قوله تعالى: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ [اختلف] المفسرون
في هذه الآية على ثلاثة أقوال:
أحدهما: أنها اقتضت [إباحة] ذبائح أهل الكتاب على الإطلاق، وأن علمنا أنهم قد أهلوا
[عليها بغير] اسم الله، أو أشركوا معه غيره. وهذا مروي عن الشعبي، وربيعة، [والقاسم
بن] مخيمرة في آخرين، وهؤلاء زعموا أنها ناسخة لقوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا
لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ
قال أبو بكر: وبنا حرمي بن يونس قال: أبنا أبي، يونس بن محمد، قال: بنا حماد بن
سلمة عن حميد عن الحسن، قال: قيل له: إنهم يذكرون المسيح على ذبائحهم، قال: قد علم
الله ما هم قائلون، وقد "أحل" ذبائحهم قال أبو بكر: وبنا زياد بن أيوب، قال: "بنا
مروان، قال بنا أيوب" بن يحيى الكندي، قال: سألت الشعبي عن نصارى نجران فقلت: منهم
من [يذكروا الله] ومنهم من يذكر المسيح، قال: كل، وأطعمني: قال أبو بكر: وبنا إسحاق
بن إبراهيم بن حبيب، قال: بنا يحيى عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء قال: "كلوا" وإن
ذبح للشيطان، قال أبو بكر: وبنا محمود بن خالد، قال: بنا الوليد، قال: أبنا ابن
جابر، قال: سمعت القاسم بن مخيمرة يقول: لا بأس بأكل ما ذبحت النصارى لأعياد
كنائسها، ولو سمعته يقول: على اسم جرجيس وبولس.
أخبرنا المبارك بن علي قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: أبنا إبراهيم بن عمر
البرمكي، قال: أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود،
قال: بنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح عن علي بن
أبي طلحة عن ابن عباس =رضي الله عنهما= وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ما ذبح
اليهود والنصارى أحل لكم ذبائحهم على كل حال. قال أبو بكر: وبنا [محمد] بن بشار،
قال: بنا يحيى، قال: بنا عبد الملك، عن عطاء، قال: إذا ذبح النصراني باسم المسيح
فكل. قال أبو بكر: وبنا عبد الله بن سعيد، قال: بنا ابن أبي غنية، قال: بنا أبي، عن
الحكم، قال: لو ذبح النصراني وسمعته يقول: باسمك اللهم المسيح لأكلت منه، لأن الله
قد أحل لنا ذبائحهم، وهو يعلم أنهم يقولون ذلك.
والقول الثاني: أن ذلك [كان] مباحا في أول الأمر، ثم نسخ بقوله تعالى: وَلا
تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ.
والقول الثالث: [أنه] إنما "أبيحت" ذبيحة أهل الكتاب، لأن الأصل أنهم يذكرون اسم
الله عليها "فمتى علم" أنهم قد ذكروا غير اسمه لم يؤكل وهذا هو الصحيح عندي وممن
قال: إذا سمعت الكتابي يسمي غير الله فلا تأكل: علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر،
وعائشة، وطاؤس والحسن وعن عبادة بن الصامت، وأبي الدرداء "كهذا القول" وكالقول
الأول، فعلى هذا القول الآية محكمة، ولا وجه للنسخ.