بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مرحبا بكم مع الشيخ خالدالمغربي - المسجد الأقصى

005

المائدة

آية رقم 097

جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم

صدق الله العظيم

 

مكة المكرمة مركز الأرض والكعبة المشرفة قبلة الخلائق
 

بقلم الدكتور صالح محمد عوض

العراق - جامعة بغداد - كلية العلوم – قسم علوم الأرض

أغلفة الأرض: 

لنتأمل في هذا البحث المتواضع ونرى كم في الأرض التي نحيا عليها  من آيات يغفل عنها الكثيرون ﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ ﴾. ( الذاريات 20).

استناداًإلى المعلومات الزلزالية فإن الأرض من سطحها إلى مركزها تتكون من ثلاث أغلفة رئيسة, تشكل مع تقسيماتها الثانوية سبعة أغلفة (شكل-1), وتشير الآية الكريمة الآتية إلى أغلفة الأرض السبع:

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (الطلاق:12)

 وهذه الأغلفة هي:

1- قشرة الأرض:وهي الجزء الصلب الذي نعيش عليه, وهو متغير السمك, إذ يبلغ أعلى سمك له تحتالجبال, بينما يقل سمكه تحت المحيطات. حيث تقسم قشرة الأرض إلى قسمين هما:

أ‌)   القشرة القارية: مادة صخرية صلبة متغيرة السمك, يتراوح معدل سمكها في المناطق القارية 30-40 كم, بينما يبلغ معدل سمكها تحت الجبال 70 كم.

ب‌) القشـرة المحيطية: هي تركيب صخري نحيفة السمك تغلف الأرض تحت مياه المحيطات وتحت القشرة القارية. غير متجانسة التركيب, معدل سمكها 6 كم.

2- جبة الأرض: وهي مادة سليكاتية معقدة التركيب ذا كثافة أعلى من كثافة صخور القشرة الأرضية, وهي في حالة لدنة بسبب درجات الحرارة والضغط الشديدين, كما تعتبر مصدر الحمم البركانية. تتكون من ثلاث أجزاء هي :

أ‌)       الجبة العليا : وتمتد من تحت القشرة إلى إلى عمق 400 كم.

ب‌)  النطاق الإنتقالي : يمتد من عمق 400 إلى 1000 كم.

ت‌)  الجبة السفلى : وتمتد من عمق 1000 إلى 2900 كم.

3-  لب الأرض: يتكون أساساًمن سبيكة من الحديد والنيكل وهو عبارة عن جزأين هما:

أ‌)       اللب الخارجي : عبارة عن مادة سائلة, يمتد من عمق 2900 إلى 5080 كم.

ب‌) اللب الداخلي : عبارة عن مادة صلبة, يمتد من عمق 5080 إلى 6371 كم أي أن اللب الدخلي هو مركز الأرض.

 

 شكل-1 : أغلفة الأرض السبعة.

لم يكن الغلاف الصخري للأرض (الذي نحيا عليه)  كتلة واحدة بل يتكون من مجموعة قطع تسمى الصفائح الأرضية platesوقد وصف القرآن هذه الحقيقة العلمية من خلال الآية الكريمة:

﴿ وفي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ( الرعد:4).

والقطع المتجاورات التي أشارت إليها الآية الكريمة هي تلك الصفائح الأرضية المتجاورة (شكل -2) التي أثبت وجودها العلم الحديث وهي النظرية السائدة الآن والتي تدرس في جميع جامعات العالم لأقسام الجيولوجيا. ومن أهم الصفائح الأرضية المعروفة نورد الأتي:

     1-  الصفيحة الأوربية –الآسيوية

2-  الصفيحة الأفريقية

3-  الصفيحة العربية

4-  الصفيحة الهندية – الأسترالية

5-  الصفيحة الأمريكية الشمالية

    6-  الصفيحة الأمريكية الجنوبية

7-  صفيحة المحيط الهادي

8-  الصفيحة القطبية الجنوبية

    9- الصفيحة الكاريبية 

   10-الصفيحة الفلبينية

       12- صفيحة سكوتيا

 

شكل-2 : الصفائح الأرضية المعروفة حالياً ( القطع المتجاورات التي أشارت اليها الأية الكريمة).

حركة الصفائح الأرضية

        إن الصفائح الأرضية في حالة حركة مستمرة وهذه الحركة بطيئة لا يمكن ملاحظتها بالعين مباشرةً , ولكن يمن تحسسها أثناء الهزات الأرضية كما يمكن قياسها بواسطة أجهزة الليزر, إذ سجلت هذه الأجهزة معدل حركة بعض الصفائح الأرضية على أنها 1 ملم / سنة.

تتميز الصفائح الأرضية بثلاث أنواع رئيسة من الحركة: حركة تباعدية, وحركة تقاربية وحركة على مستوى واحد تسمى حركة تحولية. تمثل الحركة التباعدية حركة صفيحتين متجاورتين باتجاهين متعاكسين مبتعدتين عن بعضهما وغالباً ما يحصل هذا النوع من الحركة في أواسط قيعان البحار والمحيطات مسببة انفتاح وتوسع قاع المحيط, الذي يسمح في نهاية المطاف لمادة جبة الأرض بالانبثاق تحت سطح الماء, علماً أنها مادة سليكاتية منصهرة وفي درجات حرارية عالية مسببة تبخر كميات كبيرة من المياه بسبب الحرارة العالية. لقد صورت الآية الكريمة هذه الحقيقة العلمية بإيجاز بليغ:﴿ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ( التكوير:6).

إن انفتاح قيعان المحيطات يمثل نوع من أنواع الزلازل يتبعه خروج الحمم البركانية , وهذه الحمم تتكون من مادة معقدة التركيب ذات كثافة عالية (أعلى من كثافة صخور القشرة الأرضية). لقد أشارت الدراسات إلى أن كثافة صخور مادة الجبة العليا تفوق كثافة صخور القشرة الأرضية ب 0.4 غم /سم3 حيث يزداد الفارق في الكثافة كلما نزلنا نحو أعماق الأرض. إذاً هنالك زلزال يتبعه خروج حمم ثقيلة مصدرها جبة الأرض, وقد تحدث القرأن الكريم مشيرأً إلى هذه الحقيقة العلمية:﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا. وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (الزلزلة:1-2).

        تشكل هذه الحمم المنبثقة تحت مياه المحيط سلاسل من الجبال البركانية التي تسمى حواجز وسط المحيط , بعضها يرتفع فوق سطح الماء مكوناً الجزر.إن ترافق الزلازل البراكين يمكن توضيحه بالشكل-3. أما الحركة التقاربية أي تلاقي الصفائح الأرضية فأنها تعني حركة أحد الصفائح الأرضية أو صفيحين متجاورين بحيث يقتربان من بعضهما , وبإستمرار عملية الأقتراب يحصل تصادم الصفائح, وباستمرار عملية التصادم تنزلق أحدى الصفيحتين أو كليهما إلى الأسفل وقد تنحدر إلى مسافة تفوق 100 كم ومن ثم يتغير تركيبها وتتحول إلى حالة أشبه بالمنصهرة بسبب تعرضها إلى حرارة الجبة, وهذه العملية تمثل تأكل.

 

شكل-3: مواقع الهزات الأرضــية المســـجلة في القرن الأخير فقط , وهي مبينـــة بالنقاط السوداء ترافق مواقع إنفتاح أواســط المحيطات ( المحيطات مبينة باللون الازرق) , وكذلك ترافق مواقع تصادم الصفائح على اليابسة ( اليابس موضح باللون الأخضر).(مأخوذة من المصدر Spencer,2003).

أطراف الصفائح التي يمكن أن نسميها أطراف الأرض, والتآكل يسبب التناقص أي تناقص أطراف الأرض. وقد أشار القران الكريم إلى هذه الحقيقة من خلال الآيتين الكريمتين الآتيتين:

﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ(الرعد : 41).

﴿ بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاء وَآبَاءهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ ( الأنبياء :44).

وقد يينزلق أحد الصفائح فوق الأخر مكوناً الجبال البنائية على اليابسة وأن هذه الجبال تتحرك مع حركة الألواح أي أنها تسير, وقد أخبر الله تعالى نبية الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) في القرآن المجيد عن سير الجبال من خلال الآيات الكريمات الأتيات:

﴿ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ. (التكوير :3)

﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاء اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ. (الرعد : 31)

﴿ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا. (الكهف : 47)

يصحب تصادم الصفائح هزات أرضية وثورات بركانية, وكذا الحال مع الحركة التحولية التي تحدث تطوراً للصدوع على طول مستوى الحركة. يتبين من ذلك إن الصفائح الأرضية في حالة حركة مستمرة منذ بداية تشكلها ولحد الآن.

ـ أسباب حركة الصفائح الأرضية           

إن مصدر القوة المحركة للصفائح الأرضية هو الجبة (جبة الأرض). تمثل الجبة الكتلة العظيمة الموجود تحت قشرة الأرض إذ يبلغ سمكها 2800كم وهي تتكون من مادة صخرية (سليكاتية ) معقدة التركيب منصهرة جزئياً أو كلياً لكنها ليس في حالة سائلة بل هي لدنة شديدة اللزوجة ذات درجات حرارية وضغط عاليين, من المعروف أن درجة الحرارة في باطن الأرض تزداد مع العمق, لذا فإن حرارة الأجزاء السفلى من الجبة أعلى من حرارة الأجزاء العليا. بسبب التفاوت الحراري بين أجزاء جبة الأرض تتشكل تيارات تدعى تيارات الحمل العملاقة التي تتحرك من الأسفل نحو الأعلى بحركة دورانية ناقلة المواد الأكثر حرارة إلى الأعلى بسبب فرق الكثافة ثم تنزل المواد الأقل حرارةً بسبب كثافتها العالية ووزنها الكبير إلى الأسفل, وهذه العملية في حالة ديمومة واستمرار ( شكل -4). تسلط تيارات الحمل العملاقة  قوة دفع عظيمة من الأسفل  على الصفيحة الأرضية التي فوقها فتحركها بأحد أنواع حركة الصفائح المذكورة أنفاً.

 

شكل-4: حركة تيارات الحمل العملاقة ضمن جبة الأرض( بين القشرة و اللب).

إن حركة الصفائح الأرضية حركة في غاية الدقة وهي حركة محسوبة ومحكمة,  إذ أنها في نهاية المطاف تحافظ على ثبوت كتلة الأرض ومساحتها السطحية, ففي الوقت الذي تتلاشى فيه طرف أحد الصفائح الغائرة إلى الأسفل بسبب تعرضة للحرارة العالية ( نقصان الأرض من أطرافها) تتولد مادة صخرية جديدة في الجهة المقابلة للطرف المتلاشي ( أواسط المحيطات). وهذا يحافظ على نظام تجاذب الكتل الكونية ويبقي كل منها يدور في فلكه. إن هذه الانتظامية لا يمكن أن تكون محض صدفة, بل إن الأرض أحد مخلوقات الخلاق العظيم البسيطة وأن قدرة الله سبحانه وتعالى ليس لها حدود:

﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾(الزمر :67).

موقع مكة المكرمة وحركة الصفائح الأرضية عبر الزمن الجيولوجي

        قسم علماء الجيولوجبا الزمن الجيولوجي إلى حقب وفترات ودهور وعصور من أجل تبسيط عملية الفهم حين الإشارة إلى فترة معينة في الزمن الماضي. يقدر عمر الأرض بحوالي 4.5 بليون سنة. بكل بساطة وتقريب,  يبدأ المقياس الزمني الجيولوجي منذ العصر الكامبري ويمتد إلى العصر الحديث, إذ تقدر هذه الفترة الزمنية ب 450 مليون سنة. منذ ذلك الحين والصفائح الأرضية في حالة حركة مستمرة , حيث تتغير أشكالها ومواقعها مع الزمن, كما تغيرت إعدادها إذ تكسر بعض الصفائح إلى أجزاء فيما دمجت بعض الأجزاء معاً.

        يلاحظ رغم الزمن الجيولوجي الطويل, الحركة البطيئة المستمرة للصفائح الأرضية , إلا أنها تتحرك بنوع من الانتظامية حول الصفيحة العربية , وأن اتجاهات هذه الصفائح ثابتة نحوها, وكأنها تشير إلى الصفيحة العربية. يمكن إثبات ذلك من خلال ما منشور من بحوث أجنبية هي لم تنشر لتناقش أو توضح حركة الصفائح نسبةً غلى الصفيحة العربية , لكنها نشرت لتناقش مواضيع جيولوجية بعيدة كل البعد عن هذه الحقيقة الراسخة.

        يبين الشكل-5 حركة الصفيحة الهندية محسوبة من قيم الشذوذ المغناطيسي لقاع المحيط الهندي , حيث يبين المواقع المتعددة التي اتخذتها الصفيحة الهندية وجزيرة سري لانكا منذ 71 مليون سنة ولحد الآن, حيث استقرت في موقعها الحالي وهي بالحقيقة غير مستقرة بمعنى الاستقرار الحقيقي أي انعدام الحركة, ولكن نقول استقرت في موقعها الحالي كوننا لم ندرك حركتها بالعين مباشرةً وأن حركتها تبدو ضئيلة جداً وغير محسوسة إذ ما قورنت بعمر الإنسان. يلاحظ من الشكل-5إن الصفيحة الهندية تحركت نحو الشمال, وأن حركتها كانت مصحوبة دائماً بدوران بسيط بإتجاه معاكس لدوران عقارب الساعة (الشكل -5). مع ملاحظة عدم حساب حركة الصفيحة العربية ضمن هذا الشكل. موقع السعودية العربية في الشكل -5 يمثل جزء من الصفيحة العربية.

        يبين الشكل -6موقع الصفيحة العربية نسبةً إلى الصفيحة الهندية والأفريقية والتركية والإيرانية ( حيث كانت في السابق مكونة من مجموعة أجزاء كما يعرض الشكل وسط إيران عبارة عن جزء منفصل عن شمال غرب إيران ) وأفغانستان . يعرض الشكل -6موقع هذه الصفائح الأرضية وهي تحيط بالصفيحة العربية وتشير الأشكال المنقطة (الصفائح المرسومة بالخط المقطع غير المستمر) إلى مواقع الصفائح الأرضية خلال عصر الطباشيري المتوسط.

 

شكل-5: حركة الصفيحة الهندية منذ 71 مليون سنة لحد الآن محسوبة من قيم الشذوذ المغناطيسي في قاع المحيط الهندي( مأخوذة من المصدر:( Spencer,2003

 

شكل-6: حركة الصفائح الأرضية نسبةً إلى الصفيحة العربية منذ 100 مليون سنة ولحد الآن.(مأخوذة من المصدر Forster,1978).

(أي قبل  حوالي 100 مليون سنة من الأن) , من التدقيق بالشكل-6  يتبين إن الصفيحة الهندية قد تحركت نحو الشمال وأن حركتها كانت مصحوبة بدوران لبضعة درجات عكس عقارب الساعة. وقد تحركت الصفيحة الأفريقية نحو الشمال أيضاً ,كانت حركتها مصحوبة بدوران عكس عقارب الساعة أيضاً.وكذا الحال بالنسبة لمواقع أفغانستان ووسط  إيران وشمال غربها , وكذلك الصفيحة التركية .

        إذا ما نظرنا إلى موقع الصفيحة العربية قبل 100 مليون سنة ( الجزء المنقط) في الشكل -6, نجدها أنها تحركت حركة قليلة إلى الشمال نسبة ألى الصفائح البعيدة , إذ صاحب حركتها دوران طفيف باتجاه معاكس لعقارب الساعة. نستدل من هذا كله أن موقع الصفيحة العربية في المئة مليون سنة  الغابرة (قبل خلق الإنسان) وموقعها الحالي يتوسط الصفائح الأرضية, وأن هذه الصفائح تحيط بها من كل جانب ( شكل-6). لم تقطع الصفيحة العربية مسافة طويلة أثناء حركتها لأنها مركز الحركة الدورانية فهي تتحرك ضمن نصف القطر الأصغر. من هنا يتبين أن لصفيحة العربية هي مركز الصفائح الأرضية وأينما اتجهت الصفيحة العربية تبعتها الصفائح المحيطة بها لتدور حولها دوران منتظم مع حفاظ كل صفيحة على اتجاه كل جزء فيها ثابتاً باتجاه الصفيحة العربية. تقع مكة المكرمة ضمن الصفيحة العربية (شكل-7), وإذا ما طبقنا الشرح السابق على موقع مكة المكرمة ضمن الصفيحة العربية لوجدنا أن كل شيء في الأرض يتجه نحو مكة المكرمة منذ أن خلق الله الأرض وسيبقى هذا النظام يعمل بمشيئة الله إلى الوقت الذي حدده الله له,  لأن هذه الانتظامية عبر ملايين السنين وبهذه الحركة البطيئة جداً لهذه الكتل الأرضية الثقيلة جداً لا يمكن أن تأتي من وراء صدفةً, وإنما وراء هذه الأحداث مهندس ماهر وإدارة خارقة, ولا يمكن لأي قوة صناعية أو طبيعية أن تنفذ مثل هذه المهمة ولا يمكنها أن تدير وتدبر مثل هذه الأعمال, أنما يديرها ويدبرها الواحد القهار الذي رفع السماوات بغير عمد:

 

شكل-7 : موقع مكة المكرمة في السعودية ضمن الصفيحة العربية.

﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾. ( الزمر :62)

﴿ قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾. (الرعد :16)

بما أن كل شيء يتجه صوب مكة المكرمة , وأن الكعبة المشرفة هي مركز مكة, من هنا نستنتج أن الكعبة المشرفة مركز الأرض, وان كل مافي الأرض وما عليها وما فوقها يتجه للكعبة ( قبلة المسلمين) وهو ساجد وخاشع:

﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء ﴾. (الحج:18)

﴿ وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ﴾. (الرعد :15)      

﴿ وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ﴾.  (النحل :49)

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾. ( فصلت : 39)

﴿ جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾. ( المائدة :97)   

فسبحان بديع السماوات والأرض, وسبحان الخلاق العليم, نسأل الله تعالى أن ينوِّر بصائرنا وأبصارنا بنوره الذي أشرقت به الارض:

﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ (الزمر: 69).

وأن يحيي قلوبنا بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بماء المطر، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وآخر دعوانا أن الحمد رب العالمين:

﴿ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَلَهُ الْكِبْرِيَاء فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾. ( الجاثية: 36-37).


المؤلف في سطور

لمراسلة المؤلف :     salihauad2000@yahoo.com

مواضيع ذات صلة :


المصادر:

1- القرآن الكريم

2-Spencer E. W. 2003: Earth Science, understanding environment    systems. McGraw Hill. Toranto, 517p.

3-Forster, H., 1978: Mesozoic –Cenozoic metallogenesis in Iran. journal of the Geological Society – London. Printed in the Netherland. Vol.135. pp 443-455. 8 figs

إنتهى بعون الله

 

 

الإعجاز في موقع مكة المكرمة
 

دكتور مهندس يحيى حسن وزيرى

أستاذ العمارة المساعد ومحاضر بكلية الآثار جامعة القاهرة

بحث رائع يتناول موقع مكة المكرمة بالنسبة إلى الأرض يتم عرض البحث على شكل شرائح على برنامج البوربوينت

 الملف 3.9ميغا بايت نوعه ملف بور بوينت شرائح

أضغط هنا للتحميل

 

يمكن التواصل مع المؤلف على الإيميل التالي:

   y_wazeri@yahoo.com

 

 

الكعبة المشرفة دراسة تحليلية للخصائص التصميمية
 

دكتور مهندس يحيى حسن وزيرى

أستاذ العمارة المساعد ومحاضر بكلية الآثار جامعة القاهرة

مقدمة:

  الكعبة المشرفة هي أول بيت وضع للناس مصداقا لقوله تعالى: "إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين"[1]، وقد اختار الله سبحانه وتعالى هذا البيت العتيق بمكة المكرمة ليكون القبلة التى يتجه إليها المسلمون في صلاتهم، خمس مرات على الأقل في اليوم والليلة.

  لقد قررت كتب الفقه الإسلامي أن التوجه للقبلة يعتبر أحد شروط صحة الصلاة، لذلك فلقد أكدت العديد من الآيات القرآنية ضرورة التوجه للمسجد الحرام حيث الكعبة المشرفة عند الصلاة، يقول سبحانه وتعالى: "وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره"[2]، أي شطر المسجد الحرام.

 ولا تقتصر وظيفة الكعبة المشرفة على كونها القبلة التي يتم التوجه إليها في الصلاة، بل إن الله جعل الطواف حولها هو أحد مناسك الحج والعمرة، كما جعل الطواف حول الكعبة من خصوصيات تحية المسجد الحرام بدلا من صلاة ركعتي تحية المسجد، كما يحدث في باقي مساجد الأرض، وقد ورد الأمر بالطواف حول الكعبة المشرفة في قوله تعالى: "وليطوفوا بالبيت العتيق"[3].

  وهذا يعنى أن أهم وظيفتين للكعبة المشرفة هما: أن تكون قبلة يتم التوجه إليها في الصلاة، كما أنها أيضا مبنى يتم الطواف حوله أثناء أداء مناسك الحج والعمرة وبديلا لركعتي تحية المسجد.

إن الدراسات التحليلية التي أجريت على الكعبة المشرفة تعتبر قليلة نسبيا، ومن أهمها الدراسة التي قام بها الباحث "نجيب جدال"[4]، لذلك فإن هذا البحث يهدف إلى دراسة الخصائص التصميمية للكعبة المشرفة ومدى توافقها مع وظيفتها، باعتبارها قبلة يتم التوجه إليها في الصلاة من أي مكان في الأرض.

  وعادة ما تشتمل دراسة الخصائص التصميمية لأي مبنى على ثلاثة أشياء أساسية:

 دراسة الموقع الجغرافي للمبنى، والوصف الهندسي ويشمل دراسة الشكل والنسب الهندسية، و دراسة أسلوب توجيه المبنى.

 لذلك فإن البحث سيقوم بدراسة هذه الخصائص التصميمية، من أجل معرفة مدى توافق هذه الخصائص مع الناحية الوظيفية للكعبة المشرفة.

أولا: مميزات الموقع الجغرافي للكعبة المشرفة:

  تقع الكعبة المشرفة في مكة المكرمة والتي يتحدد موقعها الجغرافي بخط عرض 21 درجة و25 دقيقة شمالا، وخط طول 39 درجة و49 دقيقة شرقا[5].

 لقد تمت بعض الدراسات العلمية التي توضح أسباب اختيار الموقع الجغرافي لمكة المكرمة حيث توجد الكعبة المشرفة، باعتبارها القبلة التي يتجه إليها المسلمون في صلاتهم أو يحجون إليها لأداء مناسك الحج والعمرة، وقد توصلت هذه الدراسات لما يلي:

1- مكة المكرمة مركز اليابسة للعالمين القديم والجديد:

  في محاولة جادة لتحديد الاتجاهات الدقيقة إلى مكة المكرمة من المدن الرئيسية في العالم باستخدام الحاسوب الكمبيوتر، توصل الدكتور حسين كمال الدين إلى تمركز مكة المكرمة في قلب دائرة تمر بأطراف جميع القارات، أي أن اليابسة على سطح الكرة الأرضية موزعة تقريبا حول مكة المكرمة توزيعا منتظما، وأن هذه المدينة المقدسة تعتبر مركزا لليابسة[6]، شكل (1)، وهذا التوسط ينطبق على كل من العالم القديم والعالم الجديد.

شكل 1: رسم القارات السبع للعالم يوضح أن مكة المكرمة هي مركز اليابسة[7].

أما الدكتور مسلم شلتوت فقد أكد الدراسة السابقة عندما أعد ورقة بحثية أثبت فيها أيضا،أن مكة المكرمة تقع في مركز اليابسة للعالمين القديم و الحديث، وذلك باستخدام برنامج للحاسب الآلي، وفيما يلي أهم نتائج هذه الدراسة[8]:

أ- بالنسبة لتوسط مكة المكرمة ليابسة العالم القديم:

  تم اختيار تسع مدن وجزر لتكون هي حدود العالم القديم، وتم تحديد موقعها وبعدها عن مكة المكرمة، وقد وجد أن المسافة القوسية The arch distance بين هذه المدن والجزر وبين مكة المكرمة تقريبا 8039 كم في المتوسط، مما يعنى أن مكة المكرمة تقع في مركز دائرة يمر محيطها بالثلاث قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا التي كانت تكوّن وتمثل العالم القديم قبل اكتشاف الأمريكتين.

ب- بالنسبة لتوسط مكة المكرمة ليابسة العالم الجديد:

  تم حساب المسافة بين مكة المكرمة والمدن الآتية:

1- مدينة ويلنجتون تقع في نيوزيلند بشرق قارة استراليا: وجد أن المسافة بينها وبين مكة المكرمة 13040 كم.

2- كورن هورن أبعد نقطة في أمريكا الجنوبية: وجد أن المسافة بينها وبين مكة المكرمة 13120 كم.

3- شمال ألاسكا أبعد نقطة في شمال أمريكا: وجد أن المسافة بينها وبين مكة المكرمة 13600 كم.

  وعلى ذلك فإن المسافة المتوسطة بين أبعد نقاط العالم الجديد وبين مكة المكرمة هي تقريبا 13253 كم، مما يعنى أيضا أن مكة المكرمة تقع في مركز دائرة تمر بحدود قارات العالم الجديد، وهذه الدائرة تمر أيضا بالحدود الشرقية والحدود الغربية للقطب الجنوبي.

  وهنا يظهر لنا أن اختيار موقع مكة المكرمة لتكون فيها الكعبة المشرفة قبلة المسلمين، هو اختيار إلهي فيه حكمة كبرى لم تكن لتعرف إلا بعد ظهور الحقائق والاكتشافات العلمية الحديثة، فالمسلمون عندما يتجهون في صلاتهم إلى مكة المكرمة فهم يتجهون إلى موقع يعتبر بمثابة مركز اليابسة، كما أنه لا يخفى دلالة توسط موقع مكة المكرمة على تسهيل  الحج والعمرة للمسلمين من مختلف بقاع الأرض، فموقعها متوسط بالنسبة لكافة القارات فهي لا تقع في أقصى الشرق أو الغرب، أو في أقصى الشمال أو الجنوب.

  وقد جاء في معجم البلدان لياقوت الحموي قوله[9]: "أول ما خلق الله في الأرض مكان الكعبة، ثم دحا الأرض من تحتها، فهي سرة الأرض ووسط الدنيا، وأم القرى أولها الكعبة، وبكة حول مكة، وحول مكة الحرام، وحول الحرام الدنيا"، وهو ما يوضح أيضا أن علماء المسلمين القدامى قد فهموا ووعوا حقيقة أن مكة المكرمة هي وسط الدنيا، كما حدد البعض منهم اتجاهات وزوايا القبلة بالنسبة للبلاد الإسلامية وعلاقتها بمكة المكرمة.

  إن موقع مكة المكرمة الفريد من نوعه أدى إلى أن يطالب أحد الباحثين الغربيين، واسمه "أرنولد كيسرلنج" Arnold Keysrling، إلى أن يكون خط طول مكة المكرمة 39 درجة و49 دقيقة شرقا هو خط الطول الأساسي[10]، بدلا من خط طول جرينتش بانجلترا والذي تم فرضه على العالم سنة 1882م، وقت أن كانت الإمبراطورية البريطانية هي أكبر قوة موجودة في العالم.

2- إشارة الظلال إلى مكة المكرمة [11]:

   لقد أدى وقوع مكة المكرمة في المنطقة المدارية الاستوائية، أي في المنطقة التي تقع  بين مدارى السرطان والجدي، وتحديدا عند خط عرض 21 درجة و25 دقيقة شمالا وخط طول حوالي 39.5 درجة شرق جرينتش، إلى ارتباط مبانيها وبالتالي الكعبة المشرفة بظاهرة فلكية هامة، وهى تعامد الشمس عليها مرتين كل عام وقت صلاة الظهر (الزوال)(12)، وذلك يومي 29 مايو و16 يولية.

  ويمكن الاستفادة من هذه الظاهرة الطبيعية لتحديد أو تصحيح اتجاه القبلة من كل البلاد والأماكن بنصف الكرة الأرضية المضاءة بالشمس في هذين اليومين، وتحديدا لحظة الزوال الظهر الشرعي في الساعة 12 و 18 دقيقة حسب التوقيت المحلى لمدينة مكة المكرمة يوم    29 مايو، وكذلك في  الساعة 12 و27 دقيقة في يوم 16 يوليو من كل عام،  حيث تكون الشمس عمودية تماما على مكة المكرمة وينعدم ظل الشاخص فيها آنذاك.

وفى هذين التوقيتين بالضبط يمكن لكل بلد مقابلة التوقيت المحلى لها معهما، وعن طريق مراقبة ظل شاخص موضوع عموديا على الأرض، فان اتجاه  القبلة يكون في الجهة المعاكسة لظل ذلك الشاخص آنذاك، حيث يشير امتداد ظل الشاخص إلى موقع القبلة التي تتعامد عليها الشمس في هذين الوقتين كدليل ومرشد عليها، شكل 2.

شكل (2): في لحظة تعامد الشمس على مدينة مكة المكرمة يمكن تحديد اتجاه القبلة في البلاد الأخرى، عن طريق اتجاه الظل الممدود، حيث يكون اتجاه القبلة معاكسا لاتجاه الظل[13].

 

  لقد أورد الفلكي المسلم "نصير الدين الطوسي" المولود سنة 597 هجرية في كتابه   "التذكرة في علم الهيئة"، أنه يمكن معرفة "سمت القبلة" كما يلي[14]: "ولمعرفة سمت القبلة طرق كثيرة لا يليق إيرادها هاهنا، فلنقتصر على وجه سهل وهو أن الشمس تكون مارة بسمت رأس مكة عند كونها في الدرجة الثامنة من الجوزاء، والثالثة والعشرين من السرطان وقت انتصاف النهار هناك، والفضل بين نصف نهارها ونصف نهار سائر البلدان يكون بقدر التفاوت بين الطولين، فليؤخذ التفاوت ويؤخذ لكل خمسة عشر جزءا ساعة ولكل جزء أربع دقائق، فيكون ما اجتمع ساعات البعد عن نصف النهار، وليرصد في ذلك اليوم ذلك الوقت قبل نصف النهار إن كانت مكة شرقية أو بعده إن كانت مكة غربية، فسمت الظل ساعة إذ يكون سمت القبلة".

  إن الفقرة السابقة تؤكد أن المسلمين الأوائل قد توصلوا إلى طريقة تحديد اتجاه القبلة نتيجة تعامد الشمس على مكة المكرمة، مرتين في العام وقت منتصف النهار تماما، على التفصيل الذي أوضحناه، ويكون اتجاه الظل ساعة إذ هو اتجاه القبلة حيث الكعبة المشرفة.

  إن أسلوب تحديد اتجاه القبلة عن طريق الظلال، يعتبر أدق طريقة معروفة لتحديد اتجاه القبلة من أي مكان أو موقع بالكرة الأرضية، وهو ما يوضح أن اختيار موقع الكعبة المشرفة في مدينة مكة المكرمة، يتناسب تماما مع وظيفتها كقبلة يتم التوجه إليها في الصلاة، لأن التوجه للقبلة يستلزم التعرف إلى طرق علمية دقيقة تساعد على التوجه إليها من أي موقع أو مدينة بالكرة الأرضية.

ثانيا: دراسة تحليلية لشكل الكعبة المشرفة ونسبها الهندسية:

1- دراسة الشكل الهندسي:

   أورد عالم الآثار الإنجليزي "كريزول" في كتابه الشهير "الآثار الإسلامية الأولى ما يلي[15]: " في حياة محمد صلى الله عليه وسلم كان الحرم في مكة مؤلفا من بناء صغير مستطيل الشكل لا سقف له الكعبة، له أربعة جدران أعلى من ارتفاع الإنسان بقليل حسب رواية ابن هشام[16]، أو حوالي 9 أذرع حوالي 4.5م حسب رواية الأزرقي[17]، مبنية من الحجارة العادية دون ملاط مونة، وكان الحرم مستطيل الشكل يقصد الكعبة أطوال جوانبه- حسب رواية الأزرقي- 32 ذراعا شمال- شرق، و22 ذراعا شمال- غرب، و31 ذراعا جنوب- غرب، و20 ذراعا جنوب- شرق..، هذا الحرم الصغير المعروف بالكعبة يقوم في أسفل الوادي الذي تحيط به منازل مكة الملتصقة به.."، شكل 3.

 إن الوصف السابق يعنى أن أطوال أضلاع الكعبة الأصلية هي على التوالي كما يلي[18]:

·       الضلع الشمالي الشرقي 32 ذراعا.

·       الضلع الشمالي الغربي 22 ذراعا.

·       الضلع الجنوبي الغربي 31 ذراعا.

·       الضلع الجنوبي الشرقي 20 ذراعا.

شكل (3- أ) : تصور لشكل الكعبة كما جاء وصفها في كتب التراث الاسلامى من رسم الباحث الكويتي محمد سليمان النفيسى[19]، ومقاساتها تبعا للأزرقى هي:       20×32×22×31 ذراعا.

 

 شكل (3- ب): مسقط أفقي للكعبة المشرفة كما رفع قواعدها سيدنا إبراهيم (من رسم الباحث).

  وهو ما يعني أنه لا يوجد ضلع من أضلاع الكعبة الأصلية يساوى أي من الأضلاع الأخرى، كما أنه لا يوجد ضلع يوازى الضلع المقابل، وهذه هي سمات الأشكال ذات الأربعة أضلاع التى يطلق عليها من ناحية توصيف الشكل الهندسي بالأشكال "المنحرفة" أو "مختلفة الأضلاع"[20]، وهى من الأشكال نادرة الاستعمال في المساقط الأفقية بصفة عامة، مقارنة بالأشكال الهندسية الأخرى كالمربع أو المستطيل أو شبه المنحرف وغيرها.

  إن مقاسات الكعبة الأصلية كما وردت في كتاب الأزرقي "أخبار مكة"، كما رفع قواعدها سيدنا إبراهيم، تختلف عن مقاسات الكعبة الحالية والتي تنقص عدة أذرع من جهة حجر إسماعيل منذ أن جددت قريش بناءها[21]، كما ورد ذلك في بعض الأحاديث النبوية، ففي صحيح البخاري-رحمه الله تعالى- قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة، لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية، لأمرت بالبيت فهدم، فأدخلت فيه ما أخرج منه"[22].

  إن مقاسات الكعبة حاليا منذ أن جدد بناءها في عهد قريش كما يلي[23]، شكل (4):

·       الضلع الشمالي الشرقي 11.68 مترا.

·       الضلع الشمالي الغربي 9.90 مترا.

·       الضلع الجنوبي الغربى 12.04 مترا.

·       الضلع الجنوبي الشرقي 10.18 مترا.

    شكل(4): المسقط الأفقي للكعبة المشرفة منذ عهد قريش وإلى وقتنا الحالي[24].

إن الشكل الهندسي للكعبة منذ أن رفع جدرانها سيدنا إبراهيم إلى الآن لم يتغير، بالرغم     من حدوث نقص من طولها من جهة حجر إسماعيل حين جددت قريش بناءها، فالشكل الهندسي للكعبة هو الشكل المنحرف أو مختلف الأضلاع، وهو شكل نادر الاستعمال في المساقط الأفقية لأنه لا يوجد فيه أضلاع متساوية في الطول أو متوازية على الإطلاق.

  لقد ورد في العديد من الدراسات والمراجع خاصة غير العربية[25]، أن سبب تسمية الكعبة بهذا المسمى أنها مكعبة الشكل، ولكن مقاسات الكعبة توضح غير ذلك كما بينا، وهذا يعنى أن سبب التسمية لا يتفق مع الشكل الهندسي.

 إن سبب هذه التسمية يمكن أن يكون راجعا لسبب آخر وهو بروز الكعبة، فالكعب في اللغة هو العظم الناتئ عند ملتقى الساق والقدم[26]، ويقال في اللغة: "كعبت الفتاة أي نهد ثديها فهي كاعب[27]، ومنها قوله تعالى في وصف الحور العين: "وكواعب أترابا"[28]، فمن المعنى اللغوي لكلمة "الكعبة" نرجح أن سبب التسمية راجع إلى بروزها، لا لكونها مكعبة الشكل لأن هذا لا يتفق مع شكلها الهندسي كما أوضحنا.

2- دراسة النسب الهندسية للكعبة المشرفة:

   بناء على التحليل الهندسي للمقاسات الأصلية لمبنى الكعبة المشرفة، شكل (5)، كما بناها سيدنا إبراهيم عليه السلام فقد تم التوصل لما يلي:

1- النسبة المتوسطة ما بين عرض مبنى الكعبة إلى طولها هي 2: 3، وهى نسبة هندسية دقيقة ومحددة.

2- النسبة المتوسطة ما بين عرض مبنى الكعبة مابين حائطها الجنوبي (بين الركنين الأسود واليماني)، وطولها حتى نهاية حجر إسماعيل هي 1: 2، وهى أيضا نسبة هندسية دقيقة.

 3- النسبة الحقيقية بين حائط الكعبة بين الركنين الأسود واليماني إلى حائط الكعبة مابين الركنين الأسود والعراقي هي 1: 1.60 وهى تعرف باسم النسبة الذهبية (فاى)، وهى تعتبر من وجهة النظر الهندسية أفضل نسبة مريحة للعين البشرية ولم تعرف تحديدا إلا بدءا من الحضارة الإغريقية، على يد الرياضي الأغريقى "فيثاغورس"، حيث وجد فيثاغورس واليونانيون القدماء أن هذه النسبة مريحة بصريا، وتشكل أحد أهم معايير الجمال في الطبيعة، لذا فقد اعتمدوا هذا المستطيل الذهبي في عمائرهم[29].

 مقارنة بمقاسات الكعبة الحالية (من عمل الباحث) شكل (5): التحليل الهندسي لمقاسات الكعبة المشرفة الأصلية والحالية (من رسم الباحث).

  إن التحليل الهندسي السابق للمقاسات الأصلية للكعبة المشرفة يوضح دقة نسبها الهندسية بصفة عامة، ومن جانب آخر يوضح تميزا في اختيار النسبة الهندسية الأصلية مابين الحائط الجنوبي الغربي والحائط الشمالي الشرقي (الحائطان الملتقيان عند ركن الحجر الأسود)، حيث إن النسبة الحقيقية بينهما هي "النسبة الذهبية" (فاى).

ثالثا: دراسة أسلوب توجيه الكعبة المشرفة:

   في هذا المحور من البحث سنحاول أن نوضح أن وضع وتوجيه الكعبة المشرفة بحيث يمكن الاهتداء إليها في الصلاة، هو وضع مقصود يتمشى مع وظيفتها الأساسية كقبلة للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

1- دراسة توجيه الكعبة المشرفة: 

  توصل المهندس محمد المعتز بالله الكنانى بعد قياس زوايا انحراف الكعبة المشرفة (عام 1410 هجرية)، إلى أن محور الكعبة الواصل بين الركن العراقي والركن اليماني مارا بمركز الكعبة، يتجه إلى الشمال المغناطيسي مع انحراف يسير جهة الشرق يقدر بحوالي 3.50 درجة[30].

  لقد قام مقدم البحث بدراسة الصورة الجوية الملتقطة بالأقمار الصناعية باستخدام برنامج "جوجل ايرث" Google earth، وبمقارنة  توجيه المسقط الأفقي للكعبة حاليا بالنسبة لخطوط الطول، شكل (6)، اتضح من ذلك أن قطر الكعبة الواصل بين الركن اليماني والركن العراقي يميل بحوالي 7 درجات  جهة الشرق عن اتجاه الشمال الحقيقي، وهذا يعنى أن الخط الواصل بين الركن اليماني الحالي والركن العراقي الأصلي، يشير تماما إلى اتجاه الشمال الحقيقي،شكل (7).

       شكل (6): صورة جوية للكعبة المشرفة بالأقمار الصناعية عليها خطوط الطول والعرض. (دراسة الباحث)

شكل (7): الخط الواصل بين الركن اليماني والركن العراقي الأصلي يشير إلى اتجاه الشمال الحقيقي تماما.(من دراسة ورسم الباحث)

 لقد أدى توجيه الكعبة بهذا الأسلوب إلى أن ترتبط ببعض الظواهر الفلكية المعينة، فالشمس في فصل الصيف تشرق من أمام الحائط الشمالي الشرقي الذي به باب الكعبة، أما الشمس شتاء فتغرب من أمام الحائط الشمالي الغربى (مابين الركنين اليماني والشامي)، أما الاتجاه المتعامد على الضلع الواصل بين ركن الحجر الأسود والركن اليماني يأخذ اتجاه شروق الشمس في فصل الشتاء،وفي نفس الوقت يأخذ اتجاه النجم سهيل (سهيل اليمن) عند شروقه  في الجهة الشرقية الجنوبية، وهذا النجم يعتبر ألمع نجوم السماء بعد نجم الشعرى اليمانية،  أما الضلع الواقع بين الركن العراقي والركن الشامي يأخذ اتجاه ثلاثة نجوم في يد المحراث في مجموعة الدب الأكبر والتي كان يسميها العرب نجوم بنات نعش[31]، شكل(8).

   وقد تم العثور على مخطوط عربي نادر في مكتبة ميلانو (المجموعة 73) بايطاليا لفلكي مسلم من عدن باليمن يسمي محمد ابن أبي بكر الفارسي كتبه في عام 1290 ميلادي(في القرن الثالث عشر الميلادي)، وذلك المخطوط ينص بأن الكعبة بنيت بحيث أن كل ركن فيها يقابل اتجاه ريح من الرياح الأربع التي تهب علي مكة المكرمة خلال فصول العام[32].

  فالرياح الأولى تسمى الصابا وكانت تهب علي ركن الحجر الأسود وما حوله أي إنها رياح شرقية، والرياح الثانية تسمى الجنوب وكانت تهب على الركن اليماني وما حوله، والرياح الثالثة تسمى الدبور وكانت تهب علي الركن الغربي وما حوله، والرياح الرابعة تسمى الشمال وكانت تهب على الركن الشمالي وما حوله.

   وإذا كان التوجه للقبلة هو أحد أهم الثوابت الخاصة بعمارة المساجد مصداقا لقول الله سبحانه وتعالى: "قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره"[33]، فإن المسلمين الأوائل قد استفادوا من ارتباط بعض الظواهر الفلكية السابقة بالكعبة المشرفة من أجل تحديد اتجاه القبلة ولو بطريقة تقريبية.

شكل (8- أ ): مسقط أفقي للكعبة المشرفة موضحا عليه بعض الظواهر الفلكية المرتبطة بها[34].

 

شكل (8-ب): منظور للكعبة المشرفة موضحا عليه أهم الظواهر الفلكية المرتبطة بها (من عمل الباحث).

 فمع انتشار الإسلام شمالا وجنوبا وشرقا وغربا لعب النجم سهيل ونجوم بنات نعش دورا كبيرا في تحديد اتجاهات القبلة في البلاد الإسلامية المترامية الأطراف، بجانب المزولة الشمسية، وعلي أساس علم الفلك المتوارث الشعبي Folk Astronomy عند العرب في ذلك الوقت قبل قيام الحضارة العربية الإسلامية وتقدم علم الفلك تقدما كبيرا غير مسبوق.

  فقد أورد الباحثان الغربيان "ديفيد كنج" و"هاوكنجز" في بحثهما المنشور عام 1982م بمجلة "تاريخ الفلك"[35]، أن المسلمين الأوائل من ذوى الأصول المكية كانوا يعرفون حين يقفون أمام حوائط الكعبة أو أركانها، أنهم سوف يرون بعض الظواهر الفلكية كشروق أو غروب الشمس، أو بعض نجوم السماء الثابتة (كسهيل اليمن، ومجموعة نجوم بنات نعش).

  كما أوضحا أن مسجد عمرو بن العاص بمدينة الفسطاط بمصر تتجه قبلته إلى حيث موضع شروق الشمس شتاء، أما مساجد العراق الأولى فتتجه قبلتها حيث موضع غروب الشمس شتاء، مما يعنى أن المسلمين الأوائل وخاصة من ذوى الأصول المكية كانوا يستعينون بالظواهر الفلكية المرتبطة بالكعبة المشرفة، للاستدلال على اتجاه القبلة في العقود الإسلامية الأولى قبل تقدم علم المساحة.

  كما ورد في كتب التراث الإسلامي ما يدل على معرفة المسلمين الأوائل بهذه الظواهر الفلكية، فقد أورد الإمام أبو حامد الغزالي المتوفى سنة 505 هجرية في كتابه "إحياء علوم الدين"، أن أدلة معرفة القبلة ثلاثة أقسام[36]:

1-   أرضية: كالاستدلال بالجبال والقرى والأنهار.

2-   هوائية: كالاستدلال بالرياح شمالها وجنوبها وصباها ودبورها.

3-    وسماوية: وهى النجوم.

  وهو ما يوضح معرفة المسلمين باستخدام النجوم والرياح في الاستدلال على القبلة، وهى ظواهر مرتبطة بالكعبة المشرفة كما أوضحنا.

 ومما يؤكد ذلك أيضا ما ورد في كتاب "الفقه على المذاهب الأربعة" في مبحث "ما تعرف به القبلة"[37]، أن الشافعية قالوا يجوز أن يستدل على القبلة "بالقطب" مع وجود المحاريب إذا كان يعرفه يقينا ويعرف الاستدلال به في كل قطر، وقد ورد في نفس المرجع نفسه أن "القطب" هو نجم صغير في بنات نعش الصغرى، ويستدل به على القبلة في كل جهة بحسبها أيضا[38].

  وقد أوضحنا أن مجموعة بنات نعش النجمية من المجموعات النجمية المرتبطة في غروبها، أضلاع الكعبة المشرفة وهو الضلع المحدود بالركنين العراقي والشامي، وهو ما يثبت أن فقهاء المسلمين كانوا يعرفون هذه المعلومة بدليل أنهم قد أفتوا بجواز الاستدلال بنجم "القطب" المنتمى لهذه المجموعة النجمية.

  إن الأدلة السابقة توضح أهمية ارتباط بعض الظواهر الفلكية بالكعبة المشرفة، حيث تمكن المسلمون الأوائل بدون استعمال البوصلة المغناطيسية وقبل تحديد اتجاهات القبلة بدقة من بلاد المسلمين، من الاعتماد على هذه الظواهر الفلكية من أجل تحديد اتجاه القبلة في الأمصار والبلاد المفتوحة ولو بطريقة تقريبية، وهو ما يعطى دليلا ماديا على أن اختيار وضع وتوجيه الكعبة المشرفة لم يكن عشوائيا، ولكن هذا الوضع من أجل أن ترتبط بهذه الظواهر الفلكية مما سهل على المسلمين الأوائل تحديد اتجاه القبلة بطريقة تقريبية، وتحقيق قول الله سبحانه وتعالى: "وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره".

2- إلى أي الجهات في العالم تشير أركان الكعبة المشرفة؟:

    قام مقدم هذا البحث بعمل دراسة لمعرفة إلى أي الجهات من اليابسة المعمورة تشير أركان الكعبة المشرفة الأصلية)، وكانت نتائج الدراسة كما يلي، انظر شكل (9):

1- الركن المعروف باسم الركن العراقي يشير بالفعل إلى غرب العراق، وآخر جهات اليابسة التى يشير إليها هذا الركن هي المنطقة المعروفة باسم "سهل أوروبا الشرقي"، وهى منطقة تقع على الحدود مابين قارتي آسيا وأوروبا، وهذا يعنى أن الركن المسمى بالركن العراقي يشير إلى قارة أوروبا.

 2- الركن المعروف باسم الركن الشامي، لا يشير من قريب أو بعيد إلى بلاد الشام ولكن يشير إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يعنى أن هذا الركن يشير إلى أمريكا.

3- الركن المعروف باسم الركن اليماني، لا يشير من قريب أو بعيد إلى بلاد اليمن ولكن يشير إلى الساحل الشرقي من أفريقيا وتحديدا إلى الساحل الشرقي لدولة "موزمبيق"، في موقع استراتيجى يتوسط قارتى استراليا وأمريكا الجنوبية، وهو ما يعنى أن هذا الركن يشير إلى قارة أفريقيا.

4- الركن الموجود به الحجر الأسود يشير إلى جزر ايريان الغربية (التابعة لقارة آسيا)، وهى تقع مابين قارتي أستراليا وآسيا، أي أن هذا الركن يشير إلى قارة آسيا.

إن النتائج السابقة توضح أن أركان الكعبة تشير إلى مواقع استراتيجية من اليابسة المعمورة، وأن كل موقع من هذه المواقع يقع بين قارتين من القارات الست المعمورة، وأن التسميات الواقعية للكعبة المشرفة هي: الركن الأوروبي، والركن الأمريكي، والركن الأفريقي، والركن الآسيوى، شكل (10)، وهو ما يوضح عالمية الكعبة المشرفة وأنها قد وضعت لكل الناس بالفعل في مركز اليابسة، مصداقا لقوله تعالى:" إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا وهدى للعالمين"[39].

شكل (9): أركان الكعبة المشرفة تشير إلى مواقع إستراتيجية من أطراف اليابسة المعمورة، وهو ما يوضح عالمية الكعبة المشرفة وأنها وضعت لكل الناس (من عمل الباحث)

شكل (10): المسميات الحقيقية لأركان الكعبة المشرفة (من عمل الباحث).

* نتائج البحث:

  توصل البحث للنتائج التالية:

1- يعتبر موقع الكعبة المشرفة بمكة المكرمة موقعا فريدا من نوعه، حيث أثبتت الدراسات العلمية الحديثة توسط مكة المكرمة لليابسة بالنسبة لكل من العالمين القديم والجديد.

2- يشير عكس اتجاه الظلال إلى موقع مكة المكرمة مرتين كل عام عندما تتعامد الشمس عليها (يومى 29 مايو و16 يولية)، فيمكن للمسلمين تحديد اتجاه القبلة أو تصحيحها بكل دقة فى كل بقاع الأرض، وتعتبر هذه الطريقة هي أدق طريقة معروفة الآن لتحديد اتجاه مكة المكرمة (القبلة).

3- الشكل الهندسي لمسقط الكعبة المشرفة هو الشكل المنحرف أو المختلف الأضلاع، وهو من الأشكال الهندسية نادرة الاستعمال في المبانى، وهذا يعنى أن سبب تسمية الكعبة بهذا الاسم ربما يرجع لبروزها لا لكونها مكعبة الشكل كما يرد فى العديد من الكتب والمراجع.

4- أثبت التحليل الهندسي لمقاسات الكعبة الأصلية أنها وضعت طبقا لنسب هندسية دقيقة ومحددة، من أهمها ما هو معروف باسم "النسبة الذهبية".

5- يشير ركن الكعبة الحالي المعروف بالركن العراقي إلى اتجاه الشمال الجغرافي مع انحراف يقدر بحوالي 7 درجات إلى الشرق، أما الركن العراقي الأصلي فيشير تماما إلى اتجاه الشمال الجغرافي الحقيقي.

6- أدى توجيه المسقط الأفقي للكعبة المشرفة بهذا الوضع إلى ارتباطها بظواهر فلكية معينة، كشروق الشمس أو غروبها من أمام حوائط معينة للكعبة، أو شروق بعض النجوم اللامعة من أمام حوائط أخرى، وهو ما مكّن المسلمين الأوائل من تحديد اتجاه القبلة ولو بطرق تقريبية، نتيجة استعانتهم بهذه الظواهر الفلكية، وهو ما أثبتته الأبحاث الحديثة.

7- تشير أركان الكعبة المشرفة إلى مواقع إستراتيجية من المعمورة، وتحديدا إلى قارات أوروبا وأمريكا وأفريقيا وآسيا، وهو ما يعطى بعدا عالميا للكعبة المشرفة، وعلى أساس ذلك فإن المسميات الحقيقية لأركان الكعبة المشرفة تكون كما يلي:

* الركن الأوروبي (حاليا العراقي).

* الركن الأمريكي (حاليا الشامي).

* الركن الأفريقي (حاليا اليماني).

* الركن الآسيوي (الموجود به الحجر الأسود).

* تم إلقاء ونشر هذا البحث في مؤتمر "انتربيلد" الرابع عشر الذي أقيم في القاهرة في يونيو 2007م.

يمكن التواصل مع المؤلف على الإيميل التالي:

   y_wazeri@yahoo.com

 


  *مراجع البحث:

(1) القرآن الكريم.

* أولا: المراجع العربية:

(2) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم .

(3) أبو حامد الغزالي (بدون تاريخ). إحياء علوم الدين، المجلد الثاني. دار الفكر العربي، القاهرة.

(4) أحمد السيد دراج (1999). الكعبة المشرفة..سرة الأرض ووسط الدنيا. دار العلم والثقافة، القاهرة.

(5) أحمد زكى ومحمد شفيق الجنيدى (1943). المبادئ الهندسية. وزارة المعارف العمومية، القاهرة.

(6) أحمد مسلم شلتوت (2005). الكعبة المشرفة والاتجاهات الأربع الأصلية ودلالاتها الفلكية. مجلة الإعجاز العلمي، عدد (22)، الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، جدة.

(7) الفقه على المذاهب الأربعة (العبادات) (1974). مؤسسة دار الشعب، القاهرة.

(8) المعجم الوجيز (2000). طبعة خاصة بوزارة التربية والتعليم، مجمع اللغة العربية، القاهرة.

(9) حسن بن محمد باصرة (1422 هجرية). تحديد القبلة بواسطة الشمس. مجلة الإعجاز العلمي-  عدد (11)، هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، جدة.

(10) عباس سليمان (1993). التذكرة في علم الهيئة مع دراسة لإسهامات الطوسي الفلكية. دار سعاد الصباح، الكويت.

(11) محمد بن عبد الله صالح (1999). الحرمان الشريفان: توطئة لنشوئهما وتوسعهما وتأثيرهما على محيطهما العمراني على مر العصور. أبحاث ندوة عمارة المساجد (ج1)، كلية العمارة والتخطيط، جامعة الملك سعود، الرياض.

(12) محمد على سلامة (2003). الكعبة المشرفة..التاريخ والوصف. البروج للنشر والتوزيع، القاهرة.

(13) ك. كريزول (1984). الآثار الإسلامية الأولى (ط1). دار قتيبة، دمشق.

(14)  يحيى وزيري (2006). إعجاز القرآن الكريم في وصف حركة الظلال . كتاب بحوث المؤتمر العالمي الثامن للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، المجلد ، الكويت.

(15) يوسف على عبد الرحيم (1998). القصة الكاملة لبناء بيت الله الحرام (الكعبة المشرفة). مجلة عمار،  عدد (19)، الكويت.

 

* ثانيا: المراجع الأجنبية:

(16) G.S. Hawkins & D.A. King (1982). On the Orientation of the Ka'bah. Journal for The History of  Astronomy, vol. 13, pp.303-312.

(17 ) Nagib Gedal (1999). Geometric analysis of the Ka'ba. Proceedings of      Symposium on Mosque Architecture, vol. 1B, pp. 25-41. College of Architecture & Planning, King Saud University.

(18)  Saad El-Marsefi (2000). The Ka'ba is the center of the World. Dar Al-Manarah, El-Mansoura, Egypt.

 

* ثالثا: المواقع الإلكترونية:

(19) WWW.alargam.com/maths/falak/ragm61.htm

(20)  WWW.groups.yahoo.com/group/alryssala.

(21) WWW.schoolofwisdom.com

(22) M.S.M Ssifullsh et.al (2001). The Qibla of early Mosques: Jerusalem or Makkah?: in: WWW. Islamic-awareness.org

(23) WWW.hadara.net.


الهوامش:

1 سورة آل عمران: الآية 96.

2 البقرة: من الآية 144.

3 الحج: من الآية 29.

4 Nagib Gedal 1999. Geometric analysis of the Ka'ba. Proceedings of  Symposium on Mosque Architecture, vol. 1B, pp. 25-41. College of Architecture & Planning, King Saud University.

5 محمد بن عبد الله صالح 1999. الحرمان الشريفان: توطئة لنشوئهما وتوسعهما وتأثيرهما على محيطهما العمرانى على مر العصور. أبحاث ندوة عمارة المساجد ج1، كلية العمارة والتخطيط، جامعة الملك سعود، الرياض،ص7.

6 للمزيد انظر: محمد على سلامة 2003. الكعبة المشرفة.. التاريخ والوصف. دار البروج، القاهرة، ص 145 وما بعدها.

7   Saad El-Marsefi, The Ka'ba is the center of the World. Dar Al-Manarah, El-Mansoura, Egypt pp. 154.

8 Saad El-Marsefi , pp. 142,143.

9 محمد على سلامة : مرجع سابق، ص147.

10 انظر الموقع الإلكتروني التالي:

* WWW.schoolofwisdom.com

11  للمزيد من التفاصيل انظر بحثنا: إعجاز القرآن الكريم في وصف حركة الظلال 2006. كتاب بحوث المؤتمر العالمي الثامن للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، مجلد علوم الفلك والفضاء ، الكويت.

12 للمزيد من التفاصيل انظر: حسن بن محمد باصرة 1422 هجرية. تحديد القبلة بواسطة الشمس. مجلة الإعجاز العلمي-  عدد 11، هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، جدة، ص40، 41.

13 www.alargam.com/maths/falak/ragm61.htm 

14 عباس سليمان 1993. التذكرة في علم الهيئة مع دراسة لاسهامات الطوسى الفلكية. دار سعاد الصباح، الكويت، ص 272.

15 ك. كريزول 1984. الآثار الاسلامية الأولى ط1. دار قتيبة، دمشق، ص13.

16 نقلا عن سيرة ابن هشام وهو أحد أشهر كتب السيرة النبوية.

17 الأزرقى: هو محمد بن عبد الله الأزرقى، مؤرخ يمنى الأصل، وله كتاب مشهور بعنوان أخبار مكة وماجاء فيها من الآثار.

18  الأزرقى 1985. أخبار مكة وماجاء فيها من الآثار ط2، نشره وعلق عليه رشدى الصالح ملحن، بيروت، ص64 .

19 يوسف على عبد الرحيم 1998. القصة الكاملة لبناء بيت الله الحرام الكعبة المشرفة. مجلة عمار،  عدد 19، الكويت، ص29.

20 أحمد زكى ومحمد شفيق الجنيدى (1943). المبادئ الهندسية. وزارة المعارف العمومية، القاهرة، ص 107.

21 أحمد  رجب محمد على (2000). المسجد الحرام بمكة المكرمة (ط2). الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، ص24 وما بعدها.

22 محمد على سلامة: مرجع سابق، ص85.

23 يوسف على عبد الرحيم: مرجع سابق، ص 60.

24 يوسف على عبد الرحيم: مرجع سابق، ص 60.

(25) انظر على سبيل المثال:

* George Michell (ed.) (1978). Architecture of the Islamic World. William Morrow & company, New York, PP.16

(26) المعجم الوجيز (2000). طبعة خاصة بوزارة التربية والتعليم، مجمع اللغة العربية، القاهرة، ص536.

(27) المرجع نفسه، ص536.

(28) النبأ : الآية 33.

(29) للمزيد من التفاصيل انظر الموقع الإلكتروني:

* WWW.hadara.net.

(30) أحمد السيد دراج (1999). الكعبة المشرفة..سرة الأرض ووسط الدنيا. دار العلم والثقافة، القاهرة، ص231.

(31) للمزيد من التفاصيل انظر كلا من:

* أحمد مسلم شلتوت (2005). الكعبة المشرفة والاتجاهات الأربع الأصلية ودلالاتها الفلكية. مجلة الاعجاز العلمى،عدد (22)، الهيئة العالمية للاعجاز العلمى فى القرآن والسنة، جدة، ص 5-7 .

* M.S.M Ssifullsh et.al (2001). The Qibla of early Mosques: Jerusalem or Makkah?: in WWW. Islamic-awareness.org

(32) G.S. Hawkins & D.A. King (1982). On the Orientation of the Ka'bah. Journal for The History of  Astronomy, vol. 13, pp.303-312.

(33) سورة البقرة: من الآية 144.

(34) WWW.islamic- awareness.org

(35) G.S. Hawkins & D.A. King: previous reference.

(36) أبو حامد الغزالى (بدون تاريخ). إحياء علوم الدين، المجلد الثانى. دار الفكر العربى، القاهرة، ص241.

(37) الفقه على المذاهب الأربعة (العبادات) (1974). مؤسسة دار الشعب، القاهرة، ص145.

(38) المرجع نفسه، ص146.

(39) سورة آل عمران: الآية 96.

 

 

الكعبه المشرفة حماية المركز، وتوليد محيط
 

صورة رائعة لبيت الله الحرام

بقلم مسعود تاج

المؤلف هو شاعر، ناقد معماري ومهندس، نشا في مومباي والآن مقيم في اوتاوا.

ترجمتها وأضافت إليها :د.نهى أبوكريشة

أستاذة الأمراض العصبية في كلية الطب  جامعة القاهرة

نحن جميعا نولد ولدينا ستة اتجاهات اساسية: الأمامي والخلفي، يسار ويمين، فوق وتحت. ويوجد ايضا ثلاثة ازواج التي تشكل الابعاد الثلاثة التي نستطيع ان نقولها مع أعين مغلقة. هذا هو السبب الذي يجعل لدينا ثلاث قنوات شبه الدائريه في الاذن الداخلية، والتي تعتبر مسؤولة عن احساسنا بالتوازن

و تعلمنا في المدرسة : انه لا يوجد سوى خمسة أجسام صلبه متناظره ممكنة في هذا الكون. الجسم الصلب المتماثل هو الذي يتشكل من الوجوه المتشابهه التي تجتمع بعضها البعض بنفس الزاويه : في الكون بأسره، هناك فقط خمس طرق للقيام بذلك! ناقش أفلاطون ذلك و سميت بالأجسام الأفلاطونية. اليونانيون سموها بحسب عدد الوجوه لديها.

الاجسام الفلاطونية

هي الاجسام الرباعية الاسطح، المكعب، المجسم الثماني، الاثناعشري الاسطح، والعشروني الاسطح. وهي اساس كل شيء في العالم المادي. العلماء حديثا يسخرون من هذه الفكره حتى 1980، عندما البروفيسور روبرت في جامعة شيكاغو اثبت ان الجدول الدورى للعناصر – يتكون حرفيا على نفس هذه الأشكال الخمسة! في الواقع، في جميع انحاء العلوم الحديثة للفيزياء والكيمياء، والبيولوجيا، والخلق .
. يوجد ضمن هذه الاشكال ما يسميه اليونانيون هيكساهدرون (الجسم ذو الأوجه الستة)، وهو باللغه الانكليزيه نسميه كيوب، وباللغه العربية، مكعب او كعبة. من الأجسام الخمسة الافلاطونية الاساسية الصلبه، ليس سوى المكعب الذي له نفس ا لثلاثة ازواج من الاتجاهات التي لدينا : الأمامي والخلفي ؛ اليمين واليسار ؛ فوق وتحت. ومن ثم فمن بين الأجسام الصلبه الاساسية التي تشكل الكون، لدينا مجسم واحد يماثل الطبيعه. البشرية.

صور لبعض الأجسام المنتناظرة

لنقم الآن برحلة إلى مكة لإجراء تجربة فكرية : تخيل اننا معلقون في الفضاء في القمر الصناعي مباشرة فوق الكعبة في مكة. افترض أيضا أننا في ليلة وجميع الانوار في العالم مغلقة. الآن ننير الأضواء التي تلمع في باحة المسجد الكبير في مكة الذي تقع فيه الكعبة وأيضا ننير الأضواء من جميع مساجد العالم.

وهذا ما سترونه : مباشرة أدناه، ستكون هناك نقطة سوداء مربعة من الكعبة المشرفة في مركز ضخم من دوائر بيضاء التي تنبع من المركز مثل موجات. فان الدوائر اللصيقة بالكعبة في حركة مستمرة من حولها، دوائر بيضاء في دوائر بيضاء متواصلة في حركتها. ثم تحيط بها دوائر بيضاء يوجد بينها مسافات بين بعضها البعض. هذه لا تتحرك في حول الكعبة لكنها تميل في اتجاهها وبعيدا عنها و في دوائر أبعد بيضاء توجد نقاط بيضاء غير متحركة التي تشكل دوائر أكبر وأكبر و اكبر من كل المسافات الأخرى.

صورة لبيت الله الحرام

ما هي هذه المجموعات الثلاث التي شاهدناها حين تعلقنا في الفضاء فوق الكعبه وما هي الموجات التي تصدر عن الكعبة؟

المجموعة الأولى الأقرب للكعبة المشرفة هي مجموعة الحجاج الذين يرتدون الملابس البيضاء غيرالمخيطة والذين يطوفون سبع مرات حولها ملبين قائلين :لبيك اللهم لبيك انهم يشكلون المجموعة الاولى من الدوائر المتحركة.

المجموعة التالية من الحجاج الذين يصطفون في صفوف مصلين، ركع وسجود الى الله في صفة الصلاة. إذا كانت المجموعة الأولى من الدوائر تتحرك على طول محيط ثم هذه الدائرة مجموعة من التحركات على طول نصف قطر، حيث كل عابد، في حركة دائمة من قيام، ثم ركوع ثم سجود، يتحرك نحو المركز ومن ثم يرجع.

من وجهة النظر هذه في سماء الليل،فاننا سنرى هذه المجموعة الثانية كأنها دائرة بيضاء تنبض تنبسط وتنقبض.

وأخيراً، لديك الدوائر البعيدة التي تتألف من النقاط البيضاء التي هي مساجد العالم : شرائح دوائر كبرى (هل تعرفون لو أضيئت جميع قبور المسلمين في العالم، وهي ايضا تتراص في موجات منبثقة عن الكعبه المشرفة).

جميع المسلمين يتجهون في عبادتهم إلى الكعبة المشرفة

وهكذا، فإن المسجد هو جزء من مركز الدائرة التي هي الكعبه المشرفة. على سبيل المثال مسجد في نيويورك سيكون جزءا من الدائرة التي يمر عبر كندا، ويمر من القطب الشمالي لروسيا، ومنغوليا، الصين، فيتنام، سنغافورة، ومن القارة الجنوبية، وبيرو، وكولومبيا، وكوبا، قبل ان ترجع إلى الولايات المتحدة. دائره تتشكل من خلال ربط المساجد، والنقط البيضاء التي ترى من الفضاء الخارجي مركزها الدائرة الذي هو الكعبة في مكة.

هذا النظام العالمي الذي يتكون من جميع المساجد في العالم من التوجه الى مركز وحيد هو تناظري هندسي من التوحيد -- عقيده وحدانيه الله وحده. التوحيد هو أساس الإسلام.

لأكثر من ألف عام إلى الآن، تم اعادة تعريف العالم تبعا لها. في كل مرة مجموعة من المسلمين يتجمعون في الصلاة او بناء مسجد، وفي كل مرة المسلمين يمارسون النوم على الجانب الايمن مع توجيه وجوههم صوب الكعبه المشرفة، في كل مرة المسلم يموت ويدفن دائما نحو الكعبه المشرفة، تتشكل الدوائر العالمية حول مركز مقدس، المؤمنون واجسادهم مع الطوب، تشكل بناء وتراكيب عالمية، هي الأضخم من كل الفنون.

اوتاوا، 30 حزيران / يونية 2001.

المصدر:

(مقالة للمؤلف: مسعود تاج، ألقيت في قاعة الفلسفه،، نيويورك، يوم 27 تموز / يوليو 2000.)

www.hinduonnet.com/folio/fo0109/01090320.htm
 

 

 

القرآن شريعة كونية
 

صورة للكعبة المشرفة

قد يتساءل البعض…لماذا نتوجه في الصلوات في قبلة (مكة المكرمة)؟ ولماذا نطوف حول الكعبة التي في أحد أركانها الحجر الأسود؟ ولماذا يكون الطواف عكس اتجاه عقرب الساعة؟ ونبدأ من الحجر الأسود في طوافنا وفي كل شوط نسلِّم على الحجر الأسود ونحاول أن نستلمه أو نقبله إن استطعنا أو الإشارة بالسلام عليه والدعاء (بسم الله والله أكبر) عند الوصول إليه في كل دورة من دورات الطواف السبع…ولماذا سبعة أشواط سواءً كان حجاً أو عمرةً أو نافلة؟

وللإجابة على هذه التساؤلات نقول وبالله التوفيق…إن إتباع هذه المناسك وتطبيقها هو عبادة والتزام وإقتداء بأفعال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بغض النظر عن كل شيء فهذه أمور موقوفة ونحن كوننا مسلمين لذا وجب علينا أن نكون خاضعين ومنقادين لأوامر الله عز وجل في قرآنه وأوامر رسوله الكريم في سنته لقوله صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني مناسككم وصلوا كما رأيتموني أُصلي)[1]، كالجندي الذي لا يعصي أمراً لقيادته إذا أراد النجاح والفوز بالمعركة فعليه أن يطبق التعليمات والأوامر التي تصدر منها. ولكن…نحن على يقين أن وراء هذه الأوامر الإلهية حكمة وفائدة لنا قد نعرفها أو لا نعرفها لأن الباري عز وجل الذي خلقنا وصوّرنا هو أعلم وأرحم بنا من أنفسنا قال تعالى: ((ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير))[2] . فعندما يأمرنا بشيء فهو متناسق مع فطرتنا وخلقنا ومع الكون من حولنا ولمصلحتنا.

أن الباري عز وجل غني عن العالمين ولا حاجة له بطاعتنا أو عبادتنا له وإنما الأمر يعود لنا ولمصلحتنا كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم و إنسكم و جنكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم ما زاد ذلك في ملكي شيء…)[3] فإذاً لابد أن يكون هناك في هذه العبادات أسراراً ومنافعاً تعود بالخير والفائدة للفرد والمجتمع ولا بأس من التعرف على هذه الحكم والفوائد والإشارات التوافقية الموجودة فيها مع الكون والإنسان والحياة، حيث إن الإسلام شريعة كونية إضافة لكونه منهاجاً كاملاً للحياة: 

1- فبالنسبة للتوجه إلى مكة المكرمة والتي في وسطها الكعبة المشرفة والمسجد الحرام: فإن الله سبحانه وتعالى يقول (فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره)[4]. لقد أثبتت الدراسات المتعددة ومنها دراسة الدكتور حسين كمال الدين رئيس قسم هندسة المساحة في جامعة الرياض أن (مكة المكرمة) هي مركز اليابسة على سطح الكرة الأرضية وهي تقع في المركز.

   وكذلك قام الأستاذ الدكتور روبرت كولمان[5] من جامعة ستانفورد في أمريكا بدراسة مركز جذب الأرض والتقاء الإشعاعات الكونية للجاذبية على سطح الأرض (مركز التجمع الإشعاعي للتجاذب المغناطيسي) فوجدها تلتقي في نقطة على سطح الأرض (والتي تمثل مركز جذب الأرض في مركزها) وعندما أراد معرفة الموقع الجغرافي لهذه المنطقة وجد أنها (مكة المكرمة)!. فإذن مكة المكرمة التي في وسطها المسجد الحرام والكعبة المشرفة هي مركز القارات السبع (اليابسة) أولاً وكذلك نقطة التقاء وتجمع الأشعة التجاذبية المغناطيسية ثانياً، لذلك وصفها الباري عز وجل في محكم كتابه بأنها (أم القرى) وأم الشيء هو وسطه وقلبه وأساسه وذلك في قوله تعالى: (وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير))[6] وهكذا اقتضت الحكمة الإلهية أن تكون الكعبة المشرفة في المسجد الحرام (أول بيت وضع للناس) وأن تكون قبلة المسلمين في كل مكان ولذلك أطلق عليها القرآن الكريم (أم القرى) ووصف الأمة الإسلامية (بالأمة الوسط) في قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا))[7] ومن معاني ذلك الكثيرة أن أمة الإسلام الوسط (وسط في كل شيء) تتجه إلى (أم القرى) التي هي وسط ومركز اليابسة الأرض وهي مركز الجذب الروحي كما هي مركز تجمع الأشعة المغناطيسية للجاذبية الأرضية فهي أمة التوحيد والتوحد . 

 

صورة لبيت الله الحرام عبر الأقمار الصناعية

 

2- وبالنسبة للطواف حول الكعبة عكس اتجاه عقرب الساعة: ففيه إشارة واتفاق لحركة الكون جميعاً، حيث أن الكون من الذرة إلى المجرة يدور بهذا الاتجاه. والدوران ظاهرة كونية تشمل كل شيء، فالإلكترون يدور حول النواة والأقمار تدور حول كواكبها والكواكب تدور حول شموسها والشموس والنجوم تدور حول مركز مجرّاتها والطاقة تدور في مساراتها وكلها تدور باتجاه واحد (عكس عقارب الساعة) كما يطوف الحجيج حول الكعبة (وذلك في حالة النظر إليها بصورة أفقية كما في حالة الطواف حول الكعبة) إنها رمز للظاهرة التي فطر الله عليها الكون كلّه والطواف سنة الله الواحد الأحد في هذا الكون ((وكل في فلك يسبحون))[8] وقال تعالى: ((كل يجري لأجل مسمى))[9] .

3- وبالنسبة للدوران حول الحجر الأسود الذي هو في أحد أركان الكعبة الأربع: فهذا قد يكون (والله أعلم) إشارة إلى الثقب الأسود (Black Hole)فإن كل مجرة من المجرات الموجودة في الكون المعروف منها لحد الآن أكثر من 130 مليار مجرة (تحتوي كل مجرة على نحو من مائة مليار نجم كمجرتنا درب التبّانة) تدور حول مركز معين وُجِد أن فيه هذا الثقب الأسود الفائق الكثافة بحيث أن كثافته تبتلع الضوء والمجرات القريبة (فلو فرضنا أن الكرة الأرضية أصبحت ثقباً أسوداً فإن كتلتها ستكون بحجم كرة المضرب (البنك بونك) فتصور عظم الكثافة والوزن لهذه الكرة الصغيرة) ويُمسك كواكب ونجوم مجرته للدوران حوله ويمنعها من التفلّت ((وكل في فلك يسبحون))[10] وكذلك يمنعها من الاصطدام ببعضها في حركة تناسقية منتظمة، وهكذا جموع الحجيج من كل بقاع الأرض تطوف حول الكعبة التي فيها الحجر الأسود في حركة تناسقية توافقية رائعة متناغمة فيا عظمة الخالق المدبّر.

إن هذه الكواكب والمجموعات الشمسية في المجرات والتي تدور حوله ولا تصطدم ببعضها إنما يأتي دورانها متوافقاً ومتناسقاً مع قوله تعالى: ((لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر))[11] أي لا تلتقي أو تصطدم مع بعضها وفيه كناية بالخاص (الشمس والقمر) يراد به العام (جميع الشموس والكواكب والأقمار …الخ). فكذلك الحجيج في الطواف فإنهم يبدؤون بالحجر الأسود ويطوفون حوله ويسلمون عليه في كل شوط من أشواط الطواف في نظام وتناسق بديعين وكأن هذا الحجر الأسود هو الذي يضبط هذا الإيقاع في طواف الحجيج حول الكعبة المشرفة ويجذبهم نحوها ويمنعهم من التفلت والتيه والاضطراب في هذه الحياة، كما يضبط الثقب الأسود في مركز المجرات حركة ودوران المجموعة الشمسية والكواكب وغيرهما وهي تسير في سرعات متناهية وذات كتل هائلة تساعدها على التفلت من خط سيرها الدقيق في القوى الطاردة عن المركز ولكن بواسطة قوة الجذب الهائلة للثقوب السوداء فإنها تبقى ملتزمة بخط سيرها لا تحيد ولا تميد في نظام دقيق ثابت إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وفي ذلك مغزى عظيم للمسلمين بأن تكون حياتهم مرتبطة بدينهم ويلتزمون بالنظام في جميع أعمالهم!. 

4-  لماذا نقبل الحجر الأسود؟: وهو حجر لا يضر ولا ينفع كما قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما خاطبه بقوله: (إنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أنني رأيت رسول الله يقبلك ما قبّلتك)[12] ولعلّ الحكمة في هذا التقبيل تكمن في ذلك الاتصال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته، فهو اتصال من نوع خاص، اتصال عاطفي وروحي وقلبي وكياني وكأنه عليه الصلة والسلام قبَّلَ الحجر الأسود ليكون هذا بمثابة الاتصال المادي والحسي بينه وبين أمته، أليس هو القائل: (وددت لو أني رأيت أحبابي) وفي هذا روى بعض المستشرقين وأعداء الدين الذين يعدون أن تقبيل الحجر الأسود من بقايا الوثنية في الإسلام وهم لا يعلمون الحكمة من ذلك وهي حب النبي محمد صلى الله عليه وسلم لأحبابه الذين لم يراهم ولم يروه وآمنوا به والذين سيأتون من بعده كما أسلفنا لقوله: (طوبى لمن رآني وآمن بي ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني)[13] وقوله صلى الله عليه وسلم: (وددت لو رأيت إخواني قالوا أولسنا إخوانك يا رسول الله قال لا أنتم أصحابي ولكن إخواني الذين يأتون من بعدي ويؤمنون بي ولم يروني)[14] فالصحابة رضوان الله عليهم كانوا يرون الرسول صلى الله عليه وسلم ويصافحوه ويعانقوه ويسمعون الوحي المنَزّل عليه من فمه الشريف، وهذا ما جعلهم من أفضل الناس كجيل فريد متميز أما المؤمنون من بعدهم فهم لم يواكبوا هذه الأحداث الملموسة وآمنوا بها بالرغم من عدم رؤيتهم لها فأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يطبع على جبين كل واحد منهم بمثابة وسام تكريم لهم على إيمانهم ومحبتهم لهذا الدين من خلال تقبيله الحجر الأسود، فكأنما صار هذا الحجر الواسطة بينهم لنقل هذه المشاعر وتقليدهم هذا الوسام الرفيع. 

5- لماذا الطواف في الكعبة سبعة أشواط؟: فإن الكون بما فيه الإنسان تحكمه وتسيره قوانين ونظم دقيقة وبتقدير محكم من رب العالمين قال تعالى في أول سورة الفرقان: ((وخلق كلّ شيء فقدّره تقديرا)) وكذلك جميع المخلوقات والأحياء بما فيها الإنسان كما في قوله سبحانه وتعالى في سورة التغابن: ((خلق السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير))[15] وقوله في سورة الذاريات: ((وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون))[16] ولمّا كان القرآن الكريم هو منهاج الكون والحياة وهو كلام رب العالمين الأزلي والكون هو من خلق رب العالمين فلأن مصدرهما واحد فلابد أن تربط بينهما قوانين ونظم واحدة، خاصّة أن القرآن هو السابق والكون هو اللاحق ومن إحدى هذه المنظومات أو القوانين هو النظام السباعي (والله أعلم) فالسماوات السبع والأرضين السبع وطبقات الجو (الغلاف الجوي) سبع وطبقات الأرض سبع والطيف الشمسي سبعة ألوان ومدارات الذرة سبعة (وهي التي تدور بها الإلكترونات حول النواة) وعدد أيام الأسبوع سبعة وغيرها كثير. وفي القرآن الكريم هذا الكتاب المعجز تحكمه في ترتيب آياته وسوره وكلماته وأحرفه هذه الظاهرة (المنظومة السباعية) استناداً لقول الله تعالى في سورة الحجر:((ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم))[17] والسبع المثاني هي سورة الفاتحة التي تقوم على هذه القاعدة أيضاً وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أنزل القرآن على سبعة أحرف) فإذاً لمّا كانت هذه القاعدة إحدى النظم التي خلق بموجبها الكون، بموجب المنهج القرآني كما قلنا سابقاً، فقد جاءت بعض العبادات متناسقة مع هذه الظاهرة والتي منها الطواف حول البيت سبعة أشواط[18] والله أعلم لتكون مثالاً على هذا التناسق البديع في خلق الكون والإنسان ولتكون هذه العبادات منسجمة مع فطرته ومع النواميس الكونية قال تعالى في سورة الروم: ((فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون))[19] .صدق الله العظيم

بقلم الدكتور محمد جميل الحبّال

أستشاري في الطب الباطني وأمراض الكلى

باحث إسلامي له العديد من المؤلفات القيمة

alhabbal45@yahoo.com  : الإيميل


[1] رواه مسلم والنسائي .[2] سورة تبارك/14.[3] رواه مسلم (حديث قدسي) .[4] البقرة/144.

[5]  Robert Colman – Stanford University –USA./مجلة علوم / العدد 68 /ص92/1992م.[6] الشورى/7.[7] البقرة/143.[8] يس/40.[9] الرعد/2.[10] يس/40.

[11] يس/40.[12] أخرجه الجندي في فضائل مكة وأبو الحسن القطان في المطولات والحاكم والبيه قي في شعب الإيمان .[13] أخرجه الإمام أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه .

[14] رواه الإمام أحمد وأبو يعلى .[15] التغابن/3.[16] الذاريات/20-21.[17] الحجر/87.

[18] قال ابن عباس (رضي الله عنهما) عندما سئل عن ليلة القدر: (إنّ الله تعالى وتر يحب الوتر فجعل أيام الدنيا تدور على سبع، وخلق الإنسان من سبع، وجعل فوقنا سنوات سبعاً وخلق تحتنا أرضين سبعاً وأعطى من المثاني سبعاً ونهى في كتابه عن نكاح الأقربين عن سبع، وقسّم الميراث في كتابه على سبع ونقع في السجود من أجسادنا على سبع وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكعبة سبعا وبين الصفا والمروة سبعاً ورمى الجمار سبع لإقامة ذكر الله في كتابه فأراها في السبع الأواخر من شهر رمضان والله أعلم) قوله رضي الله عنه. كتاب الدر المنثور في التفسير المأثور للإمام السيوطي: 3/578.[19] الروم/30

 

 

مواضيع ذات علاقة

اسم الموضوع

هجري

تاريخ الموضوع

الإعجاز في علوم الأرض في القرآن الكريم

30 شعبان 1429

2008/08/31