بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مرحبا بكم مع الشيخ خالدالمغربي - المسجد الأقصى

027

النمل

آية رقم 088

وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ

صدق الله العظيم

 

وترى الجبال تحسبها جامدة
 

تدور الأرض حول محورها دورة كاملة كل يوم

الدكتور منصور العبادي

أستاذ الهندسة الكهربائية ـ جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية

يوجد في القرآن الكريم آيات بينات إذا ما تدبرها عاقل يعيش في هذا العصر وعنده بعض الإلمام بعلوم العصر الحديث فإنه لا مناص إلا أن يعترف بأن هذا القرآن لا يمكن أن يكون قد كتب من قبل محمد صلى الله عليه وسلم. إن مثل هذه الآيات تحتوي على حقائق علمية لم تكن معروفة من قبل البشر في العصر الذي نزل فيه القرآن بل لم يتمكن البشر من كشفها إلا بعد مرور ما يزيد على ألف عام من نزول القرآن الكريم. ومن هذه الآيات قوله سبحانه وتعالى "وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ" النمل 88.

 فقد ورد في هذه الآية حقيقة علمية بالغة الأهمية لا يمكن للبشر أن يكتشفوها بحواسهم المجردة أبدا بل يحتاج إثباتها إلى طرق غير مباشرة وذلك بالإعتماد على المنهج الإستقرائي. إن الحقيقة الكبرى التي أوردتها هذه الآية هي ما يسميه العلماء اليوم بمبدأ نسبية الحركة والذي مفاده أن الشيء الذي يبدو للمراقب ساكنا قد لا يكون كذلك بل قد يكون متحركا والشيء الذي يبدو أنه يتحرك بسرعة بطيئة قد تكون سرعته عالية جدا. وبغض النظر عن اختلاف علماء التفسير في ما إذا كانت هذه الآية تتحدث عن ظاهرة يعايشها البشر في حياتهم الدنيا أما أنها من ظواهر يوم القيامة فإن لها قصب السبق في تقرير حقيقة نسبية الحركة. فالآية تتحدث بكل وضوح عن ظاهرة عجيبة وهي أن الناظر إلى الجبال تبدو له جامدة أي ساكنه ولكنها في حقيقة الأمر ليست كذلك بل إنها في حركة دائبة. لقد سبق لكفار قريش أن اتهموا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالجنون وعلى الأغلب أن فرحتهم كانت غامرة عندما نزلت هذه الآية حيث أنهم وجدوا فيها على حسب زعمهم ما يثبت هذا الجنون فلا بد أنهم قالوا للناس كيف تصدقون هذا الرجل الذي يقول أن هذه الجبال الراسخة الثابتة تتحرك كما تتحرك السحب في السماء! وبينما كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يعجب من بديع صنع الله كان كفار قريش يسخرون ويضحكون وصدق الله العظيم القائل "فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ" الصافات 11-14.

ولا عجب من موقف العرب هذا فالكنيسة المسيحية قامت بعد مرور ألف عام من نزول القرآن الكريم بمحاكمة علماء أمثال كوبرنيكس وبرونو وكيبلر وجاليليو فسجنت بعضهم وأحرقت البعض الآخر لمجرد قولهم أن الأرض ليست مركز الكون بل إنها كوكب من كواكب كثيرة تدور حول الشمس وهي تكمل دورتها مرة كل عام وتدور كذلك حول محورها مرة كل 24 ساعة. وعلى العاقل أن يتساءل عندما يتدبر هذه الآية عن المصلحة التي سيجنيها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لو كان هذا القرآن من تأليفه من تصريحه بهذه الحقيقة العجيبة التي لا يمكن لعقول البشر أن تستوعبها بل سيقابلوها بالرفض والتكذيب والسخرية. ومما يؤكد هذا الأمر أن مفسري القرآن الكريم القدامى عندما أرادوا أن يفسروا هذه الآية أشكل عليهم الأمر ولم يتمكنوا من التوفيق بين كون الجبال تبدو للناظر ساكنة ولكنها في الحقيقة ليست كذلك بل تتحرك كما يتحرك السحاب في السماء فكان المخرج من هذا المأزق أن قالوا أن هذا المشهد هو من مشاهد يوم القيامة. إن هذا المخرج من هذا المأزق لن يغير من واقع الحال شيئا فمن السهل جدا أن نلاحق من يقول هذا القول ونسأله كيف يمكن أن تبدو لنا الجبال ساكنة يوم القيامة وهي في الحقيقة متحركة!  

وقبل أن نشرح ما تحمله هذه الآية من دلالات لا بد من شرح مبدأ نسبية الحركة والذي اكتشفه جاليليو ونشره في أحد كتبه في عام 1632م.

وينص مبدأ نسبية الحركة على أن سرعة أي جسم متحرك لا يمكن قياسها بشكل مطلق ولكن يتم تحديدها بشكل نسبي من خلال قياسها بالنسبة لمرجع إسناد قصورى. ومراجع الإسناد القصورية هي مراجع إسناد يتحرك بعضها بالنسبة للبعض الآخر بسرعات منتظمة وتتخذ قوانين الفيزياء فيها نفس الشكل الرياضي وذلك على عكس مراجع الإسناد غير القصورية التي لا تتخذ فيها قوانين الفيزياء نفس الشكل بسبب وجود تسارع أو عجلة بين هذه المراجع.

وبناء على مبدأ نسبية الحركة فقد وضع جاليليو قانون لقياس السرعات النسبية في مراجع الإسناد القصورية المختلفة وهو قانون جمع السرعات والذي ينص على أن السرعة التي يقيسها مشاهد في مرجع إسناد معين لجسم متحرك في مرجع إسناد آخر تساوي سرعة الجسم بالنسبة لمرجع الإسناد الذي هو فيه مضافا إليها السرعة النسبية بين الإسنادين.

 

لوحة قديمة لجاليليو الفلكي المشهور

 

وقد وضح جاليليو مبدأ نسبية الحركة بما يجري من أحداث في داخل سفينة تتحرك بسرعة ثابتة في عرض البحر ونحن نوضحها هنا على ما يجري من أحداث في داخل طائرة تطير في الجو بسرعة ثابتة تبلغ ألف كيلومتر في الساعة. إن ركاب الطائرة إذا ما كانت سرعتها ثابتة تماما فإنهم يتصرفون على ظهرها كما لو كانوا على سطح الأرض ولا يكادون يشعرون بأن الطائرة تسير بهم بهذه السرعة العالية وكذلك فإنهم يرون أن الأجسام على سطح الطائرة تتصرف وفق القوانين الفيزيائية التي تحكم الأشياء على سطح الأرض. فإذا ما سقط شيء من أيديهم فإنه يسقط على المكان الذي يقع تحت أيديهم مباشرة وإذا ما رمى أحدهم بشيء ما في داخل الطائرة فإن سرعته في أي إتجاه لن تختلف عن سرعته فيما لو رماه وهو على سطح الأرض. ولو أن أحدهم جرى من مؤخرة الطائرة باتجاه مقدمتها بسرعة ثابتة ولتكن خمسة كيلومترات في الساعة فإن سرعته بالنسبة لسطح الطائرة ستكون نفسها فيما لو جرى بالإتجاه المعاكس. ولكن الأمر يختلف تماما لمشاهد يقيس سرعة هذا الشخص من على سطح الأرض فسرعته هي ألف وخمسة كيلومترات في الساعة إذا كان يجري من مؤخرة الطائرة إلى مقدمتها و تسعمائة وخمس وتسعون إذا كان يجري في الإتجاه المعاكس أو العكس وذلك حسب موقع المشاهد.

 

وإذا كان ركاب الطائرة على صغر حجمها وعلى مدى قربها من الأرض لا يكادون يحسون بحركتها فإن سكان الأرض أولى بمثل هذا الشعور فهم يرون الأرض ساكنة تمام السكون ولا يوجد فيها ما يوحي بأنها تتحرك أبدا. ولهذا السبب فقد بقي البشر حتى بداية القرن السادس عشر الميلادي يعتقدون أن الأرض هي مركز هذا الكون وأن جميع ما فيه من أجرام تتحرك حولها وهي ثابتة لا تتحرك أبدا كما توحي بذلك حواسهم. وبناءا على هذا الاعتقاد قام الفلكي الإغريقي بطليموس في القرن الثاني الميلادي بوضع أول نموذج يفسر حركات الأجرام السماوية المختلفة كالشمس والكواكب وبقية النجوم وتنص نظرية بطليموس على أن الأرض كروية الشكل وهي ثابتة في مركز الكون وتدور السماء وجميع الأجرام السماوية حولها على أبعاد ثابتة من بعضها البعض باستثناء بعض الأجرام التي تدور بعكس هذه الخلفية في مسارات تبدو متمردة.

صورة  لطائرة  لمراقب خارجي

صورة  لطائرة  لمراقب داخلي

وبقي نموذج بطليموس هو المعمول به في علم الفلك حتى ظهر الفلكي الشهير كوبرنيكس في القرن السادس عشر وقرر أن الشمس هي مركز المجموعة الشمسية وتدور الكواكب بما فيها الأرض حولها.

لم يبني كوبرنيكس نظريته من فراغ بل اعتمد على كم هائل من الدراسات الفلكية التي أجراها العلماء من قبله وخاصة علماء المسلمين الذين استلموا قيادة المسيرة العلمية في العصور الوسطى.

فقد انتقد ابن الهيثم في القرن الحادي عشر من ناحية رياضية بحته نموذج بطليموس في مقالة له "شكوك حول بطليموس" وقال أنه نموذج غير قادر على تفسير كثير من الحركات الفلكية ولا بد إذا من تطويره.

وقد صرح البيروني كذلك في القرن الحادي عشر بأن الأرض تدور حول محورها وتدور كذلك مع بقية الكواكب حول الشمس حيث يقول بكل صراحة في كتابه "الآثار الباقية في القرون الخالية" "ليست الشمس هي سبب تفاوت الليل والنهار بل إنّ الأرض ذاتها هي التي تدور حول نفسها وتدور مع الكواكب والنجوم حول الشمس" ولكنه عاد ليقول بأن مثل هذا القول قد لا يصلح لأننا لا نكون في موضع نتمكن من التحقق من حقيقة هذا الدوران.

وقد قام بعض علماء الفلك المسلمين أمثال نصير الدين الطوسي ومؤيد الدين الأوردي بتطوير نماذج فلكية تتفوق في قدرتها على تفسير حركة الكواكب من نموذج بطليموس وهي عبارة عن دوائر متداخلة تدور حول الأرض أُضيف إليها دوائر مركزها خارج الأرض ودوائر أصغر مراكزها متحركة.

وقد قام العالم الفلكي الفذ ابن الشاطر الدمشقي في القرن الرابع عشر ببناء نموذج معقد كانت الشمس فيه مركز لحركات الكواكب وتتحرك هي بدورها حول الأرض وقد تمكن هذا النموذج من تفسير معظم الحركات الفلكية التي فشل نموذج بطليموس من تفسيرها وهو أقرب ما يكون للنموذج الذي وضعه كوبرنيكس فيما بعد وقد نشر نتائج أبحاثه في كتابه "تحرير نهاية السؤال في تصحيح الأصول".

وفي عام 1543م نشر كوبرنيكس نظرية جديدة تقول أن الشمس هي مركز المجموعة الشمسية وأن الكواكب بما فيها الأرض تدور حولها في مدارات مستقلة وأثبت كذلك أن الأرض تدور حول محورها دورة كاملة كل 24 ساعة فينتج عن ذلك ظاهرة الليل والنهار بينما تدور حول الشمس مرة كل عام مما ينتج عنها ظاهرة تغير الفصول.

 

لوحة قديمة كوبرنيكس الفلكي المشهور

 

لقد قابل عامة الناس إدعاءات كوبرنيكس حول حركة الأرض بالسخرية بل تجاوز الأمر حد السخرية وقررت الكنيسة محاكمة كوبرنيكس وكل العلماء الذين يرون رأيه واتهموهم بالزندقة والكفر وقاموا بمصادرة وإحراق أبحاثهم ففر كوبرنيكس من روما حتى لا يتم القبض عليه وإلا كان مصيره الإعدام أو الحرق كما حدث لبعض العلماء.

وفي مقابل هذه السخرية من قبل عامة الناس كانت فرحة علماء الفلك بهذه النظرية غامرة فقد حلت هذه النظرية عدد لا يحصى من الألغاز التي كانت تحيرهم حول حركة الأجرام السماوية وخاصة كواكب المجموعة الشمسية.

إن الإثبات المباشر بأن الأرض في حركة دائبة حول محورها وحول الشمس لا يمكن أن يتم من قبل البشر وهم يعيشون على سطحها فلا بد لهم من الخروج خارج نطاقها ويقفوا على مرجع إسناد جديد ليتأكدوا من مثل هذه الحركات وهذا ما تم بالفعل في عصرنا هذا حيث تم مشاهدة الأرض وهي تدور حول محورها من قبل رواد الفضاء وهم على القمر أو من قبل كمرات المركبات الفضائية التي إرسلت للفضاء الخارجي.

أما كوبرنيكس فقد استخدم المنهج الاستقرائي (الإستدلالي) لإثبات أن الأرض تدور حول محورها وحول الشمس من خلال دراسة حركات الأجرام السماوية التي تملأ الفضاء من حولنا. إن منتهى العبقرية أن يكذب الإنسان حواسه التي توحي له بأن الأرض ساكنة لا تتحرك ويصدق الحسابات الرياضية التي تثبت أن الأرض في حركة دائبة. وليس الفضل في هذا للبشر بل الفضل كل الفضل لله الذي خلق هذا العقل العجيب الذي يستخدمه البشر لكشف أسرار هذا الكون.

 

يعتقد غالبية البشر في هذا العصر بأن الأرض غير ساكنة بل هي دائمة الحركة إما حول محورها أو حول الشمس ولو طلبت من أحد الناس أن يقنعك بطريقة ما بأن الأرض متحركة وليست ساكنة لما استطاع فعل ذلك إن لم يكن مختصا في الفيزياء أو في الفلك. وعلى هذا فإن معظم الناس تعتمد في إيمانها بظاهرة حركة الأرض على ما يقوله المختصون بخصوص هذا الأمر وذلك على افتراض أنهم صادقون فيما يدعون. وكما ذكرنا سابقا فإن كوبرنيكس اعتمد على المنهج الاستقرائي لإثبات أن الأرض متحركة وليست ساكنة وذلك بالإعتماد على أدله كثيرة يعضد بعضها بعضا جعلت كوبرنيكس يصل إلى قناعة تامة بأن الأرض ليست بساكنة. ومن الأدلة التي اعتمد عليها كوبرنيكس هو أن حساب حركات الأجرام السماوية تصبح سهلة جدا بافتراض أن الشمس هي مركز المجموعة الشمسية بعد أن كانت بالغة التعقيد في حالة افتراض أن الأرض هي المركز. وكذلك فإنه من غير المعقول أن الشمس التي يفوق حجمها حجم الأرض بمليون مرة تدور حول هذه الأرض الصغيرة الحجم بل العكس لا بد أن يكون هو الصحيح.

رسم توضيحي للمجموعة الشمسية

ومع اكتشاف قانون الجذب العام على يد نيوتن في نهاية القرن السابع عشر أصبحت عملية إثبات حركة الأرض وغيرها من الأجرام أكثر سهولة.

فهذا الكون لا يمكن أن يكون مستقرا إلا إذا كان كل جرم من أجرامه في حالة حركة مستمرة ولو حدث أن توقف أي جرم عن الحركة لأنجذب فورا إلى أقرب الأجرام إليه. ولهذا فقد اختار الله سبحانه نوعين من الحركة لهذه الأجرام حركة دائرية وأخرى خطية فالحركة الدائرية اختارها الله لحفظ الأقمار حول الكواكب والكواكب حول الشموس والشموس حول مراكز المجرات ولوقف هذه المتوالية اختار الله الحركة الخطية لحفظ المجرات من الإنجذاب لبعضها البعض حيث أنها تتحرك في خطوط مستقيمة باتجاهات خارجة من مركز الإنفجار العظيم وصدق الله العظيم القائل "وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ" يس 38-40.

ويقدر العلماء بشكل تقريبي عدد المجرات في الكون المشاهد بمائة بليون مجرة وتحتوي كل مجرة في المتوسط على مائة بليون نجم وما يتبع هذا النجم من كواكب وأقمار ويبلغ متوسط المسافة بين مجرتين متجاورتين 25 بليون بليون كيلومتر أو ما يعادل 2.5 مليون سنة ضوئية أما متوسط المسافة بين نجمين متجاورين فتبلغ في المتوسط سنتين ضوئيتين أو ما يعادل 20 ألف بليون كيلومتر وأما المسافة بين النجوم المتجاورة فتقاس بعشرات الملايين من الكيلومترات وصدق الله العظيم القائل "فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ" الواقعة 75-76. أما السرعات التي تتحرك بها هذه الأجرام في الفضاء فهي في غاية الضخامة فعلى سبيل المثال فإن الأرض تدور حول الشمس بسرعة 108 آلاف كيلومتر في الساعة والشمس تدور حول مركز المجرة يسرعة 800 ألف كيلومتر في الساعة أما المجرة فتندفع في خط مستقيم بسرعة تزيد عن مليوني كيلومتر في الساعة. وعلى الرغم من هذه السرعات الخيالية إلا أننا نعيش آمنين مطمئنين على سطح هذه الأرض التي نحسبها ثابتة لا تتحرك أبدا.

 

وعلى ضوء هذا الشرح نعود لتدبر دلالات قوله تعالى "وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ" النمل 88.

أما الحقيقة الأولى التي نستخلصها من هذه الآية هي أن الناظر إلى الجبال يظن أنها جامدة أي ساكنة لا تتحرك أبدا وهذه حقيقة لا ريب فيها أبدا فلا يمكن لأحد من البشر أن يحس بحركة الأرض ولا يمكن لهم كذلك قياس سرعتها بأي جهاز مهما بلغ تعقيد تركيبه.

أما الحقيقة الثانية فهي التأكيد على أن الجبال ليست ساكنة بل هي متحركة لقوله تعالى "وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ" وهذه هي الحقيقة التي لم يتمكن البشر من اكتشافها إلا بعد مرور ما يقرب من ألف عام من ذكر القرآن الكريم لها. إن إختيار الجبال كمثال للتدليل على حركة الأرض هو اختيار في غاية الحكمة فلو راقب مشاهد حركة الأرض من على ظهر القمر أو من على ظهر مركبة فضائية فإن الجبال البارزة من سطح الأرض هي وحدها التي تكشف عن حركة الأرض حول محورها ففي غياب علامات واضحة على سطح الأرض فإنه من الصعب اكتشاف مثل هذه الحركة.

ولكي يوضح الله سبحانه وتعالى للبشر كيف يمكن للشيء أن يبدو ساكنا في أعين الناظر له وهو في الحقيقة في حركة دائمة ضرب لهم مثلا في ظاهرة مماثلة وهي حركة السحاب في السماء.

إن السحاب إذا ما كان متصلا ومتجانسا وليس على شكل قطع ويغطى مساحة واسعة من السماء فإنه من الصعب جدا على الناظر إليه أن يحس بحركته أبدا رغم أن الرياح تسوقه بسرعات عالية.

وحتى في حالة السحاب الرقيق الذي تتخلله فتحات تنفذ من خلالها أشعة الشمس فإن الناظر إليه يرى الشمس تتحرك بسرعة عالية من خلفه بينما يبدو السحاب ساكنا لا يتحرك.

ومما يؤكد على أن هذه الآية تتحدث عن ظاهرة تحدث في حياتنا الدنيا وليست في الآخرة كما يقول بعض المفسرين هو تعقيب الله سبحانه وتعالى عليها بقوله "صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ". فالله ليس بحاجة لأن يدلل على بديع صنعه في يوم تكون الجبال فيه كالعهن المنفوش والأرض غير الأرض والسموات غير السموات إلى غير ذلك من مشاهد يوم القيامة المختلفة. وسواء أكانت الآية تتحدث عن حال الجبال في الدنيا أم في الآخرة فإن تقريرها لمبدأ نسبية الحركة يبقى قائما وحتى لو كانت تصف حال الجبال في الآخرة فإن المبدأ الذي أوردته ينطبق تماما على حال الجبال في الدنيا كما أثبت ذلك العلماء.

وحتى المثال الذي ضربه الله سبحانه وتعالى لتقريب معنى نسبية الحركة في حركة الجبال إلى أذهان البشر وهو حركة السحاب يؤكد على هذا المبدأ أيضا فإذا ما أراد شخصا أن يشرح لشخص آخر مبدأ نسبية الحركة فخير مثال يمكن أن يستشهد به هو حركة السحاب.

وعلى هذا فإن هذه الآية توضح مبدأ نسبية الحركة من خلال ظاهرتين ظاهرة يمكن للبشر التأكد منها بأنفسهم بطريقة مباشرة وهي حركة السحاب في السماء حيث من السهل لأي شخص من خلال مراقبة أنواع السحب المختلفة أن يتأكد من حركتها بطرق مختلفة رغم أنه يراها ساكنة لا تتحرك.

أما الظاهرة الثانية وهي حركة الجبال فإنه من المستحيل إثباتها بشكل مباشر ونحن نقف على سطح الأرض كما صرح بذلك البيروني ويتطلب إثباتها طرق غير مباشرة كما شرحنا ذلك آنفا ولذلك شبه الله حركة الجبال بحركة السحاب لكي تستوعبها عقول البشر.

إن منتهى الإتقان في الصنع أن يعيش البشر على ظهر أرض يتحرك سطحها بسرعة قد تصل إلى ألف وسبعمائة كيلومتر في الساعة عند خط الاستواء وتدور بكاملها حول الشمس بسرعة 108 آلاف كيلومتر في الساعة وتدور مع المجموعة الشمسية حول مركز المجرة يسرعة 800 ألف كيلومتر في الساعة أما المجرة فتندفع بما فيها من نجوم في خط مستقيم بسرعة تزيد عن مليوني كيلومتر في الساعة ثم لا يحسون أبدا بهذه الحركات بل إن بعضهم يرفض أن يصدق أن الأرض تتحرك بمن عليها! إن من أكبر النعم التي أنعم الله بها على البشر أنهم يعيشون آمنين مطمئنين على سطح هذه الأرض التي تسبح في هذا الكون بسرعات خيالية دون أن يشعروا بها ودون أن تصطدم بهذا العدد الهائل من النجوم والكواكب التي حولها وصدق الله العظيم القائل "وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ" إبراهيم 33-34.

يمكن إرسال آرائكم واقتراحاتكم إلى المؤلف على البريد الإلكتروني التالي:

mabbadi@just.edu.jo

مقالات ذات علاقة:

 

المراجع

1- .القرآن الكريم

2- تفاسير ابن كثير والطبري والقرطبي

3- الآثار الباقية في القرون الخالية – أبو الريحان البيروني

4- ابن الشاطر وكوبرنيكس مقالة على الإنترنت للدكتور توفيق شومر.

 

 

 

بحث رائع: الجبال تتحرك
 

ظلت الأساطير تنسج حول الجبال لآلاف السنين، فكانت كل حضارة من الحضارات القديمة تنظر إلى أن هناك آلهة للجبال، وكانوا ينظرون إلى الجبال على أنها أكثر أجزاء الأرض ثباتاً، ولكن القرآن الكريم حدثنا عن حركة خفية للجبال لا نشعر بها.

سوف يكون بحثنا حول آية عظيمة وهي قوله تعالى: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) [النمل: 88]. إن الذي يقرأ هذه الآية يلاحظ أن الله تعالى قد ذكر أن الجبال تتحرك وتمرّ تماماً كالغيوم في السماء عندما تمر أمامنا، والسؤال: ماذا يقول العلم الحديث وما هي آخر الاكتشافات العلمية حول الجبال؟

كيف فهم المفسرون هذه الآية قديماً؟

قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: "(وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً) أي تراها كأنها ثابتة باقية على ما كانت عليه (وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ) أي تزول عن أماكنها كما قال تعالى: (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا) [الطور: 8-9]".

أي أن الإمام ابن كثير ومعظم المفسرين قديماً فهموا هذه الآية على أنها تتحدث عن حركة الجبال يوم القيامة. ولكن في العصر الحديث تناول هذه الآية الإمام محمد الشعراوي وقال (تَحْسَبُهَا جَامِدَةً) أي تظنها ثابتة، ويوم القيامة لا يوجد ظن بل إن الظن في الدنيا أما يوم القيامة فكل ما نراه هو الحق، ولذلك هذه الآية تتحدث عن حركة الجبال في الدنيا.

ويتابع الشعراوي تفسيره فيقول: "إذا صعدنا إلى الفضاء الخارجي فإننا نرى الأرض وهي تدور وتتحرك وتتحرك معها الجبال أيضاً، وفي هذا إشارة إلى دوران الأرض حول نفسها".

ولكن إذا تأملنا الآية جيداً نلاحظ أنها تتحدث عن حركة الجبال تحديداً وليس عن حركة الأرض بشكل كامل، فالأرض عندما تدور حول محورها فإن كل شيء معها يدور الإنسان والبحار والأشجار والحيوان، ولذلك فإن هذه الآية لابد أن يكون فيها معجزة تتعلق تحديداً بحركة الجبال، وهذا ما سنكتشفه من خلال الفقرات الآتية.

حركة الألواح الأرضية

في عام 1912 اقترح العالم Alfred Wegener نظرية الانجراف القاري بعد ما لاحظه من دلائل تؤكد أن القارات كانت كتلة واحدة. وقد كانت المرة الأولى التي يتحدث فيها شخص عن حركة اليابسة بما تحمله من جبال ووديان، وقد تعجب أن العالم الذي اقترح هذه النظرية قد اتَّهمه الناس بالجنون، ولم يصدقوا بأن الجبال يمكن أن تتحرك!!

ففي ذلك الوقت كان من الصعب جداً أن يتصور العلماء بأن هذه الكتل الضخمة من اليابسة تطوف حول العالم! كان من الصعب أن يتخيل الناس أن الألواح الأرضية تتحرك وتمتد، وربما يكون علماء أمريكا هم أشد عداءً لهذه الفكرة في ذلك الوقت، وبقي هذا العداء حتى منتصف الستينات من القرن العشرين، ولكن الحقائق العلمية والدلائل التي تثبت حركة ألواح الأرض أصبحت كثيرة وأكبر من أن تدحض.

ومنذ السبعينيات من القرن العشرين بدأت نظرية تحرك القارات تأخذ شكل الحقيقة العلمية، حتى جاء القرن الحادي والعشرين عندما رأى العلماء حركة هذه القارات رؤية يقينية من خلال الأقمار الاصطناعية والرادارات والمراصد الفلكية المتوضعة في أماكن مختلفة من الأرض.

وهناك إثباتات من الرسوبيات والأحافير والنباتات والحيوانات وغير ذلك حيث وجد العلماء نفس الآثار في جميع القارات، ومن غير المعقول أن هذه الكائنات الحية التي عاشت قبل ملايين السنين مثل الديناصورات قد عبرت المحيطات من قارة لأخرى، ولذلك فإن المنطق العلمي يفرض بأن القارات كانت مجتمعة في كتلة واحدة ثم انفصلت وتباعدت خلال مئات الملايين من السنين.

تتركب القشرة الأرضية مع الطبقة التي تليها من مجموعة من الألواح، وتوجد بين هذه الألواح صدوع أو شقوق. وقد تبين للعلماء أن هذه الألواح في حالة حركة دائمة، وبنتيجة حركة الألواح واصطدامها مع بعضها تتشكل الجبال، وهذه الجبال تكون في حالة حركة دائمة أيضاً.

يعتقد علماء الجيولوجيا اليوم أن سطح الكرة الأرضية ليس كتلة واحدة بل أشبه بلوح مكسور إلى مجموعة ألواح ومتوسط سماكة هذه الألواح 80 كيلو متر، وهذه الألواح تتحرك فوق طبقة ثقيلة وساخنة وتسير الألواح بسرعة 10 سنتمتر وسطياً في السنة. وعلى حدود هذه الألواح تتوضع معظم البراكين في العالم، وتكون المناطق الحدودية من أكثر المناطق تعرضاً للزلازل والهزات الأرضية.

وتوجد ثلاثة أنواع لحركات الحدود التي تفصل بين الألواح وهي:

1- نهايات متباعدة: وهنا نجد أن الألواح تتباعد عن بعضها مما يشكل فجوات تمتلئ بالحمم المنصهرة المتدفقة من الأرض على مر ملايين السنين وتشكل قشرة أرضية جديدة عند هذه المنطقة.

2- نهايات متقاربة: وتنشأ عند اقتراب الألواح الأرضية من بعضها فتنزلق لتشكل الوديان، أو تصطدم ويبرز أحد اللوحين وتشكل السلاسل الجبلية وتنشأ الجبال تدرجياً بطريقة الانتصاب، ومن هنا ربما ندرك عمق الآية الكريمة عندما طلب الله منا أن نتأمل إلى هذه الجبال كيف نُصبت فقال: (وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) [الغاشية: 19].

3- تصطدم الألواح مع بعضها عند الحواف مباشرة وهنا تحدث الهزة الأرضية الزلازل.

شكل يمثل اصطدام اللوح الهندي باللوح الأوربي قبل 45 مليون سنة، حيث تحرك اللوح الهندي باتجاه اللوح الأوربي وتصادما وخلال ملايين السنين انتصبت سلسلة جبال الهملايا بشكل يدعو للتأمل والتفكر بعظمة هذا الاصطدام وكيف شكل هذه الجبال التي تمثل أعلى قمم في العالم. وانظروا معي إلى النقطة المرجعية (باللون الأصفر) والتي كانت في الأسفل ثم انتصبت وارتفعت إلى الأعلى، وهنا نحن نستجيب لدعوة الله تعالى لنا أن ننظر إلى هذه الجبال كيف نُصبت! يقول تعالى: (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) [الغاشية: 17-19]. المصدر U.S. Geological Survey

كيف تتحرك الجبال؟

الجبل هو منطقة من الأرض ترتفع بشكل مفاجئ عما حولها. والسلاسل الجبلية هي مجموعة كبيرة من الجبال تمتد لآلاف الكيلو مترات وتشكل ما يشبه الأحزمة. مثل سلسلة جبال الهملايا شمال الصين، وسلسلة جبال الألب في قلب أوربا.

ففي سلسلة جبال الهملايا توجد أعلى قمم في العالم تشكلت قبل حوالي 45 مليون سنة، وذلك بعد أن اصطدم لوحان من الألواح القارية بعضهما ببعض، فتشكلت هذه السلاسل وبرزت كنتيجة للتصادم العنيف. وهناك بعض السلاسل الجبلية في شمال شرق أمريكا يعود تاريخ تشكلها إلى ما قبل ألف مليون سنة.

للجبال عدة حركات أهمها:

1- حركة أفقية مع ألواح الأرض. فاللوح الهندي مثلاً يتحرك مع ما يحمله من جبال كل سنة عدة مليمترات، إذن الجبال تتحرك وتمر وتُدفع بنتيجة التيارات الحرارية للطبقة التي تلي جذور الجبال.

2- حركة عمودية بنتيجة التيارات الحرارية أيضاً والتي تساهم في رفع الجبل وخفضه عدة مليمترات كل سنة.

3- هناك حركة اكتشفت حديثاً، ففي عام 2006 وجد أحد العلماء وهو البرفسور Russell Pysklywec من جامعة تورنتو أن الأمطار الهاطلة بالقرب من الجبال فإنها تختزن في خزانات ضخمة تحت الجبال وتؤثر على جذور الجبال. قام هذا العالم ببحثه في جبال الألب جنوب نيوزلندة، فوجد أن الأمطار تسبب للجبال تآكلاً مقداره 10 مليمتر كل سنة.

صورة لبحيرة Pangong في شمال الهند مأخوذة من ارتفاع 6 كيلو متر تقريباً، ونلاحظ التمدد الكبير للوح الذي يسمى لوح التيبت، مما فسح المجال للمياه أن تتجمع في هذه البحيرة، وهذه الظاهرة تتكرر كثيراً على سطح الأرض حيث نلاحظ وجود حركة للألواح الأرضية خلال ملايين السنين تساهم في تشكل الجبال ونشوء البحيرات والأنهار. المصدر Woods Hole Oceanographic Institution

ويؤكد العلماء وجود مراحل لنشوء الجبال حيث تبدأ بتمدد الألواح ثم اصطدامها ثم تشكل الجبال ثم تفسح المجال أمام الأنهار لتتشكل، إذن نحن أمام ثلاثة مراحل: امتداد الألواح أي تمددها، ثم نشوء الجبال الرواسي، ثم تشكل الأنهار، وهذا ما لخصه لنا القرآن بكلمات قليلة في قول الحق تعالى: (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا) [الرعد: 3].

ويقول البروفسور Pysklywec إن هذه الأمطار وما تختزنه الجبال من مياة تغير سلوك الجبال من حيث الحركة، وتؤثر على حركة الألواح التي تحمل هذه الجبال وبالتالي يمتد التأثير ليصل إلى جذور الجبال.

ويستغرب هذا العالم من وجود هذه الحركة الغريبة والمعقدة للجبال، ويقول: "إننا لم نكن نتوقع أن التغيرات على سطح الجبل يمكن أن تؤثر على جذر هذا الجبل وعلى حركته، إنها المرة الأولى التي ندرك فيها أن الألواح الأرضية تتحرك بفعل التأثيرات الخارجية على سطح الأرض".

يقوم البرفسور Pysklywec بتجاربه على الحاسوب، طبعاً الكمبيوتر العادي لا يمكن أن يقوم بمثل هذه التجارب المعقدة، لذلك يلجأ إلى الكمبيوتر العملاق المسمى "سوبر كمبيوتر" حيث يضع برامج خاصة لمحاكاة ما يحدث على عمق عدة مئات من الكيلو مترات تحت سطح الأرض حيث تبلغ درجة الحرارة أكثر من 1500 درجة مئوية، وكل تجربة يستغرق هذا الكمبيوتر وعلى الرغم من سرعته الفائقة يستغرق عدة أيام لإنجازها، إن هذه الظروف قد تغير حركة الألواح لتعكس اتجاهها.

إذن الحقيقة التي يقررها العلماء اليوم هي أن الجبال تمر وتتحرك وأحياناً تعكس اتجاه حركتها وسبب هذه الحركة أنها تُدفع بواسطة التأثيرات الحرارية الباطنية للأرض، تماماً كما تدفع الرياح الغيوم! ولكن حركة الجبال لا يمكن إدراكها مباشرة ولكن تأثيراتها تظهر خلال ملايين السنين.

صورة تمثل حركة الجبال مع القشرة التي تتوضع عليها، وهذه الحقيقة العلمية لم تُكتشف إلا في منتصف القرن العشرين، ومنذ أقل من سنة فقط تبين للعلماء أن حركة الجبال معقدة جداً، وهي حقيقة يقينية أن الجبال تتحرك وتمر مروراً بسبب قوة الدفع التي تولدها التيارات الحرارية تحت جذور الجبال، تماماً مثل مرور الغيوم في السماء عندما تحركها قوة الدفع للرياح!! ولذلك يقول تعالى: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) [النمل: 88]. المصدر www.whoi.edu

اكتشاف جديد

قام علماء من ألمانيا منذ أيام باكتشاف جديد في مجال حركة الجبال!!! فقد تبين لهم أن قارة أوربا وقارة أمريكا الشمالية تبتعدان عن بعضهما بمعدل 18 ميليمتر كل عام، وقد وجدوا أيضاً أن هذه المسافة دقيقة جداً، لأنهم يستخدمون المراصد الفلكية لرصد حركة النجوم، وهناك مراصد تتوضع في أوربا وأخرى تتوضع في أمريكا، وعندما تتلقى هذه المراصد الإشارات الراديوية من النجوم النيوترونية مثلاً (وهي التي سماها القرآن بالطارق)، وهذه الإشارات دقيقة جداً وهي أفضل من أي ساعة أرضية، أي أنها منتظمة، ولذلك يجب أن تتلقى المراصد الفلكية على الأرض هذه الإشارات في نفس الوقت مع فارق ضئيل جداً يتناسب مع بعد كل من المرصدين.

وعندما قاس العلماء هذه الفوارق بدقة متناهية وجدوا أن هناك حركة للوح الذي يحمل قارة أوربا وحركة أخرى للوح الذي حمل قارة أمريكا وأن هذين اللوحين يتحركان بسرعة تصل إلى 18 مليمتر في السنة، أي أن الجبال التي تحملها هذه الألواح تتحرك أيضاً.

يؤكد العلماء اليوم أن الجبال تتحرك حركة خفية بكافة الاتجاهات تقريباً، وتبلغ سرعة الجبل أقل من مليمتر في الشهر، لذلك هي سرعة لا يمكن إدراكها بل إننا نراها جامدة تماماً، ولكنها في الحقيقة تتحرك، وتمر أمامنا (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ). وهناك حركة ثانية للجبل بسبب القوى الحرارية التي تسبب قوة رفع الجبل، وكذلك فإن الجبل يتآكل من أطرافه باستمرار، وكأن الأرض تتآكل من أطرافها: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا). المصدر www.physicalgeography.net

 

صورة لقارة أستراليا توضح كيف تتحرك هذه القارة باتجاه الشمل الشرقي، بمعدل 73 مليمتر في السنة، ويتحرك قاع البحار من حولها 50 مليمتر في السنة باتجاه الشرق. المصدر www.ga.gov.au

إن الجبال الموجودة على الكواكب مثل المريخ تتحرك أيضاً! فقد وجد العلماء أدلة مقنعة على حركة أن القشرة التي تغلف سطح المرج (أي الطبقة الخارجية) تتحرك، فهذا الكوكب يشبه الأرض فهو يتألف من طبقات أيضاً، القشرة من الخارج ثم الوشاح ثم النواة. وطبعاً منطقة الوشاح تحت القشرة لزجة وحارة جداً، وتتحرك القشرة فوقها وتطفو، وهذا يثبت أن الجبال على سطح المريخ تتحرك أيضاً.

إعجاز مذهل!!

إن الذي يتأمل هذه الاكتشافات العلمية، وجميعها تؤكد على حركة الجبال فهي تتحرك ولا نشعر بها أبداً، ومن هنا يتجلى قول الحق تبارك وتعالى: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) النمل: 88]. هذه الآية العظيمة هي دليل عظيم على صدق القرآن وأنه كتاب الحقائق، فلا يمكن لأحد زمن نزول القرآن أن يتنبأ بحركة الجبال ويصفها بأنها تشبه مرور الغيوم، وهذا التشبيه صحيح علمياً.

فالغيوم تُدفع بالتيارات الهوائية الناتجة عن فروق درجات الحرارة، وكذلك الجبال تُدفع بالتيارات الحرارية الناتجة عن فروق درجات الحرارة على عمق مئات الكيلو مترات. كذلك فإن حركة الغيوم تكون عادة انسيابية وبطيئة وكذلك حركة الجبال انسيابية وبطيئة ولا نكادج نحس بها.

الغيمة قد تغير اتجاه حركتها حسب قوى الرياح التي تدفعها، وكذلك الجبل يمكن أن يغير ويعكس اتجاه حركته أيضاً، حسب الظروف البيئية المحيطة به. أيضاً إذا دققنا النظر في أي غيمة نرى بأنها تتحرك في كافة الاتجاهات: إلى أعلى وأسفل وإلى الشرق أو الغرب، وكذلك الجبل يتحرك في جميع الاتجاهات.

شكل يمثل حركة الجبال على القشرة الأرضية بفعل التيارات الحرارية التي تحدث تحت هذه القشرة، وتدفع الجبال تماماً كما تدفع الرياح الغيوم، وصدق الله عندما قال: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) [النمل: 88]. المصدر Amateur Astronomy & Earth Sciences, December 1995

ومن عظمة هذه الآية أنه لا يوجد تناقض في فهمها على مر العصور، فمنذ مئات السنين فهم المفسرون هذه الآية على أنها تتحدث عن حركة الجبال يوم القيامة، وهذا الفهم صحيح لأن الجبال بالفعل ستتحرك وتسير ثم ينسفها ربنا ويسويها بالأرض.

وحديثاً فهم علماؤنا هذه الآية على أنها تتحدث عن دوران الأرض حول نفسها، وهذا فهم صحيح لأن الأرض بالفعل تتحرك مع كل ما تحمله من جبال وبحار ومخلوقات. ونحن اليوم نفهم من هذه الآية إشارة واضحة إلى حركة الألواح الأرضية وإلى حركة الجبال على هذه الألواح، وقد يتطور العلم فنجد أننا أمام فهم جديد، وتبقى الآية صحيحة وتتفق مع العلم الحديث مهما تطور هذا العلم، وهذا لا يكون إلا لكلام الله تعالى.

الهدف من هذه الحقيقة الكونية

والآن نتساءل: لماذا ذكر الله تعالى هذه الحقيقة الكونية الخفية في كتابه؟ ولماذا أمرنا أن نتدبرها؟ هل لمجرد حب المعرفة أو الفضول أو معرفة أسرار الكون، أم أن هناك أهدافاً أخرى؟ الحقيقة عندما نتأمل هذه الآية نلاحظ أن الله اختتمها بقوله: (إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ)، فما علاقة حركة الجبال التي لا نراها بعلم الله بأفعالنا؟

بعد تأمل طويل لهذه الآية وجدت وكأن هذه الآية تحمل رسالة لنا نحن البشر، وبخاصة المؤمنين: اعلموا كما أن الله تعالى يعلم حركة هذه الجبال وأنتم لا ترونها، وأن الله قد أخبركم عن هذه الحركة الخفية ولم تتأكدوا منها إلا بأدق الأجهزة، كذلك فإن الله تعالى يعلم كل فعل تقومون به، أو كلمة تنطونها، أو فكرة قد تخطر ببالكم، فينبغي عليكم أن تحسوا بمراقبة الله لحركاتكم وسكناتكم، لأنه يراها وسيحاسبكم عليها.

وهذه الرسالة ينبغي أن نتأملها جيداً، فالله الذي يرى الجبال وهي تتحرك، كذلك يرى كل عمل نقوم به وهو أخبر بنا من أنفسنا، فهل نشعر بمدى علم الله تعالى وهل نعظّم هذا الإله الذي أتقن كل شيء؟

وأمام هذه الحقيقة لا نملك إلا أن نسبح الله تعالى، وأن نقف خاشعين أمام عظمة هذا القرآن، وأمام عظمة إعجازه وآياته، كيف لا والله يقول: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الحشر: 21].

إنها آيات عظيمة تشهد على قدرة الخالق وعظمة كلامه، فأين أنتم أيها المشككون بهذا القرآن، وأين هي كتبكم وعلومكم، نحن لا ننكر أن لكم فضلاً في اكتشاف هذه الحقائق، ولكن ينبغي عليكم ألا تنكروا فضل القرآن في الحديث عن هذه الحقائق وأن هذا الكتاب جدير بالتدبر والتأمل، يقول تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [يوسف: 111].

ــــــــــــــــ

بقلم عبد الدائم الكحيل

www.kaheel7.com

المراجع العربية

1- القرآن الكريم.

2- تفسير القرآن العظيم للإمام ابن كثير.

3- معجزة القرآن الكريمة للشيخ محمد متولي الشعراوي.

المراجع الأجنبية

1- Tilling, 1985, Volcanoes.

2- Russell Pysklywec, Impact of rainfall reaches to roots of mountains, University of Toronto, 20-Apr-2006.

3- German Scientists: Earth is Smaller than People Think, www.dw-world.de, 06.07.2007.

4- Tectonic Plates, National Science Digital Library.

5- Allison Macfarlane, Rasoul B. Sorkhabi, Jay Quade, Himalaya and Tibet: Mountain Roots to Mountain Tops, Geological Society of America, 1999.

6- Plate tectonics, www.moorlandschool.co.uk

7-  FUNDAMENTALS OF PHYSICAL GEOGRAPHY, Dr. Michael Pidwirny, University of British Columbia Okanagan, 10/03/2006.

8- Underneath the mountains, www.geology.wisc.edu

9- Dr. Michael Pidwirny, Introduction to the Lithosphere, University of British Columbia Okanagan.

10 - Australia on the move, www.ga.gov.au, 22 June 2004.

11- Ice Continent on the Move, www.nasa.gov, March 22, 2002.

12- Katherine Gypson, Cynthia Kirk and Karen Leggett, Mars Once Had Moving Plates Like Earth Has Now, www.voanews.com, 7 November 2005.

13- Moving Earth and Heaven, www.whoi.edu, February 23, 2004.

14-  Kenneth C. Macdonald and Paul J. Fox, The Mid-Ocean Ridge, Scientific American.

 

 

الحركة مفهوم نسبي
 

بقلم أ- فيزياء:حسن يوسف شهاب الدين

Shehab2hasan@yahoo.com

كيف ندرس حركة الأجسام المحيطة بنا ؟

عندما ننظر حولنا إلى مختلف الأشياء (الجبال والمنزل والسيارة والطائرة والطريق والمقعد والدراجة ....... وغيرها) نقرر أن بعضها ساكن وبعضها متحرك,فما المعيار الذي نعتمده في قرارنا هذا ؟.

ولماذا نحكم أن الجدار ساكن وأن السيارة متحركة ؟.

وما الفرق بين حالة المقعد الذي نجلس عليه والدراجة التي يركبها زميلنا ؟.

عندما نفكر في حالتي الجسم الساكن والجسم المتحرك نعلم أننا ندرس في كل مرة وبنظرة سريعة المسافة التي تفصل عنا أو عن أي جسم آخر, فإذا وجدنا هذه المسافة تتغير مع الزمن قلنا عن الجسم أنه يتحرك, وعندما تكون المسافة ثابتة لا تتغير مع الزمن قلنا أن الجسم ساكن لا يغير مكانه.

فالسيارة التي تنتقل من أمام منزل إلى آخر جسم متحرك بالنسبة للمنزل, والدراجة التي تحوم في أرض الدار جسم متحرك بالنسبة للدار, ودواسة الدراجة التي لا يتغير بعده أثناء سيرها عن محور دورانها بل تتغير استقامة القطعة الممثلة لذالك البعد عن الأفق مثلا جسم متحرك بالنسبة للأرض.

ويمكن أن يكون الجسم في الوقت نفسه متحرك وساكن معا, إذ يكون ساكناً بالنسبة لجسم ومتحرك بالنسبة لآخر, لهذا لا بد لتحديد حركة ما من اختيار جملة مقارنة تُدرس الحركة بالنسبة لها, فمثلا يكون إنسان ما وهو في موضع ما من سطح الأرض ساكناً بالنسبة لجملة محاور مقارنة بالأرض, ومتحركة بالنسبة لجملة أخرى مرتبطة بالشمس, وغالبا ما تكون جملة المقارنة متحركة حتى ولو كانت مرتبطة بالأرض أو بالشمس لأن الأرض متحركة بالنسبة للشمس, كما أن الشمس تتحرك بالنسبة للنجوم التي تعتبرها ثابتة, لذا نحن ندرس حركات نسبية وليست حركات مطلقة.

وعلى هذا نقول عن نقطة مادية أنها متحركة بالنسبة لنقطة أخرى أو لجملة مقارنة إذا تغير بعدها عنها بتغير الزمن.

وتنشأ من هذه المقدمة البسيطة فكرة مراقبة الجسم المدروس والمراقب (الباحث):

إما أن يكون داخل الجملة المدروسة وعندها يكون مراقب داخلي, ويسمى فيزيائيا (دالامبير).

أو أن يكون خارج الجملة (بعيدا عنها ) وعندها يكون مراقب خارجي ويسمى فيزيائيا (نيوتن).

بعض الأمثلة الواردة في القرآن الكريم:

(1)  - المراقب الداخلي (دالامبير) , الأرض المنبسطة.

 

قال الله تعالى :

"و هو الذي مدَّ الأرض وجعل فيها رواسي ...". الرعد (3)

" و الأرض مددناها وألقينا فيها رواسي .." سورة الحجر (19).

أثبت القرآن الكريم والعلم أن الأرض بلا شك كروية وهذا مما لا جدال فيه, ولكن ما هو التفسير العلمي للآيات التي تعبر عن الأرض الممدودة والمفروشة.

هذا ما شرحه الأستاذ فراس نور الحق في مقاله (كروية الأرض) في قوله:

كيف تكون الأرض ممدودة ؟ و ما معنى ذلك ؟ .

معنى ذلك أننا مهدنا السير فيها فستبقى ممدودة أمامنا، لن تنتهي فيها إلى حاجز يحول دون ما وراءه، أو هوة أبدية نقف عندها عاجزين .

و لقد أشار كثير من المفسرين والفقهاء المسلمين إلى كروية الأرض مم فهموه من كتاب الله عز و جل من ذلك :

وقد أشار أئمة الإسلام منذ القديم إلى هذه الحقيقة فقد أشار الإمام ابن القيم الجوزية في كتابه التبيان في أقسام القرآن إلى كروية الأرض.

وأشار كذلك الإمام الفخر الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب إلى كروية الأرض فقال :

"إن مد الأرض هو بسطها إلى ما لا يدرك منتهاه ، و قد جعل الله حجم الأرض عظيماً لا يقع البصر على منتهاه ، و الكرة إذا كانت في غاية الكبر كان كل قطعة منها تشاهد كالسطح المستوي الامتداد ".

من هذه العبارات ندرك أن الإمام الفخر الرازي فهم معنى المراقب الداخلي للجملة المدروسة (الأرض), وأنه يقف على سطح من الأرض وهذا السطح الموجود على محيط الكرة الأرضية هو جزء صغير منها , ويسمى هذا الجزء في لغة الرياضيات (مقدار تفاضلي ) وبمكاملة هذا المقدار( المساحة الصغيرة) تنتج مساحة سطح الكرة بكاملها , والأرض تكون ساكنة من وجهة نظر هذا المراقب.

وإلى ذلك أشار شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه" الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح " قال : علم أن الأرض قد اتفقوا على أنها كروية الشكل وليست تحت وجه الأرض إلا وسطها ونهاية التحت المركز وهو الذي يسمى محيط الأثقال ".

حيث فهم أن الأرض كروية وبالتالي الاتفاق على أنها كروية يعود إلى مراقبتها عن بعد وبالنسبة لشيخ الإسلام لم تكن المراقبة بالعيان وإنما كانت من الأدلة القرآنية والحدس مقارنة مع أشكال الكواكب والنجوم .

 (2)  – المراقب الخارجي (نيوتن), كروية الأرض.

قال تعالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) (الزمر:5).

 قال تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (لأعراف:54)سورة الأعراف (53) .

الآية واضحة كل الوضوح . يكور الليل على النهار فيخفيه و يكور الليل  ويكور النهار على الليل فيخفيه و يكور النهار.

 وبين تكورهما على بعضهما نرى جرماً كروياً يتدحرج بينهما فيجمعهما يكوران على بعضهما. هذا الجرم هو الأرض .

لنتصور أننا في منطقة النهار، وبعد ساعات سيغشى الليل هذه المنطقة، لكنه لا يغشاها بشكل عادي بل يكور تكويراً، أي ينحني بشكل كروي، ومن البديهي أن المنطقة يجب أن تكون كروية ليمكن فهم الكلام.

وبما أن الليل والنهار وجدا على سطح الأرض معا فلا يمكن أن يكونا على هيئة التكوير إلا إذا كانت الأرض نفسها كروية. بحيث يكون نصف الكرة مظلما والنصف الآخر مضيئا, فلو لم تكن مساحة الليل والنهار متساوية. بحيث يبدو أحدهما شريطا رفيعا في حين يغطي الآخر معظم المساحة, ما كان الاثنان على هيئة كرة.... لأن الشريط الرفيع في هذه الحالة سيكون على شكل هندسي آخر غير الكرة حسب المساحة التي يحتلها فوق سطح الأرض.

ولم تظهر كروية الأرض للناس وهي تسبح في الفضاء إلا عندما أطلق الروس القمر الصناعي الأول " سبوتنيك" في مداره حول الأرض في أكتوبر 1957م واستطاع العلماء الحصول على صور واضحة لكوكب الأرض بواسطة آلات التصوير التي كانت مثبتة في القمر الصناعي وفي عام 1966 م هبط القمر الصناعي " لونيك 9"بأجهزته المتطورة على سطح القمر ،و أرسل لمحطات الاستقبال على الأرض صوراً عن كوكب الأرض, وهذا دليل دور المراقب الذي يدرس الجملة وهنا المراقب خارجي(بعيد عن الأرض) والأرض بالنسبة لهذا المراقب متحركة.

 

إذاً مما سبق نستنتج أن الأرض ساكنة بالنسبة للكائنات الموجودة على سطحها ومتحركة بالنسبة للمراقب البعيد عنها (الموجود في الفضاء).

(3)- كيف عبر القرآن الكريم عن الحالتين معا ؟

قال تعالى: ( وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ) سورة النمل ( 88)

الحالتين معا عندما نقرأ هذه الآية الكريمة ونحن نرى أمامنا الجبال ثابتة لا تتحرك ندرك أننا رؤيتنا للجبال الثابتة ليست يقينية لقوله جل ّوعلا: ( تَحْسَبُهَا جَامِدَةً ) فما دمنا نحسب فليست هذه الحقيقة, لأن الحقيقة أن الجبال تتحرك مع الأرض بحكم دوران الأرض حول محورها ودورانها حول الشمس, وبالتالي نستقرأ من الآية الكريمة أننا والجبال والأرض جملة واحدة فتبقى الأجسام المحيطة بنا ساكنة لا تتحرك لأننا من الفئة الأولى ( المراقب الداخلي), وخير مثال على هذا الأمر السيارة المسرعة التي يقودها السائق الجالس على كرسيه ومعه صديقه الذي يحدثه والذي يظنه ساكنا لا يتحرك لأن المسافة بينهما بقيت ثابتة, والسائق وصديقه والكرسي أجسام ساكنة بالنسبة لبعضها, أما الإنسان الواقف على الرصيف يدرك أن السيارة وما تحويه تتحرك لأن المسافة تتغير بينه وبينها باستمرار.

- آراء المفسرين الأوائل:

قال الذهبي في مختصر العلوم، ص 73:

" الأرض في وسط السماء كبطيخة في جوف بطيخة، والسماء محيطة بها من جميع جوانبها، وأسفل العالم هو جوف كرة الأرض، وهو المركز، وهو منتهى السفل.

 والتحت ـ وما دونه ـ لا يسمى تحتاً، بل لا يكون تحتاً، ويكون فوقاً، بحيث لو فرضنا خرق المركز ـ وهو سفل العالم ـ إلى تلك الجهة، لكان الخرق إلى جهة فوق.

 ولو نفذ الخرق جهة السماء من تلك الجهة الأخرى، لصعد إلى جهة فوق.

 وبرهان ذلك: أنا لو فرضنا مسافراً سافر على كرة الأرض من جهة المشرق إلى جهة المغرب، وامتد مسافراً، لمشى مسافراً على الكرة إلى حيث ابتدأ بالسير وقطع الكرة مما يراه الناظر أسفل منه، وهو في سفره هذا لم يبرح الأرض تحته والسماء فوقه.

فالسماء التي يشهدها الحس تحت الأرض، هي فوق الأرض لا تحتها؛ لأن السماء فوق الأرض بالذات ".

وقال ابن النفيس في شرح كتاب تشريح قانون ابن سينا، ص 112:

معللاً سبب عدم رؤية الأجسام من بعيد.. " هذا يتم سواء كانت العين مرتفعة أو منخفضة، ولكن العين المرتفعة ترى أكثر مما إذا كانت غير مرتفعة. وسبب ذلك ليس زيادة قوتها أو زيادة إدراكها، بل إن تشكُّل الأرض كرة، فالبعيد جداً ما هو على ظاهر الأرض ينستِر عن الرؤية بحدبة الأرض ".

جاء في تفسير البحر المحيط 7/80

" قال أبو عبد الله الداراني: ثبت بالدليل أنّ الأرض كرة، ولا ينافي ذلك قوله: مد الأرض، وذلك أنّ الأرض جسم عظيم. والكرة إذا كانت في غاية الكبر كان قطعة منها تشاهد كالسطح.

 و قال الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله في تفسيره مفاتيح الغيب ج19 ص1

في تفسير قوله تعالى: " وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " [الرعد: 3].
قال الرازي: " المد هو البسط إلى ما لا يدرك منتهاه، فقوله: " وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ ". يشعر بأنه تعالى جعل حجم الأرض حجماً عظيماً لا يقع البصر على منتهاه، لأن الأرض لو كانت أصغر حجما مما هي الآن عليه لما كمل الانتفاع به... والكرة إذا كانت في غاية الكبر، كان كل قطعة منها تشاهد كالسطح "".

وقال كذلك في تفسيره مفاتيح الغيب21/142 قال: " ثبت بالدليل أن الأرض كرة وأن السماء محيطة بها، ولا شك أن الشمس في الفلك.. ومعلوم أن جلوس قوم في قرب الشمس غير موجود، وأيضاً الشمس أكبر من الأرض بمرات كثيرة، فكيف يعقل دخولها في عين من عيون الأرض ؟ إذا ثبت هذا فنقول: تأويل قوله: " تَغْرُبُ فِيْ عَيْنٍ حَمِئَةٍ "من وجوه.. أن ذا القرنين لما بلغ موضعها في المغرب ولم يبق بعده شيء من العمارات، وجد الشمس كأنها تغرب في عينٍ وهدةٍ مظلمةٍ ـ وإن لم تكن كذلك في الحقيقة ـ كما أن راكب البحر يرى الشمس كأنها تغيب في البحر إذا لم ير الشط، وهي في الحقيقة تغيب وراء البحر.

ومن هذا كله ندرك أن الحركة مفهوم نسبي, فسبحان الذي بعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم لكافة البشر وعلمه وأنزل على قلبه القرآن الكريم فيه آيات بينات وعبر ليعلمنا به ونتدبر ونتفكر.

والله أعلم .

المراجع:

القرآن الكريم

 من الإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.55a.net

كروية الأرض بقلم الأستاذ فراس نور الحق.

 الأرض في القرآن الكريم للأستاذإبراهيم طرابية.

 الإسلام و الحقائق العلمية تأليف : محمود القاسم.

الإعجاز العلمي في القرآن الكريم أ. د حسن أبو العينين .

مفاتيح الغيب ج19 ص1.

كتاب الفيزياء الثاني الثانوي العلمي (وزارة التربية/سوريا)

مختصر العلوم للإمام الذهبي ، ص 73.

 مختصر العلوم للإمام الذهبي ، ص 73.

 تفسير البحر المحيط 7/80

 شرح كتاب تشريح قانون ابن سينا، ص 112.

 

 

مواضيع ذات علاقة

اسم الموضوع

هجري

تاريخ الموضوع

الإعجاز في علوم الأرض في القرآن الكريم

30 شعبان 1429

2008/08/31