواء قد يحمل أكثر من معني، فالمعني الأول أنه قد يكون والله أعلم عن الحاجة بمعني أن مياة الشرب يمكن إبتلاعها وشربها وتعاطيها بينما أن مياه البحر المالح لن نستطيع شربها ولا ابتلاعها نتيجة شدة ملوحيتها أو قديعذىالفرق في مناسيب المياه نتيجة الفروق في الكثافة أو قد يعني معان أخري لا نعلم عنها شئفي وقتنا الحاضر وقد يهدينا الله اليها في المستقبل والله سبحانه وتعالي أعلم. 

الدلالات العلمية والمقاصد الكيميائية من وراء هذه الآيات الكريمة:

تعطي لنا هذه الآيات الكريمة احدي المعجزات العلمية والتي عرفها الإنسان وأكتشفها العلماء منذ فترة وجيزة وهي ظاهرة عدم اختلاط المياهالعذبة بمياهالبحر المالحة نتيجة الفرق في الكثافات ونتيجة عوامل أخري تعرف باسم التوتر السطحي والذي يختلف باختلاف نسب الأملاح ودرجة التملح وعوامل هندسية وفيزيائية أخري يخرج الحديث عنها عن نطاق البحث الحالي، لذلك فنتطرق إلىموضوع البرزخ أو الحاجز الغير مرئي أي الفاصل السطحي المائي بين المياه العذبة ومياهالبحار المالحة. فمن المعروف هندسيا أن كثافة الماء العذب أقل من كثافة المياهالمالحة ولذا فإن الطبقة العليا في منطقة البرزخ تصبح من المياه العذبة بينما أن الطبقة السفلي من مياه البحر المالحة كما أوضحها المرجع رقم {2}. كما وأن كلمة مروج قد تعني الخلط والاختلاط فيما بين المائين وهذا هو ما أثبته العلم الحديث.

فعلي النحو المبين بالشكل رقم (1) والمأخوذ من المرجع رقم {3} فإن التيارات المائية في المنطقة بين التقاء المياه العذبة وتلك للمياه المالحة تمثل بأسهم في اتجاه القوة المحصلة من التيار. وهذه المحصلة وعلي النحو المبين بالشكل رقم (2) والمأخوذ من المرجع{2} تدفع مياه البحر العذبة نظرا لخفة كثافتها إلىأعلي المصب، بينما نشاهد رد فعل مياه البحر وارتدادها من أسفل قاع البحر بما يجعل هناك منطقة لا تختلط فيها نوعي المياهعلي الرغم من وجود الأمواج وحركة التيارات المائية فسبحان الله الذي خلق البحر والنهر وجعل بينهما حاجزا غير مرئي بحيث ألا يبغي أحدهما علي الآخر ولا تذوب مياهأحدهما في مياهالآخر حكمة الله في خلقه ومن أحسن من الله قولا وفعلا وتبارك الله أحسن الخالقين، وتعالوا بنا نستعرض بعض أهم النقاط في هذا البحث الميداني بالمرجع المشار إليه بالرقم {3} حتى يتبين لنا أن ما نتحدث عنه اليوم من حقائق علمية قد أتي مسح عنها في كلمات الله التامة وكتابه الصدق الذي أنزله الله علي نبيه الصدق في ليلة الصدق فأنزل دين الصدق علي النبي الصادق الأمين سيد الخلق أجمعين سيدنا محمد صلي الله عليه وعلي آله وصحبه وسلم في الأولين وفي الآخرين.    

 

 

شكل رقم (1):يوضح الشكل حركة التيارات المائية للمياه العذبة والمياه المالحة في منطقة المصب {3 

               

شكل رقم (2):يوضح البرزخ المائي والحاجز غير المرئي بين مياهالنهر العذبة ومياهالبحر المالحة عند مصب النهر {2}.

وتم تطبيق نموذج سبق وأن أشار إليه نفس البحث [ رقم {3}] علي ثلاث مناطق من العالم مختلفة ومتباعدة حيث أتت النتائج متطابقة، وهي وجود البرزخ والفاصل بين المياه العذبة بمياهالبحر المالحة، وكانت المناطق التي تعرض لها الباحثون هي علي الترتيب:

1) منطقة مصب نهر وخليج تشيسبيك  "The Chesapeake Bay estuary"المرجع رقم{3} وهي موضحة بالشكل رقم (3).

 

شكلرقم(3) :شكل يوضح تواجد البرزخ المائي الفاصل فيما بين المياه العذبة والمياه  المالحة بمصب نهر تشيسبيك، والصورة توضح وجود الحاجز المائي باللون الأزرق الفاتح والمياهالعذبة باللون الأخضر الفاتح بينما مياهالبحر باللون الأزرق الداكنوالتي يمكن تكبيرها بالضغط عليها.

2) المنطقة الثانية {3}  وهي مصب نهر فوكا ومياه خليج جورجيا  "Georgia-Fuca estuary"بمنطقة فانكوفر بكندا. ويوضحها الشكل رقم(4) والذي تؤكده الصورة الملتقطة عن طريق أحد الأقمار الصناعية لذات الموقع وهي الصورة اليسرىوالمأخوذة من المرجع رقم {2} .

 

    

 

شكل رقم (4):شكل يوضح تواجد البرزخ المائي الفاصل فيما بين المياه العذبة والمياهالمالحة بمصب نهر فوكا ومياه خليج جورجيا بمنطقة فانكوفر بكندا الصورة اليمني مأخوذة من المرجع رقم {3} بينما الصورة اليسرىوالتي تم التقاطها لنفس المنطقة عن طريق أحد الأقمار الصناعية بالمرجع رقم {2}يمكن تكبير الصورة بالضغط عليها.

3)  المنطقة الثالثة محل الدراسة بنفس المرجع {3} كانت بمنطقة بحر الصين الجنوبي "South China Sea"حيث توضح الصورة بالشكل رقم (5) وجود البرزخ المائي الفاصل والموضح بمجموعة الخطوط الخفيفة بالشكل.

 

شكل رقم {5}: شكل يوضح تواجد البرزخ المائي الفاصل في منطقة بحر الصين الجنوبي عند التقاء المياهبمياهالمحيط الباسفيكييمكن تكبير الصورة بالضغط عليها.

نظرية عدم الاستواء بين سطحي مياهالبحر المالحة ومياه النهر العذبة: -

كما أن المعروف علميا هو عدم الاستواء في السطح فإن مياهالبحر المالح تتأثر بموجات المد وحالة الجزر بينما أن مياه النهر العذبة لا تتأثر بظاهرة المد والجزر، كما وأنه من المعروف بحسب نظرية تعرف باسم "الأواني المستطرقة" والتي يمكن بها التأكد من عدم استواء السطحين، فإذا مأخذنا أنبوبة علي شكل حرف "U" مثلا ووضعنا في أحد جانبيها كمية من ماء البحر الملحية ثم وضعنا بالجهة الأخرى نفس الكمية الحجمية ولكن من المياه العذبة فإننا نصل إلىحقيقة علمية مذهلة وهي عدم استواء الأسطح في الأنبوبتين، وهذه الظاهرة نجدها في غمر الفلك والسفن والوحدات البحرية والتي يتم تحديد غاطسها حسب وزنها وإزاحتها مما ينتج عن ثبوت قيمة هذه الأوزان وكذا ثبوت الإزاحة زيادة الغاطس في المياهالعذبة عنها في مياهالبحر المالحة، أي أن المتغير هنا هو قيمة الحجم المغمور، وهذه القاعدة تعرف هندسيا باسم قاعدة الطفو وفيها يكون وزن حجم الجسم المزاحمن حيث القيمة مختلفا ومن ثم يختلف الغاطس لنفس الجسم الطافي في حالة طفوه في مياه النهر عنها في مياهالبحر، وقد يكون عدم الاستواء نتيجة عدم تساوي الكثافات والنسب الكيميائية لتحليل عينتين مأخوذتين من نفس المنطقة أحداهما لمياهم الحة والثانية لمياهعذبة، وهذا له علاقة بظاهرة المد والجزر والتي تحدث في مياهالبحر المالحة ولا تحدث في مياه النهر العذبة، مما يؤدي في نهاية الأمر إلىحدوث ظاهرة الفصل السطحي في مناطق مصبات الأنهار عند التقاء المصب بالبحر. حيث تحدث هذه الظاهرة الفريدة في بعض المناطق من العالم ومنها علي سبيل المثال ما يحدث في منطقة سواحل الشواطئ في بعض المناطق علي سطح الكرة الأرضية مثل ما يحدث في المملكة المتحدة البريطانية وحدوث هذه الظاهرة العجيبة وهي انحسار مياهالبحر لمئات الأمتار داخل البحر الإنجليزي أو جانب المحيط، مما تستحيل معه حركة الفلك والسفن والوحدات البحرية في الملاحة آمنة، مما يعيق حركة الملاحة في مثل هذه المناطق إلا بعد أن تعود ظاهرة المد مرة أخرىوقد تمتد هذه الفترة إلىساعات، لهذا فإن الموانئ مثل ميناء لندن ونيوكاسل وباقي الموانئ المهمة في المملكة المتحدة البريطانية نجدها جميعا داخل الأنهار وتبعد عن مياهالمحيط عشرات الأميال، ونفس الظاهرة نجدها تحدث في اليابان وبعض البلدان الأوروبية الشرقية منها والغربية، لهذا كله فإن نظام فرق الارتفاع في سطح المياه يوجب ويحتم استخدام نظام ملاحي نعرفه نحن الآن باسم الهاويس"Lock"  وفيه يتم استقامة سطح الماء قبل وأثناء وبعد المرور من خلال هذا الهاويس بما يجعل الملاحة في الأنهار والإبحار لذات السفينة وذات الفلك سالمة وآمنة وبما يحقق عدم شحوط السفينة بقاعها.

وقد يكون عدم الاستواء ناتج عن الفروق في الاستخدام ومن ثم المنافع، فالأسماك التي يتم صيدها من مياة البحر تختلف في الطعم وفي الأُكُلْ وفي الخواص عن تلك التي يتم صيدها من مياهالأنهار، كما وأن الملح الذي يحسن من طعم الطعام يتم استخراجه من مياه البحار، كما وأن اللؤلؤ وباقي المواد ذات القيمة كالمرجان وهو من الأحجار الكريمة تنمو جميعها في مناطق مصبات الأنهار أو تحت سطح البحر. فمثلا نجد رواسب الأنهار والتي تتكون من مواد وعوالق تحملها المياه في مساراتها المختلفة من معادن ومواد عالية المتانة والصلادة - نرجو القارئ الكريم وحرصا منا علي الالتزام بحدودية عدد أوراق البحث أن  نستسمحه إلى ترك موضوع تكون الأحجار الكريمة إلى بحث آخر إن شاء الله تعالي- ونود الإشارة إلىأن فرق كثافة المياه المالحة النوعية والتي يفترض لها قيمة قدرها 025ر1 عن المياة العذبة والتي تكون كثافتها النوعية مساوية للوحدة هو بقيمة=025ر1-000ر1= 025ر0 وهذا الرقم يعطي لنا فرق المنسوب بين مستوي المياة المالحة ومياة النهر بما مقداره 1 علي 025ر0 أي تساوي هذه القيمة الرقم 40 وهو ما يسمي بمقدار سماح المياه العذبة والذي يؤخذ في الاعتبار عند تحديد إرتفاعات ومناسيب المياه في الأنهار والبحار في مناطق التلاق ويؤخذ أيضا في الاعتبار عند تحديد علامات الغاطس في السفن التي قد تبحر إلى داخل أو من خارج قنوات المياه العذبة إلى البحر المالح وبالعكس، فمن المعروف أن غاطس السفينة سيزيد في حالة أن تكون متجهة من البحر المالح إلى النهر وبالعكس إذا ما اتجهت نفس السفينة وبنفس الحمولة الوزنية وبنفس الإزاحة الكلية فإن غاطس السفينة المتجهة من مياه النهر إلى البحر يصبح أقل وهذه آية من آيات الله والتي تتمشي مع قوانين الطفو وقوانين مقاومة المياه للسفن ومقدرة السفينة علي شق المياة بسرعتها المعتادة، وهي جميعها خاضعة لمشيئة الله سبحانه وتعالي. ومما يجعل المياة العذبة تطفو فوق سطح المياه المالحة في مناطق الالتقاء.

وقد يكون عدم الاستواء ناتج عن الاختلاف في العمق المائي والفرق بين ارتفاع قاع النهر عذب المياه عن ارتفاع وعمق قاع البحر المالح والذي يتجاوز أحيانا مقداره عن خمسة أضعاف إلىأربعين ضعفا من ذلك العمق عند مصبا الأنهار.

الخاتمــــــــــة والخلاصة:

نخلص من هذه الدراسة إلىعدة حقائق نورانية وعلمية نوجزها في النقاط التالية :

1- هناك حاجز محجور أي غير مرئي في منطقة التقاء المياهالعذب والمياه المالحة تم تصويرها واكتشاف هذه الظاهرة حديثاًوالتي أتىمسح عنها في ذكر آيات القرآن الكريم. مما يقطع يقينا بأن هذا الكتاب يحوي كنوزا ويسرد حقائق علمية مؤكدة سواء منذ عصور بدء الخليقة مرورا بوقتنا هذا وإلي آخر الزمان، وكان يجب علي علماء المسلمين أن يقرؤوا القرآن ويقوموا بالبحث في مكنون آيات الله حتى يتبين لهم أنه الحق من ربهم، ويكون السبق في عصر الاكتشافات الحديثة مضمارا لثبات دينهم وعصمة أمرهم.

2- هناك مشكلة تفسير هذه الظاهرة عند مصبات الأنهار وعند التقاء المصب بالبحر المالح وتتعرض الدراسات وقد تحتاج إلىعلوم الكون كله فهي جامعة لعلوم تتضمن وتحتاج إلىتضافر جميع المتخصصين في علوم الفيزياء والبيولوجيا والكيمياء والهندسة والجيولوجيا والدراسات الجغرافية والاقتصادية وتخطيط السياسة العامة لمستقبل الأمم. فقطرات المياه العذبة تتناقص وكميات المياه المالحة تتزايد وما لم نبدأ التفكير الجدي في إيجاد مصادر للمياهالعذبة فستحدث حروب بين الأمم من أجل قطرات الماء وسيدفع بني البشر الدماء من أجل قطرة ماء. من أجل هذا فيجب أن نحافظ علي منحة الله وهي تتجلي في الحفاظ علي توازن بيئة المصبات وأن نعمل جاهدين مخلصين بعدم التفريط في مصدر الحياة واستمرار الزرع والحيوان وأن نحافظ علي المنحة الربانية حتى يأمر الله الكون كله أن يعود رتقا مرة أخري ويقبض السماوات والأرض وما بينهما فهو القادر علىالكون كله، نقول أن هناك مشكلة في مصبات الأنهار والتي تأخذ عدة أشكال وأحجام مختلفة مما أدي إلىتداخل الاختصاصات، ومما أدي بالعلماء إلي عمل النماذج واستنباط النتائج ومحاولة تعميمها علي كافة المصبات.  

3- تأكد العلماء من وجود تيارات مائية وفاصل بين اتجاهي حركة مياهالأنهار والتي تضادها في الاتجاه حركة مياهالبحر المالح وأن المياه العذبة تطفو فوق المياه المالحة.   إلا أنه حينما يصل فرق السرعة إلىحد معين فإنه ينتج عن هذا حدوث دوامات واضطراب لحركة المياهمما قد يؤدي أحيانا إلىحدوث اختلاط مياه البحر المالحة بالمياه العذبة،  وأن حركات المد والجزر والتي تحدث مستقلة بدون علاقة وبدون رابط، قد تؤدي إلىحدوث دوران وانتشار هذه الظاهرة وفي وجود الدوامات المائية فإن اختلاط المياه العذبة والمياه المالحة يزيد مكونا محلولا مائيا معثرا عكرا لا يمكن استعماله يسمي  بالماء الردئ  "brackish water"،وهذه الظاهرة الفريدة أشار إليها القرآن الكريم بالمرج وهو الاختلاط حسب ما ذكرنا عالية.

وتتجلي عظمة القرآن في أنه كتاب الله الخالد الباقي أبدا فهو يخاطب كافة الأفئدة وتتجلي بلاغته في أنه يخاطب كافة العقول علي اختلاف المذاهب والأزمنة، ومن عظمة القرآن هو ما تتحدث به آياته الكريمة وكلماته العلمية البليغة، فكلمة عدم الاستواء بين مياه البحر العذبة وتلك المالحة تحمل أكثر من معني وتتعاظم المعاني حتى تصل إلىجبال من الأوراق دون الوصول إلىحقيقة ومغزىهذا اللفظ العلمي ومدلولاته التي تختلف حسب الوقت والمكان والموضع والزمان وعلي النحو القرآني الذي تحدثنا به هذه الآيات فهو يحمل أكثر من معني ويبقي الاجتهاد إلىيوم التناد، شحذا للعقول وتبحث في مكنون ومغزىبيان كلمات الله العاطرات. 

 أليست هذه الكلمات العطرة تحوي كنوز من العلم كان يجب أن نتفهمها وأن نعي ما وراءها من مقاصد دنيوية تدفع بنا إلى سلم التقدم وتجعل منا أمة رائدة في العلم وامتلاك التقنيات، أليست معجزة الله في الكلمات والتي تعدت الأفاقحسب قوله تعالي في سورة فصلت : بسم الله الرحمن الرحيم:"سنريهم ءايـتنا في الأفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه علي كل شئ شهيد(53)" صدق الله العظيم. والله سبحانه وتعالي أعلم.

شكر وتقدير:

يتقدم الأستاذ الدكتور مهندس/مصطفي محمد الجمال باسمي آيات الشكر والعرفان والتقدير إلىكل من ساهم في إبراز ومناقشات كان لها الأثر في الإسهام في توضيح بعض النقاط الهامة بالبحث، ويخص بالذكر الأستاذة دكتور مهندس/ أغاريد محمود – وكيلة كلية الهندسة لشئون البيئة– جامعة المنيا- مصر، وكذا يتقدم بوافر الشكر و التقدير إلىالسيد/ فراسنور الحق مدير موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة لتفضله بإرسال بعض المواقع العلمية الموضحة بعنوان "المراجع العلمية" في شأن البرزخ المائي.

وإلي بحث آخر في موضوع الإعجاز العلمي في القرآن الكريم نرجو الله أن يكون قريبا إن شاء الله تعالي نترككم في رعاية الله وتوفيقه وهداه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

مع تحيات وأطيب تمنيات الأستاذ الدكتور مهندس/

مصطفي محمد الجمــــــــــــال.

يسعدنا أن تتواصلوا معنا وترسلوا إلينا برأيكم حول البحث على البريد التالي :

بريد المؤلف :   profgammal@hotmail.com

المراجع العلمية: التي تناولت أبحاثا في موضع الحاجز المائي وصل عددها الي مئات الأبحاث، نخص منها أهمها فيما يلي: -

1-Jeff Paduan: "High-Resolution Ocean Circulation Modeling during MUSE," http://www.mbari.org

2-Rocky Geyer: "Where the Rivers Meet the Sea - The transition from salt to fresh water is turbulent, vulnerable, and incredibly bountiful," WHOI Oceans Magazine, Volume 43 No. 2, http://www.oceanusmag.whoi.edu.

3-Ocean Surface Mixed: "Modeling Estuarine/Coastal Circulations," www.hpl.umces.edu/~lzhong/estuary_coastal/estuary

 

 

منطقة المصب والحواجز بين البحار و الأنهار
 

  بقلم الشيخ عبد المجيد الزنداني 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:تضمن القرآن الكريم الذي أنزل قبل أكثر من (1400) عام بعض المعلومات عن ظواهر بحرية لم تكتشف إلا حديثاً بواسطة بعض الأجهزة المتطورة. ففي قوله تعالى: ﴿وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً﴾[سورة الفرقان، الآية:53]وصف لنظام المصب، وتوضيح لامتزاج الماء العذب وماء البحر، وأن منطقة الامتزاج محمية ببعض القيود على ما يدخل إليها أو يخرج منها. وقد برهن العلم الحديث على خواص المصب هذه. كما برهنت علوم الأحياء الحديثة على أن هذه المنطقة هي منطقة محصورة تعيش فيها بعض الحيوانات الخاصة بهذه البيئة.

هذه الصورة تم تصويرها عبر الأقمار الصناعية لمصب نهر النيل حيث يظهر البرزخ الذي بين البحر الأبيض المتوسط ومصب نهر النيل فالمنطقة الزرقاء الفاتحة هي منطقة الحجر المحجور والتي تختلف في الكثافة والملوحة عن النهر والبحر أضغط على الصورة لتكبيرها

وبالإضافة إلى بيان وجود هذه الحواجز بين الماء العذب وماء البحر المالح فقد ذكر القرآن الكريم أيضاً وجود حواجز مماثلة في البحار نفسها قال تعالى: ﴿مرج البحرين يلتقيان* بينهما برزخ لا يبغيان﴾ [سورة الرحمن، الآية: 19-20]وتشبه هذه الحواجز الحدود المائية بين مياه المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، وبين مياه البحر الأحمر وخليج عدن وفي مواقع أخرى من بحار العالم.

المقـــدمة

علم البحار علم حديث يعنى بمختلف ظواهر عالم البحار. وبالرغم من أن الإنسان الأول كان على صلة قوية مع الأنهار والبحار إلا أنه لم يحاول فهم هذا الحقل فهماً علمياً. إذ كان اهتمامه منصباً على التعرف على خواص الأرض التي يعيش عليها، وعلى ما يحيط به من أمور أخرى سهلة المنال. وقد ذكر الفلاسفة الأوائل قبل عهد المسيح عليه السلام بعض الآراء عن الظواهر الطبيعية إلا أنهم لم يتطرقوا إلى ذكر البحار. ومع أن المفاهيم القديمة قد كونت بعض أسس العلوم الحديثة. إلا أنه لا يوجد ذكر عن القيام بأية محاولة لفهم أسرار الحبار، ما عدا بعض المحاولات حول الملاحة لتسهيل أمر رحلاتهم البحرية وتجنب مخاطرها. وقد قام (بيثيس) في القرن الرابع قبل الميلاد بربط العلاقة بين القمر والمد والجزر.

وقد درس أرسطو في نفس الفترة الحياة في بحر إيجه وناقش نظريات الفلاسفة الأوائل. وقد جمع (سترابوا) بعد ذلك في القرن الثاني قبل الميلاد بعض المعلومات عن المد بطريقة غير معروفة.

وقد جاء في بحث للباحث محمد إبراهيم السمرة ما نصه:

(يحدثنا التاريخ أن العرب والفرس بعد ظهور الإسلام كانت لهم محاولات علمية في مجال علم البحار، ويذكر العالم الجغرافي ابن خرداذبة سنة (232هـ-846) ميلادية في كتابه (المسالك والممالك) أن الملاحين العرب والفرس في بحر العرب على علم بأن التيارات تعكس اتجاهها هناك مرتين في السنة. وبعد مرور مائة عام وصف المسعودي في موسوعته (مروج الذهب ومعادن الجوهر) حركات المحيط في جنوب بحر العرب قائلاً: (إن البحر الحبشي يمتد من الشرق إلى الغرب على طول خط الاستواء، وإن التيار يتغير في معظم أنحاء هذا البحر عندما تتغير الرياح الموسمية) ويحكي التاريخ أيضاً أن ابن ماجد قد دون معارفه عن بحر العرب في أربعين كتاباً، تتضمن إرشادات ملاحية، وكان ملماً بدورة الرياح في شمال خط الاستواء وجنوبه، فكيف إبرة البوصلة على قرص في علبة تضم دورة الرياح، كما كان يتحدث عن (فصول الملاحة في المحيط الهندي).

(وبالرغم من قيام الكثيرين بالعديد من الرحلات حول العالم، بين القرنين الخامس عشر والثامن عشر، لكنهم لم يحاولوا توسيع دائرة معلوماتهم العلمية عن البحار ويوضح عن تيار الخليج كيف أن الكتاب الأول الذي ظهر عن علم البحار في القرن الثامن عشر كان بدائياً في معلوماته).(ثم بدأ علم المحيطات يأخذ مكانه بين العلوم الحديثة عندما قامت السفينة البريطانية تشالنجربرحلتها حول العالم من عام (1293هـ) (1872-1876م) ثم توالت الرحلات العلمية لاكتشاف البحار) .وفي نهاية القرن العشرين بدأ الأمل يزداد في فهم الإنسان للبحر عن طريق الأقمار الصناعية والتصوير عن بعد (Thurman, 1985)ويشهد التطور التاريخي في سير علم البحار بعدم وجود معلومات دقيقة عن البحار قبل (1400) عام، في فترة نزول القرآن الكريم على نبي أمي في أمة أمية، في صحراء جزيرة العرب، ومع ذلك فقد زخر القرآن الكريم بذكر أسرار الكون التي عرف الإنسان بعضها في عصرنا الحاضر، ومنها أسرار علم البحار، والتي منها ما يبينه هذا البحث فيما يأتي :

 أسرار المصب والحاجز بين النهر والبحر

في القرآن الكريم: قال تعالى: ﴿وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً﴾ [سورة الفرقان، الآية: 53].المعاني اللغوية وأقوال المفسرين في الآية:اللفظ مرج يأتي بمعنيين بارزين:الأول: الخلط

قال تعالى: ﴿بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج﴾[سورة ق، الآية:5].

المعنى اللغوي :

مرج :لها في اللغة معنين بمعنى الخلط والإطراب [1].

البحر العذب : هو النهر، ووصفه القرآن الكريم بوصفين: عذب، وفرات ومعناهما: أن ماء هذا البحر شديد العذوبة، ويدل عليه وصف (فرات)، وبهذا الوصف خرج ماء المصب الذي يمكن أن يقال إن فيه عذوبة، ولكن لا يمكن أن يوصف بأنه فرات ومعلوم أن كلمة البحر إذا أتت مقيدة فإنها تأتي بمعنى النهر أما إذا أتت مطلة فهي بمعنى البحر المالح المعروف .

وما كان من الماء ملحاً أجاجاً فهو ماء البحار، ووصفه القرآن الكريم بوصفين (ملح)و(أجاج)وأجاج معناه شديد الملوحة، وبهذا خرج ماء المصب لأنه مزيج بين الملوحة والعذوبة فلا ينطبق عليه وصف: ملح أجاج.

وبهذه الأوصاف الأربعة تحددت حدود الكتل المائية الثلاث:

هذا عذب فرات: ماء النهر.

وهذا ملح أجاج: ماء البحر.

وجعل بينهما برزخاًوحجراً محجوراً: البرزخ هو الحاجز المائي المحيط بالمصب.

فما هو الحجر المحجور؟

الحِجْر والحَجْر: هو المنع والتضييق

يسمى العقل حِجْراً: لأنه يمنع من إتيان ما لا ينبغي قال تعالى: ﴿هل في ذلك قسم لذي حجر﴾ [سورة الفجر، الآية:5].

وجاء في حديث الرسول  صلى الله عليه وسلم للأعرابي: "لقد تحجرت واسعاً"رواه أبو داود والترمذي والنسائي وأحمد .قال ابن منظور: (لقد تحجرت واسعاً)أي ضيقت ما وسعه الله وخصصت به نفسك دون غيرك . ونستطيع أن نفهم الحجر هنا: بأن الكائنات الحية في منطقة اللقاء بين البحر والنهر تعيش في حجر ضيق ممنوعة أن تخرج من هذا الحجر.

ووصفت هذه المنطقة أيضاً بأنها محجورة أي ممنوعة، ونفهم من هذا اللفظ معنى مستقلاً عن الأول أي أنها أيضاً منطقة ممنوعة على كائنات أخرى من أن تدخل إليها فهي:

حجر (حبس، محجر) على الكائنات التي فيها.

محجورة على الكائنات الحية بخارجها.

ويكون المعنى عندئذٍ: وجعل بين البحر والنهر برزخاً مائياً هو: الحاجز المائي المحيط بماء المصب، وجعل الماء بين النهر والبحر حبساً على كائناته الحية ممنوعاً عن الكائنات الحية الخاصة بالبحر والنهر.ولم يتيسر للمفسرين الإحاطة بتفاصيل الأسرار التي ألمحت إليها الآية، لأنها كانت غائبة عن مشاهدتهم وتعددت أقوالهم في تفسير معانيها الخفية:فقال بعضهم في قوله تعالى: ﴿وهو الذي مرج البحرين﴾[سورة الفرقان، الآية:53] أي خلطهما فهما يلتقيان، وقررت طائفة أخرى من المفسرين أن معنى (وهو الذي مرج البحرين) أي (وهو الذي أرسلهما في مجاريهما فلا يختلطان.). ولذلك رجح بعض المفسرين معنى الخلط. ورجح الآخرون معنى المنع.وكذلك الحال في تفسير البرزخ، فقد قرر بعض المفسرين أن برزخاً: حاجزاً من الأرض، وقد أخبر جل ثناؤه أنه مرجهما. وبين البرزخ فقال: ﴿وجعل بينهما برزخاً﴾: حاجزاً لا يراه أحد) . فتأمل كيف عجز علم البشر عن إدراك تفاصيل ما قرره القرآن الكريم.فمن المفسرين من ذكر أن البرزخ أرضاً أو يبساً (حاجز من الأرض) .ومنهم من أعلن عجزه عن تحديده وتفصيله فقال: (هو حاجز لا يراه أحد)، وهذا يبين لنا أن العلم الذي أوتيه محمد  صلى الله عليه وسلم فيه ما هو فوق إدراك العقل البشري في عصر الرسول  صلى الله عليه وسلم، وبعد عصره بقرون.وكذلك الأمر في الحجر المحجور. فقد ذهب بعض المفسرين إلى حملها على المجاز، وذلك بسبب نقص العلم البشري طوال القرون الماضية.

التحقيق العلمي :

شاهد الإنسان منذ القديم النهر يصب في البحر، ولاحظ أن ماء النهر يفقد –بالتدريج- لونه المميز، وطعمه الخاص كلما تعمق في البحر، ففهم من هذه المشاهدة أن النهر يمتزج بالتدريج بماء البحر، ولولا ذلك لكان النهر بحراً عذباً يتسع كل يوم حتى يطغى على البحر.

ومع تقدم العلم وانطلاقه لاكتشاف أسرار الكون أخذ يبحث عن كيفية اللقاء بين البحر والنهر، ودرس عينات من الماء حيث يلتقي النهر بالبحر، ودرس درجات الملوحة والعذوبة بأجهزة دقيقة، وقاس درجات الحرارة، وحدد مقادير الكثافة، وجمع عينات من الكائنات الحية وقام بتصنيفها، وحدد أماكن وجودها، ودرس قابليتها للعيش في البيئات النهرية والبحرية.

وبعد مسح لعدد كبير من مناطق اللقاء بين الأنهار والبحار اتضحت للعلماء بعض الأسرار التي كانت محجوبة عن الأنظار، واكتشف الباحثون أن المياه تنقسم إلى ثلاثة أنواع:

(1) مياه الأنهار وهي شديدة العذوبة.

(2) مياه البحار وهي شديدة الملوحة.

(3) مياه في منطقة المصب مزيج من الملوح والعذوبة، وهي منطقة فاصلة بين النهر والبحر متحركة بينهما بحسب مد البحر وجزره، وفيضان النهر وجفافه، وتزداد الملوحة فيها كلما قربت من البحر، وتزداد درجة العذوبة كلما قربت من النهر.

(4) يوجد برزخ مائي يحيط بمنطقة المصب ويحافظ على هذه المنطقة بخصائصها المميزة لها حتى ولو كان النهر يصب إلى البحر من مكان مرتفع في صورة شلال.

(5) عدم اللقاء المباشر بين ماء النهر وماء البحر في منطقة المصب بالرغم من حركة المد والجزر وحالات الفيضان والانحسار التي تعتبر من أقوى عوامل المزج، لأن البرزخ المحيط بمنطقة المصب يفصل بينهما على الدوام (انظر شكل2) .

(6) يمتزج ماء النهر بماء البحر بصورة بطيئة مع وجود المنطقة الفاصلة من مياه المصب، والبرزخ المائي الذي يحيط بها ويحافظ على وجودها.

(7) تختلف الكتل المائية الثلاث (ماء النهر، ماء البحر، وماء المصب) في الملوحة والعذوبة، وقد شاهد الباحثون الذين قاموا بتصنيف الكائنات الحية الموجودة فيها ما يلي:

أ- معظم الكائنات التي في البحر والنهر والمصب لا تستطيع أن تعيش في غير بيئتها.

هذه الصورة يبين الحجر المحجور وكيف أنه يختلف في الملوحة و درجة الحرارة 

[ويوجد بعض الأنواع القليلة مثل سمك السلمون، وثعابين البحر تستطيع أن تعيش في البيئات الثلاث، ولها قدرة على أن تتكيف مع كل بيئة فعديدات الأشواك (فيفينس) وَمَعِدِيَّاتُ الأرجل (لبتورينا، نيريتا) والسركانات توجد في المصبات ولكنها يمكن أن تعيش في المناطق البحرية عند مناسبة الظروف البيئية، أما (النيريس) وهي من عديدات الأشواك، ومَعِدِيَّات الأرجل (نيريتينا، هيدروبيا) والقشريات (سيانثورا) فتعتبر حيوانات لمنطقة المصب ولا توجد في البحر، ومعظم كائنات البيئات الثلاث تموت إذا خرجت من بيئتها الخاصة بها] .

ب- وبتصنيف البيئات الثلاث باعتبار الكائنات التي تعيش فيها تعتبر منطقة المصب منطقة حجر على معظم الكائنات الحية التي تعيش فيها، لأن هذه الكائنات لا تستطيع أن تعيش إلا في نفس الوسط المائي المتناسب في ملوحته وعذوبته مع درجة الضغط الاسموزي في تلك الكائنات، وتموت إذا خرجت من المنطقة المناسبة لها، وهي منطقة المصب.

وهي في نفس الوقت منطقة محجورة على معظم الكائنات الحية التي تعيش في البحر والنهر، لأن هذه الكائنات تموت إذا دخلتها بسبب اختلاف الضغط الاسموزي أيضاً.

وبعد: فإن هذا النظام البديع قد جعله الله تعالى لحفظ الكتل المائية الملتقية من أن يفسد بعضها خصائص البعض الآخر، ليبقى ذلك الاختلاف رحمة للناس وسائر الكائنات.وإذا كانت العين المجردة لا تستطيع أن ترى هذا الحاجز الذي يحفظ الله تعالى به منطقة المصب، فإن الأقمار الصناعية اليوم قد زودتنا بصورة باهرة، تبين لنا حدود هذه الكتل المائية الثلاث، التي تزداد وضوحاً كلما ازداد الفارق في حرارة الماء وما يحمله من مواد. [وبالرغم من أن الماء العذب يمتزج مع ماء البحر فإن هناك حدوداً على طرفي منطقة الامتزاج المحدودة، التي تفرض قيوداً على ما يدخلها أو يخرج منها.وهذا الوصف ينطبق تماماً على نظام المصب.ويوجد اليوم اختلاف حول التعريف الأساسي لهذا المصطلح، ولكن العلم الحديث أثبت وجود حدود على طرفي منطقة الامتزاج] .فانظر كيف حارت العقول الكبيرة عدة قرون –بعد نزول القرآن الكريم- في فهم الدقائق والأسرار، وكيف جاء العلم مبيناً لتلك الأسرار، وصدق الله القائل: ﴿وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها﴾ [سورة النمل، الآية:93].وانظر كيف استقر المعنى بعد أن كان قلقاً.قال تعالى: ﴿لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون﴾ [سورة الأنعام، الآية:67]. وقال تعالى: ﴿ولتعلمن نبأه بعد حين﴾ [سورة ص، الآية:88].فمن أخبر النبي الأمي في الأمة الأمية في البيئة الصحراوية حيث لا وجود لنهر ولا لمصبه عن هذه الأسرار الدقيقة عن الكتل المائية المختلفة التركيب: عذب فرات، مالح أجاج، وبينهما برزخاً وحجراً محجوراً.والحَجْر: هو المكان المحجور لكائنات حية تعيش في هذه البيئات المائية الثلاث؟!.وكم استغرق الإنسان من الزمن؟ وكم استخدم من الآلات الدقيقة والأجهزة الحديثة حتى تمكن من الوصول إلى هذه الحقائق التي جرت على لسان النبي الأمي قبل ألف وأربعمائة عام بأوجز تعبير وأوضح بيان؟من أين جاء هذا العلم لمحمد عليه الصلاة والسلام إن لم يكن من عند الذي أحاط بكل شيء علماً.

قام بمراجعتها وإضافة الصور فراس نور الحق

المراجع :

المراجع القرآن الكريم:الجامع لأحكام القرآن: ط دار إحياء التراث العربي بيروت. جامع بحث أوجه الإعجاز في ملتقى البحرين: للزنداني.

بحث أوجه الإعجاز في اللقاء بين البحر والنهر: للزنداني. بحث مرج البحرين يلتقيان: لمحمد إبراهيم السمرة.بحث الظواهر البحرية: للزنداني، د. رار.


[1] لسان العرب .

 

 

مواضيع ذات علاقة

اسم الموضوع

هجري

تاريخ الموضوع

الإعجاز في علوم الأرض في القرآن الكريم

30 شعبان 1429

2008/08/31