بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مرحبا بكم مع الشيخ خالدالمغربي - المسجد الأقصى

088

الغاشية

آية رقم 018

وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ

صدق الله العظيم

 

مظاهر الإعجاز العلمي في الغلاف الجوي
 

الدكتور شريا محمد
أستاذ بكلية العلوم- الرباط
شعبة الفيزياء

يقول الحق سبحانه في سورة الغاشية:
”أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20)“.
الله تبارك وتعالى يأمرنا في هذه الآيات بالنظر إلى محيطنا كي نتدبر آياته الكونية ونعلم أنه الحق، لا إله إلا هو. ومن بين ما يأمرنا به الحق سبحانه، إلى النظر إليه، السماء، وكيف رفعت. وسنخص هذا البحث، إلى النظر إلى السماء، لا على إطلاقها ولكن إلى سماء الدنيا وبالتحديد إلى الغلاف الجوي.
نشأة الغلاف الجوي:
عند كثير من الناس، الغلاف الجوي هو ذلك الهواء الذي نستنشقه، ولكن في الحقيقة هو مزيج من الغازات و الجزيئات الصلبة التي تحيط بالأرض، فتشكل طبقة غازية مثبتة حول الأرض بفعل الجاذبية.
وسمك الغلاف الجوي يعتبر دقيقا جدا مقارنة بالأرض. فلا يكاد يوازي قشرة التفاحة مقارنة مع كتلتها الكاملة. فيرى من الفضاء كأنه طبقة دقيقة من الضوء الأزرق الغامق في الأفق (انظر الصورة رقم 1).
والغلاف الجوي للأرض يتكون أساساً من الآزوت والأكسجين وهو ما يجعل الأرض كوكباً فريداً من نوعه في المجموعة الشمسية، حيث يمتاز على سائر الكواكب بوجود الحياة على سطحه.
والغلاف الجوي قبل أن يصل إلى ما هو عليه الآن، مر بمراحل عديدة عبر الأحقاب والأزمنة.
فقبل أربعة آلاف وخمسمائة مليون سنة كانت الوضعية مختلفة تماماً، حيث الأرض الشابة في مرحلة التكوين، كانت عبارة عن كرة من الحمم. فكانت الأرض تغلي بفعل الحرارة المرتفعة.

صورة رقم 1: الغلاف الجوي يظهر في الأفق باللون الأزرق الغامق

فتبخر غاز الهيدروجين وغاز الهليوم المتواجدان على السطح، ليكونا غلافاً جوياً، ولكن خفة هذه الغازات ودرجة حرارتها العالية وأشعة الشمس الحارقة مكنتها من أن تنفلت من جاذبية الأرض وتضيع في الفضاء الخارجي. وهكذا أصبحت الأرض في بداية نشأتها بدون غلاف جوي كما هو الحال بالنسبة للقمر الآن.
وعلى مر العصور، اتجهت درجة حرارة الأرض إلى الانخفاض، فتكونت على السطح، مع مرور الزمن، قشرة أرضية صلبة بفعل البرودة التدريجية. فنتجت عنها ثورات بركانية عنيفة وزلازل قوية، ألقت بالصخور البركانية المنصهرة على السطح، وساهمت في تكوين الرواسي و الجبال. مما أتاح للأرض الاستقرار التدريجي وهبوطا حادا في النشاط البركاني (أنظر الصورة رقم 2).
وهذه الثورات البركانية العنيفة قذفت في الهواء غازات كانت سجينة في أعماق الأرض، وتتكون، أساساً، من بخار الماء وثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت والآزوت و الميثان وغبار الجزيئات الصلبة. فنتج عن هذا: الغلاف الجوي البدائي للأرض.

صورة رقم 2: بركان ثائر

وفي هذه الحقبة التاريخية من حياة الأرض كانت هذه الأخيرة هدفا لوابل من النيازك والمذنبات والمجسمات الصغيرة الغنية بالماء، مما ساهم في إغناء الغلاف الجوي ببخار الماء. فكان الغلاف الجوي البدائي للأرض يتكون من الغازات التالية حسب النسب المدرجة أسفله(أنظر الجدول رقم 1).

جدول رقم 1: مكونات الغلاف الجوي البدائي

المادة

 النسبة  %

بخار الماء

80 %

ثاني أكسيد الكربون

12 %

ثاني أكسيد الكبريت

6 %

آزوت

2-1%

والغبار الناتج عن الثورات البركانية واحتراق النيازك والمذنبات المتساقطة على الأرض ساهم في حجب الشمس عن سطح الأرض، فانخفضت درجة الحرارة مما أتاح الفرصة لبخار الماء المتواجد في الغلاف الجوي أن يتحول إلى ماء سائل، ليسقط بعد ذلك على الأرض بفعل الجاذبية. وهو ما نتج عنه أمطارا طوفانية، كانت الأساس في تكوين المحيطات والبحار.
وهذه الأمطار الطوفانية الناتجة عن الأعاصير مكنت من إذابة ثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت، الموجودين في الغلاف الجوي، فتفاعل ثاني أكسيد الكربون، المذاب في الماء، داخل المحيطات مع الكلسيوم فأنتج الجير الذي ترسب في قاع المحيطات. وتحول ثاني أكسيد الكبريت بفعل نشاطه الكيميائي إلى مركبات الكبريت.
و مع استمرار هذه التفاعلات الكيميائية والأمطار الطوفانية تقلص تواجد بخار الماء في الغلاف الجوي، ولم يبق من ثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت إلا بعض البقايا. أما الآزوت فبما أنه عديم النشاط الكيميائي، بقي على حاله في الجو، فازدادت نسبته حتى صار المكون الأساسي للغلاف الجوي. (أنظر الصورة رقم 3)
والأمطار الطوفانية الناتجة عن الزوابع والأعاصير سمحت بتطهير الجو من الجزيئات الصلبة التي كانت تلعب دورا أساسيا في تحول بخار الماء إلى ماء سائل، والتي كانت تحجب أشعة الشمس عن سطح الأرض مما يزيد في برودة الجو. وهكذا أصبح الغلاف الجوي شفافا مما مكن وصول أشعة الشمس إلى سطح الأرض وخصوصا البحار والمحيطات، مما أعطى الفرصة لظهور الحياة داخل البحار والمحيطات من خلال تكوين أولى الجزيئات العضوية داخل الماء، وبعد ذلك تكونت الطحالب الوحدانية الخلية.

الصورة رقم 3: خروج ثاني أكسيد الكاربون من مكونات الغلاف الجوي

وظهور الحياة على الأرض مكن من إنتاج عنصر جديد في الغلاف الجوي، ألا وهو الأكسجين من خلال ميكانيزمات التخليق الضوئي.
ومن خلال تفاعلات كيماوية معقدة بين الميثان والأزوت والماء والأكسجين والطاقة الشمسية نتج مولود جديد هو الآزوت الذي كون مع الوقت طبقة دقيقة في الأجواء العليا.
وتواجد هذه الطبقة من الآزوت في الغلاف الجوي، أعطى للأرض غطاء واقياً من الأشعة فوق البنفسجية التي تضر بالحياة، مما مكن من ظهور الحياة على اليابسة، بعدما كانت مقتصرة على البحار والمحيطات، وإنتاج المزيد من الأكسجين.
وهكذا تكون غلاف جوي جديد عوض الغلاف الجوي البدائي منذ مليارين من السنين وبقي على حاله إلى الآن. ويتكون من الغازات التالية وبالنسب المبينة في الجدول رقم 2.
والغلاف الجوي الجديد المتسم بالشفافية والمتكون من الغازات السالفة الذكر، وبالنسب المبينة في الجدول رقم 2، كون غطاء حراريا للأرض مما نتج عنه استقرار درجة حرارة الأرض السطحية في حدود 15 درجة حرارية في المعدل. مما مهد للحياة البشرية على سطح الأرض.

العنصر

الصيغة الكيميائية

التواجد حسب الحجم

آوزون

N2

78،084 %

أكسجين

O2

20،984 %

أركون

Ar

0،934 %

ثاني أكسيد الكربون

CO2

360 ppm

نيون

Ne

18،18 ppm

هليوم

He

5،24 ppm

كريبتون

Kr

1،14 ppm

هيدروجين

H2

0،5 ppm

كسينون

Xe

0،089 ppm

ميثان

CH4

1،7 ppm

أكسيد الأزوت

N2O

0،3 ppm

وأي تغيير في نسب هذه الغازات ينتج عنه اضطرابات مناخية وأمطار طوفانية كي ترجع النسب إلى ما كانت عليه من قبل والتي حددها المولى عز وجل، وهو ما نلاحظه في أيامنا هذه، حيت أن النشاط البشري الغير المتوازن نتج عنه إفسادا للغلاف الجوي، فترتب عنه تغيرات مناخية وأعاصير غير مألوفة. والله تبارك وتعالى يقول في كتابه العزيز:
* " وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ(7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ(8)"(الرحمن)
* "اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ(8)"(الرعد)
* "إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ(49)"(القمر)

وعن المراحل التي مرت منها الأرض والتي تطرقنا إليها في هذا العرض يقول الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز:" وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ(7)(س. ق) ". فهذه الآية تبرز المراحل التي مرت بها الأرض عند نشأتها، فبعد الخلق و المد بمفهوم التكوير، جعل لها رواسي(جبال) لتثبيتها واستقرارها ثم بعد ذلك جعل فيها الحياة من خلال إنبات كل زوج بهيج. والآية 27 من سورة المرسلات تكمل وتفصل ما جاء في الآية السابقة:" وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا(27)"، بحيث أن الثورات البركانية التي نتجت عنها الرواسي والجبال الشاهقة حملت معها الماء، الذي كان سجين الأرض، والذي هو مصدر الحياة، مصداقا لقوله تعالى:" أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) (س.النازعات)". هنا نرى مدى التطابق بين ما جاء به القرآن الكريم و ما توصل إليه العلم الحديث.

نشر الغلاف الجوي لأشعة الشمس: ضوء النهار

وأشعة الشمس التي تسقط على الغلاف الجوي، تتكون من موجات إليكترومغناطيسية، تتأرجح من موجات الراديو الكيلومترية السلمية إلى موجات جاما المميتة. والضوء المرئي جزء يسير من ضوء الشمس، إذ يتراوح مداه من 400 إلى 700 نانومتر، ويحد بالأشعة ما فوق البنفسجية والأشعة ما تحت الحمراء.(أنظر الصورة رقم 4)
وضوء الشمس الناصع البياض ما هو إلا مزيج من الألوان. والصورة رقم 5 توضح ذلك، حيث أن سقوط الضوء الأبيض على الموشور أو على قطرة من الماء، نتج عنه طيف من الألوان.
وهذا ما نراه في السماء في يوم ممطر، على شكل قوس قزح. أنظر الصورة رقم 6.
وضوء الشمس يتحرك في الفراغ في خط مستقيم. ولكن حينما يسقط على الغلاف الجوي، فإن جزء منه ينعكس على الجزيئات الصلبة، فيرسل في جميع الاتجاهات، فتظهر السماء بلون مائل إلى البياض. وهذه الظاهرة تكون أكثر حدة في الصيف حيث يكثر الغبار(جزيئات صلبة) في السماء(أنظر الصورة رقم 7).

الصورة رقم 4 : أشعة الشمس تتكون من موجات إليكترومغناطسية تتأرجح من موجات الراديو الكيلومترية السلمية إلى موجات كاما المميتة. الضوء المرئي جزء يسير من ضوء الشمس

 

صورة رقم 5: الضوء الأبيض مزيج من الألوان

 

صورة رقم 6: قوس قزح

 

صورة رقم 7: انعكاس الضوء على الجزيئات الصلبة

أما الجزء الأكبر من الضوء فيدخل إلى الغلاف الجوي ويمكن أن يخترقه حتى يصل إلى عين المشاهد. وكما سبق الذكر فإن الغلاف الجوي يتكون بالأساس من ذرات الأزوت والأكسجين، فبمجرد سقوط الضوء على هذه الذرات، تمتصه هذه الأخيرة، ثم ترسله في جميع الاتجاهات. وهكذا يتم نشر الضوء في الغلاف الجوي( رايلي 1870 ) (أنظر الصورة رقم 8). وتكون هذه الظاهرة(انتشار الضوء) أكثر أهمية بالنسبة للموجات القصيرة.

صورة رقم 8: تشتيت الضوء في الغلاف الجوي

وهذا يعني أن هذه الظاهرة لا تتم بنفس الوتيرة والقوة لجميع الألوان، فالضوء الأزرق(موجات قصيرة) أكثر قوة ونفاداً، فتمتصه الذرات بكثرة وينتشر في السماء بكثافة فتظهر السماء بلون أزرق، وتكون هذه الظاهرة أكثر بروزا إذا كانت السماء صافية، خالية من الغبار( أنظر الصورة رقم9).

(ب) ( أ)صورة رقم 9: صورة (أ)على ارتفاع 7000 متر و سماء خالية من الغبار(أزرق غامق) وأخرى (ب)على ارتفاع 600 متر مع تواجد الغبار بالجو(سماء بلون أزرق فاتح)

أما الألوان الأخرى(الأحمر والبرتقالي و الأصفر) فلا تتأثر بظاهرة الامتصاص كثيرا والانتشار، فتخترق الغلاف الجوي بسهولة لتصل إلى الأرض.
فحينما ننظر إلى الشمس ونواحيها نرى الأشعة الأقل انتشارا، ففي الزوال، حيث تكون طبقة الغلاف الجوي المخترقة أقل سمكا، نرى أشعة الشمس باللون الأصفر، أما في الغروب، حيث تكون طبقة الغلاف الجوي المخترقة أكثر سمكا، مما يسمح بانتشار الضوء الأصفر، نرى أشعة الشمس باللون الأحمر. أما حينما ننظر في الاتجاه المعاكس للشمس، نرى الضوء الأكثر انتشارا وهو الضوء الأزرق (أنظر الصور رقم 10 و11) وهكذا تبدو السماء بلون أزرق.
ولو افترضنا أننا نعيش في كوكب بدون غلاف جوي فإن السماء ستبدو بلون أسود مع ظهور قرص الشمس والنجوم، وهذا ما نلاحظه حينما نكون في نفق طويل لا نرى ما حولنا فالكل مظلم اللهم ذلك الضوء المنبعث من آخر النفق( انظر إلى الصورة رقم 12: سماء القمر، الخالي من الغلاف الجوي، سوداء رغم شروق الشمس).

صورة رقم 10: أشعة الشمس عند الزوال وعند الغروب

 

صورة رقم 11: الضوء الأزرق أكثر نشرا من الضوء الأحمر

فتواجد الغلاف الجوي ونشره لضوء الشمس في جميع الاتجاهات هو الذي يمكننا من رؤية الأشياء من حولنا، بحيث أن كل ذرة أو جزيئة من هذا الغلاف الجوي يكون مصدرا من مصادر الضوء، وهو ما نسميه بالنهار. ولو خرجنا من الغلاف الجوي، لأصبحنا في ظلام دامس، لا نرى شيئا، رغم تواجد الشمس في السماء. وهذا ما عبر عنه القرآن الكريم بالعمى(السُّكر) في سورة الحجر: " وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنْ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ(14)لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15)"

صورة رقم 12: سماء القمر الخالية من الغلاف الجوي، سوداء والشمس مشرقة، وظل الصخرة بلون أسود قاتم أما في الأرض حيث يتواجد الغلاف الجوي، فإن لون الظل يكون رماديا

من خلال هذا البحث نستخلص بأن الأرض في بداية نشأتها لم يكن لديها غلاف جوي ثم تكون مع مر العصور والأحقاب وبينا بأن الغلاب الجوي هو الذي أتى بالنهار من خلال تكوينه ونشره لأشعة الشمس، بمعنى أن الليل هو السائد في بداية نشأة الأرض، ومع تكون الغلاف الجوي بصفة تدريجية، بدأ الليل ينجلي(ينمحي) تدريجيا وضوء النهار يزداد قوة بفضل نشر الغلاف الجوي لأشعة الشمس. وفي هذا الصدد يقول الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز:

"وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12) (س. الإسراء)".
فالله تبارك وتعالى يقول في هذه الآية" فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً" بمعنى أزلنا ظلمة الليل وأتينا بضوء النهار. وضوء النهار مستمد من نشر الغلاف الجوي لأشعة الشمس. و كما جاء ذكره في هذا البحث، لم يكن للأرض في بداية نشأتها غلاف جوي، أي أن ضوء النهار كان مفقودا رغم شروق الشمس، والليل المظلم هو السائد، ثم تكون الغلاف الجوي الذي أتى بالنهار مبصرا، مصداقا لقوله تعالى" فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً".
وعملية المحو: محو الليل والإتيان بالنهار، تطلب المدة الزمنية التي استغرقها تكوين الغلاف الجوي للأرض.
فهذه الآية الكريمة تحمل بين طياتها نشأة الغلاف الجوي ونشره لأشعة الشمس الذي أتى بالنهار مبصراً، فلولاه ما استطعنا رؤية الأشياء من حولنا وما استطعنا العيش على هذه الأرض.
انطلاقا من أن القرآن مجمع جوامع الكلم، يمكن القول بأن هذه الآية تنطبق كذلك على بداية النهار من الفجر إلى شروق الشمس، بحيث أن عملية المحو هنا (محو الليل) تستغرق ساعة ونصف. البداية(الفجر) تكون مع دخول أشعة الشمس إلى الطبقات العليا للغلاف الجوي التي تتميز بكثافة ضعيفة، وإذاً نشر لأشعة الشمس يكون مناسبا لكثافة الغلاف الجوي، بمعنى أن الضوء يبدأ خافتاً ويزداد قوة كلما طلعت الشمس ودخلت أشعتها إلى الطبقات السفلى ذو الكثافة العالية إلى أن تشرق الشمس ويصبح النهار مبصرا. وهكذا يمحو الله الليل ويجعل النهار مبصرا.
وهذه صورة طبق الأصل لما حدث مع التكوين التدريجي للغلاف الجوي الذي استغرق مليارين ونصف من السنين، كلما ازدادت كثافة الغلاف الجوي كلما أصبح النهار مبصراً.

الحقل المغناطيسي للأرض
وإذا كان الغلاف الجوي للأرض يضيء لنا الطريق بأشعة الشمس، ويحمينا من النيازك التي تحترق بدخولها إليه على شكل شهب، ويحمينا كذلك من الأشعة فوق البنفسجية الضارة بالحياة، فإن الأرض حباها الله بحقل مغناطيسي يحميها وساكنتها من الرياح الشمسية.
وتفاعل الحقل المغناطيسي مع الجزيئات الناتجة عن الرياح الشمسية كون منطقة تسمى المانيوتوسفير. وحركة واتجاه الجزيئات الناتجة عن الرياح الشمسية يحدده الحقل المغناطيسي، وهذه الطبقة تمتد في اتجاه الشمس إلى 6000 كلم، أما في الاتجاه المعاكس فتكون ذيلا يمتد إلى ملايين الكيلومترات (أنظر الصورة رقم 13).

صورة رقم 13: رسم بياني للحقل المغناطيسي للأرض(ناسا)

وهكذا فأغلب جزيئات الرياح الشمسية المتجهة إلى الأرض يتم تحويل مسارها بفضل تواجد الحقل المغناطيسي، أما القلة القليلة من هذه الجزيئات التي تمكنت من اختراق الحاجز المغناطيسي فإنها تسجن في حركة لولبية حول خطوط الحقل المغناطيسي، فتسافر بين القطب الشمالي والجنوبي(أنظر الصورة رقم 14)، فيعطينا منطقة غنية بالجزيئات الناتجة عن الرياح الشمسية وهذه المنطقة تسمى حزام أشعة " فان ألان " على علو ما بين 5000 و 25000 كلم.
ولكن بين الفينة والأخرى، خصوصا بعد ثورات شمسية قوية، تتمكن بعض الإلكترونات والبروتونات الفائقة السرعة من دخول الغلاف الجوي في منطقة القطبين، فتتفاعل مع الذرات والجزيئات المتواجدة في الجو فتعطينا ظاهرة مضيئة تسمى ضياء الفجر(أنظر الصورة رقم 15 ):
"Aurore boréale(pôle nord) ou bien aurore australe(pôle sud)"

 

صورة رقم 14: دخول جزيئات الرياح الشمسية عبر القطب الشمالي(ناسا)

 

صورة رقم 15: ضياء الفجر

طبقات الغلاف الجوي:
والغلاف الجوي ليس له حدود معينة وطبقة الهواء تنمحي تدريجيا كلما صعدنا في السماء، ولا ُيميز عن الفراغ الفضائي إلا في علو 3000 إلى 4000 كلم.
أما الغلاف الجوي المكثف يحدد سمكه في 130 كلم، حيث تبدأ الشهب بالاحتراق(أنظر الصورة رقم 16). فهذه الكثافة تنخفض إلى النصف في حدود 50كلم، أما في 30 كلم فتنخفض الكثافة بنسبة 99 في المائة.
والغلاف الجوي يتكون من عدة طبقات طبقة فوق طبقة، وتحدد هذه الطبقات حسب ما تحتويه الطبقة من غازات وحسب ضغطها ودرجة حرارتها.

صورة رقم 16: شهاب يحترق في الغلاف الجوي

والضغط على مستوى البحر يتراوح بين 950 و1050 ميليبار، وهذه التغييرات تحدد مناطق الضغط المنخفض ومناطق الضغط المرتفع، والتي لها علاقة مباشرة مع الطقس وحركة الرياح.
والضغط ينخفض تصاعديا كلما ارتقينا في السماء(صورة رقم 17). لهذا يحس الإنسان بضيق في التنفس في المناطق الجبلية عموما والقمم الشاهقة بالخصوص. وأي جهد في هذه المناطق يتطلب استنشاق أكبر كمية من الهواء لنقص الأكسجين فيه، مصداقا لقوله تعالى:" فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ(125)(س: الأنعام)"

صورة رقم 17: انخفاض الضغط مع الارتفاع في الهواء

ودرجة حرارة الجو أشد تقلبا أفقيا من تغيير الضغط الجوي، فهي تتغير في اتجاه القطبين، وتوالي الليل والنهار، والفصول، ويؤثر فيها جو المحيط والجو القاري.
أما إذا ارتقينا في السماء، فدرجة الحرارة لا تنخفض بشكل تدريجي كما هو الحال بالنسبة للضغط ولكن تنخفض تارة وترتفع تارة أخرى، وهو ما يحدد طبقات الغلاف الجوي.
وحدد العلماء هذه الطبقات في سبع طبقات(صورة رقم 18):(U.G.G.I.= Union géodésique et géographique internationale)

1- طروبوسفير  Troposphère
2- طروبوبوز Tropopause
3- ستراطوسفير  Stratosphère
4- ستراطوبوز  Stratopause
5- ميزوسفير  Mésosphère
6- ميزوبوز  Mésopause
7- طيرموسفير  Thermosphère

 

صورة رقم 18: طبقات الغلاف الجوي وتغير درجات الحرارة خلال هذه الطبقات(بالخط الأحمر)

1-  تروبوسفير  (Troposphère)
هذه الطبقة هي المحاذية لسطح الأرض وسمكها متغير حسب المنطقة، فهو 7 كلم في القطبين و18 كلم في خط الاستواء. وفيها تحدث أغلب التقلبات الجوية، ودرجة الحرارة تنخفض كلما ارتقينا في الهواء ب 6 درجات في الكيلومتر الواحد، إلى أن تصل درجة حرارة الجو 56- درجة في سقف هذه الطبقة. وتستمد هذه الطبقة حرارتها من سطح الأرض الذي يستقبل أشعة الشمس.

2- تروبوبوز(Tropopause)
هذه طبقة دقيقة جدا مقارنة بالطبقة السابقة، وتتميز بالتغير المفاجئ لدرجة الحرارة، حيث ينقلب اتجاه تغييرها رأسا على عقب، فتكون حاجزا بين الطبقة التي سبقتها والتي تليها كأنما الطبقتين من جنس مختلف. وهذا ما نلاحظه في الصور رقم 19 ورقم 20، ونرى السحب التي مقرها في الطبقة الأولى(طروبوسفير) قد منعت من تجاوز هذا الحاجز(تروبوبوز)

صورة رقم 19: طبقات الغلاف الجوي جلية بألوانها المختلفة، ونرى في وسط الصورة الحاجز(تروبوبوز) وقد منع السحب أن تمتد إلى الطبقات العليا. الصورة أخذت فوق الصين(ناسا)

وهذا ما لاحظه العلماء عندما يلتقي الماء العذب بالماء المالح حيث تكون هناك منطقة عازلة يكون الماء فيها بخواص مختلفة عن الماء العذب والماء المالح. والمعروف أن هناك تشابها كبيرا بين خواص الهواء الفيزيائية والماء. وفي هذا الخصوص يقول الحق سبحانه: " مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ(19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ(20)فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(21)(س. الرَّحْمَانُ ".
فإذا كان هناك برزخ بين الماء العذب والماء المالح و برزخ بين طبقات الغلاف الجوي بمواصفات فيزيائية مختلفة، فهذا ما هو إلا تذكير وعبرة لحياتنا البشرية التي تمتاز كذلك بحياة البرزخ التي تفصل بين حياة الدنيا وحياة الآخرة.

صورة رقم 20: طبقات الغلاف الجوي و تغييرات الضغط ودرجة الحرارة مع الارتفاع مع إبراز دور طبقة البرزخ في فصل الطبقات( طروبوبوز و ستراطوبوز و ميزوبوز).

3- ستراطوسفير(Stratosphère)
تتميز هذه الطبقة بضغط منخفض، 50 مليبار عند الكيلومتر 20، و خمسون في المائة من كثلة الغلاف الجوي تتواجد تحت 20 كلم.
وفي هذه الطبقة توجد طبقة دقيقة من الآزوت(ما بين 25 و 30 كلم)، ولكن تكتسي أهمية كبيرة، بحيث تمتص أشعة الشمس فوق البنفسجية الضارة لكل حي على وجه البسيطة. وهو ما ينتج عنه طاقة حرارية تنساب في جميع اتجاهات هذه الطبقة فيكون هناك ارتفاع لدرجة الحرارة حتى تصل إلى درجة الصفر. وتحركات الكتل الهوائية في هذه الطبقة ضعيفة مقارنة مع الطبقة الأولى، فهي إذًا طبقة هادئة خالية من التقلبات، وتمتد حتى الكيلومتر 50.

4- ستراتوبوزStratopause
طبقة دقيقة تمتاز كسابقتها بانقلاب في اتجاه تغير درجة الحرارة، وتكون برزخا بين الطبقة الثالثة والخامسة.
5- ميزوسفيرMésosphère
في هذه الطبقة تنخفض الحرارة تدريجيا حتى تصل إلى 80- درجة في حدود الكيلومتر 80. وفيها تحترق النيازك الآتية من الفضاء الخارجي، وهذه الظاهرة ترى على شكل شهب.

6- ميزوبوزMésopause
طبقة دقيقة كسابقاتها ينعكس فيها تغير درجة الحرارة، و تشكل حاجزا بين الطبقة الخامسة والأخيرة.
7- طيرموسفير  Thermosphère
هذه الطبقة أعلا طبقات الغلاف الجوي وترتفع فيها درجة الحرارة تدريجيا وقد تصل إلى 300 درجة. وفي هذه الطبقة، وبمحاذاة القطبين يتكون ضياء الفجر. وهذه الطبقة تصل إلى آلاف الكيلومترات لتنتهي تدريجيا في الفضاء. والضغط يتجه في هذه الطبقة إلى ما يقارب الصفر.
والصور رقم 20 تبين تميز كل طبقة عن أختها مع شروق الشمس.

صورة رقم 21: صور أخذت من مركبة فضائية لشروق الشمس، تبين طبقات الغلاف الجوي بألوانها المختلفة

ومن هنا، يتبين لنا أن طبقات الغلاف الجوي سبع، طبقة فوق طبقة، مصداقا لقوله تعالى:" اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا(12)(س. الطلاق)". فالله تبارك وتعالى خلق سبع سماوات، لم يتم التطرق إلى كيفية خلقهن في هذا البحث، ومن (الواو حرف عطف و الميم حرف تبعيض) الأرض مثلهن، أي خلق من الأرض سبع سماوات مشابهة للسماوات السبع المكونة للسماء، بمعنى أن هذه السماوات تابعة للأرض ملتصقة معها، فأينما تحركت الأرض تحركت معها، وهي جزء لا يتجزأ من الأرض. وهو ما يناسب الغلاف الجوي ذي السبع طبقات. فهذه الآية المعجزة حددت طبقات الغلاف الجوي، الذي هو جزء لا يتجزأ من الأرض، في سبع طبقات كما جاء به
العلم الحديث ( اتحاد علماء المساحة التطبيقية و الجغرافيين العالميين) (Union géodésique et géographique internationale).
وهذا لا يتعارض مع التفسير الذي يقول بأن معنى الآية يشير إلى سبعة أراضي، بحيث لو أخدنا كثلة الأرض مع الطبقة الأولى من الغلاف الجوي واعتبرنا الكل هو الأرض الأولى و أخدنا الأرض الأولى مع الطبقة الثانية من الغلاف الجوي واعتبرنا الكل هو الأرض الثانية وهكذا دواليك فتصبح كثلة الأرض مع الغلاف الجوي مكونا لسبعة أراضي ( أنظر الصورة رقم 21).

الصورة رقم 22 رسم بياني لطبقات الغلاف الجوي للأرض

 

صورة رقم 23: رسم بياني على شكل ناطحة سحاب للغلاف الجوي

من جهة أخرى يمكن أن يقسم الغلاف الجوي إلى قسمين حسب تفاعله مع أشعة الشمس:
1- نوتروسفير Neutrosphère
إلى حدود 70كلم من العلو، حيث تكون الذرات والجزيئات سلبية التعامل مع أشعة الشمس و تسمى هذه الطبقة نوطروسفير
2- إيونوسقير Ionosphère
من 70 إلى 500 كلم، حيث تتفاعل الجزيئات مع أشعة الشمس فتمتصها(أشعة إكس و فوق البنفسجية) وهذه الطبقة تسمى إيونوسفير. وهي تمتاز بخاصية عكس موجات الراديو وهو ما يتيح الاتصال بالراديو على سطح الأرض لمسافات كبيرة( أنظر الصورة رقم21)، مصداقا لقوله تعالى:" وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ(11)( الطارق)".

يمكن مراسلة المؤلف على الإيميل التالي:

charia@fsr.ac.ma


مراجع
1- أحمد الريسوني: الكليات الأساسية للشريعة الإسلامية
2- L'atmosphère : Environmental science Published for Evrybody Round the Earth
3- L'atmosphère et la magnetosphere: Olivier et Zalia Esslinger
4- L'atmosphère: METAVI، Environnement Canada
5- Composition de l'atmosphère : la terre berceau de l'humanité LUXORION
6- Etude de la terre : Microsoft Internet Explorer
7- Source d'énergie et interaction: archive de documents de la FAO
8- Interaction avec l'atmosphère، Ressources naturelles Canada
9- L'atmosphère: Université de Picardie Jules Verne، Maîtrise de Biologie Générale
10- Présentation de l'atmosphère: Microsoft Internet Explorer
11- L'atmosphère : Yahoo encyclopedie
12- L'origine de l'atmosphère: Yahoo encyclopedie
13- La terre astronomie-astronautique.com

 

 

مواضيع ذات علاقة

اسم الموضوع

هجري

تاريخ الموضوع

الإعجاز في علوم الأرض في القرآن الكريم

30 شعبان 1429

2008/08/31