أ.د/إبراهيم سليمان عيسى
أستاذ بكلية الزراعة جامعة الأزهر
في واد غير ذي زرع في الجزيرة العربية، وبين شراذم من البدو يتطاحنون
ويتحاربون، ليلهم ماجن، ونهارهم عابث، وفي ظلمة من الجهل تكاد تطبق على
كل الأرجاء فعلى القلوب أقفالها، وعلى العقول صدؤها، والناس بين سادة
طاغين وعبيد صاغرين.. في هذا الجو الحالك سواده، وفي مثل هذه البيئة
القاتمة، بدأ الإسلام على يد النبي الأمي، وأنزل الله عليه القرآن هدى
للناس وبينات، وألهمه التشريع والحديث، وعلمه ما لم يكن يعلم، وشرح
الله صدور قوم مؤمنين، فتبدد ظلام الجهل، وألف بين قلوب قوم كانوا
أعداء ألداء فأصبحوا بنعمة الله أخواناً، ووحد بين السادة والعبيد
فأصبحوا إزاء حقوقهم وواجباتهم متساوين كأسنان المشط، لا فرق بين أحد
وآخر إلا بالتقوى، وبذا خرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم،
ودخلوا في دين الله أفواجاً وانطلق المجتمع الإسلامي يعمّر ولا يدمّر،
ويوفر الخير للناس، كل الناس، في كل المجالات، مسترشداً بنور كتاب الله
الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومستظلاً بأحاديث رسول
الله الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، علمه شديد القوى.
ولقد كان القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة هما الأساس الفكري
لكثير من العلوم الأساسية، ثم لكثير من العلوم التطبيقية التي ترتبت
عليها وتطورت منها نتيجة للدراسة المستفيضة واكتشاف الكثير من الحقائق
العلمية التي تذاع وتنشر.
وقبل البدء في الحديث عن علوم الزراعة في القرآن الكريم والسنة النبوية
أقرر عدة حقائق:
أولاً: إن القضايا التي كثر الحديث عنها كفضل العلم والعلماء في
الإسلام،
وعدم تعارض الدين مع العلم، أصبحت معلومات شائعة وقضايا محسومة، والعلم
بها أصبح ضرورة من الضروريات لكل من يعنيه الشأن . ويكفي أن القرآن قد
قرر أن أكثر الناس خشية لله هم العلماء. والجدير بالذكر أن الآية
الكريمة : (إنما يخشى الله من عباده
العلماء)، جاءت بعد حديث القرآن عن الجبال وتنوعها وألوانها، أي
بعد الحديث عن بعض الكونيات. كما أن العلم والدين وجهان لعملة واحدة،
وأن هذا الصراع إنما يخص المجتمعات الغربية التي تفصل التربية الدينية
عن التربية الدنيوية في مناهج التربية والتعليم والثقافة، أما لدينا
نحن المسلمون فالتربية الإسلامية شاملة لكل حقول المعرفة، ولا يوجد
لدينا عمل دنيوي بحت وآخر ديني بحت، فالكون والإنسان والحياة مخلوقات
لله هادفة موحدة متوازنة.
ومن هنا نرى دعوى تعارض العلم والدين باطلة، يطلقها التشككون بهدف
النيل من الدين الإسلامي الذي يجمع الدين والدنيا، فهو يشرع للمسلم في
دنياه كأنه يعيش أبد الدهر، ويشرع له في أخراه كأنه سيلقى ربه غداً،
ولا أدل على بطلان دعوى تعارض العلم والدين من أن الله سبحانه وتعالى
هو المشرع والخالق، فهو الخالق لكل الكائنات ومرسى الجبال ومجرى
الأنهار، والبحار، والمحيطات، ورافع السماوات، وباسط الأرض.
وما العلم إلا اكتشاف وتفسير وتعليل لهذه الظواهر والقوانين الكونية،
ثم إن أولى الصفات الواجبة لله هي (صفة الوحدانية) في الذات والصفات
والأفعال، وهي من الصفات التي تنفي عن رب العزة التعدد في ذاته وصفاته
وأفعاله، فكيف نتصور وجود تعارض بين العلم والدين على الرغم من وحدانية
المشروع والخالق سبحان وتعالى ؟.
من هنا نرى أنها دعوى واضحة البطلان لا أساس لها من عقل أو مشاهدة أو
غير ذلك. هذا بالإضافة إلى أنه لم يعد في مجال العلم ما يسمى (الحقيقة
العلمية النهائية)، بل أننا نجد أن العلماء مضطرون أحياناً إلى الأخذ
بنظرتين متعارضتين، ويتضح ذلك في التفسير لبعض الظواهر الكونية كالضوء
مثلاً. وعلى العموم، فإن العقلانية في الإسلام أمر اعترف به كل منصف،
وأن دين الكنيسة الغربية هو الذي وقف في وجه العلم.
ثانياًً: القرآن الكريم ملئ بالآيات التي تدعو إلى التفكرفي
ملكوت السماوات والأرض، وفي كثير من العبر التي تتصل بالنبات والحيوان،
يقول سبحانه وتعالى: (وما ذرأ لكم في الأرض
مختلفاً ألوانه)[النحل:13]، ويقول :(
وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون)[الجاثية:4]، يقول:(
وفي الأرض آيات للموقنين * وفي أنفسكم أفلا تبصرون * وفي السماء رزقكم
وما توعدون * فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون)[الذاريات:20ـ22].
ثالثاً: من خصائص الزراعة المتعدد،
أركز على اثنتين فقط الموسمية، والتخصص والتمنطق، ويترتب على هاتين
الصفتين أن الزراعة أهم مقومات نشأة الحضارات واستمرارها، ومعنى ذلك أن
الإنتاج الزراعي له صفة (الموسمية)، فهذه زراعة صيفية، وأخرى شتوية،
وثالثة نيلية، فالإنتاج موسمي والاستهلاك لابد أن يكون على مدار العام
كله. من هناك كانت حتمية الاحتفاظ بالمنتجات سليمة لكي تفي بمتطلبات
الاستهلاك، ونتيجة حتمية لهذا أن تنشأ وسائل التخزين وأنماطه وطرقه
ودراساته، وغير ذلك كثير.
كذلك فإن التخصص والمنطق صفة الإنتاج الزراعي، فهذه الأرض الصفراء أو
الطينية تجود فيها زراعة الحبوب، وهذه يجود فيها الإنتاج الفاكهي، وتلك
يجود فيها إنتاج الألياف والسكريات ومحاصيل الزيوت، وكحتمية ناتجة عن
هذه الصفة يتم تصدير جزء من إنتاج هذه المنطقة إلى منطقة أخرى، مقابل
استيراد ما تخصصت في إنتاجه، ومن هنا كان (التبادل التجاري) حتمية
اقتضتها خصائص الإنتاج الزراعي.
ولقد ساهمت الزراعة في انتشار الإسلام .. هل تأملتم كيف أنتشر الإسلام
في ماليزيا واندونيسيا عن طريق التجارة، وما هي أنواع العروض التجارية
التي كان يجهلها التجار؟ لا شك أنها كانت منتجات زراعية وليست صناعية.
وكما أن الزراعة أساس التجارة، فإنها كذلك أساس التصنيع في الصناعات
القائمة على المواد الخام الزراعية، غذائية كانت أم كسائية، بل لقد
نشأت علوم التسويق والتغليف والتعبئة، وغير ذلك، نتيجة لهذا التخصص
وذلك التمنطق.
رابعاً: تميزت الزراعة دون سائر أوجه النشاطات الاقتصادية الأخرى(كتجارة
والصناعة) فضلاً عن أنها أساس الاستقرار والحضارة والتنمية، فإنها قد
تمارس ابتغاء المثوبة من الله سبحانه. وعن فضل الغرس والزرع روى الإمام
مسلم بسنده عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: (ما من مسلم يغرس غرساً، أو يزرع زرعاً
فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة). وفي هذا
الحديث الشريف بيان لأهمية الزراعة وتوضيح لمثوبة الزارع والغارس عند
الله تعالى. بل إن منزلة هذا العمل تتضح بصورة رائعة وعظيمة حين نعلم
أن مثوبة الزرع أو الغرس ممتدة إلى ما بعد الموت، وصدقة جارية إلى يوم
القيامة، ففي رواية :.. فلا يغرس المسلم
غرساً، فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا طير إلا كان له صدقة إلى يوم
القيامة.
وهكذا نجد أن صاحب هذا العمل أخذ تلك المنزلة من الأجر المثوبة لأن
بهذا شارك في عمارة الحياة وحضارتها، فلم يعش لنفسه فقط، وإنما عمل
لمجتمعه وقد الخير ما استطاع سواء حصل من زرعه على شيء أم لم يحصل،
وسواء عاش ليأكل منه أم لا. روى الإمام أحمد عن أبي الدرداء رضي الله
عنه أن رجلاً مرَّ به وهو يغرس غرسَّاً بدمشق فقال له : أتغرس هذه وأنت
شيخ كبير، وهذه لا تطعم إلا في كذا وكذا عام؟؟ فقال :
(ما علي أن يكون لي أجرها ويأكل منها غيري)...
فالزراعة في ضوء هذا الحديث يرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مستوى
العمل فيها حتى يجعل منه عملاً خالصاً من أعمال البر، بحيث تصبح غاية
في ذاتها لا وسيلة من وسائل الكسب والمعاش فحسب، يقول الرسول صلى الله
عليه وسلم : (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم
فسيلة فليغرسها) رواه أحمد والفسيلة هي ما يقطع من صغار النخلة
أو يجتث من الأرض.
خامساً: الزراعة بشقيها، الإنتاج الحيواني والإنتاج النباتي،
وسيلة الغذاء والكساء الذي يكفي كل مخلوقات الله على الأرض، لذا دعا
الإسلام إلى استغلال الأرض بما عليها من حيوان أو نبات استغلالا يحقق
الهدف من تعمير الأرض واستقرار المجتمع وإيجاد سبل القوة المادية
والاقتصادية. وإذا تم أخراج الزكاة مما تنتجه الأرض لأمكن القضاء على
عوامل الحقد والكراهية في المجمع، وسوف ينمو المال ويزداد ويسود الحب
والوئام، فلا يجد غنياً جشعاً ولا فقيراً حاقداً. وسينصرف الكل إلى
تحقيق الهدف من الوجود الإنساني، وإذا تم أيضاً توجيه ناتج هذا
الاستغلال عالمياً لأمكن القضاء على الأزمات الاقتصادية والغذائية التي
تجتاح العالم، فالأزمات ليست ناتجة عن قلة ما تنتجه الأرض من خيرات
ولكنها ناتجة عن سوء التوزيع، فلو أن الدول الغنية طرحت ما تلقيه في
البحر سنوياً أمام متطلبات الدول النامية الفقيرة لأمكن القضاء على هذه
الأزمة.. وسوف تختفي وتزول الحروب وعوامل الدمار والهلاك وغيرها،
ونتأمل معاً قول الله سبحانه وتعالى:( قل
أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب
العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في
أربعة أيام سواء للسائلين)[فصلت:9ـ10].
والله يقرر أنه هو الزارع في قوله تعالى :(
أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون)[الواقعة:64].
سادساً: يجب على كل من يريد أن يتصدى للإشارات العلمية في القرآن
الكريم أن يتعرف على اللغة العربية وأن يدرسها دراسة كافية تؤهله
للقيام بهذه المهمة، وسوف نتبين أن ذلك هاماً وأن التعثر في مفهوم كلمة
واحدة قد يأتي بنتيجة عكسية للمراد من دراسة هذه الإشارات العلمية في
القرآن والسنة .
تنوع العلوم الزراعية:
تشمل الزراعة نوعين من الإنتاج هما: (الإنتاج النباتي)، ممثلاً في
إنتاج المحاصيل من حبوب وسكريات وزيوت وألياف وفاكهة وخضر وغير ذلك.
وأما النوع الثاني فهو (الإنتاج الحيواني)، كاللحوم والألبان والبيض
والصوف وغير ذلك. وليس هناك طريق للغذاء أو الكساء أو الدواء إلا
بالزراعة الحديثة التي تشمل الشقين معاً، الإنتاج النباتي الحيواني.
وتتعدد علوم الزراعة لتشمل علوم الحشرات والحيوان والآفات والأمراض
النباتية والحيوانية، ويطلق على هذه المجموعة وعلى الوحدة التي تقوم
بتدريسها ودراستها اسم (وقاية النبات). ويدخل ضمن اختصاص هذا القسم
إنتاج العسل ورعاية المناحل ودراسة منتجاتها الأخرى، كما يدخل فيه
إنتاج الحرير ودراسة الإنتاج وسلوك ورعاية ديدان الحرير. كما يتولى
قسمى الإنتاج قسمي المحاصيل والبساتين: إنتاج الكثير من المحاصيل
المختلفة، من حبوب وبقول وسكريات وزيوت وألبان نباتية وخضر وزينة
ونباتات طبية وعطرية.
كما يتولى قسم الأراضي والمياه دراسة نوعيات الأراضي ووسائل تحسينها
وإصلاحها واستزراعها، بالإضافة إلى الدراسات التي يجريها القسم على
المياه ومعدلات ومقننات استخدامها والحفاظ عليها والاستفادة منها، وغير
ذلك.. هذا، بالإضافة إلى مجموعة علوم أخرى تخدم الزراعة، إنتاجاً
واستهلاكاً، وغير ذلك، كالاقتصاد الغذائية. وسوف أذكر فيما يلي عدة
أمثلة لبعض العلوم الزراعية، وما جاء عنها في القرآن والسنة النبوية
الشريفة، ولن أقوم بإحصاء كافة العلوم الزراعية لضيق الوقت المخصص لهذا
اللقاء.
علوم الوراثة:
تناول القرآن الكريم والسنة النبوية علوم الوراثة وقوانينها بين
الأحياء بشيء من الإعجاز والسبق العلمي، ويمكن أن نقرر الحقائق التالية
في هذا المجال. فكل يوم جديد يضيف دليلاً على السبق والإعجاز العلمي في
القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، في التوارث وقوانين الوراثة
بين الأحياء، والتي يمكن تلخصيها في النقاط التالية:
1.
أولى حقائق علم الوراثة أذيعت منذ 93 عاماً بالتحديد، في حين ذكرها
القرآن الكريم منذ 1414عاماً، بالتحديد أيضاً، وكذلك تحدثت السنة عن
الكثير من هذه الحقائق المرتبطة بقوانين الوراثة والتوارث.
2.
في مجال الاختلافات بين الكائنات الحية الحيوانية والنباتية، تكلم
القرآن الكريم وذكر الكثير عن هذا الاختلاف وبين أسبابه ولفت الأنظار
إلى ذلك.
3.
في مجال الإنسان دعا القرآن الكريم إلى تحسين النسل واختيار الزوجة
وحرّم الكثير من النساء بالنّسب أو بالرضاع. ولقد كشف علم الوراثة
الحديث أسباب هذا التحريم(التحريم بالرضاع) وأمط اللثام عن الأخطار
التي تحدث إن لم يكن الإسلام قد شرّع هذا التحريم.
4.
والمعلوم أن قوانين الوراثة بين الأحياء ثابتة. والله وحده هو الذي
يستطيع استبدالها وتغييرها في أي وقت عن طريق ما أطلق عليه علم الوراثة
(الطفرة)Mutation،
التي تحدث كل عشية أوضحاها في الأحياء. والجدير بالذكر أن إحداث الطفرة
صناعياً ممكن لكنها كلها (أي : الطفرات الصناعية) تكون مميتة وضارة
ومتنحية.
5.
قوانين التوارث والوراثة بين الأحياء لا تترتب عليها نتائجها ترتب
المسبب على السبب، إلا بإذن الله سبحانه وتعالى. وتوجد الأمثلة الكثيرة
في عالمي الأحياء (النبات والحيوان) تؤكد ذلك.
6.
وقف الإسلام ضد تعقيم بعض الفئات، كضعفاء العقول والمعتوهين وغيرهم
كثير، لأسباب ليست دينية فحسب، بل وراثية أيضاً، كشف عنها علم الوراثة
الحديث، وسبقه بهذا الإعجاز العلمي للقرآن الكريم والسنة النبوية
الشريفة.
7.
وفي مايو سنة (1985) توصل علماء يابانيون إلى أن تغذية الصغار في عمر
أقل من 700يوم على لبن مرضعة غير أمه يجعل هناك الكثير من الصفات
الوراثة المشتركة بين الطفل الرضيع والسيدة المرضع، وبذلك تحقق الإعجاز
والسبق العلمي حينما حرم بالرضاع ما يحرم بالنسب، وقد أمكن تعليل وبيان
الحكمة من هذا التحريم الرباني.
علوم الحيوان:
برغم تقدم العلوم ووصول الإنسان إلى عصر الفضاء فما زال الإنسان عاجزاً
عن فهم نفسه، وأقرب الأشياء إليه، وهو عالم الحيوان، أساس المأكل
والملبس والدفء لكل البشرية، فالمنتجات الحيوانية لا يحصيها عد. كما أن
أضرار هذا العالم كثيرة من ناحية أخرى، والإنسان يعيش في صراع وتنافس
مع هذه المخلوقات، وفي هذه النقطة أذكر مجرد أمثلة أيضاً لبيان الإعجاز
العلمي للقرآن في هذا المجال (علوم الحيوان).
يعتبر الحيوان وحدة من وحدات هذا الكون الذي تشير آياته إلى وجود الله
وتؤكد وحدانيته. ولذلك فقد أهتم القرآن الكريم بعالم الحيوان، ومن
شواهد هذا الاهتمام أنه أطلق أسماء بعض أصنافها على بعض سوره الكريمة
مثل سورة البقرة .. وهي أولى سور المصحف الشريف بعد سورة الفاتحة، وهي
أطول سورة في القرآن الكريم. ومن الأمثلة أيضاً سورة الأنعام..
والأنعام هي الإبل والبقرة والأغنام.. وسورة النحل.. وسورة النمل....
وسورة العنكبوت .. وسورة العاديات .. والعاديات هي جياد العدو، أي
الجري، وخيول القتال .. وسورة الفيل.. وأيضاً فقد ذكر الدابة والدواب
ثماني عشرة مرة في القرآن الكريم، وتكرر ذكر الأنعام اثنين وثلاثين
مرة، وبهيمة الأنعام تكررت ثلاث مرات. وتكرر ذكر القرآن الحيوانات
بأسماء أصنافها، فذكر العجل والبقرة والناقة والحمير والخنزير والخيل
والكلب والنعجة، والقرد والذئب والغنم والإبل والبغال والجمل والفيل
والسبع والضأن والطير والغراب والهدهد.ومن الحشرات ذكر النمل والذباب
والجراد والقمل والنحل، وأيضاً ذكر من الحيوانات العنكبوت والثعبان
والحية والضفادع والسمك والحوت.
ولا يقتصر اهتمام القرآن الكريم بعالم الحيوان على مجرد ذكر أصنافه
وأنواعه.. بل إنه أورد أصول علوم الحيوان سابقاً العلم بأربعة عشر
قرناً من الزمان.. ففي (الوصف الظاهري) للحيوان والاعتماد عليه للوقوف
على مدى سلامته أو درجة إصابته، فلقد أورد الوصف العلمي التفصيلي
للمشاهدة البصرية للحيوان، ممثلاً في البقرة فتقول آياته الكريمة
:(
قالوا أدع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء
فاقع لونها تسر الناظرين، قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر
تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون* قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول
تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها * قالوا الآن جئت بالحق
فذبحوها وما كادوا يفعلون)[سورة
البقرة:69ـ71].
وقد قررت علوم صحة الحيوان أن خير الأبقار وأفضلها ما كان مطابقاً لهذه
الأوصاف التي حددتها الآيات الكريمة من اللون في نفس الإنسان المتعة
والسرور.. وكذلك من قوة جسمها وعضلاتها بإثارة الغبار على الأرض من
حوافرها عند سيرها.. وأسباب هذه القوة أنها لم تجهد في الزراعة بالحرث
أو بسقي الأرض.. وأن تكون مسلمة .. أي سليمة من كل العيوب الظاهرة.
وأيضاً، فلقد أورد القرآن الكريم الفحص العلمي للخيول، سابقاً العلم
بعشرات المئات من السنين، إذ تقول آياته الكريمة:
(ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب *
إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد* فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر
ربي حتى توارت بالحجاب * ردوها علي فطفق مسحاً بالسوق والأعناق)[سورة
ص:30].
وتقرر أصول (علم الطب البيطري)
بالنسبة لاختيار صلاحية الخيل أنه يجب أولاً فحصها ظاهرياً، للوقوف على
مدى سلامتها وصلاحيتها شكلاً ومنظراً، ثم تجبر على العدو لشوط كبير،
على قدر الاستطاعة، ومراقبتها أثناء العدو، ثم تجبر على العدو لشوط
كبير، على قدر الاستطاعة، ومراقبتها أثناء العدو، حتى يمكن للمراقب
أن
يتبين مدى سلامة أجزاء الحصان، لا سيما سيقانه وأرجه، وتناسقها مع باقي
أجزاء الجسم: ثم يقاس نبض الخيل بعد شوط العدو، وذلك عن طريق الشريان
تحت الفكي والصدغي والكعبري الموجود بعنق الحصان، مع فحص ساقه بعد هذا
المجهود، ليعرف ما وصل الحصان إليه بعد العدو، وطاقة الساق عليه.. وهذا
ما يقرره القرآن الكريم، إذ قام سيدنا سليمان عليه السلام بفحص خيوله
التي أعددها للدفاع عن دين الله، فاستعرضها أولاً، استعراضاً طويلاً
متأنياً لشدة حبه لها، لما تحققه للدعوة من أهداف، ثم أمر أن تجري إلى
أبعد شوط ممكن وإلى أن توارت بالحجاب، أي نهاية ما يمكن للإنسان أن
يراه في الأفق، فلم تعد رؤيتها مستطاعة بعد ذلك، وبعدها طلب ردها
مباشرة بعد هذا الشوط الطويل، فكأنه ضاعف من قدر الشوط، وبوصلها قام
إليها يتحسن سيقانها، ويفحص شرايينها، للوقوف على نبضها بعد هذا
المجهود.
ومن أصول علوم الحيوان في الوصف الظاهري له، وما سبق القرآن الكريم
العلم به، ما قرره من أن (الكلب) دائماً يلهث، إنما يتنفس بصوت عالي
بفتح فمه واندلاع لسانه إلى أقصى حد إلى الخارج، سواء زجرته أو تركته،
وذلك بالنص القرآني الكريم : ( ولو شئنا
لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه * فمثله كمثل الكلب إن
تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا *
فاقصص القصص لعلهم يتفكرون)[سور الأعراف].
ويصل العلم بعد أربعة عشر قرناً من الزمان من قول القرآن الكريم، وبعد
أن استخدم الأجهزة القياسية والتحاليل الكيماوية، إلى أن الكلب لا توجد
له غدد عرقية، إلا القليل في باطن أقدامه، مما لا تكفيه حتى تخفض درجة
حرارته(إذ أن عمل الغدد العرقية بما تفرزه من عرق هو لتلطيف درجة حرارة
سطح الكائن والجو المحيط به)،ولذلك فإن الكلب يستعيض عن عدم وجود الغدد
العرقية كغيره من الحيوانات، فيحاول تخفيض حرارته عن طريق (اللهث) الذي
يعرض فيه أكبر مساحة من فراغ الفم واللسان للهواء.
ودائماً ما يفعل الكلب ذلك، سواء أكان مجهداً أم مسترخياً، وقد أورد
القرآن الكريم هذه الملاحظة، كعلامة مميزة لحياة الكلب.
مقالات ذات صلة :
مراحل تكون
النبات
النظام
الزراعي في القرآن ومظاهر إعجازه
حياة النبات في ضوء القرآن والسنة