رغم أننا نقضي ثلث عمرنا في النوم ، إلا أننا لا نعلم
إلا القليل عن النوم . والفكرة السائدة بين العلماء هي أن للنوم وظيفة
مرممة وشافية للدماغ .
وليس الدماغ هو المستفيد الوحيد من النوم ، بل إن في
النوم سكنا وراحة للجسم كله .
قال تعالى : (( ألم يروا أنا
جعلنا الليل ليسكنوا فيها والنهار مبصرا )) النمل 86 .
ولكن بعض الناس - وللأسف الشديد - يقلب ليله نهارا ،
ونهاره ليلا وخاصة في رمضان.
والحقيقة أن في الدماغ ما يسمى بالساعة البيولوجية التي
تجعلنا نستيقظ من النوم في ساعة محددة كل صباح ، وتشعرنا بالنعاس في
الوقت ذاته من كل مساء إذا ما اعتدنا على ذلك.
ولا ينفرد الإنسان بوجود هذه الساعة بل هي موجودة عند
الحيوانات أيضا . فمن المعروف أن الصراصير والبوم والخفاش والجرذان
تنشط ليلا وتهجع في النهار ، بينما الحيوانات الأخرى يكون نشاطها
الأعظم أثناء النهار .
وقد تم نقل نحلات من منطقة باريس إلى نيويورك فلوحظ
أنها تنطلق للحقول لجمع الرحيق في نيويورك عندما يحين موعد جمع الرحيق
في باريس . وليس موعد الجمع في نيويورك ، إذ أن ساعتها البيولوجية ما
زالت مبرمجة على توقيت باريس .
ويعتقد الباحثون أن الغدة الصنوبرية التي تفرز
الميلاتونين هي التي تمثل الساعة البيولوجية عنده . وعندما ينتقل أحدنا
غربا إلى الجانب الآخر من الكرة الأرضية ، حيث يتأخر الوقت نحو 12 ساعة
، نلاحظ أنه ينشط عندما يحين منتصف الليل . فجسمنا مبرمج لأن نكون
نشيطين في الساعة 12 ظهرا حسب توقيت بلادنا ، أي عندما ينتصف الليل في
نصف الكرة الآخر ، والعكس صحيح . من أجل ذلك تضطرب حياة من يضطر بحكم
عمله إلى الانتقال باستمرار شرقا وغربا ، كما هو الحال مع أطقم
الطائرات ، وكذلك حياة من يضطرون للقيام بمناوبات ليلية ونهارية
كالممرضات . وينطبق على ذلك من يحيلون ليلهم إلى نهار ونهارهم إلى ليل
.
فإذا عملت أثناء الليل أو سافرت لمسافة بعيدة بالطائرة
، فربما تتكيف ساعة الجسم مع التوقيت الجديد للنوم ، ولكن قد يحتاج ذلك
إلى بضعة أيام . وقد يشكو هؤلاء خلال ذلك من بعض الأعراض التي تشمل
الأرق والإعياء والصداع وضعف التركيز .
وتشير الدراسات الأولية إلى أن استخدام حبوب
الميلاتونين يمكن أن يفيد في التخفيف من أعراض السفر الطويل .
وقد أكد الأطباء أن أهنأ نوم هو ما كان في أوائل الليل
، وأن ساعة نوم قبل منتصف الليل تعدل ساعات من النوم المتأخر ، ويقول
الدكتور شابيرو في كتاب
Body Clock
: إن الذهاب إلى النوم في وقت محدد كل مساء والاستيقاظ
في وقت معين كل صباح لا يحسن نشاط المرء في النهار فحسب ، بل يهيئ
الشخص لنوم جيد في الليلة التالية .
ويقول البروفسور أوزولد : " إذا كنت تريد أن تنام بسرعة
حين تخلد إلى النوم فانهض باكرا في الصباح . وافعل ذلك بانتظام ، فبذلك
تحصل على أفضل أنواع النوم . وتكون أكثر سعادة وأعظم نشاطا طوال النهار
" .
أليس هذا ما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأصحابه ! ألم يقل عليه الصلاة والسلام : ((
إياك والسمر بعد هدأة الرجل ، فإنكم لا تدرون ما يأتي الله في خلقه ))
. فلم يكن الصحابة يسهرون الليالي الطوال يتحادثون ويتسامرون ، بل
كانوا ينامون بعد فترة قصيرة من العشاء .
وفي ليالي رمضان يطيب قيام الليل لا بالحديث والسمر ،
بل بالصلاة والتقرب إلى الله تعالى . وقد وصف رسول الله صلى الله عليه
وسلم عبادة داود عليه السلام فقال :
(( أحب الصلاة إلى الله صلاة داود ، وأحب الصيام إلى
الله صيام داود ، كان ينام نصف الليل ، ويقوم ثلثه ، وينام سدسه .
ويصوم يوما ، ويفطر يوما )) متفق عليه .
ولا شك أن في قيام الليل رياضة روحية وجسدية . قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم :
(( عليكم بقيام الليل ، فإنه دأب الصالحين من قبلكم ،
وهو مطردة للداء عن الجسد ))
رواه أحمد والحاكم .
فلنجعل من رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه قدوة لنا
في رمضان نأخذ قسطا وافيا من النوم ، ثم نقوم لقيام الليل ، ونعمل في
النهار بلا كسل ولا فتور .
المصـدر
:
موقع الدكتور حسان شمس باشا