بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مرحبا بكم معنا في المسجد الأقصى المبارك

سورة 002 - البقرة - آية رقم 015

اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ

صدق الله العظيم

 

الأية 15 من سورة البقرة

{اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}

وهي كقوله عز وجل {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} (الأنعام 6 – 110)

سبب النزول

أخرج الواحدي والثعلبي بسنده عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي وأصحابه، وذلك أنهم خرجوا ذات يوم فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله فقال عبد الله بن أبي: انظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم، فذهب فأخذ بيد أبي بكر فقال: مرحبا بالصديق سيد بني تميم، وشيخ الإسلام، وثاني رسول الله في الغار، الباذل نفسه وماله لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أخذ بيد عمر فقال: مرحبا بسيد عدي بن كعب، الفاروق القوي في دين الله، الباذل نفسه وماله لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أخذ بيد علي وقال: مرحبا بابن عم رسول الله وختنه، سيد بني هاشم ما خلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم افترقوا فقال عبد الله لأصحابه: كيف رأيتموني فعلت؟ فإذا رأيتموهم فافعلوا كما فعلت، فأثنوا عليه خيرا.فرجع المسلمون إلى النبي وأخبروه بذلك، فنزلت هذه الآية.

 

يستهزئ - وهل يستهزئ الله؟

قيل هو العقاب يوم القيام جزاء مكرهم وإستهزائم وكيدهم في الدنيا، يُقال: لأهل النار وهم في النار (اخرجوا)، وتفتح لهم أبواب النار، فإذا رأوها قد فتحت أقبلوا إليها يريدون الخروج والمؤمنون ينظرون إليهم على الأرائك، فإذا انتهوا إلى أبوابها غلقت دونهم. يقول عز وجل {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} (الحديد57 - 13) فذلك قوله {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} ويضحك عليهم المؤمنون حين غلقت دونهم. ذلك قوله {فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون، على الأرائك ينظرون) (المطففون الآية 34 - 35)، فليس هو إستهزئ بمعنى اللعب واللهو منه عز وجل، ولكنه تركهم الله في الدنيا يفعلوا ما يريدون فكانوا كأنما إستهزؤوا من أنفسهم بأنفسهم، يقول سبحانه وتعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} (آل عمران 3 – 178)، فليس منه سبحانه وتعالى مكر ولا هزء إنما هو جزاء لمكرهم واستهزائهم وكيدهم، كقوله عز وجل (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) (البقرة:9).

بعض الأمثلة على كلمات تتفق في اللفظ وتختلف في المعنى

·       يقول عز وجل (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ) [الشورى: 40] والجزاء لا يكون سيئة.

·   يقول عز وجل (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) [البقرة: 194] والقصاص لا يكون اعتداء، لأنه حق وجب، فالأول ظلم والثاني عدل.

·       يقول عز وجل (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [آل عمران: 54] وليس الله بماكر.

·       يقول عز وجل (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا) [الطارق: 15 - 16]. وليس الله بكائد.

·       يقول عز وجل (فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[التوبة: 79]. وليس الله بساخر.

·       يقول عز وجل (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) [النساء: 142].

·   يقول عز وجل (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) (النحل 16 – 126).

·  يقول عز وجل (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ)، وهل يعقل أن ينسى الله وهو القائل (قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى).

·       وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يمل حتى تملوا ولا يسأم حتى تسأموا). والله لا يمل ولا يسأم.

المعنى يبان في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم

(إذا رأيتم الله عز وجل يعطي العبد ما يحب وهو مقيم على معاصيه فإنما ذلك منه استدراج).

 

ويمدهم – تفيد العمل من النفس – وتفيد العمل للشر

يقال مد لهم في الشر، ويقال مددت له إذا تركته، فكانت زيادته من مثله أو من نفسه، يقال: مد النهرُ النهرَ، وفي التنزيل: "وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ" [لقمان: 27]. {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ} (المؤمنون 55-56)، (وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا) (مريم:79)، يقال أمد في الخير،

ويمددهم – تفيد العمل من الله – وتفيد العمل للخير

يقال أمددته - إذا أعطيته، فكانت زيادته من غيره، كقولك: أمددت الجيش بمدد، ومنه قوله سبحانه وتعالى " يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ". [آل عمران: 125]. ومنه قوله عز وجل: "وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ" [الطور: 22]، وكقوله "وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا". [الإسراء: 6]. المعنى: أي يطيل لهم المدة ويمهلهم ويملي لهم، كما قال: "وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ" [آل عمران: 178] وأصله الزيادة.

 

طغيانهم

وأصل الطغيان مجاوزة الحد، وقيل الكفر، وقيل الضلال، ومنه قوله تعالى: "إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ" [الحاقة: 11] أي ارتفع وعلا وتجاوز المقدار، وقوله في فرعون: "اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى" [طه: 24] أي أسرف في الدعوى حيث قال: "فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى" [النازعات: 24]. ومنه قوله تعالى: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى)، وقوله (فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى) (النازعات: 37-39): أي يتـجاوز حدّه. والمعنى: يمدهم بطول العمر حتى يزيدوا في الطغيان فيزيدهم في عذابهم.

 

يعمهون

قيل والعَمَهُ نفسه الضلال, يقال عَمِهَ فلانٌ يَعْمَهُ عَمَهانا وعُمُوها وعَمَهاً، إذا ضل، وقيل إذا حار أو إحتار، وقيل إذا تردد، وقيل التمادي، وقيل يترددون متحيرين في الكفر، وذهبت إبله العُمّهى إذا لم يدر أين ذهبت، وقيل العمه هو عمى القلب - فالعمى في العين، والعمه في القلب، "فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ" [الحج: 46]