بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مرحبا بكم مع الشيخ خالدالمغربي - المسجد الأقصى

004

النساء

آية رقم 092

وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا

صدق الله العظيم

[قوله تعالى] وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ جمهور أهل العلم على أن الإشارة بهذا إلى الذي يقتل خطأ "فعلى" قاتله الدية والكفارة وهذا قول ابن عباس والشعبي، وقتادة، والزهري، وأبي حنيفة، والشافعي، وهو قول أصحابنا فالآية على هذا محكمة. وقد ذهب "بعض" مفسري القرآن إلى أن المراد به من كان من المشركين بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد "وهدنة" إلى أجل، ثم نسخ ذلك بقوله: بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [و] بقوله: فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ.

 

من الإعجاز التشريعي في الإسلام: إيجاب الدية على عاقلة القاتل
 

ورد سؤال إلى الموقع عن الحكمة من إيجاب دية القتل الخطأ على أهل الجاني، مع أنه لا ذنب لهم، فكانت الإجابة بما يلي:

- تعريف الدية:

المال المؤدّى إلى مجنيٍّ عليه، أو وليّه، أو وارثه بسبب جنايةٍ. وتسمّى الدّية عقلاً أيضاً، وذلك لوجهين: أحدهما أنّها تعقل الدّماء أن تراق، والثّاني أنّ الدّية كانت إذا وجبت وأخذت من الإبل تجمع فتعقل، ثمّ تساق إلى وليّ الدّم.

- تعريف العاقلة:

عاقلة القاتل هم عصباته (الذكور من أقاربه)، فلا يدخل في العاقلة الإخوة لأم ولا الزوج ولا سائر ذوي الأرحام.

ويدخل في العصبة سائر العصبات مهما بعدوا؛ لأنهم عصبة يرثون المال إذا لم كن وارث أقرب منهم، ولا يشترط أن يكونوا وارثين في الحال، بل متى كانوا يرثون لولا الحجب، تجب عليهم الدية.

- مقدارها:

حسب الأزهر: جملة الدية 4250 جراماً من الذهب تُدفع عيناً لولي القتيل، أو قيمتها بالنقد السائد حسب سعر الذهب يوم ثبوت هذا الحق.

من أحكام الدية الواجبة على العاقلة:

- تجب الدية على العاقلة عند القتل الخطأ، أما العمد فيتحملها الجاني وحده.

- تقسم الدية على العاقلة مع مراعاة الأقرب فالأقرب.

- أقصى زمن مسموح به لجمع الدية ثلاث سنوات.

- إذا كان الجاني صغيراً أو مجنونا فالدية الواجبة تحملها العاقلة ولو تعمَّد الفعل؛ لأنَّ عمدَ الصغير والمجنون خطأ لا عمد.

- لا تكلف العاقلة ما يشق عليها؛ لأنه لزمها من غير جناية، بل على سبيل المواساة.

- مقدار ما يحمله كل فرد: قال مالك وأحمد: يترك الأمر للحاكم يفرض على كل واحد ما يسهل عليه ولا يؤذيه.

- ليس على الفقير ولا المرأة ولا الصبي ولا المجنون دية؛ لأن تحميل الفقير إجحاف به، ولأن المرأة والصبي والمجنون ليسوا من أهل النصرة، ولكن هؤلاء إذا كانوا جناة يُعقل عنهم.

سبب تحميل العاقلة الدية: 

هذا استثناء من القاعدة الشرعية {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، فظروف الجناة والمجني عليهم هي التي سوغت هذا الاستثناء وجعلت الأخذ به لازماً لتحقيق العدالة والمساواة، ولضمان الحصول على الحقوق، ويمكن تبرير هذا الاستثناء بالمبررات الآتية:

1 -لو أخذنا بالقاعدة العامة فتحمَّلَ كل مخطئ وزر عمله، لكانت النتيجة أن تنفذ العقوبة على الأغنياء وهم قلة، ولامتنع تنفيذها على الفقراء وهم الكثرة، ويتبع هذا أن يحصل المجني عليه أو وليه على الدية كاملة إن كان الجاني غنياً، وعلى بعضها أن كان متوسط الحال. أما إذا كان الجاني فقيراً وهو كذلك في أغلب الأحوال فلا يحصل المجني عليه من الدية على شيء، وهكذا تنعدم العدالة والمساواة بين الجناة كما تنعدم بين المجني عليهم.

2 -إن الدية ـ وإن كانت عقوبة ـ إلا أنها حق مالي للمجني عليه أو وليه، وقد روعي في تقديرها أن تكون تعويضاً عادلاً عن الجريمة، فلو أخذ بالقاعدة العامة وتحمَّل المتهم وحده الدية، لما أمكن أن يصل معظم المجني عليهم إلى الدية التي يحكم بها؛ لأن مقدار الدية أكبر عادة من ثروة الفرد. إذ الدية الكاملة مائة من الإبل، ولاشك أن ثروة الفرد الواحد في أغلب الأحوال أقل بكثير من مقدار الدية الواحدة، فلو طبَّقنا القاعدة العامة وتحمَّلَ الجاني وحده وزر عمله لكان ذلك مانعاً من حصول المجني عليهم على حقوقهم، فكان ترك القاعدة إلى هذا الاستثناء هو الضمان الوحيد الذي يضمن وصول الحقوق المقررة إلى أربابها.

ملاحظة: المجني عليهم في جرائم القتل العمد لا يتعرضون لمثل هذه الحالة؛ لأن العقوبة الأصلية هي القصاص، ولا تستبدل بها الدية إلا إذا عفا المجني عليه ـ أو وليه ـ عن القصاص، ولن يعفو أحدهم عن القصاص إلا إذا كان ضامناً الحصول على الدية، فإذا عفا أحدهما عن القصاص وقبل الدية ولم يكن مال الجاني كافياً لسداد الدية فذلك هو اختيار المجني عليه أو وليه، وليس لأحدهما أن يتضرر من هذا الوضع الذي وضع فيه نفسه.

3 -إن العاقلة تحمل الدية في جرائم الخطأ، وأساس جرائم الخطأ هو الإهمال وعدم الاحتياط، وهذان سببهما سوء التوجيه وسوء التربية غالباً، والمسؤول عن تربية الفرد وتوجيهه هم المتصلون به بصلة الدم. فوجب لهذا أن تتحمل أولاً عاقلة الجاني نتيجة خطئه، وأن تتحمل الجماعة أخيراً هذا الخطأ كما عجزت العاقلة عن حمله.

ويمكننا أن نقول أيضاً: إن الإهمال وعدم الاحتياط هو نتيجة الشعور بالعزة والقوة، وإن هذا الشعور يتولد من الاتصال بالجماعة، فالمُشاهَد أن من لا عشيرة قوية له يكون أكثر احتياطاً ويقظة ممن له عشيرة، وأن المنتمين للأقليات يكونون أكثر حرصاً من المنتمين للأكثريات. فوجب لهذا أن تتحمل العاقلة والجماعة نتيجة الخطأ ما دام أنهما هما المصدر الأول للإهمال وعدم الاحتياط.

4 -إن نظام الأسرة ونظام الجماعة يقوم كلاهما بطبيعته على التناصر والتعاون، ومن واجب الفرد في كل أسرة أن يناصر باقي أفراد الأسرة ويتعاون معهم. وكذلك واجب الفرد في كل جماعة. وتحميل العاقلة أولاً والجماعة ثانياً نتيجة خطأ الجاني يحقق التعاون والتناصر تحقيقاً تاماً، بل أنه يجدده ويؤكده في كل وقت. فكلما وقعت جريمة من جرائم الخطأ اتصل الجاني بعاقلته واتصلت العاقلة بعضها ببعض وتعاونوا على جمع الدية وإخراجها من أموالهم. ولما كانت جرائم الخطأ تقع كثيراً فمعنى ذلك أن الاتصال والتعاون والتناصر بين الأفراد ثم الجماعة كل أولئك يظل متجدداً مستمراً.

5 -إن الحكم بالدية على الجاني وعلى عاقلته فيه تخفيف عن الجناة ورحمة بهم وليس فيه غبن وظلم لغيرهم؛ لأن الجاني الذي تحمل عنه العاقلة اليوم دية جريمته ملزم بأن يتحمل غداً بنصيب من الدية المقررة لجريمة غيره من أفراد العاقلة، وما دام كل إنسان معرضاً للخطأ فسيأتي اليوم الذي يكون فيه ما حمله فرد بعينه عن غيره مساوياً لما تحمله هذا الغير عنه.

6 -إن القاعدة الأساسية في الشريعة هي حياطة الدماء وصيانتها وعدم إهدارها، والدية مقررة بدلاً من الدم وصيانة له عن الإهدار، فلو تحمل كل جانٍ وحده الدية التي تجب بجريمته وكان عاجزاً عن أدائها، لأهدر بذلك دم المجني عليه، فكان الخروج عن القاعدة العامة إلى الاستثناء واجباً حتى لا تذهب الدماء هدراً دون مقابل.

وسبحان مَن هذه شريعته!

المرجع الرئيس: التشريع الجنائي في الإسلام ، للشهيد: عبدالقادر عودة .

للتواصل: د. عبد الرحيم الشريف

rhim75@hotmail.com

 

 

مواضيع ذات علاقة

اسم الموضوع

هجري

تاريخ الموضوع

الإعجاز التشريعي في القرآن الكريم

25 شعبان 1429

2008/08/26

الآيات المنسوخة عند ابن الجوزي

 

2008/07/26

 

مطويات ذات علاقة

الموضوع الذي أخذت منه المطوية المطوية كنسخة وورد هجري التاريخ الرقم
  تدبر القرآن الكريم وتفسيره - الحلقة العاشرة

الناسخ والمنسوخ - جدول الآيات المنسوخة

1429/07/22 2008/07/25 073
  تدبر القرآن الكريم وتفسيره - الحلقة التاسعة

الناسخ والمنسوخ

1429/07/15 2008/07/18 072