بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مرحبا بكم مع الشيخ خالدالمغربي - المسجد الأقصى

086

الطارق

آية رقم 001

وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ

صدق الله العظيم

 

بحث رائع: المطارق الكونية آية من آيات الله
 

حقائق تاريخية

لآلاف السنوات درست البشرية السماء وتأملت ما فيها من نجوم وكواكب وشهب، واستخدم الناس أعينهم ثم استخدموا العدسات المكبرة لسبر أعماق الكون، ولكن رؤيتهم بقيت محدودة، حتى جاء القرن العشرين ليستخدموا أعيناً جديدة هي التلسكوبات العملاقة. ثم استخدموا التلسكوبات التي تعمل بوسائل جديدة تختلف عن الوسائل المرئية بالعين، فاستخدموا الأشعة الراديوية والأشعة تحت الحمراء والأشعة السينية وأشعة غاما وغير ذلك لرؤية ما لا تستطيع العين المجردة رؤيته.

وفي هذه اللحظة بدأ العلماء باكتشاف أسرار الكون وعجائبه، فاكتشفوا المجرات وداخل كل مجرة مئات البلايين من النجوم! واكتشفوا الدخان الكوني والغبار الكوني، واكتشفوا أيضاً أنواعاً عديدة من النجوم ومراحل تطور هذه النجوم، وتبين لهم أن النجم يولد ويكبر ثم يشيخ ويهرم ثم يموت وينفجر ويتهاوى على نفسه!

ومن عجائب الاكتشافات الكونية ما سمّاه العلماء بالنجوم النيوترونية، وقد كان أول من طرح فكرة النجوم النيوترونية العالمان Fritz Zwicky  و  Walter Baadeعام 1933، حيث وجدا بنتيجة حساباتهم أن الكون يحوي نجوماً عادية ونجوماً نيوتترونية أي أن هذه النجوم تتكون من جسيمات صغيرة هي النيوترونات.

وبدأ العلماء على مدى أربعين عاماً رحلة البحث عن هذه النجوم الجذابة، حتى جاء عام 1967 حيث قام كل من Jocelyn Bell و  Anthony Hewish بمراقبة السماء لفترة طويلة وأخيراً تمكنوا من تسجيل إشارات راديوية، تبين أنها صادرة عن هذه النجوم. ولكن الإثبات العلمي اليقيني على وجودها لم يأت إلا في أواخر القرن العشرين عندما استطاع العلماء تصوير هذه النجوم ودراستها دراسة معمقة، وتأكد لهم وجودها بكميات كبيرة في الكون [1].

مطارق عملاقة

عندما قام العلماء بتسجيل الإشارات الراديوية القادمة من الفضاء البعيد، ظنوا في البداية أنها رسالة من كائنات مجهولة، ولكن تبين أن هذه الإشارات ما هي إلا صوت لدقات منتظمة جداً، فقد سمعوا وكأن أحداً يطرق عدة طرقات كل ثانية [2]. ولكن في البداية تخيلوا بأن هذا النجم ينبض مثل قلب الإنسان، فأسموا هذه النجوم بالنوابض Pulsarsولكن تبين فيما بعد أنها تصدر أصواتاً أشبة بالطرق، فأسموها المطارق العملاقة gigantic hammerالتي تدقّ مثل الجرس [3]!

كيف تتشكل هذه النجوم؟

لكل نجم بداية ونهاية، وعندما يكون وزن النجم أكبر من وزن الشمس بمرة ونصف تقريباً، وعندما تنقضي حياة هذا النجم وينفد وقوده يبدأ بالانهيار ويمر في حالة تشبه الانحلال، فالإلكترونات لا تعود قادرة على البقاء في مداراتها حول الذرة، ولذلك سوف تُجبر على اختراق الذرة والانصهار في البروتونات، لتتشكل بذلك النيوترونات. وتولد حرارة تبلغ أكثر من مليون مليون درجة مئوية، وبالتالي فإن هذا النجم يتحول إلى نجم نيوتروني يزن أكثر من 400 مليون مليون كيلو غرام!

هكذا ينفجر النجم ويتهاوى على نفسه ويبدأ في مركزه تشكل النجم النيوتروني النابض والذي يبدأ بإطلاق نبضات أشبه بصوت المطرقة. المصدر وكالة الفضاء الأمريكية ناسا nasa.

إشعاع ثاقب!

يؤكد العلماء أن هذه النجوم تبث أشعة عظيمة ولامعة، ففي عام 1979 سجل العلماء الشعاع الأكثر لمعاناً في السماء وقد كان ناتجاً عن نجم نيوتروني ثاقب، فقد بث هذا النجم كمية هائلة من أشعة غاما gamma raysوهي أقوى أنواع الأشعة الثاقبة، لقد بث خلال 0.2 ثانية كمية من الإشعاعات الثاقبة تعادل ما تبثه الشمس في ألف سنة!!! ويقول العلماء الذين رأوا هذا الشعاع إنهم لم يشاهدوا شعاعاً بهذه القوة واللمعان من قبل [4]!!

صورة تخيلية لنجم نيوتروني يصدر إشعاعاً ثاقباً هو الأعنف الذي تم اكتشافه حتى الآن. المصدر www.space.com

النجم الثاقب بالأرقام

النجم النيوتروني هو عبارة عن نجم أثقل من الشمس بقليل وقد استنفذ وقوده النووي، فلم يعد قادراً على الاشتعال، فبدأ بالانكماش على نفسه وبدأت مادته بالتهاوي والسقوط نحو مركز النجم مما يؤدي إلى انضغاطه بشدة كبيرة وتفكك ذراته بفعل الجاذبية الهائلة إلى بروتونات وإلكترونات ومن ثم تندمج هذه الأجسام متحولة إلى نيوترونات، ولكن النواة تكون في حالة مختلفة حيث تبدأ في داخلها ذرات الحديد بالتشكل، وبالتالي يمكنك أن تتخيل كرة ضخمة من الحديد محاطة بسائل كثيف من النيوترونات، ببساطة هذا هو النجم النيوتروني [5].

النجم النيوتروني يبلغ وسطياً من 1.4 حتى 5 أضعاف وزن الشمس، وإذا زاد وزنه على ذلك سوف يتحول إلى ثقب أسود.  أما نصف قطر هذا النجم فيبلغ من 10 إلى 20 كيلو متر.

فإذا كان لدينا نجم نيوتروني وزنه 1.4 وزن الشمس، ونصف قطره 15 كيلو متر، فإذا علمنا بأن وزن الشمس هو 2 وبجانبه 30 صفراً كيلو غرام، أي ألفي بليون بليون بليون كيلو غرام، فإن وزن هذا النجم النيوتروني سيبلغ 2.8 ألف بليون بليون بليون كيلو غرام، وبحساب بسيط نستنتج أن كل سنتمتر مكعب من هذا النجم يزن 200 ألف مليون كيلو غرام [6]!!

رسم يمثل النجم النيوتروني، موضحاً عليه أبعاده وكتلته. ويقول العلماء إن سطح هذا النجم أملس جداً ويتكون من الحديد، ولذلك فإن تشبيه هذا النجم بالمطرقة دقيق من الناحية العلمية. المصدر www.nrumiano.free.fr

وتصور أخي القارئ أننا لو أحضرنا إبرة صغيرة جداً من هذا النجم الثاقب، فإن وزنها سيكون 200 مليون كيلو غرام، هذه الإبرة النيوترونية الثاقبة لو وضعت على الأرض لثقبتها واخترقتها بالكامل!! فكيف لو أحضرنا نجماً قطره 20 كيلو متر مثلاً؟! من هنا ندرك ضخامة وعظمة هذه النجوم وأهميتها في السماء، وأنها من الآيات التي تدل على عظمة الخالق وقدرته تبارك وتعالى.

ساعات كونية دقيقة!

تدور هذه النجوم بسرعات عالية جداً، وتبلغ سرعات بعضها عدة مئات من الدورات في كل ثانية، وهي دقيقة جداً في دورانها، ولذلك يمكن استخدامها كساعات كونية دقيقة. ويتولد بنتيجة دوران هذه النجوم حقل مغنطيسي قوي جداً يعادل ألف مليون ضعف الحقل المغنطيسي للأرض.

إن سبب سماعنا لصوت الطرقات هو دوران هذه النجوم بسرعة هائلة حول مركز دورانها، وأثناء دوران هذا النجم فإنه يحقق نتيجتين الأولى أنه يعطي طرقات منتظمة، والثانية أنه يصدر إشعاعات تستطيع ثقب أي شيء يصادفها، أي أن دوران هذه النجوم يسبب الطرق والثقب.

إنها تثقب أي شيء تصادفه!!

لقد رصد العلماء في أمريكا وأوربا الموجات الجذبية الصادرة عن النجوم الثاقبة، وقالوا إذا كان الضوء يمكن أن يصطدم بالحواجز المادية فلا يستطيع اختراقها، فإن الموجات الجذبية الهائلة التي يصدرها النجم الثاقب تخترق أي شيء، حتى أجسامنا فإنها تُخترق في كل لحظة بهذه الأمواج ولا نحس بها [7]!

هنالك جسيمات دقيقة جداً تطلقها هذه النجوم بكميات كبيرة أثناء تشكلها بعد انفجار النجم الأصلي، وتدعى "نيوترينو" ويعرف العلماء هذه الجسيمات [8]:

"Neutrinos are electrically neutral, virtually mass-less elementary particles that can pass through miles of lead unhindered. Some are passing through your body as you read this".

وهذا يعني أن النيوتريونوات هي جسيمات عديمة الشحنة وليس لها كتلة، هذه الأجسام الأولية تخترق الرصاص مسافة أميال عديدة دون أن يعرقلها أي شيء! وهي تخترق جسدك الآن وأنت تقرأ هذه المقالة!!!

تتعرض الأرض ومن عليها في كل لحظة لجسيمات كونية فائقة الصغر مثل النيوترينو، وهذه الجسيمات تبث من المطارق الكونية أثناء تشكلها، وتثقب الغلاف الجوي للأرض وتثقب البحار والجبال، حتى إن العلماء وجدوا آثاراً لهذه الجسيمات في أعماق البحار وفي أخفض نقطة وصلوا إليها تحت سطح الأرض، ويخبرنا العلماء أن النيوترينوات وهي أجسام عديمة الشحنة والوزن، تستطيع ثقب واختراق طبقة من الرصاص يبلغ سمكها عدة كيلو مترات، حيث تعجز جميع الأجسام الأخرى عن اختراق أكثر من أمتار محددة من الرصاص، ولذلك فإن أفضل اسم لهذا النجم علمياً هو "النجم الثاقب". www.nasa.gov

مطرقة من الحديد

يقول العلماء في تعريف هذه المخلوقات [9]:

"Their surface is solid crystalline iron, and would ring like a bell were it to be hit with an hammer".

إن سطحها من الحديد البلوري الصلب، وهي تدق مثل الجرس عندما يضرب بمطرقة.

ومن عجائب ما صادفته في هذه الدراسة أن العلماء وجدوا أن هذه النجوم تتكون من طبقات وأن قلب هذه النجوم يتألف من الحديد، وأثناء تشكل هذه النجوم يحدث طرق لهذه الطبقات بالنواة الحديدة تماماً كالمطرقة، وجاء في دراسة حول طريقة تشكل النجوم وما يحدث داخل النجوم النيوترونية [10]:

"In the star, the outer layers of the core are like the hammer, and the core is the rubber ball".

تعمل الطبقات الخارجية في النجم مثل المطرقة، ونواة هذا النجم مثل الكرة المطاطية.

إذن جميع العلماء يؤكدون على أن هنالك طَرْق داخلي يحدث داخل النجم، وطرق خارجي بنتيجة دوران النجم، حيث يصدر طرقات منتظمة تصل إلى الأرض على شكل أمواج راديوية. وهذا يعني أن العلماء يرون في هذه الأجسام عمليات طرق مستمرة تشبه طرقات المطرقة على الجرس.

صوت المطرقة الكونية

يستخدم العلماء في كشف أعماق هذه النجوم تسجيل الانفجارات التي تولدها ثم يقومون بتحليل هذا التسجيل، ومعرفة التركيب الداخلي للنجم، تماماً كما يستخدم علماء الأرض مقاييس الزلازل وتسجيل الاهتزازات الأرضية لمعرفة تركيب الأرض وبنيتها الداخلية وطبقاتها.

ويقول البروفسور  Richard Rothschildمن جامعة كاليفورنيا [11] والذي درس هذه الأجسام الجملية لفترة طويلة، يحدثنا عن أحد الانفجارات النجمية الذي خلف وراءه نجماً ثاقباً:

"This explosion was akin to hitting the neutron star with a gigantic hammer, causing it to ring like a bell,"

أي أن الانفجار كان أشبه بضرب النجم النيوتروني بمطرقة كونية، مما يسبب أن هذا النجم يرن مثل الجرس.

لقد قام العلماء بتسجيل صوت هذه النجوم، ويمكن الاستماع إلى صوت هذه المطرقة الكونية العملاقة، وفيما يلي صوت لإحدى المطارق الكونية الأكثر قوة ولمعاناً، وهذه المطرقة العملاقة تدور 30 دورة كل ثانية، ويستغرق زمن الطرقة الواحدة 0.715 ثانية.

هذا الصوت يصدر عن نجم من أشد النجوم لمعاناً في الكون، فضوؤه يثقب صفحة السماء ثقباً، ويبلغ نصف قطره بحدود 10 كيلو متر بينما وزنه أكبر من الشمس [12].

معجزات قرآنية مذهلة

من عظمة كتاب الله تعالى أنه تناول الكثير من الحقائق الكونية المبهرة، وعندما يكون الحديث عن مخلوق عظيم فإن الله يقسم به، والله يقسم بما يشاء من خلقه. فقد أقسم الله تعالى بنجوم عظيمة فقال: (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ) [الطارق: 1-3].

وقد احتار المفسرون في تفسير هذه الآيات الكريمات، ولكنهم أجمعوا على أن الله أقسم بنجوم شديدة اللمعان والإضاءة، وهذا ما وصلت إليه معارفهم في ذلك العصر. ولكننا في العصر الحديث وأمام التطورات الكبيرة التي شهدها علم الفلك، فإن أفضل تفسير علمي لهذه الآيات هو أنها تتحدث عن النجوم النيوترونية، وقد يتطور العلم فيكشف لنا أشياء جديدة لا نراها اليوم ليبقى القرآن هو المعجزة الخالدة.

وقد يقول قائل كيف علمتَ أن النجم الثاقب هو ذاته النجم النيوتروني؟ لذلك سوف نعدد بعض أوجه الإعجاز في هذه الآيات ونلخصها في نقاط محددة:

1- من خلال الحقائق اليقينية السابقة ندرك أن أهم صفتين للنجوم النيوترونية كما يصرح بذلك كبار علماء الفلك هما: الطرق المستمر والمنتظم، وبث موجات جذب تخترق وتثقب أي شيء، وهذا ما لخصه لنا القرآن بكلمتين فقط (الطارق، الثاقب).

2- الطرْق في العربية هو الضرب بالمطرقة، فهل تعتبر طرقات هذه النجوم حقيقية ومسموعة لنا؟ يؤكد جميع العلماء أن ما تصدره هذه النجوم هو طرق حقيقي وليس مجازي، ويقول العلماء: هذه النجوم تصدر صوتاً يشبه إلى حد كبير صوت المطرقة العادية، ويبلغ تردد هذا الصوت عدة مئات من الهرتز، ولذلك فهو مسموع للأذن البشرية، ولكن بما أن الصوت يحتاج لوسط مادي لكي ينتشر فيه، وبسبب عدم وجود هذا الوسط في الفضاء، فإن هذه الأصوات لا تصلنا مباشرة إنما تصلنا على شكل موجات راديوية، وبعد إعادة هذه الأمواج الراديوية إلى تردداتها الحقيقية تعطي صوت الطرق على شكل دقات منتظمة.

3- الثَّقب في العربية هو الخَرقُ النافذ كما في القاموس المحيط، فكيف يثقب ويخترق الأشياء هذا النجم الثاقب؟ من خصائص النيوترون أنه أثقل أجزاء الذرة وهو حيادي أي لا شحنه له، فهو ليس موجباً وليس سالباً، ولذلك فهو يخترق الذرة وينفذ منها بسهولة، وبالتالي يستخدمه العلماء لتحطيم نواة الذرة بسبب ثقله وحياديته. ولذلك فإن أفضل وصف للنيوترون هو أنه يثقب الأشياء ويخترقها بسهولة دون أن يعيقه شيء، ولذلك فإن كلمة (الثاقب) مناسبة جداً من الناحية العلمية لوصف النجوم النيوترونية، والله تعالى أعلم.

هنالك أمر آخر وهو أن النجوم الطارقة تبث موجات جاذبية عنيفة جداً وهذه الموجات تستطيع اختراق أي شيء في الكون بما فيه نحن البشر، ففي كل لحظة هنالك موجات جاذبية تصدر من هذه النجوم وتخترق أجسامنا ولا نحسّ بها، ولذلك فإن اسم (الثاقب) ينطبق على الموجات التي تبثها هذه النجوم، فسبحان الذي أخبرنا عنها لنزداد إيماناً ويقيناً بهذا الخالق العظيم!

4- مما لفت انتباهي أن العلماء يعتبرون هذه النجوم بالذات من عجائب الكون بل هي من أجمل النجوم في الكون، وهي تبث الأشعة الراديوية بانتظام وبشكل متقطع وتعمل مثل منارات في السماء! ومن هنا ندرك لماذا أقسم الله بها والله لا يقسم إلا بعظيم.

5- يقول العلماء عن هذه النجوم بالحرف الواحد: " تعتبر هذه النجوم من أفضل الساعات التي عرفها الإنسان، ولذلك يمكن أن نسميها بالساعات الكونية العملاقة". لنطرح السؤال الآتي: ما هي العلاقة بين الطارق وبين الحافظ في قوله تعالى: (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ* النَّجْمُ الثَّاقِبُ * إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ) [الطارق: 1-4]؟ لقد وجدتُ في التفسير الميسر في تفسير قوله تعالى (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ): (ما كل نفس إلا أوكل بها مَلَك رقيب يحفظ عليها أعمالها لتحاسب عليها يوم القيامة).

فما هي العلاقة بين هذا النجم الطارق وبين ذلك الرقيب الذي يحفظ أعمال البشر بدقة تامة؟ إن الله تعالى وكَّل ملكاً على كل منا يحصي عليه أعماله بدقة، إذن أهم صفة لهذا الحافظ هي الدقة في الإحصاء فهو لا ينسى أي شيء.

ولو تأملنا حقيقة الطارق نجد أن هذه النجوم دقيقة جداً في عملها، حتى إن العلماء يقولون: إن هذه النجوم هي أدق ساعة كونية عرفها البشر، وهي تدقّ بنظام عجيب وهي دقيقة جداً ولا تخطئ،!! وكأن الله تعالى يريد أن ينبهنا إلى حقيقة كونية وهي دقة هذه النجوم، فإذا علمنا ذلك فيجب علينا أن ندرك أن الحافظ الموكل بتسجيل أعمالنا دقيق جداً ولا يخطئ، والله تعالى أعلم.

تعتبر النجوم النابضة من أسرع النجوم دوراناً في الكون، وتنتج موجات جذبية هائلة تخترق الزمان والمكان، حيث يمكن أن يدور هذا النجم بسرعة تتجاوز 600 دورة في الثانية الواحدة، أي 36 ألف دورة في الدقيقة، وتصور أخي القارئ جسماً قطره 20 كيلو متراً ووزنه أكبر من الشمس، هذا الجسم يدور بهذه السرعة المذهلة، ألا يستحق هذا النجم أن يُذكر في القرآن بل ويقسم الله به؟

7- إن كلمة (ثاقب) تعني في اللغة أيضاً (مضيء) أو (لامع)، وقد وجد العلماء أن هذه النجوم تعتبر من أشد النجوم لمعاناً في الكون. ويعجب العلماء كيف تنشأ هذه النجوم في قلب الانفجارات وتكون محاطة بكميات هائلة من الدخان الكوني، وفجأة تظهر وتشع بل وتضيء ما حولها، وهذا يدل على أن اللفظة القرآنية تجمع أكثر من معنى، فكلمة (الثاقب) تعني الذي يخترق الأشياء وتعنى شديد اللمعان، وكلا المعنيين صحيح، وهذا يعني أن العلماء يستخدمون عدة كلمات لوصف هذه النجوم بينما القرآن يختصر هذه المصطلحات بكلمة واحدة فقط، فسبحان الله!

8- قد يقول قائل: ما أدراكم أن هذه النجوم موجودة فعلاً؟ أليس من الممكن أن تتغير الحقائق العلمية مستقبلاً، فأين نحن من هذا التفسير الجديد؟ ونقول إن النجوم الثاقبة هي حقيقة واقعة نراها اليوم بالصور الملونة، ولا أحد يشك في وجودها، وحتى لو تطور العلم وكشف أشياء جديدة ستبقى الآية الكريمة صحيحة ومطابقة للحقائق العلمية مهما تطور العلم، وستظهر معاني جديدة للآية الكريمة باستمرار، وهذا من إعجاز القرآن أنه يطابق العلم اليقيني ولا يخالفه أبداً.

صورة حقيقية لنجم نيوتروني في المجرة إم 84، وبسبب سرعة دوران هذا النجم فقد أحدث دوامة في الدخان الكوني المحيط به . المصدر وكالة الفضاء الأمريكية NASA.

9- وربما يقول قائل أيضاً: إن الصوت لا ينتشر في الفراغ ويحتاج إلى وسط مادي مثل الهواء أو الماء لينتشر فيه، فكيف تمكن العلماء من سماع هذا الصوت؟ إن الترددات التي يصدرها هذا النجم هي في المجال المسموع، أي أننا عندما نحول هذه الأشعة إلى ذبذبات فإن الترددات الخاصة بها ستكون مسموعة بالنسبة لنا وستعطي صوت مطرقة!

ولذلك يؤكد العلماء أن الصوت الذي تصدره هذه النجوم يشبه إلى حد كبير الصوت الذي نسمعه! ويقولون بالحرف الواحد [14]:

"The frequencies of the pulsars are similar to the frequencies of sound waves that can be heard by the human ear".

وهذا يعني أن الترددات التي يطلقها النجم النابض شبيهة بالترددات الصوتية التي يسمعها الإنسان من بأذنه.

وهنا نلاحظ مزيداً من الإعجاز؟ لأن القرآن حدثنا عن صوت لا يمكن لأحد أن يسمعه بشكل مباشر، هذا الصوت لا ينتشر في الفضاء، ولا نحسّ به، وسؤالي لكل من يدعي أن القرآن من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم: من أين جاء هذا النبي وهو الأمي عليه الصلاة والسلام بهذه المعلومة وصاغها بشكل علمي دقيق ومطابق لأحدث المكتشفات الكونية؟ ولو لم يكن رسولاً من عند الله تعالى من أين له بهذه الحقائق العلمية؟

ـــــــــــــــــ

بقلم عبد الدائم الكحيل

www.kaheel7.com

هوامش

1- Pulsars, www.wikipedia.org

2- The Discovery of Pulsars, www.bbc.co.uk, 23rd December 2002.

3- The Sounds of Pulsars, www.jb.man.ac.uk, 2001.

4- Magnetars: Special Stars With That Attractive Charm, www.nasa.gov, June 2006.

5- Neutron Stars, http://www.bbc.co.uk, 10th December 2002.

6- www.nasa.gov

7- Pulsars That Rock Space and Time, www.gsfc.nasa.gov, 02 September 2003.

8- Neutrinos, www.space.com.

9- UNIVERSITY OF THE WITWATERSRAND, PULSAR RESEARCH UNIT.

10- Formation of the High Mass Elements,www.aether.lbl.gov

11- Starquake May Reveal Inside of a Neutron Star, www.nasa.gov

12- NASA Sees Hidden Structure Of Neutron Star In Starquake, www.spacedaily.com 

13- Simon Shaw, ACCRETING MILLISECOND PULSARS,

 PDRF School of Physics and Astronomy, University of Southampton, UK. www.unige.ch.

 

 

تأملات فى سورة الطارق
 

  د. ســلامه عبد الهادي

أستاذ في علوم إدارة الطاقة وعميد سابق للمعهد العالي للطاقة بأسوان

 

نقف أمام آيات سورة الطارق، و هي إحدى قصار السور فى القرآن الكريم، كي نحـاول من خلال ما توصلت إليه علومنا الحديثة، أن نعيد الـتدبر فى هذه الآيات الكريمة، لكي نرى نورا آخر يضاف إلى أنوار القرآن الكريم المبهرة فى كتب التفسير السابقة. يقول الحق فى هذه السورة: (وَالسَّمَاء وَالطَّارِقِ {1} وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ {2} النَّجْمُ الثَّاقِبُ {3} إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ {4} فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ {5} خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ {6} يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ {7} إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ {8} يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ {9} فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ {10} وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ {11} وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ {12} إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ {13} وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ {14} إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا {15} وَأَكِيدُ كَيْدًا {16} فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا)[سورة  الطارق].

 يقسم الحق فى بداية هذه السورة بالسمـاء، هذا البناء الشامخ البديع بسحبه و رياحه،  بشمسه و قمره و نجومه و أبراجه، باتساعه و نظامه،  بصفائه و ألوانه وسحره،  بسكونه و جلاله و جماله و أسراره،  بقوانينه و طاعته و تسخيره وهدايته، بنهاره و ليله و شفقه و ضحاه، بشروقه وغروبه، بلا نهائيته و غموضه و فتونه و فنونه، بكل شيء فيه يشهد على أن له خالقاً قادراً حكيماً عليماً منظماً مبدعاً ومصوراً... هو الذي صوره فى عيوننا بهذا السحر وتلك الألوان المبهرة فى الليل والنهـار... وأن له مالكاً عزيزاً عظيما قدوسا نظمه لنا بهذا الإبداع و هذا الاستقرار الذي لا يتبدل حتى نشهد على وحدانيته وكماله وأن هناك حياً قيوماً يدبر أمره ويهدى حركاته ويحفظ سكناته ويملك مقاليده التي تقرهـا أبصارنـا وبصائرنا وعقولنا وعلومنا و قلوبنا وأجهزتنا وأقمارناً.

ثم يوجه الخالق سبحانه أنظـارناً إلى أمر آخر فى السمـاء يقسم الحق سبحانه وتعالى به، شيء ليس من السهل إدراكه، شيء سمـاه الخالق بكلمة " الطارق " حيث يقول فى بداية السورة " و السماء والطارق "   وأعقب الله هذا القسم بقوله " ومـا أدراك ما الطـارق "، ثم عرفه الحق سبحانه و تعالى فى الآية التالية بالقول الواضح أنه هو " النجم الثاقب "،  و تعالى نرى ماذا اكتشف العلم الحديث فى أمر السمـاء ثم نعيد النظر فى أقوال المفسرين السابقين لهذه الآيات.

فقد استمع الراصدون للموجات التي تنطلق بين السماء والأرض حاملة لنا ما تبثه محطات الإرسال المختلفة من رسائل وأخبار عن طريق ما نسميه بالأقمار الصناعية، كي نتابع أحداث ما يجرى فى كل بقعة من بقاع الأرض أولا بأول، استمعوا إلى طرقات قوية تصم الآذان، طرقات منظمة كما لو أنهـا أرسلت بإحدى الشفرات مثل شفرة مورس كي تبلغ أهل الأرض رسـالة محددة و لكن دون أكواد معروفة ليسهل ترجمتهـا كما يحدث فى التخاطب المكود أو المشفر بين أجهزة المخابرات أو الدول التي بينهـا أسرار، هذه الطرقات تأتى من أماكن بعيدة أبعاد ساحقه فى هذا الكون الممتد إلى ما لا نصل بأبصارنا أو بصائرنا إليه، فمن المؤكد أنهـا أرسلت من مصدر ذو قوة جبارة حتى يمكن أن تقطع هذه المسافات الشاسعة و تظل محتفظة بقوتها وعنفهـا، و لكن من أرسلهـا، هل هناك بشرا عقلاء فى أجرام بعيدة تبعد عنا ملايين السنين الضوئية ... أي أن هذه الموجات ظلت تنطلق بسرعتهـا ( و هي سرعة الضوء ) منذ ملايين السنين لتقطع أثناءهـا هذه المسافات الشاسعة التي بيننا وبين مصدر هذه الأمواج...  وأرسلوا إلينا برسائلهم منذ هذا الزمن السحيق، و ينتظرون منا الرد الذي سيصلهم أيضا بعد عدة ملايين أخرى من السنين... أو ما هي الحقيقة فى هذا الشأن.

و حديثا، اكتشف العلماء أن القرآن رد على استفساراتهم بالقول الأكيد ... لقد اكتشفو أن هناك نجوماً يزيد حجمهـا عن حجم الشمس بآلاف المرات يأتي عليهـا وقت وتفقد قدرتهـا على الاستقرار أو التواجد... وهنا تموت أو تنتهي حياتهـا كما تنتهي حياة البشر عند أجل محدد... وعند هذه اللحظة ينهار النجم وتعلن وفاته وانتهاء حياته فيتحول هذا الحجم الهائل إلى لا شيء، نعم لا شيء على الإطلاق تقريبا، وأين تذهب هذه الكتلة الهائلة وهذا الحجم الرهيب،  إن مادتها تتحول فى هذه اللحظات إلى مادة مكدسة لا يوجد داخل ذراتهـا أي فراغ، و المعلوم أن حجم أي ذرة فى هذا الكون الفسيح ينشأ من حركة الإلكترونات بداخلهـا حول النواة فى حلقات دائرية وبسرعات هائلة منتظمة كما لو كانت تسبيحا ثابتـا وطاعة مطلقة دائمة لخالقهـا و مقدرهـا...  وبدون هذا التسبيح الذي فرضه الله داخل الذرة يتلاشى حجم الذرة وتصير بلا حجم تقريبا، وهذا الفراغ المملوء بحركة الالكترونات وتسبيحها هو الذي يعطى المادة المحدودة كيانهـا وحجمها، و يبدأ انهيار النجم باضطراب حركة الكتروناته ثم انعدام الفراغ داخل ذراته، وفى هذه اللحظة يهوى النجم ويصير بلا حجم تقريبا، وقد عبرت الآية الكريمة فى أول سورة النجم عن هذه اللحظة بقول الحق "و النجم إذا هوى "... أي يتحول النجم الهائل إلى قزم بلا حجم، أو يتحول إلى مادة لهـا كثافة لا نهائية، ووجدوا أن للمادة المكدسة بهذه الحالة قوة جذب هائلة، بحيث ينجذب إليهـا أي كوكب أو جسم يقترب منها وتبتلعه وتجمد الحركة داخل ذراته، فيتحول فى لمح البصر إلى لا شيء، من ينظر إلى ما يحدثه هذا النجم فى السماء يعتقد أن السماء بها ثقب فى هذا الموضع تخرج منه هذه الأجسام التي يمتصهـا هذا النجم إلى لا عودة، و لهذا أطلق علماء الغرب على هذا النجم المنهـار اسم الثقب الأسود”Black Hole"، و عند انهيار هذا النجم تتجمع شحناته السالبة إلى جانب والشحنات الموجبة على الجانب الآخر، و يدفعه هذا التجميع للشحنات إلى الدوران حول مركز النجم بسرعات هائلة، و تنشـأ عن حركة دوران النجم فى حالته هذه إصدار موجات كهرومغناطيسية متقطعة تعتمد على سرعة دوران النجم... بحيث تبدو عندما يلتقطهـا أي جهـاز استقبال على شكل طرقات هائلة منتظمة، يهيأ لمن يلتقطهـا أن هناك كائنـات عاقلة تحاول أن تخاطبـنـا بهذه الطرقات التي حار العلمـاء فى تفسيرهـا.

 

شكل يبين النجم الثاقب أو الثقب الأسود

 

هكذا أدرك العلمـاء منذ وقت قريب جدا، مـا هو هذا الطـارق الذي يرسل طرقاته و نبضاته فى السمـاء، إنه كما أطلق عليه علمـاء الغرب " النجم الثاقب "، و هكذا يطلق عليه القرآن نفس الاسم المعبر عما يصير إليه حال النجم إذا هوى و أصبح كهلا أو نجما ثاقبا فى السماء يصدر أنينه وطرقاته، هكذا عبر عنه القرآن منذ أربعة عشر قرنـاً بهذه الآيات الكريمة " و ما أدراك ما الطارق.. استـفهـام.ب " هكذا الإعجاز فى القرآن... استـفهـام . ليحاول الإنسان أن يجهد عقله ويعمل فكره الذي ميزه الله به ليتفكر فى شئون هذا الكون بالبحث والعلم والتنقيب كما تنص عليه أحدث المدارس التربوية فى التعليم... ثم يأتي القول الفصل من خالق كل شيء والعليم بكل شيء ومسير كل شيء ومدبر كل شيء... لقد حزا علماء التربية حذو القرآن فى التلقين وتوصيل المعلومة... اسـتفسار كي يستوعب المتعلمون قيمة المعلومة... ثم الإجابة الصحيحة المراد تلقينهـا... فهو يخاطب الأولون عن أشياء لم تبد لهم بعد... حتى يستيقن الآخرون من المعلومة بعد أن ينظروا فى ملكوت السماء والأرض... لقد سمى العلمـاء هذا النجم بعد جهد جهيد واكتشافات مضنية بالثقب الأسود، و بلا شك أن الاسم الذي أطلقه القرآن على هذا النجم الذي يرسل هذه الطرقات المنتظمة هو أبلغ من الاسم الذي أطلقه العلمــاء، فهو نجم ولكنه صار بلا امتداد أو حجم، فقد هوى داخل نفسه وبدا كما لو أنه ثقب السماء فى موضعه فصار هذا الموقع كما لو كان مخرجا لكل جسم من السماء.. أي أنه ما زال نجماً و لكنه بانهياره أصبح ثاقباً فى السماء يتحول من خلاله كل جسم فى السماء من طبيعته الممتدة إلى لا شيء ويصير بلا وجود له كأنه خرج من مكان مثقوب فى السماء... ولا أستبعد أن يكون الغرب هو الذي قلد القرآن فى وضع هذا الاسم للنجوم المنهـارة، فالغرب درس القرآن فى جامعات إسلامية فى أول نهضته، و منهـا استمد مقومات هذه النهضة من علوم و مبادئ.

و بداية السورة بهذا القسم للتدليل على أن ما يحفظ للسماء امتدادهـا ولأجسامنا بقـائهـا هو التسبيح الدائم لكل شيء ولكل ذرة ما بين السماء والأرض بالطريقة التي حددهـا لهـا الله سبحانه وتعـالى... فإذا توقف تسبيحهـا بأمر الله، صارت إلى لا شيء، و تحولت إلى النقيض، ولهذا كانت الآية التالية بعد هذه الآيات " إن كل نفس لمـا عليهـا حافظ "، فمـا يحفظ لنا هذا الامتداد والوجود والحياة هو أمر الله وتدبيره الذي يقوم به كل شيء وأي شيء، أي تسبيح كل شيء بداخلنا له سبحانه وتعالى، سواء الذرات التي بداخلنا و عددهـا فى أي جسم يزيد عن واحد أمامه 120 صفرا، ثم تسبيح الأجهزة الدورية والتنفسية والهضمية والعصبية و الأنسجة والأعضاء والخلايا، أنه هو الحافظ لنا فى وجودنا و بقائنا و امتدادنا و فى كل شيء.

هكذا أدركنا أن النجم الثاقب كان نجماً هائلاً ثم تحول إلى لا شيء و كان فى بداية الخلق أيضاً لا شيء وأمر الله بحكمته أن يكون له هذا الامتداد ثم الفناء فى اللحطة التي يقررها الخالق... وهكذا الإنسان فقد خلقه الله من نصف خلية من الرجل و نصف خلية من المرأة لا يتعدى حجمها 3 أجزاء من واحد من مليون من الملليمتر ... جاءت في ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب..ثم كان له هذا الوجود... ثم يصير تراباً ولا شيء... ثم بعيده الله مرة أخرى يوم القيامة... هكذا جاءت الآيات التالية بهذه المعاني مجتمعة.... " فلينظر الإنسان مما خلق... خلق من ماء دافق... يخرج من بين الصلب والترائب ... إنه على رجعه لقـادر... يوم تبلى السرائر"... هكذا يقابل القرآن بين القسم بقدرة الله التي أعادت هذا النجم من هذا الحجم الهائل إلى نجم نسمع منه طرقات و لا يكاد يراه أحد إلى قدرته على أن يعيد هذا الإنسان مرة أخرى إلى ما كان عليه بعد أن يصير عدمـا... هذا الإنسان الذي جعل خلقه من واحدة من خلايا متدفقة مع السائل المنوي... وهو سائل يصنع داخل النخاع الشوكى بين العظام الصلبة فى العمود الفقري أو عظام القفص الصدري و بين رقائق أو ما أطلق عليها الخالق الترائب، و مازال العلم الحديث يحبو فى اكتشاف هذا النص الكريم، و كل ما ذكر أن العصب الذي ينقل الإحساس إلى الخصية و يساعدهـا على إنتاج وتدفق الحيونات المنوية وما يصاحب ذلك من سائل متفرغ من العصب الصدري الذي يغادر النخاع الشوكي بالعمود الفقري وبين الضلعين العاشر والحادي عشر.. وما يهمنا أن الآية تنص على أن الذي خلقهم من هذه الخلية المتناهية فى الصغر التي صنعهـا الله بحكمته داخل أجسامهم، فى أماكن لا يعلمونهـا، قادر أيضا بعد فنائهم وتحولهم إلى العدم على إرجاعهم بشرا كما كانوا... و هذا سيحدث كما تذكر الآيات يوم القيامه... ولكن الله أطلق اسمـا جديداً على يوم القيامة لا يقدر على إن يأتي به سوى الخالق العالم بالأسرار، فأسماه " يوم تبلى السرائر"... ففي هذا اليوم لن تختبر العقول التي يمكن أن تكون لهـا قوة السيطرة على الحواس والنطق والتعبير... و لكن الابتلاء سوف يكون ابتلاء قلوب و ضمائر ونوايا و أسرار أخفيناه عن الخلق، فهل تكون لنا القدرة على إخفائهـا عن الخالق... فالأسئلة

 

صورة للحيوان المنوي البشري(sperm) وهو يخترق البويضة الأنثوية

سوف توجه من خالق الحواس و ما سجلته من أسرار إليهـا مباشرة بلا وجود أي تحكم أو حكم سوى حكم الله الخالق العليم القدير القوى العزيز... وسوف يحكم الله فى هذا اليوم الحكم الفصل فى نوايانا وضمائرنا لكل ما قدمناه من أعمال... سوف يبتلى ما أخفيناه وأضمرناه فى قلوبنا من سوء أو خير لنجزى به على ما قدمناه من أعمال... فلا نستطيع أن نتدخل مهمـا كانت قوتنـا التي تمتعـنا بها فى الدنيا... سواء كانت قوة عقل أو جسد... ولن تنفعنـا معارفنـا أو أبنائنا أو أحزابنـا، لن يستطيع حاكم أو كبير أن يتدخل لنـا أو ينصرنا... فلا ناصر لنـا سوى لله و النية الصادقة لأعمالنـا... ولهذا جاء قول الحق " فمـا له من قوة و لا نـاصر"... فالاستعداد لهذا اليوم يكون بتنقية النوايا و بإيقاظ الضمائر و تطهير القلوب... لا بتقوية الأبدان و إقامة القلاع و معرفة الحكام و الواصلين... إنهـا السرائر التي سوف تبتلى و ليست المهارات و النفاق و الرياء و المعارف و الوسطاء و المحامون و المتشدقون.

ثم يأتي قسم الله مرة أخرى بالسماء وسر آخر فيهـا... إنهـا ذات الرجع... هذا ما تبينه العلمـاء فى القرن الماضي وبعد قرون عديدة... أن الله يسلط الشمس بحرارتهـا و الرياح بحركتهـا فتثير سحـابا.. أي تخرج من البحر المالح جزيئات الماء العذب فيتكون منها السحاب ويظل صاعدا فى السماء حتى منطقة الرجع... وهي منطقة يرجع منهـا السحاب الصاعد من الأرض و بحـارهـا المالحة على هيئة بخار الماء ليعود بتسخير الله إلى الأرض وأنهـارهـا العذبة على هيئة قطرات الماء التي تحيا بها الأرض بعد موتهـا... إنهـا قوانين الله وتدبيره بحكمته وعلمه الذي يحفظ للأرض مائهـا و للحياة عليهـا استمرارها... و لهذا يقسم الله بمـا خلقه بعزته و قدرته و عظمته بهذا القول " و السماء ذات الرجع"، و يرى آخرون أن سمائنا الدنيا ترجع وتصد عنا تلك الشهب والإشعاعات وما لا نعلمه من أضرار يمكن أن تصيب أرضنـا، هذه الكرة الصغيرة جدا فى هذا الكون اللانهائي.

ثم يعظم الله شأن هذه الأرض التي احتوت حياة البشر الذين كرمهم الله عليهـا، حيث يقسم الله بها فى الآية التالية، و بخاصية خصهـا خالقها بهـا لتتوافق مع السماء ذات الرجع بقوله " و الأرض ذات الصدع "...  فمـا أعظم أسرار الأرض التي أقر بهـا العلمـاء... لقد وجد العلمـاء أنه من بين بلايين الكواكب فى هذا الكون الممتد لا يستطيع أي كوكب آخر أن يحتضن الحياة عليه سوى الأرض التي خصهـا الله بصفات ومميزات لم يتيحهـا لغيرهـا من بلايين الكواكب حولها... حجمهـا و حجم شمسهـا وبعدهـا عنهـا ثم حجم مجرتهـا... سرعتهـا حول الشمس و حول نفسهـا وسرعة شمسهـا ومعدلات احترقهـا...  تكوينهـا و تضاريسها وكرويتها... ميلهـا واستقرارهـا واستقرار طبيعتهـا... سمائهـا وجوهـا وغلافهـا... حجم قمرها والكواكب التي من حولها و أبعاد النجوم الأخرى عنهـا... كتلتها وكتلة شمسها وكتلة قمرهـا وكتل الكواكب من حولها... وأسرار أخرى لا نستطيع حصرهـا وأسرار لم يطلعنا الله عليهـا... كلهـا تدل على أن وراء قدرة الأرض على احتضان هذه الحياة خالق مدبر وقدير و قادر وعليم وحكيم ومالك وحى وقيوم ومهيمن وعزيز وحق... و لهذا يقسم الله بهـا إشارة إلى دلالاتهـا ثم يقسم بخاصية لهـا لم يكتشفهـا العلمـاء إلا حديثـا... و هي أنهـا ذات صدع...  وكلمة الصدع يمكن أن تعد إشارة إلى وجود هذا الصدع الهائل فى القشرة الأرضية... وهذا الصدع يتيح للأرض أن تختزن من خلال هذا الصدع أكثر من 97 % من مياه الأمطار الساقطة عليهـا كمياه جوفية يتاح استخدامهـا بالعديد من الوسائل و السيل... إنهـا مقابلة بين السماء ذات الرجع و الأرض ذات الصدع و كلاهمـا يتعلق بالمـاء العذب الذي تحيا به الأرض و منهـا جعل الله كل شيء حي... إنهـا مقابلة لا تتأتى إلا من خالق كل شيء و العليم بأسرار كل شيء فكانت بهذا اليسر و هذه الطلاقة... وهذه المعلومات والعلم والفكر والمنطق والإعجاز.

وعلى ماذا كان القسم الثاني... لنقرأ الآيات " إنه لقول فصل... و ما هو بالهزل... إنهم يكيدون كيدا.. و أكيد كيدا... فمهل الكافرين... أمهلهم رويدا "... إنه قسم بهذه الدلالات التي لا تقبل الشك على أن ما جاء به القرآن هو القول الفصل... أي قول فاصل بين الحق والباطل... قول يفصل بين المؤمنين و الكافرين... بين أهل النار و أهل الجنة... بين أهل العلم و أهل الجهل... قول ليس به شائبة هزل... جاء لينذر بيوم الدين... يوم تبلي الضمائر... وثم جاء هذا التهديد... أن المكذبين بالقرآن وبيوم الدين الذين ينصب كيدهم على إنكار أن هذا هو الحق وأن الله حق وأن يوم القيامة حق... و يكيدون لرسوله و للمؤمنين... سيقابل الله كيدهم ومكرهم بكيد متين لا دافع له من الله... فالجزاء من جنس العمل... أي كيد ضعيف لبشر جهلاء بكيد قوى متين من رب العالمين... ولهذا  فـلك يا محمد أن تطمئن لعقاب الله الذي ينتظر المكيدون و تمهل الكافرين إمهالا قريبا حتى يأتي الله بأمر حاسم يقطع دابرهم ... وقد نصر الله الإسلام حقا بعد عدة سنوات من نزول هذه الآيات المكية عندما دخل الإسلام مكة منتصرا رافعا رايات الحق لتتحقق نصرة الحق و هزيمة الباطل... و يتحقق قوة كيد الله و ضعف كيد الكافرين و تنحني رقابهم أمام جند الله الأقوياء بإيمانهم و إخلاصهم.

هكذا كانت هذه السورة من قصار سور القرآن الكريم التي لا تتعدى آياتهـا 17 آية قصيرة شاملة معاني وإشارات علمية ومقابلات لغوية وموسيقى نثرية ونصح و تهديد و هداية و تبصير و حكمة و علم و نور و تسبيح لا يمكن لأي بشر أن يأتي بمثله و لو اجتمع له كل البشر، وما قدم فى هذا العرض لا يعدو عن ذرة فيما تنص عليه حقا هذه الآيات التي لا يعلم تأويلهـا الحق إلا الله، ذرة يقدمهـا متخصص فى فرع يسير من العلوم التي أتاحهـا الله لنـا، ولكل متخصص فى الفروع من العلم الأخرى قولا يمكن أن يفوق حقا كل ما قيل...   فبأي حديث بعده يؤمنون.

يمكن المراسلة على البريد التالي:

salama_abdelhady@hotmail.com

المصادر

http://en.wikipedia.org/wiki/Main_Page