بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مرحبا بكم مع الشيخ خالدالمغربي - المسجد الأقصى

002

البقرة

آية رقم 028

كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ

صدق الله العظيم

 

الحياة والموت من منظور طبي إسلامي
 

أ.د/السيد سلامة السقا

أستاذ ورئيس قسم القلب بكلية الطب جامعة الإسكندرية

للحياة مظاهر وعلامات مميزة، وللحياة مفهوم محدد، وليس البروتين أو البروتوبلازم أو الماء مرادف للحياة، فالخلية بكل مكوناتها قد تكون حية أو ميتة، والجسد كله، بكل خلاياه وأنسجته وأجهزته، قد يكون حياً أو ميتاً.

وعندما يفقد الجسد صفة الحياة وينتقل إلى الموت يظل تركيبه المعروف ثابتاً لا يتغير لفترة ما، بعدها يبدأ تحلله إلى مكوناته الأولية من عناصر مختلفة.

فالحياة شيء مستقل بذاته، شيء مغاير للجسد المحسوس، شيء يحل في الخلايا والأجساد ليعطيها مميزاً وصفات محسوسة ويمنحه القوة على الاستمرار واطراد النمو والبقاء دون تحلل.. إلى أجل مسمى.

ولو أننا دققنا النظر في مفهوم الحياة ومظاهرها لوجدنا للحياة أكثر من مظهر، فالخالق سبحانه تفرد بالحياة المطلقة الأبدية التي لا أول لها ولا آخر، ولا مثيل لها ولا مشابه، فهو سبحانه وتعالى: (الحي القيوم)، وهو سبحانه وتعالى (ليس كمثله شيء)[سورة الشورى:11] فلا يقوم للمخلوقات وجود ولا حياة إلا به سبحانه وتعالى، فهو الذي يقول للشيء (كن فيكون)[سورة آل عمران:47]، وهو الذي (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي)[سورة الأنعام:95]، وهو الذي خلق الإنسان من لا شيء يذكر:( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيء مذكوراً)[سورة الإنسان:1].

(أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئاً)[سورة مريم: 61].

إنه سبحانه وتعالى خلق الحياة كما خلق الموت، وكل منهما سر من أسراره، (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً)(الملك /2)، فكل مخلوقات تستمد منه سبحانه وتعالى نوعاً من الحياة المحدودة والوجود الموقوت، وليس لمخلوق خلود، إنما الموت والفناء نهاية كل المخلوقات: (كل نفس ذائقة الموت )(العنكبوت/57)، (كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)(الرحمن/36ـ37)، بل إن الخلق كله، ما ندركه وما لا ندركه، ينتهي إلى نهاية محتومة لا يعلمها إلا الله: (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب * كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين)(الأنبياء/104)، والمخلوقات كلها تربطها بالخالق عز وجل رابطة العبادة والتقديس، فكل من في السماوات وكل من في الأرض، بل كل شيء يسبح بحمد الله ويقدسه ويسجد له.. فهي حياة عامة شملت الكون كله، بجميع جزئياته وتجلت بمظاهر لا ندرك الكثير منها بحواسنا البشرية القاصرة، ولكنها حقيقة وواقع لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليماً غفوراً)[الإسراء: 44].

إننا عند ذكر كلمة (الحياة) يتبادر إلى ذهننا المعنى الخاص لها، المعنى الذي يشمل الإنسان والحيوان والنبات، وذلك لا شتراكها في مظاهر وعلامات خاصة نميزها عما نطلق عليه "الجماد ". ولعل أبرز مظاهر الحياة التي ندركها في الإنسان والحيوان والنبات هي الحركة والانفعالية التي تشمل الإحساس والاستجابة للمؤثرات المختلفة، ذلك بالإضافة إلى مظاهر أخرى مثل النمو وغير ذلك.. ولكن باستعراض كتاب الله نجد أن مظاهر الحركة والانفعالية موجودة في كل شيء في الوجود، ولا يختص بها عالم الإنسان والحيوان والنبات، فالذرات والجزيئات (بما فيها من إلكترونات)في حركة دائمة، وهذه جزيئات الأرض وحبيباتها:( فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت )(الحج:6). وهذه الجبال الثابتة لعيوننا، الجامدة في أماكنها: (تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء)(النمل :88). وهذه الشمس (تجري لمستقرها)(يس:38).. والكواكب والنجوم والمجرات:( كل في فلك يسبحون)(سورة يس/40).. بل إن الكون المادي كله بمجراته وما فيها من حركة دائمة واتساع مستمر(والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون)(الذاريات:47).

حياة وحركة دائمة دآبة لا تكل ولا تنتهي، حركة متناسقة مترابطة في الوجود كله من ذراته إلى مجراته..

أما الانفعالية بما تحتوي من إحساس وإدراك واستجابة، فالقرآن يحدثنا عنها ويلقي لنا الضوء على دقائقها وغيبياتها، ويعلمنا بوجودها في كل شيء، فلننظر إلى السماء والأرض وهما تتلقيان الأمر من الخالق عز وجل فتجيبان بالسمع والطاعة:( ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين)(فصلت:11). وتلك الحجارة الصماء الجامدة الثابتة ظاهرياً لنا:( وإن منها لما يهبط من خشية الله )(البقرة:47)، طاعة وانقياد وخشية وخشوع وخضوع للخالق، بالتدبر قول الحق تبارك وتعالى عن الجبال:( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله )(الحشر:21)، مخلوق من مخلوقات الله يخشع ويتصدع ويتزلزل كيانه خوفاً وخشية من الله. وهذه النار تتلقى الأمر من ربها فتتخلى عن صفاتها وأهم مميزاتها:( يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم )(الأنبياء :69). ونار جهنم تنفعل وتشتد وتثور من غيظها عندما ترى المجرمين الكافرين من بعد: (إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقاً وهي تفور* تكاد تميز من الغيظ)(الملك/7ـ8)، وهل الغيظ إلا انفعال شديد، وأخيراً، وليس آخراً، تعالوا معي إلى قول المولى عز وجل (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً)(الأحزابـ72) فهذه مخلوقات الله يصنفها الإنسان تصنيفاً ضمن الجمادات التي لا حياة فيها، ولكن المقارنة والقابلة في الإحساس والتلقي والقبول والرفض والإشفاق، تضفي على الجبال دقة الإحساس بعظمة الأمانة وخطرها.. مظهر دقيق من مظاهر الحياة لا ندركه ولا نشعر به، إنها حياة خاصة بتلك المخلوقات (الجامدة) ـ على حد تعبيرنا ـ ولكنها حياة غيبية لا ندركها، وعوالم تقف حواسنا القاصرة وإدراكنا المحدود عن الإلمام بها إلا من خلال وحي الله المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكل شئ في الكون يسبح بحمد الله:(ولكن لا تفقهون تسبيحهم)(الإسراء:44).

كل شيء في الكون حي ولكن بمقاييس خاصة، علمها عند الله.. وهكذا تجتمع المخلوقات كلها في صعيد واحد وعلى هدف واحد وغاية واحدة لا يشذ عن ذلك إلا الإنسان:( ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير من حق عليه العذاب)(الحج/18).

الحياة كما ندركها:

حدد الخالق عز وجل معنى خاصاً للحياة، معنى شرعياً لها، ومعنى لغوياً كذلك، فبين لنا أن الحياة والموت نقيضان واقتصر مفهوم الحياة على الحياة الإنسانية وحياة الحيوان والنبات، وما كان غير ذلك فهو خارج عن إدراكنا، (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)(البقرة/286). وهكذا تحدد مفهوم الحياة الإنسانية لدينا (والحيوانية والنباتية) بمظاهر وعلامات إذا فقدت صار (ميتاً): (أو من كان ميتاً فأحييناه) (الأنعام:122). أما كلمة (ميت) فإنها تعني (حي)، لأن كل حي سيدركه الموت حتماً، ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى : (إنك ميت وإنهم ميتون)(الزمر:30)، تأكيد لحتمية موت كل إنسان، لا يشذ عن ذلك أحد فتلك سنة الله:( ولن تجد لسنة الله تبديلاً)(الأحزاب/12). أما حياة غير الإنسان والحيوان والنبات فلا يطلق عليها لفظ (الحياة) لخلوها من مظاهر الحياة المعروفة في عالم الأحياء وإنما نقول عنها (جماد).

وباستعراض واقع الحياة الإنسانية، كما تدل عليها الشواهد النظرية ونتائج البحث العلمي في شتى المجالات، نجد أن (الحياة) مجهولة ماهيتها تماماً للجميع، ولكن وجو الحياة في الجسد يعرف بمؤشرات معينة ومدلولات خاصة. والخلية الواحدة كائن حي قائم بذاته، يولد وينمو ويتقدم في العمر مروراً بالطفولة والصبا والفتوة فالكهولة فشيخوخة تنتهي بالموت، بل إن الخلية حين يتقدم بها العمر ويطول، فإن علامات الشيخوخة تظهر عليها وتبدأ أعضاؤها في الضمور وتبدو التجاعيد عليها ويقل نشاطها وحيويتها بشكل عام وينطبق عليها قانون الحياة العام وسنة الله في خلقه، حيث يقول سبحانه وتعالى:( ومن نعمره ننكسه في الخلق)(يس/86).

وقد يتكون جسد الكائن الحي من خلية واحدة مستقلة تماماً عن غيرها، كما هو حاصل في كثير من الكائنات المجهرية وحيدة الخلية، كالبكتريا والأميبا وبعض الفطريات والطحالب. وهنا تقوم الخلية الواحدة بكل العمليات الحيوية دون حاجة إلى الاتصال بخلايا أخرى.

وقد تتجمع تلك الكائنات وحيدة الخلية في جماعات أو مستعمرات، حيث تتماسك ظاهراً فتبدو كوحدة متماسكة، إلا أن الواقع أن كل خلية تظل على حالها، من الاستقلال الوظيفي عن غيرها، وبذلك تتكون جماعات أو مجتمعات يربط بين أفرادها ويبقى على تجمعهم ما يواجههم من ظروف بيئية، خاصة من تغيرات في الحرارة أو الرطوبة أو الغذاء أو الجفاف، أو غير ذلك.

ولما كان لكل خلية عمر محدد فإن ملايين الخلايا تموت بجسم الإنسان كل ثانية، ولكن ذلك لا يؤثر على تركيب الجسم أو على وظائف أعضائه، وذلك أن تكاثر الخلايا يمد الجسم الإنسان بما يعوضه عن الخلايا الميتة بخلايا مطابقة لسابقتها تماماً من ناحية التركيب والوظائف. وإذا دققنا النظر في المجتمع البشري كله على وجه الأرض بأفراده وقبائله ودوله وشعوبه لرأينا كيف يشابه أو يطابق مجتمع الجسد البشري بخلاياه وأنسجته وأعضائه وأجهزته، فكما تموت الخلايا كل لحظة دون أن يتأثر وجود الجسم وحياته، فكذلك يموت البشر بالآلاف والملايين ولا يتأثر الوجود البشري على الأرض. وقد تفنى أمم كاملة دون أن يؤثر ذلك على حياة الجنس البشري ووجوده.

ولقد ضرب لنا الخالق الأحد الأمثال لبعث الحياة في الأموات في الدنيا كآية من آياته الكبرى. وأجراها على يد بعض رسله وأنبيائه كمعجزات دالة على صدق رسالتهم . فهذا إبراهيم عليه السلام يتجه إلى ربه (ربي أرني كيف تحيي الموت * قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي * قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم أجعل على كل جبل منهن جزءاً ثم أدعهن يأتينك سعياً * واعلم أن الله عزيز حكيم)(البقرة/260). وهذا موسى عليه السلام يلقي عصاه بأمر الله: (فإذا هي حية تسعى)(طه/20)، آية له ولفرعون، فيأتي أمر الله فتدب الحياة في الميت مرة أخرى( كذلك يحيى الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون)(البقرة/73). واختار موسى عليه السلام سبعين رجلاً من قومه لميقات ربه فلما قالوا(أرنا الله جهرة)، أخذتهم الصاعقة وماتوا جميعاً، ثم بعثهم الله من بعد موتهم... ويقص علينا القرآن قصة ذلك الذي (مر على قرية وهي خاوية على عروشها* قال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه)(البقرة/259)، ثم رأى بعينه كيف يبعث الله الحياة في العظام الرميم وكيف ينشرها ثم يكسوها لحماً.. كما ينبئنا القرآن عن أولئك:( الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم )(البقرة/243).. وأخيراً، فهذا هو عيسى عليه السلام يخلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله وينفخ فيها فتكون طيراً بإذن الله وها هو يحيى الموت بإذن الله إنها قدرة الله سبحانه وتعالى الذي يقول للشيء (كن فيكون) و(الذي خلق الموت والحياة)(الملك:2)، والذي " يحيى ويميت " والذي يقف الإنسان عاجزاً أمام إدارك عظمته وأمام فيض علمه الذي لا ينفذ، وصدق الله سبحانه وتعالى:( وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً)(الإسراء:85).

وتتكرر معجزة الموت والحياة أمام كل الناس في زمان ومكان، ولكنها تظل آية من آيات الله وسراً استأثر بعلمه سبحانه وتعالى .. تبدأ حياة الإنسان بقدر وتنتهي بأجل لا يعلمه إلا الله:(وما تدري نفساً ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت)(لقمان/34)، وعندما يأتي الأجل لا يحول دونه حائل ولا تمنعه قوى المخلوقات جميعاً، وذلك هو الحق:( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة)(النساء:78). وأين المفر من قدرة الله: (إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم)(الجمعة/8).

(أحياء غير أموات):

الموت والحياة نقيضان بنص الكتاب وتقريره، فالله سبحانه وتعالى:( خلق الموت والحياة)(الملك/2). وهو الذي (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي)(الروم/19)، ويخاطب الناس بقوله عز وجل:(كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحيكم ثم إليه ترجعون)(البقرة/28)، فهو وحده الذي:( يحيى ويميت)(الحديد/2)..

وغير ذلك من آيات الكتاب الكريم الدالة على حالتين فقط للإنسان، وهما الحياة والموت فقط، ولا مرحلة وسط بين الاثنتين.. وموت الفرد هو نهاية وجوده على الأرض بالشكل المعروف، ويوم القيامة تنتهي حياة كل من على الأرض مرة واحدة.

وتنتهي حياة الإنسان يقبض حياته وإمساكها(الله يتوفى الأنفس حين موتها * والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى)(الزمر/42). فللموت لحظة محددة وأجل مسمى لا يتقدم ولا يتأخر: (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون)(الأعراف/34). وهكذا تتحدد لحظة الموت بانتهاء الأجل (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً)(الأعراف/145).

غير أن الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، وإن دلت على انتهاء حياة الإنسان وموته، فإن ذلك يكون بقبض الروح، وهي عملية تمسك فيها النفس وتنتهي فيها الحياة. كما توجد إشارات مقتضبة في هذا مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم (إذا أحضرتم موتاكم فأغمضوا البصر فإن البصر يتبع الروح) ثم إشارة القرآن إلى سكرات الموت وغمراته في قوله تعالى: (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد)(سورة ق/19).(ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم * اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تتكبرون)(الأنعام/93). وهيهات، فذلك بحث فيما لا يدركه العقل ولا يخضع للتجربة.

حياة حياة حياة

عندما نقول إن الإنسان جسد وحياة وروح، فإننا في واقع الأمر نستطيع أن نميز أشكال من الحياة.. فهناك (الحياة الخلوية)، وهي حياة الخلية الذاتية بكل مظاهرها وعملياتها الحيوية.. ثم بعد ذلك هناك( حياة الجسد)أو (الحياة العضوية)، أي حياة الأعضاء، حيث تتجمع ملايين الخلايا الحية في نظام دقيق وتناسق تام للقيام بوظائف محددة تمثل وظيفة ذلك العضو، كالكلية أو القلب أو الكبد مثلاً، أو وظائف الجسد كوحدة متكاملة من الأعضاء والأجهزة.. والجسد الحي يتمتع بكل مظاهر الحياة من حركة وإحساس وانفعال وتنفس وتغذية وإخراج وتكاثر.. الخ.

وأخيراً، فهناك بعد ذلك (الحياة الإنسانية)، حين تنفخ الروح في ذلك الجسد الحي فتعطيه مقومات جديدة من قدرة على التعلم والتذكر والتفكر والاختيار والتعقل بالإضافة إلى الإحساس بالزمن. وفوق هذا كله فإن الروح تعطي هذا الجسد الحي قوة الاستمرار في الحياة.. إن استمرار الحياة الخلوية وامتدادها، وكذلك استمرار الحياة الجسدية وامتدادها يرجع إلى وجود الروح.. والروح لا تتجزأ.. فإذا فصلت خلية واحدة أو انفصل عدد من الخلايا أو عضو من الأعضاء مثلاً عن الجسد فإنه ـ أي العضو ـ يفقد اتصاله بالروح، وبذلك يفقد القدرة على الاستمرار في الحياة، فيسرع إليه الموت سريعاً، إلا إذا أعيد اتصاله بجسده الأصلي أو تم توصيله بجسد آخر يقبله بالروح الجديدة في هذا الجسد وتعطيه القدرة على استمرار الحياة وامتدادها، فالحزء المستأصل من جسد الإنسان هو نسيج أو عضو حي، ولكن بلا روح.

وتتميز الحياة الإنسانية بوجود الروح.. وسبق أن قلنا إن الحياة سابقة للروح، فالروح لا تنفخ في جسد ميت وإنما تنفخ في جنين حي. ولا يعلم إلا الله كيفية نفخ الروح أو كيفية اتصالها بأجزاء الجسم وخلاياه، ولا كيفية توفيها حين المنام أو خروجها حين الموت.. غير أنه يمكننا القول بأنه حين اليقظة وتمام الوعي يكون اتصال الروح بالجسم اتصالاً كاملاً وتاماً، بينما يتغير هذا الاتصال حين المنام وعند الموت.

وقد يبرز هنا تساؤل عن إمكانية عودة الروح إلى أعضاء الجسم المتفرقة إذا أمكن إعادتها متصلة ببعضها البعض في جسدها الأصلي، بدلاً من زراعتها في أجسام متفرقة.. بمعنى آخر: هل إذا تقطع الجسم الواحد إلى أجزاء متفرقة ثم أعيد توصيل تلك الأجزاء جميعاً ببعضها البعض قبل موت خلاياها، فهل تعود الحياة الإنسانية إلى هذا الجسد؟.

لا شك إن الإجابة هنا ستكون بالنفي.. وذلك أن تقطيع البدن إلى أجزاء متفرقة سوف يؤدي إلى خروج الروح تماماً منه، لعدم وجد الحد الأدنى اللازم لحلول الروح فيه.. وبذلك يموت الجسم ولا تعود إليه حياته إلا يوم القيامة.
روابط ذات صلة :

الشيخوخة بين القرآن والعلم الحديث

إحياء الأرض بعد موتها في القرآن والعلم الحديث

 

 

عجـب الذنـب .. مركز التخليق وإعادة التركيب
 

بقلم الدكتور محمد جميل الحبال

يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : (كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب). رواه مسلم الجامع الصغير / 6270. قال شراح الحديث إن عجب الذنب (رأس العصعص وهو مكان رأس الذنب من ذوات الأربع). وحتى نفهم الإعجاز البليغ في حديث النبي صلى الله عليه وسلم علينا أن نفهم أولاً أهمية الجزء الذيلي Caudal partمن جسم الإنسان، ولنبدأ بما بدأ به الحديث (منه خلق) :

بعد أن تنقسم البيضة المخصبة عدة انقسامات تترتب خلايا inner Cell massإلى القرص الأوليdisk  Germالمكون من طبقتين من الخلايا : خارجية Ectoderm  وداخلية Endoderm  ثم يستطيل هذا القرص وتستدق نهايته الذيلية مكوناً شكلاً كمثرياً ليبدأ الحدث الأهم في الأسبوع الثالث من حياة الجنين وهو ظهور أخدود طولي في الجزء الذيلي من القرص الجنيني في اليوم الخامس عشر والذي يعرف باسم الشريط الأولي Primitive streakوالذي تكمن أهميته في كونه الموزع الرئيسي للخلايا المكونة للأنسجة الجنينية الثلاثة Endoderm, Ectoderm, Mesoderm  حيث تبدأ خلايا Ectodermبالانفصال عنده هذا الشريط لتتخذ مكاناً لها بين الـ Ectoderm & Endodermمكونة الطبقة الثالثة الـ Mesoderm  . وهذه الطبقات الثلاث التي تأخذ مواقعها وترتيبها نتيجة النشاط الغزير للشريط الأولي ـ هي الأساس لجميع الأنسجة الجسمية المنوعة :

 فالـ Ectoderm     يكون الجهاز العصبي CNS,، والخلايا الحسية في الأنف والأذن والعين ، وطبقة البشرة  Epidermisوسالفة العمود الفقري Notocord ،

والـ   Endoderm  يكون القناة الهضمية وملحقاتها GIT.

والـ Mesoderm    يكون   الجهاز الحركي (عظام + عضلات) Musculo-skeletal system  والجهاز البولي التناسليUrogenital system  ، وجهاز الدوران CVS ، والأغشية الجسمية Peritoinium, pleura, pericardium .

وهكذا ندرك أهمية الشريط الأولي، إذا علمنا أن لجنة دارنك البريطانية قد اعتبرت الشريط الأولي العلامة الفاصلة للوقت الذي يسمح فيه للأطباء والباحثين بإجراء التجارب على الأجنة المبكرة للإنسان، حيث سمحت اللجنة بإجراء هذه التجارب قبل ظهور الشريط الأولي ومنعته منعاً باتاً بعد ظهوره على اعتبار أن ظهور هذا الشريط يعقبه البدايات الأولى للجهاز العصبي.

ينتهي عمر الشريط الأولي Primitive streakفي نهاية الأسبوع الرابع وإذا حدث خلل ما وبقي هذا الشريط حتى الولادة فإنه يؤدي إلى ظهور أورام في المنطقة العصعصية ـ تحتوي على أنسجة متنوعة مشتقة من الطبقات الجنينية الأصلية الثلاث (مثل الشعر، الإنسان، عظام، أوعية دموية، .. إلخ ) ، لأنه يحتوي على الخلايا الأم للكائن الحي وهذه المعلومة الطبية الهامة ( في علم الأنسجة والأورام ) تثبت أن عجب الذنب ( عظم العصعص في نهاية العمود الفقري ) يحتوي على الخلايا الأم الرئيسة The Stem cellsالتي تتضمن كافة المعلومات الوراثية عن ذلك الكائن ( كالإنسان مثلاً ) والتي جاءت وكما ذكرنا سابقاً من ضمور الشريط الأولي في الأسابيع الأولى لخلق الجنين وتمركزها في نهايته والذي سيمثل في المستقبل عظم العصعص ( عجب الذنب ) والذي يمكن تشبيهه كالصندوق الأسود في الطائرة الذي يحوي كافة المعلومات عنها . هذه المعلومة تتلخص بأن جميع الأورام
(الحميدة والسرطانية) التي تنشأ من نسيج معين كالعظم أو العضلة أو الغدد اللمفاوية أو الأمعاء تتكون عادة من نفس خلايا ذلك النسيج الذي نشأت منه فالورم العظمي مثلاً يتكون من خلايا العظم والأورام اللمفاوية من خلايا الغدد اللمفاوية وهكذا ولكن الورم الذي ينشأ من عظم العصعص ( عجب الذنب ) يتكون عادة من خليط متنوع من جميع أنسجة وخلايا الجسم ويسمى
The Teratoma-Toti potent cells(الورم المتعدد الخلايا) فهو يحتوي على خلايا عظمية ولمفاوية وعضلية الخ .. وحتى الشعر مما يثبت أن خلايا عجب الذنب تحتوي في أنويتها على الخلايا الرئيسية التي تتألف منها جميع الأنسجة في الجسم .

·        إن فكرة إعادة خلق كائن حي من جزء منه كانت غريبة إلى وقت قريب، لكن نجاح استنساخ (استنسال) بعض الحيوانات والأبحاث الجارية حول الاستنساخ البشري ـ الذي يعتبر العلماء أن مسألة نجاحه اليوم باتت مسألة وقت لا غيرها ـ قد أزالت العجب عن هذه الفكرة ـ فكرة إعادة خلق كائن حي من جزء منه وهو نواة خلية واحدة فقط تحمل كافة المورثات (الجينات) ، بغض النظر عن الحكم الشرعي والبعد الأخلاقي لمسألة الاستنسال والتي يحرمها الشرع بالنسبة للإنسان .

وهذه الفكرة العظيمة ـ التي باتت سمة القرن الحادي والعشرون ـ تأييد لما قاله الصادق المصدوق قبل أكثر من 1400 سنة والتي تقرب لنا مفهوم إحياء الموتى. فإن المفيد في هذه المسألة أنها تقرب إلى أذهاننا مفهوم البعث يوم القيامة حيث أن جميع المخلوقات بضمنها الإنسان يبقى منه بعد موته وبلاء جسده الرمز الجيني محفوظاً في خلايا عجب الذنب وهو ما يسمى بالخارطة الوراثية Genetic Map  التي يختص بها كل إنسان وتبقى محفوظة داخل بقايا عظم العصعص (عجب الذنب) وهو من أقوى عظام الجسد فتشكل النواة فيه البذور التي ينبت منها الإنسان يوم البعث كما ينبت البقل وذلك مصداق قوله صلى الله عليه وسلم (ما بين النفختين أربعون قال أربعون يوماً قال : أبيت قال أربعون شهراً قال أبيت قال : أربعون سنةً قال أبيت قال ثم ينزل الله من السماء ماءاً وينبتون كما ينبت البقل (ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظماً واحداً وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة) صحيح البخاري .

ثم تأتي الأرواح (التي هي موجودة في السماء عند بارئها حيث أنها تعود إليه محفوظة بعد موت صاحبها ومفارقتها لجسده) وتدخل هذه الأجساد النابتة فإذا هم قيام ينظرون وكما يقول الله تبارك وتعالى: (وإذا النفوس زوجت ) (التكوير7) وهذا التشبيه بين إنبات النبات وبعث الموتى يوم القيامة نجده ماثلاً في كثير من الآيات لتقريب المفهوم وضرب المثل ومنها قوله تبارك وتعالى : (وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، ذلك بأن الله هو الحق وإنه يحي الموتى وأنه على كل شيء قدير،وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور) (الحج 5-7 ) .

وهكذا فقد أصبحت العلوم الطبية والحقائق العلمية في خدمة العلوم القرآنية والشرعية

الطبيب الاستشاري
الدكتور محمد جميل الحبال
باحث في الإعجاز العلمي والطبي في القران والسنة
الموصل – العراق- يمكن التواصل على العنوان:

alhabbal45@yahoo.com

 

المصـادر

1- القرآن الكريم

2- الموسوعة الذهبية للأحاديث النبوية ( قرص ليزري ).

3- السيوطي ، الاكليل في استنباط التنزيل، بيروت / 1987.

4- السيوطي ، الجامع الصغير للسيوطي / دار الفكر، بيروت / 1981.

5- حسان شمس باشا ـ زيت الزيتون أسرار وإعجاز ، مجلة الإعجاز العلمي ـ العدد (8) شوال 1421هـ /ص30 .

6- عبد الحكيم عبد الله ، إعجاز الطب النبوي ، دار الآفاق العربية، القاهرة ، 1998

7- عبد الغني عبد الخالق حجية السنة ، مطبعة منير، بغداد 1993.

8- محمد جميل الحبال ووميض العمري ، الطب في القرآن ، دار النفائس، بيروت ، 1998.

9- محمد جميل الحبال ومقداد الجواري ، العلوم في القرآن ، دار النفائس، بيروت ، 1999 .

10-         محمد علي البار ـ الإعجاز العلمي في أحاديث منع التداوي بالخمر ، مجلة الإعجاز العلمي ـ العدد (7) / جمادي أول 1421 ص32.

11-         محمد فؤاد عبد الباقي، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم،دار الفكر، بيروت1981.

 

 

موضيع ذات علاقة

اسم الموضوع

هجري

تاريخ الموضوع

موت الرسول

 

2007/06/29

آيات الموت في القرآن الكريم

 

2007/06/30

الإعجاز في جسم الإنسان في القرآن الكريم

06 شعبان 1429

2008/08/07

 

مطويات ذات علاقة

اسم المطوية

تاريخ المطوية

موت الرسول 2007/06/29