بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مرحبا بكم مع الشيخ خالدالمغربي - المسجد الأقصى
027
النمل
آية رقم 061
أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ صدق الله العظيم نعمة الجاذبية الأرضية ما أكثر الآيات التي نمر عليها ونحن غافلون عنها وعن عظمتها ودلالاتها ومعجزاتها. وما أكثر الحقائق العلمية التي اكتشفها العلماء وقد جاء الحديث عنها في القرآن بكل دقة وبيان. فقد طرح القرآن العديد من الأسئلة على أولئك المشككين وذكَّرهم بنعمة الله وأنه هو الذي سخر لهم هذه النعم. ومن ذلك قول الحق تبارك وتعالى: (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [النمل: 61]. هذه آية عظيمة تسأل هؤلاء المعرضين الذين جحدوا بنعمة الله: مَن الذي جعل لهم الأرض قراراً أي مكاناً يستقرون فيه؟ ومن الذي خلق هذه الأنهار، ومن الذي خلق الجبال، ومن الذي جعل البرزخ بين البحار... والحقيقة أن كل هذه الحقائق العلمية لم تكن مكتشفة زمن نزول القرآن وعلى الرغم من ذلك أمر الله هؤلاء أن يفكروا فيها ليدركوا الأسرار الخفية وراءها. فالإنسان يعيش على هذه الأرض منذ آلاف السنين وهو لا يحس بأي فوضى أو عدم استقرار ولا يدرك نعمة وقيمة أن تكون الأرض مكاناً يستقر عليه ولا تضطرب حياته فيها. ولكن ما معنى ذلك؟ ماذا لو... يقول العلماء إن الأرض هي الكوكب الوحيد الذي جاء تصميمه مناسباً تماماً للحياة المريحة والمستقرة، وحجم الأرض وكتلتها وبعدها عن الشمس وسرعة دورانها حول نفسها وحول الشمس، مناسب جداً للحياة، ولو أن حجم الأرض أو كتلتها أو بعدها عن الشمس أو سرعة دورانها كانت أكبر بقليل أو أصغر بقليل لاختلت الحياة على ظهرها. إن الذي يتأمل موقع الأرض داخل المنظومة الشمسية يلاحظ أن الله تبارك وتعالى هيَّأ هذه الأرض لتكون صالحة للحياة، بعكس بقية الكواكب. وهذه نعمة من نعم المولى يجب أن نشكره عليها. ولكن هناك أمر مهم جداً لولاه لا يمكن لنا أن نستقر على هذه الأرض وهو الجاذبية الأرضية، فكوكب الأرض يمتاز بجاذبية محددة مناسبة للحياة المستقرة، ولو كانت جاذبية الأرض أقل مما هي عليه (مثل القمر) فإن الإنسان سيطير في الهواء عندما يبذل أي جهد، ولو كانت الجاذبية أكبر مما هي عليه (مثل المشتري) لالتصق الإنسان بالأرض ولم يعد قادراً على الحركة!!! ماذا يسبب انعدام الوزن إنها قوة سخرها الله لجميع الأجسام في الكون لتتجاذب، فالأرض تشدنا نحو مركزها، بفعل قوة جاذبيتها، ولذلك فإننا نحس بالاستقرار على ظهرها، وبالتالي فهي قرار لنا. لو كنا على سطح القمر مثلاً فإن وزن أحدنا سيكون أقل مما هو عليه على الأرض بست مرات، أي أن الرجل الذي يزن على الأرض 90 كيلو غرام، سيكون وزنه على القمر 15 كيلو غرام فقط! ولا نحس بنعمة الجاذبية إلا عندما نغادر الأرض! وهذا ما يشكو منه رواد الفضاء، حيث يقول العلماء الذين صعدوا إلى الفضاء الخارجي وعاشوا حالة انعدام الوزن أو انعدام الجاذبية أو انعدام الاستقرار على الأرض: 1- إننا نعاني من أمراض كثيرة مثل الغثيان وصعود الدم للأعلى في الجسد بدلاً من الأسفل وبالتالي انتفاخ الوجه، أما العظام فتفقد جزءاً من الكالسيوم. وبالتالي فإن الذي يعيش في الفضاء يُصاب بنخر العظام، بل يفقد من كتلة عظامه كل سنة أكثر من 20 بالمئة. 2- بنتيجة عدم الاستقرار وغياب الجاذبية فإن الدورة الدموية ستضطرب وتتشكل حصيات في الكلية، سوف تضمر العضلات، ويتباطأ تقلص الأمعاء مما يعيق هضم الطعام. سوف يرتفع لديه ضغط الدم، ويتسرّع قلبه، مما يسبب له مشاكل في نظام عمل القلب، تبقى لمدة أشهر حتى بعد عودته إلى الأرض. 3- سوف يختلف إيقاع الجسم الطبيعي بسبب فقدان طلوع الشمس وغروبها، فالظلام يخيم على كل شيء في الفضاء، وبالتالي سوف تختل دورة الجسم ونظامه ولا يعود قادراً على فعل شيء. كما أن الأشعة الكونية القاتلة سوف تؤثر عليه وتسبب أذى لجهازه العصبي، وقد يُصاب بأورام خبيثة نتيجة هذه الإسعاعات. 4- يعاني من يفقد الجاذبية ويعيش في الفضاء من قلة النوم، لأنه فقد الجاذبية التي تجعل رأسه مستقراً على الفراش أثناء النوم، فهو يحس أنه يسبح في سائل ما، ولذلك لا يتمكن من النوم إلا بصعوبة. وسوف يضعف لديه نظام المناعة، وهذا يمكِّن أي فيروس من السيطرة على جسده ومن المحتمل أن يُصاب بأي مرض بما في ذلك السرطان! لو كانت الأرض بحجم القمر مثلاً لانخفضت قوة الجاذبية ولم يعد الإنسان مستقراً، ولذلك يقول العلماء إن حجم الأرض وكتلتها مناسبان جداً لقوة الجاذبية المثالية للإنسان ليتمتع بالاستقرار. 5- سوف تحدث اضطرابات عديدة في القلب لأنه سيعمل أكثر، فالجاذبية الأرضية تساعد القلب على ضخ الدم، وعند غياب الجاذبية فإن القلب سيبذل جهداً أكبر مما يُضعف القلب. بل إن الدكتور William Evans من وكالة ناسا للفضاء يقول إن الخروج خارج الأرض هو بمثابة "كابوس طبي" حيث يعجز الطب عن علاج الأمراض الناتجة عن انعدام الجاذبية. كذلك فإن الذي يعيش في الفضاء بعيداً عن جاذبية الأرض يعاني من صعوبة التبول لأن السوائل تبقى معلقة وملتصقة بجسده ولا تنزل للأسفل! وبالتالي فإن أبسط الأشياء سوف تختل. ويقول الباحثون إن مجرد الحياة في الفضاء يعتبر موتاً بطيئاً!! مشاعر رواد الفضاء ولذلك فإن رواد الفضاء عندما يعودون إلى الأرض يحسون وكأنهم عادوا إلى بيتهم! ولذلك فإن الله تعالى وصف لنا هذا الإحساس عندما وصف الأرض بأنها كالمهد بالنسبة للإنسان، والمهد هو السرير الذي ينام فيه الطفل ويستقر: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى) [طه: 53]. وقال أيضاً: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [الزخرف: 10]. وقال أيضاً: (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا) [النبأ: 6]. وتأملوا معي كيف يصف الله الأرض بأنها مهد، ثم يذكرنا بنعمة عظيمة يفقدها الإنسان أيضاً في الفضاء وهي: (وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)، فقد جعل الله في الأرض طرقاً وأشياء نهتدي بها، أما الإنسان في الفضاء فلا يستطيع التوجه، لأنه محاط بظلام دامس من كل مكان، والذي يوجهه هو قوة الجاذبية فقط! فتأملوا هذه النعمة (نعمة التوجه) التي نستخدمها كل يوم ولا نحس بقيمتها إلا عندما نفقدها! يفقد رائد الفضاء الكثير من الميزات التي يتمتع بها على الأرض، لذلك فإن رواد الفضاء يصابون بأمراض تسمى "أمراض الفضاء" Space Sickness وهي أمراض ناتجة عن فقدان نعمة الجاذبية الأرضية. تصور أن إنساناً لا يعرف كيف ينام وفي أي اتجاه! وتصوروا معي المشهد في الصورة حيث نرى أحد رائدي الفضاء ينام ورجليه للأعلى! هل تحسون معي بنعمة الجاذبية؟ ويؤكد العلماء في أقوالهم بأن الإنسان لن يستطيع الذهاب بعيداً في الفضاء بسبب الخطر الناجم عن الأشعة الكونية الخطيرة والتي تخترق أي جسم وتصل إلى أعماق الخلايا عند الإنسان، وبالتالي فإن الموت سيكون المصير الطبيعي لمن يحاول الابتعاد عن الأرض كثيراً، وربما نتذكر في هذا الموقف قول الحق تبارك وتعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ * فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) [الرحمن: 33-34]. لقد بدأ الإنسان يحس بنعمة الجاذبية فقط منذ عام 1961 عندما أبلغ رائد الفضاء الروسي Gherman Titov عن أول حالة مرض فضاء، وذلك بعد خروجه خارج الأرض لمدة 25 ساعة. حيث حدث له إغماء واضطرابات كثيرة في الرؤية والسمع والإدراك واضطرابات في الجهاز العصبي غير ذلك. يقول العلماء: إن الإنسان بمجرد خروجه خارج نطاق الجاذبية الأرضية يُصاب بأمراض الفضاء على الفور، وأول ما يُصاب لديه حاسة البصر التي تختل ويرى الأشياء من حوله وكأنها تدور، ويحس وكأنه في حالة سكر أو تخدير! بل إنه يتخيل أشياء ليست حقيقية وكأنه مسحور بالفعل! اضطرابات الرؤيا إن أول اضطراب يُصاب به رائد الفضاء هو اضطراب بصري، حيث تختل الإشارات الصادرة عن العين وتختلط مع الإشارات السمعية، وبالتالي فإن رائد الفضاء وبسبب فقدان التوازن في حاسة الرؤيا يحس بأن بصره قد أصابه التشويش ويفقد التنسيق بين الأذن والعين، وهذه الحالة تشبه حالة إنسان شرب الخمر وفقد التوازن واضطربت حاسة الرؤيا لديه!! ويقول الأطباء إن الجسم يعاني من حالة فقدان التوازن وفقدان الوعي بشكل كبير ولا يعود الإنسان مدركاً ماذا يفعل. حتى إن معظم رواد الفضاء يفضلون تناول الأدوية المخدرة للتغلب على هذه الأحاسيس والاضطرابات. وهكذا يحس من يعيش خارج الأرض وكأنه قد فقد توازنه والقدرة على التحكم بنفسه فهو كإنسان مسحور لا يدرك ماذا يفعل وبخاصة في الأيام الثلاثة الأولى لرحلته! فلا يُسمح له بممارسة أي نشاط تقني حتى يتأقلم مع الوضع الجديد. ولذلك وصف لنا رب العزة تبارك وتعالى حال من يخرج خارج الأرض باتجاه السماء بأنه يحس بحالة أشبه بالسُّكر أو السحر بسبب هذه التغيرات الغريبة التي تحصل له، يقول تعالى: (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) [الحجر: 14-15]. وهنا نجد تفسيراً لطيفاً لابن كثير حيث يقول: (سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا) وقال ابن زيد: السكران الذي لا يعقل! عندما نغادر الغلاف الجوي نرى ظلاماً دامساً، ونحس وكأن بصرنا قد أُغلق تماماً! وهذا ما عبر عنه القرآن بقوله تعالى: (لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا)، فقد وصف لنا القرآن بدقة مذهلة ما يراه رائد الفضاء قبل أربعة عشر قرناً. فرائد الفضاء يحس وكأن بصره يدور ويرى العالم منقلباً رأساً على عقب، بل إن أحد رواد الفضاء عندما سئل كيف كنتَ ترى الأشياء في الفضاء: قال كنتُ أحس بأن العالم يدور من حولي!! كما أن أحد رواد الفضاء في وكالة ناسا استيقظ ليلاً وهو على مركبته فرأى ساعة يد تعوم أمامه وبدأ يفكر من أين جاءت، وبعد فترة استوعب أن هذه الساعة موجودة في يده!! وبالتالي فإن الجسم يفقد التنسيق بين الأذن والعين، ويحس رائد الفضاء وكأن حاسة البصر مخدَّرة لا تستطيع التجاوب مع حاسة السمع. نتائج علمية جديدة تقول الدكتورة Kathleen Cullen من المعهد الطبي لأبحاث الفضاء وتفسر ما يحدث لرائد الفضاء عندما يخرج من نطاق جاذبية الأرض: إننا ندرك العالم من حولنا من خلال دمج المعلومات السمعية والبصرية ، وتحدث المشكلة عندما يحدث تعارض بين السمع والبصر يدعى "التضارب الحسي" والذي يسبب الغثيان أو مرض الفضاء. يصف لنا رواد الفضاء الذين عادوا إلى الأرض إحساسهم ويقولون: منذ اللحظة الأولى لخروجنا من نطاق جاذبية الأرض بدأ الخداع البصري وبدأت أعيننا تدخل في حالة من الوهم والتخيل، فكنا لا نميز بين الأعلى والأسفل، أشبه بإنسان مسحور! حتى إن أحد رواد الفضاء أفاق من نومه وهو داخل مركبته فرأى الأرض فوقه بدلاً من أن يراها تحته كما تعود على ذلك فأغمي عليه وتقيَّأ. وتتابع قولها: إن الأعراض التي يحس بها رائد الفضاء هي نفسها التي يعاني منها من أفرط في شرب المسكرات!!! لأن شرب الخمر يؤدي إلى فقدان التنسيق بين حاسة البصر وحاسة السمع، وبالتالي يشعر رائد الفضاء وكأنه سكران! ثم تقول: إن العديد من الناس على الأرض عاشوا نفس الإحساس الذي يحسه رائد الفضاء، وذلك عندما يشربون كمية من البيرة، ولكن مع فارق بسيط وهو أن الخمر يؤثر أكثر على حاسة السمع، أما انعدام الوزن فإنه يؤثر على حاسة البصر، هناك أمر آخر وهو أن الذي يسكر على الأرض يستطيع أن يفيق من ذلك بعد يوم مثلاً، أما في الفضاء فيكون في حالة سكر دائم!!! إعجاز متعدد في كلمة (سُكِّرَتْ) والسؤال هنا أحبتي في الله: أليس هذا ما يقوله القرآن قبل أربعة عشر قرناً: (لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا)، وكلمة (سُكِّرَتْ) جاءت من فعل (سَكَرَ) أي حُبست عن النظر أو حُيِّرت أو غُشِّيت وغُطِّيت، وكل هذه المعاني صحيحة وتنطبق على رائد الفضاء. ومن معاني (سُكِّرَتْ) أُغلقت، والحقيقة في اللحظة التي يغادر فيها رائد الفضاء الأرض يشعر بظلام دامس فلا يعود يرى شيئاً، وبالتالي فإن رواد الفضاء الذين عادوا من رحلاتهم يصفون شعورهم وكأن بصرهم قد أُغلق! وبالتالي فإن كلمة (سُكِّرَتْ) تناسب جميع الحالات التي يحس بها من يخرج خارج الأرض وهذا من عظمة كتاب الله تعالى. تأملوا معي كم يحتاج الإنسان من تجهيزات وتقنيات وملايين الدولارات وعلماء وأبحاث ووكالات فضاء... كل ذلك ليتمكن من العيش خارج الأرض لأيام، وعلى الرغم من ذلك يصاب بمئات الأمراض، ومعظمها ناتجة بسبب غياب الجاذبية، فهل نقدِّر هذه النعمة، ونقدر قول الحق تبارك وتعالى عندما خاطب كل واحد منا: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [غافر: 64]. والعجيب أننا نجد بعض البشر يتكبرون على خالقهم ورازقهم سبحانه وتعالى، ومن غرائب ما قرأت أن كثير من الحيوانات والحشرات لديها القدرة على التأقلم مع حالة انعدام الجاذبية، بل إن الفئران والصراصير أكثر قدرة من الإنسان على العيش في الفضاء! وأخيراً هل أدركنا بعد هذه الحقائق أهمية الجاذبية وأهمية أن نكون مستقرين على سطح الأرض؟ هل ازددنا فهماً لمعنى قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [غافر: 64]. وهل أدركنا أن الأرض هي فعلاً بيت ومهد لنا كما قال تعالى: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [الزخرف: 10]. هل أدركنا أهمية أن نحس بالاتجاهات من حولنا، هذه النعم بمجرد أن نخرج خارج الأرض سوف نفقدها على الفور بل ونصاب بالأمراض! هذا الإله الرحيم المتفضِّل ألا يستحق منا أن نشكره، أن نسجد له، أن نحبَّه؟! إنها نعم كثيرة أنعمها الله علينا، فكل ما يطلبه هذا الإنسان يحققه له المولى عز وجل، ونلاحظ كيف أن البشر كلما حاولوا اختراع شيء يسره الله لهم، حاولوا الصعود إلى الفضاء وحقق لهم الله هذا الأمر، وغير ذلك كثير، ولكن الإنسان يظلم نفسه عندما يجحد بهذه النعم التي لا تُعد ولا تُحصى، ولذلك يقول تعالى: (وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم: 34]... اللهم لك الحمد حتى ترضى ... وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. ــــــــــــــــ بقلم عبد الدائم الكحيل www.kaheel7.com روابط ذات صلة : دور الرياح في إثارة السحب ـ حقائق قرآني هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً بعض المراجع 1- Nauseating News About Spacesickness, www.space.com, 21 November 2005. 2- Works in Progress, Discover Magazine, 05.01.2003. 3- Space sickness, New Scientist, 08 April 2006. 4- Research Areas, The National Space Biomedical Research Institute, www.nsbri.org 5- Can We Survive on the Moon? Discover Magazine, 03.21.2007. 6- Mixed Up in Space, NASA, August 7, 2001. 7- The Balance Factor: Can You Handle Zero G?, , www.space.com, 21 September 2004. 8- Understanding space sickness, McGill University, November 25, 2004 - Volume 37 Number 06. 9- William J. Cromie, Weightless Dream, Harvard University, February 06, 1997 . 10- DeHart, Roy L., ed. Fundamentals of Aerospace Medicine. Philadelphia: Lea & Febiger, 1985. 11- Harris, Philip R. Living and Working in Space: Human Behavior, Culture and Organization. New York: Ellis Horwood Limited, 1992. 12- Charles M. Oman, Human Visual Orientation in Weightlessness, York Conference 2001. الطاقة الهائلة بين الماء العذب والماء المالح ذُكر البرزخ بين البحر العذب والبحر المالح في القرآن، وقد تبين وجود طاقة هائلة بين هذين البحرين، وهذا يؤكد أهمية الإشارات القرآنية... يقول تعالى: (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل: 14]. في هذه الآية حديث عن أهمية البحار وتسخيرها للإنسان مجاناً، وكأن الله تعالى يريد أن ينبهنا إلى الفوائد العظيمة الموجودة في البحار في قوله (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ). ومن الظواهر التي بدأ الإنسان بملاحظتها اختلاط الماء العذب بالماء المالح عند مناطق المصبات للأنهار في البحار. وقد ظن الإنسان أن العملية هي مجرد اختلاط لا فائدة منه، ولكن القرآن قبل 1400 سنة ذكر هذا التمازج والاختلاط بين البحرين أي النهر العذب والبحر المالح كنعمة من نعم الله، وآية من آياته ينبغي علينا التفكر فيها. وبالفعل فإن القرآن لم يذكر شيئاً إلا وكانت هنالك فوائد عديدة منه، ومن هذه الفوائد وأغربها أن العلماء اليوم اكتشفوا وجود كميات كبيرة من الطاقة تتحرر أثناء عملية اختلاط الماء العذب في الماء المالح، ولذلك فكروا في الاستفادة من توليد الكهرباء في هذه المنطقة. تحلية مياه البحر إن الطريقة المتاحة اليوم لتحلية ماء البحر تعتمد على هذه الظاهرة، أي ظاهرة اختلاط الماء العذب بالماء المالح، والتي سخرها لنا الله تعالى لنتمكن من خلالها من تنقية وتحلية ماء البحار، وهذه نعمة عظيمة تستحق أن يذكرها القرآن الكريم: (وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [النمل: 61]. شكل يوضح طريقة لتحلية مياه البحر المالحة، حيث يتم ضغط ماء البحر وإجبارها على المرور من خلال غشاء يسمح للماء فقط بالنفاذ منه، ولا يسمح لجزيئات الملح بذلك إن عملية تحلية مياه البحر تتم اليوم بطريقة تحلية مياه البحر، من خلال وضع ماء البحر في وحدات خاصة وضغطه بضغوط عالية وجعل هذا الماء المضغوط يمر عبر غشاء نفوذ للماء فقط، أي أنه يسمح بمرور جزيئات الماء العذب الصغيرة نسبياً، ولا يسمح بمرور جزيئات الملح التي هي أكبر بكثير من جزيئات الماء. ويسمي العلماء هذه الطريقة بالتناضح العكسي [1] Reverse Osmosis. واليوم تعتبر هذه الطريقة أساسية في تحلية مياه البحر، حيث إن معظم الدول التي تحلّي ماء البحر تعتمد هذه الطريقة. الطاقة بين البحرين لقد اكتشف العلماء بعد دراسة المنطقة الفاصلة بين النهر والبحر عند منطقة المصب أن ماء النهر العذب عندما يختلط ويمتزج مع ماء البحر المالح فإن كميات كبيرة من الطاقة تنطلق في هذه المنطقة. إن سبب تحرر هذه الطاقة هو الفارق الكبير في درجة الملوحة بين الماء العذب والماء المالح، وهذا الفرق في الكثافة يؤدي إلى اندفاع الماء العذب بشدة داخل الماء المالح [2]. ولذلك فإن هذا الضغط الكبير المتولد في المنطقة الفاصلة بين الماء العذب والماء المالح، يشكل جداراً منيعاً من القِوى التي لا تسمح إلا لجزء من ماء النهر بالعبور إلى البحر، هذا الجدار هو ما سماه القرآن بالحاجز. ولولا هذا الحاجز المنيع لجفّت جميع الأنهار بسبب تدفقها في البحار وعدم وجود ما يمنعها من التدفق بغزارة. وعاء يحوي على الطرف الأيمن ماء عذباً وعلى الجانب الأيسر ماء مالحاً، وبينهما غشاء يسمح لجزيئات الماء بالمرور ويحجز جزيئات الملح، ونلاحظ تولد قوى ضغط كبيرة على الماء المالح بسبب الاختلاف الكبير في درجة الملوحة بين الجانبين. نرى في الشكل كيف يمر الماء العذب باتجاه الماء المالح، وهذا يولد ضغطاً على الماء المالح، مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح هذا الماء. ولو عكسنا العملية فإننا نرى العملية العكسية، أي عندما نضغط الماء المالح فإنه يضطر للمرور عبر الغشاء الذي يسمح للماء العذب بالمرور خلاله، ويحتجز الملح، وبالتالي هذا هو مبدأ تحلية ماء البحر. يبحث العلماء اليوم في هذا الحاجز ويؤكدون بأن العمليات الفيزيائية والكيميائية التي تحدث في منطقة البرزخ التي تفصل بين النهر والبحر في منطقة المصب، تعتبر معقدة للغاية وصعبة الفهم [3]. ولكي نفهم شدة هذه القوى المتحررة عندما يلتقي النهر بالبحر [4] ، يجب أن نعرف مقدار الملوحة في كل منهما. فكل متر مكعب من ماء البحر يحوي 35 كيلو غرام من الملح، بينما المتر المكعب من ماء النهر يحوي أقل من نصف كيلو غرام من الملح. ولذلك فإن المنطقة التي تفصل بين البحر المالح والنهر العذب وتسمى منطقة المصب estuary وهذه المنطقة تمتد لعدة كيلو مترات ولها خصائص تختلف عن خصائص البحر أو النهر. توليد الكهرباء من الماء ولكي نفهم عملية الاستفادة من مزج الماء العذب بالماء المالح لتوليد الطاقة الكهربائية، نلجأ إلى الطريقة المعاكسة لتحلية ماء البحر. ففي عملية التحلية نقوم بضغط ماء البحر لإخراج الماء العذب منه، أي أننا نبذل طاقة كهربائية لذلك، بينما في هذه الطريقة نجعل الماء العذب يدخل إلى ماء البحر وبالتالي ستتولد الطاقة في هذه الحالة، أي هي عملية عكسية. إن طاقة الضغط التي يولدها جريان الماء العذب داخل الماء المالح يمكن أن يتم تحويلها إلى حركة دورانية تقوم بتدوير مولدة كهربائية، وبالتالي يتم إنتاج الطاقة الكهربائية بهذه الطريقة. فقد وجد العلماء أننا إذا وضعنا الماء العذب على جانب والماء المالح على الجانب الآخر وفصلنا بينهما بغشاء يسمح فقط بمرور الماء العذب إلى داخل الماء المالح، فإن الضغط في الماء المالح سيتضاعف بمقدار 26 ضعفاً [5]. التقاء النهر العذب مع البحر المالح، والعلماء اليوم يحاولون الاستفادة من منطقة المصب حيث يصب النهر في البحر، لأن هذه المنطقة تتولد فيها قوى هائلة. ويمكن الاستفادة من هذه القوى وتحويلها ضمن وحدات خاصة إلى طاقة كهربائية تعتبر آمنة ونظيفة. ويمكن أن تتوضع هذه الوحدات تحت الأرض لتحويل قوة الضغط المتولدة عند التقاء النهر بالبحر إلى طاقة كهربائية، طبعاً هذه الأفكار لا تزال قيد الدراسة والتجربة. وبهذه الطريقة يمكن تحويل نصف طاقة الضغط إلى كهرباء عملياً. ويقوم العلماء اليوم بدراسة إمكانية الاستفادة من هذه الظاهرة الطبيعية، وذلك بوضع وحدات لتوليد الكهرباء عند منطقة المصب إما تحت سطح الماء، أو تحت الأرض. طبعاً هؤلاء العلماء يعتقدون بأن قوانين الطبيعة هي التي تحكم هذه الظاهرة العجيبة، ولذلك جاء القرآن قبل أربعة عشر قرناً ليؤكد أن الله تعالى هو من خلق هذه الظاهرة وهو من سخرها لنا، وسبحان الله، نجد من لا يؤمن بوجود خالق لهذه الظاهرة. يسمي العلماء هذه الطريقة في الاستفادة من مزج الماء المالح بالماء العذب بـ Pressure Retarded Osmosis أو اختصاراً (PRO). وهي طريقة مستوحاة من الظاهرة الطبيعية، أي ظاهرة الحاجز بين البحرين والتي تحدث عنها القرآن بوضوح قبل أن يكتشفها العلماء. إشارات قرآنية هنالك نص قرآني يربط بين البحار والأنهار في إشارة إلى إمكانية الاستفادة من هذه النعم التي سخرها الله لنا، يقول تعالى: (وَسَخَّرَلَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَلَكُمُ الْأَنْهَارَ) [إبراهيم: 32]. وانظر معي إلى كلمة (سَخَّرَ) والتي تكررت مرتين في هذه الآية للتأكيد على أننا إذا بحثنا فسوف نجد فوائد مجانية لا تُحصى في الأنهار والبحار. يجري اليوم بعض الباحثين العديد من التجارب والتي تعتمد كما نرى في هذه الصورة على مزج الماء العذب بالماء المالح، بهدف استغلال الطاقة المجانية المتحررة أثناء عملية المزج، وهذه الطاقة تنتج بتقدير إلهي، ولكن علماء الغرب يردون هذه الظاهرة إلى الطبيعة، أما القرآن فيؤكد أن الله تعالى هو خالق هذه الظاهرة وهي نعمة من نعمه سبحانه وتعالى: (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا) [الفرقان: 53] فسبحان الله! هنالك الكثير من الأبحاث العلمية الجديدة التي يحاول أصحابها الاستفادة من طاقة أمواج البحر، وطاقة المد والجزر في البحر، وكذلك الطاقة الحرارية في أعماق المحيطات، وغير ذلك كثير. ويؤكدون أن البحر يحوي طاقة هائلة ومجانية ونظيفة. ولذلك نجد البيان الإلهي يؤكد على تسخير البحر لنا لنستفيد منه، وربما نستغرب إذا علمنا أن من بين معاني كلمة (سَخَّرَ): قدّم خدمات مجانية من دون مقابل، أو كما يقول علماء اللغة: سخّره: ذلّله وكلَّفه عملاً بلا أجرة [1]! هذا ما يتحدث عنه علماء اليوم عندما يؤكدون أن الطاقة الكهربائية التي يمكن الحصول عليها من البحار والأنهار هي طاقة مجانية لا تكلفنا أي شيء، وكأن هذه البحار مخلوقات مطيعة ذلّلها الله لنا وجعلها تخدمنا دون أن تأخذ شيئاً، ولذلك نجد أن البيان الإلهي يؤكد أن هذه النعم لا تُحصى فهل نشكر الله تعالى القائل: (وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم: 34]. في قوله تعالى (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ)، وقوله تعالى(وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ) إشارة إلى وجود منافع كثيرة ومجانية في الأنهار وفي البحار، وما رأيناه في في المنطقة حيث يصب النهر بالبحر تتحرر طاقة هائلة نتيجة اختلاط الماء العذب بالماء المالح، ونتذكر قوله تعالى (وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج)، إنها آية تذكرنا بنعم الله علينا وأنه هو من خلط البحرين، فلا بد أن يكون هنالك فائدة من هذه العملية، وهذا ما يحاوله العلماء اليوم. هذا البحث من محاولات للاستفادة من التقاء الأنهار بالبحار، ما هو إلا تطبيق عملي لهذه الآية، حيث يعترف العلماء بوضوح أن البحار والأنهار تحتوي على مصدر غير محدود للطاقة المجانية. فهل نتذكر نعمة الله علينا ونشكره على هذه النعم ونسبحه؟ يقول تعالى: (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [النمل: 61]. مواضيع ذات صلة : اللهم أغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد الجوارِ المنشآت المروج والبرزخ والحاجز المائي آيات البحار ومعانيها العلمية أسرار البرزخ المائي بين الماء العذب والماء المالح بقلم عبد الدائم الكحيل www.kaheel7.com الهوامش [1] الفيروز آبادي، معجم القاموس المحيط، ص 600 ، دار المعرفة بيروت 2005. [2] Bennett Thomas and Michael Cuccinello, Saltwater Desalination, www.ewr.cee.vt.edu [3] River runs through this energy source, www.msnbc.msn.com, Jan. 3, 2006. [4] At the River's End, WHOI scientists explore the complex dynamics in estuaries, www.whoi.edu, 2006 [5] Jennifer Nelson "Where the Rivers Meet the Sea," NOAA, 1990 [6] Osmotic Power, A huge renewable energy source, Statkraft Development AS, 2006 الله الذي جعل لكم الأرض قرارا.. بقلم الدكتور زغلول النجار هذا النص القرآني المعجز جاء في الربع الأخير من سورة غافر وهي سورة مكية, عدد آياتها85, وقد سميت بهذا الاسم الجليل غافر الذي هو صفة من صفات الله العلا لوروده في مطلع السورة, وفي ثناياها بصيغة الغفار وهو من أسماء الله الحسني. ويدور محور سورة غافر حول قضيتي الإيمان والكفر, وصراع أهليهما عبر التاريخ, ومحاولات أهل الباطل للعلو, في الأرض, والتجبر علي الخلق بغير الحق ــ تماما كما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية وذنبها الأعوج المسمي إسرائيل, وحلفاؤهما اليوم ــ وترد آيات السورة الكريمة باستعراض لبأس الله الذي يأخذ المتجبرين في الأرض أخذ عزيز مقتدر, وتشير إلي عدد من مصارع الغابرين الذين طغوا وبغوا في الأرض بغير الحق, فكان جزاؤهم من الله الإفناء الكامل, وما ذلك علي الله بعزيز...!! وتبدأ سورة غافر بالحرفين المقطعين حم وبهما تبدأ سبع سور من سور القرآن الكريم وتسمي بالحواميم أو بــ آل حم والحروف المقطعة التي تفتتح بها تسع وعشرون سورة من سور القرآن الكريم, والتي تضم أسماء نصف حروف الهجاء العربية الثمانية والعشرين تعتبر من أسرار القرآن التي لم يتم اكتشافها بعد, وإن بذلت محاولات عديدة من أجل ذلك. ويلي هذا الاستفتاح بيان من الله( تعالى) بأن القرآن الكريم هو تنزيل من الله العزيز العليم الذي وصف ذاته العلية بقوله: غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير* والغفر هو الستر والمحو والتكفير, و(الطول) هو الفضل والإنعام عن غني وسعة واقتدار. وتخاطب الآيات خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد بن عبد الله( صلي الله عليه وسلم) بالحقيقة الواقعة: أنه لا يجادل في آيات الله بغير علم إلا الذين كفروا, وأنه لا يجوز أن يحزنه تقلب الكافرين في البلاد بشيء من السلطان والبطش( كما ينقلب الأمريكان والإسرائيليون وأعوانهم اليوم) فإن ذلك استدراج لهم, حتى إذا ما بالغوا في جرائمهم أخذهم الله بذنوبهم أخذ من سبقوهم من الأمم الكافرة والمشركة من أمثال قوم نوح والأحزاب الذين أفسدوا في الأرض إفسادا كبيرا, فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر, وتؤكد السورة أن مصيرهم إلي جهنم وبئس المصير...!! وتحدثت السورة عن حملة العرش وعمن حولهم من الملائكة الذين يسبحون بحمد الله ويؤمنون به, ويستغفرون للمؤمنين من أهل الأرض, ويدعون للذين تابوا منهم بالنجاة من عذاب الجحيم, ويسألون الله( تعالى) لهم, ولمن صلح من آبائهم, وأزواجهم, وذرياتهم جنات عدن, وأن يقيهم السيئات, كما تعرض لشئ من أحوال الكافرين والمشركين يتذللون بين يدي الله يوم القيامة في انكسار واضح وهم يقولون: (قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) (غافر:11) وتستشهد السورة بالعديد من آيات الله في الكون, وتوصي المؤمنين بالثبات علي التوحيد الخالص لله ولو كره الكافرون, وتصفه( سبحانه وتعالى) بأنه: رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره علي من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق* وهو يوم التقاء الخلق في المحشر, وهو يوم عصيب, يبرز فيه الخلق أمام الله( تعالى) لا يخفي علي الله منهم شيء, وينادي فيهم المنادي: لمن الملك اليوم؟ ويأتي الجواب حاسما, جازما قاطعا: لله الواحد القهار و(الروح) هنا هي الوحي والنبوة لأن القلوب تحيا بهما كما تحيا الأجساد بأرواحها...!! ويأتي القرار الإلهي: اليوم تجزي كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب. وتحذر الآيات من أهوال يوم القيامة: (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ) (غافر:18). وتؤكد أن الله( تعالى) يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور(وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (غافر:20). وتعتب الآيات علي الذين لم يعتبروا بمصارع الأمم البائدة والذين( كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ)(غافر: من الآية21) وتعرض السورة لقصة سيدنا موسي( عليه السلام) مع كل من فرعون وهامان وقارون, ومحاولة فرعون القضاء علي الحق وجنده وأتباعه, قمعا للإيمان, ونشرا للشرك والكفر والطغيان( تماما كما يفعل الأمريكان وحلفاؤهم اليوم) وتشير إلي مؤمن آل فرعون الذي كان يخفي إيمانه, وحديثه إلي قومه, وتحذيره إياهم من مصائر الغابرين من أقوام نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم ومن أهوال يوم التناد, ومن إهمالهم دعوة يوسف( عليه السلام) من قبل, ومن اغترارهم بالدنيا ومتاعها الزائل بينما الآخرة هي دار القرار, وذلك كله بشئ من اللطف والحذر. وتتحدث الآيات عن كيف زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل فحاق بآل فرعون سوء العذاب في الدنيا( بغرقه في اليم هو وجنده وأعوانه ونجاة رسول الله موسي ومن آمن معه), وفي قبورهم, كما تؤكد الآيات, ويوم تقوم الساعة حيث يلقون أشد العذاب. وتعرض الآيات للحوار بين الذين اتبعوا والذين اتبعوا وهم في النار, ورجاؤهم في مذلة بادية إلي خزنة جهنم كي يدعوا الله تعالى أن يخفف عنهم يوما من العذاب....!! وتؤكد الآيات أن الله تعالى ينصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد, وتعرض لشيء من أخبار سيدنا موسي( عليه السلام) مع بني إسرائيل, وتأمر المصطفي(صلي الله عليه وسلم) بالصبر والاستغفار والتسبيح بحمد الله بالعشي والإبكار, والاستعاذة بالله من الكبر الكاذب الذي يتخفى وراءه الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم. وكما لا يستوي الأعمى والبصير لا يستوي المسيئون والصالحون, وتجزم الآيات بأن الساعة آتية لا ريب فيها, وتطالب المؤمنين بالتوجه إلي الله تعالى بالدعاء, فيستجيب لهم, لأن الدعاء هو قمة الخضوع لله بالطاعة, وأن الذين يستكبرون عن الدعاء سوف يدخلون جهنم داخرين... وتصف الآيات شيئاً من أحوال المكذبين بكتب الله ورسله من الكفار والمشركين, وتوصي رسول الله( صلي الله عليه وسلم) بالثبات علي التوحيد الخالص لله, والصبر علي ما يلقي من عناد الكافرين, وتؤكد أن وعد الله حق, وأن الله( تعالى) قد أرسل رسلا من قبل, قص شيئا من أخبار بعضهم عليه, ولم يقصص عن البعض الآخر, وأنه ما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله, فإذا جاءت الآية... وجحد بها المكذبون..! استحقوا حينئذ عقاب رب العالمين فخسروا خسرانا مبينا...!! وتختتم السورة بعتاب للمرة الثانية علي الذين لم يعتبروا بمصارع الأمم البائدة من قبلهم والذين كانوا أكثر منهم عددا, وأشد منهم قوة وأثارا في الأرض, فما أغني عنهم ما كانوا يكسبون, لأنهم كذبوا رسل الله إليهم, واستعلوا عليهم بما كان عندهم من العلم فحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون, فلما رأوا عقاب الله محيطا بهم قالوا: آمنا بالله وحده, وكفرنا بما كنا به مشركين, ولكن ما كان ينفعهم هذا الإيمان الاضطراري بعد أن رأوا العذاب واقعا بهم, وهي سنة الله التي قد خلت في عباده, وخسر هنالك الكافرون...!! ومن الآيات الكونية التي استشهدت بها السورة علي توحيد الألوهية, والربوبية, وتنزيه الأسماء والصفات لهذا الخالق العظيم, والاستدلال علي طلاقة قدرته في إبداعه لخلقه ما يلي: (1) إنزال الرزق من السماء. (2) تضاؤل خلق الناس ــ علي عظمته ــ بجوار خلق السماوات والأرض. (3) حتمية الآخرة. (4) تخصيص الليل لراحة وسكون العباد وجعل النهار مبصرا. (5) حقيقة الخلق ووحدانية الخالق. (6) أن الله( تعالى) قد جعل الأرض قرارا, والسماء بناء. (7) وأنه( تعالى) قد صور بني الإنسان فأحسن صورهم, ورزقهم من الطيبات. (8) أن الله( تعالى) خلق الناس من تراب, ثم من نطفة, ثم من علقة, ثم يخرجهم طفلا, تم يبلغوا أشدهم, ثم ليكونوا شيوخا, حتى يبلغوا أجلا مسمي, فيتوفاهم الله ومنهم من يتوفى من قبل. (9) أن الله( تعالى) هو الذي يحيي ويميت, فإذا قضي أمرا فإنما يقول له كن فيكون. (10) خلق الله( تعالى) الأنعام ليركب الناس منها, ومنها يأكلون. (11) مكن الله( تعالى) بقدرته مياه البحار أن تحمل الفلك بقوانين الطفو حتى تكون وسيلة لنقل الناس وحمل أمتعتهم. وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي أكثر من مقال لاستيعابها, ولذلك فسوف أقصر الحديث هنا علي جعل الأرض قرارا وأبدأ بدلالة تلك اللفظة في اللغة العربية. مدلول اللفظة( قرارا) في اللغة العربية يقال في العربية( قر) في مكانه( يقر)( قرارا) إذا ثبت ثبوتا جامدا, وأصله من( القر) وهو البرد لأنه يقتضي السكون, والحر يقتضي الحركة, و(القرار) المستقر من الأرض, و(القرار) في المكان( الاستقرار) فيه تقول:( قررت) بالمكان بالكسر( أقر)( قرارا), و(قررت) أيضا بالفتح( قرارا) و(قرورا), و(استقر) فلان إذا تحري( القرار), و(الإقرار): إثبات الشيء. قال( تعالى): الله الذي جعل لكم الأرض قرارا... أي مستقرا تعيشون فيها, ويسأل( سبحانه وتعالى) سؤال التبكيت للكافرين بقوله: أمن جعل الأرض قرارا...( النمل:61) أي مستقرا, وقال( تعالى) في صفة الآخرة: (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) (غافر:39) . وقال في أصحاب الجنة: (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) (الفرقان:24). وقال سبحانه وتعالى: (خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً) (الفرقان:76). وقال في وصف النار(إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً) (الفرقان:66) . وقال( عز من قائل):(جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ) (إبراهيم:29) . وقال( سبحانه وتعالى):...(وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ)(لأعراف: من الآية24). وقال( جل شأنه):(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) (الأنعام:98) أقوال المفسرين: في تفسير قوله( تعالى): (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (غافر:64) ذكر أبن كثير( يرحمه الله) ما نصه:.... أي جعلها لكم مستقرا, تعيشون عليها وتتصرفون فيها, وتمشون في مناكبها... وذكر صاحبا تفسير الجلالين( رحمهما الله رحمة واسعة) ما نصه: أي مكانا لاستقراركم وحياتكم. وجاء في الظلال:( رحم الله كاتبها رحمة واسعة) ما نصه:.... والأرض قرار صالح لحياة الإنسان بتلك الموافقات الكثيرة التي أشرنا إلي بعضها إجمالا.... وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن على كاتبه من الله الرضوان ما نصه:( الأرض قرارا) مستقرا تعيشون فيها.. وجاء في المنتخب في تفسير القرآن الكريم ما نصه: الله ــ وحده ــ الذي جعل لكم الأرض مستقرة صالحة لحياتكم عليها..... وجاء في صفوة التفاسير جزي الله كاتبها خير الجزاء ما نصه: أي جعلها مستقرا لكم في حياتكم وبعد مماتكم, قال ابن عباس: جعلها منزلا لكم في حال الحياة وبعد الموت.... الله الذي جعل لكم الأرض قرارا... في مفهوم العلوم المكتسبة. جاء ذكر هذه الحقيقة في كتاب الله مرتين: أولاهما في سورة النمل حيث يقول ربنا(تبارك وتعالى): (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (النمل:61) وتكرر هذا السؤال: أإله مع الله؟ خمس مرات في خمس آيات متتاليات من سورة النمل استنكارا لشرك المشركين بالله...!! ويأتي الجواب قاطعا جازماً حاسماً في كل مرة: ( بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ)(النمل: من الآية60) ( قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ)(النمل: من الآية62) . (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)(النمل: من الآية64) وتسبق هذه الآيات الخمس بالحقيقة القاطعة التي يقررها ربنا( تبارك وتعالى) لذاته العلية علي لسان هدهد سليمان بقوله الحق: الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم*( النمل:26). والمرة الثانية التي جاءت فيها الإشارة إلي جعل الأرض قرارا هي الآية التي نحن بصددها من سورة غافر والتي يقول فيها الحق( تبارك وتعالى): (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (غافر:64) . وواضح من دلالة اللغة, ومن شروح المفسرين أن التعبير جعل الأرض قرارا تعني مستقرا في ذاتها, وقرار للحياة علي سطحها, وهما قضيتان مختلفتان ولكنهما متصلتان اتصالا وثيقا ببعضهما علي النحو التالي: أولا: جعل الأرض قراراً بمعني مستقرة بذاتها الأرض ثالثة الكواكب السيارة الداخلية جريا حول الشمس, ويسبقها من هذه الكواكب الداخلية قربا من الشمس كل من عطارد والزهرة علي التوالي, ويليها إلي الخارج أي بعدا عن الشمس بالترتيب: المريخ, المشتري, زحل يورانوس، نبتيون, وبلوتو, وهناك مدار لمجموعة من الكويكبات بين كل من المريخ والمشتري يعتقد بأنها بقايا لكوكب عاشر انفجر منذ زمن بعيد, كما أن الحسابات الفلكية التي قام بها عدد من الفلكيين الروس تشير إلي احتمال وجود كوكب حادي عشر لم يتم رصده بعد أطلقوا عليه اسم بروسوبينا أو بريينا. وبهذا يصبح عدد كواكب المجموعة الشمسية أحد عشر كوكبا, وهنا يبرز التساؤل عن إمكانية وجود علاقة ما بين هذه الحقيقة الفلكية ــ التي لم تكتمل معرفتها إلا في أواخر القرن العشرين ــ وبين رؤيا سيدنا يوسف( علي نبينا وعليه من الله السلام) التي يصفها الحق( تبارك وتعالى) في محكم كتابه بقوله: (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) (يوسف:4) . وإن كان ظاهر الأمر في السورة الكريمة أن المقصود هو ما تحقق بالفعل بعد تلك الرؤيا بسنين عديدة من سجود إخوة يوسف الأحد عشر وأبويه له عند قدومهم إلي مصر من بادية الشام, وعلي الرغم من ذلك فإن هذه العلاقة لا يمكن استبعادها, وهذا السبق القرآني بالإشارة إليها لا يمكن تجاهله....!! والأرض عبارة عن كوكب صخري, شبه كروي له الأبعاد التالية: متوسط قطر الأرض=12,742 كيلو متر متوسط محيط الأرض=40,042 كيلو متر مساحة سطح الأرض=510,000,000 كيلو متر مربع منها: 149مليون كم2 يابسة 361 مليون كم2 ماء حجم الأرض=108,000,000 كيلو متر مكعب متوسط كثافة الأرض=5,52 جرام/للسنتيمتر المكعب كتلة الأرض=5520 مليون مليون مليون طن متوسط كثافة الصخور في قشرة الأرض=2,5 جرام/للسنتيمتر المكعب متوسط كثافة الصخور الجرانيتية المكونة لكتل القارات=2,7 جرام/للسنتيمتر المكعب متوسط كثافة الصخور البازلتية المكونة لقيعان المحيطات=2,9 جرام/للسنتيمتر المكعب أمن جعل الأرض قراراً وبمقارنة متوسط كثافة الصخور المكونة لقشرة الأرض والتي تتراوح بين2,9,2,5 جرام للسنتيمتر المكعب مع متوسط كثافة الأرض ككل والمقدرة بحوالي5,52 جرام للسنتيمتر المكعب ثبت أن كثافة المادة المكونة للأرض تزداد باستمرار من سطحها في اتجاه مركزها حيث تتراوح الكثافة من10 إلي13,5 جرام للسنتيمتر المكعب ويفسر ارتفاع متوسط الكثافة بالقرب من مركز الأرض بوجود نسبة عالية من الحديد, وغيره من العناصر الثقيلة في قلب الأرض, وتناقص نسبة هذه العناصر الثقيلة بالتدريج في اتجاه قشرة الأرض. وتقدر نسبة الحديد في الأرض بحوالي35,9% من مجموع كتلة الأرض المقدرة بحوالي5520 مليون مليون مليون طن, وعلي ذلك فإن كمية الحديد في الأرض تقدر بحوالي الألف وخمسمائة مليون مليون مليون طن, ويتركز هذا الحديد في قلب الأرض علي هيئة كرة ضخمة من الحديد(90%) والنيكل(9%) وبعض العناصر الخفيفة من مثل السيليكون, والكربون والفوسفور والكبريت والتي لاتشكل في مجموعها أكثر من1% مما يعرف باسم لب الأرض, والذي تشكل كتلته31% من كتلة الأرض, ويمثل طول قطره حوالي55% من طول قطر الأرض, أما باقي الحديد في الأرض(5,9% من كتلة الأرض) فيتوزع علي باقي كتلة الأرض( وشاح الأرض وغلافها الصخري) بسمك يقدر بحوالي ثلاثة آلاف كيلو متر(2895 كيلو مترا) في تناقص مستمر يصل بنسبة الحديد في الغلاف الصخري للأرض إلي5,6%. وتركيز هذه الكتلة الهائلة من الحديد وغيره من العناصر الثقيلة في قلب الأرض من وسائل جعله جرما مستقرا في ذاته. وهنا تأتي الإشارة القرآنية إلي تلك الحقيقة سبقا يشهد للقرآن الكريم بأنه كلام الله الخالق, ويشهد للنبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالة لأن أحدا في زمانه ولا لقرون متطاولة من بعده لم يكن له علم بهذه الحقيقة التي لم يكتشفها الإنسان إلا في القرن العشرين, وفي ذلك يقول الحق( تبارك وتعالى): إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا {1} وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا {2} [سورة الزلزلة ] ولو أن الزلزال المقصود هنا هو زلزال الآخرة عند نفخة البعث, إلا أن الحقيقة المصاحبة للهزة الأرضية تبقي واحدة, ولو أن المفسرين السابقين قد رأوا في أثقال الأرض إشارة ضمنية إلي أجساد الموتى( بما تحمل من أوزار) والتي تلفظها الأرض من داخل بطنها بسبب هذا الزلزال الأخير, تلفظهم أحياء للحساب والجزاء, وإن كان رسول الله( صلي الله عليه وسلم) قد وصف لبعث الأموات صورة مغايرة لذلك. والأثقال جمع ثقل(بكسر فسكون) وهو الحمل الثقيل, أو جمع ثقل( بالتحريك) وهو كل نفيس مصون. وفي الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحة يروي عن رسول الله( صلي الله عليه وسلم) قوله:تلقي الأرض أفلاذ كبدها أمثال الاسطوانة من الذهب والفضة, فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت, ويجيء القاطع فيقول في هذا قطعت رحمي, ويجيء السارق فيقول في هذا قطعت يدي, ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئا. وهذا الحديث الشريف يؤكد أن المقصود بأثقال الأرض في سورة الزلزلة هو الأحمال الثقيلة كما أثبتت الدراسات العلمية الحديثة, وليست أجساد الموتى فقط كما تخيل العديد من المفسرين السابقين, وهذا سبق علمي قرآني ونبوي معجز لأن أحدا من البشر لم يكن له علم بأن أثقال الأرض في جوفها حتى القرن العشرين. ويقدر متوسط المسافة بين الأرض والشمس بحوالي مائة وخمسين مليونا من الكيلومترات, وهذه المسافة قد حددتها بتقدير من الله الخالق( سبحانه وتعالى) كتلة الأرض تطبيقا لقوانين الجاذبية, والتي تنادي بأن قوة الجذب بين جسمين تتناسب تناسبا طردياً مع كتلة كل منهما, وتناسبا عكسيا مع مربع المسافة بينهما حسب المعادلة التالية: قوة الجاذبية بين كتلتين م1, م2= ثابت الجاذبية* م1*م2/مربع المسافة بينهما وهذا يعني أنه كلما زادت كتلة أي من الجسمين زادت قوة الجذب بينهما, وكلما زادت المسافة بينهما قلت قوة الجاذبية. والاتزان بين قوة جذب الشمس للأرض, والقوة النابذة المركزية التي دفعت بالأرض الأولية من الشمس هو الذي حدد( بمشيئة الله الخالق) بعد الأرض عن الشمس. والارتباط الوثيق بين كل من كتلتي الأرض والشمس بطريقة منتظمة بمعني أنه كلما تغيرت كتلة أحدهما تغيرت كتلة الآخر بنفس المعدل, هو من الأمور التي تعمل علي تثبيت بعد الأرض عن الشمس, وجعلها مستقرة في دورانها حول محورها, وفي جريها حول الشمس في مدار محدد مما يؤدي إلي تثبيت كمية الطاقة الشمسية التي تصل إلي الأرض وهي من عوامل تهيئتها لاستقبال الحياة واستقرارها, وذلك لأن كمية الطاقة التي تصل من الشمس إلي كل كوكب من كواكبها تتناسب تناسبا عكسيا مع بعد الكوكب عن الشمس, وكذلك تتناسب سرعة جري الكوكب في مداره حول الشمس. والأرض كوكب فريد في صفاته الفيزيائية والكيميائية والفلكية مما أهله بجدارة إلي أن يكون مهدا للحياة الأرضية بكل مواصفاتها النباتية, والحيوانية, والإنسية. فقد أثبتت دراسات الفيزياء الأرضية أن الأرض مبنية من عدد من النطق المتمركزة حول كرة مصمطة من الحديد والنيكل تعرف باسم لب الأرض الصلب أو اللب الداخلي للأرض, وتقسم هذه النطق الأرضية علي أساس من تركيبها الكيميائي أو علي أساس من صفاتها الميكانيكية علي النحو التالي: (1) قشرة الأرض: وتتكون من صخور نارية ومتحولة صلبة تتغطي بسمك قليل من الصخور الرسوبية أو الرسوبيات( التربة) في كثير من الأحيان, وتغلب الصخور الحامضية وفوق الحامضية علي كتل القارات وذلك من مثل الجرانيت والصخور الجرانيتية( بمتوسط كثافة2,7 جرام/للسنتيمتر المكعب) ويغلب علي قيعان البحار والمحيطات الصخور القاعدية وفوق القاعدية من مثل البازلت والجابرو(بمتوسط كثافة2,9 جرام/ للسنتيمتر المكعب). ويتراوح متوسط سمك القشرة الأرضية في كتل القارات من35 إلي40 كيلو مترا, وإن تجاوز ذلك تحت المرتفعات الأرضية من مثل الجبال. ويتراوح متوسط سمك القشرة الأرضية المكونة لقيعان البحار والمحيطات من5 إلي8 من الكيلو مترات. (2) الجزء السفلي من الغلاف الصخري للأرض: ويتكون من صخور صلبة تغلب عليها الصخور الحامضية وفوق الحامضية في كتل القارات بسمك يصل إلي85 كيلو مترا, بينما تغلب عليها الصخور القاعدية وفوق القاعدية تحت البحار والمحيطات بسمك في حدود60 كيلو مترا. ويفصل هذا النطاق عن قشرة الأرض سطح انقطاع للموجات الاهتزازية يعرف باسم ). (TheMohoDiscontinuity( (3) الجزء العلوي من وشاح الأرض( نطاق الضعف الأرضي): وتوجد فيه الصخور في حالة لدنة, شبه منصهرة( أو منصهرة انصهارا جزئيا في حدود1%), ويتراوح سمك هذا النطاق بين280 كيلو مترا,335 كيلو مترا, وهو مصدر للعديد من نشاطات الأرض من مثل الزلازل, والبراكين, وتحرك ألواح الغلاف الصخري للأرض, وتكون الجبال والسلاسل الجبلية. (4) الجزء الأوسط من وشاح الأرض: ويتكون من مواد صلبة, كثيفة, ويقدر سمكه بحوالي270 كيلو مترا, ويحده من أسفل ومن أعلي مستويات من مستويات انقطاع الموجات الاهتزازية الناتجة عن الزلازل يقع أحدهما علي عمق400 كيلومتر من سطح الأرض, ويقع الآخر علي عمق670 كيلو مترا من سطح الأرض. (5) الجزء السفلي من وشاح الأرض: ويتكون من مواد صلبة تعلو لب الأرض السائل, ويحده من أعلي أحد مستويات انقطاع الموجات الاهتزازية الناتجة عن الزلازل علي عمق670 كيلو مترا من سطح الأرض, ويحده من أسفل نطاق انتقالي شبه منصهر يفصله عن لب الأرض السائل علي عمق2885 كيلو مترا من سطح الأرض, ولذا يقدر سمك هذا النطاق بحوالي2215 كيلو مترا. (6) لب الأرض السائل( الجزء الخارجي من لب الأرض): وهو نطاق سائل يحيط بلب الأرض الصلب, وله نفس تركيبه الكيميائي تقريبا, ويقدر سمكه بحوالي2275 كيلو مترا( من عمق2885 كيلو مترا إلي عمق5160 كيلو مترا تحت سطح الأرض), وتفصله عن النطاقين الأعلى والأسفل منطقتان انتقاليتان شبه منصهرتين, أضخمهما المنطقة السفلي والتي يقدر سمكها بحوالي450 كيلو مترا. (7) لب الأرض الصلب( اللب الداخلي للأرض): وهو عبارة عن كرة ضخمة من الحديد(90%) والنيكل(9%) مع القليل من العناصر الخفيفة من مثل السيليكون, الكربون, الكبريت, الفوسفور والتي لاتكاد نسبتها أن تتعدي1%. وهذا هو نفس تركيب النيازك الحديدية تقريبا, والتي تصل الأرض بملايين الأطنان سنويا, ويعتقد بأنها ناتجة عن انفجار بعض الأجرام السماوية. وهذه البنية الداخلية للأرض تدعمها دراسة النيازك التي تهبط علي الأرض, كما تؤيدها قياسات الجاذبية الأرضية والاهتزازات الناتجة عن الزلازل. ولولاهذه البنية الداخلية للأرض, ماتكون لها مجالها المغناطيسي, ولا قوتها الجاذبية, ولولا جاذبية الأرض لهرب منها غلافها الغازي والمائي, ولاستحالت الحياة, ولولا المجال المغناطيسي للأرض لدمرتها الأشعة الكونية المتسارعة من الشمس ومن بقية نجوم السماء. والأرض تجري حول الشمس في فلك بيضاني قليل الاستطالة, بسرعة تقدر بحوالي30 كيلو مترا في الثانية, لتتم دورتها في سنة شمسية مقدارها365.25 يوم تقريبا وتدور حول محورها بسرعة تقدر اليوم بحوالي30 كيلو مترا في الدقيقة عند خط الاستواء فتتم دورتها هذه في يوم مقداره24 ساعة تقريبا, يتقاسمه ليل ونهار, بتفاوت يزيد وينقص حسب الفصول السنوية, والتي تنتج بسبب ميل محور دوران الأرض علي دائرة البروج بزاوية مقدارها66,5 درجة تقريبا. كذلك فإن حركات الأرض العديدة ومنها حركتها المحورية, والمدارية, وترنحها في دورانها حول محورها, وتذبذبها(نودانها أو ميسانها), وقربها وبعدها من الشمس في حركتها المدارية, والتغير التدريجي في توازن حركاتها مع حركات القمر حولها, ومع باقي كواكب المجموعة الشمسية ومع الشمس حول مركز المجرة، ومع المجرة, حول مركز التجمع المجري, وكلها حركات تحتاج إلي ضبط وإحكام حتى تصبح الأرض مستقرة بذاتها, وقرارا للحياة علي سطحها. وتكفي في ذلك الإشارة إلي دور الجبال في تثبيت الأرض والتقليل من ترنحها في دورتها حول محورها تماما كما تقوم قطع الرصاص التي توضع حول إطارات السيارات في التقليل من معدلات ترنحها أي السيارة. ثانيا: جعل الأرض قرارا بمعني قرارا لسكانها ومن معاني جعل الأرض قرارا لسكانها هو جعل الظروف العامة للأرض مناسبة للحياة علي سطحها, ومن أولها مقدار جاذبية الأرض الذي يمسك بكل من غلافها المائي والغازي وبالأحياء علي سطحها, والماء هو سر الحياة علي الأرض, ولذا جعل ربنا( تبارك وتعالى) كوكب الأرض أغني الكواكب التي نعرفها في المياه حتى ليسميه العلماء بالكوكب الأزرق أو الكوكب المائي, وتقدر كمية المياه علي سطح الأرض بحوالي1360 مليون كيلو متر مكعب, ويغطي الماء حوالي71% من مساحة الأرض بينما لا تتعدى مساحة اليابسة اليوم29% من مساحة الأرض. كذلك فإن غاز الأوكسجين يشكل سرا من أسرار الحياة الراقية علي الأرض فجعل الله(تعالى) لها غلافا غازيا تقدر كتلته بحوالي خمسة آلاف مليون مليون طن, ويقدر سمكه بعدة آلاف من الكيلو مترات فوق مستوي سطح البحر حيث يصل ضغطه إلي حوالي الكيلو جرام علي السنتيمتر المربع, ويتناقص مع الارتفاع إلي واحد من مليون من ذلك الضغط في أجزائه العليا. ويضم الجزء السفلي من هذا الغلاف الغازي( من6 إلي20 كيلومترا فوق مستوي سطح البحر) حوالي66% من كتلته, ويتكون من غازات النيتروجين( بنسبة78,1% بالحجم) والأوكسجين( بنسبة21% بالحجم) والأرجون( بنسبة0,93% بالحجم), وثاني أكسيد الكربون( بنسبة0,03% بالحجم) بالإضافة إلي نسب ضئيلة من بخار الماء وغازات أخري. ولولا هذا التركيب للغلاف الغازي ما استقامت الحياة علي الأرض. كذلك فإن كتلة وأبعاد الأرض, ومسافتها من الشمس قدرت كلها بدقة بالغة, فلو كانت الأرض أصغر قليلا لاندفعت بعيدا عن الشمس ولفقدت الكثير من طاقتها, ولما كان بمقدورها الاحتفاظ بغلافها المائي والغازي, وبالتالي لاستحالت الحياة, ولو كانت أكبر قليلا لاندفعت إلى مسافة أقرب من الشمس ولأحرقتها حرارتها, ولزادت قدرتها علي جذب الأشياء زيادة ملحوظة مما يعوق الحركة, ويحول دون النمو الكامل للأحياء, ويخل بالميزان الحراري علي سطحها. وكذلك يعتمد طول السنة الأرضية علي بعد الأرض من الشمس, ويعتمد طول يوم الأرض علي سرعة دورانها حول محورها, وكل ذلك مرتبط بأبعاد الأرض, وكذلك يعتمد تبادل الفصول المناخية علي ميل محور دوران الأرض علي دائرة البروج فلو لم يكن مائلا ما تبادلت الفصول, ولا يختل نظام الحياة علي الأرض. ولولا تصدع الغلاف الصخري للأرض, وتحرك ألواحه متباعدة عن بعضها البعض ومصطدمة ببعضها البعض لما تكونت الجبال, ولا ثارت البراكين, ولا حدثت الهزات الأرضية, وكلها من صور ديناميكية الأرض, ووسائل تجديد وتثبيت غلافها الصخري, وإثرائها بالمعادن, وتكوين التربة وتحرك دورة الماء حول الأرض ودورة الصخور, وبناء القارات وهدمها, وتكون المحيطات واتساعها ثم إغلاقها وزوالها, وهذه الحركات الأرضية( وغيرها كثير) لعبت وـ لا تزال تلعب ـ أدوارا أساسية في جعل الأرض كوكبا مهيئا لاستقبال الحياة الأرضية وصالحا للعمران. هذه بعض آيات الله في جعل الأرض كوكبا مستقرا في ذاته علي الرغم من حركاته العديدة, وجريه في فسحة الكون, وفي تهيئته ليكون مستقرا للحياة التي أراد الله أن تزدهر علي سطحه, علي الرغم من المخاطر العديدة المحيطة به, حتى يؤمن الناس بقدر الرعاية الإلهية التي يحيطنا الله بها في هذا الكون, ويستشعرون حاجتهم إلي هذا الخالق العظيم وإلي رحمته وعنايته في كل وقت وفي كل حين لأننا لو تركنا لأنفسنا طرفة عين أو أقل من ذلك لهلكنا... وسبحان الذي أنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة قوله الحق: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (غافر:64) . وعاتب الكافرين والمشركين والمتشككين بقوله الحق: (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (النمل:61 مواضيع ذات علاقة اسم الموضوع هجري تاريخ الموضوع الإعجاز في علوم الأرض في القرآن الكريم 30 شعبان 1429 2008/08/31
أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
صدق الله العظيم
ما أكثر الآيات التي نمر عليها ونحن غافلون عنها وعن عظمتها ودلالاتها ومعجزاتها. وما أكثر الحقائق العلمية التي اكتشفها العلماء وقد جاء الحديث عنها في القرآن بكل دقة وبيان. فقد طرح القرآن العديد من الأسئلة على أولئك المشككين وذكَّرهم بنعمة الله وأنه هو الذي سخر لهم هذه النعم. ومن ذلك قول الحق تبارك وتعالى: (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [النمل: 61].
هذه آية عظيمة تسأل هؤلاء المعرضين الذين جحدوا بنعمة الله: مَن الذي جعل لهم الأرض قراراً أي مكاناً يستقرون فيه؟ ومن الذي خلق هذه الأنهار، ومن الذي خلق الجبال، ومن الذي جعل البرزخ بين البحار... والحقيقة أن كل هذه الحقائق العلمية لم تكن مكتشفة زمن نزول القرآن وعلى الرغم من ذلك أمر الله هؤلاء أن يفكروا فيها ليدركوا الأسرار الخفية وراءها.
فالإنسان يعيش على هذه الأرض منذ آلاف السنين وهو لا يحس بأي فوضى أو عدم استقرار ولا يدرك نعمة وقيمة أن تكون الأرض مكاناً يستقر عليه ولا تضطرب حياته فيها. ولكن ما معنى ذلك؟
ماذا لو...
يقول العلماء إن الأرض هي الكوكب الوحيد الذي جاء تصميمه مناسباً تماماً للحياة المريحة والمستقرة، وحجم الأرض وكتلتها وبعدها عن الشمس وسرعة دورانها حول نفسها وحول الشمس، مناسب جداً للحياة، ولو أن حجم الأرض أو كتلتها أو بعدها عن الشمس أو سرعة دورانها كانت أكبر بقليل أو أصغر بقليل لاختلت الحياة على ظهرها.
إن الذي يتأمل موقع الأرض داخل المنظومة الشمسية يلاحظ أن الله تبارك وتعالى هيَّأ هذه الأرض لتكون صالحة للحياة، بعكس بقية الكواكب. وهذه نعمة من نعم المولى يجب أن نشكره عليها.
ولكن هناك أمر مهم جداً لولاه لا يمكن لنا أن نستقر على هذه الأرض وهو الجاذبية الأرضية، فكوكب الأرض يمتاز بجاذبية محددة مناسبة للحياة المستقرة، ولو كانت جاذبية الأرض أقل مما هي عليه (مثل القمر) فإن الإنسان سيطير في الهواء عندما يبذل أي جهد، ولو كانت الجاذبية أكبر مما هي عليه (مثل المشتري) لالتصق الإنسان بالأرض ولم يعد قادراً على الحركة!!!
ماذا يسبب انعدام الوزن
إنها قوة سخرها الله لجميع الأجسام في الكون لتتجاذب، فالأرض تشدنا نحو مركزها، بفعل قوة جاذبيتها، ولذلك فإننا نحس بالاستقرار على ظهرها، وبالتالي فهي قرار لنا. لو كنا على سطح القمر مثلاً فإن وزن أحدنا سيكون أقل مما هو عليه على الأرض بست مرات، أي أن الرجل الذي يزن على الأرض 90 كيلو غرام، سيكون وزنه على القمر 15 كيلو غرام فقط!
ولا نحس بنعمة الجاذبية إلا عندما نغادر الأرض! وهذا ما يشكو منه رواد الفضاء، حيث يقول العلماء الذين صعدوا إلى الفضاء الخارجي وعاشوا حالة انعدام الوزن أو انعدام الجاذبية أو انعدام الاستقرار على الأرض:
1- إننا نعاني من أمراض كثيرة مثل الغثيان وصعود الدم للأعلى في الجسد بدلاً من الأسفل وبالتالي انتفاخ الوجه، أما العظام فتفقد جزءاً من الكالسيوم. وبالتالي فإن الذي يعيش في الفضاء يُصاب بنخر العظام، بل يفقد من كتلة عظامه كل سنة أكثر من 20 بالمئة.
2- بنتيجة عدم الاستقرار وغياب الجاذبية فإن الدورة الدموية ستضطرب وتتشكل حصيات في الكلية، سوف تضمر العضلات، ويتباطأ تقلص الأمعاء مما يعيق هضم الطعام. سوف يرتفع لديه ضغط الدم، ويتسرّع قلبه، مما يسبب له مشاكل في نظام عمل القلب، تبقى لمدة أشهر حتى بعد عودته إلى الأرض.
3- سوف يختلف إيقاع الجسم الطبيعي بسبب فقدان طلوع الشمس وغروبها، فالظلام يخيم على كل شيء في الفضاء، وبالتالي سوف تختل دورة الجسم ونظامه ولا يعود قادراً على فعل شيء. كما أن الأشعة الكونية القاتلة سوف تؤثر عليه وتسبب أذى لجهازه العصبي، وقد يُصاب بأورام خبيثة نتيجة هذه الإسعاعات.
4- يعاني من يفقد الجاذبية ويعيش في الفضاء من قلة النوم، لأنه فقد الجاذبية التي تجعل رأسه مستقراً على الفراش أثناء النوم، فهو يحس أنه يسبح في سائل ما، ولذلك لا يتمكن من النوم إلا بصعوبة. وسوف يضعف لديه نظام المناعة، وهذا يمكِّن أي فيروس من السيطرة على جسده ومن المحتمل أن يُصاب بأي مرض بما في ذلك السرطان!
لو كانت الأرض بحجم القمر مثلاً لانخفضت قوة الجاذبية ولم يعد الإنسان مستقراً، ولذلك يقول العلماء إن حجم الأرض وكتلتها مناسبان جداً لقوة الجاذبية المثالية للإنسان ليتمتع بالاستقرار.
5- سوف تحدث اضطرابات عديدة في القلب لأنه سيعمل أكثر، فالجاذبية الأرضية تساعد القلب على ضخ الدم، وعند غياب الجاذبية فإن القلب سيبذل جهداً أكبر مما يُضعف القلب. بل إن الدكتور William Evans من وكالة ناسا للفضاء يقول إن الخروج خارج الأرض هو بمثابة "كابوس طبي" حيث يعجز الطب عن علاج الأمراض الناتجة عن انعدام الجاذبية.
كذلك فإن الذي يعيش في الفضاء بعيداً عن جاذبية الأرض يعاني من صعوبة التبول لأن السوائل تبقى معلقة وملتصقة بجسده ولا تنزل للأسفل! وبالتالي فإن أبسط الأشياء سوف تختل. ويقول الباحثون إن مجرد الحياة في الفضاء يعتبر موتاً بطيئاً!!
مشاعر رواد الفضاء
ولذلك فإن رواد الفضاء عندما يعودون إلى الأرض يحسون وكأنهم عادوا إلى بيتهم! ولذلك فإن الله تعالى وصف لنا هذا الإحساس عندما وصف الأرض بأنها كالمهد بالنسبة للإنسان، والمهد هو السرير الذي ينام فيه الطفل ويستقر: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى) [طه: 53]. وقال أيضاً: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [الزخرف: 10]. وقال أيضاً: (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا) [النبأ: 6].
وتأملوا معي كيف يصف الله الأرض بأنها مهد، ثم يذكرنا بنعمة عظيمة يفقدها الإنسان أيضاً في الفضاء وهي: (وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)، فقد جعل الله في الأرض طرقاً وأشياء نهتدي بها، أما الإنسان في الفضاء فلا يستطيع التوجه، لأنه محاط بظلام دامس من كل مكان، والذي يوجهه هو قوة الجاذبية فقط! فتأملوا هذه النعمة (نعمة التوجه) التي نستخدمها كل يوم ولا نحس بقيمتها إلا عندما نفقدها!
يفقد رائد الفضاء الكثير من الميزات التي يتمتع بها على الأرض، لذلك فإن رواد الفضاء يصابون بأمراض تسمى "أمراض الفضاء" Space Sickness وهي أمراض ناتجة عن فقدان نعمة الجاذبية الأرضية. تصور أن إنساناً لا يعرف كيف ينام وفي أي اتجاه! وتصوروا معي المشهد في الصورة حيث نرى أحد رائدي الفضاء ينام ورجليه للأعلى! هل تحسون معي بنعمة الجاذبية؟
ويؤكد العلماء في أقوالهم بأن الإنسان لن يستطيع الذهاب بعيداً في الفضاء بسبب الخطر الناجم عن الأشعة الكونية الخطيرة والتي تخترق أي جسم وتصل إلى أعماق الخلايا عند الإنسان، وبالتالي فإن الموت سيكون المصير الطبيعي لمن يحاول الابتعاد عن الأرض كثيراً، وربما نتذكر في هذا الموقف قول الحق تبارك وتعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ * فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) [الرحمن: 33-34].
لقد بدأ الإنسان يحس بنعمة الجاذبية فقط منذ عام 1961 عندما أبلغ رائد الفضاء الروسي Gherman Titov عن أول حالة مرض فضاء، وذلك بعد خروجه خارج الأرض لمدة 25 ساعة. حيث حدث له إغماء واضطرابات كثيرة في الرؤية والسمع والإدراك واضطرابات في الجهاز العصبي غير ذلك.
يقول العلماء: إن الإنسان بمجرد خروجه خارج نطاق الجاذبية الأرضية يُصاب بأمراض الفضاء على الفور، وأول ما يُصاب لديه حاسة البصر التي تختل ويرى الأشياء من حوله وكأنها تدور، ويحس وكأنه في حالة سكر أو تخدير! بل إنه يتخيل أشياء ليست حقيقية وكأنه مسحور بالفعل!
اضطرابات الرؤيا
إن أول اضطراب يُصاب به رائد الفضاء هو اضطراب بصري، حيث تختل الإشارات الصادرة عن العين وتختلط مع الإشارات السمعية، وبالتالي فإن رائد الفضاء وبسبب فقدان التوازن في حاسة الرؤيا يحس بأن بصره قد أصابه التشويش ويفقد التنسيق بين الأذن والعين، وهذه الحالة تشبه حالة إنسان شرب الخمر وفقد التوازن واضطربت حاسة الرؤيا لديه!!
ويقول الأطباء إن الجسم يعاني من حالة فقدان التوازن وفقدان الوعي بشكل كبير ولا يعود الإنسان مدركاً ماذا يفعل. حتى إن معظم رواد الفضاء يفضلون تناول الأدوية المخدرة للتغلب على هذه الأحاسيس والاضطرابات. وهكذا يحس من يعيش خارج الأرض وكأنه قد فقد توازنه والقدرة على التحكم بنفسه فهو كإنسان مسحور لا يدرك ماذا يفعل وبخاصة في الأيام الثلاثة الأولى لرحلته! فلا يُسمح له بممارسة أي نشاط تقني حتى يتأقلم مع الوضع الجديد.
ولذلك وصف لنا رب العزة تبارك وتعالى حال من يخرج خارج الأرض باتجاه السماء بأنه يحس بحالة أشبه بالسُّكر أو السحر بسبب هذه التغيرات الغريبة التي تحصل له، يقول تعالى: (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) [الحجر: 14-15]. وهنا نجد تفسيراً لطيفاً لابن كثير حيث يقول: (سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا) وقال ابن زيد: السكران الذي لا يعقل!
عندما نغادر الغلاف الجوي نرى ظلاماً دامساً، ونحس وكأن بصرنا قد أُغلق تماماً! وهذا ما عبر عنه القرآن بقوله تعالى: (لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا)، فقد وصف لنا القرآن بدقة مذهلة ما يراه رائد الفضاء قبل أربعة عشر قرناً.
فرائد الفضاء يحس وكأن بصره يدور ويرى العالم منقلباً رأساً على عقب، بل إن أحد رواد الفضاء عندما سئل كيف كنتَ ترى الأشياء في الفضاء: قال كنتُ أحس بأن العالم يدور من حولي!! كما أن أحد رواد الفضاء في وكالة ناسا استيقظ ليلاً وهو على مركبته فرأى ساعة يد تعوم أمامه وبدأ يفكر من أين جاءت، وبعد فترة استوعب أن هذه الساعة موجودة في يده!! وبالتالي فإن الجسم يفقد التنسيق بين الأذن والعين، ويحس رائد الفضاء وكأن حاسة البصر مخدَّرة لا تستطيع التجاوب مع حاسة السمع.
نتائج علمية جديدة
تقول الدكتورة Kathleen Cullen من المعهد الطبي لأبحاث الفضاء وتفسر ما يحدث لرائد الفضاء عندما يخرج من نطاق جاذبية الأرض: إننا ندرك العالم من حولنا من خلال دمج المعلومات السمعية والبصرية ، وتحدث المشكلة عندما يحدث تعارض بين السمع والبصر يدعى "التضارب الحسي" والذي يسبب الغثيان أو مرض الفضاء.
يصف لنا رواد الفضاء الذين عادوا إلى الأرض إحساسهم ويقولون: منذ اللحظة الأولى لخروجنا من نطاق جاذبية الأرض بدأ الخداع البصري وبدأت أعيننا تدخل في حالة من الوهم والتخيل، فكنا لا نميز بين الأعلى والأسفل، أشبه بإنسان مسحور! حتى إن أحد رواد الفضاء أفاق من نومه وهو داخل مركبته فرأى الأرض فوقه بدلاً من أن يراها تحته كما تعود على ذلك فأغمي عليه وتقيَّأ.
وتتابع قولها: إن الأعراض التي يحس بها رائد الفضاء هي نفسها التي يعاني منها من أفرط في شرب المسكرات!!! لأن شرب الخمر يؤدي إلى فقدان التنسيق بين حاسة البصر وحاسة السمع، وبالتالي يشعر رائد الفضاء وكأنه سكران!
ثم تقول: إن العديد من الناس على الأرض عاشوا نفس الإحساس الذي يحسه رائد الفضاء، وذلك عندما يشربون كمية من البيرة، ولكن مع فارق بسيط وهو أن الخمر يؤثر أكثر على حاسة السمع، أما انعدام الوزن فإنه يؤثر على حاسة البصر، هناك أمر آخر وهو أن الذي يسكر على الأرض يستطيع أن يفيق من ذلك بعد يوم مثلاً، أما في الفضاء فيكون في حالة سكر دائم!!!
إعجاز متعدد في كلمة (سُكِّرَتْ)
والسؤال هنا أحبتي في الله: أليس هذا ما يقوله القرآن قبل أربعة عشر قرناً: (لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا)، وكلمة (سُكِّرَتْ) جاءت من فعل (سَكَرَ) أي حُبست عن النظر أو حُيِّرت أو غُشِّيت وغُطِّيت، وكل هذه المعاني صحيحة وتنطبق على رائد الفضاء.
ومن معاني (سُكِّرَتْ) أُغلقت، والحقيقة في اللحظة التي يغادر فيها رائد الفضاء الأرض يشعر بظلام دامس فلا يعود يرى شيئاً، وبالتالي فإن رواد الفضاء الذين عادوا من رحلاتهم يصفون شعورهم وكأن بصرهم قد أُغلق! وبالتالي فإن كلمة (سُكِّرَتْ) تناسب جميع الحالات التي يحس بها من يخرج خارج الأرض وهذا من عظمة كتاب الله تعالى.
تأملوا معي كم يحتاج الإنسان من تجهيزات وتقنيات وملايين الدولارات وعلماء وأبحاث ووكالات فضاء... كل ذلك ليتمكن من العيش خارج الأرض لأيام، وعلى الرغم من ذلك يصاب بمئات الأمراض، ومعظمها ناتجة بسبب غياب الجاذبية، فهل نقدِّر هذه النعمة، ونقدر قول الحق تبارك وتعالى عندما خاطب كل واحد منا: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [غافر: 64].
والعجيب أننا نجد بعض البشر يتكبرون على خالقهم ورازقهم سبحانه وتعالى، ومن غرائب ما قرأت أن كثير من الحيوانات والحشرات لديها القدرة على التأقلم مع حالة انعدام الجاذبية، بل إن الفئران والصراصير أكثر قدرة من الإنسان على العيش في الفضاء!
وأخيراً هل أدركنا بعد هذه الحقائق أهمية الجاذبية وأهمية أن نكون مستقرين على سطح الأرض؟ هل ازددنا فهماً لمعنى قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [غافر: 64]. وهل أدركنا أن الأرض هي فعلاً بيت ومهد لنا كما قال تعالى: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [الزخرف: 10].
هل أدركنا أهمية أن نحس بالاتجاهات من حولنا، هذه النعم بمجرد أن نخرج خارج الأرض سوف نفقدها على الفور بل ونصاب بالأمراض! هذا الإله الرحيم المتفضِّل ألا يستحق منا أن نشكره، أن نسجد له، أن نحبَّه؟!
إنها نعم كثيرة أنعمها الله علينا، فكل ما يطلبه هذا الإنسان يحققه له المولى عز وجل، ونلاحظ كيف أن البشر كلما حاولوا اختراع شيء يسره الله لهم، حاولوا الصعود إلى الفضاء وحقق لهم الله هذا الأمر، وغير ذلك كثير، ولكن الإنسان يظلم نفسه عندما يجحد بهذه النعم التي لا تُعد ولا تُحصى، ولذلك يقول تعالى: (وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم: 34]... اللهم لك الحمد حتى ترضى ...
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل
www.kaheel7.com
روابط ذات صلة :
دور الرياح في إثارة السحب ـ حقائق قرآني
هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً
بعض المراجع
1- Nauseating News About Spacesickness, www.space.com, 21 November 2005.
2- Works in Progress, Discover Magazine, 05.01.2003.
3- Space sickness, New Scientist, 08 April 2006.
4- Research Areas, The National Space Biomedical Research Institute, www.nsbri.org
5- Can We Survive on the Moon? Discover Magazine, 03.21.2007.
6- Mixed Up in Space, NASA, August 7, 2001.
7- The Balance Factor: Can You Handle Zero G?, , www.space.com, 21 September 2004.
8- Understanding space sickness, McGill University, November 25, 2004 - Volume 37 Number 06.
9- William J. Cromie, Weightless Dream, Harvard University, February 06, 1997 .
10- DeHart, Roy L., ed. Fundamentals of Aerospace Medicine. Philadelphia: Lea & Febiger, 1985.
11- Harris, Philip R. Living and Working in Space: Human Behavior, Culture and Organization. New York: Ellis Horwood Limited, 1992.
12- Charles M. Oman, Human Visual Orientation in Weightlessness, York Conference 2001.
ذُكر البرزخ بين البحر العذب والبحر المالح في القرآن، وقد تبين وجود طاقة هائلة بين هذين البحرين، وهذا يؤكد أهمية الإشارات القرآنية...
يقول تعالى: (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل: 14]. في هذه الآية حديث عن أهمية البحار وتسخيرها للإنسان مجاناً، وكأن الله تعالى يريد أن ينبهنا إلى الفوائد العظيمة الموجودة في البحار في قوله (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ).
ومن الظواهر التي بدأ الإنسان بملاحظتها اختلاط الماء العذب بالماء المالح عند مناطق المصبات للأنهار في البحار. وقد ظن الإنسان أن العملية هي مجرد اختلاط لا فائدة منه، ولكن القرآن قبل 1400 سنة ذكر هذا التمازج والاختلاط بين البحرين أي النهر العذب والبحر المالح كنعمة من نعم الله، وآية من آياته ينبغي علينا التفكر فيها.
وبالفعل فإن القرآن لم يذكر شيئاً إلا وكانت هنالك فوائد عديدة منه، ومن هذه الفوائد وأغربها أن العلماء اليوم اكتشفوا وجود كميات كبيرة من الطاقة تتحرر أثناء عملية اختلاط الماء العذب في الماء المالح، ولذلك فكروا في الاستفادة من توليد الكهرباء في هذه المنطقة.
تحلية مياه البحر
إن الطريقة المتاحة اليوم لتحلية ماء البحر تعتمد على هذه الظاهرة، أي ظاهرة اختلاط الماء العذب بالماء المالح، والتي سخرها لنا الله تعالى لنتمكن من خلالها من تنقية وتحلية ماء البحار، وهذه نعمة عظيمة تستحق أن يذكرها القرآن الكريم: (وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [النمل: 61].
شكل يوضح طريقة لتحلية مياه البحر المالحة، حيث يتم ضغط ماء البحر وإجبارها على المرور من خلال غشاء يسمح للماء فقط بالنفاذ منه، ولا يسمح لجزيئات الملح بذلك
إن عملية تحلية مياه البحر تتم اليوم بطريقة تحلية مياه البحر، من خلال وضع ماء البحر في وحدات خاصة وضغطه بضغوط عالية وجعل هذا الماء المضغوط يمر عبر غشاء نفوذ للماء فقط، أي أنه يسمح بمرور جزيئات الماء العذب الصغيرة نسبياً، ولا يسمح بمرور جزيئات الملح التي هي أكبر بكثير من جزيئات الماء. ويسمي العلماء هذه الطريقة بالتناضح العكسي [1] Reverse Osmosis. واليوم تعتبر هذه الطريقة أساسية في تحلية مياه البحر، حيث إن معظم الدول التي تحلّي ماء البحر تعتمد هذه الطريقة.
الطاقة بين البحرين
لقد اكتشف العلماء بعد دراسة المنطقة الفاصلة بين النهر والبحر عند منطقة المصب أن ماء النهر العذب عندما يختلط ويمتزج مع ماء البحر المالح فإن كميات كبيرة من الطاقة تنطلق في هذه المنطقة. إن سبب تحرر هذه الطاقة هو الفارق الكبير في درجة الملوحة بين الماء العذب والماء المالح، وهذا الفرق في الكثافة يؤدي إلى اندفاع الماء العذب بشدة داخل الماء المالح [2].
ولذلك فإن هذا الضغط الكبير المتولد في المنطقة الفاصلة بين الماء العذب والماء المالح، يشكل جداراً منيعاً من القِوى التي لا تسمح إلا لجزء من ماء النهر بالعبور إلى البحر، هذا الجدار هو ما سماه القرآن بالحاجز. ولولا هذا الحاجز المنيع لجفّت جميع الأنهار بسبب تدفقها في البحار وعدم وجود ما يمنعها من التدفق بغزارة.
وعاء يحوي على الطرف الأيمن ماء عذباً وعلى الجانب الأيسر ماء مالحاً، وبينهما غشاء يسمح لجزيئات الماء بالمرور ويحجز جزيئات الملح، ونلاحظ تولد قوى ضغط كبيرة على الماء المالح بسبب الاختلاف الكبير في درجة الملوحة بين الجانبين. نرى في الشكل كيف يمر الماء العذب باتجاه الماء المالح، وهذا يولد ضغطاً على الماء المالح، مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح هذا الماء. ولو عكسنا العملية فإننا نرى العملية العكسية، أي عندما نضغط الماء المالح فإنه يضطر للمرور عبر الغشاء الذي يسمح للماء العذب بالمرور خلاله، ويحتجز الملح، وبالتالي هذا هو مبدأ تحلية ماء البحر.
يبحث العلماء اليوم في هذا الحاجز ويؤكدون بأن العمليات الفيزيائية والكيميائية التي تحدث في منطقة البرزخ التي تفصل بين النهر والبحر في منطقة المصب، تعتبر معقدة للغاية وصعبة الفهم [3].
ولكي نفهم شدة هذه القوى المتحررة عندما يلتقي النهر بالبحر [4] ، يجب أن نعرف مقدار الملوحة في كل منهما. فكل متر مكعب من ماء البحر يحوي 35 كيلو غرام من الملح، بينما المتر المكعب من ماء النهر يحوي أقل من نصف كيلو غرام من الملح.
ولذلك فإن المنطقة التي تفصل بين البحر المالح والنهر العذب وتسمى منطقة المصب estuary وهذه المنطقة تمتد لعدة كيلو مترات ولها خصائص تختلف عن خصائص البحر أو النهر.
توليد الكهرباء من الماء
ولكي نفهم عملية الاستفادة من مزج الماء العذب بالماء المالح لتوليد الطاقة الكهربائية، نلجأ إلى الطريقة المعاكسة لتحلية ماء البحر. ففي عملية التحلية نقوم بضغط ماء البحر لإخراج الماء العذب منه، أي أننا نبذل طاقة كهربائية لذلك، بينما في هذه الطريقة نجعل الماء العذب يدخل إلى ماء البحر وبالتالي ستتولد الطاقة في هذه الحالة، أي هي عملية عكسية.
إن طاقة الضغط التي يولدها جريان الماء العذب داخل الماء المالح يمكن أن يتم تحويلها إلى حركة دورانية تقوم بتدوير مولدة كهربائية، وبالتالي يتم إنتاج الطاقة الكهربائية بهذه الطريقة.
فقد وجد العلماء أننا إذا وضعنا الماء العذب على جانب والماء المالح على الجانب الآخر وفصلنا بينهما بغشاء يسمح فقط بمرور الماء العذب إلى داخل الماء المالح، فإن الضغط في الماء المالح سيتضاعف بمقدار 26 ضعفاً [5].
التقاء النهر العذب مع البحر المالح، والعلماء اليوم يحاولون الاستفادة من منطقة المصب حيث يصب النهر في البحر، لأن هذه المنطقة تتولد فيها قوى هائلة. ويمكن الاستفادة من هذه القوى وتحويلها ضمن وحدات خاصة إلى طاقة كهربائية تعتبر آمنة ونظيفة. ويمكن أن تتوضع هذه الوحدات تحت الأرض لتحويل قوة الضغط المتولدة عند التقاء النهر بالبحر إلى طاقة كهربائية، طبعاً هذه الأفكار لا تزال قيد الدراسة والتجربة. وبهذه الطريقة يمكن تحويل نصف طاقة الضغط إلى كهرباء عملياً.
ويقوم العلماء اليوم بدراسة إمكانية الاستفادة من هذه الظاهرة الطبيعية، وذلك بوضع وحدات لتوليد الكهرباء عند منطقة المصب إما تحت سطح الماء، أو تحت الأرض. طبعاً هؤلاء العلماء يعتقدون بأن قوانين الطبيعة هي التي تحكم هذه الظاهرة العجيبة، ولذلك جاء القرآن قبل أربعة عشر قرناً ليؤكد أن الله تعالى هو من خلق هذه الظاهرة وهو من سخرها لنا، وسبحان الله، نجد من لا يؤمن بوجود خالق لهذه الظاهرة.
يسمي العلماء هذه الطريقة في الاستفادة من مزج الماء المالح بالماء العذب بـ Pressure Retarded Osmosis أو اختصاراً (PRO). وهي طريقة مستوحاة من الظاهرة الطبيعية، أي ظاهرة الحاجز بين البحرين والتي تحدث عنها القرآن بوضوح قبل أن يكتشفها العلماء.
إشارات قرآنية
هنالك نص قرآني يربط بين البحار والأنهار في إشارة إلى إمكانية الاستفادة من هذه النعم التي سخرها الله لنا، يقول تعالى: (وَسَخَّرَلَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَلَكُمُ الْأَنْهَارَ) [إبراهيم: 32]. وانظر معي إلى كلمة (سَخَّرَ) والتي تكررت مرتين في هذه الآية للتأكيد على أننا إذا بحثنا فسوف نجد فوائد مجانية لا تُحصى في الأنهار والبحار.
يجري اليوم بعض الباحثين العديد من التجارب والتي تعتمد كما نرى في هذه الصورة على مزج الماء العذب بالماء المالح، بهدف استغلال الطاقة المجانية المتحررة أثناء عملية المزج، وهذه الطاقة تنتج بتقدير إلهي، ولكن علماء الغرب يردون هذه الظاهرة إلى الطبيعة، أما القرآن فيؤكد أن الله تعالى هو خالق هذه الظاهرة وهي نعمة من نعمه سبحانه وتعالى: (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا) [الفرقان: 53] فسبحان الله!
هنالك الكثير من الأبحاث العلمية الجديدة التي يحاول أصحابها الاستفادة من طاقة أمواج البحر، وطاقة المد والجزر في البحر، وكذلك الطاقة الحرارية في أعماق المحيطات، وغير ذلك كثير. ويؤكدون أن البحر يحوي طاقة هائلة ومجانية ونظيفة.
ولذلك نجد البيان الإلهي يؤكد على تسخير البحر لنا لنستفيد منه، وربما نستغرب إذا علمنا أن من بين معاني كلمة (سَخَّرَ): قدّم خدمات مجانية من دون مقابل، أو كما يقول علماء اللغة: سخّره: ذلّله وكلَّفه عملاً بلا أجرة [1]! هذا ما يتحدث عنه علماء اليوم عندما يؤكدون أن الطاقة الكهربائية التي يمكن الحصول عليها من البحار والأنهار هي طاقة مجانية لا تكلفنا أي شيء، وكأن هذه البحار مخلوقات مطيعة ذلّلها الله لنا وجعلها تخدمنا دون أن تأخذ شيئاً، ولذلك نجد أن البيان الإلهي يؤكد أن هذه النعم لا تُحصى فهل نشكر الله تعالى القائل: (وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم: 34].
في قوله تعالى (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ)، وقوله تعالى(وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ) إشارة إلى وجود منافع كثيرة ومجانية في الأنهار وفي البحار، وما رأيناه في
في المنطقة حيث يصب النهر بالبحر تتحرر طاقة هائلة نتيجة اختلاط الماء العذب بالماء المالح، ونتذكر قوله تعالى (وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج)، إنها آية تذكرنا بنعم الله علينا وأنه هو من خلط البحرين، فلا بد أن يكون هنالك فائدة من هذه العملية، وهذا ما يحاوله العلماء اليوم.
هذا البحث من محاولات للاستفادة من التقاء الأنهار بالبحار، ما هو إلا تطبيق عملي لهذه الآية، حيث يعترف العلماء بوضوح أن البحار والأنهار تحتوي على مصدر غير محدود للطاقة المجانية.
فهل نتذكر نعمة الله علينا ونشكره على هذه النعم ونسبحه؟ يقول تعالى: (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [النمل: 61].
مواضيع ذات صلة :
اللهم أغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد
الجوارِ المنشآت
المروج والبرزخ والحاجز المائي
آيات البحار ومعانيها العلمية
أسرار البرزخ المائي بين الماء العذب والماء المالح
الهوامش
[1] الفيروز آبادي، معجم القاموس المحيط، ص 600 ، دار المعرفة بيروت 2005.
[2] Bennett Thomas and Michael Cuccinello, Saltwater Desalination, www.ewr.cee.vt.edu
[3] River runs through this energy source, www.msnbc.msn.com, Jan. 3, 2006.
[4] At the River's End, WHOI scientists explore the complex dynamics in estuaries, www.whoi.edu, 2006
[5] Jennifer Nelson "Where the Rivers Meet the Sea," NOAA, 1990
[6] Osmotic Power, A huge renewable energy source, Statkraft Development AS, 2006
بقلم الدكتور زغلول النجار
هذا النص القرآني المعجز جاء في الربع الأخير من سورة غافر وهي سورة مكية, عدد آياتها85, وقد سميت بهذا الاسم الجليل غافر الذي هو صفة من صفات الله العلا لوروده في مطلع السورة, وفي ثناياها بصيغة الغفار وهو من أسماء الله الحسني. ويدور محور سورة غافر حول قضيتي الإيمان والكفر, وصراع أهليهما عبر التاريخ, ومحاولات أهل الباطل للعلو, في الأرض, والتجبر علي الخلق بغير الحق ــ تماما كما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية وذنبها الأعوج المسمي إسرائيل, وحلفاؤهما اليوم ــ وترد آيات السورة الكريمة باستعراض لبأس الله الذي يأخذ المتجبرين في الأرض أخذ عزيز مقتدر, وتشير إلي عدد من مصارع الغابرين الذين طغوا وبغوا في الأرض بغير الحق, فكان جزاؤهم من الله الإفناء الكامل, وما ذلك علي الله بعزيز...!! وتبدأ سورة غافر بالحرفين المقطعين حم وبهما تبدأ سبع سور من سور القرآن الكريم وتسمي بالحواميم أو بــ آل حم والحروف المقطعة التي تفتتح بها تسع وعشرون سورة من سور القرآن الكريم, والتي تضم أسماء نصف حروف الهجاء العربية الثمانية والعشرين تعتبر من أسرار القرآن التي لم يتم اكتشافها بعد, وإن بذلت محاولات عديدة من أجل ذلك. ويلي هذا الاستفتاح بيان من الله( تعالى) بأن القرآن الكريم هو تنزيل من الله العزيز العليم الذي وصف ذاته العلية بقوله: غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير* والغفر هو الستر والمحو والتكفير, و(الطول) هو الفضل والإنعام عن غني وسعة واقتدار. وتخاطب الآيات خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد بن عبد الله( صلي الله عليه وسلم) بالحقيقة الواقعة: أنه لا يجادل في آيات الله بغير علم إلا الذين كفروا, وأنه لا يجوز أن يحزنه تقلب الكافرين في البلاد بشيء من السلطان والبطش( كما ينقلب الأمريكان والإسرائيليون وأعوانهم اليوم) فإن ذلك استدراج لهم, حتى إذا ما بالغوا في جرائمهم أخذهم الله بذنوبهم أخذ من سبقوهم من الأمم الكافرة والمشركة من أمثال قوم نوح والأحزاب الذين أفسدوا في الأرض إفسادا كبيرا, فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر, وتؤكد السورة أن مصيرهم إلي جهنم وبئس المصير...!! وتحدثت السورة عن حملة العرش وعمن حولهم من الملائكة الذين يسبحون بحمد الله ويؤمنون به, ويستغفرون للمؤمنين من أهل الأرض, ويدعون للذين تابوا منهم بالنجاة من عذاب الجحيم, ويسألون الله( تعالى) لهم, ولمن صلح من آبائهم, وأزواجهم, وذرياتهم جنات عدن, وأن يقيهم السيئات, كما تعرض لشئ من أحوال الكافرين والمشركين يتذللون بين يدي الله يوم القيامة في انكسار واضح وهم يقولون: (قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) (غافر:11)
يقال في العربية( قر) في مكانه( يقر)( قرارا) إذا ثبت ثبوتا جامدا, وأصله من( القر) وهو البرد لأنه يقتضي السكون, والحر يقتضي الحركة, و(القرار) المستقر من الأرض, و(القرار) في المكان( الاستقرار) فيه تقول:( قررت) بالمكان بالكسر( أقر)( قرارا), و(قررت) أيضا بالفتح( قرارا) و(قرورا), و(استقر) فلان إذا تحري( القرار), و(الإقرار): إثبات الشيء. قال( تعالى): الله الذي جعل لكم الأرض قرارا... أي مستقرا تعيشون فيها, ويسأل( سبحانه وتعالى) سؤال التبكيت للكافرين بقوله: أمن جعل الأرض قرارا...( النمل:61) أي مستقرا, وقال( تعالى) في صفة الآخرة: (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) (غافر:39) .
وقال في أصحاب الجنة: (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) (الفرقان:24).
وقال سبحانه وتعالى: (خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً) (الفرقان:76).
وقال في وصف النار(إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً) (الفرقان:66) .
وقال( عز من قائل):(جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ) (إبراهيم:29) .
وقال( سبحانه وتعالى):...(وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ)(لأعراف: من الآية24).
وقال( جل شأنه):(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) (الأنعام:98)
أقوال المفسرين:
في تفسير قوله( تعالى): (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (غافر:64)
ذكر أبن كثير( يرحمه الله) ما نصه:.... أي جعلها لكم مستقرا, تعيشون عليها وتتصرفون فيها, وتمشون في مناكبها... وذكر صاحبا تفسير الجلالين( رحمهما الله رحمة واسعة) ما نصه: أي مكانا لاستقراركم وحياتكم. وجاء في الظلال:( رحم الله كاتبها رحمة واسعة) ما نصه:.... والأرض قرار صالح لحياة الإنسان بتلك الموافقات الكثيرة التي أشرنا إلي بعضها إجمالا.... وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن على كاتبه من الله الرضوان ما نصه:( الأرض قرارا) مستقرا تعيشون فيها.. وجاء في المنتخب في تفسير القرآن الكريم ما نصه: الله ــ وحده ــ الذي جعل لكم الأرض مستقرة صالحة لحياتكم عليها..... وجاء في صفوة التفاسير جزي الله كاتبها خير الجزاء ما نصه: أي جعلها مستقرا لكم في حياتكم وبعد مماتكم, قال ابن عباس: جعلها منزلا لكم في حال الحياة وبعد الموت....
الأرض ثالثة الكواكب السيارة الداخلية جريا حول الشمس, ويسبقها من هذه الكواكب الداخلية قربا من الشمس كل من عطارد والزهرة علي التوالي, ويليها إلي الخارج أي بعدا عن الشمس بالترتيب: المريخ, المشتري, زحل يورانوس، نبتيون, وبلوتو, وهناك مدار لمجموعة من الكويكبات بين كل من المريخ والمشتري يعتقد بأنها بقايا لكوكب عاشر انفجر منذ زمن بعيد, كما أن الحسابات الفلكية التي قام بها عدد من الفلكيين الروس تشير إلي احتمال وجود كوكب حادي عشر لم يتم رصده بعد أطلقوا عليه اسم بروسوبينا أو بريينا. وبهذا يصبح عدد كواكب المجموعة الشمسية أحد عشر كوكبا, وهنا يبرز التساؤل عن إمكانية وجود علاقة ما بين هذه الحقيقة الفلكية ــ التي لم تكتمل معرفتها إلا في أواخر القرن العشرين ــ وبين رؤيا سيدنا يوسف( علي نبينا وعليه من الله السلام) التي يصفها الحق( تبارك وتعالى) في محكم كتابه بقوله: (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) (يوسف:4) .
وإن كان ظاهر الأمر في السورة الكريمة أن المقصود هو ما تحقق بالفعل بعد تلك الرؤيا بسنين عديدة من سجود إخوة يوسف الأحد عشر وأبويه له عند قدومهم إلي مصر من بادية الشام, وعلي الرغم من ذلك فإن هذه العلاقة لا يمكن استبعادها, وهذا السبق القرآني بالإشارة إليها لا يمكن تجاهله....!! والأرض عبارة عن كوكب صخري, شبه كروي له الأبعاد التالية: متوسط قطر الأرض=12,742 كيلو متر متوسط محيط الأرض=40,042 كيلو متر مساحة سطح الأرض=510,000,000 كيلو متر مربع منها: 149مليون كم2 يابسة 361 مليون كم2 ماء حجم الأرض=108,000,000 كيلو متر مكعب متوسط كثافة الأرض=5,52 جرام/للسنتيمتر المكعب كتلة الأرض=5520 مليون مليون مليون طن متوسط كثافة الصخور في قشرة الأرض=2,5 جرام/للسنتيمتر المكعب متوسط كثافة الصخور الجرانيتية المكونة لكتل القارات=2,7 جرام/للسنتيمتر المكعب متوسط كثافة الصخور البازلتية المكونة لقيعان المحيطات=2,9 جرام/للسنتيمتر المكعب
أمن جعل الأرض قراراً
وبمقارنة متوسط كثافة الصخور المكونة لقشرة الأرض والتي تتراوح بين2,9,2,5 جرام للسنتيمتر المكعب مع متوسط كثافة الأرض ككل والمقدرة بحوالي5,52 جرام للسنتيمتر المكعب ثبت أن كثافة المادة المكونة للأرض تزداد باستمرار من سطحها في اتجاه مركزها حيث تتراوح الكثافة من10 إلي13,5 جرام للسنتيمتر المكعب ويفسر ارتفاع متوسط الكثافة بالقرب من مركز الأرض بوجود نسبة عالية من الحديد, وغيره من العناصر الثقيلة في قلب الأرض, وتناقص نسبة هذه العناصر الثقيلة بالتدريج في اتجاه قشرة الأرض. وتقدر نسبة الحديد في الأرض بحوالي35,9% من مجموع كتلة الأرض المقدرة بحوالي5520 مليون مليون مليون طن, وعلي ذلك فإن كمية الحديد في الأرض تقدر بحوالي الألف وخمسمائة مليون مليون مليون طن, ويتركز هذا الحديد في قلب الأرض علي هيئة كرة ضخمة من الحديد(90%) والنيكل(9%) وبعض العناصر الخفيفة من مثل السيليكون, والكربون والفوسفور والكبريت والتي لاتشكل في مجموعها أكثر من1% مما يعرف باسم لب الأرض, والذي تشكل كتلته31% من كتلة الأرض, ويمثل طول قطره حوالي55% من طول قطر الأرض, أما باقي الحديد في الأرض(5,9% من كتلة الأرض) فيتوزع علي باقي كتلة الأرض( وشاح الأرض وغلافها الصخري) بسمك يقدر بحوالي ثلاثة آلاف كيلو متر(2895 كيلو مترا) في تناقص مستمر يصل بنسبة الحديد في الغلاف الصخري للأرض إلي5,6%. وتركيز هذه الكتلة الهائلة من الحديد وغيره من العناصر الثقيلة في قلب الأرض من وسائل جعله جرما مستقرا في ذاته. وهنا تأتي الإشارة القرآنية إلي تلك الحقيقة سبقا يشهد للقرآن الكريم بأنه كلام الله الخالق, ويشهد للنبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالة لأن أحدا في زمانه ولا لقرون متطاولة من بعده لم يكن له علم بهذه الحقيقة التي لم يكتشفها الإنسان إلا في القرن العشرين, وفي ذلك يقول الحق( تبارك وتعالى):
إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا {1} وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا {2} [سورة الزلزلة ]
ولو أن الزلزال المقصود هنا هو زلزال الآخرة عند نفخة البعث, إلا أن الحقيقة المصاحبة للهزة الأرضية تبقي واحدة, ولو أن المفسرين السابقين قد رأوا في أثقال الأرض إشارة ضمنية إلي أجساد الموتى( بما تحمل من أوزار) والتي تلفظها الأرض من داخل بطنها بسبب هذا الزلزال الأخير, تلفظهم أحياء للحساب والجزاء, وإن كان رسول الله( صلي الله عليه وسلم) قد وصف لبعث الأموات صورة مغايرة لذلك. والأثقال جمع ثقل(بكسر فسكون) وهو الحمل الثقيل, أو جمع ثقل( بالتحريك) وهو كل نفيس مصون. وفي الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحة يروي عن رسول الله( صلي الله عليه وسلم) قوله:تلقي الأرض أفلاذ كبدها أمثال الاسطوانة من الذهب والفضة, فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت, ويجيء القاطع فيقول في هذا قطعت رحمي, ويجيء السارق فيقول في هذا قطعت يدي, ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئا. وهذا الحديث الشريف يؤكد أن المقصود بأثقال الأرض في سورة الزلزلة هو الأحمال الثقيلة كما أثبتت الدراسات العلمية الحديثة, وليست أجساد الموتى فقط كما تخيل العديد من المفسرين السابقين, وهذا سبق علمي قرآني ونبوي معجز لأن أحدا من البشر لم يكن له علم بأن أثقال الأرض في جوفها حتى القرن العشرين. ويقدر متوسط المسافة بين الأرض والشمس بحوالي مائة وخمسين مليونا من الكيلومترات, وهذه المسافة قد حددتها بتقدير من الله الخالق( سبحانه وتعالى) كتلة الأرض تطبيقا لقوانين الجاذبية, والتي تنادي بأن قوة الجذب بين جسمين تتناسب تناسبا طردياً مع كتلة كل منهما, وتناسبا عكسيا مع مربع المسافة بينهما حسب المعادلة التالية: قوة الجاذبية بين كتلتين م1, م2= ثابت الجاذبية* م1*م2/مربع المسافة بينهما وهذا يعني أنه كلما زادت كتلة أي من الجسمين زادت قوة الجذب بينهما, وكلما زادت المسافة بينهما قلت قوة الجاذبية. والاتزان بين قوة جذب الشمس للأرض, والقوة النابذة المركزية التي دفعت بالأرض الأولية من الشمس هو الذي حدد( بمشيئة الله الخالق) بعد الأرض عن الشمس. والارتباط الوثيق بين كل من كتلتي الأرض والشمس بطريقة منتظمة بمعني أنه كلما تغيرت كتلة أحدهما تغيرت كتلة الآخر بنفس المعدل, هو من الأمور التي تعمل علي تثبيت بعد الأرض عن الشمس, وجعلها مستقرة في دورانها حول محورها, وفي جريها حول الشمس في مدار محدد مما يؤدي إلي تثبيت كمية الطاقة الشمسية التي تصل إلي الأرض وهي من عوامل تهيئتها لاستقبال الحياة واستقرارها, وذلك لأن كمية الطاقة التي تصل من الشمس إلي كل كوكب من كواكبها تتناسب تناسبا عكسيا مع بعد الكوكب عن الشمس, وكذلك تتناسب سرعة جري الكوكب في مداره حول الشمس. والأرض كوكب فريد في صفاته الفيزيائية والكيميائية والفلكية مما أهله بجدارة إلي أن يكون مهدا للحياة الأرضية بكل مواصفاتها النباتية, والحيوانية, والإنسية. فقد أثبتت دراسات الفيزياء الأرضية أن الأرض مبنية من عدد من النطق المتمركزة حول كرة مصمطة من الحديد والنيكل تعرف باسم لب الأرض الصلب أو اللب الداخلي للأرض, وتقسم هذه النطق الأرضية علي أساس من تركيبها الكيميائي أو علي أساس من صفاتها الميكانيكية علي النحو التالي: (1) قشرة الأرض: وتتكون من صخور نارية ومتحولة صلبة تتغطي بسمك قليل من الصخور الرسوبية أو الرسوبيات( التربة) في كثير من الأحيان, وتغلب الصخور الحامضية وفوق الحامضية علي كتل القارات وذلك من مثل الجرانيت والصخور الجرانيتية( بمتوسط كثافة2,7 جرام/للسنتيمتر المكعب) ويغلب علي قيعان البحار والمحيطات الصخور القاعدية وفوق القاعدية من مثل البازلت والجابرو(بمتوسط كثافة2,9 جرام/ للسنتيمتر المكعب). ويتراوح متوسط سمك القشرة الأرضية في كتل القارات من35 إلي40 كيلو مترا, وإن تجاوز ذلك تحت المرتفعات الأرضية من مثل الجبال. ويتراوح متوسط سمك القشرة الأرضية المكونة لقيعان البحار والمحيطات من5 إلي8 من الكيلو مترات. (2) الجزء السفلي من الغلاف الصخري للأرض: ويتكون من صخور صلبة تغلب عليها الصخور الحامضية وفوق الحامضية في كتل القارات بسمك يصل إلي85 كيلو مترا, بينما تغلب عليها الصخور القاعدية وفوق القاعدية تحت البحار والمحيطات بسمك في حدود60 كيلو مترا. ويفصل هذا النطاق عن قشرة الأرض سطح انقطاع للموجات الاهتزازية يعرف باسم ). (TheMohoDiscontinuity(
(3) الجزء العلوي من وشاح الأرض( نطاق الضعف الأرضي): وتوجد فيه الصخور في حالة لدنة, شبه منصهرة( أو منصهرة انصهارا جزئيا في حدود1%), ويتراوح سمك هذا النطاق بين280 كيلو مترا,335 كيلو مترا, وهو مصدر للعديد من نشاطات الأرض من مثل الزلازل, والبراكين, وتحرك ألواح الغلاف الصخري للأرض, وتكون الجبال والسلاسل الجبلية. (4) الجزء الأوسط من وشاح الأرض: ويتكون من مواد صلبة, كثيفة, ويقدر سمكه بحوالي270 كيلو مترا, ويحده من أسفل ومن أعلي مستويات من مستويات انقطاع الموجات الاهتزازية الناتجة عن الزلازل يقع أحدهما علي عمق400 كيلومتر من سطح الأرض, ويقع الآخر علي عمق670 كيلو مترا من سطح الأرض. (5) الجزء السفلي من وشاح الأرض: ويتكون من مواد صلبة تعلو لب الأرض السائل, ويحده من أعلي أحد مستويات انقطاع الموجات الاهتزازية الناتجة عن الزلازل علي عمق670 كيلو مترا من سطح الأرض, ويحده من أسفل نطاق انتقالي شبه منصهر يفصله عن لب الأرض السائل علي عمق2885 كيلو مترا من سطح الأرض, ولذا يقدر سمك هذا النطاق بحوالي2215 كيلو مترا. (6) لب الأرض السائل( الجزء الخارجي من لب الأرض): وهو نطاق سائل يحيط بلب الأرض الصلب, وله نفس تركيبه الكيميائي تقريبا, ويقدر سمكه بحوالي2275 كيلو مترا( من عمق2885 كيلو مترا إلي عمق5160 كيلو مترا تحت سطح الأرض), وتفصله عن النطاقين الأعلى والأسفل منطقتان انتقاليتان شبه منصهرتين, أضخمهما المنطقة السفلي والتي يقدر سمكها بحوالي450 كيلو مترا. (7) لب الأرض الصلب( اللب الداخلي للأرض): وهو عبارة عن كرة ضخمة من الحديد(90%) والنيكل(9%) مع القليل من العناصر الخفيفة من مثل السيليكون, الكربون, الكبريت, الفوسفور والتي لاتكاد نسبتها أن تتعدي1%. وهذا هو نفس تركيب النيازك الحديدية تقريبا, والتي تصل الأرض بملايين الأطنان سنويا, ويعتقد بأنها ناتجة عن انفجار بعض الأجرام السماوية. وهذه البنية الداخلية للأرض تدعمها دراسة النيازك التي تهبط علي الأرض, كما تؤيدها قياسات الجاذبية الأرضية والاهتزازات الناتجة عن الزلازل. ولولاهذه البنية الداخلية للأرض, ماتكون لها مجالها المغناطيسي, ولا قوتها الجاذبية, ولولا جاذبية الأرض لهرب منها غلافها الغازي والمائي, ولاستحالت الحياة, ولولا المجال المغناطيسي للأرض لدمرتها الأشعة الكونية المتسارعة من الشمس ومن بقية نجوم السماء. والأرض تجري حول الشمس في فلك بيضاني قليل الاستطالة, بسرعة تقدر بحوالي30 كيلو مترا في الثانية, لتتم دورتها في سنة شمسية مقدارها365.25 يوم تقريبا وتدور حول محورها بسرعة تقدر اليوم بحوالي30 كيلو مترا في الدقيقة عند خط الاستواء فتتم دورتها هذه في يوم مقداره24 ساعة تقريبا, يتقاسمه ليل ونهار, بتفاوت يزيد وينقص حسب الفصول السنوية, والتي تنتج بسبب ميل محور دوران الأرض علي دائرة البروج بزاوية مقدارها66,5 درجة تقريبا. كذلك فإن حركات الأرض العديدة ومنها حركتها المحورية, والمدارية, وترنحها في دورانها حول محورها, وتذبذبها(نودانها أو ميسانها), وقربها وبعدها من الشمس في حركتها المدارية, والتغير التدريجي في توازن حركاتها مع حركات القمر حولها, ومع باقي كواكب المجموعة الشمسية ومع الشمس حول مركز المجرة، ومع المجرة, حول مركز التجمع المجري, وكلها حركات تحتاج إلي ضبط وإحكام حتى تصبح الأرض مستقرة بذاتها, وقرارا للحياة علي سطحها. وتكفي في ذلك الإشارة إلي دور الجبال في تثبيت الأرض والتقليل من ترنحها في دورتها حول محورها تماما كما تقوم قطع الرصاص التي توضع حول إطارات السيارات في التقليل من معدلات ترنحها أي السيارة.
ثانيا: جعل الأرض قرارا بمعني قرارا لسكانها
ومن معاني جعل الأرض قرارا لسكانها هو جعل الظروف العامة للأرض مناسبة للحياة علي سطحها, ومن أولها مقدار جاذبية الأرض الذي يمسك بكل من غلافها المائي والغازي وبالأحياء علي سطحها, والماء هو سر الحياة علي الأرض, ولذا جعل ربنا( تبارك وتعالى) كوكب الأرض أغني الكواكب التي نعرفها في المياه حتى ليسميه العلماء بالكوكب الأزرق أو الكوكب المائي, وتقدر كمية المياه علي سطح الأرض بحوالي1360 مليون كيلو متر مكعب, ويغطي الماء حوالي71% من مساحة الأرض بينما لا تتعدى مساحة اليابسة اليوم29% من مساحة الأرض. كذلك فإن غاز الأوكسجين يشكل سرا من أسرار الحياة الراقية علي الأرض فجعل الله(تعالى) لها غلافا غازيا تقدر كتلته بحوالي خمسة آلاف مليون مليون طن, ويقدر سمكه بعدة آلاف من الكيلو مترات فوق مستوي سطح البحر حيث يصل ضغطه إلي حوالي الكيلو جرام علي السنتيمتر المربع, ويتناقص مع الارتفاع إلي واحد من مليون من ذلك الضغط في أجزائه العليا. ويضم الجزء السفلي من هذا الغلاف الغازي( من6 إلي20 كيلومترا فوق مستوي سطح البحر) حوالي66% من كتلته, ويتكون من غازات النيتروجين( بنسبة78,1% بالحجم) والأوكسجين( بنسبة21% بالحجم) والأرجون( بنسبة0,93% بالحجم), وثاني أكسيد الكربون( بنسبة0,03% بالحجم) بالإضافة إلي نسب ضئيلة من بخار الماء وغازات أخري. ولولا هذا التركيب للغلاف الغازي ما استقامت الحياة علي الأرض. كذلك فإن كتلة وأبعاد الأرض, ومسافتها من الشمس قدرت كلها بدقة بالغة, فلو كانت الأرض أصغر قليلا لاندفعت بعيدا عن الشمس ولفقدت الكثير من طاقتها, ولما كان بمقدورها الاحتفاظ بغلافها المائي والغازي, وبالتالي لاستحالت الحياة, ولو كانت أكبر قليلا لاندفعت إلى مسافة أقرب من الشمس ولأحرقتها حرارتها, ولزادت قدرتها علي جذب الأشياء زيادة ملحوظة مما يعوق الحركة, ويحول دون النمو الكامل للأحياء, ويخل بالميزان الحراري علي سطحها. وكذلك يعتمد طول السنة الأرضية علي بعد الأرض من الشمس, ويعتمد طول يوم الأرض علي سرعة دورانها حول محورها, وكل ذلك مرتبط بأبعاد الأرض, وكذلك يعتمد تبادل الفصول المناخية علي ميل محور دوران الأرض علي دائرة البروج فلو لم يكن مائلا ما تبادلت الفصول, ولا يختل نظام الحياة علي الأرض. ولولا تصدع الغلاف الصخري للأرض, وتحرك ألواحه متباعدة عن بعضها البعض ومصطدمة ببعضها البعض لما تكونت الجبال, ولا ثارت البراكين, ولا حدثت الهزات الأرضية, وكلها من صور ديناميكية الأرض, ووسائل تجديد وتثبيت غلافها الصخري, وإثرائها بالمعادن, وتكوين التربة وتحرك دورة الماء حول الأرض ودورة الصخور, وبناء القارات وهدمها, وتكون المحيطات واتساعها ثم إغلاقها وزوالها, وهذه الحركات الأرضية( وغيرها كثير) لعبت وـ لا تزال تلعب ـ أدوارا أساسية في جعل الأرض كوكبا مهيئا لاستقبال الحياة الأرضية وصالحا للعمران. هذه بعض آيات الله في جعل الأرض كوكبا مستقرا في ذاته علي الرغم من حركاته العديدة, وجريه في فسحة الكون, وفي تهيئته ليكون مستقرا للحياة التي أراد الله أن تزدهر علي سطحه, علي الرغم من المخاطر العديدة المحيطة به, حتى يؤمن الناس بقدر الرعاية الإلهية التي يحيطنا الله بها في هذا الكون, ويستشعرون حاجتهم إلي هذا الخالق العظيم وإلي رحمته وعنايته في كل وقت وفي كل حين لأننا لو تركنا لأنفسنا طرفة عين أو أقل من ذلك لهلكنا... وسبحان الذي أنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة قوله الحق: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (غافر:64) . وعاتب الكافرين والمشركين والمتشككين بقوله الحق: (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (النمل:61
مواضيع ذات علاقة
اسم الموضوع
تاريخ الموضوع
الإعجاز في علوم الأرض في القرآن الكريم
30 شعبان 1429