آية من آيات الله تعالى
بقلم فراس نور الحق
يقول الله تعالى في كتابه العزيز:
(وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ * إِنْ
يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ
فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ * أَوْ يُوبِقْهُنَّ
بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ)[الشورى:
32-34].
منذ سنوات طويلة وكلما سمعت هذه الآيات التي يذكر فيها سبحانه السفن
الكبيرة التي تجري في البحر وأنها آية تدل على قدرة الخالق سبحانه
وتعالى، كنت أسأل نفسي: ما هي المعجزة من وراء جريان هذه السفن ولماذا
هي آية تدلّ على وجود الله وقدرته وعظمته؟ بل إنه أمتنَّ علينا بها في
آية ثانية بهذه الوسائل فقال:(وَلَهُ
الْجَوَارِ الْمُنْشَآَتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ)[الرحمن:
24].
والله
لا يمتنّ إلا بما هو عظيم وله فائدة هائلة.
لقد قرأت وبحثتُ في القوانين التي تحكم حركة أي سفينة فتبين لي أن حركة
السفن وطفوها وسيرها في عباب البحر لا يتم بمحض الصدفة، بل هناك مجموعة
من القوانين المعقدة تتحكم بها. وقد تم اكتشاف ملامح بعضها قديماً ولكن
لم يتم فهمها والاستفادة منها عملياً إلا مؤخراً. ومن أهم هذه القوانين
ما يسميه العلماء بدافعة أرخميدس وقانون الطفو والتوازن.
شكل (1) لقد سخر الله لنا هذه السفن لتجري في البحر بأمره، فقد أصبح
النقل بواسطة السفن أمراً أساسياً في العصر الحديث وهذه الوسيلة تعتبر
من أرخص وسائل النقل مقارنة بالوسائل البرية أو الجوية.
ما هو قانون أرخميدس؟
يقول قانون إن القوة الممارسة على جسم ما في وسط سائل أو غاز تساوي قوة
وزن حجم السائل أو الغاز الذي يزيحه الجسم. أي إذا جئنا بوعاء ممتلئ
بالماء حتى حافته، وغمسنا فيه تفاحة مثلاً فإن هذه التفاحة ستسبب
انسكاب الماء من الوعاء على الأرض. ولو قسنا حجم الماء المنسكب أو
المزاح سنجده مساوياً لحجم التفاحة.
كيف تتم عملية طفو السفينة؟
إذا كان وزن جسم السفينة أقل من وزن الماء المزاح بحجم القسم المغمور
منها في الماء فإن كثافة الجسم أقل من كثافة الماء المحيط، وبالتالي
فإن السفينة ستطفو إلى أن يصبح وزن السفينة مساوياً لوزن الماء المزاح.
ذلك بسبب أن القوة الناشئة من وزن السفينة أقل من قوة رد فعل الماء
الممانعة لها فتطفو على سطح الماء.
أما إذا كان وزن السفينة أكبر من وزن الماء المزاح الناتج عن المساحة
المغمورة من السفينة، فإن كثافة السفينة سوف تصبح أكبر من كثافة الماء
مما يؤدي إلى غرق الجسم في الماء المحيط بسبب أن قوة وزن السفينة أصبحت
أكبر من قوة رد فعل الماء الممانعة لغمر جسم السفينة غير القابل
للذوبان أو الانتشار.
أما إذا كانت السفينة مصنوعة من مادة ذات كثافة أعلى من الماء، مثل
الحديد فإنه باستطاعتها الطفو في حال كان لها شكل مناسب بحيث تحتفظ
بحجم كافٍ من الهواء فوق سطحها، وفي تلك الحالة، فإن معدل كثافة
السفينة، متضمنة الحديد والهواء، سوف تصبح أقل من كثافة السائل
وبالتالي فإنها تطفو.
توازن السفينة
أما قانون التوازن فيقضي بأن السفينة يجب أن تتوازن في الماء لكي لا
تنقلب. وهناك حالات للتوازن تدرس في ميكانيك السوائل، وقد استغرق
اكتشاف قوانين هندسة السفن أكثر من مئة سنة! وتبين بأن هناك قوانين
دقيقة جداً تتحكم في السفينة أثناء رحلتها.
فتصميم السفينة له دور كبير في توازنها وتحملها للمفاجآت. وكذلك نوع
المعدن الذي تصنع منه السفينة له دور مهم أيضاً، وهناك دور للمحركات
وقدرتها على تحمل الأوزان وقدرتها على مواجهة الأمواج.
إذن بعد
أن تمكن الإنسان من اكتشاف هذه الظواهر ووضع القوانين العلمية لها
تم بناء السفن العملاقة والتي يصل ارتفاع بعضها إلى عشرات الأمتار كسفن
نقل المسافرين والتي تزيد على عشرة طوابق والتي تشبه الجبال حجماً،
وبواخر الشحن العملاقة التي تقوم بنقل النفط وحاملات الطائرات.
شكل (2)
رسم لسفينة مبسطة يوضح كيف أن القوة التي تمارسها السفينة على الماء
بفعل وزنها يقابلها قوة رد فعل من الماء وتسمى قوة أرخميدس، والقوتان
متساويتان ولذلك تبقى السفينة في حالة توازن ولا تنقلب.
الآن نستعرض هذه القوانين التي سخرها الله لتحفظ توازن السفن على ظهر
الماء.
حجم الماء الذي يزيحه القارب هو V=x*y*i (هذا
إذا اعتبرنا أن القارب هو مكعب الشكل).
وفي حالة انعدام ذلك يجب استعمال عملية التكامل لحساب حجم السفينة وإذا
ضربنا هذا الحجم بكثافة الماء فإننا سوف نحصل على وزن الماء
Mw=Rho*V
وبضرب وزن الماء بثابت الجاذبية والذي يساوي:
g=
9.81 متراً على مربع الثانية، فإننا نحصل على القوة الممارسة من الماء
على السفينة أي القوة المرموز لها ب
Aفي
الصورة و هي قوة من الأسفل للأعلى أما القوة
Gفهي
القوة الممارسة من الزورق على الماء. و إذا كانت
Aتساوي
Gفإن
السفينة تطفو فوق الماء أما إن لم يكن ذلك أي في حالة
Aأصغر
من Gفإن
السفينة تغرق
Y:
طول جزء السفينة المغموس في الماء
I:عرض
جزء السفينة المغموس في الماء
X:
ارتفاع جزء السفينة المغموس في الماء
Rho:
كثافة الماء أو السائل
A:
قوة الطفو
شكل (4)
يستخدم العلماء اليوم الطرائق الرقمية المعقدة في تصميم السفن،
وبالتالي هنالك مجموعات شديدة التعقيد من المعادلات والقوانين التي
يستخدمها هؤلاء العلماء لإنجاح تصميماتهم. هذه القوانين سخرها الله
تعالى لنا لنتمكن من تصميم ناجح للسفن.
بالتأكيد كان لفهم هذه الظواهر العلمية بشكل دقيق أبلغ الأثر في التطور
التكنولوجي والطفرة العلمية والاقتصادية التي نشهدها، بسبب أجور النقل
المنخفضة التي توفرها السفن بالمقارنة مع وسائل النقل الأخرى، ويحضرني
قوله تعالى: (أَلَمْ
تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ
تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ
عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ
رَّحِيمٌ)
[الحج: 65].
فإذا رجعنا إلى معنا كلمة (سخَّر) في القاموس المحيط للفيروز أبادي
نجده يقول: "سَخَّرَهُ
تَسْخِيراً: ذَلَّلَهُ، وكَلَّفَهُ عَمَلاً بلا أجْرَ.
و(الفُلك):السفينة".
فالله تعالى قد ذلل لنا ما في الأرض من بحار ومياه وقوانين، ومنها
السفن
شكل
(5) سفينة ضخمة للركاب وشحن البضائع وتضم العديد من الطوابق ومئات
الغرف، وكأننا أمام مدينة مصغرة، فسبحان الذي سخر لنا هذه الوسائل
المريحة والرخيصة، إنها رحمة الله تعالى.
دور الرياح
لقد سخر الله لهذه السفن رياحاً تحركها لتجري، ولولا حركة الرياح لبقيت
السفن ساكنة على ظهر الماء وهذه نعمة من الله تعالى القائل:
(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ
السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ
وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ
وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33)
وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ
اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)[إبراهيم:
32-34].
وقفة إيمانية
أخي القارئ فكّر معي للحظة! هل هذه القوانين التي أودعها الله تعالى في
المياه والتي يسَّرت للسفن الجريان على سطحها كانت بمحض المصادفة أم
كانت بتقدير عليم خبير عالم بها وعالم بوظيفتها؟
أما وجه الإعجاز في الآيات:
هو الإشارة إلى ظاهرة مهمة جدا وهي جريان السفن الضخمة على سطح الماء،
وعدم غرقها برغم الحمولة الهائلة على ظهرها، والتنبيه أن هذا الجريان
إنما هو آية دالة على الله تعالى ومنّةٌ منه سبحانه.
(اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ
فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ)[الجاثية:
12].
المراجع
http://www.yale.edu/ynhti/curriculum/units/1990/7/90.07.08.x.html
http://www.usddc.org.tw/english/cfd.htm
http://www.vizonscitec.com/ourservices/shipdynamics/
http://www.marinetalk.com/articles_HTML/ABS004100015TU.html
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B3%D9%81%D9%8A%D9%86%D8%A9