بقلم
الدكتور محمد السقا عيد
إن هذه الآية التي صيغت في كلمات قلائل تحمل بين طياتها أحلى المعاني
وأدق التعبيرات ففيها يلفت الله سبحانه وتعالى أنظارنا إلى ما تحتوى
عليه أجسامنا من الآيات والمعجزات والتي تدل دلالة واضحة على عظمة
الخالق وجمال الخلق.
ففي هذه الأجسام البشرية نلمس دقة التكوين وتماسك البناء وحسن المظهر
وهو مالا نستطيع إدراكه إلا بعد دراسة واعية لتركيب أجسامنا وما تحتوى
عليه من أسرار وألغاز قد لا يتصورها عقل إنسان.
فالجسم البشرى بناء ضخم معقد دقيق التركيب إلى درجة تدعو إلى الدهشة
والإعجاب.
إنني أحس كلما قرأت هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى قد أراد أن يوجه
أنظارنا إلى العلم والمعرفة بكل ما يحيط بنا من بدائع الخلق وجمال
التكوين حتى ما كان موجوداً منها في أنفسنا.
•
كثيراً منا لا يعرف أن جسم الإنسان (وكذلك جميع الكائنات الحية الأخرى
من نبات أو حيوان) قد بُنى على أساس محكم وتنظيم دقيق لم يتوصل إليه
إنسان إلا بعد دراسات شاقة وبحوث مضنية قام بها لفيف كبير من علماء
البيولوجيا في مختلف بلاد العالم.
وكان من نتيجة هذه البحوث والدراسات أننا نعرف اليوم أن جسم الإنسان
يتركب من وحدات أساسية دقيقة للغاية يطلق على كل منها اسم الخلية (Cell).
ويحتوى جسم كل واحد منا على ما يقرب من 350 بليون خلية (350 ألف مليون
خلية) ويدل وجود هذا العدد الضخم من الخلايا التي تدخل في بناء الجسم
على أن الخلية في حد ذاتها ضئيلة للغاية وعلى جانب كبير من الدقة. وأن
معظم هذه الخلايا - إن لم يكن كلها – لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة،
لذلك فلم يكن من المستطاع التعرف على التركيب الخلوي للجسم إلا بعد
اختراع المجهر (الميكروسكوب ).
وتشكل الخلايا الموجودة في جسم الإنسان مجتمعاً على أرقى المستويات من
حيث التخصيص والانسجام والتعاون فيما بينها لما فيه مصلحة الجسم كله.
وتوجد هذه الخلايا البشرية في طبقات متراصَّة على أحسن ما يكون البناء.
والواقع أن خلايا الجسم ليس كلها على نمط واحد من حيث الشكل أو الحجم
أو الوظيفة، بل إنها تختلف فيما بينها اختلافات واضحة كما أنها تتنوع
بشكل يثير الدهشة والإعجاب.
ومن أمثلة هذا التنوع:
•
كرات الدم الحمراء :
دقيقة الحجم ومستديرة ويبلغ قطرة الواحدة منها 8 ميكرونات.
•
خلايا الكبد :
مكعبة الشكل تقريباً ويبلغ قطر الواحدة منها 25 ميكروناً
•
الخلايا العضلية :
مغزلية الشكل أو أسطوانية يصل طولها إلى 3000/ ميكرون ( 3 ملليمترات ).
•
الخلايا العصبية :
وهى أطول الخلايا على الإطلاق وقد يصل طولها مع أليافها (التي تمتد عبر
الجسم كما تمتد أسلاك التليفون) إلى مليون ميكرون ( متر ) أو أكثر.
ولا يقتصر تنوع الخلايا على الحجم فقط، بل يمتد إلى الشكل أيضاً، فقد
تكون الخلية على شكل قرص أو مكعب أو عامود أو شظية دقيقة. كما أنها قد
تشبه النجم أو الهلال أو العنكبوت أو الخيط الطويل أو الشجرة كثيرة
التفرع.
ومثل هذه الأشكال كثيرة الانتشار على وجه الخصوص في الجهاز العصبي، إذ
أنه وظيفة الخلية في هذا الجهاز هي الاتصال بغيرها من الخلايا العصبية
الأخرى القريبة منها أو البعيدة.
والخلايا الجسدية:
برغم هذا التنوع الشديد في الشكل أو الحجم مبنية وفق صورة أساسية عامة
إذ تتكون الخلية النموذجية من كتلة صغيرة من مادة
البروتوبلازم (
Protoplasm
).
و (البروتوبلازم ) مصطلح علمي يتألف مع كلمتين إغريقيتين هما:
" بروتو " بمعنى أولى و "بلازم"
بمعنى مادة.
ومن ذلك نرى أن البروتوبلازم تبعاً
لهذا الاشتقاق معناها " المادة الأولية "
ويطلق عليها أيضاً اسم " المادة الحية ".
وقد بُذلت محاولات عديدة بعد تقدم البحوث العلمية في عصرنا الحاضر لعمل
مادة تشبه (البروتوبلازم) ويكون لها مثل خصائصه فباءت جميعها بالفشل
الذريع وهو ما نستطيع أن نتلمسه في تلك الآية الكريمة:
(إنا
الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم
الذباب
شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب) سورة الحج 73
فالذباب الذي ورد ذكره في تلك الآية الكريمة، والحيوان الأولى الذي ورد
ذكره من قبل، والإنسان نفسه تتركب أجسامهم جميعاً من تلك المادة الحية
المشتركة وهى مادة ( البروتوبلازم ) تلك المادة التي عجز جميع علماء
الكيمياء الحيوية على إنتاج مثلها في معاملهم في أي بلد من البلدان
المتقدمة، فهي مادة فريدة في نوعها، معقدة في تركيبها تستقر بداخلها
الحياة، وذلك بالرغم من أنها تتكون في دقائقها من العناصر العادية التي
يكثر وجودها في الطبيعة.
وهناك عبارة مأثورة يذكرنا بها عالم التاريخ الطبيعي المشهور
جودريتش (
Goodrich
)
في كتابه " الكائنات الحية " وهى :
" لا حياة بدون البروتوبلازم، ولا بروتوبلازم بدون الحياة "
ومعناها أن الحياة توجد على الدوام داخل البروتوبلازم وأن البروتوبلازم
لا يتكون إلا في أجسام الكائنات الحية ولذلك كانت الحياة والبروتوبلازم
مرتبطين معاً بأدق الروابط وأوثق الصلات.
وقد عُملت التحليلات الكيميائية الدقيقة لمادة البروتوبلازم للتعرف على
مكوناتها الأساسية فكانت تلك المكونات هي الأكسجين والكربون
والأيدروجين والآزوت بصفة أساسية مع بعض الكميات الضئيلة من الكبريت
والفسفور والكالسيوم وغيرها من العناصر الكيميائية التي توجد في
الطبيعة.
معنى ذلك أننا إذا قمنا بتحليل "
البروتوبلازم " تحليلاً كيميائياً داخل المعمل لحصلنا على تلك
العناصر السابقة بالنسب الواضحة في الشكل وهى بطبيعة الحال عناصر ميتة
لا حياة فيها، ولكننا إذا أردنا تجميعها بعد ذلك بقصد الحصول على
البروتوبلازم الحي لكان الفشل نصيبنا، فلا يستطيع ذلك سوى الله سبحانه
وتعالى. كما هو واضح في تلك الآية الكريمة.
( يُخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي) " سورة الروم آية (19)
وفيها إشارات واضحة إلى تلك المعاني السابق شرحها، فالبروتوبلازم الحي
يتخلق من عناصر ميتة توجد في التربة، وعند موت هذا البروتوبلازم الحي
يعود إلى التربة مرة أخرى حيث يتحلل إلى تلك العناصر الميتة.
ويغلف الخلية من الخارج غشاء رقيق، كما توجد في وسطها نواة وتسيطر
النواة على كل نشاطات الخلية فهي بمثابة القلب من الجسد.
وقد أثبت الباحثون بالطرق التجريبية العديدة أن النواة إذا انتزعت من
جسيم الخلية فإن الخلية سرعان ما تموت.
وتحيط بالنواة في مختلف الاتجاهات المحتويات الأخرى للخلية ومنها جهاز
جولجى والجسم المركزي والميتوكوندريا والمنتجات غير الحية (مثل الكريات
الدهنية وحبيبات الجليكوجين أو النشا الحيواني) وبعض الفجوات المملوءة
بالسوائل وغيرها.
صورة توضيحية للخلية الحية
إن هذه الوحدات الأساسية ( الخلايا ) التي يتركب منها جسم الإنسان لا
تبقى منفصلة بعضها عن بعض بل تعيش معاً في تنظيمات محددة، ويقوم كل
واحد من هذه التنظيمات بأداء عمل خاص من الأعمال العديدة التي تتطلبها
حياة الإنسان.
وذلك لأن الخلية الواحدة ضئيلة للغاية - كما ذكرنا آنفا - لا تستطيع أن
تقوم بمفردها بعمل واضح للعيان.
فالخلية المفرزة مثلاً يكون إنتاجها قليلاً للغاية إذا قورن
بالاحتياجات اليومية للجسم، ولكن إذا اجتمعت الخلايا المفرزة في تنظيم
واحد متكامل كان إفرازها واضحاً تماماً. هذا التنظيم المتجانس يطلق
عليه علماء الأحياء اسم النسيج “
Tissue
".
ويتركب النسيج من عدة آلاف بل من عدة ملايين من الخلايا التي تندمج
بعضها مع بعض، وهى تتشابه جميعاً في كُلٍ من الشكل والحجم والوظيفة.
ولا تبقى الأنسجة منفصلة بعضها عن بعض بل إنها تندمج في تنظيمات أكبر
يطلق عليها أسم الأعضاء. “
Organs
".
فالمعدة مثلاً – وهى عضو هام من أعضاء الجسم نعرفه جيداً – تتركب من
عدة أنسجة منها النسيج الإفرازي الذي تتدفق منه العصارات الهضمية لكي
يستطيع هضم الطعام ومنها النسيج العضلي المتمركز داخل جدار المعدة
والذي تؤدى حركاته المنتظمة المتتالية إلى خلط الطعام المبلوع مع
العصارات الهاضمة.
وهناك أيضاً النسيج الدموي الذي يحمل إلى خلايا المعدة احتياجها من
الأكسجين وغيره من المواد الضرورية كما ينقل ثاني أكسيد الكربون
وغيره..
كذلك يوجد في المعدة النسيج الضام الذي يربط الأنسجة السابقة بعضها مع
بعض رباط محكم لتتكون منها وحدة متماسكة وقادرة على أداء وظيفتها أحسن
ما يكون الأداء.
وتندمج الأعضاء والتركيبات التي تؤدى وظيفة حيوية واحدة في جسم الإنسان
في تنظيم واحد كبير يطلق علية اسم الجهاز
System
وهو أكبر التنظيمات الجسدية وأكثرها تعقيداً على الإطلاق.
وكما تعلم - عزيزي القارئ – فإن الأجهزة الموجودة في جسم الإنسان هي:
الجلد والجهاز الهضمي والجهاز التنفسي والجهاز الدوري والجهاز العصبي
والجهاز الحسي والجهاز الهيكلي والجهاز العضلي وجهاز الإفراز الداخلي (
المكون من الغدد الصماء ).
ومن مجموعة هذه الأجهزة التي تختلف اختلافات جوهرية في سلوكها ووظائفها
وصفاتها التشريحية يتركب جسم كل واحد منا.
ويتضح مما تقدم أن المكونات الجسدية للإنسان تتدرج من البساطة إلى
التعقيد على الوجه التالي:
الخلايا – الأنسجة – الأعضاء – الأجهزة
وسنحاول بمشيئة الله تعالى – أن نعالج ما نستطيع معالجته من هذه
الأجهزة على صفحات هذا الكتاب مع ذكر بعض التفصيلات التي قد يستفيد
منها القارئ العادي.
قد تتساءل معي عزيزي القارئ – عن ماهية " العلق " الذي اقترن ذكره في
تلك الآية بخلق الإنسان أعز المخلوقات وأكرمها عند الله سبحانه وتعالى.
لقد جاء في " معجم ألفاظ القرآن الكريم "
الذي أصدره مجمع اللغة العربية بمصر أن " العلق هو الدود الأسود الذي
ينتشر في الجلد "، كما جاء به أيضاً أن العلق هو الدم الجامد الغليظ
الذي يعلق بما يمسه، والقطعة منه " علقة "
كما جاء في " المعجم الوسيط " الذي أصدره هذا المجمع أيضاً أن
" العلقة طور من أطوار الجنين، وهى قطعة الدم التي يتكون منها ".
وفى التنزيل العزيز
:(فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة)
الحج آية (5)
يتضح من تلك الآية الأخيرة أن بدء ( التسلسل ) الخلقي كان من التراب
وهو أديم الأرض التي نسير عليها.
كما أن هناك آيات أخرى كثيرة تشير إلى تلك المواد العادية البسيطة التي
تربط بين الإنسان والأرض منها على سبيل المثال لا الحصر:
ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم تنتشرون
الروم (20 )
إنا خلقناكم من طين لازب
الصافات آية (11)
خلق الإنسان من صلصال كالفخار
الرحمن آية (14)
هو الذي خلقكم من طين
الأنعام آية (2)
نستدل من تلك الآيات البينات أن قدرة الخالق سبحانه وتعالى قد امتدت
إلى تلك المواد الميتة – وهى التراب أو الطين أو الفخار أو غيرها
فأحالتها إلى مخلوقات حية تعيش وتسعى على سطح الأرض جيلاً بعد جيل.
ومن الواضح أن تكون الإشارة إلى خلق الإنسان من التراب أو الطين أو
الصلصال أو غير ذلك مما ورد في تلك الآيات الكريمة السابق ذكرها أو في
غيرها من الآيات هي في الواقع إشارة رمزية لتلك العناصر الكيميائية وهى
الكربون، والأكسجين، والنيتروجين، والأزوت، والكالسيوم، والفسفور
والكبريت، وغيرها مما سبق ذكره، وهى المواد التي يكثر وجودها في القشرة
الأرضية وما يحيط بها من غلاف جوى.
هذا هو أساسك أيها الإنسان المغرور …
فلماذا إذن التعالي والتكبر ؟
ومن إعجاز الخالق سبحانه وتعالى أن مادة "
البروتوبلازم " بها من الصفات والمزايا مالا يتوفر لأية مادة
أخرى على الإطلاق، وأول هذه الصفات وأكثرها أهمية أن البروتوبلازم لا
يبقى على حالة واحدة بل هو دائم التجدد والتغير، فهو يحصل مما حوله على
بعض العناصر الميتة الموجودة في التربة ويعمل على تحويلها إلى مادة حية
مشابهة لمادته هو نفسه ويتم ذلك فيما يعرف بعملية التغذية.
وتضاف تلك المادة الحية الجديدة إلى المادة البروتوبلازمية الأصلية
فتتم بذلك عملية النمو فينمو الطفل تدريجياً حتى يصل إلى الحجم
المألوف.
وعندما يصل إلى سن معينة وهى سن البلوغ يكون قادراً على التزاوج وإنتاج
نسل جديد وهو ما يطلق عليه في عالم الأحياء اسم عملية التكاثر.
•
ومن ذلك تتضح القدرات الأساسية للبروتوبلازم وهى التي لا توجد على
الإطلاق في غير الكائنات الحية، وتلك القدرات أو الميزات هي التغذية
والنمو والتكاثر، وهى صفات مشتركة لجميع الكائنات الحية بدءاً من
الحيوان الأولى ( الذي يتركب جسمه من خلية واحدة ) وانتهاءاً بالإنسان
سيد المخلوقات جميعاً وأرقاها على الإطلاق، فهي جميعاً قادرة على
التغذية والنمو والتكاثر.
وبعد التكاثر وإنتاج أجيال جديدة تحل محل الأجيال السابقة لا تلبث تلك
الكائنات على اختلاف أنواعها أن تفنى وتتلاشى من عالم الوجود كما تلاشت
قبلها أجيال وأجيال.
•
ولكن هناك حقيقة يجب التنويه عنها فيما يتعلق بالبروتوبلازم أو المادة
الحية. إن تلك المادة (المعجزة) التي ظهرت على سطح الأرض منذ ملايين
السنين لا تزال موجودة إلى يومنا هذا، ولم تخلق بعدها مادة جديدة أخرى
وذلك لأن جميع صور الحياة التي تشكلت من تلك المادة قد استمر وجودها
عبر الأزمنة المتتالية لتطالعنا بصورها المختلفة في العصر الذي نعيش
فيه.
كما أن جميع صور الكائنات الحية - من نبات أو حيوان – هي من سلالات
تلك المادة (الأم) التي هي في الواقع المادة الأساس.
(فلينظر الإنسان مم خلق، خلق من ماء دافق)
سورة الطلاق
ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين
بعد الجماع تنتقل الحيوانات المنوية من خلال الرحم إلى قناة فالوب.
ومن بين ملايين الحيوانات المنوية 350 مليون حيوان منوي في القذفة
الواحدة يصل تقريباً 1000 – 3000 حيوان منوي بالقرب من البويضة. أي أن
الحمل يحدث نتيجة إندماج البويضة من الأم مع حيوان منوي من الأب في
قناة فالوب.
إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج
أي أخلاط. قال ابن عباس: يعنى ماء الرجل وماء المرأة إذا اجتمعا
واختلطا.
تتحد نواة البويضة مع نواة الحيوان المنوي وينتج عن ذلك الزيجوت
(Zygot)
فالزيجوت هو أول خلية في الكائنات الجديدة.
وهناك ثلاثة أطوار رئيسية في الحمل.
(ما لكم لا ترجون لله وقاراً وقد خلقكم أطواراً) سورة نوح( 14،15)
•
الطور الأول : مرحلة البويضة وهى تستمر من 10 – 14 يوماً
•
الطور الثاني : مرحلة الجنين الأنسجة المختلفة وأجهزة الجسم الهامة
(مثل الجهاز الدوري والهضمي) تبدأ في النمو وتستمر 6 أسابيع.
•
الطور الثالث : مرحلة تكوين الجنين خلال 30 أسبوع. هي طول هذه الفترة
تنمو جميع أجهزة الجسم استعداداً للميلاد.
(الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة
ضعفاً وشيبه يخلق ما يشاء وهو العليم القدير) سورة الروم 54
يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفاً
النساء (28)
الإنسان هو الإنسان منذ آدم وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها إلا
اختلاف في التكوين المادي أو النفسي وإن ظهر سطحياً نوع من التباين،
لكن الحقيقة أنه ليس هناك تغير في جوهر وأصل السلوك والانفعال. فكل
مرحلة لها أنماط سلوكها وانفعالاتها ومعاني الإدراك فيها.
إن الضعف الإنساني سمة تلازم الإنسان من لحظة البداية في خلقه … هل
تَذكَّر الإنسان ذلك ؟ هل فكر الإنسان في أصل تكوينه ؟ إنه تراب الأرض!
هل أدرك الإنسان أنه خُلق من عدم ولم يكن شيئاً ؟ هل فكر الإنسان
بالقدرة التي أوجدته من العدم وكَّونته من التراب ؟ هذا هو الأصل
الإنساني الضعيف! هل فكر الإنسان لحظة واستشعر مراحل ضعفه ووهنه ؟
إن الإنسان هو أضعف المخلوقات من حيث القوة العقلية والجسمانية، يحس
بهذه الحقيقة في قرارة نفسه وحين يستعرض مشوار حياته منذ خلقه من الماء
المهين مروراً بالحمل والمخاض وخروجه طفلاً ضعيفاً يستمد العون
والمساعدة من غيره. أنظر جريدة " العالم الإسلامي "
السعودية – العدد (1383).
(الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة
ضعفاً وشيبه)
في الآية الكريمة يشير الحق سبحانه وتعالى إلى صفة الضعف تلك الصفة
التي تلازم الإنسان طوال حياته وهى السمة المميزة للإنسان في مقتبل
العمر وفى خريف حياته.
وسبحان الخالق العظيم جعل مشوار حياة الإنسان يبدأ بالضعف وينتهي به
حتى وإن كان في ريعان شبابه وقمة عنفوانه فهو ضعيف.
إنه صريع أمام دوافع النوم (الموتة الصغرى) لا غلبة له عليه يطرحه
أرضاً حتى وإن كانت قوة تصارع وتقهر العتاة.
أليس الإنسان ضعيفاً حتى في أوج قوته، وها هو المرض في أوهن أشكاله
ومسبباته يقهر الإنسان ويوهن صحته ويحد من نشاطه وقد ينال من جسده
ويضعف من قوته فيصبح عاجزاً لا يقوى على رعاية نفسه ؟ أليس المسلم
ضعيفاً أخي المسلم حتى في لحظات ومراحل القوة والغطرسة التي قد تخدع
أكثر الناس وتحيد به عن سواء السبيل ؟.
ونحن نتأمل صفة الضعف التي تلازم الإنسان فإننا لا نرى سوى سبيل واحد
فريد هو مصدر كل قوة حقيقية وهو مبعث كل طمأنينة. وهو المصدر المنيع
الذي يدافع عن النفس ويحميها من كل خطب وضلال وهوان. إنه الإيمان
بالله.. فهو القوة الحقيقة في النفس البشرية ومادون ذلك فهو ضعف وهوان
وإن كان ظاهره القوة.
تأمل أخي المسلم مرحلة الطفولة لحظة خروج الإنسان للحياة ثم طفلاً
رضيعاً يستمد الغذاء والعون من أمه.
إنها لحظات الضعف والوهن الغامر الذي مر به كل مخلوق وأولهم الإنسان.
تذكر أخي المسلم الشاب المسلم هذه اللحظات وأرجع شريط مسيرة حياتك
وتخيل كيف كنت لا تقوى على الحركة والجلوس والمشي ولا تقدر على التعبير
والنطق ولا تدرك أسباب الحياة وحركتها...
تفكيرك محدود وقوتك ضعيفة وعزمك واهن وإرادتك تابعة وتطلب العون
والمساعدة ثم تدرجت في قدراتك وتطور نموك وارتقت مفاهيمك واتسع إدراكك
واشتد عودك وانتصب قوامك والتفت عضلاتك وتكونت شخصيتك وأصبحت رجلاً
يتمتع بالقوة وتحتل مكانة وتتبوأ مركزاً مرموقاً أو تتحمل أعباء وتدير
حركة الحياة وتعمر الأرض.
هل فكرت أخي المسلم كيف كنت ؟ وإلى أين أصبحت ؟ وهل استحضرت حقيقة كيف
كنت ؟ وأين أصبحت ؟
أخي المسلم عليك أن تستلهم من مسيرة حياتك وتأخذ العبرة من لحظات الضعف
التي كنت بها قبل أن تصبح رجلاً قوياً. فتكرس قوتك وتسخرها لعبادة الله
وطاعته وتنتهز لحظات القوة لكي تؤدى واجب الطاعة والعبادة للخالق الذي
أمدك بالقوة ووهبك العقل والفكر والبصيرة.
فلا تضيع قوتك التي سوف تزول لا محالة في هوى النفس وشهواتها ولا تفنى
هذه القوة في معصية الله وفى غير ما أُهلت له.
تذكر أخي المسلم أن لحظات حياتك عجلة دائرة فأنت بين ضعف وقوة وعجز
وقدرة. (جريدة " العالم الإسلامي " –
السعودية – العدد "1389" ).
يُولد الإنسان متجها إلى نهايته. فكل دقيقة تمر تدنيه من أجله لا ينحرف
عن هذه الغاية أبداً ولا يتخلف عن موعدها. أنفاسُُ معدودة وخطواتُُ
محدودة فإذا اكتمل العدد كانت النهاية... ويُسدل الستار على إنسان
كان....
خلق الله تعالى آدم من تراب من عناصر الأرض... من الحديد والكالسيوم
والماغنسيوم والكربون وغيرها. واختار له الصورة التي أراده عليها وبث
فيه الحياة وزوده بمواهب وطاقات تساعده على إعمار الأرض واستخراج
مكنوناتها. وزوده بالعقل والسمع والبصر وشرع له المنهج الذي تستقيم به
حياته وأمره بالسير في هذا الطريق وتجنب إغراءات الشيطان ونزعات النفس
حتى لا يضل.
وخلق سبحانه حواء من ضلع آدم فهي جزء منه فلا ينطفئ حنينه إليها أبداً
لأنها منه خرجت، فلا يهدأ إلا إذا كانت بجانبه. كل منهما شديد الحنين
إلى صاحبه...
ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة
ورحمة...
الروم (21)
هذا آدم وهذه حواء، ذكر وأنثى وجعل منها الذرية عن طريق التزاوج فصار
التكوين من ماء الرجل مع بويضة الأنثى. كان أول مرة من طين ثم من ماء.
لا غرابة في ذلك فمكونات جسمه من لحم ودم وعظم من عناصر الأرض من حديد
وكالسيوم وفسفور وماغنسيوم وغيرها. وليس الإنسان بدعاً في ذلك. فكل ما
على الأرض من حياة نباتية وحيوانية هي كذلك من عناصر الأرض … أثبتت
المعامل ذلك. ولنرجع إلى جسم الإنسان لنرى ما قالت :
إن جسم الإنسان العادي يحتوى على مائة وأربعين رطلا من الماء
ومن الدهون ما يكفي لصنع سبع قطع من الصابون ومن الرصاص ما يكفي لصناعة
ستة آلاف قلم رصاص ومن الملح ما يملأ ملعقة صغيرة ومن الفسفور ما يكفي
لصناعة ألفين ومائتي عود ثقاب ومن الماغنسيوم ما يكفي لجرعة من الأملاح
الملينة. ومن الحديد ما يكفي لصنع مسمار طويل ومن البوتاسيوم ما يكفي
لقدح زناد مدفع من مدافع الأطفال ومن السكر ما يملأ زجاجة عادية
هذا هو الإنسان. خلق من تراب فإذا مات عاد إلى الأرض وتحلل جسمه إلى
هذه العناصر ودخل في تركيب أجسام أخرى حيوانية ونباتية. وصدق الله
العظيم.
(منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى)(طه : 55).
فالإعجاز في نهايته أن يخرج من التراب بل من العدم إنسان حتى تنبض كل
خلية فيه بالحياة يحس ويتألم ويفكر سبحانه وتعالى:
" يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي " ( الروم : 19)
نزلت طفلا لا حول لك ولا قوة ولا علم لك ولا خبرة فألهمك مولاك ما
يعوضك العلم والخبرة. ألهمك إلتقام ثدي أمك كأنك على علم به، تمتص من
حلمته ما يغذيك... من علمك !... ومن هداك ؟….
أنظر كيف تتهيأ الأم لاستقبالك عند بداية الحمل ترى العجب العجاب ؟
يخرج من مبيض الأم هرمونات مهمتها تجهيز الغدد لإفراز اللبن
الذي يلقاك عند الولادة.. يزيد الثدي نمواً، ويزيد عدد ما فيه من
فصيصات... وتحمل هذه الهرمونات النبأ إلى الأجهزة بأن الحمل قد بدأ
فيستعد كل لمهمته حتى الولادة...
•
عندئذ يصدر من الغدة النخامية "
Pitutary
gland
"
إشارة بأن المولود نزل إلى الدنيا فيبدأ الثدي في الإفراز... ماذا يفرز
؟
•
يفرز عصارات تبدأ قبل اللبن وظيفتها تطهير الأمعاء والجهاز الهضمي
وتحصينه من الأمراض ؟ ثم ينزل اللبن بعدها لغذاء ك في عمرك المبكر...
•
ويتغير اللبن في الوجبة الواحدة فيكون خفيفاً في أولها وتاما في
أوسطها، بل إنه يتغير في كل رضعة يتغير تركيبه بتغير مراحل العمر حتى
ينتهي إلى الطعام ويكون حينئذ قد وصل إلى درجة تقارب ما يتغذى عليه
خارج الثدي.
من فعل هذا ؟ هل يدعي أحد من ذلك شيئاً ؟
أعد السؤال وتفكر... إن الذي فعل هو الذي خلق سبحانه وتعالى.
مقومات الدولة شعب ورئاسة و أجهزة وحدود وتصبح الدولة إذا قام كل فرد
فيها بواجبه كاملاً رئيساً ومرؤوساً فالرئاسة تخطط وتراقب التنفيذ. فلا
تفريط ولا تكاسل ولا محاباة ولا استثناء بذلك تصبح الدولة ويستقيم
أمرها.
تعالى معي - عزيزي القارئ - لنقف سويا على معجزات تدل على قدرة فائقة
فوق قدرات البشر أجهزة لا دخل لأحد في تكوينها وإدارتها. بل إن كثيراً
من الناس لا يعلمون عنها شيئاً... لكل جهاز عمل خاص
به... الكل يتجه لهدف واحد هو الحفاظ على بنية الجسم وحمايته.
•
أجهزة للدفاع وأجهزة للترميم وأجهزة للنقل والمواصلات وفرق للإنقاذ
والإصلاح الشامل ومولدات كهربية تروح وتجيء ثم جهاز رئاسي يتلقى أخبار
مرءوسيه فور حدوثها فيصدر التعليمات لمواجهة ما يجد فتتحرك الأجهزة
المختصة لتنفيذ الأوامر وصاحب الجسم لاهِ عن ذلك لا إرادة له بل لا علم
له بما يجرى في داخله.
وللدولة حدود فلا بد من حمايتها من المغيرين والمتسللين. ولا
تكون الدولة آمنة إلا إذا أحكمت تحصين حدودها ؟
•
وكذلك لابد للدولة من أجهزة استطلاع واستخبار تستطلع أحوال جيرانها...
تسالم من تأنس منه حسن الجوار وتصد أو تستعد لمن تتخوف منه على
أمنها... كل هذه المقومات قائمة في جسم الإنسان...
وفي هذه المقالة المتواضعة سوف نتناول بالإشارة بعضها لنلفت النظر إلى
ما في صنعة الإنسان من دقة وإحكام وحكمة تستدعى منا أن نحني الجباه
لخالق الموت والحياة متذللين خاشعين أمام قدرته سبحانه في خلق الإنسان
وفي تقويمه، فسبحان من خلق فأتقن وصور فأبدع وكون فنظّم كل شيء بدقة
ونظام وتقدير وإتقان.
•
فمركز الرئاسة يتمثل في المخ والمخيخ والنخاع الشوكي.
•
والوزارات والهيئات تتمثل في أجهزة الهضم التي تتكفل بتحويل الطعام إلى
سائل يسهل امتصاصه ليتحول إلى طاقة تمد أجهزة الجسم وخلاياه بما يلزمها
منها.
•
والمواصلات تتمثل في الجهاز العصبي، حيث يصل المخ بجميع الأجهزة
والأفراد التي تتمثل في الخلايا... ترد إليه أخبار الرعية وتصدر منه
الأوامر والتعليمات...
•
وهذه تمثل المواصلات السلكية والكهربية.
•
وتتمثل المواصلات أيضاً في جهاز النقل الذي ينقل الغذاء والتموين إلى
جميع الأجهزة والخلايا ويقوم الدم بهذا الدور.
•
والجهاز البولي يمثل هيئة النظام فيقوم بتطهير الجسم من المخلفات.
•
ويمثل الجلد الحدود الرسمية لدولة الجسم البشرى.
•
أما أجهزة الاستطلاع والاستخبار فتتمثل في السمع والبصر واللمس والشم.
وإليكم إلمامه بسيطة بوظيفة بعضها، فليس المجال مجال بسط فيها:
وهو يمثل المخ والمخيخ والنخاع الشوكي كما قلنا سابقا وهو يتلقى أحبار
مرءوسيه فور حدوثها فيصدر الأوامر والتعليمات لمواجهة الأحداث فتتحرك
الأجهزة المختصة لتنفيذ الأوامر كل فيما يخصه.
ترى الثعبان مقبلاً نحوك فسرعان ما يصل الخبر إلى المخ فيزن الخبر بما
لديه من المعلومات ويتخذ القرار فيصدر الأوامر فتتحرك العين واليد
والرجل لتتناول حجراً أو عصا في جزء من الثانية فيحاول إصابة الثعبان
ويحاوره حتى يقضى عليه أو ينتهي أمره بالفرار منه. فكل جزء تحرك فيه
بناء على أوامر القيادة فلا يتلكأ عضو في التنفيذ... لا تسويف ولا
تأجيل...
أما إذا كانت القيادة أو الرئاسة بليدة أو غائبة فلابد أن تكون النتيجة
خسارة فادحة على الجسم. ولأهمية الرئاسة تحصنت داخل جمجمة قوية صلبة
تمنع عنها الأخطار.
فالمخيخ والمخ أحيطا بهذه الجمجمة ثم أنه تحت الجمجمة مغطى بطبقة جلدية
متينة يوجد بها سائل يحمى المخ في حالة الاهتزاز. ويوجد في قاع الجمجمة
فراغ يمر به الحبل الشوكي الذي هو امتداد مباشر لمادة المخ، يمتد
هابطاً في وسط الظهر داخل غلاف عظمى واحد يعرف بالعمود الفقري.
ويرتبط مركز الرئاسة هذا بجميع أجهزة الجسم بخيوط دقيقة تنتشر في الجسم
انتشاراً عجيباً في خطين متقابلين أحدهما يحمل الإشارة إلى المخ والآخر
يحملها من المخ... وهو ينسق عمل الأجهزة ويدير أمرها بواسطة هذه الخيوط
التي تسمى بالأعصاب وتتمثل الرعية في الخلايا التي تكون مجتمعاً هائلاً
يبلغ مقداره في الجسم العادي 300 ألف مليون خلية ومهمته خطيرة جداً إذ
يمكن رعاية هذا العدد الضخم وإمداد كل خلية بحاجتها والدفاع عنها أو
إعدامها.
ولكثرة الرسائل يصعب فرزها وتبويبها، فقد خصص لكل منها مجموعة من
خلاياه يتولى كل قسم منها نوعاً من الرسائل... فقسم يتولى شئون الحركة
وضبطها... وقسم يتولى شئون الإحساس كالرؤية والسمع واللمس والشم...
وقسم يختص بالانفعالات... وقسم لربط الخبرة بالخبرة والانطباع
بالانطباع ويختزلها فيما تسمى بالذاكرة ويرجع إليها في الأحوال
المشابهة... وغير ذلك من الأقسام... كل ذلك لحم ودم... فسبحان من خلق
فسوى !
•
ومع ذلك يحتفظ المخ بفائض من الخلايا على سبيل الاحتياط أولما يجد من
معلومات.وتقدر هذه الخلايا بعدة مليارات من الخلايا الرمادية التي لا
عمل لها. فإذا تم تشغيلها في المستقبل فمن المنتظر الكثير بالقياس إلى
ما تم تحقيقه من تقدم حتى الآن.
وهذه الوزارة من اختصاص الجهاز الهضمي الذي يتولى معالجة الطعام من
الخبز واللحم والفاكهة وتحويله إلى سائل لبنى سهل الامتصاص، ثم يتركه
لأجهزة أخرى تتولى توزيعه على خلايا الجسم وأجهزته. ويكون ذلك بأن تقوم
المعدة بإفراز العصارات الهاضمة وشرح الطعام حتى يذوب ثم تفرغه في
الأمعاء. وتفرز الأمعاء عصارات أخرى هاضمة تكمل عملية الهضم وتحوله إلى
السائل اللبني السهل الامتصاص.
وتمتصه شعيرات دقيقة مبطنة للأمعاء وتسلمه بدورها إلى شعيرات الدم الذي
يأخذه في التو لتوزيعه على أجهزة الجسم وخلاياه... لا يستثنى من ذلك
خلية فتأخذ كل منها ما تحتاجه وتترك باقية لغيرها. وفي نفس الوقت تطرد
إلى الدم نفاياتها لتحمله إلى أجهزة الإخراج في البول أو العرق أو
البراز أو الزفير...
كل ذلك يحدث في أحشائك... تحليل وتركيب وامتصاص وتصفية وتصعيد... لا
تعرف عنه شيئاً ولا دخل لك في حدوثه بل لا علم لك به.
تعال معي نتحسس جهاز الاستخبار والاستطلاع والذي يتمثل كما قلنا في
السمع والبصر والشم واللمس.
يستطلع جيران الجسم من جماد أو حيوان مما يستشعر منه الخطر... انظر إلى
المعجزات البالغة في هذه الأجهزة...
•
البصر... تبصر وما تدرى ما يحدث في بللورية عينيك من التحدب والانبساط
على حسب المرئيات ولما يحدث من الضيق والاتساع مع قلة الضوء وقوته.
وفي مقدمة العين توجد العدسة بوسطها دائرة ضيقة تسمى " إنسان العين "
يتوليان تنسيق الأشعة الضوئية التي تصل من أي شيء خارج العين ثم
ينقلانه إلى البؤرة وهى مؤخرة العين... وتترجم الأشعة الضوئية في العصب
البصري إلى صورة.
وتعمل آلة التصوير بعض عمل العين.
فالجزء الأساسي في آلة التصوير يتكون من عدسة و" إنسان"
Pupil
والجزء الخلفي لوح حساس تسقط فوقه موجات الضوء الصادرة من الجسم
فتلتقطها معكوسة في الهيئة واللون.
ثم إن العصب البصري يبعث بالصورة المعكوسة إلى المخ فيترجمها
ويستبينها ويختزنها في الذاكرة.
•
أما السمع... فإن الأذن الخارجية تلتقط اهتزازات الموجات الصوتية التي
تخترق الهواء وتنقلها إلى الأذن الداخلية.. ويوجد بينهما غشاء رقيق
يغطى المجرى الضيق بينهما وهو طبلة الأذن وهذه الطبلة تطرق بواسطة جهاز
شديد الاتقان والتعقيد يتكون من عظام دقيقة ملتحمة. فإذا وصلت الموجات
إلى الأذن الداخلية تحولت إلى حوافز عصبية ترتد إلى الجزء المخصص من
المخ فيترجمها إلى أصوات ونبرات.
•
أما التركيب الذي يُحدث هذا التغير الكيميائي فيتكون من عدد كبير جداً
من الخيوط الدقيقة مشدودة بطريقة تشبه شد أوتار الكمان. ولكل وتر طول
يستقبل بموجبه موجات معينة وهذا الوتر يميز بين الموجات الصوتية من
طبقة معينة فيعرف أنها صادرة من الكمان أو العود... سبحان الخلاق
العظيم.
وهناك موجات صوتية في الجولا تلتقطها هذه الأوتار فليس كل الأصوات
يستقبلها السمع الإنساني.
والمتمثل في الدم فهو الذي ينقل المكونات الغذائية إلى خلايا الجسم
كلها وهو نسيج ككل الأنسجة غير أنه نسيج متحرك بخلاف الأنسجة الثابتة
التي تلتزم مكاناً واحداً.
يبلغ تعدادها في الميلليمتر المكعب في الرجل البالغ خمسة بلايين
وأربعمائة ألف وفي القطرة الواحدة منه خمسة وعشرون مليون خلية وعددها
ثابت لا يتغير.
•
فإذا حدث تغيير في هذه النسبة لأي طارئ فإن الجسم به كمية إضافية
يخزنها في (الطحال) فإذا لم تف هذه الكمية الاحتياطية فإن بداخل
العظام نخاع يكمن بداخله المصنع الذي تصنع فيه الخلايا الحمراء،
ويستطيع النخاع أن ينتج عدداً كبيراً منها بالإضافة إلى قدرته على صنع
خلايا بيضاء كثيرة.
فإذا كان الفاقد أكثر من الإنتاج أو حدث تعطل في المصانع حدث في الجسم
اختلال يظهر في شكل الأنيميا "
Anaemia
".
ووظيفة الخلايا الحمراء هي حمل الغذاء من الجهاز الهضمي وحمل الأكسجين
من الرئتين إلى خلايا الجسم. ويتحرك الجسم بفعل المضخة القوية التي
تبدأ عملها من وقت أن تدب الحياة في الجسم إلى أن تنتهي منه الحياة وهى
القلب. فهي التي تتدفق في الشرايين وتتلقاه من الأوردة لتدفعه إلى
الرئتين لتنقيه ثم تسترده منها لتعيده إلى أجهزة الجسم وخلاياه.
وهى خلايا مجهرية لا ترى إلا بواسطة الميكروسكوب المجهر" إذ يبلغ قطر
الواحدة منها ( سبعة من الألف (007, ) من الملليمتر وسمكها (002,)2 من
الألف من الملليمتر.
ومع هذه الأرقام المتناهية في الصغر فإن مجموع تلك الخلايا يؤلف مساحة
إجمالية تعادل تقريباً حجم شبكة الهدف لكرة القدم.
وهذه المساحة السطحية لها أهميتها الخاصة في حمل الأكسجين من الرئتين
إلى الأنسجة لأن تبادل الأكسجين يتم من خلال سطوح الخلايا ويجب إتمامه
عاجلاً في أثناء المرور بها. وهذا من تدبير العليم الخبير
وفي أنفسكم أفلا تبصرون
ويزيد عدد كريات الدم الحمراء في الأشخاص الذين يعيشون في الجبال عن
عددها في أولئك الذين يعيشون قريباً من البحر. وسبب ذلك أن نقص
الأكسجين في المرتفعات العالية يدفع الجسم إلى تكوين المزيد من تلك
الكريات وذلك المزيد يزيد من كفاية الدم في حمل الأكسجين وبذلك يعوض
نقصه في الجو.
وكلما ارتفع الإنسان في الفضاء قل الضغط الجوى تدريجياً حتى يبلغ 800
أو100,000 متر فوق سطح البحر قل ضغط الهواء بحيث يصبح التنفس مستحيلاً.
ويحدث عند تسلق الجبال إلى ارتفاع 2200 متراً أن يقل ضغط الهواء وتقل
نسبة الأكسجين في الجو تباعاً لذلك إلى 13% (النسبة العادية 21%) أي
خمس حجم الهواء تقريباً.
وينتج عن ذلك أعراض مزعجة مثل صعوبة التنفس والإحساس بالغثيان والقيء
والهبوط العام.
وهنا يجب أن نقف خاشعين أمام قول الله عز وجل:
(فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره
حرجاً كأنما يصعد في السماء) سورة الأنعام.
ولنسأل أنفسنا: هل يتأتى لبشر عادى أن يحيط علماً بهذه الظواهر
الفسيولوجية من غير دراسة لتركيب الدم أو صعود في الفضاء ؟ اللهم لا
ولكنه يتأتى لرسول عليه السلام لأن الذي علمه واحد هو مكون الأكوان
ومنزل القرآن.
وإذا كان القرآن كتاباً مسطوراً فإن الكون كتاب منظور كلما تأملت فيه
ازددت يقيناً أن مكون الأكوان هو منزل القرآن.
(إلا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)
سورة الملك
تتكون هذه الكريات في النخاع العظمى الأحمر
(Red
Bone marrow)
بالضلوع وعظم الصدر الأوسط (عظمة القص) والجمجمة وعظام الحوض والفقرات
ونهايات العظام الطويلة في الأطراف الطويلة. ولا تتكون هذه الكريات
إعتباطاًَ ولكن الخالق الحكيم زود الجسم بجهاز دقيق لضبط هذه العملية
فإذا كان الجسم في حاجة إلى مزيد منها كما في حالات النزف والصدمات
أرسل ذلك الجهاز إشارة إلى نخاع العظم طالباً منه المدد.
وإذا كان هناك فائض كانت الإشارة: يكفي ذلك.
وهذا الجهاز موجود بالكلية وفي مكان أمين من تركيبها الداخلي. أما
الإشارة التي يرسلها إلى نخاع العظم فهي عبارة عن هرمون
الأريثروبوتين "
Erythropotin.
الذي ينشط النخاع لتكوين المزيد من الكريات الحمراء.
وهكذا
يعتبر نخاع العظام الأحمر هو المصنع الضخم الذي يزود الجسم بالكريات
الحمراء ولكي تدرك مدى طاقته الإنتاجية يكفي أن تعرف أن عدد الخلايا
الحمراء التي تتفسخ في الدم كل دقيقة يبلغ عشرين مليوناً (20,000,000)
ولابد أن يتكون مقابل ذلك عشرين مليوناً أخرى حتى يظل العدد ثابتاً
لأداء الوظائف التي أرادها الله لها.
وهكذا نرى الله سبحانه وتعالى:)
يخرج الحى من الميت ويخرج الميت من الحي ذلكم الله(
(الأنعام : 95).
ويصل عمر الكرية الحمراء إلى 120 يوماً. وعلى ذلك فإن الكريات الحمراء
في الدم تتبدل كلها في مدى 120 يوماً. أما عدد الكريات التي تتجدد في
اليوم الواحد فهو يصل إلى 240 مليار كرية حمراء أي عدد ما يتجدد في
فترة 120 يوماً يساوى 240 × 120 = 28800 مليار كرية حمراء في الدم
الكامل !! أليس ذلك من أمر الله سبحانه.
وهذه الطاقة الإنتاجية الهائلة لنخاع العظام الأحمر هي الطاقة العادية
في الظروف العادية ولكن الجسم يتعرض لظروف غير عادية يحتاج معها إلى
ضعف هذه الطاقة.
ولم يتركه الذي خلق كل شيء فقدَّره تقديراً للضياع في هذه الظروف غير
العادية بل وهب ذلك النخاع طاقة تصل إلى ستة أو سبعة أضعاف طاقته
العادية قبل أن يصاب الجسم بالأنيميا ( فقر الدم ) الذي ينتج عن نقص في
عدد كريات الدم الحمراء.
وعلى ذلك تكون طاقة النخاع القصوى في حالة الطوارئ هي: 240 مليار × 7=
1680 مليار كرة حمراء !!
ولابد أن نقف أمام هذه الأرقام - الفلكية - أيها القارئ متسائلين:
أيكون ذلك الإبداع والتقدير الرائع من صنع المصادفة العمياء التي يقول
بها من عميت بصائرهم وأذنابهم ؟ كلا والله.
وتتغير أيضاً عدد الكريات الحمراء على مر اليوم. ففي أول اليوم يكون
منخفضاً نوعاً ما أما في آخره فإنه يزداد نوعاً ما، كما يزداد أثناء
المجهود البدني العنيف.
وتختزن الكريات الزائدة في الطحال الذي يقوم بوظيفة " الخزان"
أو المستودع الذي يطلق الخلايا في تيار الدم حسب الحاجة كما أنه يتولى
أيضاً جمع طعام تلك الخلايا بعد موتها فهي مستودع ومقبرة في
وقت واحد !.
أما الهيموجلوبين المتخلف من الكريات المتحللة فإنه يتحلل أيضاً وينقل
إلى الكبد حيث يختزن ما يحتويه من حديد للانتفاع به. أما الهيموجلوبين
المتبقي منه فإنه يخضع لتفاعلات معينة تنتهي به إلى أن يخرج مع الصفراء
والبول والبراز.
( Blood
Platelets)
وهى ثالثة الجزيئات التي تسبح في البلازما مع كريات الدم البيضاء
والحمراء. وهى أجسام صغيرة رائعة يصل عددها من 150,000 إلى 300,000 في
الملليمتر المكعب من الدم ولا يزيد طول الواحدة منها على 003, ( 3 من
الألف) من الملليمتر.
وهذه الصفائح لها أهميتها في تجلط الدم لإيقاف النزيف الناتج عن جرح
ونحوه. فهي تسارع إلى الوعاء الدموي الذي يتسرب منه الدم ثم تتفسح
وتلتصق بجداره لتسده.
منح الله تعالى تلك الكريات خاصية المرونة التي تساعدها على دخول أصغر
وأدق الأوعية الشعرية. ولغلافها خاصية اختيار المواد التي تنفذ منه إلى
داخل الكرية الدموية الحمراء ومنع مواد أخرى من دخولها، ولهذه الخاصية
فوائد منها المحافظة على قوام الكرية الدموية وكيانها ومنها مساعدة
الكرية الدموية على تأدية وظائفها.
ويبلغ عدد الدورات التي تدورها تلك الكرية العجيبة 1500 دورة يومياً
داخل الجسم. وتقطع رحلة يبلغ طولها حوالي 1150 كم خلال عمرها الذي يبلغ
120 يوماً. وهكذا لا تترك جهازاً أو نسيجاً أو خلية إلا مرت به وزودته
بما يكفيه من الأكسجين.
ولكي تدرك أهمية هذه الوظيفة يكفي أن تعرف أن حرمان المخ من هذا الغاز
لدقائق معدودة لا تزيد عن الخمس يؤدى إلى إتلافه إتلافاً كاملاً أما
بقية أعضاء الجسم فقد تقاوم الحرمان مدة أطول ولكنها في مجموعها لا
تزيد عن الساعة الواحدة.
وكلما زاد التفاعل والاحتراق زادت الكرية من عطائها للأكسجين. وفي نفس
الوقت ساعدت الخلايا على التخلص من مخلفات ذلك التفاعل وفي مقدمتها غاز
ثانى أكسيد الكربون لينتفع به جسم الإنسان لحفظ التفاعل الحمضى القلوى
أو ينتفع به النبات.
ويتمثل في كرات الدم البيضاء التي لا لون لها وهى تتحرك في الدم بطاقة
ذاتية بمعنى أنها تتحرك بحركة الدم أو بعكس حركته وهى في حالة تأهب
واستعداد... وهى التي يعتمد عليها الجسم في صد المعتدين أوسد الثغور
عند تسيب الدم خارج الجسم. فإذا هاجم الجسم ميكروب فما أسرع ما تظهر
لمحاصرته وتطويقه وتدافع العدو المتسرب حتى الموت. فإذا انفتحت ثغرة في
الجسم أسرعت الصفائح العالقة بالدم حول الثغرة تتجمد أو تتجلط لتكون
سداً يمنع تسرب الدم إلى خارج الجسم.
•
وكريات الدم البيضاء (
Leucocytes)
هي ممرضات أجسامنا ذات المعاطف البيضاء ويسميها البعض " بوليس الدم "
لأنها تطارد المجرمين بنجاح فإنه يلزم عدد كبير جداً من كريات الدم
البيضاء والتي ينتجها الجسم بكميات كبيرة ( هائلة ).
•
ولم يستطع العلماء للآن تحديد طول عمرها، لأن هذه الكريات جنود،
والجنود عامة لا تعمر كثيراً بل تقضى نحبها أثناء القتال في سبيل
الإبقاء على أجسامنا سليمة.
•
وكريات الدم البيضاء لا تتجول فحسب في داخل مجرى الدم بل وتستطيع تركه
بسهولة عند الضرورة متوغلة في الأنسجة لملاقاة الميكروبات التي دخلتها.
فبالتهامها للميكروبات الضارة للجسم تتسمم كريات الدم البيضاء بسمومها
شديدة الفعالية وتقتل ولكنها لا تستسلم وتندفع نحو بؤرة المرض في
موجات... الموجة وراء الموجة كحائط صد متماسك إلى أن تنكسر مقاومة
العدو.
•
ولا تتصارع الكريات البيضاء مع الميكروبات فحسب فهي منوط بها وظيفة
أخرى هامة جداً وهى القضاء على جميع الخلايا التالفة والتي استهلكت،
فهي تقوم دائماً داخل أنسجة الجسم بعمل تفكيك وتنظيف المكان للإفساح
لبناء خلايا جديدة للجسم.
ومما لا ريب فيه أن كريات الدم البيضاء بمفردها لا يمكنها أن تقي الجسم
من الميكروبات التي تنفذ إليه حيث أنه يوجد في دم أي إنسان مواد عديدة
مختلفة لها القدرة على لصق وقتل وإذابة الميكروبات التي تدخل الجهاز
الدوري أو تحويلها إلى مواد غير قابلة للذوبان وإبطال مفعول السموم
التي تفرزها والتي نحصل على بعضها من الأباء بالوراثة.
الجهاز المناعي لديه قدرة عجيبة يستطيع من خلالها أن يفرق بين " العدو"
و" الحبيب " ففي الوقت الذي لا يهاجم أي عضو من أعضاء الجسم نجده يهاجم
أي جسم غريب مهما كان حجمه إذا تجرأ ودخل إلى حصن الجهاز المناعي
العتيد.
والسر في ذلك يكمن في " كلمة سر الليل " أو البصمة الجينية الموجودة في
تكوين كل خلية من خلايا الجسم والتي يطلب الجهاز المناعي إبرازها في
حالة نشاطه وهجومه، فإذا أفلحت الخلية أو العضو في إبراز بطاقتها أو
هويتها الحقيقية أو كما نطلق عليها " كلمة سر الليل " فإن الجهاز
المناعي يعرف من خلال ذلك أن هذا العضو أو الخلية من الأصدقاء الذين لا
ينبغي مهاجمتهم، أما إذا فشل العضو أو الخلية في إبراز ( كلمة سر الليل
) فإن الجهاز االمناعى يعامله معاملة الأعداء ويهاجمه ويدمره مما يؤدى
إلى مضاعفات خطيرة في الجسم قد تؤدى في النهاية إلى الموت.
وقد يحدث هذا الخلل في عضو أو أكثر من عضو في الجسم مما يتسبب في حدوث
مرحلة أو مجموعة من الأمراض سميت بأمراض.
" المناعة الذاتية ".
فإذا هاجم الجهاز المناعي المادة البيضاء في المخ والنخاع الشوك وهى
المادة المكونة للغلاف الميلينى المحيط بأعصاب الجسم كله فإن ذلك يتسبب
في حدوث شلل في كل أعصاب الجسم وهو ما يعرف بمرض
"Multiple
Sclerosis
" أو اختصاراً (
M.S).
وإذا هاجمت خلايا الجهاز المناعي خلايا جزر لانجرهانز
(Langerhans
Cells)
في البنكرياس فإنها تدمرها وبالتالي تعجز عن إفراز الأنسولين اللازم
لحرق الجلوكوز مما يتسبب في إصابة الشخص بالسكر.
ويحدث هذا غالباً مع حالات السكر المعتمد على الأنسولين. وقد يأتي هجوم
الجهاز المناعي على مكان اتصال الأعصاب بالعضلات مما يسبب إرتخاء
العضلات في الجسم كله وهو ما يعرف بمرض "
Myasthenia gravis
"
وقد يأتي أيضاً في الغدة الدرقية فيتسبب في إفراز كميات كبيرة من هرمون
" الثيروكسين " السام فيما يسمى "Gravis
Disease
"
الذي يؤثر على سائر أعضاء الجسم. أما إذا حدث الهجوم على البروتين
المبطن للمفاصل فإن ذلك يؤدى إلى حدوث إلتهابات الروماتويد التي قد
تشمل بعض أعضاء الجسم الأخرى مثل الجلد والكبد والكلى والطحال مثلما
يحدث في حالات الذئبة الحمراء "
L.E
" وإذا حدث وهاجم الجهاز المناعي الجلد فقد يسبب ذلك مرض " الصدفية "
وأحيانا مرض " ذو الفقاعة ".
وقد يحدث هذا الهجوم على صمامات القلب أو الكلى كما في حالات الحمى
الروماتيزمية ويسبب مضاعفات خطيرة وهكذا يتبين أن فهمنا لأمراض المناعة
الذاتية وكيفية حدوثها ومحاولة منع حدوثها إنما يمثل خطوة ضخمة في
مجال الطب وعلاج الكثير من الأمراض التي استعصت على العلاج حتى الآن.
كما نعلم فإن جهاز المناعة في الجسم هو المسئول عن حمايته من الجراثيم
والميكروبات... فهو أشبه بجيش يمتلك أعظم الأسلحة الحديثة لمواجهة
الأعداء.
ولجهاز المناعة في الجسم دفاعات شبيهة بدفاعات جيوش الدول بل تتفوق
عليها... فهي لا تترك ثغرة يتسلل منها عدو يقل حجمه عن الواحد على
مليون من (المتر)... وهو أمر يستحيل على أحدث جيوش العصر تحقيقه.
وهناك ثلاثة خطوط للدفاع:
الأول : يتمثل في الجلد وإفرازاته
التي تقاوم الفطريات ودموع العين التي تحتوى على أملاح مقاومة
لبعض الميكروبات... تعبر أيضا عن قدرة هذا الجهاز. كما يملك الجهاز
الهضمي والتنفس أسلحته المناعية.
وخط الدفاع الثاني : يتمثل
في الخلايا الليمفاوية التي تعمل على مدار الساعة بيقظة ونشاط وكأنها
فرق من الشرطة الحارسة للجسم عن طريق اختراق الجراثيم لخط الدفاع
الأول.
أما خط الدفاع الثالث : فهو
يتمثل في نوع من الخلايا المقاتلة تتم صناعتها بسرعة بعد الحصول على
معلومات دقيقة عن نوع العدو الذي عجزت خطوط الدفاع عن مواجهته لتكون
قادرة على هزيمته.
ورغم كل ما يتسم به جهاز المناعة من قدرات فإن أخطاء التمييز بين العدو
والصديق وتوجيه قذائفه أحيانا ضد جسمه المسئول عن حمايتها يشكل معضلة
صعبة ما تزال تخضع لأبحاث تستهدف معرفة خفاياها.
لهذا فإن مدافع وصواريخ جهاز المناعة تصاب أحياناً بخلل يفقدها
الاتجاه الصحيح... فتنطلق بعض قذائفها ضد أحد أعضاء الجسم بدلاً من
تصويبها نحو العدو... الأمر الذي يسفر عن كوارث أليمة يدفع الجسم ثمنها
الباهظ. وأخطاء جهاز المناعة تختلف عن أمراضه أو إصابته بالعجز الخلقي
أو المكتسب...
فعند إصابة هذا الجهاز بالمرض أو العجز تتسلل إلى الجسم الميكروبات بلا
حاجز أو رادع بسبب عجزه عن مواجهتها.
ولعل مرض الإيدز خير مثال على هذا فلا يمكن محاسبة جهاز المناعة عن
هجوم فيروس الإيدز عليه لأنه يكون في حالة عجز أليم عن مواجهة
الميكروبات.
•
لكن الأخطار المميتة لهذا الجهاز تحدث وهو في عنفوان قوته ودون أن
يتعرض لمرض يعجزه عن المقاومة... بل إنه يندفع نحو هذا العضو من الجسم
أو ذاك يهاجمه بشراسة إلى أن يصيبه بأضرار أليمة قد تصل إلى حد الموت.
ففي بعض أمراض الحساسية يكون جهاز المناعة هو المسئول الأول عن الإصابة
حيث ينتج عن نشاطه ردود فعل ضارة تصيب الأوعية الدموية الدقيقة مما
يسفر عن ظهور أعراض الحساسية بمختلف درجاتها.
وهناك ظاهرة محيرة في جهاز المناعة تثير الجدل بين العلماء... وهى
اختلاط أوراق اللعب وعجز جهاز المناعة عن التمييز بين العدو والصديق أو
القريب.
فيتوهم أحد أن أحد أجزاء الجسم دخيلة عليه أو عدو فيعلن التعبئة العامة
ويحشد جيوشه لتبدأ أغرب مأساة داخل الجسم الواحد... إذ ينهمك جهاز
المناعة في الحرب ضد جزء من كيانه بسبب اضطراب في التمييز بين العدو
والصديق أو بين ما هو جزء من الجسم وما هو من
الغرباء....
لذلك ظهرت مجموعة أمراض اسمها أمراض المناعة الذاتية يصعب حصرها في
مقال قصير كما أن الدراسات العلمية تحمل كل عام جديد أيضاً إلى قائمة
هذه الأمراض.
ومن أشهر أمراض المناعة( الروماتويد) حيث تهاجم أسلحة جهاز المناعة
المفاصل وغضاريفها مما يسفر عن آلام صعبة. وغالباً ما يتركز الهجوم
المناعى على الأطراف وخاصة مفاصل اليد وأصابعها وكأن جهاز المناعة يريد
تقييد جسمه عن طريق استخدام يديه وأصابعه ليكون العجز مدمراً.
والأمر لا يقف عند هذا الحد. فبعض الدراسات الحديثة التي أجريت في عدد
من المراكز العلمية الكبرى أشارت إلى اتهام جهاز المناعة بمسئوليته عن
الإصابة بمرض السكر فهو الذي يهاجم الخلايا الحيوية في البنكرياس
المسئولة عن إفراز هرمون الأنسولين.
واقترحت بعض هذه الدراسات حماية ضحاياه المتوقعين أي الذين يرثون المرض
عن الأبوين منذ الصغر بواسطة استخدام أحد العقاقير التي تواجه هجوم
المناعة ضد خلايا البنكرياس... وكأن هذا العضو الحيوي قد أصبح عضواً
مزروعاً غريباً يتعين حمايته بعقاقير القمع المناعي رغم أنه جزء ضئيل
من أعضاء الجسم.
وحيث أن لكل إنسان ( محيطه الذاتي) اضطر إلى الاهتمام بتنظيم فرقة
خدمات طوارئ للإنقاذ من الحوادث في حالة حدوث (تلف) في شواطئه.فإذا حدث
وأصيبت السفن بثقب فإن طاقمها يجتهد في سد الفجوة المتكونة بأية مواد
موجودة. فالدم يحتوى على كميات كبيرة من رقع تسمى
" الصفائح الدموية " "
Thrombocytes
"
وهى عبارة عن خلايا خاصة ذات شكل مغزلي متناهية في الصغر 2-4 ميكرون
فقط. لذلك فإن سد أي ثغرة كبيرة نسبياً بمثل هذه السدادة الصغيرة يكون
مستحيلاً إذا لم يكن ( للثرمبوسيتس
Thrombocytes)
القدرة على الالتحام ببعضها تحت تأثير إنزيم يسمى
(الثرمبوكينيز
Thrombokinase).
وتحتوى الأنسجة المحيطة بالأوعية الدموية والجلد والأعضاء الأخرى على
كميات كثيرة منها خاصة في الأماكن التي تتعرض للجروح.
وعند حدوث أقل جرح بالأنسجة يفرز أنزيم (
الثرمبوكينيز ) للخارج ويلامس الدم فتبدأ ( الثرمبوسيتس ) في
الالتحام مباشرة مكونة خثرة (Thrombus)
يحمل إليها الدم مواد بناء جديدة باستمرار. ويحتوى الملليمتر المكعب من
الدم على 150-400 ألف صفيحة دموية. وأمام هذه الصفائح مهمة واحدة وهى
الالتحام وقت الخطر.
ومن الواضح تماما أهمية وجود ( فرقة للطوارئ) بالدم مجهزة جيداً لإحداث
التجلط ولكنها تهدد الجسم بخطر رهيب.
ماذا يحدث لو أن هذه الفرقة بدأت لسبب ما للعمل في الوقت غير المناسب ؟
مثل هذه الأفعال العشوائية تؤدى إلى وقوع حوادث خطيرة، فقد يتجلط الدم
داخل الأوعية الدموية ويسدها …
لذلك فإن الدم به ( فرقة إنقاذ أخرى ) - جهاز مضاد للتجلط - وهذا
الجهاز يحافظ على أن لا يكون بالدم (
ثرومبين )
Thrombin.
وهو عبارة عن الأنزيم الذي يتفاعل مع مادة (
الفيبر ينوجين
Fibrinogen
)
ويؤدى إلى ترسب ( الفيبرين
Fibrin).
فبمجرد أن يظهر (الثرومبين
Thrombin
)
يقوم الجهاز المضاد للتجلط بإبطال نشاطه فوراً وتعمل ( فرقة الإنقاذ
الثانية ) بنشاط كبير تحت تأثير المخ ولا تعمل بدون أوامره... أما
الأولى فتعمل تلقائياً... سبحان الله.
علاوة على فرق الإنقاذ التى ذكرت أعلاها، يحتوى الدم على فرقة أخرى (
للإصلاح الشامل ). فعندما يحدث تلف بالدورة الدموية فليس مهماً تكوين
سريع للجلطة فحسب، بل من الضروري أيضاً استبعادها في الوقت المناسب.
وطالما أن الوعاء الدموي مسدود بالجلطة فهي تمنع التئام الجرح... وتذيب
فرقة الإصلاح هذه الجلطة تدريجياً وتمتصها أثناء قيامها بتجديد الأنسجة
المقطوعة.
وهكذا رأيت معي - عزيزي القارئ - كيف أن هذه الفرق العديدة
تقوم بخدمات الحراسة والتحكم والإنقاذ لدولة ( محيطنا الداخلى ) - الدم
- من جميع ما هو متوقع وتحقق ضماناً لحركة أمواجه وعدم تغير تركيبه
والإبقاء عليه ثابتاً.
وكما تتنوع الأسلحة في الحروب كذلك تتنوع خطوط الدفاع.
فإذا وخزتك إبرة فإن الأعصاب تحمل الألم إلى مركز الرئاسة في المخ
فيحدد نوع الاعتداء ويحدد السلاح الذي يدافع به فيصدر الأوامر للعضو
بالابتعاد أو الصبر إن كانت حقنة من الطبيب، وقد تدخل الشوكة في إصبعك
فتؤلمك فتصدر الإشارة إلى كرات الدم البيضاء وهى المخصصة للدفاع في مثل
تلك الحالة فتتزاحم حول الشوكة مكونة الاحتقان فينتفخ الجزء الذي حولها
ويمتلئ بالصديد... وما الصديد إلا خلايا بيضاء تساقطت صرعى في المعركة
وبعد فترة يزول الألم ويهبط الانتفاخ وتبرز الشوكة خارجة من الجسم...
حاصرتها الكرات البيضاء فأوقفتها عند حدها ثم رفضها الجسم فلفظها.
•
أما إذا غزت الميكروبات الجسم فتزداد حرارة الجسم من أثر الحرب القائمة
بين وسائل الدفاع وبين الجسم الغازي وتشتد الحرارة كلما حمى وطيس
المعركة وذلك من أثر السموم المتخلفة من القتلى من الجانبين، فإذا غلبت
كرات الدم البيضاء انتهت المعركة وأبلى المريض بلاءً حسناً وشفي. أما
إذا غلبت الميكروبات وانهزمت الكرات البيضاء استلزم الأمر الاستعانة
بمساعدات خارجة عن الجسم.
•
يحس الجسم بالحر فيصدر الأمر إلى مسام الجلد أن تتفتح لإخراج المختزن
في الجسم من الحرارة ويصدر الأمر إلى غدد العرق أن تفرز العرق فوق
الجلد فيرطبه فتخف الحرارة.
•
وإذا أحس الجسم بالبرودة فتصدر الأوامر إلى المسام أن تنغلق حتى لا
تتسرب الحرارة المختزنة فيحتفظ بالحرارة داخله.
•
وإذا أرهق الجسم لأي سبب وفقد طاقته فتصدر الأوامر إلى جميع الأجهزة
بأن تبطئ من حركتها حتى توفر الطاقة لحفظ الحياة فيكون الإغماء حيث
تبطؤ الحركة فتشبه الحياة بالموت.
هذه الأجهزة تعمل بتناسق تام لهدف واحد هو الحفاظ على سلامة الجسم التي
إن دلت على شيء فإنما تدل على قدرة فائقة تفوق قدرات البشر وذات غاية
وقصد. فتقوم مستغنية بإرادتك وتعمل بغير توجيهك بل بدون علمك، تحمل عنك
عبء إداراتها لتتفرع لما خلقت من أجله.
صدق الله العظيم خلقنا في أحسن صورة وصورنا في أجمل هيئة نمشى بقوام
معتدل وجسم مكتمل يتحرك في ديناميكية يسبح فيها الخيال ويحار فيها
العقل.
فإذا نظرنا إلى الإنسان من ناحية أبعاده أو شكله أو تركيبه الداخلي أو
تركيب أعضائه الداخلية نجده حقاً كما قال المبدع الخالق في أحسن تقويم.
ولننظر سوياً إلى تركيبنا الداخلي... ماذا نجد ؟
نجد أن القلب والرئتين داخل قفص عظمى يتكون من العمود الفقري وضلوع
الصدر. في حين نجد الأعضاء الرقيقة كالمخ والنخاع تحتويها صناديق عظمية
مبطنة بأغشية ومواد سائلة لزجة.
وإذا دققنا النظر نجد أن الأعضاء الزوجية تقع على بعد متساو تماماً
سواء أكانت هذه الأعضاء ظاهرة أم باطنة ومن منتصف الجسم.
فالكليتان والمبيضان والخصيتان من الداخل والحاجبان وفتحتا العينين
والأنف والأذنين والثديين والرجلين واليدين كل واحدة منها على بعد
متساو من منتصف الجسم.
فإذا مر خط وهمي رأسي من منتصف الرأس ليقسم الإنسان إلى قسمين نرى أن
كل عين على مسافة متساوية من هذا الخط مع العين الأخرى وكذلك الأنف
والأذن وغير ذلك.
أما الأعضاء الفردية فنرى أن الفم مثلاً يقع في منتصف هذا الخط... وفي
التركيب الداخلي نجد أن القلب في ناحية يقابله في الأخرى الكبد
والطحال.
وإذا ما نظرنا إلى وضع أعضاء الجسم نرى أن هذا الوضع يحقق أحسن تقويم
للإنسان فالأذنان بوضعهما يسمع الإنسان بهما أي صوت سواء أكان الصوت من
اليمين أو اليسار... ولو كانت فتحتا الأنف كالأذنين مثلاً... لما
استطاع الإنسان أن يشم أي رائحة إذ تختلط رائحة من الشمال مع أخرى من
اليمين فلا يمكن الحكم عليها... وكذلك لا يكون الشم بنفس الدقة إذا ما
قورنت بوضع الأنف الطبيعي.
ترى لو كانت العين مثلاً في أسفل الجسم... فهل يمكن أن يرى الإنسان ما
قد يصيب رأسه ؟ وهل كانت العيون ستسلم من الأذى وقد اقتربت من الأرض
حيث التراب والأوساخ ؟.… ولو كانت العينان في فتحة واحدة فكيف يكون
الضرر إذا ما أصاب العين عطب ؟…
إن الإنسان يستطيع أن يعمل إذا ما أصيبت عينه فلديه أخرى وكذلك بالنسبة
لليد والقدم …الخ.
كذلك فمن حسن تقويم الإنسان أن لعينه جفناً يحميها من الأذى... وكذلك
للجفن شعر يعكس الشمس عنها... وللعين ماء تفرزه غدد يجعلها لا تجف
ويحميها من الإصابة بالأمراض المختلفة وذلك لأن الله تعالى أودع في هذا
الماء مواد كيميائية تحمى العين من غزو الميكروبات لها. وفي الأنف
شعيرات تحجز الأتربة وتدفئ الهواء.
كيف لو كانت شعيرات الأنف في العين وغدد العين في الأنف... ؟
أنظر يا أخي إلى أي عضو في جسمك … وركز النظر مثلاً على بقعة صغيرة من
الجلد ترى العجب … إنك ستجد أن مسام الجلد الدقيقة تخرج السوائل
والإفرازات من داخل الجسم إلى خارجه ولا تسمح بدخولها إلى الداخل …
أنظر وتأمل كيف لو كان العكس ؟ أكانت تقوم للإنسان حياة ؟
هذه الأوعية الدموية التي تجعل الدم يسير في اتجاه واحد مهما تغيرات
أوضاع الإنسان ؟ كيف لو تركت وشأنها ؟؟
هناك حارس في اللهاة عند مدخل المريء اسمه لسان المزمار
Epiglottis
يعمل مثل رجال البوليس لتنظيم المرور عند قاع الفم.
وكما نعلم أن الله جلت قدرته قد جعل القصبة الهوائية مفتوحة على الدوام
بأن خلقها على هيئة حلقات غضروفية مفتوحة باستمرار.
وعند ازدراد الطعام أو احتساء الشراب لو لم ينغلق الممر التنفسي لتسرب
فيه بعض أجزاء الطعام أو الشراب ومن ثم يصاب المرء باختناق وقد يموت
على الفور.
وفى أقل من ربع ثانية تحدث في أسرع ما يمكن وفى تنسيق دقيق ثلاث عمليات
هي:
2- ينفتح المدخل التنفسي للقصبة الهوائية بواسطة لسان المزمار.
2- ينفتح مدخل المريء.
3- يتوقف الجهاز التنفسي لفترة قصيرة جداً.
وهذه الحركات الثلاث تتم في اليوم الواحد آلاف المرات ولا يكاد الإنسان
يشعر بها لأنها خاطفة ولتعوده عليها.
وهى حركات لاإرادية ولا شعورية تبدأ مع السطور الأولى للحياة منذ أن
كان المرء طفلاً … جلت قدرتك يا الله.
وأمام هذه الحركة الأوتوماتيكية يقف الطب مشدوهاً.
وإذا أردت أن تحس بذلك فاصرف حسك وشعورك ركزهما عند حركات فمك الداخلية
عند بلع الريق أو أن تبلع الريق مركزاً الانتباه لما يحدث عند قاع
الفم، ستشعر أن مجرى قد انفتح وآخر قد انغلق وأنك لا يمكنك أن تخرج أو
تدخل النفس في تلك اللحظة … تعالت قدرة الخالق الحكيم.
وتتكرر نفس العملية حركياً وديناميكياً بنفس الطريقة وبنفس الدقة
والتمام والكمال أثناء المعاشرة الجنسية عند قذف السائل المنوي في رحم
الأنثى أو في مهبلها عند بلوغ المرء قمة الشهوة والنشوة الجنسية.
في تلك اللحظة يكون الجهاز التناسلي كله محتقناً وإفرازات البروستاتا
جاهزة وعندما تتوتر العضلات ويأذن لها المؤثر الخارجي بالإفراغ يعطيها
العصب السمبثاوى الإشارة بالضربة فيقوم صمام المثانة في التو بغلق ممر
البول وفتح ممر البروستاتا والسائل المنوي من برتخ الخصبة.
فتحدث عمليتان في لحظة طردهما:
- غلق ممر الماء.
- فتح قناة البروستاتا.
ولا يمكن أن يختلط الماء والسائل المنوي، فلا ينفتح المجريان في لحظة
واحدة كما لا ينغلقان في نفس الوقت. وهذا الحارس يقظ حازق لا يضطرب
عمله في الظروف العادية ولا يتوانى عنه ولا يقصر فيه.
وللتأكد من ذلك يلاحظ المرء أنه بعد الممارسة الجنسية بعيد عملية القذف
مباشرة لو حاول التبول لوجد شبه احتباس بولي مؤقت ويحتاج الشخص إلى شيء
من الضغط حتى ينزل البول من مثانته، لأن الصمام البولي للمثانة يكون
آنذاك تحت تأثير الإشارات العصبية القوية مغلقاً بإحكام وبحسم وحزم ولا
يأذن للبول بالمرور إلا بعد بضع دقائق.
ويطول بنا المقام لو تتبعنا عمل الأجهزة المختلفة في جسم الإنسان وما
فيها من خوارق ومعجزات ففيها المجلدات الضخمة فمن أرادها فليطلبها في
مظانها. إنما نضرب الأمثلة تنبيهاً إلى بعض المعجزات التي يحتويها
جسمك.
فلو أطلقنا لأنفسنا العنان في هذا المجال لن ننتهي منه أبداً... ولكن
هذه ما هي إلا قطرة من هذا البحر الزاخر... جسم الإنسان الذي ينطق
بالإعجاز الرباني والإبداع الإلهي...
وفي أنفسكم أفلا تبصرون سورة الذاريات
لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم سورة التين
آيات قليلة الكلمات أجهد العلماء أنفسهم للبحث عما تستوعبه من علوم
وإبداع. وقد رأينا هذه القطرة التي وصل إليها التقدم العلمي الحديث...
وما زال البحث مستمراً للكشف عما تحتويه كلمات القرآن والذي ستكشفه
لنا الأيام القادمة بإذن الله تعالى.
وأجهزة الجسم - عزيزي القارئ- مثال لما يجب أن تكون عليه في مجتمعك...
ألا ترى كل عضو بل كل خلية تقوم بدورها على أحسن وجه فلا تمرد ولا
عصيان ولا تشاحن ولا استثناء ولا تهرب من المسئولية. كل جهاز مستيقظ
ساهر على أداء عمله جاهز عند الطلب... حتى وقت ينام الإنسان ويذهب عن
الوعي فلا يتوقف التنفس ولا تنام الدورة الدموية...
كل هذه الظواهر تشير إلى أن وراءها عقل يعمل ويدبر للحفاظ
على سلامة الجسم... من وراء هذا ؟ وقد ثبت عجز صاحبها عن إدارتها ؟؟...
هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه
( لقمان : 11)
فأفق يا غافل وضع نهاية لغيك وغفلتك قبل أن يأتي يوم لا مرد له من
الله. أفق قبل أن يأتي يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله...
لا شفاعة... ولا نسب... ولا جاه...