بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مرحبا بكم مع الشيخ خالدالمغربي - المسجد الأقصى

002

البقرة

آية رقم 115

وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ

صدق الله العظيم

قوله تعالى: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ اختلف المفسرون في المراد بهذه الآية على ثمانية أقوال:

أحدهما: أنها نـزلت في اشتباه القبلة. أخبرنا "أبو بكر بن حبيب قال: أخبرنا علي" بن الفضل، قال: أخبرنا محمد بن عبد الصمد، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: أخبرنا "إبرهيم بن خريم" قال: حدثنا عبد الحميد، قال أخبرنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا أشعث بن سعيد قال: حدثنا عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن "عامر" بن ربيعة عن أبيه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم "في غزاة في ليلة سوداء مظلمة" فلم نعرف القبلة فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنـزل الله وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ وروى جابر بن عبد الله قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية [كنت فيها] فأصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة، فقالت طائفة: القبلة هاهنا فصلوا وخطوا خطا، وقال بعضهم هاهنا فصلوا وخطوا خطا، فلما أصبحنا أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة، فلما قفلنا من سفرنا سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فسكت، فأنـزل الله تعالى: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ.

قلت: وهذا الحكم باق عندنا وإن من اشتبهت عليه القبلة فصلى بالاجتهاد فصلاته صحيحة "مجزية" وهو قول سعيد بن المسيب ومجاهد و "عطاء" والشعبي والنخعي وأبي حنيفة، وللشافعي قولان:

أحدهما : كمذهبنا.

والثاني: "يجب" الإعادة، وقال الحسن، والزهري وربيعة يعيد في الوقت، فإذا فات الوقت لم يعد، وهو قول مالك.

القول الثاني: أن المراد بالآية صلاة التطوع، أخبرنا أبو بكر بن حبيب، قال: بنا علي بن الفضل، قال: أخبرنا ابن عبد الصمد، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حموية قال: أبنا إبراهيم بن خريم، قال: حدثنا عبد الحميد، قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان، قال: سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عمر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته تطوعا أينما توجهت به، وهو جا [ي من مكة] إلى المدينة ثم قرأ ابن عمر وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ فقال ابن عمر =رضي الله عنه=: في هذا أنـزلت الآية.

القول الثالث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [لما صلى على النجاشي، قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم] كيف نصلي على رجل مات وهو يصلي على غير قبلتنا؟ وكان يصلي إلى بيت المقدس حتى مات وقد صرفت القبلة إلى الكعبة فنـزلت هذه الآية [رواه] عطاء عن ابن عباس =رضي الله عنهما=.

القول الرابع: أن المراد بالآية: أينما كنتم من "شرق" أو غرب فاستقبلوا الكعبة، قاله مجاهد.

القول الخامس: أن اليهود "لما تكلموا" "حين" صرفت القبلة إلى الكعبة نـزلت هذه الآية، ومعناها: "لا تلتفتن" إلى اعتراض اليهود بالجهل وإن المشرق والمغرب لله يتعبدكم بالصلاة إلى مكان ثم يصرفكم عنه كما يشاء. ذكره أبو بكر [بن] الأنباري وقد روى معناه عن ابن عباس =رضي الله عنهما=.

والقول السادس: أنه ليس المراد بالصلاة وحدها وإنما معنى الآية من أي وجه قصدتم الله، وعلى أي حال عبدتموه علم ذلك وأثابكم عليه.

والعرب تجعل الوجه بمعنى القصد، قال الشاعر:

اســتغفر اللـه ذنبـا لسـت محصيـه

 رب العبــاد إليــه الوجـه والعمـل

معناه: إليه القصد والتقدم. ذكره محمد بن القاسم أيضا.

والقول السابع: أن معنى الآية أينما كنتم [من] الأرض فعلم الله بكم محيط لا يخفى عليه شيء من أعمالكم [ذكره] ابن القاسم أيضا وعلى هذه [الأقوال] الآية محكمة.

[القول الثامن ذكر] أربابه أنها منسوخة، فروى عكرمة عن ابن عباس =رضي الله عنهما= قال: أول ما نسخ من القرآن شأن القبلة، قوله تعالى: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاته صخرة بيت المقدس "فصلى" إليها، وكانت قبلة اليهود، ليؤمنوا به وليتبعوه وليدعوا بذلك الأميين من العرب فنسخ ذلك وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ.

أخبرنا "إسماعيل" ابن أحمد السمرقندي قال: أبنا أبو الفضل عمر بن عبيد الله البقال قال أبنا أبو الحسين علي بن محمد بن بشران، قال: أبنا [أبو] الحسين إسحاق ابن أحمد الكاذي، قال: بنا عبد الله بن حنبل، قال: حدثني أبي قال: حدثني حجاج بن محمد، قال: أنبا ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس =رضي الله عنهما= قال: أول ما نسخ من القرآن -فيما ذكر لنا والله أعلم- شأن القبلة، قال: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى نحو بيت المقدس، وترك البيت العتيق ثم صرفه الله إلى البيت العتيق فقال: سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا يعنون بيت المقدس، فنسخها وصرف إلى البيت العتيق فقال: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ.

قال أحمد بن حنبل: وحدثنا عبد الوهاب بن عطاء، أخبرنا سعيد بن "أبي عروبة عن قتادة" فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ قال: كانوا "يصلون" نحو "بيت المقدس ونبي" الله بمكة وبعدما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت" المقدس ستة عشر شهرا ثم وجهه الله تعالى بعد ذلك "نحو الكعبة" البيت الحرام، قال أحمد، وبنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: بنا همام [قال] بنا قتادة فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ قال: وكانوا يصلون نحو بيت [المقدس ثم وجهه] الله "نحو الكعبة".

وقال عز وجل: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ فنسخت هذه الآية ما كان قبلها [من] قبلة. أخبرنا محمد بن عبد الله العامري، قال: أبنا علي بن الفضل، قال: أبنا محمد بن عبد الصمد، قال: أبنا عبد الله بن أحمد، قال: أبنا إبراهيم بن خريم، قال: بنا عبد الحميد، قال: بنا يونس، عن شيبان عن قتادة فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ قال: نسخ هذا بعد ذلك، فقال الله عز وجل: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قلت: وهذا قول أبي العالية والسدي.

فصل: واعلم: أن [قوله] تعالى: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ليس فيه أمر بالتوجه إلى [بيت] المقدس ولا إلى غيره بل هو دال على أن الجهات كلها سواء في جواز التوجه إليها.

فأما التوجه إلى بيت المقدس فاختلف العلماء، هل كان برأي النبي، صلى الله عليه وسلم [و] اجتهاده، أو كان عن وحي؟ فروي عن ابن عباس وابن جريج أنه كان عن أمر الله [تعالى] لقوله عز وجل: وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ.

وأخبرنا المبارك بن علي، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: أبنا إبراهيم بن عمر البرمكي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل بن العباس، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود، قال: [بنا محمد بن الحسين] قال بنا كثير بن يحيى قال: بنا أبي، قال: بنا أبو بكر الهدبي، عن عكرمة، عن ابن عباس =رضي الله عنهما= قال: قالت [اليهود] إن محمدا مخالف لنا في "كل شيء" فلو تابعنا على قبلتنا، أو على شيء لتابعناه، "فظن" النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا منهم جد، وعلم الله [منهم] الكذب، وأنهم لا يفعلون "فأراد الله" أن يبين ذلك لنبيه =صلى الله عليه وسلم= فقال: إذا قدمت المدينة فصل قبل بيت المقدس، ففعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت اليهود: قد تابعنا على قبلتنا ويوشك أن يتابعنا على ديننا، فأنـزل الله عز وجل وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ فقد علمنا انهم لا يفعلون، ولكن أردنا أن نبين ذلك لك [و] قال الحسن وعكرمة وأبو العالية، والربيع [بل] كان برأيه واجتهاده وقال قتادة: كان الناس يتوجهون إلى [أي] جهة شاءوا، بقوله تعالى: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ [ثم أمرهم] النبي صلى الله عليه وسلم باستقبال بيت المقدس وقال ابن زيد: "كانوا ينحون أن يصلوا إلى قبلة" شاءوا، لأن المشارق والمغارب لله، وأنـزل الله تعالى: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هؤلاء يهود قد استقبلوا بيتا من بيوت الله - يعني بيت المقدس - فصلوا إليه) فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بضعة عشر شهرا، فقالت اليهود: ما اهتدى لقبلته حتى هديناه، فكره النبي صلى الله عليه وسلم قولهم ورفع طرفه إلى السماء فأنـزل الله تعالى قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ أخبرنا المبارك بن علي، قال: أبنا أحمد "بن الحسين" ابن قريش، قال: أبنا أبو إسحاق البرمكي، قال: أبنا محمد بن إسماعيل الوراق، قال: بنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا [محمد بن أيوب] قال: بنا أحمد بن عبد الرحمن، قال بنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع، قال: حدثني أبو العالية، أن نبي الله خير بين أن يوجه حيث يشاء، فاختار بيت المقدس، لكي يتألف أهل الكتاب ثم وجهه الله إلى البيت [الحرام] "واختلف العلماء في سبب اختياره بيت" المقدس على قولين:

أحدهما: أن العرب لما كانت تحج ولم تألف "بيت" المقدس، أحب الله امتحانهم بغير ما ألفوه [ليظهر من] يتبع الرسول ممن لا يتبعه، كما قال تعالى: وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وهذا قول الزجاج.

والثاني: أنه "اختاره" ليتألف أهل الكتاب، قاله: أبو جعفر بن جرير الطبري قلت: فإذا ثبت أن رسول الله =صلى الله عليه وسلم= اختار بيت المقدس فقد وجب استقباله بالسنة، ثم نسخ ذلك بالقرآن.

والتحقيق في هذه الآية أنها أخبرت أن الإنسان أين تولى بوجهه فثم وجه الله، فيحتاج مدعي نسخها أن يقول: فيها إضمار. تقديره: فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ في الصلاة أين شئتم ثم نسخ ذلك المقدر، وفي هذا بعد، والصحيح إحكامها.

 

مواضيع ذات علاقة

اسم الموضوع

تاريخ الموضوع

الآيات المنسوخة عند ابن الجوزي

2008/07/26

 

مطويات ذات علاقة

الموضوع الذي أخذت منه المطوية المطوية كنسخة وورد هجري التاريخ الرقم
  تدبر القرآن الكريم وتفسيره - الحلقة العاشرة

الناسخ والمنسوخ - جدول الآيات المنسوخة

1429/07/22 2008/07/25 073
  تدبر القرآن الكريم وتفسيره - الحلقة التاسعة

الناسخ والمنسوخ

1429/07/15 2008/07/18 072