بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مرحبا بكم مع الشيخ خالدالمغربي - المسجد الأقصى

030

الروم

آية رقم 023

وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ

صدق الله العظيم

 

ومن آياته منامكم بالليل
 
 قال تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) (الروم:23)

قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً) (الفرقان:47)

مضار السهر و العمل في الليل :

لقد ذكر الله أن من الأدلة الدالة على قدرته و عظمته  هو منامكم بالليل والنهار ، فسوف نطوف بالقارئ الكريم حول حقائق النوم ، و العمليات التي تتم داخل جسم الإنسان أثناء النوم ، و النظريات التي فسرت النوم و إلى غير ذلك ، وذلك لنبين أن النوم من العمليات المعقدة التي تدل على عظمة الخالق سبحانه وتعالى و قدرته .

الله تعالى لما خلق الإنسان و هو أعلم به قال تعالى : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الملك:14)،  فهو صممه على أساس أن ينشط و يعمل في النهار و ينام ويستريح في الليل ، أما عندما يخالف  الإنسان هذا النظام فإنه يعرض نفسه إلى مشاكل صحية فقد أجريت دراسات على العمال الذين يعملون ليلاً  فوجد أن ساعتهم الداخلية تضطرب بشدة ..! كما أنها ستأخذ وقتاً ، حتى : " تتكيف " مع الوضع الجديد و تتعود عليه .

و قد تستقر بعض النشاطات الجسمية في وقت قصير ، مثل ضربات القلب ، و إفرازات الإدراينالين و النور أدراينالين .. إلا أن نشاطات كثيرة أخرى قد تتطلب أياماً و أحياناً أسابيع حتى تستقر ، و تتعود على " الدورة الجديدة " و " الوضع الجديد " !.

و خلال فترة " التكيف " و العودة هذه ، عادة ما يحدث أن الوظائف الفسيولوجية الجسمية لا تكون قادرة على التآزر و التعاضد مع بعضها !.. و هذا بلا شك ، يؤدي إلى تغيرات الإنجاز و تغيرات في الإتقان و الأداء !!.

كما سوف يقل الإنتاج ، و تقل القدرة على التركيز ، و يصاب الشخص بالأرق .

و ليس ذلك فحسب ! ... فمن الدراسات الطريفة التي قامت بها باحثة تدعى براون ، هو أنها درست الحياة العائلية و الأحوال الصحية لعمال ورديات الليل والنهار ، فتبين لها أنه تظهر عليهم  أعراض النوم غير المنتظم ، فهؤلاء يتعرضون لقلة النوم و الإرهاق .. فنومهم أقل مجلبة للراحة .. كما أن اضطرابات الجهاز الهضمي المعدي المعوية منتشرة بينهم !.. و السبب في ذلك بالإضافة إلى قلة النوم ، هو أنهم عادة ما يتناولون وجبات أقل انتظاماً و تغذية !.. و يستهلكون مقداراً أكبر من المنبهات مثل الكافئين ( الشاي و القهوة ) و التبغ ، ( لاسيما في مناوبات الليل ) !.

كما أنهم يعانون من التفكك العائلي ! حيث أن ساعات العمل الشاذة تخلخل المقاييس العائلية بخلقها جواً مناسباً  للخيانة الزوجية !.. كما و يسبب التغرب عن أفراد العائلة و الأصدقاء ، الذين يعملون في ساعات النهار العادية !.

قال تعالى : ( قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً إلي يوم القيامة ، من إله غير الله يأيتيكم بليل تسكنون فيه ؟ أفلا تبصرون ) [سورة القصص : 72].

لقد تمت بعض التجارب  على الحيوانات .. فعرضت لضياء مستمر ، و نهار دائم ، فاختلت " توتراتها اليومية " و تأثرت تأثراً بالغاً !.

و رغم أن " الساعة البيولوجية " حاولت التكيف مع هذا الضوء المتصل إلا أن :

كل الأبحاث الحديثة ، تشير إلى عطب في تنظيم الحرارة !. و هذا الأمر من الأهمية ، و له من الخطورة ، و له من الحيوية .. الشيء الكثير !

و تشير إلى أن الجهاز التناسلي لهذه الحيوانات ، أصيب بتغيرات غريبة !!

فلقد شوهد مثلاً عدم انتظام الدورات التناسلية ، وقصرها عند البط الذي عرّض للضياء الصناعي المستمر !.

كما وجد أيضاً ، عند الثديات عديدات الدورات النزوية أن التعرض الطويل ، أو المستمر للضوء ، يغير في الوظيفة المبيضية أو الخصيوية على السواء !.

قال تعالى : (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (القصص:73) .

 

الغدة الصنوبرية و النوم :

الغدة الصنوبرية :

الغدة الصنوبرية ، غدة صغيرة لا يزيد وزنها عن ( 120) ملغ ! لا تزيد عن ( 5ـ9) ملم طولاً ، و ( 3ـ 6) ملم عرضاً و (3ـ 5) ملم سماكة

موجودة على الوجه الخلفي العلوي للبطين الثالث ، أحد الأجواف الموجودة في الدماغ ، أمام الحديبات التوأمية الأربعة ، عناصر موجودة في الدماغ هذه الغدة تقوم بوظيفة ناقل عصبي صماوي ، أي غدة صماء تلقي بمفرزاتها في الدم ، حيث أنها تتلقى معلومات دورية ، عصبية ودية ، تنشأ عن تأثير الضوء المحيطي على شبكية العينين ، و استجابة لهذه المعلومات .

و نتيجة لعمل خميرة ( 5-Hydrox-Indol-o-Methyl Transferase)

و التي توجد بكمية كبيرة ، فقط في هذه الغدة ، يتركب الميلانونين الذي لم يكتشف إلا في عام 1958م ، و يفرز في مجرى الدم أو السائل الدماغي الشوكي ، ليعمل على الدماغ ، مؤثراً على عدة أحداث فيزيولوجية .

مثل : بدء البلوغ و الإباضة والنوم ، و قد يؤثر تأثيرات فيزيولوجية مباشر على الغدد التناسلية ، مثبطاً نضجها ووظائفها .

فلقد وجد أنه عندما تزرع كميات ضئيلة منه في الناتئ المتوسط لتحت المهاد أو في تشكلات الدماغ المتوسط تتوقف الزيادة التي يحدثها " الإخصاء " عادة ، في الحاثة الخلالية النخامية .

و كذلك يكبح الميلاتونين  المحقون في السائل الدماغي الشوكي ، إفراز الحاثة الخلالية النخامية ، كما أنه يزيد من إفراز البرولاكتين أي هرمون اللبن .

و من الممكن أن يكون له أيضاً تأثير مثبط على وظائف الغدة الدرقية ، و قشر الكظر .

كما يؤثر أيضاً على السلوك . و على تخطيط الدماغ الكهربائي ...

كما أن إعطاءه يغير من مستوى السيروتونين في الدماغ .... والسيروتونين مادة لها تأثير فيزيولوجي حيوي على الجسم .. لأنها تقبض العضلات الملساء في الأوعية الدموية ، والقصبات ، و الأمعاء ، كما تنبه أو تثير الدماغ !

و نتيجة لتبدل تأثير الضوء المحيطي ما بين ليل و نهار ، ظلمة و ضياء ... فإن إنشاء الميلاتونين و إفرازه يتبدل دورياً خلال الأربع و العشرين ساعة اليومية ..

فالضوء المحيطي هو الذي يضبط تركيبه و إفرازه .. و هذا التغير في إفرازه يزود الجسم " بساعة منظمة " دائرية ، تخضع مباشرة للضوء في المحيط ..

فالضوء يزيد الـ FSH [ أي الحاثة الجريبية التي تحرض نمو الجريبات في المبيض عند الأنثى ، مما يؤدي إلى نضج الجريب و حدوث الإباضة ، و إفراز الأستروجين .. و تؤدي عند الذكور إلى تحريض الأنابيب المنوية في الخصيتين لتكوين الحييات المنوية أو الأنطاف ، أيت تشكل النطف ] في النخامة ..

بينما يزيد الظلام الـ LH [ أي الحاثة الخلالية ، و هي تساعد الحاثة الجريبية على الإباضة و إفراز الاستروجين .

كما تحث على تكوين الجسم الأصفر ، الذي يفرز البروجسترون و الاستروجين ، عند الإناث . و عند الذكور تسمى ICSH، و هي في حالتي اليقظة و النوم ، لا يقتصر على الدماغ و الأطراف ، بل هو يشمل أجهزة الجسم المتعددة و أقسامه المختلفة و لذلك فإن رجحان " الميزان السرير" من جهة الرجلين أثناء النوم ، إنما يتم بتوزيع  الدم بين جوف البطن و الأطراف ، و ليس نتيجة لزيادة الدم الآتية من الدماغ .

أهم النظريات التي تحدثت عن أسباب النوم :

نظرية النوم الكيماوية :

يتم في أثناء اليقظة العديد من النشاطات الجسمية ، فهناك . . غدد تفرز و عضلات تتحرك و قلب يخفق ! فكر يعمل ، عين تبصر ، بول يفرز ! أمعاء تتقلص و طعام يهضم ! .. و هكذا ..

و عشرات الوظائف الحيوية الفيزيولوجية تعمل !

و مئات بل آلاف من العمليات الكيمائية تتم !.

و كأي عمليات كيميائية ، فلابد من نواتج عنها ، أو " فضلات " و " شوائب " يلزم طرحها و التخلص منها من أجل استمرارية هذه العمليات .

فالجسم أثناء نشاطه هذا ، النشاط العضلي و النشاط العصبي ، في حالة اليقظة ، ومن خلال العمليات الكيماوية الحيوية ! و علميات الاستقلاب  ( الأيض Metabolisim ) و احتراق الطاقات المختلفة ، ومن خلال هذه السلسلة من النشاطات و الفعاليات  ، فإنه يتشكل فيه العديد من " الفضلات " و "السموم " !

هذه " الفضلات أو " المواد السامة " أو " المستقبلات الناهية " و تسمى أيضاً  " سموم منومة " أو " مواد متعبة " ، تزداد تدريجباً في الدم ، و في السائل الدماغي الشوكي ، لاسيما لدى  من يجبر على البقاء في حالة يقظة مدة طويلة ، و تتركز عند الدماغ و الجهاز العصبي ، لاسيما حذاء " التشكلات الشبكية " ، بمقدار يكبح نشاطهما .. فيشعر الإنسان بالخمول و النعاس ! .. ثم تزداد حتى تؤدي إلى " إنسمام " الدماغ ! فيحدث النوم .

و أثناء النوم ، و هدوئه و سكونه ، و هموده و خموده !.. يتخلص الجسم من هذه النواتج الضارة عن طريق انحلالها ،وتأكسدها ، فيستعيد الجهاز العصبي نشاطه ، و عندها يستيقظ الإنسان

و لكن ما هي هذه : المستقبلات الناهية " أو " السموم المنومة " !؟

إن متشينكوف ، تلميذ باستور ، يوضح لنا بعضاً منها ، حسب معارفه و علومه ! فيقول : " ارتأى ، بعض من درس هذا الموضوع ، أن عمل الأعضاء يولد مواد سماها " بوتوجين " تجلب الشعور بالنوم . و قال أنها تتجمع باليقظة ، و تنحل بالنوم بواسطة التأكسد .

و أن " حامض اللبن " أهمها عملاً ، استناداً إلى أن هذا الحامض يساعد على النوم .

و قام عالمان فرنسيان هما هنري بيرون و ليجدر و ذلك في عالم 1913 فقاما بالحلول بين عدد من الكلاب والنوم لفترة من النوم لفترة طويلة نسبياً ، بحيث يبدوا أنها قد أشرفت على الإجهاد و الإعياء ، و عند ذلك يعمدون إلى مصول دمائها فيأخذونها و يحقنون بها في أوردة كلاب أخرى ، قد أيقظت لتوها ، بعد أن نامت نوماً جيداً ، فبدت في حالة قوية ، نشطة ، و في حالة يقظة تامة ، فيجدون أن تلك الكلاب تستسلم فوراً للنوم عقب هذا الحقن !

و أعادوا التجارب بأشكال أخرى ....

فبعد أن حرموا كلاباً من النوم لمدة عشرة أيام متتالية ، متتابعة ، أخذوا منها " السائل الدماغي الشوكي " ثم حقنوا هذا السائل المأخوذ ، في البطينات الدماغية ( التجاويف المخية ) لكلاب أخرى في حالة نشطة ، و في حالة يقظة تامة ، بعد أن نامت نوماً مريحاً فوجدوا أيضاً نفس النتيجة السابقة ، حيث استسلمت هذه الكلاب للنوم ، عقب ذلك الحقن فوراً .

ونتيجة لهذه التجارب ، قرر العالمان الفرنسان ، أن النوم ، إنما يحصل بفعل نشوء " توكسينات النوم " أو " التوكسينات المخدرة " ، أي " المواد المنومة " و التي تتجمع في الدم و في السائل الدماغي الشوكي ، و تؤدي إلى " إنسمام " الدماغ؟ .. و بالتالي إلى النوم .

و من جهة أخرى ، نرى أن العالم الفسيولوجي السويسري  " إدوارد كلاباريد " يقول بنفس الرأي .

و قام باحث أمريكي ، يعمل أستاذاً لعلم وظائف الأعضاء   ( الفسيولوجيا ) في جامعة هارفرد الأمريكي ، هو الدكتور " جون بنهايمر " ، و معه من العلماء المساعدين هم : " مانفرد كارفسكي " ، و " جيمس كروجر" يجرون أبحاثاً علمية واسعة النطاق من أدل عزل " مادة النـوم الطبيعيـة " أو تلك " السموم " التي تحـدث عنهـا " بيرون "..

و عوضاً عن " كلاب بيرون المرهقة " فإنهم اتخذوا " الماعز " وسيلة للتجريب .

و حرموها من النوم لمدة يومين ، و من السائل الدماغي الشوكي لها ، أخذوا كما فعل بيرون بكلابه ، مقادير صغيرة ، ثم حقنوا هذه المقادير في أدمغة بعض الأرانب و الفئران ، فنامت على الفور .

و عندما أعيدت التجربة ، باستخدام مقادير من " السائل الدماغي الشوكي " لماعز أنفق ليله في النوم ، لم تكن لتلك المقادير ، أي تأثير على الأرانب و الفئران . فاستخلصوا من تلك التجارب أن " السائل الدماغي الشوكي " يحتوي على مادة تؤدي إلى النوم ، أطلقوا عليها اسم " عامل النوم " و اختصار العامل س .

إلى هنا و " التجربة الأمريكية لا تختلف عن " التجربة الفرنسية .. سوى في الأسماء .

و لكن الأمريكيين ، تابعوا المسيرة .. يريدون أن يعرفوا ، ما هي هذه المادة بالضبط .

و ما هو تركيبها . و ما هي مقاديرها .

 

و قضوا أربع سنوات و هم يجمعون السائل الدماغي الشوكي من الماعز المرهق المحروم من النوم ... و في نهاية السنوات الأربع ، لم يتجمع لديهم سوى جالون و نيف ، بالمقياس الأمريكي ، من السائل الدماغي الشوكي .. و هي كمية لا تكفي للتحليل و البحث و التنقيب .

فانصرفوا عن " الماعز " إلى الأرانب .. و استمروا يجمعون تلك المادة ، من مخاخ " الأرانب " حتى وصوا إلى " 15 ألف أرنب .. و لكنهم فوجئوا بأن تلك الكمية ، قليلة أيضاً و لا تسمح بتحليلها كثيراً و لا قليلاً .

و عندها تحولوا إلى " الإنسان " و بالتحديد إلى " بوله " لجمع المادة المطلوبة .. و بلغت الكمية التي استطاعوا عزلها من كمية " ألف جالون أمريكي من البول 30 ميكروغرم فقط ( أي يلزم 126مليون ليتر من البول [أي حوالي126ألف طن ] لنحصل على غرام واحد فقط من هذه المادة ).

و على الرغم من ضآلة هذه الكمية .. إلا أنها كانت كافية لتحليلها ، و تحديد بنيتها الكيماوية .

و هنا تفوق : الأمريكان على الفرنسيين .. إلا أنه كان تفوق التقدم العلمي و المسيرة العلمية ، السائرة أبداً نحو الأمام .

و هكذا و مع مطلع عام 1982 و بعد أكثر من عقدين من الزمن ، من تجارب متكررة .. أكد فريق هارفرد ، و على رأسهم " جون ينهايمر كما ذكر أن " مادة النوم الطبيعية " قوامها أربعة أحماض و هي : 

Muramic Acide  ، Diaminopimeli Acide  ،Alanine  ، Glutamin Acide

و المادتين الأخيرتين ، معروفتان بوجودهما في البكتيريا ، أما وجودهما في جسم الإنسان ، فلم يكن معروفاً قبل ذلك :

و عندما جربوا حقن " مادة النوم الطبيعية " هذه في الأرانب ،وجدوا أنها تضاعف مدة النوم التي تحتاجها هذه الأرانب ضعفين إلا ربعاً ! أي       ( 1.75) .. فلو كانت مدة النوم هي 40% من ساعات اليوم ، لأصبحت 70% من تلك الساعات ، نتيجة لتناول مادة النوم هذه .. و ذلك دون التعرض للآثار الجانبية التي تحدثها مواد النوم الكيماوية ! حيث أنها تختلف عن " الحبوب المنومة"  ، و ذلك على حد قول بنهايمر ، فهي لا تجبر حيوانات التجارب ، الأرانب هنا ، على النوم " فتأثير المادة لا يحدث إلا إذا كانت الحيوانات ، تشعر بالأمان و تمر بظروف عادية ، عند ذلك فإن الحيوانات تنام بشكل طبيعي بعد حقنها بهذه المادة "!

 

النظرية الموضعية للنوم : (مركز النوم الدماغي ):

في القرن الماضي كان جراحو الأعصاب يجرون عملياتهم الجراحية الدماغية ، دون الاستعانة بالتخدير ، و أثناء وجود المريض في حالة يقظة !

و خلال هذه العمليات ، شاهدوا أن مريضهم " الصاحي " يستسلم فجأة " للنوم " في حالات معينة ، عندما تمس أدواتهم الجراحية ( تجمعاً ) معيناً من الخلايا العصبية الموجودة في بعض المناطق العميقة ، داخل الدماغ !

و دفعتهم هذه المشاهدات ، و الملاحظات إلى افتراض وجود " مراكز للنوم " !

فلابد أن تكون تلك " التجمعات من الخلايا العصبية " مسؤولة عن النوم ، و مسيطرة عليه ! و إلا لماذا ينام هذا المبضوع " الصاحي " بمجرد أن تمس تلك " التجمعات "

و إن افتراض وجود " مراكز للنوم " ليس بالأمر المستغرب .

فالنوم عملية فسيولوجية ، و ظاهرة ذات شأن في حياة الإنسان ، ولا تقل أهمية ، بأي حال من الأحوال ، عن العمليات الفسيولوجية و الظواهر الأخرى المهمة في حياة الإنسان ، مثل التنفس و ضربات القلب ، والشهية ، و الإحساس بالعطش .. الخ ... و كل هذه العمليات و الظواهر ، معروف لها مراكز عصبية موجودة في الدماغ ، تنظمها و تسيطر عليها !

فما وجه الغرابة إذن في وجود مراكز للنوم في الدماغ ، يوجهه و يشرف عليه ، و يكون مسؤولاً عن حدوثة ، و يتحكم فيه ، و هو لا يقل ( أي النوم ) أهمية عن تلك الظواهر و العمليات التي لها " مراكز دماغية " ؟

و لقد كانت ، هناك دلائل ، و ملاحظات أخرى تدعم هذه " الفرضيات " في بدء ظهورها أو بالأحرى هي التي دعت إلى " افتراضها " .

فلقد لاحظ عالم الفسيولوجيا النمساوي " أكونومو " أن المرضى الذين يموتون نتيجة بالتهاب الدماغ ، كانوا يبدون قبل وفاتهم اضطرابات في النوم ، مثل الوسن و النعاس و النوم المتواصل .

و لما تم تشريح جثثهم .. وجد أن التغير المرضي الالتهابي ، إنما يكمن في أجزاء الدماغ القريبة من قاعدته .

و لقد دعته هذه المشاهدات ، إلى أن يفترض وجود مركز للنوم في تلك الأجزاء هو الذي أدى نتيجة إصابته إلى اضطرابات النوم التي لوحظت قبل الوفاة !

كما أن العالم " موتنر " قد لاحظ نفس الملاحظات .

و صرح في عام 1890م أن حالة النوم ن التي لوحظت و شوهدت ،خلال جائحة ، مرض النوم ( التهاب الدماغ النومي ) إنما تعود إلى تخريب بعض المناطق الدماغية ، نتيجة الآفات الالتهابية ..و حددها هذه المناطق في " المادة الرمادية " حول " بطيبنات الدماغ " !

و بعد موتنر ، كشف " هولزر " في إحدى وافدات التهاب الدماغ ، بؤرة تصلب متسعة تناولت قسماً من اللطخة السوداء من جهة ، و المنطقة الرمادية المحيطة بقناة " سيلفيوس " و القسم البطيني من البطين المتوسط من جهة أخرى .

كما أن " بت " طرح في سنة 1923مشاهدة طريفة ، شاهدها في مصاب كان يدمن الكحول ، أصابه شلل عيني فجائي استولى على جميع العين اليمنى ، و كان شللاً ناقصاً في اليسرى ، و زاد عليه فرط ميل إلى النوم ، لا يغلب .

و حين فتح جثته بعد موته ، كشف الفحص بؤرة تلين متسعة ، تمركزت في السويقة الدماغية ، بين اللطخة السوداء ، و قناة " سيلفيوس " و كانت النواة الحمراء في الأيمن سليمة ، أما في الأيسر ، فقد تناولتها الآفة بأجمعها ، و امتدت منها إلى السرير البصري الأيسر حتى الخط المتوسط .

و ذكر لوكش مشاهدة تظاهرت بالميل إلى النوم ، كشف معها وجود بؤرة عقب إصابة المريض بالتهاب الشغاف خربت المادة السنجابية الكائية في القسم الخلفي من البطين المتوسط ، و تناولت معها أيضاً القسم الأوسط من جدار قناة " سيلفيوس " و  قد امتدت استطالة صغيرة منها نحو النواة الأنسية من السرير البصري و الحديبة التوأمية اليمنى .

و أثبت " بوغايرت " من جهة أخرى توضع آفة مخربة في المنطقة المجاورة لقلنسوة السويقة المخية ، سببت في المصاب ازدياد الميل إلى النوم ، مع فالج في الشق الأيسر ، و لقوة و شلل في العصب الاشتياقي في الشق الأيمن ، و رافقها تناذر ارتجاجي عضلي .

أما عالم الفسيولوجيا السويسري ، فلقد كان من أنصار هذه النظرية " نظرية مركز النوم" أو بلأحرى من أشد القائلين بها ، حتى أنها كثيراً ما تقترب بإسمه ‍ و لقد أجرى تجارب خبرية عديدة ، لاثباتها ، و تداعيمها .

فكان يخدر حيواناته المخبرية و هي القطط ، ثم يفتح في جماجمها ثقباً يدخل فيه قطبين كهربائيين هما عبارة عن سلكين معدنين دقيقين ، و معزولين ، إلا  في نهايتها ، بحيث يلامسان موضعاً من مواضع الدماغ ، يحدده و يعرف مكانه التشريحي ‍

و بعد انتهاء من هذه العملية الدقيقة ، كان يخيط الجروح ، ثم يترك الحيوان حتى يشفى و " تندمل جراحه " فإذا كان الحيوان في " عافية " بعد ذلك ، عمد عندها ، إلى إمرار التيار الكهربائي في السلكين المغروسين في الدماغ ، منبهاً المنطقة المقصودة . و ملاحظاً ، و مسجلاً ما يطرأ على الحيوان من تغيرات .. و تبدلات. 

و من تبديل موضع " سلكيه" و تغير الأمكنة.. و تعدد التجارب .. و توصل إلى أنه إذا كان السلكان مغروزين في منطقة معينة من الدماغ تسمى " المخ الفاصل أو البيني أو العميق أو الدماغ المتوسط أو مضيق الدماغ أو سرير المخ . و تم التنبيه ، فإن القطة ، التي كانت في حالة يقظة ، تمر بجميع الخطوات و المراحل اللازمة للنوم . من البحث عن مكان مناسب ، و التقوس في الموضع المألوف المميز لها ‍ ، ثم تغلق عينيها ، و بعد دقائق قليلة ، تسغرق في النوم العميق .‍

و في تجارب " حديثة " تبين أن التخطيط الدماغي الكهربائي ، المرافق لمثل هذه التجربة لا يختلف في نمط موجاته ، و إيقاعاته ، عن النمط الخاص بحالة من النوم الطبيعي .

كما وجد أنه يمكن ، إيقاظ القطة " لحظياً " بواسطة منبهات مثل الصوت العالي أو رائحة اللحم ‍ على أنه إذا كان التنبيه مستمراً ، فإنها تميل ، لأن تعود إلى حالة النوم ‍

و لقد وجد هيس أن تخريب هذه المنطقة ، و إتلافها تجريبياً ، يؤدي أيضاً إلى حدوث النوم .

أما عندما كان السلكان في مناطق أخرى من الدماغ ، فإن "بعث " التيار الكهربائي فيهما ، لم يؤدي إلى النوم .

إذن لابد أن تكون هذه المنطقة هي المسؤولة عن النوم ، و هي مركزه ‍

هكذا رأى " هيس " و تجاربه لا غبار عليها . فلقد جرب بعض العلماء السوفيت مثل تجاربه ، و أفضوا إلى مثل نتائجه‍ا .

و أنا أعتقد أن النوم يحدث نتيجة تكامل بين النشاط الغددي الكيماوي ، و المراكز الموضعية المركزية .

النوم ضرورة حياتية :

و ليس " عادة موروثة " فالإنسان ، و الحيوان ، إذا لم ينم ظهرت عليه .. علامات الإعياء و تضاءلت كمية عمله ، و نوعه ، و دقته ، كما ينقص وزنه ..

لقد أجريت تجارب على الحيوان و الإنسان بحرمانه من النوم ، و معرفة تأثير ذلك عليه .. و هل النوم " ضرورة أم لا حادة له .. و هل يمكن الاستغناء عنه أم لا ...‍؟

لقد أخذت حيوانات ، كالكلاب مثلاً ، و أعطي فريق منها غذاءه الكامل و لكنه حرم من النوم .. و أما الفريق الثاني ، فقد حرم من الغذاء ، ولكنه ترك لينام كما يشاء ..

فبعد خمسة أيام ، وجد ان الكلاب التي حرمت النوم ، لم يبق منها أحد على قيد الحياة . و ذلك بخلاف التي حرمت من الغذاء ، و تركت لتنام ، فقد قاومت الجوع عشرين يوماً ..

و في تجارب أخرى ، استطاعت الكلاب المحرومة من النوم ، فقد قاومت الجوع عشرين يوماً ...

و في تجارب أخرى ، استطاعت الكلاب المحرومة من النوم ، أن تقاوم حتى اليوم الثامن عشر ، أو العشرين ثم نفقت و هلكت .. رغم أن بعضها يأخذه النوم على الرغم من كل حائل دونه ..

و لقد وجد العلماء ، تغيرات أساسية في خلايا قشر دماغها ، بد مدة حرمان من النوم ، تزيد على أسبوع ....

و عند الإنسان ، وجدوا بالتجارب ، أنه لا يتحمل فقدان النوم ، أمداً طويلاً .. و هو عن فقدانه أعجز منه عن فقدان الطعام و الجوع ..

فلقد أجريت تجارب على الإنسان ، منذ عام 1896لمعرفة ما يحدث للجسم ، سواء من الوجهة السلوكية ، أو الفسيولوجية ، أو البيوكيميائية ، عندما يحرم من النوم.

و لقد وجد أنه عندما يحرم الإنسان من النوم لفترة قصيرة ، فإنه يشعر بالتعب العام ، و الإرهاق ، و ثقل في جفون العين ، و جمودها ‍‍‍‍‍‍‍...‍‍

و عندما يكون الحرمان التجريبي من النوم ، بفقدانه لليلة واحدة ، وجد العلماء و علماء النفس ، أن الأعمال القصيرة الأجل لا تتأثر .... و أن النقص في الأداء لا يحدث إلا إذا تطلب العمل تركيز الفترة ، نصف ساعة أو أكثر ..

كما وجدوا أن من العوامل الحاسمة في الموضوع ، نمط العمل أو النشاط الذي يقوم بـه المرء ...

فالأعمال البسيطة نسبياً ، و الأعمال التكرارية ، تتأثر أكثر من غيرها ...

مراقبة أجهزة عرض ، و ذلك لملاحظة حدوث أي إشارات ضئيلة عارضة ، و ذلك على نحو متصل .. كما هو الحال في عمل المراقبة من على ظهر السفينة مثلاً ..

و كذلك اتخاذ القرارات التكرارية البسيطة ، كما هو الحال في تصنيف الحروف الأبجدية .

و أما الأعمال التي تتطلب حساباً أو تعليماً ، فهي أقل تأثيراً بنقصان النوم ..

فإذا وصلنا إلى الأعمال التي تتطلب اتخاذ قرارات معقدة ، أو حل مشكلات ، و التي يبذل فيها جهد عقلي كبير ، فإنها تظل دون أن تتأثر على الإطلاق ، حتى و لو استمرت لفترة ساعة أو أكثر .. و حتى لو مضى يومان أو ثلاثة دون نوم .....

و لعل الغريب في حالة عدم النوم ، هو ليس ، مقدار تعطيله للأداء ، و إنما درجة التغلب على تأثيره ، إذا كان العمل ، و بخاصة تعقيده ، على درجة كافية من إثارة الاهتمام و الاستثارة ..

فهل يعني هذا ، أن الشخص المحروم من النوم ، لا يختلف عن الشخص العادي ، في مثل هذا غير صحيح ..

ففي إحدى الدراسات طبقت مقاييس التوتر العضلي ن على مجموعة من الأشخاص ، الذين لا ينامون ، أثناء قيامهم ، بسلسلة من الأعمال الحسابية ، و لوحظ أن مستوى التوتر العضلي ، يظل عادياً ،عند أؤلئك ، عند الذين يتدهور أداؤهم .. و لكنه ارتفع ( أي التوتر العضلي ) عند أولئك الذين ظلوا يؤدون أداءً عادياً رغم فقدان النوم ..

و معنى ذلك أن الأداء العادي ن عند المجموعة الأخيرة من المجرب عليهم ، لم يتم الوصول إليه ، إلا على حساب جهد فسيولوجي زائد ..

و على ذلك ، فسواء من الوجهة السلوكية ، أو الفسيولوجية ، يبدوا أن الكفاءة تتناقص حينما يفقد النوم .

و عندما يكون الحرمان التجريبي من النوم ، لفترات أطول من 12 ساعة ، فإن هذا يسبب ، تبدلات فسيولوجية و نفسية ، و حركية ، و كيميائية حيوية ..

هذه التبدلات يكون فيها .. النقصان عن الحد الطبيعي ، أكثر من الزيادة بحسب رأي العالم تيللر ...

سعة العمل الشاق ، و المهارات النفسية الحركية أن تجري الاختبارات بدون حاجة للانتباه المدعوم ! ) و سكر الدم ، و المدخر القلوي ، و خضاب الدم ، و تعداد كريات الدم البيضاء و الحمراء ، ووزن الجسم ، و حرارة البدن ، والاستقلاب الأساسي ،و الاطرح البولي لمادة 17 ـ كيتوستيروثير !

و إلى جانب هذه التبدلات الكثيرة ، التي تأثرت " قيليلاً " من حالة الشدة الناجمة عن فقدان النوم ، فإنه تظهر عادة ، تبدلات هامة تتناول النشاط الكهربائي للدماغ ، مع اضطرابات نفسية عديدة .

فمخطط الدماغ الكهربائي ، تبدأ بتدلاته ما بين الساعة 36 ـ 50     (   من الحرمان من النوم ) ، و تمتاز هذه التبدلات بشكل رئيسي ، بظهور زيادة في الزمن الذي تشغله الموجات العالية التوتر ..

و كذلك فإن المسائل الحسابية الذهنية و التي تزيد من النشاط الكهربائي للدماغ ، تترافق عادة بزيادة قليلة في الموجات العالية التوتر عند الشخص الطبيعي المرتاح ، بينما لا تحدث هذه الزيادة أبداً ، و لا تظهر عند الشخص المحروم من النوم !

حتى إذا ما استمر الإنسان في حالة من اليقظة لمدة 72 ساعة ، و بقي محروماً من النوم ، فإن منشطاته و استجاباته ، تصبح ضعيفة ، فيزداد النسيان لديه .... و يقل التركيز ... و تبدوا الأشياء المرئية ، كما لو كانت مزدوجة .. و يعاني من رؤية الهلاوس ، بشكل متوسط حر ..

و من الشائع حدوث تهيج عصبي .. و شكل من الجنون ، مثل جنون العظمة أو الشك .

و بعضهم قد يعاني من أعراض هوس عقلي .. متمثل في السرحان ، و البعد عن الواقع المحيط به ....

كما تزداد إمكانية حدوث نويات من الصرع ، فتمثل خطراً متزايداً ..

فلقد تم في " مركز لأبحاث النوم " تابع لجامعة لوبرون للتكنولجيا في وسط انكلترا ، و على بعد 100 ميل شمالي لندن ... تم عمل تجربة لمعرفة أثر الحرمان من النوم على الإنسان ، لمدة ثلاثة أيام ، أي 72 ساعة كاملة ..

و ذلك بهدف معرفة ما إذا كان النوم ضرورياً لأداء الوظائف الطبيعية المختلفة كل يوم ، أم أنه عادة لا ضرورة لها ...

حيث كانت هذه التجربة ، تهدف إلى اختيار الذاكرة و المهارات اللغوية ، لهؤلاء " المتطوعين " الذي قبلوا الحرمان من النوم ، طوال فترة 72 ساعة " إكراماً لعيون " الطيب النفسي جيم هورني ! صاحب التجربة ، و في سبيل العلم .

بدأت التجربة في الساعة الثامنة صباحاً من يوم الجمعة ، و استمرت حتى الثامنة صباحاً من يوم الإثنين .

و كانت مواد التجربة ، تتألف من ... جولات يومية خمسة ، من الاختبارات : التأرجح على قضيب خشبي يشبه تمرينات الباليه ، و ذلك لاختبار التوازن ، و قياس الحرارة ، والتعرض لاختبار و يلكنسون لليقظة ....

و أما خارج أوقات الاختبارات ، فكان المتطوعون يمضون الوقت في غرفة مشتركة ، مزودة بجهاز لألعاب الفيديو ، و بلعبة السهام ، و بعض ألعاب المائدة ( شطرنج و غيره ) و غيرها من وسائل التسلية ..

و كان المتطوعون ، يستطيعون شرب القهوة و الشاي بكميات محددة ..... كما كانوا يشجعون بعضهم على الاستمرار في اليقظة ...

في فجر يوم السبت كان الجميع يترنح من التعب ..

إلا أنهم نشطوا نسبياً أثناء النهار ، وأمضوا يوم السبت ، بشكل معقول......

من حل أحد الألغاز ، و المشاركة في لعبة الفيديو و  ....

و في صباح يوم الأحد ، اشترك المتطوعون في لعبة تمثيلية ، مليئة بالحيوية ، و تعتمد على الذكاء ، وهي معرفة مقاطع ، كلمة معينة ، من خلال مشاهدة تمثيلية يؤدنها ... .و كانوا لا يزالون بخير ..

و عندما تابعوا في خلال نهار الأحد .

شعر أحدهم عندما وقف أمام جهاز اليقظة ، بأن أقدامه تلتوي تحت جسمه ، عند الصفارة رقم 28 ، و هوي نائماً بسرعة على المقعد ..

و عندما كانوا ينقلون من جهاز اليقظة ليلعبوا بالفيديو ( مثل لعبة غزاة الفضاء أو الباك مان !) كان الجهازين ( جهاز اليقظة و جهاز الفيديو ، قد امتلطا في عقولهم .. فقد بدؤا يسمعون انفجارات القنابل في قيادة الصواريخ ( أصوات لعبة الفيديو) ، مختلطة بالصفير بالمتقطع لجهاز اليقظة .

و مع انتهاء يوم الأحد ، ظهرت بعض الاضطرابات العقلية الأخرى .

فشاهد أحدكم دخاناً ليس له وجود ينبعث من جهاز التلفزيون ...

و أحس الأخر بأنه يرتدي قبعة ...

و أما الثالث فقد صاح " لا أستطيع تثبيت عيني على أي شيء ، لم تعد لدي أي قوة باقية " !

و أما الثالث فقد صاح " لا أستطيع تثبيت عيني على أي شيء ، لم تعد لدي أي قوة .

و في صباح يوم الاثنين كان الدوار ، قد حل بالجميع ، و أصبح جهاز اختيار اليقظة غير متحمل ... حيث أحد المتطوعين ضغط على الزر 11 مرة ، عوضاً عن الرقم المطلوب و هو 225 مرة ، و كانت إحدى المرات خاطئة أيضاً ..

و عندما انتهت التجربة ، و تجارب أخرى مماثلة ، كان الأشخاص المتطوعين ، يذهبون في نوم عميق ، يستمر من 14 ـ 16 ساعة ....  حيث أن الجسم عادة ما يعوض فقط ثلث عدد ساعات النوم الضائعة .. و كان قسماً كبيراً من هذه الساعات يقضى في مرحلة نوم حركة العين السريعة ( مرحلة الأحلام ) .

و بعد الاستيقاظ من هذه النوم ، فإنه كانت تظهر دلائل اضطراب في وظائف أجهزة الجسم المختلفة ، بحيث لم تعد هذه الوظائف إلى طبيعتها ، إلا بعد انقضاء عشرة أيام على انتهاء التجربة ..

كانت الفترات العصبية في هذه التجربة ، تمر على الرجال أكثر من النساء فقد كان بين المتطوعين فتاة ..

يقول هورني " إن الرجال يمرون بأوقات عصبية أكثر من النساء ، في حالات الحرمان من النوم ! .. ربما لأن النساء لديهن طاقة أكبر مخزونة في الطبقة الدهنية من الجسم " ...

و لكن .... لابد أن نتذكر أيضاً ، أن الفتاة المشاركة ، كانت صغيرة السن ، في العشرين من عمرها .. بينما كان الرجال ، لاسيما الذين غلبه النوم ، في الأربعين من عمره .. فلعل السبب يرجع أيضاً :

إلى أن صغار السن أقدر على أحتمال الحرمان من النوم من الكبار ..

فلقد أوضحت دراسات في جامعة فلوريدا أن الأشخاص عند سن الأربعين أو بعدها ، يقاسون من الحرمان من النوم ، أكثر مما يقاسي طلبة الجامعات ، أي الأشخاص صغار السن ، الشباب ...

 و لقد وجد أيضاً من خلال هذه التجربة ، و تجارب أخرى مماثلة ، أن المحرومين من النوم ( سواء كانوا رجالاً أو نساءً ) يأكلون بشراهة!..

و لقد أجريت تجارب مماثلة ، في عيادة لافايت بمدينة دترويت ، كانت تهدف إلى معرفة و تحديد نشاط أجهزة تحويل الطاقة في الجسم ، و هي الآليات المسؤولة عن تزويد الطاقة اللازمة لاستمرار النشاط العضلي و العصبي ، في حالة الحرمان من النوم و لمدة 100 ساعة متواصلة أي حوالي أربع أيام و زيادة !

لقد وجد أن نشاط هذه الأجهزة ، يتزايد زيادة هائلة ..

حتى إذا ما زادت " الفترة الحرمانية " عن المائة ساعة ، ظهرت عندها " أساليب الطوارئ " التي لا تسخدم في الظروف العادية ...

و هذا يشكل دليلاً واضحاً ، على حدوث قدرة من استنفاد المصادر العادية لطاقة الجسم !

حيث بناء على ذلك ،يمكن اعتبار الشخص الذي يصمد دون نوم ، و كأنه يشبه " محرك السيارة " ، في بعض نواحيه ، عندما يفقد كفاءاته ، بسبب الاستعمال الزائد عن الحد .. فقد " يتناقض الاداء " إلا أنه يظل من الممكن و في حدود معينة ، الوصول إلى مستويات ملائمة على حساب " الاستهلاك الزائد الزائد للوقود".

و لقد وجد في تجربة ، أجريت بمعرفة " مركز أبحاث النوم " التاسع لجامعة أوهايو في أمريكا ، ثم تم خلالها حرمان بعض المتطوعين ، من النوم ، لمدة خمسة أيام متتالية ( 120ساعة ) .

لقد وجد ، أنه ظهرت على هؤلاء " المتطوعين " علامات إعياء شديد و إنخفاض حاد في القدرة على التركيز و التفكير ...

حتى إذا ما كان اليوم الخامس و الأخير من التجربة ، كان التطوعين ، في حالة عجز شبه كاملة ، عن الحركة ..

و انخفضت قدرتهم علىالتفكير ، وضع القرارات إلى أدنى مستوى لها .....

و صدرت عنهم " هلوسة " شبيهة بهذيان المحموم.

و لقد وجد في تجارب أخرى مماثلة ، تمت من خلالها محاولة حرمان المتطوعين ، من النوم ، لمدة تصل إلى 200 ساعة و أحياناً تزيد ( حوالي ثمانية أيام و زيادة )

لقد وجد من خلال هذه التجارب ، و بلا استثناء ، أنه ما أن تمر مدة 100 ساعة من الحرمان المتواصل من النوم ، أي بعد حوالي 4 أيام ، و هي النقطة التي تتحطم عندها أجهزة تحويل الطاقة ، كما ذكرت ، حتى يظهر تدريجياً سوءا لتكامل في الشخصية ، و في السلوك العقلي.. فيتصرف " المحروم من النوم" بما يشبه الثمل المتبرع .. فيتفوه بكلمات لا ضابط لها ن و تصدر عنه حركات أو أقوال ، لا يرتضيها في حالاته العادية ...

كما تظهر أعراض الجنون الهذائي ( الهذياني ) .. حيث يتهم " المفحوص المتطوع " .. يتهم " العالم المجرب " بأنه يحاول تحطيم محاولته البقاء مستيقظاً ، طوال الفترة المحدودة .

و لقد تمت أيضاً محاولة الاعتداء على المجرمين في حالتين ..

و في نفس الوقت تضطرب قوى الإدراك العقلي .. فيرى المفحوص المجرب .

 

و عـاد الشـبـاب

فيحسبك النوم ... يريح و ينعش ..

يرمي و يبني ......

يحفظ النضارة ، و يجدد الشباب ..

فالكثير من الشيوخ  الذي ما زالوا يؤدون في شيخوختهم ، أعملاً جبارة و بنجاح الشباب و نشاطهم .. إنما يعزوا ذلك كله إلى محافظتهم على نوم صحيح .

" فشبابنا يتجدد بالمفهوم الحقيقي بعد كل نوم .. فنحن في الصباح أطول منا في المساء .. و أكثر مرونة إلى حد بعيد .. و كذلك أشد قوة و أغزر في عصارات الجسم ، و أقرب بذلك إلى الشباب .. و أما في المساء ، فأجسامنا أشد جفافاً .. و أحط قوى ، و أقرب بذلك إلى الشيخوخة .. ذلك ما قاله هوفيلاند الطبيب الألماني المختص....

و ذلك ما وجده كثير من العلماء .. و ما جربه بافلوف..

فلقد توصل بافلوف إلى استنباط طريقة لمعالجة الأمراض بالنوم .. وكان تفكيره يتجه أولاً ، إلى الأمراض الناشئة عن اضطرابات أو فقدان التوازن في الجهاز العصبي الإنباتي ( الودي و نظير الودي ) و ذل لما بين النوم و بين الجهاز من علاقة خاصة .. إلا أنه شاهد ، و إلى جانب النتائج الحسنة التي أحرزها في معالجة هذه الأمراض و شفائها ، أن النوم تأثيراً واضحاً في إعادة الشباب أيضاً .

فلقد كان بافلوف يهيء للمريض فراشاً وثيراً دافئاً ، و بعيداً عن النور والضوضاء .. ثم يعطيه أدوية منومة بفترات و جرعات معينة ، يظل بعدها المريض في سبات عميق مستمر ، لمدة ثلاثة أسابيع ، لا تقطعه ، إلا فترات قصيرة من الصحو و اليقظة ، كافية لتناول الغذاء و إفراغ الفضلات من بول و براز .. حيث يعود بعدها المريض إلى النوم بإعطائه جرعة الدواء المنوم .

و لقد لفت انتباه بافلوف ، ما أكده المرضى بعد شفائهم من المرض ، و عودتهم إلى الصحو : من أنهم يشعرون و كأنهم قد عادوا سنين إلى الوراء ..

و لما كان بافلوف رجل علم ، و تجربة ، فإنه لم يكتف بهذا التأكيد من مرضاه ، و خشي أن يكون " الايحاء الذاتي " قد لعب دوراً فيما يدّعون من شعور .. و لذلك صمم على إجراء تجارب على " حيوان " فالحيوان لا يتأثر بالايحاء ..

ولقد اختار لهذا الغرض كلباً مسناً ، بلغ من العمر 14 سنة ،  و هو عادة أقصى ما يصل إليه الكلب من العمر ، و هذا يعادل عند الإنسان ، شيخاً في التسعين من عمره ..

و كانت أعراض الشيخوخة و الهرم بارزة عند هذا الكلب المسن .. إذ كان لا يرى إلا قليلاً ، فهو شبه أعمى . و يسمع أقل من ذلك .. و كانت فروته باهته اللون ، و يخالطها شعرات رمادية .. و كان هذا الكلب المسن وصل إلى أرذل العمر ، غير مكترث أو منتبه إلى ما يحدث بالقرب منه ، و إلى ما يدور حوله ، بطيء الحركة يمضي أكثر أوقاته مستكيناً مستسلماً ..

هذا الكلب المستكين ، الذي بلغ حافة القبر ..أخذه بافلوف و عالجه بالنوم المستمر ، لمدة ثلاثة أشهر ، كان يعطيه خلالها جرعات من الدواء المنوم ( فينوبربيتال ) و لاشيء غير ذلك .. و دون أن يوقظ ، إلا في فترات معينة لتناول الطعام ، و فضاء الحاجة .. حيث يعود إلى النوم مرة أخرى . و هكذا لمدة ثلاثة أشهر ..

و أنتهت المدة .. و انتهي العلاج .. وظهر على الكلب ، ما يدهش .

لقد ظهرت عنده ، أعراض " عودة الشباب " إليه ..

فها هو هذا الكلب المسكين المستكين " الذي كان " أصبح " الآن " يقفز ، و يهرول .  و فروته الباهتة المختلطة ، بشعرات رمادية .... عاد إلهيا لونها و لمعانها في أيام الشباب ...

و ما أحلى أيام الشباب .. و " ما أحلى الرجوع إليه " ..

إلا أن " القطار " إذا تجاوز ، لا يعود ..

و بعد سبع سنوات ، استمر بافلوف خلالها يراقب الكلب ، أعلنت هذه التجارب و نتائجها ، وكان الكلب ما زال حياً ... رغم أنه تجاوز العشرين . وهو ما يعادل عند الإنسان سن 135عاماً.

فالكلب لم يتجاوز ضعفي ، ما يقدر لأمثاله من عمر فحسب ، بل إنه ظل بفضل معالجته بالنوم يحتفظ أيضاً " بقدرة " من " أعراض الشباب و صفاته " . . و لقد استعمل ، مثل هذه الطريقة الطبيب الألماني           ( فايدنار ) .. حيث كان ينوم المريض نوماً متقطعاً ، لمدة ثلاثة أسابيع أو أكثر بفضل استعمال الأدوية المنومة ، و لا يوقظ إلا لتناول الطعام ،و إفراغ السبيلين . استعملها لمعالجة حالات مختلفة  و سماها " النوم الشافي " .

فقد عرف عن النوم ، أنه يساعد على الشفاء . .. و يقلل أيضاً من مضاعفات المرض ...

و لهذا كثيراً ما ينصح به الطب ، و لاسيما في الأنفلونزا ، مثلاً و الاضطرابات العصبية ..

كما أن النوم ، استعمل و بنجاح ، علاجاً لمرضى ارتفاع ضغط الدم في مراحله الأولى مع العقاقير ..

و يستعمل أيضاً في علاج كثير من الأمراض الباطنية .

كما أنه يعمل على زيادة الوزن ، في فترة النقاهة من الأمراض ..

و ليس هذا فحسب فالنوم أيضاً علاج للقلق و الانزعاج.

و لذلك فلا تتعجب ، إن سمعت أنه أقيمت في أمريكا ، " عيادة خاصة للنوم " لمعالجة حالات الأرق و الانزعاج ..

فكلما استحوذ القلق على الإنسان ، هبت نوبة الكرى فوق جفونه .. فإذا بالنوم ، يزيل قلقه .. و يذهب خوفه ..

و إذا الذي استيقظ كان أكثر أمناً ، و أهدأ حالاً منه قبل نومه.

و إذا الذي استيقظ ، كان أكثر أمناً ، و أهدأ حالاً منه ، قبل نومه ..

و ندرك مرة أخرى ، حكمة النعاس الذي غشي جنود المسلمين في غزوة بدر .. ثم غزوة أحد ..

ففي بدر آتاهم النوم و أمناً .. و ربط على قلوبهم ، ليبعد عنهم القلق و الخوف .

فلقد كانوا قلة أمام أعدائهم الكافرين .. فأمن بالنعاس خوفهم.. و جدد قواهم .. فانتصروا على أعدائهم ..

" إذ يغشاكم النعاس أمنة منه ، و يننزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ، و يذهب عنكم رجز الشيطان و ليربط على قلوبكم و يثبت به الأقدام ." الأنفال : 11.

" إن قصة النعاس الذي غشي المسلمين قبل المعركة ، هي قصة حالة نفسية عجيبة ، لا تكون إلا بأمر الله و قدرته و تدبيره .. لقد فزع المسلمون و هم يرون أنفسهم قلة في مواجهة خطر لم يحسبوا حسابه و لم يتخذوا له عدته .. فإذا النعاس يغشاهم .. لم يصحون منه و السكينة تغمر نفوسهم و الطمأنينة تفيض على قلوبهم ... لقد كانت هذه الغشية و هذه الطمأنينة ، مدداً من أمداد الله للعصبة المسلمة يوم بدر " الظلال ..

و في أحد : " لقد أعقب هول الهزيمة و ذعرها ، و هرجها و مرجها ، سكون عجيب . سكون في نفوس المؤمنين الذين ثابوا إلى ربهم ، و ثابوا إلى نبيهم . لقد شملهم نعاس لطيف في نفوس المؤمنين الذين ثابوا إلى ربهم ، و ثابوا إلى نبيهم . لقد شملهم نعاس لطيف يستسلمون إليه مطمئنين ! و التعبير عن هذه الظاهرة العجيبة يشف و يرق و ينعم ، حتى ليصور بجرسه و ظله ذلك الجو المطمئن الوديع : " ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً يغشى طائفة منكم " آل عمران : 154.

و هي ظاهرة عجيبة ، تشي برحمة التي تحف بعبادة المؤمنين ، فالنعاس حين يلم بالمجهدين ، المرهقين المفزعين ، و لو لحظة واحدة ، يفعل في كيانهم فعل السحر ، و يردهم خلقاً جديداً ، و يسكب في قلوبهم الطمأنينة ، كما يسكب في كيانهم الراحة ". الظلال .

فالنوم ، يمحو من النفوس ، صدمات الكوارث في الحياة ..

و يعيد إلى النفوس المتعبة القلقة .. التوازن ..

تبدلات الجسم الفسيولوجية أثناء النوم :

إذا نظرنا إلى القلب نجد أنه يتباطأ نبضه أثناء النوم ، و يغدوا أهدأ ، و صار أضعف و أبطأ !  و بين النبضة و النبضة ، يطول الوقوف و تصير الفترة أبعد و أطول .

و الضغط الدموي ( التوتر الشرياني ) انخفض علوه بمقدار 20 ـ 25 ملم زئبق .

و عادة يكون ذلك خلال النصف الأول من  الليل.

و أما التنفس ، فيصبح أبطأ حركة ، و أطول , أعمق . فعمقه يزداد ، و يميل إلى الانتظام و لاسيما عند الأطفال و الشيوخ .. و السبب في ذلك :

نتيجة تثبط مركز التنفس في البصلة السيسائية ، بحيث تصبح قابليته لإثارة منخفضة .. حيث أن التحاليل الدموية و المخبرية .. تبين أن غاز الفحم في الدم ، يزداد ، كما يزداد داخل الأسنان الرؤية ، أيضاً ... و تحدث تبدلات في قدرة هدروجين الدم (أبي بأتش الدم ) فتنخفض ، و يصبح الدم أكثر حموضة .

و قد يكون ، يعلل لنا عالم آخر .. هدوء القلب الضغط و عمق التنفس .. بسبب تنشط الجهاز نظير الودي أثناء النوم ، و الذي يفوق في نشاطه الجهاز الودي ، و يسيطر عليه ، سيطرة نسبية .

و قد و جد أن 67% من مجموع الأوكسجين الضروري ، يمتصه الجسم أثناء النهار ، خلال 12 ساعة ، في مقابل 33% حلال ساعات الليل .. كما يخرج الجسم 58% من غاز ثاني أوكسيد الكربون في النهار و 42 % أثناء ساعات الليل .

إن درجة الانخفاض ، يعلل بحدوث تثبط  خفيف يصيب مراكز تنظيم الحرارة ، و بحدوث الاتخاء العضلي المرافق للنوم ، حيث أن التوتر العضلي في الحالات الطبيعية الناشطة ، ينتج حرارة ، و هذا بدوره يساعد على زيادة حرارة الجسم .

و يتابع فيقول : و لذلك يحتاج النائم للغطاء أكثر من المستيقظ !

و يرد على " اندهاش و تساؤل " فيقول : و إذا كنا نلاحظ أن النائم ، حين يستيقظ يكون أدفأ ، حتى أن الفراش كله يصبح دافئاً ، فهذا يعود إلى :

قلة الحركة أثناء النوم .

و إلى الغطاء الذي يحفظ الحرارة من التبدل ، و التبدد.

و إلى تمدد ، و انبساط لدى اللمس و أدفأ ن بعد أن تشبع بالدم ، و تورد.. مع أن حرارة الجسد العامة منخفضة بعض الشيء ..

أما الثالث ، فلقد جرب و جرب .. ثم وجد:

أن الحركان الحووية في الأمعاء و المعدة ( أي حركات الهضم ) تخف ، و تتباطأ أثناء النوم ، إلا أنها بلا شك تستمر ! كما أن العصارة المعوية و الهضمية يتناقص تكوينها ، و يقل إفرازها ..... فالغدد الهضمية و الكبد ، و المعثكلة ( البنكرياس ) ، كلها يتبدل نشاطها ، فينقص بعض الشيء .

فالمعدة ، مثلاً ، تحتاج طعام دسم إلى نحو 7 ساعات ، و أما في حالة النوم ، فإنها لا تهضم هذا الهضم في أقل من 12 ساعة . و لذلك ، يتابع كلامه .. أنصح بعد النوم مباشرة بعد وجبة العشاء .. و أذكركم بالمثل القائل " تعش و اتمشى " فهو جيد .. و أما نحن فنتذكر ما قلناه سابقاً من الذهاب إلى المسجد و التمشي إليه و منه بعد العشاء .. حيث نعطي المعدة و الأمعاء فرصة .. فرصة لتفتيت الطعام و امتصاصه ، و تخزينه أو احتراقه ..

و يخبرنا الرابع:  أن نشاط بعض الغدد و لاسيما غدد الوجه ، يقل .. فيتناقص إفرازها .. و لذلك يقل اللعاب و يجف الفم ، كما تجف الجفوة و تحمر .. و لهذا يتابع الكلام .. نرى الأولاد حين يسيتيقظون ، بظهور راحاتهم الصغيرة أو قبضاتهم الغضة ، يحكون عيونهم ، لتنشيط الغدد الدمعية ، من أجل خضل أجفانهم ... و ثمة استثناء وحيد ، و هو الغدد العرقية .. فهذه يزيد نشاطها و يزداد إفرازها . و هذا الشيء بلا شك يمكن الجسم من تخفيف الدفء المفرط ، الذي ينجم عن تشبع الجلد بالدم .. بالإضافة إلى العمل الهام و الذي يعوض عن تباطؤ الكلية في عملها و نشاطها . . فيساعد في التعويض عن انخفاض نسبة الطرح و التخلص من الفضلات و المبتذلات ، و التي تحدث في الكليتين أثناء النوم ..

و لذلك ، يتابع كلامه ، عندما ترون قطرات العرق تلمع على خدود الأطفال وهم نائمون ، و لاسيما في فصل الصيف ، و كأنها قطرات ندى ، على تويجات الأزاهير ! فلا تستعملوا المراوح الكهربائية .. فهذا الفعل ضار .. فالمراوح تنتج تيارات هوائية تبخر العرق ، فتنخفض حرارة الجسم و الجلد .. فتسبب الأمراض المختلفة ..

و الخامس الذي بحث في عمليات التأكسد و الاستقلاب ( الأيض ) يقول ، أنها تنقص و تضعف ..

فالإنسان يمر خلال نومه بحالة خفيفة جداً من "البيات الشتوي " إذ ينخفض معدل التمثيل الغذائي بمقدار يتراوح ما بين 10 ـ 15 % عن أقل معدل له في حالة اليقظة .. فالجسم النائم يستهلك 75 وحدة حرارية في الساعة ، مقابل المعدل البالغ 150 وحدة حرارية في الساعة أو أكثر في ساعات النهار ، فعمليات البناء تهبط بشكل عام ، إنما مع زيادة عمليات " استعادة البناء " عن عمليات " الهدم و التقويض " .

أما السادس ، فلقد تأكد من أنه : يضعف إرواء الدم للكيتين فيقل إفرازهما من البول من مرتين إلى أربع مرات ( أي بمقدار الربع أو النصف أحياناً ) .

كما تضعف القدرة على تكوين البول و إزالته ، و يصبح البول أكثر تركيزاً . و نتيجة لقلة طرح البول ، يصير الدم أكثر " مائية " .

و السابع عرف بتجاربه أن :

مقاومة الجلد للتيار الكهربائي تنخفض .

كما أن الجلد يصبح أكثر نشاطاً أثناء النوم

فها هو الأستاذ " وليم بالو " و يستطيع أن يحدث الإصلاح و الترميم . في أثناء النوم فقط .

ففي أثناء نشاط الجلد هذا ، يتابع الباحث السابع كلامه .. يتحول الغليكوجين ( سكر الكبد ) المودع في الجلد ، إلى سكر ، و يتدفق في مجرى الدم . و أثناء النوم ، فإن بعض السكر في المجرى الدموي ، يعود إلى حالته الأولى ، أي تيحول ثانية إلى غليكوجين , يسكن في خلايا الجلد ، ليستعمل في أعمال الإصلاح و الترميم ، و في تجديد الخلايا ، و صنع الخلايا الجديدة ..... و لذلك فإن " الجراح " تندمل و تشفى في ساعات النوم ، عندما تتوفر ، مواد البناء و الترميم ، اللازمة لهذه العملية ..

      و الثامن الذي حلل .. الدم و السائل النخاعي الشوكي ! أخبر أن : مقدار الكالسيوم في الدم ينخفض .

و تكثر في الدم أملاح المغنيزيوم ، و هذا مما يؤدي إلى كبت النشاط العصبي و العضلي في الجسم ، فيتوقف هذا النشاط مؤقتاً عن العمل .

و تتناقص في الدم كمية الهرمونات ، و منها هرمونات الكظر ، باستثناء الأنسولين الذي يزداد .. و هذا يؤدي إلى تناقص الغلوكوز ( سكر العنب) في الدم .

و في السائل الشوكي ، تزداد أملاح البوتاسيوم !

و يضيف معلقاً على نقصان مقدار الكالسيوم في الدم في سياق النوم الفسيولوجي الطبيعي ، أو المحدث بالمنومات ، يضيف فيقول : إن ذلك هو الذي يجعل العلماء يعتقدون ،بأن هذه الشاردة ( شاردة الكالسيوم ) ، تتكثف في الدماغ لتظهر قدرتها المركبة  المركزية .. بينما تقوم شاردة البوتاسيوم ، حينما تعطى ، بمقادير خاصة ، بتأثير دماغي معاكس ، لتأثير شاردة الكالسيوم ..

و يصف لنا تاسع ، ما وجده من استرخاء العضلات و انبساطها .. أو فعاليتها و انقباضها ، فيقول :

ها هي عضلات العنق ، تسترخي ، فيهوم الناعس و ينود ! . و يسير الاسترخاء إلى عضلات أخرى ، و يزيد .. كلما تمشي النوم في الجسم ، و زاد ! .. فبتمشي النوم في الجسم ، تفقد سيطرة الإرادة على العضلات ( المخططة) ، فتسترخي ، و تقل فيها درجة التوتر العضلي ، إلا أنها تحفظ بشيء من الفعالية !.

و من المعروف ، يتابع كلامه !. أن العضلات الهيكلية ( التي ترتكز على الهيكل العظمي ) ، تترتب في أزواج متعارضة ! تترتب في أزواج متعارضة ! فهناك عضلات للاستنباط ، و أخرى للانقباض .. و الذي يكون أدنى ما يكون أدنى ما يكون خلال الاسترخاء و النوم .. إلا أنه على كل حال يحتفظ بالقدر الكافي ، لحماية الكائن ، و تقلبه ، خلال النوم

المصدر : كتاب : "  النوم أسراره  " الدكتور أنور حمدي

 

 

ومن آياته منامكم بالليل
 

قال تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) (الروم:23)

قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً) (الفرقان:47)

مضار السهر و العمل في الليل :

لقد ذكر الله أن من الأدلة الدالة على قدرته و عظمته  هو منامكم بالليل والنهار ، فسوف نطوف بالقارئ الكريم حول حقائق النوم ، و العمليات التي تتم داخل جسم الإنسان أثناء النوم ، و النظريات التي فسرت النوم و إلى غير ذلك ، وذلك لنبين أن النوم من العمليات المعقدة التي تدل على عظمة الخالق سبحانه وتعالى و قدرته .

الله تعالى لما خلق الإنسان و هو أعلم به قال تعالى : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الملك:14)،  فهو صممه على أساس أن ينشط و يعمل في النهار و ينام ويستريح في الليل ، أما عندما يخالف  الإنسان هذا النظام فإنه يعرض نفسه إلى مشاكل صحية فقد أجريت دراسات على العمال الذين يعملون ليلاً  فوجد أن ساعتهم الداخلية تضطرب بشدة ..! كما أنها ستأخذ وقتاً ، حتى : " تتكيف " مع الوضع الجديد و تتعود عليه .

و قد تستقر بعض النشاطات الجسمية في وقت قصير ، مثل ضربات القلب ، و إفرازات الإدراينالين و النور أدراينالين .. إلا أن نشاطات كثيرة أخرى قد تتطلب أياماً و أحياناً أسابيع حتى تستقر ، و تتعود على " الدورة الجديدة " و " الوضع الجديد " !.

و خلال فترة " التكيف " و العودة هذه ، عادة ما يحدث أن الوظائف الفسيولوجية الجسمية لا تكون قادرة على التآزر و التعاضد مع بعضها !.. و هذا بلا شك ، يؤدي إلى تغيرات الإنجاز و تغيرات في الإتقان و الأداء !!.

كما سوف يقل الإنتاج ، و تقل القدرة على التركيز ، و يصاب الشخص بالأرق .

و ليس ذلك فحسب ! ... فمن الدراسات الطريفة التي قامت بها باحثة تدعى براون ، هو أنها درست الحياة العائلية و الأحوال الصحية لعمال ورديات الليل والنهار ، فتبين لها أنه تظهر عليهم  أعراض النوم غير المنتظم ، فهؤلاء يتعرضون لقلة النوم و الإرهاق .. فنومهم أقل مجلبة للراحة .. كما أن اضطرابات الجهاز الهضمي المعدي المعوية منتشرة بينهم !.. و السبب في ذلك بالإضافة إلى قلة النوم ، هو أنهم عادة ما يتناولون وجبات أقل انتظاماً و تغذية !.. و يستهلكون مقداراً أكبر من المنبهات مثل الكافئين ( الشاي و القهوة ) و التبغ ، ( لاسيما في مناوبات الليل ) !.

كما أنهم يعانون من التفكك العائلي ! حيث أن ساعات العمل الشاذة تخلخل المقاييس العائلية بخلقها جواً مناسباً  للخيانة الزوجية !.. كما و يسبب التغرب عن أفراد العائلة و الأصدقاء ، الذين يعملون في ساعات النهار العادية !.

قال تعالى : ( قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً إلي يوم القيامة ، من إله غير الله يأيتيكم بليل تسكنون فيه ؟ أفلا تبصرون ) [سورة القصص : 72].

لقد تمت بعض التجارب  على الحيوانات .. فعرضت لضياء مستمر ، و نهار دائم ، فاختلت " توتراتها اليومية " و تأثرت تأثراً بالغاً !.

و رغم أن " الساعة البيولوجية " حاولت التكيف مع هذا الضوء المتصل إلا أن :

كل الأبحاث الحديثة ، تشير إلى عطب في تنظيم الحرارة !. و هذا الأمر من الأهمية ، و له من الخطورة ، و له من الحيوية .. الشيء الكثير !

و تشير إلى أن الجهاز التناسلي لهذه الحيوانات ، أصيب بتغيرات غريبة !!

فلقد شوهد مثلاً عدم انتظام الدورات التناسلية ، وقصرها عند البط الذي عرّض للضياء الصناعي المستمر !.

كما وجد أيضاً ، عند الثديات عديدات الدورات النزوية أن التعرض الطويل ، أو المستمر للضوء ، يغير في الوظيفة المبيضية أو الخصيوية على السواء !.

قال تعالى : (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (القصص:73) .

 

الغدة الصنوبرية و النوم :

الغدة الصنوبرية :

الغدة الصنوبرية ، غدة صغيرة لا يزيد وزنها عن ( 120) ملغ ! لا تزيد عن ( 5ـ9) ملم طولاً ، و ( 3ـ 6) ملم عرضاً و (3ـ 5) ملم سماكة

موجودة على الوجه الخلفي العلوي للبطين الثالث ، أحد الأجواف الموجودة في الدماغ ، أمام الحديبات التوأمية الأربعة ، عناصر موجودة في الدماغ هذه الغدة تقوم بوظيفة ناقل عصبي صماوي ، أي غدة صماء تلقي بمفرزاتها في الدم ، حيث أنها تتلقى معلومات دورية ، عصبية ودية ، تنشأ عن تأثير الضوء المحيطي على شبكية العينين ، و استجابة لهذه المعلومات .

و نتيجة لعمل خميرة ( 5-Hydrox-Indol-o-Methyl Transferase)

و التي توجد بكمية كبيرة ، فقط في هذه الغدة ، يتركب الميلانونين الذي لم يكتشف إلا في عام 1958م ، و يفرز في مجرى الدم أو السائل الدماغي الشوكي ، ليعمل على الدماغ ، مؤثراً على عدة أحداث فيزيولوجية .

مثل : بدء البلوغ و الإباضة والنوم ، و قد يؤثر تأثيرات فيزيولوجية مباشر على الغدد التناسلية ، مثبطاً نضجها ووظائفها .

فلقد وجد أنه عندما تزرع كميات ضئيلة منه في الناتئ المتوسط لتحت المهاد أو في تشكلات الدماغ المتوسط تتوقف الزيادة التي يحدثها " الإخصاء " عادة ، في الحاثة الخلالية النخامية .

و كذلك يكبح الميلاتونين  المحقون في السائل الدماغي الشوكي ، إفراز الحاثة الخلالية النخامية ، كما أنه يزيد من إفراز البرولاكتين أي هرمون اللبن .

و من الممكن أن يكون له أيضاً تأثير مثبط على وظائف الغدة الدرقية ، و قشر الكظر .

كما يؤثر أيضاً على السلوك . و على تخطيط الدماغ الكهربائي ...

كما أن إعطاءه يغير من مستوى السيروتونين في الدماغ .... والسيروتونين مادة لها تأثير فيزيولوجي حيوي على الجسم .. لأنها تقبض العضلات الملساء في الأوعية الدموية ، والقصبات ، و الأمعاء ، كما تنبه أو تثير الدماغ !

و نتيجة لتبدل تأثير الضوء المحيطي ما بين ليل و نهار ، ظلمة و ضياء ... فإن إنشاء الميلاتونين و إفرازه يتبدل دورياً خلال الأربع و العشرين ساعة اليومية ..

فالضوء المحيطي هو الذي يضبط تركيبه و إفرازه .. و هذا التغير في إفرازه يزود الجسم " بساعة منظمة " دائرية ، تخضع مباشرة للضوء في المحيط ..

فالضوء يزيد الـ FSH [ أي الحاثة الجريبية التي تحرض نمو الجريبات في المبيض عند الأنثى ، مما يؤدي إلى نضج الجريب و حدوث الإباضة ، و إفراز الأستروجين .. و تؤدي عند الذكور إلى تحريض الأنابيب المنوية في الخصيتين لتكوين الحييات المنوية أو الأنطاف ، أيت تشكل النطف ] في النخامة ..

بينما يزيد الظلام الـ LH [ أي الحاثة الخلالية ، و هي تساعد الحاثة الجريبية على الإباضة و إفراز الاستروجين .

كما تحث على تكوين الجسم الأصفر ، الذي يفرز البروجسترون و الاستروجين ، عند الإناث . و عند الذكور تسمى ICSH، و هي في حالتي اليقظة و النوم ، لا يقتصر على الدماغ و الأطراف ، بل هو يشمل أجهزة الجسم المتعددة و أقسامه المختلفة و لذلك فإن رجحان " الميزان السرير" من جهة الرجلين أثناء النوم ، إنما يتم بتوزيع  الدم بين جوف البطن و الأطراف ، و ليس نتيجة لزيادة الدم الآتية من الدماغ .

أهم النظريات التي تحدثت عن أسباب النوم :

نظرية النوم الكيماوية :

يتم في أثناء اليقظة العديد من النشاطات الجسمية ، فهناك . . غدد تفرز و عضلات تتحرك و قلب يخفق ! فكر يعمل ، عين تبصر ، بول يفرز ! أمعاء تتقلص و طعام يهضم ! .. و هكذا ..

و عشرات الوظائف الحيوية الفيزيولوجية تعمل !

و مئات بل آلاف من العمليات الكيمائية تتم !.

و كأي عمليات كيميائية ، فلابد من نواتج عنها ، أو " فضلات " و " شوائب " يلزم طرحها و التخلص منها من أجل استمرارية هذه العمليات .

فالجسم أثناء نشاطه هذا ، النشاط العضلي و النشاط العصبي ، في حالة اليقظة ، ومن خلال العمليات الكيماوية الحيوية ! و علميات الاستقلاب  ( الأيض Metabolisim ) و احتراق الطاقات المختلفة ، ومن خلال هذه السلسلة من النشاطات و الفعاليات  ، فإنه يتشكل فيه العديد من " الفضلات " و "السموم " !

هذه " الفضلات أو " المواد السامة " أو " المستقبلات الناهية " و تسمى أيضاً  " سموم منومة " أو " مواد متعبة " ، تزداد تدريجباً في الدم ، و في السائل الدماغي الشوكي ، لاسيما لدى  من يجبر على البقاء في حالة يقظة مدة طويلة ، و تتركز عند الدماغ و الجهاز العصبي ، لاسيما حذاء " التشكلات الشبكية " ، بمقدار يكبح نشاطهما .. فيشعر الإنسان بالخمول و النعاس ! .. ثم تزداد حتى تؤدي إلى " إنسمام " الدماغ ! فيحدث النوم .

و أثناء النوم ، و هدوئه و سكونه ، و هموده و خموده !.. يتخلص الجسم من هذه النواتج الضارة عن طريق انحلالها ،وتأكسدها ، فيستعيد الجهاز العصبي نشاطه ، و عندها يستيقظ الإنسان

و لكن ما هي هذه : المستقبلات الناهية " أو " السموم المنومة " !؟

إن متشينكوف ، تلميذ باستور ، يوضح لنا بعضاً منها ، حسب معارفه و علومه ! فيقول : " ارتأى ، بعض من درس هذا الموضوع ، أن عمل الأعضاء يولد مواد سماها " بوتوجين " تجلب الشعور بالنوم . و قال أنها تتجمع باليقظة ، و تنحل بالنوم بواسطة التأكسد .

و أن " حامض اللبن " أهمها عملاً ، استناداً إلى أن هذا الحامض يساعد على النوم .

و قام عالمان فرنسيان هما هنري بيرون و ليجدر و ذلك في عالم 1913 فقاما بالحلول بين عدد من الكلاب والنوم لفترة من النوم لفترة طويلة نسبياً ، بحيث يبدوا أنها قد أشرفت على الإجهاد و الإعياء ، و عند ذلك يعمدون إلى مصول دمائها فيأخذونها و يحقنون بها في أوردة كلاب أخرى ، قد أيقظت لتوها ، بعد أن نامت نوماً جيداً ، فبدت في حالة قوية ، نشطة ، و في حالة يقظة تامة ، فيجدون أن تلك الكلاب تستسلم فوراً للنوم عقب هذا الحقن !

و أعادوا التجارب بأشكال أخرى ....

فبعد أن حرموا كلاباً من النوم لمدة عشرة أيام متتالية ، متتابعة ، أخذوا منها " السائل الدماغي الشوكي " ثم حقنوا هذا السائل المأخوذ ، في البطينات الدماغية ( التجاويف المخية ) لكلاب أخرى في حالة نشطة ، و في حالة يقظة تامة ، بعد أن نامت نوماً مريحاً فوجدوا أيضاً نفس النتيجة السابقة ، حيث استسلمت هذه الكلاب للنوم ، عقب ذلك الحقن فوراً .

ونتيجة لهذه التجارب ، قرر العالمان الفرنسان ، أن النوم ، إنما يحصل بفعل نشوء " توكسينات النوم " أو " التوكسينات المخدرة " ، أي " المواد المنومة " و التي تتجمع في الدم و في السائل الدماغي الشوكي ، و تؤدي إلى " إنسمام " الدماغ؟ .. و بالتالي إلى النوم .

و من جهة أخرى ، نرى أن العالم الفسيولوجي السويسري  " إدوارد كلاباريد " يقول بنفس الرأي .

و قام باحث أمريكي ، يعمل أستاذاً لعلم وظائف الأعضاء   ( الفسيولوجيا ) في جامعة هارفرد الأمريكي ، هو الدكتور " جون بنهايمر " ، و معه من العلماء المساعدين هم : " مانفرد كارفسكي " ، و " جيمس كروجر" يجرون أبحاثاً علمية واسعة النطاق من أدل عزل " مادة النـوم الطبيعيـة " أو تلك " السموم " التي تحـدث عنهـا " بيرون "..

و عوضاً عن " كلاب بيرون المرهقة " فإنهم اتخذوا " الماعز " وسيلة للتجريب .

و حرموها من النوم لمدة يومين ، و من السائل الدماغي الشوكي لها ، أخذوا كما فعل بيرون بكلابه ، مقادير صغيرة ، ثم حقنوا هذه المقادير في أدمغة بعض الأرانب و الفئران ، فنامت على الفور .

و عندما أعيدت التجربة ، باستخدام مقادير من " السائل الدماغي الشوكي " لماعز أنفق ليله في النوم ، لم تكن لتلك المقادير ، أي تأثير على الأرانب و الفئران . فاستخلصوا من تلك التجارب أن " السائل الدماغي الشوكي " يحتوي على مادة تؤدي إلى النوم ، أطلقوا عليها اسم " عامل النوم " و اختصار العامل س .

إلى هنا و " التجربة الأمريكية لا تختلف عن " التجربة الفرنسية .. سوى في الأسماء .

و لكن الأمريكيين ، تابعوا المسيرة .. يريدون أن يعرفوا ، ما هي هذه المادة بالضبط .

و ما هو تركيبها . و ما هي مقاديرها .

 

و قضوا أربع سنوات و هم يجمعون السائل الدماغي الشوكي من الماعز المرهق المحروم من النوم ... و في نهاية السنوات الأربع ، لم يتجمع لديهم سوى جالون و نيف ، بالمقياس الأمريكي ، من السائل الدماغي الشوكي .. و هي كمية لا تكفي للتحليل و البحث و التنقيب .

فانصرفوا عن " الماعز " إلى الأرانب .. و استمروا يجمعون تلك المادة ، من مخاخ " الأرانب " حتى وصوا إلى " 15 ألف أرنب .. و لكنهم فوجئوا بأن تلك الكمية ، قليلة أيضاً و لا تسمح بتحليلها كثيراً و لا قليلاً .

و عندها تحولوا إلى " الإنسان " و بالتحديد إلى " بوله " لجمع المادة المطلوبة .. و بلغت الكمية التي استطاعوا عزلها من كمية " ألف جالون أمريكي من البول 30 ميكروغرم فقط ( أي يلزم 126مليون ليتر من البول [أي حوالي126ألف طن ] لنحصل على غرام واحد فقط من هذه المادة ).

و على الرغم من ضآلة هذه الكمية .. إلا أنها كانت كافية لتحليلها ، و تحديد بنيتها الكيماوية .

و هنا تفوق : الأمريكان على الفرنسيين .. إلا أنه كان تفوق التقدم العلمي و المسيرة العلمية ، السائرة أبداً نحو الأمام .

و هكذا و مع مطلع عام 1982 و بعد أكثر من عقدين من الزمن ، من تجارب متكررة .. أكد فريق هارفرد ، و على رأسهم " جون ينهايمر كما ذكر أن " مادة النوم الطبيعية " قوامها أربعة أحماض و هي : 

Muramic Acide  ، Diaminopimeli Acide  ،Alanine  ، Glutamin Acide

و المادتين الأخيرتين ، معروفتان بوجودهما في البكتيريا ، أما وجودهما في جسم الإنسان ، فلم يكن معروفاً قبل ذلك :

و عندما جربوا حقن " مادة النوم الطبيعية " هذه في الأرانب ،وجدوا أنها تضاعف مدة النوم التي تحتاجها هذه الأرانب ضعفين إلا ربعاً ! أي       ( 1.75) .. فلو كانت مدة النوم هي 40% من ساعات اليوم ، لأصبحت 70% من تلك الساعات ، نتيجة لتناول مادة النوم هذه .. و ذلك دون التعرض للآثار الجانبية التي تحدثها مواد النوم الكيماوية ! حيث أنها تختلف عن " الحبوب المنومة"  ، و ذلك على حد قول بنهايمر ، فهي لا تجبر حيوانات التجارب ، الأرانب هنا ، على النوم " فتأثير المادة لا يحدث إلا إذا كانت الحيوانات ، تشعر بالأمان و تمر بظروف عادية ، عند ذلك فإن الحيوانات تنام بشكل طبيعي بعد حقنها بهذه المادة "!

 

النظرية الموضعية للنوم : (مركز النوم الدماغي ):

في القرن الماضي كان جراحو الأعصاب يجرون عملياتهم الجراحية الدماغية ، دون الاستعانة بالتخدير ، و أثناء وجود المريض في حالة يقظة !

و خلال هذه العمليات ، شاهدوا أن مريضهم " الصاحي " يستسلم فجأة " للنوم " في حالات معينة ، عندما تمس أدواتهم الجراحية ( تجمعاً ) معيناً من الخلايا العصبية الموجودة في بعض المناطق العميقة ، داخل الدماغ !

و دفعتهم هذه المشاهدات ، و الملاحظات إلى افتراض وجود " مراكز للنوم " !

فلابد أن تكون تلك " التجمعات من الخلايا العصبية " مسؤولة عن النوم ، و مسيطرة عليه ! و إلا لماذا ينام هذا المبضوع " الصاحي " بمجرد أن تمس تلك " التجمعات "

و إن افتراض وجود " مراكز للنوم " ليس بالأمر المستغرب .

فالنوم عملية فسيولوجية ، و ظاهرة ذات شأن في حياة الإنسان ، ولا تقل أهمية ، بأي حال من الأحوال ، عن العمليات الفسيولوجية و الظواهر الأخرى المهمة في حياة الإنسان ، مثل التنفس و ضربات القلب ، والشهية ، و الإحساس بالعطش .. الخ ... و كل هذه العمليات و الظواهر ، معروف لها مراكز عصبية موجودة في الدماغ ، تنظمها و تسيطر عليها !

فما وجه الغرابة إذن في وجود مراكز للنوم في الدماغ ، يوجهه و يشرف عليه ، و يكون مسؤولاً عن حدوثة ، و يتحكم فيه ، و هو لا يقل ( أي النوم ) أهمية عن تلك الظواهر و العمليات التي لها " مراكز دماغية " ؟

و لقد كانت ، هناك دلائل ، و ملاحظات أخرى تدعم هذه " الفرضيات " في بدء ظهورها أو بالأحرى هي التي دعت إلى " افتراضها " .

فلقد لاحظ عالم الفسيولوجيا النمساوي " أكونومو " أن المرضى الذين يموتون نتيجة بالتهاب الدماغ ، كانوا يبدون قبل وفاتهم اضطرابات في النوم ، مثل الوسن و النعاس و النوم المتواصل .

و لما تم تشريح جثثهم .. وجد أن التغير المرضي الالتهابي ، إنما يكمن في أجزاء الدماغ القريبة من قاعدته .

و لقد دعته هذه المشاهدات ، إلى أن يفترض وجود مركز للنوم في تلك الأجزاء هو الذي أدى نتيجة إصابته إلى اضطرابات النوم التي لوحظت قبل الوفاة !

كما أن العالم " موتنر " قد لاحظ نفس الملاحظات .

و صرح في عام 1890م أن حالة النوم ن التي لوحظت و شوهدت ،خلال جائحة ، مرض النوم ( التهاب الدماغ النومي ) إنما تعود إلى تخريب بعض المناطق الدماغية ، نتيجة الآفات الالتهابية ..و حددها هذه المناطق في " المادة الرمادية " حول " بطيبنات الدماغ " !

و بعد موتنر ، كشف " هولزر " في إحدى وافدات التهاب الدماغ ، بؤرة تصلب متسعة تناولت قسماً من اللطخة السوداء من جهة ، و المنطقة الرمادية المحيطة بقناة " سيلفيوس " و القسم البطيني من البطين المتوسط من جهة أخرى .

كما أن " بت " طرح في سنة 1923مشاهدة طريفة ، شاهدها في مصاب كان يدمن الكحول ، أصابه شلل عيني فجائي استولى على جميع العين اليمنى ، و كان شللاً ناقصاً في اليسرى ، و زاد عليه فرط ميل إلى النوم ، لا يغلب .

و حين فتح جثته بعد موته ، كشف الفحص بؤرة تلين متسعة ، تمركزت في السويقة الدماغية ، بين اللطخة السوداء ، و قناة " سيلفيوس " و كانت النواة الحمراء في الأيمن سليمة ، أما في الأيسر ، فقد تناولتها الآفة بأجمعها ، و امتدت منها إلى السرير البصري الأيسر حتى الخط المتوسط .

و ذكر لوكش مشاهدة تظاهرت بالميل إلى النوم ، كشف معها وجود بؤرة عقب إصابة المريض بالتهاب الشغاف خربت المادة السنجابية الكائية في القسم الخلفي من البطين المتوسط ، و تناولت معها أيضاً القسم الأوسط من جدار قناة " سيلفيوس " و  قد امتدت استطالة صغيرة منها نحو النواة الأنسية من السرير البصري و الحديبة التوأمية اليمنى .

و أثبت " بوغايرت " من جهة أخرى توضع آفة مخربة في المنطقة المجاورة لقلنسوة السويقة المخية ، سببت في المصاب ازدياد الميل إلى النوم ، مع فالج في الشق الأيسر ، و لقوة و شلل في العصب الاشتياقي في الشق الأيمن ، و رافقها تناذر ارتجاجي عضلي .

أما عالم الفسيولوجيا السويسري ، فلقد كان من أنصار هذه النظرية " نظرية مركز النوم" أو بلأحرى من أشد القائلين بها ، حتى أنها كثيراً ما تقترب بإسمه ‍ و لقد أجرى تجارب خبرية عديدة ، لاثباتها ، و تداعيمها .

فكان يخدر حيواناته المخبرية و هي القطط ، ثم يفتح في جماجمها ثقباً يدخل فيه قطبين كهربائيين هما عبارة عن سلكين معدنين دقيقين ، و معزولين ، إلا  في نهايتها ، بحيث يلامسان موضعاً من مواضع الدماغ ، يحدده و يعرف مكانه التشريحي ‍

و بعد انتهاء من هذه العملية الدقيقة ، كان يخيط الجروح ، ثم يترك الحيوان حتى يشفى و " تندمل جراحه " فإذا كان الحيوان في " عافية " بعد ذلك ، عمد عندها ، إلى إمرار التيار الكهربائي في السلكين المغروسين في الدماغ ، منبهاً المنطقة المقصودة . و ملاحظاً ، و مسجلاً ما يطرأ على الحيوان من تغيرات .. و تبدلات. 

و من تبديل موضع " سلكيه" و تغير الأمكنة.. و تعدد التجارب .. و توصل إلى أنه إذا كان السلكان مغروزين في منطقة معينة من الدماغ تسمى " المخ الفاصل أو البيني أو العميق أو الدماغ المتوسط أو مضيق الدماغ أو سرير المخ . و تم التنبيه ، فإن القطة ، التي كانت في حالة يقظة ، تمر بجميع الخطوات و المراحل اللازمة للنوم . من البحث عن مكان مناسب ، و التقوس في الموضع المألوف المميز لها ‍ ، ثم تغلق عينيها ، و بعد دقائق قليلة ، تسغرق في النوم العميق .‍

و في تجارب " حديثة " تبين أن التخطيط الدماغي الكهربائي ، المرافق لمثل هذه التجربة لا يختلف في نمط موجاته ، و إيقاعاته ، عن النمط الخاص بحالة من النوم الطبيعي .

كما وجد أنه يمكن ، إيقاظ القطة " لحظياً " بواسطة منبهات مثل الصوت العالي أو رائحة اللحم ‍ على أنه إذا كان التنبيه مستمراً ، فإنها تميل ، لأن تعود إلى حالة النوم ‍

و لقد وجد هيس أن تخريب هذه المنطقة ، و إتلافها تجريبياً ، يؤدي أيضاً إلى حدوث النوم .

أما عندما كان السلكان في مناطق أخرى من الدماغ ، فإن "بعث " التيار الكهربائي فيهما ، لم يؤدي إلى النوم .

إذن لابد أن تكون هذه المنطقة هي المسؤولة عن النوم ، و هي مركزه ‍

هكذا رأى " هيس " و تجاربه لا غبار عليها . فلقد جرب بعض العلماء السوفيت مثل تجاربه ، و أفضوا إلى مثل نتائجه‍ا .

و أنا أعتقد أن النوم يحدث نتيجة تكامل بين النشاط الغددي الكيماوي ، و المراكز الموضعية المركزية .

النوم ضرورة حياتية :

و ليس " عادة موروثة " فالإنسان ، و الحيوان ، إذا لم ينم ظهرت عليه .. علامات الإعياء و تضاءلت كمية عمله ، و نوعه ، و دقته ، كما ينقص وزنه ..

لقد أجريت تجارب على الحيوان و الإنسان بحرمانه من النوم ، و معرفة تأثير ذلك عليه .. و هل النوم " ضرورة أم لا حادة له .. و هل يمكن الاستغناء عنه أم لا ...‍؟

لقد أخذت حيوانات ، كالكلاب مثلاً ، و أعطي فريق منها غذاءه الكامل و لكنه حرم من النوم .. و أما الفريق الثاني ، فقد حرم من الغذاء ، ولكنه ترك لينام كما يشاء ..

فبعد خمسة أيام ، وجد ان الكلاب التي حرمت النوم ، لم يبق منها أحد على قيد الحياة . و ذلك بخلاف التي حرمت من الغذاء ، و تركت لتنام ، فقد قاومت الجوع عشرين يوماً ..

و في تجارب أخرى ، استطاعت الكلاب المحرومة من النوم ، فقد قاومت الجوع عشرين يوماً ...

و في تجارب أخرى ، استطاعت الكلاب المحرومة من النوم ، أن تقاوم حتى اليوم الثامن عشر ، أو العشرين ثم نفقت و هلكت .. رغم أن بعضها يأخذه النوم على الرغم من كل حائل دونه ..

و لقد وجد العلماء ، تغيرات أساسية في خلايا قشر دماغها ، بد مدة حرمان من النوم ، تزيد على أسبوع ....

و عند الإنسان ، وجدوا بالتجارب ، أنه لا يتحمل فقدان النوم ، أمداً طويلاً .. و هو عن فقدانه أعجز منه عن فقدان الطعام و الجوع ..

فلقد أجريت تجارب على الإنسان ، منذ عام 1896لمعرفة ما يحدث للجسم ، سواء من الوجهة السلوكية ، أو الفسيولوجية ، أو البيوكيميائية ، عندما يحرم من النوم.

و لقد وجد أنه عندما يحرم الإنسان من النوم لفترة قصيرة ، فإنه يشعر بالتعب العام ، و الإرهاق ، و ثقل في جفون العين ، و جمودها ‍‍‍‍‍‍‍...‍‍

و عندما يكون الحرمان التجريبي من النوم ، بفقدانه لليلة واحدة ، وجد العلماء و علماء النفس ، أن الأعمال القصيرة الأجل لا تتأثر .... و أن النقص في الأداء لا يحدث إلا إذا تطلب العمل تركيز الفترة ، نصف ساعة أو أكثر ..

كما وجدوا أن من العوامل الحاسمة في الموضوع ، نمط العمل أو النشاط الذي يقوم بـه المرء ...

فالأعمال البسيطة نسبياً ، و الأعمال التكرارية ، تتأثر أكثر من غيرها ...

مراقبة أجهزة عرض ، و ذلك لملاحظة حدوث أي إشارات ضئيلة عارضة ، و ذلك على نحو متصل .. كما هو الحال في عمل المراقبة من على ظهر السفينة مثلاً ..

و كذلك اتخاذ القرارات التكرارية البسيطة ، كما هو الحال في تصنيف الحروف الأبجدية .

و أما الأعمال التي تتطلب حساباً أو تعليماً ، فهي أقل تأثيراً بنقصان النوم ..

فإذا وصلنا إلى الأعمال التي تتطلب اتخاذ قرارات معقدة ، أو حل مشكلات ، و التي يبذل فيها جهد عقلي كبير ، فإنها تظل دون أن تتأثر على الإطلاق ، حتى و لو استمرت لفترة ساعة أو أكثر .. و حتى لو مضى يومان أو ثلاثة دون نوم .....

و لعل الغريب في حالة عدم النوم ، هو ليس ، مقدار تعطيله للأداء ، و إنما درجة التغلب على تأثيره ، إذا كان العمل ، و بخاصة تعقيده ، على درجة كافية من إثارة الاهتمام و الاستثارة ..

فهل يعني هذا ، أن الشخص المحروم من النوم ، لا يختلف عن الشخص العادي ، في مثل هذا غير صحيح ..

ففي إحدى الدراسات طبقت مقاييس التوتر العضلي ن على مجموعة من الأشخاص ، الذين لا ينامون ، أثناء قيامهم ، بسلسلة من الأعمال الحسابية ، و لوحظ أن مستوى التوتر العضلي ، يظل عادياً ،عند أؤلئك ، عند الذين يتدهور أداؤهم .. و لكنه ارتفع ( أي التوتر العضلي ) عند أولئك الذين ظلوا يؤدون أداءً عادياً رغم فقدان النوم ..

و معنى ذلك أن الأداء العادي ن عند المجموعة الأخيرة من المجرب عليهم ، لم يتم الوصول إليه ، إلا على حساب جهد فسيولوجي زائد ..

و على ذلك ، فسواء من الوجهة السلوكية ، أو الفسيولوجية ، يبدوا أن الكفاءة تتناقص حينما يفقد النوم .

و عندما يكون الحرمان التجريبي من النوم ، لفترات أطول من 12 ساعة ، فإن هذا يسبب ، تبدلات فسيولوجية و نفسية ، و حركية ، و كيميائية حيوية ..

هذه التبدلات يكون فيها .. النقصان عن الحد الطبيعي ، أكثر من الزيادة بحسب رأي العالم تيللر ...

سعة العمل الشاق ، و المهارات النفسية الحركية أن تجري الاختبارات بدون حاجة للانتباه المدعوم ! ) و سكر الدم ، و المدخر القلوي ، و خضاب الدم ، و تعداد كريات الدم البيضاء و الحمراء ، ووزن الجسم ، و حرارة البدن ، والاستقلاب الأساسي ،و الاطرح البولي لمادة 17 ـ كيتوستيروثير !

و إلى جانب هذه التبدلات الكثيرة ، التي تأثرت " قيليلاً " من حالة الشدة الناجمة عن فقدان النوم ، فإنه تظهر عادة ، تبدلات هامة تتناول النشاط الكهربائي للدماغ ، مع اضطرابات نفسية عديدة .

فمخطط الدماغ الكهربائي ، تبدأ بتدلاته ما بين الساعة 36 ـ 50     (   من الحرمان من النوم ) ، و تمتاز هذه التبدلات بشكل رئيسي ، بظهور زيادة في الزمن الذي تشغله الموجات العالية التوتر ..

و كذلك فإن المسائل الحسابية الذهنية و التي تزيد من النشاط الكهربائي للدماغ ، تترافق عادة بزيادة قليلة في الموجات العالية التوتر عند الشخص الطبيعي المرتاح ، بينما لا تحدث هذه الزيادة أبداً ، و لا تظهر عند الشخص المحروم من النوم !

حتى إذا ما استمر الإنسان في حالة من اليقظة لمدة 72 ساعة ، و بقي محروماً من النوم ، فإن منشطاته و استجاباته ، تصبح ضعيفة ، فيزداد النسيان لديه .... و يقل التركيز ... و تبدوا الأشياء المرئية ، كما لو كانت مزدوجة .. و يعاني من رؤية الهلاوس ، بشكل متوسط حر ..

و من الشائع حدوث تهيج عصبي .. و شكل من الجنون ، مثل جنون العظمة أو الشك .

و بعضهم قد يعاني من أعراض هوس عقلي .. متمثل في السرحان ، و البعد عن الواقع المحيط به ....

كما تزداد إمكانية حدوث نويات من الصرع ، فتمثل خطراً متزايداً ..

فلقد تم في " مركز لأبحاث النوم " تابع لجامعة لوبرون للتكنولجيا في وسط انكلترا ، و على بعد 100 ميل شمالي لندن ... تم عمل تجربة لمعرفة أثر الحرمان من النوم على الإنسان ، لمدة ثلاثة أيام ، أي 72 ساعة كاملة ..

و ذلك بهدف معرفة ما إذا كان النوم ضرورياً لأداء الوظائف الطبيعية المختلفة كل يوم ، أم أنه عادة لا ضرورة لها ...

حيث كانت هذه التجربة ، تهدف إلى اختيار الذاكرة و المهارات اللغوية ، لهؤلاء " المتطوعين " الذي قبلوا الحرمان من النوم ، طوال فترة 72 ساعة " إكراماً لعيون " الطيب النفسي جيم هورني ! صاحب التجربة ، و في سبيل العلم .

بدأت التجربة في الساعة الثامنة صباحاً من يوم الجمعة ، و استمرت حتى الثامنة صباحاً من يوم الإثنين .

و كانت مواد التجربة ، تتألف من ... جولات يومية خمسة ، من الاختبارات : التأرجح على قضيب خشبي يشبه تمرينات الباليه ، و ذلك لاختبار التوازن ، و قياس الحرارة ، والتعرض لاختبار و يلكنسون لليقظة ....

و أما خارج أوقات الاختبارات ، فكان المتطوعون يمضون الوقت في غرفة مشتركة ، مزودة بجهاز لألعاب الفيديو ، و بلعبة السهام ، و بعض ألعاب المائدة ( شطرنج و غيره ) و غيرها من وسائل التسلية ..

و كان المتطوعون ، يستطيعون شرب القهوة و الشاي بكميات محددة ..... كما كانوا يشجعون بعضهم على الاستمرار في اليقظة ...

في فجر يوم السبت كان الجميع يترنح من التعب ..

إلا أنهم نشطوا نسبياً أثناء النهار ، وأمضوا يوم السبت ، بشكل معقول......

من حل أحد الألغاز ، و المشاركة في لعبة الفيديو و  ....

و في صباح يوم الأحد ، اشترك المتطوعون في لعبة تمثيلية ، مليئة بالحيوية ، و تعتمد على الذكاء ، وهي معرفة مقاطع ، كلمة معينة ، من خلال مشاهدة تمثيلية يؤدنها ... .و كانوا لا يزالون بخير ..

و عندما تابعوا في خلال نهار الأحد .

شعر أحدهم عندما وقف أمام جهاز اليقظة ، بأن أقدامه تلتوي تحت جسمه ، عند الصفارة رقم 28 ، و هوي نائماً بسرعة على المقعد ..

و عندما كانوا ينقلون من جهاز اليقظة ليلعبوا بالفيديو ( مثل لعبة غزاة الفضاء أو الباك مان !) كان الجهازين ( جهاز اليقظة و جهاز الفيديو ، قد امتلطا في عقولهم .. فقد بدؤا يسمعون انفجارات القنابل في قيادة الصواريخ ( أصوات لعبة الفيديو) ، مختلطة بالصفير بالمتقطع لجهاز اليقظة .

و مع انتهاء يوم الأحد ، ظهرت بعض الاضطرابات العقلية الأخرى .

فشاهد أحدكم دخاناً ليس له وجود ينبعث من جهاز التلفزيون ...

و أحس الأخر بأنه يرتدي قبعة ...

و أما الثالث فقد صاح " لا أستطيع تثبيت عيني على أي شيء ، لم تعد لدي أي قوة باقية " !

و أما الثالث فقد صاح " لا أستطيع تثبيت عيني على أي شيء ، لم تعد لدي أي قوة .

و في صباح يوم الاثنين كان الدوار ، قد حل بالجميع ، و أصبح جهاز اختيار اليقظة غير متحمل ... حيث أحد المتطوعين ضغط على الزر 11 مرة ، عوضاً عن الرقم المطلوب و هو 225 مرة ، و كانت إحدى المرات خاطئة أيضاً ..

و عندما انتهت التجربة ، و تجارب أخرى مماثلة ، كان الأشخاص المتطوعين ، يذهبون في نوم عميق ، يستمر من 14 ـ 16 ساعة ....  حيث أن الجسم عادة ما يعوض فقط ثلث عدد ساعات النوم الضائعة .. و كان قسماً كبيراً من هذه الساعات يقضى في مرحلة نوم حركة العين السريعة ( مرحلة الأحلام ) .

و بعد الاستيقاظ من هذه النوم ، فإنه كانت تظهر دلائل اضطراب في وظائف أجهزة الجسم المختلفة ، بحيث لم تعد هذه الوظائف إلى طبيعتها ، إلا بعد انقضاء عشرة أيام على انتهاء التجربة ..

كانت الفترات العصبية في هذه التجربة ، تمر على الرجال أكثر من النساء فقد كان بين المتطوعين فتاة ..

يقول هورني " إن الرجال يمرون بأوقات عصبية أكثر من النساء ، في حالات الحرمان من النوم ! .. ربما لأن النساء لديهن طاقة أكبر مخزونة في الطبقة الدهنية من الجسم " ...

و لكن .... لابد أن نتذكر أيضاً ، أن الفتاة المشاركة ، كانت صغيرة السن ، في العشرين من عمرها .. بينما كان الرجال ، لاسيما الذين غلبه النوم ، في الأربعين من عمره .. فلعل السبب يرجع أيضاً :

إلى أن صغار السن أقدر على أحتمال الحرمان من النوم من الكبار ..

فلقد أوضحت دراسات في جامعة فلوريدا أن الأشخاص عند سن الأربعين أو بعدها ، يقاسون من الحرمان من النوم ، أكثر مما يقاسي طلبة الجامعات ، أي الأشخاص صغار السن ، الشباب ...

 و لقد وجد أيضاً من خلال هذه التجربة ، و تجارب أخرى مماثلة ، أن المحرومين من النوم ( سواء كانوا رجالاً أو نساءً ) يأكلون بشراهة!..

و لقد أجريت تجارب مماثلة ، في عيادة لافايت بمدينة دترويت ، كانت تهدف إلى معرفة و تحديد نشاط أجهزة تحويل الطاقة في الجسم ، و هي الآليات المسؤولة عن تزويد الطاقة اللازمة لاستمرار النشاط العضلي و العصبي ، في حالة الحرمان من النوم و لمدة 100 ساعة متواصلة أي حوالي أربع أيام و زيادة !

لقد وجد أن نشاط هذه الأجهزة ، يتزايد زيادة هائلة ..

حتى إذا ما زادت " الفترة الحرمانية " عن المائة ساعة ، ظهرت عندها " أساليب الطوارئ " التي لا تسخدم في الظروف العادية ...

و هذا يشكل دليلاً واضحاً ، على حدوث قدرة من استنفاد المصادر العادية لطاقة الجسم !

حيث بناء على ذلك ،يمكن اعتبار الشخص الذي يصمد دون نوم ، و كأنه يشبه " محرك السيارة " ، في بعض نواحيه ، عندما يفقد كفاءاته ، بسبب الاستعمال الزائد عن الحد .. فقد " يتناقض الاداء " إلا أنه يظل من الممكن و في حدود معينة ، الوصول إلى مستويات ملائمة على حساب " الاستهلاك الزائد الزائد للوقود".

و لقد وجد في تجربة ، أجريت بمعرفة " مركز أبحاث النوم " التاسع لجامعة أوهايو في أمريكا ، ثم تم خلالها حرمان بعض المتطوعين ، من النوم ، لمدة خمسة أيام متتالية ( 120ساعة ) .

لقد وجد ، أنه ظهرت على هؤلاء " المتطوعين " علامات إعياء شديد و إنخفاض حاد في القدرة على التركيز و التفكير ...

حتى إذا ما كان اليوم الخامس و الأخير من التجربة ، كان التطوعين ، في حالة عجز شبه كاملة ، عن الحركة ..

و انخفضت قدرتهم علىالتفكير ، وضع القرارات إلى أدنى مستوى لها .....

و صدرت عنهم " هلوسة " شبيهة بهذيان المحموم.

و لقد وجد في تجارب أخرى مماثلة ، تمت من خلالها محاولة حرمان المتطوعين ، من النوم ، لمدة تصل إلى 200 ساعة و أحياناً تزيد ( حوالي ثمانية أيام و زيادة )

لقد وجد من خلال هذه التجارب ، و بلا استثناء ، أنه ما أن تمر مدة 100 ساعة من الحرمان المتواصل من النوم ، أي بعد حوالي 4 أيام ، و هي النقطة التي تتحطم عندها أجهزة تحويل الطاقة ، كما ذكرت ، حتى يظهر تدريجياً سوءا لتكامل في الشخصية ، و في السلوك العقلي.. فيتصرف " المحروم من النوم" بما يشبه الثمل المتبرع .. فيتفوه بكلمات لا ضابط لها ن و تصدر عنه حركات أو أقوال ، لا يرتضيها في حالاته العادية ...

كما تظهر أعراض الجنون الهذائي ( الهذياني ) .. حيث يتهم " المفحوص المتطوع " .. يتهم " العالم المجرب " بأنه يحاول تحطيم محاولته البقاء مستيقظاً ، طوال الفترة المحدودة .

و لقد تمت أيضاً محاولة الاعتداء على المجرمين في حالتين ..

و في نفس الوقت تضطرب قوى الإدراك العقلي .. فيرى المفحوص المجرب .

 

و عـاد الشـبـاب

فيحسبك النوم ... يريح و ينعش ..

يرمي و يبني ......

يحفظ النضارة ، و يجدد الشباب ..

فالكثير من الشيوخ  الذي ما زالوا يؤدون في شيخوختهم ، أعملاً جبارة و بنجاح الشباب و نشاطهم .. إنما يعزوا ذلك كله إلى محافظتهم على نوم صحيح .

" فشبابنا يتجدد بالمفهوم الحقيقي بعد كل نوم .. فنحن في الصباح أطول منا في المساء .. و أكثر مرونة إلى حد بعيد .. و كذلك أشد قوة و أغزر في عصارات الجسم ، و أقرب بذلك إلى الشباب .. و أما في المساء ، فأجسامنا أشد جفافاً .. و أحط قوى ، و أقرب بذلك إلى الشيخوخة .. ذلك ما قاله هوفيلاند الطبيب الألماني المختص....

و ذلك ما وجده كثير من العلماء .. و ما جربه بافلوف..

فلقد توصل بافلوف إلى استنباط طريقة لمعالجة الأمراض بالنوم .. وكان تفكيره يتجه أولاً ، إلى الأمراض الناشئة عن اضطرابات أو فقدان التوازن في الجهاز العصبي الإنباتي ( الودي و نظير الودي ) و ذل لما بين النوم و بين الجهاز من علاقة خاصة .. إلا أنه شاهد ، و إلى جانب النتائج الحسنة التي أحرزها في معالجة هذه الأمراض و شفائها ، أن النوم تأثيراً واضحاً في إعادة الشباب أيضاً .

فلقد كان بافلوف يهيء للمريض فراشاً وثيراً دافئاً ، و بعيداً عن النور والضوضاء .. ثم يعطيه أدوية منومة بفترات و جرعات معينة ، يظل بعدها المريض في سبات عميق مستمر ، لمدة ثلاثة أسابيع ، لا تقطعه ، إلا فترات قصيرة من الصحو و اليقظة ، كافية لتناول الغذاء و إفراغ الفضلات من بول و براز .. حيث يعود بعدها المريض إلى النوم بإعطائه جرعة الدواء المنوم .

و لقد لفت انتباه بافلوف ، ما أكده المرضى بعد شفائهم من المرض ، و عودتهم إلى الصحو : من أنهم يشعرون و كأنهم قد عادوا سنين إلى الوراء ..

و لما كان بافلوف رجل علم ، و تجربة ، فإنه لم يكتف بهذا التأكيد من مرضاه ، و خشي أن يكون " الايحاء الذاتي " قد لعب دوراً فيما يدّعون من شعور .. و لذلك صمم على إجراء تجارب على " حيوان " فالحيوان لا يتأثر بالايحاء ..

ولقد اختار لهذا الغرض كلباً مسناً ، بلغ من العمر 14 سنة ،  و هو عادة أقصى ما يصل إليه الكلب من العمر ، و هذا يعادل عند الإنسان ، شيخاً في التسعين من عمره ..

و كانت أعراض الشيخوخة و الهرم بارزة عند هذا الكلب المسن .. إذ كان لا يرى إلا قليلاً ، فهو شبه أعمى . و يسمع أقل من ذلك .. و كانت فروته باهته اللون ، و يخالطها شعرات رمادية .. و كان هذا الكلب المسن وصل إلى أرذل العمر ، غير مكترث أو منتبه إلى ما يحدث بالقرب منه ، و إلى ما يدور حوله ، بطيء الحركة يمضي أكثر أوقاته مستكيناً مستسلماً ..

هذا الكلب المستكين ، الذي بلغ حافة القبر ..أخذه بافلوف و عالجه بالنوم المستمر ، لمدة ثلاثة أشهر ، كان يعطيه خلالها جرعات من الدواء المنوم ( فينوبربيتال ) و لاشيء غير ذلك .. و دون أن يوقظ ، إلا في فترات معينة لتناول الطعام ، و فضاء الحاجة .. حيث يعود إلى النوم مرة أخرى . و هكذا لمدة ثلاثة أشهر ..

و أنتهت المدة .. و انتهي العلاج .. وظهر على الكلب ، ما يدهش .

لقد ظهرت عنده ، أعراض " عودة الشباب " إليه ..

فها هو هذا الكلب المسكين المستكين " الذي كان " أصبح " الآن " يقفز ، و يهرول .  و فروته الباهتة المختلطة ، بشعرات رمادية .... عاد إلهيا لونها و لمعانها في أيام الشباب ...

و ما أحلى أيام الشباب .. و " ما أحلى الرجوع إليه " ..

إلا أن " القطار " إذا تجاوز ، لا يعود ..

و بعد سبع سنوات ، استمر بافلوف خلالها يراقب الكلب ، أعلنت هذه التجارب و نتائجها ، وكان الكلب ما زال حياً ... رغم أنه تجاوز العشرين . وهو ما يعادل عند الإنسان سن 135عاماً.

فالكلب لم يتجاوز ضعفي ، ما يقدر لأمثاله من عمر فحسب ، بل إنه ظل بفضل معالجته بالنوم يحتفظ أيضاً " بقدرة " من " أعراض الشباب و صفاته " . . و لقد استعمل ، مثل هذه الطريقة الطبيب الألماني           ( فايدنار ) .. حيث كان ينوم المريض نوماً متقطعاً ، لمدة ثلاثة أسابيع أو أكثر بفضل استعمال الأدوية المنومة ، و لا يوقظ إلا لتناول الطعام ،و إفراغ السبيلين . استعملها لمعالجة حالات مختلفة  و سماها " النوم الشافي " .

فقد عرف عن النوم ، أنه يساعد على الشفاء . .. و يقلل أيضاً من مضاعفات المرض ...

و لهذا كثيراً ما ينصح به الطب ، و لاسيما في الأنفلونزا ، مثلاً و الاضطرابات العصبية ..

كما أن النوم ، استعمل و بنجاح ، علاجاً لمرضى ارتفاع ضغط الدم في مراحله الأولى مع العقاقير ..

و يستعمل أيضاً في علاج كثير من الأمراض الباطنية .

كما أنه يعمل على زيادة الوزن ، في فترة النقاهة من الأمراض ..

و ليس هذا فحسب فالنوم أيضاً علاج للقلق و الانزعاج.

و لذلك فلا تتعجب ، إن سمعت أنه أقيمت في أمريكا ، " عيادة خاصة للنوم " لمعالجة حالات الأرق و الانزعاج ..

فكلما استحوذ القلق على الإنسان ، هبت نوبة الكرى فوق جفونه .. فإذا بالنوم ، يزيل قلقه .. و يذهب خوفه ..

و إذا الذي استيقظ كان أكثر أمناً ، و أهدأ حالاً منه قبل نومه.

و إذا الذي استيقظ ، كان أكثر أمناً ، و أهدأ حالاً منه ، قبل نومه ..

و ندرك مرة أخرى ، حكمة النعاس الذي غشي جنود المسلمين في غزوة بدر .. ثم غزوة أحد ..

ففي بدر آتاهم النوم و أمناً .. و ربط على قلوبهم ، ليبعد عنهم القلق و الخوف .

فلقد كانوا قلة أمام أعدائهم الكافرين .. فأمن بالنعاس خوفهم.. و جدد قواهم .. فانتصروا على أعدائهم ..

" إذ يغشاكم النعاس أمنة منه ، و يننزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ، و يذهب عنكم رجز الشيطان و ليربط على قلوبكم و يثبت به الأقدام ." الأنفال : 11.

" إن قصة النعاس الذي غشي المسلمين قبل المعركة ، هي قصة حالة نفسية عجيبة ، لا تكون إلا بأمر الله و قدرته و تدبيره .. لقد فزع المسلمون و هم يرون أنفسهم قلة في مواجهة خطر لم يحسبوا حسابه و لم يتخذوا له عدته .. فإذا النعاس يغشاهم .. لم يصحون منه و السكينة تغمر نفوسهم و الطمأنينة تفيض على قلوبهم ... لقد كانت هذه الغشية و هذه الطمأنينة ، مدداً من أمداد الله للعصبة المسلمة يوم بدر " الظلال ..

و في أحد : " لقد أعقب هول الهزيمة و ذعرها ، و هرجها و مرجها ، سكون عجيب . سكون في نفوس المؤمنين الذين ثابوا إلى ربهم ، و ثابوا إلى نبيهم . لقد شملهم نعاس لطيف في نفوس المؤمنين الذين ثابوا إلى ربهم ، و ثابوا إلى نبيهم . لقد شملهم نعاس لطيف يستسلمون إليه مطمئنين ! و التعبير عن هذه الظاهرة العجيبة يشف و يرق و ينعم ، حتى ليصور بجرسه و ظله ذلك الجو المطمئن الوديع : " ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً يغشى طائفة منكم " آل عمران : 154.

و هي ظاهرة عجيبة ، تشي برحمة التي تحف بعبادة المؤمنين ، فالنعاس حين يلم بالمجهدين ، المرهقين المفزعين ، و لو لحظة واحدة ، يفعل في كيانهم فعل السحر ، و يردهم خلقاً جديداً ، و يسكب في قلوبهم الطمأنينة ، كما يسكب في كيانهم الراحة ". الظلال .

فالنوم ، يمحو من النفوس ، صدمات الكوارث في الحياة ..

و يعيد إلى النفوس المتعبة القلقة .. التوازن ..

تبدلات الجسم الفسيولوجية أثناء النوم :

إذا نظرنا إلى القلب نجد أنه يتباطأ نبضه أثناء النوم ، و يغدوا أهدأ ، و صار أضعف و أبطأ !  و بين النبضة و النبضة ، يطول الوقوف و تصير الفترة أبعد و أطول .

و الضغط الدموي ( التوتر الشرياني ) انخفض علوه بمقدار 20 ـ 25 ملم زئبق .

و عادة يكون ذلك خلال النصف الأول من  الليل.

و أما التنفس ، فيصبح أبطأ حركة ، و أطول , أعمق . فعمقه يزداد ، و يميل إلى الانتظام و لاسيما عند الأطفال و الشيوخ .. و السبب في ذلك :

نتيجة تثبط مركز التنفس في البصلة السيسائية ، بحيث تصبح قابليته لإثارة منخفضة .. حيث أن التحاليل الدموية و المخبرية .. تبين أن غاز الفحم في الدم ، يزداد ، كما يزداد داخل الأسنان الرؤية ، أيضاً ... و تحدث تبدلات في قدرة هدروجين الدم (أبي بأتش الدم ) فتنخفض ، و يصبح الدم أكثر حموضة .

و قد يكون ، يعلل لنا عالم آخر .. هدوء القلب الضغط و عمق التنفس .. بسبب تنشط الجهاز نظير الودي أثناء النوم ، و الذي يفوق في نشاطه الجهاز الودي ، و يسيطر عليه ، سيطرة نسبية .

و قد و جد أن 67% من مجموع الأوكسجين الضروري ، يمتصه الجسم أثناء النهار ، خلال 12 ساعة ، في مقابل 33% حلال ساعات الليل .. كما يخرج الجسم 58% من غاز ثاني أوكسيد الكربون في النهار و 42 % أثناء ساعات الليل .

إن درجة الانخفاض ، يعلل بحدوث تثبط  خفيف يصيب مراكز تنظيم الحرارة ، و بحدوث الاتخاء العضلي المرافق للنوم ، حيث أن التوتر العضلي في الحالات الطبيعية الناشطة ، ينتج حرارة ، و هذا بدوره يساعد على زيادة حرارة الجسم .

و يتابع فيقول : و لذلك يحتاج النائم للغطاء أكثر من المستيقظ !

و يرد على " اندهاش و تساؤل " فيقول : و إذا كنا نلاحظ أن النائم ، حين يستيقظ يكون أدفأ ، حتى أن الفراش كله يصبح دافئاً ، فهذا يعود إلى :

قلة الحركة أثناء النوم .

و إلى الغطاء الذي يحفظ الحرارة من التبدل ، و التبدد.

و إلى تمدد ، و انبساط لدى اللمس و أدفأ ن بعد أن تشبع بالدم ، و تورد.. مع أن حرارة الجسد العامة منخفضة بعض الشيء ..

أما الثالث ، فلقد جرب و جرب .. ثم وجد:

أن الحركان الحووية في الأمعاء و المعدة ( أي حركات الهضم ) تخف ، و تتباطأ أثناء النوم ، إلا أنها بلا شك تستمر ! كما أن العصارة المعوية و الهضمية يتناقص تكوينها ، و يقل إفرازها ..... فالغدد الهضمية و الكبد ، و المعثكلة ( البنكرياس ) ، كلها يتبدل نشاطها ، فينقص بعض الشيء .

فالمعدة ، مثلاً ، تحتاج طعام دسم إلى نحو 7 ساعات ، و أما في حالة النوم ، فإنها لا تهضم هذا الهضم في أقل من 12 ساعة . و لذلك ، يتابع كلامه .. أنصح بعد النوم مباشرة بعد وجبة العشاء .. و أذكركم بالمثل القائل " تعش و اتمشى " فهو جيد .. و أما نحن فنتذكر ما قلناه سابقاً من الذهاب إلى المسجد و التمشي إليه و منه بعد العشاء .. حيث نعطي المعدة و الأمعاء فرصة .. فرصة لتفتيت الطعام و امتصاصه ، و تخزينه أو احتراقه ..

و يخبرنا الرابع:  أن نشاط بعض الغدد و لاسيما غدد الوجه ، يقل .. فيتناقص إفرازها .. و لذلك يقل اللعاب و يجف الفم ، كما تجف الجفوة و تحمر .. و لهذا يتابع الكلام .. نرى الأولاد حين يسيتيقظون ، بظهور راحاتهم الصغيرة أو قبضاتهم الغضة ، يحكون عيونهم ، لتنشيط الغدد الدمعية ، من أجل خضل أجفانهم ... و ثمة استثناء وحيد ، و هو الغدد العرقية .. فهذه يزيد نشاطها و يزداد إفرازها . و هذا الشيء بلا شك يمكن الجسم من تخفيف الدفء المفرط ، الذي ينجم عن تشبع الجلد بالدم .. بالإضافة إلى العمل الهام و الذي يعوض عن تباطؤ الكلية في عملها و نشاطها . . فيساعد في التعويض عن انخفاض نسبة الطرح و التخلص من الفضلات و المبتذلات ، و التي تحدث في الكليتين أثناء النوم ..

و لذلك ، يتابع كلامه ، عندما ترون قطرات العرق تلمع على خدود الأطفال وهم نائمون ، و لاسيما في فصل الصيف ، و كأنها قطرات ندى ، على تويجات الأزاهير ! فلا تستعملوا المراوح الكهربائية .. فهذا الفعل ضار .. فالمراوح تنتج تيارات هوائية تبخر العرق ، فتنخفض حرارة الجسم و الجلد .. فتسبب الأمراض المختلفة ..

و الخامس الذي بحث في عمليات التأكسد و الاستقلاب ( الأيض ) يقول ، أنها تنقص و تضعف ..

فالإنسان يمر خلال نومه بحالة خفيفة جداً من "البيات الشتوي " إذ ينخفض معدل التمثيل الغذائي بمقدار يتراوح ما بين 10 ـ 15 % عن أقل معدل له في حالة اليقظة .. فالجسم النائم يستهلك 75 وحدة حرارية في الساعة ، مقابل المعدل البالغ 150 وحدة حرارية في الساعة أو أكثر في ساعات النهار ، فعمليات البناء تهبط بشكل عام ، إنما مع زيادة عمليات " استعادة البناء " عن عمليات " الهدم و التقويض " .

أما السادس ، فلقد تأكد من أنه : يضعف إرواء الدم للكيتين فيقل إفرازهما من البول من مرتين إلى أربع مرات ( أي بمقدار الربع أو النصف أحياناً ) .

كما تضعف القدرة على تكوين البول و إزالته ، و يصبح البول أكثر تركيزاً . و نتيجة لقلة طرح البول ، يصير الدم أكثر " مائية " .

و السابع عرف بتجاربه أن :

مقاومة الجلد للتيار الكهربائي تنخفض .

كما أن الجلد يصبح أكثر نشاطاً أثناء النوم

فها هو الأستاذ " وليم بالو " و يستطيع أن يحدث الإصلاح و الترميم . في أثناء النوم فقط .

ففي أثناء نشاط الجلد هذا ، يتابع الباحث السابع كلامه .. يتحول الغليكوجين ( سكر الكبد ) المودع في الجلد ، إلى سكر ، و يتدفق في مجرى الدم . و أثناء النوم ، فإن بعض السكر في المجرى الدموي ، يعود إلى حالته الأولى ، أي تيحول ثانية إلى غليكوجين , يسكن في خلايا الجلد ، ليستعمل في أعمال الإصلاح و الترميم ، و في تجديد الخلايا ، و صنع الخلايا الجديدة ..... و لذلك فإن " الجراح " تندمل و تشفى في ساعات النوم ، عندما تتوفر ، مواد البناء و الترميم ، اللازمة لهذه العملية ..

      و الثامن الذي حلل .. الدم و السائل النخاعي الشوكي ! أخبر أن : مقدار الكالسيوم في الدم ينخفض .

و تكثر في الدم أملاح المغنيزيوم ، و هذا مما يؤدي إلى كبت النشاط العصبي و العضلي في الجسم ، فيتوقف هذا النشاط مؤقتاً عن العمل .

و تتناقص في الدم كمية الهرمونات ، و منها هرمونات الكظر ، باستثناء الأنسولين الذي يزداد .. و هذا يؤدي إلى تناقص الغلوكوز ( سكر العنب) في الدم .

و في السائل الشوكي ، تزداد أملاح البوتاسيوم !

و يضيف معلقاً على نقصان مقدار الكالسيوم في الدم في سياق النوم الفسيولوجي الطبيعي ، أو المحدث بالمنومات ، يضيف فيقول : إن ذلك هو الذي يجعل العلماء يعتقدون ،بأن هذه الشاردة ( شاردة الكالسيوم ) ، تتكثف في الدماغ لتظهر قدرتها المركبة  المركزية .. بينما تقوم شاردة البوتاسيوم ، حينما تعطى ، بمقادير خاصة ، بتأثير دماغي معاكس ، لتأثير شاردة الكالسيوم ..

و يصف لنا تاسع ، ما وجده من استرخاء العضلات و انبساطها .. أو فعاليتها و انقباضها ، فيقول :

ها هي عضلات العنق ، تسترخي ، فيهوم الناعس و ينود ! . و يسير الاسترخاء إلى عضلات أخرى ، و يزيد .. كلما تمشي النوم في الجسم ، و زاد ! .. فبتمشي النوم في الجسم ، تفقد سيطرة الإرادة على العضلات ( المخططة) ، فتسترخي ، و تقل فيها درجة التوتر العضلي ، إلا أنها تحفظ بشيء من الفعالية !.

و من المعروف ، يتابع كلامه !. أن العضلات الهيكلية ( التي ترتكز على الهيكل العظمي ) ، تترتب في أزواج متعارضة ! تترتب في أزواج متعارضة ! فهناك عضلات للاستنباط ، و أخرى للانقباض .. و الذي يكون أدنى ما يكون أدنى ما يكون خلال الاسترخاء و النوم .. إلا أنه على كل حال يحتفظ بالقدر الكافي ، لحماية الكائن ، و تقلبه ، خلال النوم

المصدر : كتاب : "  النوم أسراره  " الدكتور أنور حمدي

 

 

مواضيع ذات علاقة

اسم الموضوع

هجري

تاريخ الموضوع

الإعجاز الطبي والدوائي في القرآن الكريم

12 شعبان 1429

2008/08/13

الإعجاز في جسم الإنسان في القرآن الكريم

06 شعبان 1429

2008/08/07