بقلم الدكتور فاضل السامرائي
(والضُّحَى*وَاللَّيْلِ
إِذَا سَجَى)
ما هي دلالة القسم في قوله تعالى (والضحى)
يذكر أهل التفسير أن الوحي أبطأ على رسول الله
صلى
الله عليه وسلم
أياماً فشق ذلك عليه وقيل له: إن ربك قلاك، فأنزل الله تعالى هذه السورة رداً على
المشركين وإكراماً للرسول
صلى
الله عليه وسلم،
فلماذا حزن الرسول الكريم وجزع لانقطاع الوحي مع ما يلقاه في سبيل الوحي من العنت
والجهد؟ في الحقيقة انه اختبار من الله تعالى للرسول الكريم: هل هو حريص على الوحي
وما فيه من مشقة أم انه سيرتاح من هذا الوحي الثقيل؟ وهذا فيه توجيه إلى الدعاة أنه
عليهم أن يصبروا ويثبتوا في الدعوة مهما لاقوا من مشقة وعنت في سبيل الدعوة إلى
الله.
الضحى في اللغة :هو
وقت ارتفاع الشمس بعد الشروق
سجى في اللغة :لها
ثلاث معاني ، فهي بمعنى سكن، أو اشتد ظلامه أو غطى مثل تسجية الميت.
أقسم الله تعالى بالضحى والليل إذا سجى انه ما ودع رسوله وما قلاه، والضحى هنا يمثل
نور الوحي وإشراقه كما قال المفسرون ، والليل يمثل انقطاع الوحي وسكونه والدنيا من
غير نور الوحي ظلام ولذلك قدم سبحانه الضحى هنا لأنه ما سبق من نور الوحي وأخر
الليل لما يمثل من انقطاع الوحي. وقال بعض المفسرين أن القسم يشير أن الانقطاع يمثل
الاستجمام والسكون كما يرتاح الشخص المتعب في الليل ومن معاني سجى السكون وهو يمثل
الراحة وهو نعمة. فالقسم هنا جاء لما تستدعيه الحالة التي هو فيها.
ما اللمسة البيانية في كلمة (سجى) وليست في كلمتي غشي أو يسر ؟
كما
في قوله (والليل إذا يغشى) (والليل إذا يسر) سبق القول أن من معاني سجى: سكن وهذا
يمثل سكون الوحي وانقطاعه وهذا هو السكون، والانقطاع ظلمة وهذا المعنى الثاني لسجى
فكلمة سجى جمعت المعاني كلها التي تدل على انقطاع الوحي وسكونه. أما كلمة يغشى أو
يسر فهما تدلان على الحركة وهذا يناقض المعنى للقسم في هذه السورة. وعليه فان القسم
(والضحى والليل إذا سجى) هو انسب قسم للحالة التي
هو فيها من نور الوحي وانقطاعه وكل قسم في القرآن له علاقة بالمقسم به.
ما الحكم البياني في استخدام كلمة (والضحى) بدل والفجر أو النهار؟
الضحى هو وقت إشراق الشمس أما النهار فهو كل الوقت من أول النهار إلى آخره، والضحى
يمثل وقت ابتداء حركة الناس يقابله الليل إذا سجى وهو وقت السكون والراحة. والفجر
هو أول دخول وقت الفجر (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم
الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) ولا يكون هناك ضوء بعد أو نور كوقت
الضحى بعد شروق الشمس.
-
قوله ( مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا
قَلَى ).
أين مفعول الفعل قلى؟
في
هذه الآية الكريمة ذكر مفعول الفعل ودع وهو (الكاف في ودعك) وحذف مفعول الفعل قلى
(ولم يقل قلاك)
في
اللغة عند العرب التوديع عادة يكون بين المتحابين والأصحاب فقط ويكون عند فراق
الأشخاص. اختلف النحاة في سبب ذكر مفعول فعل التوديع وحذف مفعول فعل قلى منهم من
قال لظهور المراد بمعنى أن الخطاب واضح من الآيات انه لرسول الله
صلى
الله عليه وسلم
ومنهم من قال إنها مراعاة لفواصل الآيات في السورة (الضحى، سجى، قلى، الأولى،...)
لكن القرآن العظيم لا يفعل ذلك لفواصل الآيات وحدها على حساب المعنى أبداً ولا
يتعارض المعنى مع الفاصلة والمقام في القرآن كله. فلماذا إذن هذا الحذف والذكر؟
الذكر من باب التكريم والحذف من باب التكريم أيضاً. لم يقل الله تعالى قلاك لرسوله
الكريم حتى لا ينسب الجفاء للرسول
صلى
الله عليه وسلم
فلا
يقال للذي نحب ونجل ما أهنتك ولا شتمتك إنما من باب أدب المخاطبة يقال ما أهنت وما
شتمت فيحذف المفعول به إكراماً للشخص المخاطب وتقديرا لمنزلته وترفع عن ذكر ما
يشينه ولو كان بالنفي.
أما
التوديع فالذكر فيه تكريم للمخاطب فيحسن ذكر المفعول مع أفعال التكريم وحذفه مع
أفعال السوء ولو بالنفي. وهكذا يوجه الله تعالى المسلمين لأدب الكلام ويعلمنا كيف
نخاطب الذين نجلهم ونحترمهم. ولقد جمعت هذه الآية التكريم للرسول من ربه مرتين مرة
بذكر المفعول مع فعل التوديع ومرة بحذف المفعول مع الفعل قلى.
فلماذا قال تعالى " ربك " ولم يقل " الله " ؟
هنا
تكريم آخر من الله تعالى لرسوله الكريم. فالرب هو المربي والموجه والقيم. وذكر
الفاعل وهو الرب إكرام آخر فلم يقل لم تودع ولم تقلى. والرب هو القيم على الأمر
فكيف يودعك وهو ربك لا يمكن أن يودع الرب عبده كما لا يمكن لرب البيت أن يودعه
ويتركه ورب الشيء لا يودعه ولا يتركه وإنما يرعاه ويحرص عليه. واختيار كلمة الرب
بدل كلمة الله لأن لفظ الجلالة الله كلمة عامة للناس جميعا ولكن كلمة الرب لها
خصوصية وهذا يحمل التطمين للرسول الكريم من ربه الذي يرعاه ولا يمكن أن يودعه أو
يتركه أبداً.
-
قوله ( وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ
مِنَ الْأُولَى )
اختلف المفسرون في معنى كلمة الآخرة فمنهم من قال : إنها ما هو غير الدنيا بمعنى
الدار الآخرة. وقسم قال إنها كل ما يستقبل من الحياة على العموم كما جاء في
قوله تعالى(فإذا جاء
وعد الآخرة ...) الآخرة هنا ليست في القيامة
الآخرة في سورة الضحى جاءت مقابل الأولى ولم تأت مقابل الدنيا فلم يقل وللآخرة خير
لك من الدنيا. ومعنى الآية أن ما يأتي خير لك أيها الرسول مما مضى ؛ أي من الآن
فصاعداً فيما يستقبل من عمرك هو خير لك من الأولى وأكد ذلك باللام في كلمة وللآخرة.
وقد حصل هذا بالفعل فكل ما استقبل من حياته
صلى
الله عليه وسلم
خير
له مما حصل .
فلماذا لم يقل خير لك من الدنيا؟
لأنه لو قالها لما صحت إلا في الآخرة فكأنما حصر الخير في الآخرة فقط ونفى حصول
الخير فيما يستقبل من حياته
صلى
الله عليه وسلم
وهذه الآية توكيد لما سبقها في قوله تعالى مَا وَدَّعَكَ
رَبُّكَ وَمَا
قَلَى.
ولماذا قال تعالى (لك) ولم يقل وللآخرة خير من الأولى؟
هذه
السورة وسورة الشرح هما خاصتان بالرسول
صلى
الله عليه وسلم
وهو
المخاطب المباشر بهما ولو قال تعالى : "وللآخرة خير من الأولى" لما صح هذا القول
لأنه سيكون عاماً للناس جميعاً وهذا ما لا يحصل وعندها ستفيد الإطلاق ولا يصح على
عمومه لان بعض الناس آخرتهم شر لهم من أولاهم ولا يصح هذا الكلام على إطلاقه إنما
لا بد من أن يخصص المعنى وهو للرسول الكريم
صلى
الله عليه وسلم
بالذات ولهذا قال تعالى (وللآخرة خير لك من الأولى)
- قوله ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ
فَتَرْضَى )
ما هي علاقة هذه الآية بما سبقها من الآيات؟
سوف
دالة على الاستقبال وقد سبق أن قال تعالى ( وللآخرة خير
لك من الأولى ) وهي تدل أيضاً على الاستقبال وجاء أيضاً باللام في (ولسوف)
وأكده بنفس التوكيد باللام في (وللآخرة)
ولماذا لم يحدد العطاء بشيء ما وإنما قال ولسوف يعطيك ربك فترضى؟
لقد
أطلق سبحانه العطاء ولم يحدده إنما شمل هذا العطاء كل شيء ولم يخصصه بشيء معين
إكراماً للرسول الكريم
صلى
الله عليه وسلم
وتوسيعاً للعطاء وكذلك أطلق فعل الرضا كما أطلق العطاء فجعل العطاء عاماً وجعل
الرضا عاماً وذكر المعطي أيضاً وهو الرب وعلينا أن نتخيل كيف يكون عطاء الرب؟
والعطاء على قدر المعطي وهذا كله فيه تكريم للرسول كذلك في إضافة ضمير الخطاب "
الكاف " في (ربك) تكريم آخر للرسول
صلى
الله عليه وسلم
لماذا اختيار كلمة (فترضى) ؟
اختيار هذه الكلمة بالذات في غاية الأهمية ؛ فالرضا هو من أجل النعم على الإنسان
وهو أساس الاستقرار والطمأنينة وراحة البال فإن فقد الرضا حلت الهموم والشقاء
ودواعي النكد على الإنسان. وان فقد في جانب من جوانب الحياة فقد استقراره بقدر ذلك
الجانب ولذا جعل الله تعالى الرضا صفة أهل الجنة (فهو في عيشة راضية) (فارجعي إلى
ربك راضية مرضية). وعدم الرضا يؤدي إلى الضغط النفسي واليأس وقد يؤدي إلى الانتحار.
والتعب مع الرضا راحة والراحة من دونه نكد وتعب، والفقر مع الرضا غنى والغنى من
دونه فقر، والحرمان معه عطاء والعطاء من دونه حرمان. لذا فان اختيار الرضا هو
اختيار نعمة من اجل النعم ولها دلالتها في الحياة عامة وليست خاصة بالرسول الكريم
صلى
الله عليه وسلم
فإذا رضي الإنسان ارتاح وهدأ باله وسكن وان لم يرض حل معه التعب والنكد والهموم
والقلق مع كل ما أوتي من وسائل الراحة والاستقرار.
لماذا قال يعطيك ولم يقل يؤتيك؟
الإيتاء يكون لأمور مادية وغيرها (الملك، الحكمة، الذكر) أما العطاء فهو خاص
بالمادة. والإيتاء أوسع من العطاء واعم والعطاء مخصص للمال. والإيتاء قد يشمله
النزع والعطاء لا يشمله النزع. (آتيناه آياتنا فانسلخ
منها) (يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء) وقد لا يستوجب الإيتاء
لشخص ما أن يتصرف بما أوتي ، أما العطاء فلصاحبه حرية التصرف فيه بالوهب والمنح
ولذا قال تعالى (إنا أعطيناك الكوثر) لأن الكوثر
أصبح ملكاً للرسول
صلى
الله عليه وسلم
وكما قال الله تعالى لسيدنا سليمان
عليه
السلام(هذا
عطاؤنا فامنن أو امسك بغير حساب) أي له الحق بالتصرف فيه كما يشاء.
-
قوله ( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ
ضَالّاً فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ
عَائِلاً فَأَغْنَى (8)
)
هذه
الآيات مرتبطة بالآيات السابقة (ما ودعك ربك وما قلى)
(وللآخرة خير لك من الأولى) ومرتبطة أيضاً بالقسم في أول السورة
(والضحى والليل إذا سجى) والآية
(ألم يجدك يتيماً فآوى) تؤكد أن ربه لم يودعه ولم
يقله وكذلك في ( وجدك ضالاً فهدى ) وهي كلها تصب
في ( وللآخرة خير لك من الأولى) فالإيواء خير من
اليتم ؛ والهداية خير من الضلالة ؛ والاغناء خير من العيلة فكلها مرتبطة بالآية
(ما ودعك ربك وما قلى) وتؤكد معناها.
( وللآخرة خير لك من الأولى )فالله
تعالى لم يترك رسوله
صلى
الله عليه وسلم
ليتمه أو لحاجته أو للضلال هذا من ناحية ؛ ومن ناحية أخرى هي مرتبطة بالقسم فقد
اقسم الله تعالى بالضحى والليل وما سجى ؛ واليتم ظلمة والإيواء هو النور وكذلك
الضلال ظلمة والهدى نور (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من
الظلمات إلى النور والذين كفروا أوليائهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات)
سورة البقرة، والحاجة والعيلة ظلمة أيضاً والغنى نور وبهجة.
في
هذه الآيات بدأ سبحانه وتعالى بالظلمة ثم النور (اليتم ثم الإيواء، الضلال ثم
الهدى، العيلة ثم الغنى وهذا ليناسب ويتوافق مع قوله تعالى
(وللآخرة خير لك من الأولى) والأولى هي الظلمة
أما الآخرة فهي النور وهي خير له من الأولى.
لماذا لم يقسم سبحانه بالليل إذا سجى أولاً ثم الضحى؟
الضحى هو نور الوحي وكان السكون بعد الوحي وكان القسم على اثر انقطاع الوحي فانقطاع
الوحي هو الذي تأخر وليس العكس لذا جاء قسم الضحى أولاً ثم الليل.
لماذا تكررت كلمة ربك في هذه السورة؟
الرب معناه انه هو المعلم والمربي والمرشد والقيم وكل آيات السورة مرتبطة بكلمة
الرب (ألم يجدك يتيماً فآوى....) اليتيم يحتاج
لمن يقوم بأمره ويرعاه ويعلمه ويوجهه ويصلح حاله وهذه من مهام الرب واليتيم يحتاج
هذه الصفات في الرب أولاً ثم إن الضال يحتاج لمن يهديه والرب هو الهادي والعائل
أيضاً يحتاج لمن يقوم على أمره ويصلحه ويرزقه فكلمة الرب تناسب كل هذه الأشياء
وترتبط بها ارتباطاً أساسياً ، وكثيراً
ما ارتبطت الهداية في القرآن الكريم بكلمة الرب (ربنا
الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) (يهديهم ربهم بإيمانهم) (الحمد لله رب
العالمين....اهدنا الصراط المستقيم)
لماذا حذف المفعول للأفعال: فآوى ، فأغنى، فهدى مثلما حذف في فعل قلى؟
ذكر
المفسرون هنا عدة آراء منها : أن الحذف هو لظهور المراد لأنه تعالى كان يخاطب
الرسول
صلى
الله عليه وسلم
والمعنى واضح ، وقسم قال إنها مراعاة لفواصل الآيات حتى لا يقال آواك وأغناك وهداك
فتختلف عن فواصل باقي الآيات ولكن كما سبق آنفاً قلنا إن القرآن الكريم لا يراعي
الفاصلة على حساب المعنى مطلقاً وهي قاعدة عامة في القرآن: المعنى أولاً ثم الفاصلة
القرآنية ومثال ذلك الآية في سورة طه ( إلهكم واله موسى
فنسي) وكانت الفاصلة في باقي السورة مختلفة وعليه فان الحذف هنا جاء
للإطلاق والدلالة على سعة الكرم. فآوى بمعنى فآواك وآوى لك وآوى بك وأغناك وأغنى لك
وأغنى بك وهداك وهدى لك وهدى بك ، فلو قال سبحانه وتعالى فوجدك عائلا فأغناك لكان
الغنى محصوراً بالرسول
صلى
الله عليه وسلم
فقط
لكن عندما أفاد الإطلاق دل ذلك على انه سبحانه أغنى رسوله وأغنى به وبتعليماته فيما
خص الإنفاق وغيره خلقاً كثيراً وأغنى له خلقاً كثيراً وكذلك آوى الرسول
صلى
الله عليه وسلم
وآوى به خلقا كثيراً بتعاليمه الكثيرين وتعاليمه كانت تحض على رعاية اليتامى وحسن
معاملتهم واللطف بهم وآوى لأجله الكثير من الناس لان من الناس من يؤوى اليتامى حبا
برسول الله وطمعا في صحبة الرسول
صلى
الله عليه وسلم
في
الجنة كما ورد في الحديث: أنا وكافل اليتيم كهاتين وأشار إلى إصبعيه. وكذلك بالنسبة
للهداية فالله تعالى هدى رسوله الكريم وهدى به خلقاً كثيراً
( وانك لتهدي إلى صراط مستقيم) وهدى له ولأجله من
أراد سبحانه وتعالى ، إذن خلاصة القول أن الحذف هنا جاء لظهور المراد وفواصل الآيات
وسعة الإطلاق كلها مجتمعة لا يتعارض احدها مع الآخر. وكذلك تناسب سعة الإطلاق هنا
قوله تعالى (ولسوف يعطيك ربك فترضى). فالحذف هنا
جاء للعموم والإطلاق في المعنى.
لماذا ترتيب الآيات على هذا النحو؟ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى (6)
وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ
عَائِلاً فَأَغْنَى (8)
هذا هو الترتيب الطبيعي في الحياة. اليتم يقال لمن فقد والديه أو احدهما وهو دون
سن البلوغ فإذا بلغ انتفت عنه صفة اليتم ، وإذا بلغ دخل في سن التكليف الشرعي فهو
يحتاج إلى الهداية ليتعلم كيف يسير في الحياة قبل أن يكون فقيراً أو غنياً وكيف
يجمع المال الحلال لأن كل مال جمع من غير طريق الهداية هو سحت ثم تأتي العيلة وهي
أمر آخر بعد البلوغ ؛ من الناس من يكون فقيراً أو غنياً وعلى الاثنين أن يسيرا وفق
التعاليم التي تعلماها بعد البلوغ مباشرة وهذا طبيعي ويمر به كل الخلق فهذا هو
التسلسل الطبيعي في الحياة.لذا فقد بدأ سبحانه بالحالة الأولى (اليتم) ثم إذا بلغ
تأتي الهداية في المرتبة الثانية ، وثالثاً العائل والغني يجب أن يسيرا على
الهداية.
-
قوله ( فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا
تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا
السَّائِلَ فَلَا
تَنْهَرْ (10)
وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ
فَحَدِّثْ (11)
القهرفي
اللغة : هو التسلط بما يؤذي ولا تقهره بمعنى لا تظلمه بتضييع حقه ولا تتسلط عليه أو
لا تحتقره أو تغلب على ماله ،كل هذه المعاني تدخل تحت كلمة القهر.
السائل
اختلف المفسرون فيها فقال بعضهم : هو سائل المال والمعروف والصدقة ومنهم من قال :
انه سائل العلم والدين والمعرفة وقسم قال انه مطلق ويشمل المعنيين ، فسواء كان
السائل سائل مال وصدقة أو سائل علم ومعرفة يجب أن لا ينهر مهما كان سؤاله. لا يصح
أن يزجز أو ينهر سائل المال أو سائل العلم والدين . إذا كان سائل مال أعطيناه أو
رددناه بالحسنى وسائل العلم علينا أن نجيبه ونعلمه أمور الدين.
أما
النعمة فقال بعض المفسرين إنها النبوة وتعاليمها وقال آخرون إنها كل ما أصاب
الإنسان من خير سواء كان في الدنيا أو الآخرة. وقال آخرون إنها نعمة الدين
(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم
الإسلام دينا) (ما أنت بنعمة ربك بمجنون) والواقع أن النعمة هنا أيضاً تشمل
كل هذه المعاني فهي نعمة الدين يجب أن يتحدث بها ويبلغ عنها وهي نعمة الدنيا والله
سبحانه يحب أن يرى اثر نعمته على عباده وان يتحدث الإنسان بنعم الله عليه وان
يظهرها والنعمة عامة في الدنيا والدين وعلى الإنسان أن يحدث بهذه النعمة. (النعمة
بفتح النون وردت في القرآن بمعنى العقوبات والسوء كما في قوله
(ونعمة كانوا فيها فاكهين) (الكافرين أولي النعمة)
لماذا اختيار كلمة (فحدث) ولم يقل (فأخبر)؟
الإخبار لا يقتضي التكرار يكفي أن تقول الخبر مرة واحدة فيكون إخباراً أما التحديث
فهو يقتضي التكرار والإشاعة أكثر من مرة، وفي سياق الآية يجب أن يتكرر الحديث عن
الدعوة إلى الله مرات عديدة ولا يكفي قوله مرة واحدة. ولهذا سمي الله تعالى القرآن
حديثا (فليأتوا بحديث مثله). فمعنى (فحدث) في هذه الآية هو المداومة على التبليغ
وتكرارها وليس الإخبار فقط فيمكن أن يتم الإخبار مرة واحدة وينتهي الأمر.
وفي
تسلسل الأحاديث في كتب السنة نلاحظ أنهم يقولون: حدثنا فلان عن فلان ويكررون ذلك
مرة أو مرات عديدة حتى يصلوا إلى أخبرنا رسول الله
صلى
الله عليه وسلم
فالرسول الكريم يخبر بالحديث ثم يتناقله الصحابة فيما بينهم ويستمر تناقل الحديث
حتى يعم وينتشر.
لماذا جاء ترتيب الآيات على هذا النحو؟ ( فأما اليتيم فلا تقهر، وأما السائل فلا
تنهر، وأما بنعمة ربك فحدث ).
أثار هذا الترتيب الكثير من الأسئلة عند المفسرين لماذا رتبت الآيات على هذه الصورة
لأنه لا يرد بنفس تسلسل الآيات السابقة (الم يجدك يتيما
فآوى، ووجدك ضالا فهدى، ووجدك عائلاً فأغنى).
لنستعرض الآيات واحدة واحدة: أما اليتيم فلا تقهر جاءت بنفس تسلسل الآية
(ألم يجدك يتيما فآوى) نفس النسق.
,
أما السائل فلا تنهر كان من المفروض أن تأتي مقابلة للآية (ووجدك عائلا فأغنى)
لكنها جاءت في مقابل الآية (ووجدك ضالاً فهدى)
( وأما بنعمة ربك فحدث )،كان
يجب أن تقدم باعتبار النعمة دين ويجب أن تكون مقابل (
ووجدك ضالاً فهدى )
لكن
الواقع أن ترتيب الآيات كما ورد في السورة هو الترتيب الأمثل، كيف؟ اليتيم ذكر أولا
مقابل اليتيم ، ثم ذكر ( وأما السائل فلا تنهر )
قلنا سابقا أن السائل يشمل سائل العلم والمال وهنا اخذ بعين الاعتبار السائل عن
المال والسائل عن العلم فهي إذن تكون مقابل (ووجدك ضالاً فهدى) وأيضاً
(ووجدك عائلا فأغنى) لان السائل عن المال يجب أن
لا ينهر والسائل عن العلم يجب أن لا ينهر أيضاً وعليه فان الآية جاءت في المكان
المناسب لتشمل الحالتين ومرتبطة بالاثنين تماما.
( وأما بنعمة ربك فحدث )،
هي في انسب ترتيب لها فان كان المقصود بالنعمة كل ما أصاب الإنسان من خير في الدنيا
فلا يمكن أن نتحدث عن النعمة إلا بعد وقوعها وليس قبل ذلك. والآيات السابقة تذكر
نعم الله على الرسول فاقتضى السياق أن يكون التحدث بالنعمة آخراً أي بعد حدوث كل
النعم على الرسول
صلى
الله عليه وسلم.
وإذا كان المقصود بالنعمة الدين، فيجب أن يكون التحديث في المرحلة الأخيرة لأن على
الداعية أن يتحلى بالخلق الكريم وفيه إشارة أن الإنسان إذا أتاه سائل عليه أن يتصف
بهذه الصفات قبل أن يبلغ الناس عن النعمة (الدين) فعليه أن لا يقهر يتيماً ولا ينهر
سائلاً ولا يرد عائلاً وقد جاءت هذه الآية بعد إسباغ النعم وهو توجيه للدعاة قبل أن
يتحدثوا أن يكونوا هينين لينين فقد قال تعالى (ولو كنت
فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) فعلى الداعية أن يتحلى بالخلق الحسن ولا
ينهر سائلاً.
وكذلك جعل التحديث بالنعمة (وأما بنعمة ربك فحدث)
جاءت بعد ( وأما السائل فلا تنهر) لان كل داعية
يتعرض لأسئلة محرجة أحيانا تكون لغاية الفهم وقد تكون لنوايا مختلفة فعليه أن يتسع
صدره للسائل مهما كانت نية السائل أو قصده من السؤال وعلى الداعية أن لا يستثار
وإلا فشل في دعوته وقد يكون هذا هو قصد السائل أصلاً
من
الدروس المستفادة من هذه السورة إضافة إلى ما سبق انه يحسن للإنسان تذكر أيام العسر
والضيق لأنه مدعاة للشكر ومدعاة لمعاونة المبتلى أيضاً لذا يجب التذكير بالماضي وما
يتقلب فيه المرء من نعم ليشكر الله تعالى عليها مهما كان في ماضيه من أذى أو حرج أو
ضيق فلا بأس أن يتذكر أو يذكر به حتى يشكر الله تعالى على نعمه فيكون من الشاكرين
لله تعالى.
المصدر:
منقول عن موقع إسلاميات
http://www.islamiyyat.com/