بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مرحبا بكم مع الشيخ خالدالمغربي - المسجد الأقصى

002

البقرة

آية رقم 040

يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ

صدق الله العظيم

 

إمهات التفسير

* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق

قال أبو جعفر: يعنـي بقوله جل ثناؤه: ({يا بَنِـي إسْرَائِيـلَ}: يا ولد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيـم خـلـيـل الرحمن وكان يعقوب يدعى إسرائيـل، بـمعنى عبد الله وصفوته من خـلقه وإيـل هو الله وإسرا: هو العبد، كما قـيـل جبريـل بـمعنى عبد الله). وكما: حدثنا ابن حميد، حدثنا جرير عن الأعمش، عن إسماعيـل بن رجاء، عن عمير مولـى ابن عبـاس، عن ابن عبـاس: (إن إسرائيـل كقولك عبد الله). وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن الـمنهال، عن عبد الله بن الـحارث، قال: (إيـل: الله بـالعبرانـية. وإنـما خاطب الله جل ثناؤه بقوله: {يا بَنِـي إسْرَائِيـلَ} أحبـار الـيهود من بنـي إسرائيـل الذين كانوا بـين ظهرانـي مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنسبهم جلّ ذكره إلـى يعقوب، كما نسب ذرية آدم إلـى آدم، فقال: {يَابَنِي ءَادَمَ خُذُوا زِينَتَكُم عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (الاعراف 7: 31) وما أشبه ذلك. وإنـما خصهم بـالـخطاب فـي هذه الآية والتـي بعدها من الآي التـي ذكرهم فـيها نعمه، وإن كان قد تقدم ما أنزل فـيهم وفـي غيرهم فـي أول هذه السورة ما قد تقدم أن الذي احتـجّ به من الـحجج والآيات التـي فـيها أنبـاء أسلافهم وأخبـار أوائلهم، وقصص الأمور التـي هم بعلـمها مخصوصون دون غيرهم من سائر الأمـم لـيس عند غيرهم من العلـم بصحته، وحقـيقته مثل الذي لهم من العلـم به إلا لـمن اقتبس علـم ذلك منهم. فعرّفهم بـاطلاع مـحمد علـى علـمها مع بعد قومه وعشيرته من معرفتها، وقلة مزاولة مـحمد صلى الله عليه وسلم دراسة الكتب التـي فـيها أنبـاء ذلك، أن مـحمداً صلى الله عليه وسلم لـم يصل إلـى علـم ذلك إلا بوحي من الله وتنزيـل منه ذلك إلـيه لأنهم من علـم صحة ذلك بـمـحل لـيس به من الأمـم غيرهم. فلذلك جل ثناؤه خصّ بقوله: {يا بَنِـي إسْرَائِيـلَ} خطابهم) كما: حدثنا به ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة عن ابن إسحاق، عن مـحمد بن أبـي مـحمد، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبـير عن ابن عبـاس قوله: ({يا بَنِـي إسْرَائِيـلَ} قال: يا أهل الكتاب للأحبـار من يهود).

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {اذْكُرُوا نِعْمَتِـي التِـي أنْعَمْتُ عَلَـيْكُمْ}

قال أبو جعفر: (ونعمته التـي أنعم بها علـى بنـي إسرائيـل جل ذكره اصطفـاؤه منهم الرسل، وإنزاله علـيهم الكتب، واستنقاذه إياهم مـما كانوا فـيه من البلاء والضرّاء من فرعون وقومه، إلـى التـمكين لهم فـي الأرض، وتفجير عيون الـماء من الـحجر، وإطعام الـمنّ والسلوى. فأمر جل ثناؤه أعقابهم أن يكون ما سلف منه إلـى آبـائهم علـى ذكر، وأن لا ينسوا صنـيعه إلـى أسلافهم وآبـائهم، فـيحلّ بهم من النقم ما أحل بـمن نسي نعمه عنده منهم وكفرها وجحد صنائعه عنده). كما: حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن مـحمد بن إسحاق، عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس: ({اذْكُرُوا نَعْمَتِـي التـي أنْعَمْتُ عَلَـيْكُمْ} أي آلائي عندكم وعند آبـائكم لـما كان نـجاهم به من فرعون وقومه). وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربـيع، عن أبـي العالـية فـي قوله: ({اذْكُرُوا نِعْمَتِـيَ} قال: نعمته أن جعل منهم الأنبـياء والرسل، وأنزل علـيهم الكتب). وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: ({اذْكُرُوا نِعْمَتِـيَ التِـي أنْعَمْتُ عَلَـيْكُمْ} يعنـي نعمته التـي أنعم علـى بنـي إسرائيـل فـيـما سمى وفـيـما سوى ذلك، فجر لهم الـحجر، وأنزل علـيهم الـمنّ والسلوى، وأنـجاهم عن عبودية آل فرعون). وحدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: ({نِعمتـي الّتِـي أنْعَمْتُ عَلَـيْكُمْ} قال: نعمه عامة، ولا نعمة أفضل من الإسلام، والنعم بعد تبعَ لها. وقرأ قول الله{يَـمُنُّونَ عَلَـيْكَ أنْ أسْلَـمُوا قُلْ لاَ تَـمُنُّوا عَلَـيَّ إسْلاَمَكُمْ} (الحجرات49: 17) وتذكير الله الذين ذكرهم جل ثناؤه بهذه الآية من نعمه علـى لسان رسوله مـحمد صلى الله عليه وسلم، نظير تذكير موسى صلوات الله علـيه أسلافهم علـى عهده الذي أخبر الله عنه أنه قال لهم. وذلك قوله: {وَإذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَـيْكُمْ إذْ جَعَلَ فِـيكُمْ أنْبِـياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلوكاً وآتاكُمْ ما لَـمْ يُؤْتِ أحَداً مِنَ العَالَـمِينَ}) (المائدة 005: 020).

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وأوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ}

قال أبو جعفر: قد تقدم بـياننا معنى العهد فـيـما مضى من كتابنا هذا واختلاف الـمختلفـين فـي تأويـله والصوابُ عندنا من القول فـيه. وهو فـي هذا الـموضع عهد الله ووصيته التـي أخذ علـى بنـي إسرائيـل فـي التوراة أن يبـينوا للناس أمر مـحمد صلى الله عليه وسلم أنه رسول، وأنهم يجدونه مكتوبـا عندهم فـي التوراة أنه نبـيّ الله، وأن يؤمنوا به وبـما جاء به من عند الله. {أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} وعهده إياهم: أنهم إذا فعلوا ذلك أدخـلهم الـجنة، كما قال جل ثناؤه: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِـي إسْرَائِيـلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اثْنَـي عَشَرَ نَقِـيبـاً} ( المائدة 005: 012)، وكما قال:{فَسأكْتُبُها للَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بآياتنا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِـيَّ أُلامِّيَّ} (الاعراف 007: 157-158). وكما: حدثنا به ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة بن الفضل، عن ابن إسحاق، عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس: {وأوْفُوا بعَهْدِي} الذي أخذت فـي أعناقكم للنبـي صلى الله عليه وسلم إذا جاءكم. {أُوفِ بعَهْدِكُمْ}: أي أنـجز لكم ما وعدتكم علـيه بتصديقه واتبـاعه، بوضع ما كان علـيكم من الإصر والأغلال التـي كانت فـي أعناقكم بذنوبكم التـي كانت من أحداثكم. وحدثنا الـمثنى، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربـيع، عن أبـي العالـية فـي قوله: {أوفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} قال: عهده إلـى عبـاده: دين الإسلام أن يتبعوه. {أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} يعنـي الـجنة. وحدثنا موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: {أوْفُوا بعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} أما أوفوا بعهدي: فما عهدت إلـيكم فـي الكتاب، وأما أوف بعهدكم: فـالـجنة، عهدت إلـيكم أنكم إن عملتـم بطاعتـي أدخـلتكم الـجنة. وحدثنـي القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاج، عن ابن جريج فـي قوله: {وأوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} قال: ذلك الـميثاق الذي أخذ علـيهم فـي الـمائدة {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنـي إسْرَائِيـلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَـي عَشَرَ نَقِـيبـاً} ( المائدة 005: 012) إلـى آخر الآية. فهذا عهد الله الذي عهد إلـيهم، وهو عهد الله فـينا، فمن أوفـى بعهد الله وفـى الله له بعهده. وحدثت عن الـمنـجاب، قال: حدثنا بشر، عن أبـي روق، عن الضحاك، عن ابن عبـاس فـي قوله: {وأُوفُوا بِعَهْدِي أوفِ بِعَهْدِكُمْ} يقول: أوفوا بـما أمرتكم به من طاعتـي ونهيتكم عنه من معصيتـي فـي النبـي صلى الله عليه وسلم وفـي غيره أوف بعهدكم يقول: أرض عنكم وأدخـلكم الـجنة. وحدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قول: {وأُوْفوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} قال: أوفوا بأمري، أوف بـالذي وعدتكم، وقرأ: {إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ أنُفُسَهُمْ وأمُوَالَهُمْ} (التوبة 009: 111) حتـى بلغ: {وَمَنْ أَوْفـى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} قال: هذا عهده الذي عهده لهم.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِيَّايَ فـارْهَبُونِ}

قال أبو جعفر: وتأويـل قوله: {وَإِيّايَ فَـارْهَبُونِ} وإياي فـاخشوا، واتقوا أيها الـمضيعون عهدي من بنـي إسرائيـل والـمكذّبون رسولـي الذي أخذت ميثاقكم فـيـما أنزلت من الكتب علـى أنبـيائي أن تؤمنوا به وتتبعوه، أن أحلّ بكم من عقوبتـي، إن لـم تنـيبوا وتتوبوا إلـيّ بـاتبـاعه والإقرار بـما أنزلت إلـيه ما أحللت بـمن خالف أمري وكذّب رسلـي من أسلافكم. كما: حدثنـي به مـحمد بن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس: ({وَإيَّايَ فَـارْهَبُونِ} أن أنزل بكم ما أنزلت بـمن كان قبلكم من آبـائكم من النقمات التـي قد عرفتـم من الـمسخ وغيره). وحدثنا الـمثنى بن إبراهيـم، قال: حدثنـي آدم العسقلانـي، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربـيع، عن أبـي العالـية فـي قوله: ({وَإيّايَ فَـارْهَبُونِ} يقول: فـاخشون). وحدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: ({وَإِيّايَ فَـارْهَبُونِ} بقول: وإياي فـاخشون).

 

تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق

(إِسْرٰءيلَ) هو يعقوب عليه السلام لقب له، ومعناه في لسانهم: صفوة الله، وقيل: عبد الله. وهو بزنة إبرٰهيم وإسمٰعيل غير منصرف مثلهما لوجود العلمية والعجمة. وقرىء «إسرائل» و «إسرائلّ». وذكرهم النعمة: أن لا يخلو بشكرها، ويعتدوا بها، ويستعظموها، ويطيعوا مانحها. وأراد بها ما أنعم به على آبائهم مما عدّد عليهم: من الإنجاء من فرعون وعذابه ومن الغرق. ومن العفو عن اتخاذ العجل، والتوبة عليهم، وغير ذلك، وما أنعم به عليهم من إدراك زمن محمد صلى الله عليه وسلم المبشر به في التوراة والإنجيل. والعهد يضاف إلى المعاهِد والمعاهَد جميعاً. يقال أوفيت بعهدي، أي عاهدت عليه كقوله:
{
وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ} [التوبة9: 111] وأوفيت بعهدك: أي بما عاهدتك عليه. ومعنى {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِى} وأوفوا بما عاهدتموني عليه من الإيمان بي والطاعة لي، كقوله: {وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَـٰهَدَ عَلَيْهُ ٱللَّهَ} [الفتح48: 10]، {وَمِنْهُمْ مَّنْ عَـٰهَدَ ٱللَّهَ}
[التوبة9: 75]،
{رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَـٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب33: 23]، {أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} بما عاهدتكم عليه من حسن الثواب على حسناتكم {وَإِيَّـٰىَ فَٱرْهَبُونِ} فلا تنقضوا عهدي. وهو من قولك: زيداً رهبته. وهو أوكد فى إفادة الاختصاص من {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}. وقرىء «وأُوَفِّ» بالتشديد: أي أبالغ في الوفاء بعهدكم، كقوله: {مَن جَاء بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مّنْهَا} [النمل27: 189]. ويجوز أن يريد بقوله: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِى} ما عاهدوا عليه ووعدوه من الإيمان بنبيّ الرحمة والكتاب المعجز. ويدل عليه قوله: {وَءامِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدّقًا لّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ}
(البقرة2: 41)، أوّل من كفر به، أو أوّل فريق أو فوج كافر به، أو: ولا يكن كل واحد منكم أوّل كافر به، كقولك: كسانا حلة، أي كل واحد منا. وهذا تعريض بأنه كان يجب أن يكونوا أوّل من يؤمن به لمعرفتهم به وبصفته. ولأنهم كانوا المبشرين بزمان من أوحى إليه والمستفتحين على الذين كفروا به. وكانوا يعدون أتباعه أول الناس كلهم، فلما بعث كان أمرهم على العكس كقوله: {لَمْ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ وَٱلْمُشْرِكِينَ مُنفَكّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلْبَيّنَةُ} (البينة98: 1) إلى قوله: {وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ ٱلْبَيّنَةُ} (البينة98: 4)، {فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ} [البقرة2: 89]. ويجوز أن يراد: ولا تكونوا مثل أول كافر به، يعني من أشرك به من أهل مكة. أي: ولا تكونوا وأنتم تعرفونه مذكوراً في التوراة موصوفاً، مثل من لم يعرفه وهو مشرك لا كتاب له. وقيل: الضمير في (به) لما معكم، لأنهم إذا كفروا بما يصدّقه فقد كفروا به. والاشتراء استعارة للاستبدال كقوله تعالى: {ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلَـٰلَةَ بِٱلْهُدَىٰ} [البقرة2: 16] أو كقول: (كَمَا اشْتَرَى المُسْلِمُ إذْ تَنَصَّرَا) وكقول: (فإنِّي شَرَيْتُ الحِلْمَ بَعْدَك بالجَهْلِ) يعني ولا تستبدلوا بآياتي ثمناً وإلا فالثمن هو المشترى به. والثمن القليل الرياسة التي كانت لهم في قومهم، خافوا عليها الفوات لو أصبحوا أتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فاستبدلوها ـ وهي بدل قليل ومتاع يسير ـ بآيات الله وبالحق الذي كل كثير إليه قليل، وكل كبير إليه حقير، فما بال القليل الحقير. وقيل كانت عامتهم يعطون أحبارهم من زروعهم وثمارهم، ويهدون إليهم الهدايا، ويرشونهم الرشا على تحريفهم الكلم، وتسهيلهم لهم ما صعب عليه من الشرائع. وكان ملوكهم يدرّون عليهم الأموال ليكتموا أو يحرّفوا.

 

تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف ومدقق

أعلم أن فيه مسائل المسألة الأولى: اتفق المفسرون على أن إسرائيل هو يعقوب بن اسحق بن إبراهيم ويقولون إن معنى إسرائيل عبد الله لأن «إسرا» في لغتهم هو العبد و «إيل» هو الله وكذلك جبريل وهو عبد الله وميكائيل عبد الله. قال القفال: قيل إن «إسرا» بالعبرانية في معنى إنسان فكأنه قيل رجل الله فقوله: {يا بَنِى إِسْرٰءيلَ} خطاب مع جماعة اليهود الذين كانوا بالمدينة من ولد يعقوب عليه السلام في أيام محمد صلى الله عليه وسلم.
المسألة الثانية: حد النعمة أنها المنفعة المفعولة على جهة الإحسان إلى الغير ومنهم من يقول: المنفعة الحسنة المفعولة على جهة الإحسان إلى الغير، قالوا: وإنما زدنا هذا لأن النعمة يستحق بها الشكر وإذا كانت قبيحة لم يستحق بها الشكر والحق أن هذا القيد غير معتبر لأنه يجوز أن يستحق الشكر بالإحسان وإن كان فعله محظوراً لأن جهة استحقاق الشكر غير جهة استحقاق الذم والعقاب، فأي امتناع في اجتماعهما؟ ألا ترى أن الفاسق يستحق الشكر بإنعامه والذم بمعصيته فلم لا يجوز ههنا أن يكون الأمر كذلك؟ ولنرجع إلى تفيسر الحد فنقول: أما قولنا: المنفعة فلأن المضرة المحضة لا يجوز أن تكون نعمة، وقولنا: المفعولة على جهة الإحسان فلأنه لو كان نفعاً وقصد الفاعل نفع نفسه لا نفع المفعول به كمن أحسن إلى جاريته ليربح عليها أو أراد استدراجه إلى ضرر واختداعه كمن أطعم خبيصاً مسموماً ليهلكه لم يكن ذلك، نعمة فأما إذا كانت المنفعة مفعولة على قصد الإحسان إلى الغير كانت نعمة. إذا عرفت حد النعمة فلنفرع عليه فروعاً: الفرع الأول: اعلم أن كل ما يصل إلينا آناء الليل والنهار في الدنيا والآخرة من النفع ودفع الضرر فهو من الله تعالى على ما قال تعالى:
{وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ}
[النحل16: 53]، ثم إن النعمة على ثلاثة أوجه: أحدها: نعمة تفرد الله بها نحو أن خلق ورزق، وثانيها: نعمة وصلت إلينا من جهة غيره بأن خلقها وخلق المنعم ومكنه من الإنعام وخلق فيه قدرة الإنعام وداعيته ووفقه عليه وهداه إليه، فهذه النعمة في الحقيقة أيضاً من الله تعالى، إلا أنه تعالى لما أجراها على يد عبده كان ذلك العبد مشكوراً، ولكن المشكور في الحقيقة هو الله تعالى، ولهذا قال:
{أَنِ ٱشْكُرْ لِى وَلِوٰلِدَيْكَ} [لقمان31: 14] فبدأ بنفسه، وقال عليه السلام: «لا يشكر الله من لا يشكر الناس». وثالثها: نعمة وصلت إلينا من الله تعالى بواسطة طاعاتنا وهي أيضاً من الله تعالى لأنه لولا أنه سبحانه وتعالى وفقنا على الطاعات وأعاننا عليها وهدانا إليها وأزاح الأعذار وإلا لما وصلنا إلى شيء منها، فظهر بهذا التقرير أن جميع النعم من الله تعالى على ما قال سبحانه وتعالى: {وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ} [النحل16: 53].

الفرع الثاني: أن نعم الله تعالى على عبيده مما لا يمكن عدها وحصرها على ما قال: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا} [النحل16: 18] وإنما لا يمكن ذلك لأن كل ما أودع فينا من المنافع واللذات التي ننتفع بها والجوارح والأعضاء التي نستعملها في جلب المنافع ودفع المضار وما خلق الله تعالى في العالم مما يلتذ به ويستدل على وجود الصانع وما وجد في العالم مما يحصل الانزجار برؤيته عن المعاصي مما لا يحصى عدده وكل ذلك منافع لأن المنفعة هي اللذة أو ما يكون وسيلة إلى اللذة وجميع ما خلق الله تعالى كذلك لأن كل ما يلتذ به نعمة وكل ما يلتذ به وهو وسيلة إلى دفع الضرر فهو كذلك والذي لا يكون جالباً للنفع الحاضر ولا دافعاً للضرر الحاضر فهو صالح لأن يستدل به على الصانع الحكيم فيقع ذلك وسيلة إلى معرفته وطاعته وهما وسيلتان إلى اللذات الأبدية فثبت أن جميع مخلوقاته سبحانه نعم على العبيد، ولما كانت العقول قاصرة عن تعديد ما في أقل الأشياء من المنافع والحكم فكيف يمكن الإحاطة بكل ما في العالم من المنافع والحكم، فصح بهذا معنى قوله تعالى: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا} فإن قيل: فإذا كانت النعم غير متناهية وما لا يتناهى لا يحصل العلم به في حق العبد فكيف أمر بتذكرها في قوله: {ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِىَ ٱلَّتِى أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} والجواب أنها غير متناهية بحسب الأنواع والأشخاص إلا أنها متناهية بحسب الأجناس، وذلك يكفي في التذكير الذي يفيد العلم بوجود الصانع الحكيم. واعلم أنه لما ثبت أن استحقاق الحمد والثناء والطاعة لا يتحقق إلا على إيصال النعمة ثبت أنه سبحانه وتعالى هو المستحق لحمد الحامدين. ولهذا قال في ذم الأصنام: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} [الشعراء26: 72، 73] وقال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُهُمْ وَلاَ يَضُرُّهُمْ} [الفرقان25: 55] وقال: {أَفَمَن يَهْدِى إِلَى ٱلْحَقّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّى إِلاَّ أَن يُهْدَىٰ} [يونس10: 35]. الفرع الثالث: أن أول ما أنعم الله به على عبيده هو أن خلقهم أحياء والدليل عليه قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوٰتًا فَأَحْيَـٰكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً} [البقرة2: 28، 29] إلى آخر الآية، وهذا صريح في أن أصل النعم الحياة لأنه تعالى أول ما ذكر من النعم فإنما ذكر الحياة ثم إنه تعالى ذكر عقيبها سائر النعم وأنه تعالى إنما ذكر المؤمنين ليبين أن المقصود من حياة الدنيا حياة الآخرة والثواب. وبين أن جميع ما خلق قسمان منتفع ومنتفع به، هذا قول المعتزلة. وقال أهل السنة: إنه سبحانه كما خلق المنافع خلق المضار ولا اعتراض لأحد عليه، ولهذا سمى نفسه «النافع الضار» ولا يسأل عما يفعل. الفرع الرابع: قالت المعتزلة: إن الله تعالى قد أنعم على المكلفين بنعمة الدنيا ونعمة الدين، وسوى بين الجميع في النعم الدينية والدنيوية، أما في النعم الدينية فلأن كل ما كان في المقدور من الألطاف فقد فعل بهم والذي لم يفعله فغير داخل في القدرة إذ لو قدر على لطف لم يفعله بالمكلف لبقي عذر المكلف، وأما في الدنيا فعلى قول البغداديين خاصة لأن عندهم يجب رعاية الأصلح في الدنيا وعند البصريين لا يجب. وقال أهل السنة: إن الله تعالى خلق الكافر للنار ولعذاب الآخرة ثم اختلفوا في أنه هل لله نعمة على الكافر في الدنيا؟ فمنهم من قال: هذه النعم القليلة في الدنيا لما كانت مؤدية إلى الضرر الدائم في الآخرة لم يكن ذلك نعمة على الكافر في الدنيا، فإن من جعل السم في الحلوى لم يعد النفع الحاصل من أكل الحلوى نعمة لما كان ذلك سبيلاً إلى الضرر العظيم، ولهذا قال تعالى: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌلأنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمَاً} [آل عمران3: 178] ومنهم من قال: إنه تعالى وإن لم ينعم على الكافر بنعمة الدين فلقد أنعم عليه بنعمة الدنيا وهو قول القاضي أبي بكر الباقلاني رحمه الله، وهذا القول أصوب ويدل عليه وجوه. أحدها: قوله تعالى: {يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِىْ خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلأرْضَ فِرَاشاً وَٱلسَّمَاء بِنَاء} [البقرة2: 21، 22] فنبه على أنه يجب على الكل طاعته لمكان هذه النعم وهي نعمة الخلق والرزق. ثانيها: قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوٰتًا} [البقرة2: 28] إلى آخره وذكر ذلك في معرض الامتنان وشرح النعم ولو لم يصل إليهم من الله تعالى شيء من النعم لما صح ذلك. وثالثها: قوله: {يَـٰبَنِى إِسْرٰءيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِى ٱلَّتِى أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنّى فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَـٰلَمِينَ} [البقرة2: 47] وهذا نص صريح في أن الله تعالى أنعم على الكافر إذ المخاطب بذلك هم أهل الكتاب وكانوا من الكفار وكذا قوله: {يَـٰبَنِى إِسْرٰءيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ} إلى قوله: {وَإِذْ أَنْجَيْنَـٰكُمْ} وقوله: {وَإِذْ ءاتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [البقرة2: 53]. وكل ذلك عد للنعم على العبيد. ورابعها: قوله: {أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ مَّكَّنَّـٰهُمْ فِى ٱلأرْضِ مَا لَمْ نُمَكّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا ٱلسَّمَاء عَلَيْهِم مَّدْرَاراً} [الأنعام6: 6]. وخامسها: قوله: {قُلْ مَن يُنَجّيكُمْ مّن ظُلُمَـٰتِ ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ تَدْعُونَهُ} [الأنعام6: 63] إلى قوله: {ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ} [الأنعام6: 64]. وسادسها: قوله: {وَلَقَدْ مَكَّنَّـٰكُمْ فِى ٱلأرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَـٰيِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} [الأعراف7: 10] وقال في قصة إبليس: {وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَـٰكِرِينَ} [الأعراف7: 17]، ولو لم يكن عليهم من الله نعمة لما كان لهذا القول فائدة. وسابعها: قوله: {وَٱذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِى ٱلأرْضِ} [الأعراف7: 84] الآية، وقال حاكياً عن شعيب: {وَٱذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ} [الأعراف7: 86] وقال حاكياً عن موسى: {قَالَ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـٰهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى ٱلْعَـٰلَمِين} [الأعراف7: 140]. وثامنها: قوله: {ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيّراً نّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ} [الأنفال8: 53] وهذا صريح. وتاسعها: قوله: {هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَاء وَٱلْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسّنِينَ وَٱلْحِسَابَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقّ} [يونس10: 5]. وعاشرها: قوله تعالى: {وَإِذَا أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً مّن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُمْ} [يونس10: 21]. الحادي عشر: قوله: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُم فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُم فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا} [يونس10: 22] إلى قوله: {فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِى ٱلأرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ} [يونس10: 23]. الثاني عشر: قوله: {وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ لِبَاساً} [الفرقان25: 47]. وقوله: {هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً} [يونس10: 67]. الثالث عشر: {أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ ٱلْقَرَار} [إبراهيم14: 28-29]. الرابع عشر:
{
ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْفُلْكَ لِتَجْرِىَ فِى ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ}
[إبراهيم: 32]. الخامس عشر: قوله تعالى:

{
وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}
[إبراهيم: 34] وهذا صريح في إثبات النعمة في حق الكفار.

واعلم أن الخلاف في هذه المسألة راجع إلى العبارة. وذلك لأنه لا نزاع في أن هذه الأشياء أعني الحياة والعقل والسمع والبصر وأنواع الرزق والمنافع من الله تعالى إنما الخلاف في أن أمثال هذه المنافع إذا حصل عقيبها تلك المضار الأبدية هل يطلق في العرف عليها اسم النعمة أم لا؟ ومعلوم أن ذلك نزاع في مجرد عبارة، وأما الذي يدل على أن ما لا يلتذ به المكلف فهو تعالى إنما خلقه لينتفع به في الاستدلال على الصانع وعلى لطفه وإحسانه فأمور. أحدها: قوله تعالى في سورة أتى أمر الله: {يُنَزّلُ ٱلْمَلَـٰئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآء مِنْ عِبَادِهِ} فيبين تعالى أنه إنما بعث الرسل مبشرين ومنذرين ولأجل الدعوة إلى وحدانيته والإيمان بتوحيده وعدله، ثم إنه تعالى قال:

{
خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقّ تَعَـٰلَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ خَلَقَ ٱلإِنْسَـٰنَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ}
[النحل: 3 ـ 4] فبين أن حدوث العبد مع ما فيه من الكفر من أعظم الدلائل على وجود الصانع وهو انقلابه من حال إلى حال، من كونه نطفة ثم علقة ثم مضغة إلى أن ينتهي من أخس أحواله وهو كونه نطفة إلى أشرف أحواله وهو كونه خصيماً مبيناً، ثم ذكر بعد ذلك وجوه إنعامه فقال:

{وَٱلأَنْعَـٰمَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْء وَمَنَـٰفِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ}
[النحل: 5] إلى قوله:

{
هُوَ ٱلَّذِى أَنْزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَآء لَّكُم مَّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُون}
[النحل: 10] بين بذلك الرد على الدهرية وأصحاب الطبائع لأنه تعالى بين أن الماء واحد والتراب واحد ومع ذلك اختلفت الألوان والطعوم والروائح، ثم قال:

{
وَسَخَّر لَكُمُ ٱلليل وَٱلنهار}
[النحل:12] بين به الرد على المنجمين وأصحاب الأفلاك حيث استدل بحركاتها وبكونها مسخرة على طريقة واحدة على حدوثها فأثبت سبحانه وتعالى بهذه الآيات أن كل ما في العالم مخلوق لأجل المكلفين لأن كل ما في العالم مما يغاير ذات المكلف ليس يخلو من أن يلتذ به المكلف ويستروح إليه فيحصل له به سرور أو يتحمل عنه كلفة أو يحصل له به اعتبار نحو الأجسام المؤذية كالحيات والعقارب فيتذكر بالنظر إليها أنواع العقاب في الآخرة فيحترز منها ويستدل بها على المنعم الأعظم، فثبت أنه لا يخرج شيء من مخلوقاته عن هذه المنافع، ثم إنه سبحانه وتعالى نبه على عظم إنعامه بهذه الأشياء في آخر هذه الآيات فقال:

{
وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا}
[النحل:18]. وثانيها: قوله تعالى:

{
وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مّن كُلّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ}
[النحل: 112] فنبه بذلك على أن كون النعمة واصلة إليهم يوجب أن يكون كفرانها سبباً للتبديل، وثالثها: قوله في قصة قارون:

{
وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ}
[القصص: 77] وقال:

{
أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَـٰهِرَةً وَبَاطِنَةً}
[لقمان: 20] وقال:

{
أَفَرَءيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ أأنتم تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ ٱلْخَـٰلِقُونَ}
[الواقعة: 58] وقال:

{
فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ}
[الرحمن: 16] على سبيل التكرير وكل ما في هذه السورة فهو من النعم، إما في الدين أو في الدنيا فهذا ما يتعلق بهذا الباب.

المسألة الثالثة: في النعم المخصوصة ببني إسرائيل قال بعض العارفين: عبيد النعم كثيرون وعبيد المنعم قليلون، فالله تعالى ذكر بني إسرائيل بنعمه عليهم ولما آل الأمر إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم ذكرهم بالمنعم فقال:

{
فَٱذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ}
[البقرة:152] فدل ذلك على فضل أمة محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأمم.

واعلم أن نعم الله تعالى على بني إسرائيل كثيرة (أ) استنقذهم مما كانوا فيه من البلاء من فرعون وقومه وأبدلهم من ذلك بتمكينهم في الأرض وتخليصهم من العبودية كما قال:

{
وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِى ٱلأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ وَنُمَكّنَ لَهُمْ فِى ٱلأَرْضِ وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَحْذَرونَ}
[القصص: 5، 6]. (ب) جعلهم أنبياء وملوكاً بعد أن كانوا عبيداً للقبط فأهلك أعداءهم وأورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم كما قال:

{
كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَـٰهَا بَنِى إِسْرٰءيلَ}
[الشعراء: 59] (ج) أنزل عليهم الكتب العظيمة التي ما أنزلها على أمة سواهم كما قال:

{وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَـٰقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاء وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً وَءاتَـٰكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مّن ٱلْعَـٰلَمِينَ}
[المائدة: 20]. (د) روى هشام عن ابن عباس أنه قال: من نعمة الله تعالى على بني إسرائيل أن نجاهم من آل فرعون وظلل عليهم في التيه الغمام وأنزل عليهم المن والسلوى في التيه وأعطاهم الحجر الذي كان كرأس الرجل يسقيهم ما شاؤوا من الماء متى أرادوا فإذا استغنوا عن الماء رفعوه فاحتبس الماء عنهم وأعطاهم عموداً من النور ليضيء لهم بالليل وكانت رؤوسهم لا تتشعث وثيابهم لا تبلى. واعلم أنه سبحانه وتعالى إنما ذكرهم بهذه النعم لوجوه: أحدها: أن في جملة النعم ما يشهد بصدق محمد صلى الله عليه وسلم وهو التوراة والإنجيل والزبور. وثانيها: أن كثرة النعم توجب عظم المعصية فذكرهم تلك النعم لكي يحذروا مخالفة ما دعوا إليه من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن. وثالثها: أن تذكير النعم الكثيرة يوجب الحياء عن إظهار المخالفة. ورابعها: أن تذكير النعم الكثيرة يفيد أن المنعم خصهم من بين سائر الناس بها ومن خص أحداً بنعم كثيرة فالظاهر أنه لا يزيلها عنهم لما قيل: إتمام المعروف خير من ابتدائه فكأن تذكير النعم السالفة يطمع في النعم الآتية، وذلك الطمع مانع من إظهار المخالفة والمخاصمة. فإن قيل: هذه النعم ما كانت على المخاطبين بل كانت على آبائهم فكيف تكون نعماً عليهم وسبباً لعظم معصيتهم؟ والجواب من وجوه: أحدها: لولا هذه النعم على آبائهم لما بقوا فما كان يحصل هذا النسل فصارت النعم على الآباء كأنها نعم على الأبناء. وثانيها: أن الانتساب إلى الآباء وقد خصهم الله تعالى بنعم الدين والدنيا نعمة عظيمة في حق الأولاد. وثالثها: الأولاد متى سمعوا أن الله خص آباءهم بهذه النعم لمكان طاعتهم وإعراضهم عن الكفر والجحود رغب الولد في هذه الطريقة لأن الولد مجبول على التشبه بالأب في أفعال الخير فيصير هذا التذكير داعياً إلى الاشتغال بالخيرات والإعراض عن الشرور.

أما قوله تعالى: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِى أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} فاعلم أن العهد يضاف إلى المعاهد والمعاهد جميعاً وذكروا في هذا العهد قولين: الأول: أن المراد منه جميع ما أمر الله به من غير تخصيص ببعض التكاليف دون بعض ثم فيه روايات. إحداها: أنه تعالى جعل تعريفه إياهم نعمه عهداً له عليهم من حيث يلزمهم القيام بشكرها كما يلزمهم الوفاء بالعهد والميثاق، وقوله: {أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} أراد به الثواب والمغفرة. فجعل الوعد بالثواب شبيهاً بالعهد من حيث اشتراكهما في أنه لا يجوز الإخلال به. ثانيها: قال الحسن: المراد منه العهد الذي أخذه الله تعالى على بني إسرائيل في قوله تعالى:

{
وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَىْ عَشَرَ نَقِيباً، وَقَالَ ٱللَّهُ إِنّى مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلوٰةَ وَءاتَيْتُمْ ٱلزَّكَوٰةَ}

[المائدة: 12] إلى قوله:
{
ولأَدْخِلَنَّكُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ}
[المائدة: 12] فمن وفى لله بعهده وفى الله له بعهده، وثالثها: وهو قول جمهور المفسرين أن المراد أوفوا بما أمرتكم به من الطاعات ونهيتكم عنه من المعاصي أوف بعهدكم، أي أرضى عنكم وأدخلكم الجنة وهو الذي حكاه الضحاك عن ابن عباس وتحقيقه ما جاء في قوله تعالى:

{
إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوٰلَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ}
[التوبة: 111] إلى قوله تعالى:

{
وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِى بَايَعْتُمْ بِهِ}
[التوبة: 111].

القول الثاني: أن المراد من هذا العهد ما أثبته في الكتب المتقدمة من وصف محمد صلى الله عليه وسلم وأنه سيبعثه على ما صرح بذلك في سورة المائدة بقوله:

{
وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ بَنِى إِسْرٰءيلَ}
[المائدة: 12] إلى قوله:

{
لأكَفّرَنَّ عَنْكُمْ سَيّئَـٰتِكُمْ وَلاَدْخِلَنَّكُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ}
[المائدة: 12] وقال في سورة الأعراف:

{
ورحمتي وسعت كل شىء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل}
[الأعراف: 156- 157] وأما عهد الله معهم فهو أن ينجز لهم ما وعدهم من وضع ما كان عليهم من الإصر والأغلال التي كانت في أعناقهم، وقال:

{
وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلنَّبِيّيْنَ لَمَا ءاتَيْتُكُم مّن كِتَـٰبٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدّقٌ}
[آل عمران: 81] الآية. وقال:

{
وَإِذْ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ يٰبَنِى إِسْرٰءيلَ أَنّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَىَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَمُبَشّراً بِرَسُولٍ يَأْتِى مِن بَعْدِى ٱسْمُهُ أَحْمَدُ}
[الصف: 6]. وقال ابن عباس: إن الله تعالى كان عهد إلى بني إسرائيل في التوراة أني باعث من بني إسماعيل نبياً أمياً فمن تبعه وصدق بالنور الذي يأتي به ـ أي بالقرآن ـ غفرت له ذنبه وأدخلته الجنة وجعلت له أجرين، أجراً باتباع ما جاء به موسى وجاءت به سائر أنبياء بني إسرائيل، وأجراً باتباع ما جاء به محمد النبي الأمي من ولد إسماعيل وتصديق هذا في قوله تعالى:

{
ٱلَّذِينَ ءاتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ}
[القصص: 52] إلى قوله:

{
أُوْلَـئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ}
[القصص: 54] وكان علي بن عيسى يقول تصديق ذلك في قوله تعالى:

{
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءامِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ}
[الحديد: 28] وتصديقه أيضاً فيما روى أبو موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين رجل من أهل الكتاب آمن بعيسى ثم آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم فله أجران، ورجل أدب أمته فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران، ورجل أطاع الله وأطاع سيده فله أجران "
بقي ههنا سؤالان:

السؤال الأول: لو كان الأمر كما قلتم فكيف يجوز من جماعتهم جحده؟ والجواب من وجهين: الأول: أن هذا العلم كان حاصلاً عند العلماء بكتبهم لكن لم يكن لهم العدد الكثير فجاز منهم كتمانه.

الثاني: أن ذلك النص كان نصاً خفياً لا جلياً فجاز وقوع الشكوك والشبهات فيه.

السؤال الثاني: الشخص المبشر به في هذه الكتب إما أن يكون قد ذكر في هذه الكتب وقت خروجه ومكان خروجه وسائر التفاصيل المتعلقة بذلك أو لم يذكر شيء من ذلك، فإن كان ذلك النص نصاً جلياً وارداً في كتب منقولة إلى أهل العلم بالتواتر فكان يمتنع قدرتهم على الكتمان وكان يلزم أن يكون ذلك معلوماً بالضرورة من دين الأنبياء المتقدمين. وإن كان الثاني لم يدل ذلك النص على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم لاحتمال أن يقولوا: إن ذلك المبشر به سيجيء بعد ذلك على ما هو قول جمهور اليهود. والجواب أن الذين حملوا قوله تعالى: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِى أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} على الأمر بالتأمل في الدلائل الدالة على التوحيد والنبوة على ما شرحناه في القول الأول إنما اختاروه لقوة هذا السؤال، فأما من أراد أن ينصر القول الثاني فإنه يجيب عنه بأن تعيين الزمان والمكان لم يكن منصوصاً عليه نصاً جلياً يعرفه كل أحد بل كان منصوصاً عليه نصاً خفياً فلا جرم لم يلزم أن يعلم ذلك بالضرورة من دين الأنبياء المتقدمين عليهم السلام ولنذكر الآن بعض ما جاء في كتب الأنبياء المتقدمين من البشارة بمقدم محمد صلى الله عليه وسلم، فالأول: جاء في الفصل التاسع من السفر الأول من التوراة أن هاجر لما غضبت عليها سارة تراءى لها ملك (من قبل) الله فقال لها يا هاجر أين تريدين ومن أين أقبلت؟ قالت: أهرب من سيدتي سارة فقال لها: ارجعي إلى سيدتك واخفضي لها فإن الله سيكثر زرعك وذريتك وستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه إسماعيل من أجل أن الله سمع تبتلك وخشوعك وهو يكون عين الناس وتكون يده فوق الجميع ويد الجميع مبسوطة إليه بالخضوع وهو يشكر على رغم جميع إخوته.

واعلم أن الاستدلال بهذا الكلام أن هذا الكلام خرج مخرج البشارة وليس يجوز أن يبشر الملك من قبل الله بالظلم والجور وبأمر لا يتم إلا بالكذب على الله تعالى ومعلوم أن إسماعيل وولده لم يكونوا متصرفين في الكل أعني في معظم الدنيا ومعظم الأمم ولا كانوا مخالطين للكل على سبيل الاستيلاء إلا بالإسلام لأنهم كانوا قبل الإسلام محصورين في البادية لا يتجاسرون على الدخول في أوائل العراق وأوائل الشام إلا على أتم خوف، فلما جاء الإسلام استولوا على الشرق والغرب بالإسلام ومازجو الأمم ووطئوا بلادهم ومازجتهم الأمم وحجوا بيتهم ودخلوا باديتهم بسبب مجاورة الكعبة، فلو لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم صادقاً لكانت هذه المخالطة منهم للأمم ومن الأمم لهم معصية لله تعالى وخروجاً عن طاعته إلى طاعة الشيطان والله يتعالى عن أن يبشر بما هذا سبيله.

والثاني: جاء في الفصل الحادي عشر من السفر الخامس: «إن الرب إلهكم يقيم لكم نبياً مثلي من بينكم ومن إخوانكم»، وفي هذا الفصل أن الرب تعالى قال لموسى: «إني مقيم لهم نبياً مثلك من بين إخوانهم وأيما رجل لم يسمع كلماتي التي يؤديها عني ذلك الرجل باسمي أنا أنتقم منه». وهذا الكلام يدل على أن النبي الذي يقيمه الله تعالى ليس من بني إسرائيل كما أن من قال لبني هاشم: إنه سيكون من إخوانكم إمام، عقل أنه لا يكون من بني هاشم، ثم إن يعقوب عليه السلام هو إسرائيل ولم يكن له أخ إلا العيص ولم يكن للعيص ولد من الأنبياء سوى أيوب وإنه كان قبل موسى عليه السلام فلا يجوز أن يكون موسى عليه السلام مبشراً به، وأما اسماعيل فإنه كان أخاً لإسحق والد يعقوب ثم إن كل نبي بعث بعد موسى كان من بني إسرائيل، فالنبي عليه السلام ما كان منهم لكنه كان من إخوانهم لأنه من ولد إسماعيل الذي هو أخو إسحق عليهم السلام. فإن قيل قوله: «من بينكم» يمنع من أن يكون المراد محمداً صلى الله عليه وسلم لأنه لم يقم من بين بني إسرائيل. قلنا: بل قد قام من بينهم لأنه عليه السلام ظهر بالحجاز فبعث بمكة وهاجر إلى المدينة وبها تكامل أمره. وقد كان حول المدينة بلاد اليهود كخيبر وبني قينقاع والنضير وغيرهم، وأيضاً فإن الحجاز يقارب الشام وجمهور اليهود كانوا إذ ذاك بالشام، فإذا قام محمد بالحجاز فقد قام من بينهم، وأيضاً فإنه إذا كان من إخوانهم فقد قام من بينهم فإنه ليس ببعيد منهم. والثالث: قال في الفصل العشرين من هذا السفر: «إن الرب تعالى جاء في طور سيناء وطلع لنا من ساعير وظهر من جبال فاران وصف عن يمينه عنوان القديسين فمنحهم العز وحببهم إلى الشعوب ودعا لجميع قديسيه بالبركة، وجه الاستدلال: أن جبل فاران هو بالحجاز لأن في التوراة أن اسماعيل تعلم الرمي في برية فاران، ومعلوم أنه إنما سكن بمكة. إذا ثبت هذا فنقول: إن قوله: «فمنحهم العز» لا يجوز أن يكون المراد إسماعيل عليه السلام لأنه لم يحصل عقيب سكنى إسماعيل عليه السلام هناك عز ولا اجتمع هناك ربوات القديسين فوجب حمله على محمد عليه السلام. قالت اليهود: المراد أن النار لما ظهرت من طور سيناء ظهرت من ساعير نار أيضاً ومن جبل فاران أيضاً فانتشرت في هذه المواضع قلنا هذا لا يصح لأن الله تعالى لو خلق ناراً في موضع فإنه لا يقال جاء الله من ذلك إذا تابع ذلك الواقعة وحي نزل في ذلك الموضع أو عقوبة وما أشبه ذلك.

وعندكم أنه لم يتبع ظهور النار وحي ولا كلام إلا من طور سيناء فما كان ينبغي إلا أن يقال ظهر من ساعير ومن جبل فاران فلا يجوز وروده كما لا يقال جاء الله من الغمام إذا ظهر في الغمام احتراق ونيران كما يتفق ذلك في أيام الربيع، وأيضاً ففي كتاب حقوق بيان ما قلنا وهو جاء الله من طور سيناء والقدس من جبل فاران، وانكشفت السماء من بهاء محمد وامتلأت الأرض من حمده. يكون شعاع منظره مثل النور يحفظ بلده بعزه تسير المنايا أمامه ويصحب سباع الطير أجناده قام فمسح الأرض وتأمل الأمم وبحث عنها فتضعضعت الجبال القديمة واتضعت الروابي والدهرية، وتزعزعت ستور أهل مدين ركبت الخيول، وعلوت مراكب الانقياد والغوث وستنزع في قسيك إغراقاً ونزعاً وترتوي السهام بأمرك يا محمد ارتواء وتخور الأرض بالأنهار، ولقد رأتك الجبال فارتاعت وانحرف عنك شؤبوب السيل ونفرت المهاري نفيراً ورعباً ورفعت أيديها وجلاً وفرقاً وتوقفت الشمس والقمر عن مجراهما وسارت العساكر في برق سهامك ولمعان بيانك تدوخ الأرض غضباً وتدوس الأمم زجراً لأنك ظهرت بخلاص أمتك وإنقاذ تراب آبائك». هكذا نقل عن ابن رزين الطبري. أما النصارى فقال أبو الحسين رحمه الله في كتاب الغرر قد رأيت في نقولهم: «وظهر من جبال فاران لقد تقطعت السماء من بهاء محمد المحمود وترتوى السهام بأمرك المحمود لأنك ظهرت بخلاص أمتك وإنقاذ مسيحك»، فظهر بما ذكرنا أن قوله تعالى في التوراة: «ظهر الرب من جبال فاران» ليس معناه ظهور النار منه بل معناه ظهور شخص موصوف بهذه الصفات وما ذاك إلا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم. فإن قالوا المراد مجيء الله تعالى ولهذا قال في آخر الكلام: «وإنقاذ مسيحك» قلنا لا يجوز وصف الله تعالى بأنه يركب الخيول وبأن شعاع منظره مثل النور وبأنه جاز المشاعر القديمة، أما قوله: (وإنقاذ مسيحك) فإن محمداً عليه السلام أنقذ المسيح من كذب اليهود والنصارى. والرابع: ما جاء في كتاب أشعياء في الفصل الثاني والعشرين منه: «قومي فأزهري مصباحك، يريد مكة، فقد دناوقتك وكرامة الله تعالى طالعة عليك فقد تجلل الأرض الظلام وغطى على الأمم الضباب والرب يشرق عليك إشراقاً ويظهر كرامته عليك تسير الأمم إلى نورك والملوك إلى ضوء طلوعك وارفعي بصرك إلى ما حولك وتأملي فإنهم مستجمعون عندك ويحجونك ويأتيك ولدك من بلد بعيد لأنك أم القرى فأولاد سائر البلاد كأنهم أولاد مكة وتتزين ثيابك على الأرائك والسرر حين ترين ذلك تسرين وتبتهجين من أجل أنه يميل إليك ذخائر البحر ويحج إليك عساكر الأمم ويساق إليك كباش مدين ويأتيك أهل سبأ ويتحدثون بنعم الله ويمجدونه وتسير إليك أغنام فاران ويرفع إلى مذبحي ما يرضيني وأحدث حينئذ لبيت محمدتي حمداً».

 

تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق

قوله تعالى: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ} نداء مضاف، علامة النصب فيه الياء، وحذفت منه النون للإضافة. الواحد ٱبن، والأصل فيه بني، وقيل: بَنَوٌ؛ فمن قال: المحذوف منه واو ٱحتج بقولهم: البنوّة. وهذا لا حجة فيه؛ لأنهم قد قالوا: الفتّوة، وأصله الياء. وقال الزجاج: المحذوف منه عندي ياء كأنه من بنيت. الأخفش: اختار أن يكون المحذوف منه الواو؛ لأن حذفها أكثر لثقلها. ويقال: ٱبن بيّن البنوّة، والتصغير بُنيّ. قال الفراء: يقال: يا بُنَيِّ ويا بُنَيَّ لغتان، مثل يا أبتِ ويا أبتَ؛ وقرىء بهما. وهو مشتقّ من البناء وهو وضع الشيء على الشيء؛ والابن فرع للأب وهو موضوع عليه.

وإسرائيل هو يعقوب بن إسحٰق بن إبراهيم عليهم السلام. قال أبو الفرج الجَوْزِيّ: وليس في الأنبياء من له ٱسمان غيره، إلا نبينّا محمد صلى الله عليه وسلم فإن له أسماء كثيرة. ذكره في كتاب «فهوم الآثار» له.

قلت: وقد قيل في المسيح إنه ٱسم عَلَم لعيسى عليه السلام غير مشتق، وقد سمّاه الله رُوحاً وكَلِمة، وكانوا يسمّونه أبِيل الأَبِيلين؛ ذكره الجوهري في الصحاح. وذكر البيهقي في «دلائل النبوّة» عن الخليل بن أحمد: خمسة من الأنبياء ذوو ٱسمين، محمد وأحمد نبيّنا صلى الله عليه وسلم، وعيسى والمسيح، وإسرائيل ويعقوب، ويونس وذو النون، وإلياس وذو الكفل صلى الله عليه وسلم.

قلت: ذكرنا أن لعيسى أربعة أسماء، وأما نبينا صلى الله عليه وسلم فله أسماء كثيرة، بيانها في مواضعها.

وإسرائيل: ٱسم أعجمي، ولذلك لم ينصرف؛ وهو في موضع خفض بالإضافة. وفيه سبع لغات: إسرائيل، وهي لغة القرآن. وإسرائيل، بمدّة مهموزة مختلسة، حكاها شنّبوذ عن وَرْش. وإسراييل، بمدّة بعد الياء من غير همز، وهي قراءة الأعمش وعيسى بن عمر؛ وقرأ الحسن والزهريّ بغير همز ولا مدّ. وإسرائل، بغير ياء بهمزة مكسورة. وإسراءَل، بهمزة مفتوحة. وتميم يقولون: إسرائين، بالنون. ومعنى إسرائيل: عبد الله. قال ابن عباس: إسرا بالعبرانية هو عبد، وإيل هو الله. وقيل: إسرا هو صفوة الله، وإيل هو الله. وقيل: إسرا من الشدّ؛ فكأن إسرائيل الذي شدّه الله وأتقن خلقه؛ ذكره المهدَوي. وقال السُّهيلي: سميّ إسرائيل لأنه أسرى ذات ليلة حين هاجر إلى الله تعالى؛ فسمي إسرائيل أي أسرى إلى الله ونحو هذا؛ فيكون بعض الاسم عبرانياً وبعضه موافقاً للعرب. والله أعلم.

قوله تعالى: {ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} الذكر ٱسم مشترك، فالذكر بالقلب ضدّ النسيان، والذكر باللسان ضدّ الإنصات. وذكرت الشيء بلساني وقلبي ذكرا. وٱجعله منك على ذُكْر (بضم الذال) أي لا تنسه. قال الكسائي: ما كان بالضمير فهو مضموم الذال، وما كان باللسان فهو مكسور الذال. وقال غيره: هما لغتان، يقال: ذِكْر وذُكْر، ومعناهما واحد

والذَّكر (بفتح الذال) خلاف الأنثى. والذِّكر أيضاً الشرف؛ ومنه قوله:
{
وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ}
[الزخرف:44]. قال ٱبن الأنباري: والمعنى في الآية ٱذكروا شكر نعمتي؛ فحذف الشكر ٱكتفاء بذكر النعمة. وقيل: إنه أراد الذكر بالقلب وهو المطلوب؛ أي لا تغفلوا عن نعمتي التي أنعمت عليكم ولا تناسوها؛ وهو حسن. والنعمة هنا ٱسم جنس، فهي مفردة بمعنى الجمع، قال الله تعالى:

{
وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا}
[إبراهيم: 34] أي نِعمَه. ومن نعمه عليهم أن أنجاهم من آل فرعون، وجعل منهم أنبياء، وأنزل عليهم الكتب والمنّ والسَّلْوَى، وفجّر لهم من الحجر الماء، إلى ما ٱستودعهم من التوراة التي فيها صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته ورسالته. والنعم على الآباء نعم على الأبناء؛ لأنهم يشرفون بشرف آبائهم.

تنبيه: قال أرباب المعاني: ربط سبحانه وتعالى بني إسرائيل بذكر النعمة وأسقطه عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى ذكره، فقال:

{
فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ}
[البقرة: 152] ليكون نظر الأمم من النعمة إلى المنعم، ونظر أمة محمد صلى الله عليه وسلم من المنعم إلى النعمة.

قوله تعالى: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} أمْرٌ وجوابه. وقرأ الزهريّ: «أُوَفّ» (بفتح الواو وشد الفاء) للتكثير. وٱختلف في هذا العهد ما هو؛ فقال الحسن: عهده قوله:

{
خُذُواْ مَآ آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ}
[البقرة: 63]، وقوله:

{
وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً}
[المائدة: 12]. وقيل هو قوله:

{
وَإِذَ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ}
[آل عمران: 187]. وقال الزجاج: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ} الذي عهدت إليكم في التوراة من ٱتباع محمد صلى الله عليه وسلم، {أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} بما ضمنت لكم على ذلك، إن أوفيتم به فلكم الجنة. وقيل: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ} في أداء الفرائض على السنة والإخلاص، {أُوفِ} بقبولها منكم ومجازاتكم عليها. وقال بعضهم: {أَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ} في العبادات، {أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} أي أوصلكم إلى منازل الرعايات. وقيل: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ} في حفظ آداب الظواهر، {أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} بتزيين سرائركم. وقيل: هو عام في جميع أوامره ونواهيه ووصاياه؛ فيدخل في ذلك ذكر محمد صلى الله عليه وسلم الذي في التوراة وغيره. هذا قول الجمهور من العلماء، وهو الصحيح. وعهده سبحانه وتعالى هو أن يدخلهم الجنة.

قلت: وما طلب من هؤلاء من الوفاء بالعهد هو مطلوب منا؛ قال الله تعالى:

{
أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ}
[المائدة: 1]،

{
وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ}
[النحل: 91]؛ وهو كثير. ووفاؤهم بعهد الله أمارة لوفاء الله تعالى لهم لا علة له، بل ذلك تفضُّلٌ منه عليهم.

قوله تعالى: {وَإِيَّايَ فَٱرْهَبُونِ} أي خافون. والرُّهْبُ والرَّهْبُ والرَّهْبَة: الخوف. ويتضمّن الأمر به معنى التهديد. وسقطت الياء بعد النون لأنها رأس آية. وقرأ ٱبن أبي إسحاق: «فٱرْهَبونِي» بالياء، وكذا «فٱتّقوني»؛ على الأصل. «وإيّايَ» منصوب بإضمار فعل، وكذا الاختيار في الأمر والنهي والاستفهام؛ التقدير: وإياي ٱرهبوا فٱرهبون. ويجوز في الكلام وأنا فٱرهبون؛ على الابتداء والخبر. وكون «فٱرهبون» الخبر على تقدير الحذف؛ المعنى وأنا ربكم فٱرهبون.

 

تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق

يقول تعالى آمراً بني إسرائيل بالدخول في الإسلام، ومتابعة محمد عليه من الله أفضل الصلاة والسلام، ومهيجاً لهم بذكر أبيهم إسرائيل، وهو نبي الله يعقوب عليه السلام، وتقديره: يا بني العبد الصالح المطيع لله، كونوا مثل أبيكم في متابعة الحق؛ كما تقول: يابن الكريم افعل كذا، يابن الشجاع بارز الأبطال، يابن العالم اطلب العلم، ونحو ذلك. ومن ذلك أيضاً قوله تعالى:
{
ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا}
[الإسراء: 3] فإسرائيل هو يعقوب بدليل ما رواه أبو داود الطيالسي: حدثنا عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب، قال: حدثني عبد الله بن عباس قال: حضرت عصابة من اليهود نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: " هل تعلمون أن إسرائيل يعقوب؟ "
قالوا: اللهم نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اللهم اشهد " وقال الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن عمير مولى ابن عباس عن عبد الله بن عباس: إن إسرائيل كقولك: عبد الله. وقوله تعالى: {ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِىۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} قال مجاهد: نعمة الله التي أنعم بها عليهم فيما سمى، وفيما سوى ذلك: أن فجر لهم الحجر، وأنزل عليهم المن والسلوى، ونجاهم من عبودية آل فرعون. وقال أبو العالية: نعمته أن جعل منهم الأنبياء والرسل، وأنزل عليهم الكتب، قلت: وهذا كقول موسى عليه السلام لهم:
{
يَـٰقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً وَءَاتَـٰكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن ٱلْعَـٰلَمِينَ}
[المائدة: 20] يعني في زمانهم، وقال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة، أو سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: {ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِىۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} أي: بلائي عندكم وعند آبائكم لما كان نجاهم من فرعون وقومه {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِىۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} قال: بعهدي الذي أخذت في أعناقكم للنبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءكم أنجز لكم ما وعدتكم عليه من تصديقه واتباعه بوضع ما كان عليكم من الآصار والأغلال التي كانت في أعناقكم بذنوبكم التي كانت من إحداثكم. وقال الحسن البصري: هو قوله تعالى:

{
وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ بَنِىۤ إِسْرَٰءِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَىْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّى مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلوٰةَ وَءَاتَيْتُمْ ٱلزَّكَوٰةَ وَءَامَنتُمْ بِرُسُلِى وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَـٰتِكُمْ وَلاَُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلاَْنْهَـٰرُ}
[المائدة: 12] الآية. وقال آخرون: هو الذي أخذ الله عليهم في التوراة أنه سيبعث من بني إسماعيل نبياً عظيماً يطيعه جميع الشعوب، والمراد به محمد صلى الله عليه وسلم فمن اتبعه غفر الله له ذنبه، وأدخله الجنة، وجعل له أجرين.

وقد أورد الرازي بشارات كثيرة عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بمحمد صلى الله عليه وسلم قال أبو العالية: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِىۤ} قال: عهده إلى عباده دين الإسلام، وأن يتبعوه. وقال الضحاك عن ابن عباس: أوف بعهدكم، قال: أرض عنكم، وأدخلكم الجنة، وكذا قال السدي والضحاك وأبو العالية والربيع بن أنس. وقوله تعالى: {وَإِيَّـٰىَ فَٱرْهَبُونِ} أي: فاخشون، قاله أبو العالية والسدي والربيع بن أنس وقتادة. وقال ابن عباس في قوله تعالى: {وَإِيَّـٰىَ فَٱرْهَبُونِ} أي: أن أنزل بكم ما أنزلت بمن كان قبلكم من آبائكم من النقمات التي قد عرفتم؛ من المسخ وغيره، وهذا انتقال من الترغيب إلى الترهيب، فدعاهم إليه بالرغبة والرهبة؛ لعلهم يرجعون إلى الحق واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والاتعاظ بالقرآن وزواجره، وامتثال أوامره وتصديق أخباره، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، ولهذا قال: {وَءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ} يعني به: القرآن الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم النبي الأمي العربي، بشيراً ونذيراً وسراجاً منيراً، مشتملاً على الحق من الله تعالى، مصدقاً لما بين يديه من التوراة والإنجيل. قال أبو العالية رحمه الله في قوله تعالى: {وَءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ} يقول: يا معشر أهل الكتاب آمنوا بما أنزلت مصدقاً لما معكم، يقول: لأنهم يجدون محمداً صلى الله عليه وسلم مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيلـ وروي عن مجاهد والربيع بن أنس وقتادة نحو ذلك، وقوله: {وَلاَ تَكُونُوۤاْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} قال بعض المعربين: أول فريق كافر به، أو نحو ذلك، قال ابن عباس: ولا تكونوا أول كافر به، وعندكم فيه من العلم ما ليس عند غيركم. قال أبو العالية: يقول: ولا تكونوا أول من كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم يعني من جنسكم أهل الكتاب بعد سماعكم بمبعثه، وكذا قال الحسن والسدي والربيع بن أنس، واختار ابن جرير أن الضمير في قوله: {بِهِ} عائد على القرآن الذي تقدم ذكره في قوله: {بِمَآ أَنزَلْتُ} وكلا القولين صحيح؛ لأنهما متلازمان، لأن من كفر بالقرآن فقد كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ومن كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم فقد كفر بالقرآن، وأما قوله: {أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} فيعني به: أول من كفر به من بني إسرائيل، لأنه قد تقدمهم من كفار قريش وغيرهم من العرب بشر كثير، وإنما المراد أول من كفر به من بني إسرائيل مباشرة، فإن يهود المدينة أول بني إسرائيل خوطبوا بالقرآن، فكفرهم به يستلزم أنهم أول من كفر به من جنسهم. وقوله تعالى: {وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَـٰتِي ثَمَنًا قَلِيلاً} يقول: لا تعتاضوا عن الإيمان بآياتي وتصديق رسولي بالدنيا وشهواتها، فإنها قليلة فانية، كما قال عبد الله بن المبارك: أنبأنا عبد الرحمن بن زيد بن جابر عن هارون بن يزيد قال: سئل الحسن، يعني البصري، عن قوله تعالى: ثمناً قليلاً، قال: الثمن القليل: الدنيا بحذافيرها.

قال ابن لهيعة: حدثني عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: {وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَـٰتِي ثَمَنًا قَلِيلاً} إن آياته كتابه الذي أنزله إليهم، وإن الثمن القليل الدنيا وشهواتها. وقال السدي: {وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَـٰتِي ثَمَنًا قَلِيلاً} يقول: لا تأخذوا طمعاً قليلاً، ولا تكتموا اسم الله، فذلك الطمع هو الثمن. وقال أبو جعفر: عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى: {وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَـٰتِي ثَمَنًا قَلِيلاً} يقول: لا تأخذوا عليه أجراً، قال: وهو مكتوب عندهم في الكتاب الأول: يابن آدم عَلم مجاناً عُلمتَ مجاناً، وقيل: معناه: لا تعتاضوا عن البيان والإيضاح ونشر العلم النافع بالكتمان واللبس لتستمروا على رياستكم في الدنيا القليلة الحقيرة الزائلة عن قريب.

وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" من تعلم علماً مما يبتغىٰ به وجه الله، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا، لم يرح رائحة الجنة يوم القيامة " فأما تعليم العلم بأجرة، فإن كان قد تعين عليه، فلا يجوز أن يأخذ عليه أجرة، ويجوز أن يتناول من بيت المال ما يقوم به حاله وعياله، فإن لم يحصل له منه شيء، وقطعه التعليم عن التكسب، فهو كما لم يتعين عليه، وإذا لم يتعين عليه، فإنه يجوز أن يأخذ عليه أجرة عند مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء كما في صحيح البخاري عن أبي سعيد في قصة اللديغ: " إن أحق ماأخذتم عليه أجراً كتاب الله " وقوله في قصة المخطوبة: «زوجتكها بما معك من القرآن» فأما حديث عبادة بن الصامت؛ أنه علم رجلاً من أهل الصفة شيئاً من القرآن، فأهدى له قوساً، فسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " إن أحببت أن تطوق بقوس من نار فاقبله " فتركه، رواه أبو داود، وروي مثله عن أبي ابن كعب مرفوعاً، فإن صح إسناده، فهو محمول عند كثير من العلماء، منهم: أبو عمر بن عبد البر، على أنه لما علمه لله، لم يجز بعد هذا أن يعتاض عن ثواب الله بذلك القوس، فأما إذا كان من أول الأمر على التعليم بالأجرة، فإنه يصح؛ كما في حديث اللديغ، وحديث سهل في المخطوبة، والله أعلم. وقوله: {وَإِيَّـٰىَ فَٱتَّقُونِ} قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو عمر الدوري، حدثنا أبو إسماعيل المؤدب عن عاصم الأحول عن أبي العالية عن طلق بن حبيب، قال: التقوى أن تعمل بطاعة الله رجاء رحمة الله على نور من الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله، ومعنى قوله: {وَإِيَّـٰىَ فَٱتَّقُونِ} أنه تعالى يتوعدهم فيما يتعمدونه؛ من كتمان الحق، وإظهار خلافه، ومخالفتهم الرسول صلوات الله وسلامه عليه.

 

تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 791 هـ) مصنف و مدقق

{يَا بَنِى إِسْرٰءيلَ} أي أولاد يعقوب، والابن من البناء لأنه مبني أبيه، ولذلك ينسب المصنوع إلى صانعه فيقال: أبو الحرب، وبنت الفكر. وإسرائيل لقب يعقوب عليه السلام ومعناه بالعبرية: صفوة الله، وقيل: عبد الله، وقرىء {إسرائل} بحذف الياء وإسرال بحذفهما و {إسراييل} بقلب الهمزة ياء.

{ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} أي بالتفكر فيها والقيام بشكرها، وتقييد النعمة بهم لأن الإنسان غيور حسود بالطبع، فإذا نظر إلى ما أنعم الله على غيره حمله الغيرة والحسد على الكفران والسخط، وإن نظر إلى ما أنعم الله به عليه حمله حب النعمة على الرضى والشكر. وقيل أراد بها ما أنعم الله به على آبائهم من الإنجاء من فرعون والغرق، ومن العفو عن اتخاذ العجل، وعليهم من إدراك زمن محمد صلى الله عليه وسلم وقرىء {ٱذْكُرُواْ} والأصل إذتكروا. ونعمتي بإسكان الياء وقفاً وإسقاطها درجاً هو مذهب من لا يحرك الياء المكسور ما قبلها.

{وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي} بالإيمان والطاعة.

{أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} بحسن الإثابة والعهد يضاف إلى المعاهِد والمعاهَد، ولعل الأول مضاف إلى الفاعل والثاني إلى المفعول، فإنه تعالى عهد إليهم بالإيمان والعمل الصالح بنصب الدلائل وإنزال الكتب، ووعد لهم بالثواب على حسناتهم، وللوفاء بهما عرض عريض فأول مراتب الوفاء منا هو الإتيان بكلمتي الشهادة، ومن الله تعالى حقن الدم والمال، وآخرها منا الاستغراق في بحر التوحيد بحيث يغفل عن نفسه فضلاً عن غيره، ومن الله تعالى الفوز باللقاء الدائم. وما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أوفوا بعهدي في اتباع محمد صلى الله عليه وسلم، أوف بعهدكم في رفع الآصار والإغلال. وعن غيره أوفوا بأداء الفرائض وترك الكبائر أوف بالمغفرة والثواب. أو أوفوا بالاستقامة على الطريق المستقيم، أوف بالكرامة والنعيم المقيم، فبالنظر إلى الوسائط. وقيل كلاهما مضاف إلى المفعول والمعنى: أوفوا بما عاهدتموني من الإيمان والتزام الطاعة، أوف بما عاهدتكم من حسن الإثابة. وتفصيل العهدين في سورة المائدة في قوله تعالى:

{
وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ بَنِى إِسْرٰءيلَ}
إلى قوله:

{
وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ}
وقرىء أوفِّ بالتشديد للمبالغة.

{وَإِيَّـٰيَ فَٱرْهَبُونِ} فيما تأتون وتذرون وخصوصاً في نقض العهد، وهو آكد في إفادة التخصيص من إياك نعبد لما فيه مع التقديم من تكرير المفعول، والفاء الجزائية الدالة على تضمن الكلام معنى الشرط كأنه قيل: إن كنتم راهبين شيئاً فارهبون. والرهبة: خوف مع تحرز. والآية متضمنة للوعد والوعيد دالة على وجوب الشكر والوفاء بالعهد، وأن المؤمن ينبغي أن لا يخاف أحداً إلا الله تعالى.

 

تفسير تفسير الجلالين/ المحلي و السيوطي (ت المحلي 864 هـ) مصنف و مدقق

{يَٰبَنِى إِسْرٰءيلَ} أولاد يعقوب {ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِى أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} أي على آبائكم من الإنجاء من فرعون وفلق البحر وتظليل الغمام وغير ذلك بأن تشكروها بطاعتي {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِى} الذي عهدته إليكم من الإيمان بمحمد {أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} الذي عهدته إليكم من الثواب عليه بدخول الجنة {وَإِيَّٰىَ فَٱرْهَبُونِ} خافونِ في ترك الوفاء به دون غيري.

 

تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق

اعلم أن كثيراً من المفسرين جاءوا بعلم متكلف، وخاضوا في بحر لم يكلفوا سباحته، واستغرقوا أوقاتهم في فنّ لا يعود عليهم بفائدة، بل أوقعوا أنفسهم في التكلف بمحض الرأي المنهي عنه في الأمور المتعلقة بكتاب الله سبحانه، وذلك أنهم أرادوا أن يذكروا المناسبة بين الآيات القرآنية، المسرودة على هذا الترتيب الموجود في المصاحف، فجاءوا بتكلفات، وتعسفات يتبرأ منها الإنصاف، ويتنزه عنها كلام البلغاء، فضلاً عن كلام الرب سبحانه، حتى أفردوا ذلك بالتصنيف، وجعلوه المقصد الأهمّ من التأليف، كما فعله البقاعي في تفسيره، ومن تقدّمه، حسبما ذكر في خطبته، وإن هذا لمن أعجب ما يسمعه من يعرف أن هذا القرآن ما زال ينزل مفرّقاً على حسب الحوادث المقتضية لنزوله، منذ نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن قبضه الله - عزّ وجل - إليه،

وكل عاقل فضلاً، عن عالم، لا يشك أن هذه الحوادث المقتضية نزول القرآن متخالفة باعتبار نفسها، بل قد تكون متناقضة، كتحريم أمرٍ كان حلالاً، وتحليل أمر كان حراماً، وإثبات أمر لشخص أو أشخاص يناقض ما كان قد ثبت لهم قبله، وتارة يكون الكلام مع المسلمين، وتارة مع الكافرين، وتارة مع من مضى، وتارة مع من حضر، وحيناً في عبادة، وحيناً في معاملة، ووقتاً في ترغيب، ووقتاً في ترهيب، وآونة في بشارة، وآونة في نذارة، وطوراً في أمر دنيا، وطوراً في أمر آخرة، ومرة في تكاليف آتية، ومرة في أقاصيص ماضية، وإذا كانت أسباب النزول مختلفة هذا الاختلاف، ومتباينة هذا التباين الذي لا يتيسر معه الائتلاف، فالقرآن النازل فيها هو باعتباره نفسه مختلف كاختلافها، فكيف يطلب العاقل المناسبة بين الضب، والنون، والماء والنار، والملاح، والحادي؟

وهل هذا إلا من فتح أبواب الشك، وتوسيع دائرة الريب على من في قلبه مرض، أو كان مرضه مجرد الجهل، والقصور، فإنه إذا وجد أهل العلم يتكلمون في التناسب بين جميع آي القرآن، ويفردون ذلك بالتصنيف، تقرّر عنده أن هذا أمر لا بد منه، وأنه لا يكون القرآن بليغاً معجزاً إلا إذا ظهر الوجه المقتضى للمناسبة، وتبين الأمر الموجب للارتباط، فإن وجد الاختلاف بين الآيات، فرجع إلى ما قاله المتكلمون في ذلك، فوجده تكلفاً محضاً، وتعسفاً بيناً انقدح في قلبه ما كان عنه في عافية، وسلامة، هذا على فرض أن نزول القرآن كان مترتباً على هذا الترتيب الكائن في المصحف؛ فكيف، وكل من له أدنى علم بالكتاب، وأيسر حظ من معرفته يعلم علماً يقيناً أنه لم يكن كذلك، ومن شك في هذا، وإن لم يكن مما يشك فيه أهل العلم، رجع إلى كلام أهل العلم العارفين بأسباب النزول، المطلعين على حوادث النبوّة، فإنه ينثلج صدره، ويزول عنه الريب، بالنظر في سورة من السور المتوسطة، فضلاً عن المطوّلة؛ لأنه لا محالة يجدها مشتملة على آيات نزلت في حوادث مختلفة، وأوقات متباينة لا مطابقة بين أسبابها وما نزل فيها في الترتيب، بل يكفي المقصر أن يعلم أن أوّل ما نزل:

{ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبّكَ ٱلَّذِى خَلَقَ}
[العلق: 1] وبعده

{
يأَيُّهَا ٱلْمُدَّثّرُ}
[المدثر: 1]

{
يأَيُّهَا ٱلْمُزَّمّلُ}
[المزمل: 1] وينظر أين موضع هذه الآيات، والسور في ترتيب المصحف؟

وإذا كان الأمر هكذا، فأيّ معنى لطلب المناسبة بين آيات نعلم قطعاً أنه قد تقدّم في ترتيب المصحف ما أنزله الله متأخراً، وتأخر ما أنزله الله متقدماً، فإن هذا عمل لا يرجع إلى ترتيب نزول القرآن، بل إلى ما وقع من الترتيب عند جمعه، ممن تصدّى لذلك من الصحابة، وما أقل نفع مثل هذا، وأنزر ثمرته، وأحقر فائدته، بل هو عند من يفهم ما يقول، وما يقال له من تضييع الأوقات، وإنفاق الساعات في أمر لا يعود بنفع على فاعله، ولا على من يقف عليه من الناس، وأنت تعلم أنه لو تصدى رجل من أهل العلم للمناسبة بين ما قاله رجل من البلغاء من خطبه، ورسائله وإنشاءاته، أو إلى ما قاله شاعر من الشعراء من القصائد التي تكون تارة مدحاً، وأخرى هجاء، وحيناً نسيباً، وحيناً رثاءً، وغير ذلك من الأنواع المتخالفة، فعمد هذا المتصدي إلى ذلك المجموع، فناسب بين فقره ومقاطعه، ثم تكلَّف تكلفاً آخر، فناسب بين الخطبة التي خطبها في الجهاد، والخطبة التي خطبها في الحج، والخطبة التي خطبها في النكاح، ونحو ذلك، وناسب بين الإنشاء الكائن في العزاء، والإنشاء الكائن في الهناء وما يشابه ذلك، لعدّ هذا المتصدي لمثل هذا مصاباً في عقله، متلاعباً بأوقاته، عابثاً بعمره الذي هو رأس ماله.

وإذا كان مثل هذا بهذه المنزلة وهو ركوب الأحموقة في كلام البشر، فكيف تراه يكون في كلام الله سبحانه الذي أعجزت بلاغته بلغاء العرب، وأبكمت فصاحته فصحاء عدنان، وقحطان؟ وقد علم كل مقصر وكامل أن الله سبحانه وصف هذا القرآن بأنه عربيّ، وأنزله بلغة العرب، وسلك فيه مسالكهم في الكلام، وجرى به مجاريهم في الخطاب. وقد علمنا أن خطيبهم كان يقوم المقام الواحد فيأتي بفنون متخالفة، وطرائق متباينة فضلاً عن المقامين، فضلاً عن المقامات، فضلاً عن جميع ما قاله ما دام حياً، وكذلك شاعرهم. ولنكتف بهذا التنبيه على هذه المفسدة التي تعثَّر في ساحتها كثير من المحققين،

وإنما ذكرنا هذا البحث في هذا الموطن؛ لأن الكلام هنا قد انتقل مع بني إسرائيل بعد أن كان قبله مع أبي البشر آدم عليه السلام، فإذا قال متكلف: كيف ناسب هذا ما قبله؟ قلنا: لا كيف:

فَدعْ عَنْكَ نَهباً صِيح في حُجَراته

   

وَهات حَدِيثاً مَا حَدِيثُ الرواحِل

قوله: {يا بَنِى إِسْرٰءيلَ} اتفق المفسرون على أن إسرائيل هو يعقوب بن إبراهيم عليهم السلام، ومعناه: عبد الله؛ لأن " إسر " في لغتهم هو: العبد، " وإيل " هو: الله، قيل: إن له اسمين. وقيل: إسرائيل لقب له، وهو اسم عجمي غير منصرف. وفيه سبع لغات: إسرائيل بزنة إبراهيم، وإسرائِيل بمدّة مهموزة مختلسة رواها ابن شنبوذ، عن ورش، وإسرائيل بمدّة بعد الياء من غير، همز وهي: قراءة الأعمش، وعيسى بن عمر، وقرأ الحسن من غير همز، ولا مدّ، وإسرائل بهمزة مكسورة. وإسراءَل بهمزة مفتوحة، وتميم يقولون: إسرائين. والذكر هو ضد الإنصات، وجعله بعض أهل اللغة مشتركاً بين ذكر القلب واللسان. وقال الكسائي: ما كان بالقلب، فهو مضموم الذال، وما كان باللسان، فهو مكسور الذال. قال ابن الأنباري: والمعنى في الآية: اذكروا شكر نعمتي، فحذف الشكر اكتفاءً بذكر النعمة، وهي اسم جنس، ومن جملتها أنه جعل منهم أنبياء، وأنزل عليهم الكتب، والمنّ والسلوى، وأخرج لهم الماء من الحجر، ونجاهم من آل فرعون وغير ذلك.

والعهد قد تقدم تفسيره. واختلف أهل العلم في العهد المذكور في هذه الآية ما هو؟ فقيل هو: المذكور في قوله تعالى:

{
خُذُواْ مَا ءاتَيْنَـٰكُم بِقُوَّةٍ}
[البقرة: 63] وقيل هو: ما في قوله:

{
وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ بَنِى إِسْرٰءيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَىْ عَشَرَ نَقِيباً}
[المائدة: 12] وقيل: هو قوله:

{
وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ}
[آل عمران: 187]. وقال الزجاج: هو ما أخذ عليهم في التوراة من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل: هو أداء الفرائض، ولا مانع من حمله على جميع ذلك. ومعنى قوله: {أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} أي: بما ضمنت لكم من الجزاء، والرهب، والرهبة: الخوف، ويتضمن الأمر به معنى التهديد، وتقديم معمول الفعل يفيد الاختصاص كما تقدّم في

{
إِيَّاكَ نَعْبُدُ}
[الفاتحة: 5] وإذا كان التقديم على طريقة الإضمار، والتفسير، مثل زيداً ضربته {وَإِيَّـٰىَ فَٱرْهَبُونِ} كان أوكد في إفادة الاختصاص، ولهذا قال صاحب الكشاف: وهو أوكد في إفادة الاختصاص من

{
إياك نعبد}
[الفاتحة: 5] وسقطت الياء من قوله: {فَٱرْهَبُونِ} لأنها رأس آية و {مُصَدّقًا} حال من «ما» في قوله: {مَا أُنزِلَتْ} أو من ضميرها المقدّر بعد الفعل، أي: أنزلته. وقوله: {أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} إنما جاء به مفرداً، ولم يقل كافرين حتى يطابق ما قبله؛ لأنه وصف لموصوف محذوف مفرد اللفظ، متعدد المعنى نحو فريق، أو فوج. وقال الأخفش، والفراء: إنه محمول على معنى الفعل؛ لأن المعنى أوّل من كفر. وقد يكون من باب قولهم هو، أظرف الفتيان، وأجمله، كما حكى ذلك سيبويه، فيكون هذا المفرد قائماً مقام الجمع، وإنما قال: {أوّل} مع أنه قد تقدّمهم إلى الكفر به كفار قريش؛ لأن المراد أوّل كافر به من أهل الكتاب؛ لأنهم العارفون بما يجب للأنبياء، وما يلزم من التصديق، والضمير في " به " عائد إلى النبي صلى الله عليه وسلم أي: لا تكونوا أوّل كافر بهذا النبي مع كونكم قد وجدتموه مكتوباً عندكم في التوراة، والإنجيل، ميسراً به في الكتب المنزلة عليكم، وقد حكى الرازي في تفسيره في هذا الموضع ما وقف عليه من البشارات برسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتب السابق.

وقيل: إنه عائد إلى القرآن المدلول عليه بقوله: {بِمَا أَنزَلْتُ} وقيل: عائد إلى التوراة المدلول عليها بقوله: {لّمَا مَعَكُمْ}

وقوله: {وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَـٰتِي} أي: بأوامري ونواهيّ {ثَمَناً قَلِيلاً} أي: عيشاً نزراً، ورئاسة لا خطر لها، جعل ما اعتاضوه ثمناً، وأوقع الاشتراء عليه، وإن كان الثمن هو المشترى به، لأن الاشتراء هنا مستعار للاستبدال، أي لا تستبدلوا بآياتي ثمناً قليلاً، وكثيراً ما يقع مثل هذا في كلامهم، وقد قدّمنا الكلام عليه في تفسير قوله تعالى:

{
ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلَـٰلَةَ بِٱلْهُدَىٰ}
[البقرة: 16]، ومن إطلاق اسم الثمن على نيل عرض من أعراض الدنيا قول الشاعر:

إن كُنتَ حَاوْلتَ دُنْيَا أوْ ظَفِرتَ بِها

   

فَمَا أصَبْت بترك الحج مِنْ ثَمن

وهذه الآية، وإن كانت خطاباً لبني إسرائيل، ونهياً لهم، فهي متناولة لهذه الأمة بفحوى الخطاب، أو بلحنه، فمن أخذ من المسلمين رشوة على إبطال حق أمر الله به، أو إثبات باطل نهى الله عنه، أو امتنع من تعليم ما علمه الله، وكتم البيان أخذ الله عليه ميثاقه به، فقد اشترى بآيات الله ثمناً قليلاً، وقوله: {وَإِيَّـٰىَ فَٱتَّقُونِ} الكلام فيه كالكلام في قوله تعالى: {وَإِيَّـٰىَ فَٱرْهَبُونِ} [البقرة: 40] وقد تقدم قريباً. واللبس: الخلط، يقال لبست عليه الأمر ألبسه: إذا خلطت حقه بباطله، وواضحه بمشكله، قال الله تعالى:
{
وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ}
[الأنعام: 9] قالت الخنساء:

ترى الجليس يقول الحقَّ تحسبه

   

رُشْداً وهيهات فانظر ما به التبسا

صدق مقالته واحذَر عداوته

   

والبس عليه أموراً مثلَ ما لَبَسا

وقال العجاج:

لَما لَبَسنَ الحقَّ بِالتَّجَنيّ

   

غَنِين فاسْتبدلن زيداً منيّ

ومنه قول عنترة:

وكتيبة لبستهـا بكتيبة

   

حتى إذا التبست نفضت لها يدي

وقيل: هو مأخوذ من التغطية: أي لا تغطوا الحق بالباطل، ومنه قول الجعدي:

إذا ما الضجيع ثنى جيدها

   

تثنت عليه وكانت لباسا

وقول الأخطل:

فوقد لبست لهذا الأمر أعصره

   

حتى تجلل رأسي الشيب فاشتعلا

والأوّل أولى. والباطل في كلام العرب: الزائل، ومنه قو لبيد:

ألا كل شيء ما خلا الله باطل

   

 

وبطل الشيء يبطل بطولاً أو بطلاناً، وأبطله غيره، ويقال ذهب دمه بطلاً: أي هدراً، والباطل: الشيطان، وسمي الشجاع بطلاً؛ لأنه يبطل شجاعة صاحبه، والمراد به هنا خلاف الحق.

والباء في قوله: بالباطل يحتمل أن تكون صلة، وأن تكون للاستعانة ذكر معناه في الكشاف، ورجّح الرازي في تفسيره الثاني. وقوله: {وَتَكْتُمُواْ} يجوز أن يكون داخلاً تحت حكم النهي، أو منصوباً بإضمار أن، وعلى الأوّل يكون كل واحد من اللبس، والكتم منهياً عنه، وعلى الثاني يكون المنهي عنه هو: الجمع بين الأمرين، ومن هذا يلوح رجحان دخوله تحت حكم النهي، وأن كل واحد منهما لا يجوز فعله على انفراده، والمراد النهي عن كتم حجج الله التي أوجب عليهم تبليغها، وأخذ عليهم بيانها، ومن فسر اللبس أو الكتمان بشيء معين، ومعنى خاص، فلم يصب أن أراد أن ذلك هو: المراد دون غيره، لا إن أراد أنه مما يصدق عليه. وقوله: {وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} جملة حالية، وفيه أن كفرهم كفر عناد لا كفر جهل، وذلك أغلظ للذنب، وأوجب للعقوبة، وهذا التقييد لا يفيد جواز اللبس، والكتمان مع الجهل؛ لأن الجاهل يجب عليه أن لا يقدم على شيء حتى يعلم بحكمه خصوصاً في أمور الدين، فإن التكلم فيها، والتصدّي للإصدار، والإيراد في أبوابها إنما أذن الله به لمن كان رأساً في العلم فرداً في الفهم، وما للجهال، والدخول فيما ليس من شأنهم، والقعود في غير مقاعدهم. وقد أخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {مَعِىَ بَنِى إِسْرٰءيلَ} قال للأحبار من اليهود {ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِى أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} أي بلائي عندكم، وعند آبائكم لما كان نجاهم به من فرعون، وقومه {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِى} الذي أخذت في أعناقكم للنبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءكم {أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} أنجز لكم ما وعدتكم عليه بتصديقه، واتباعه بوضع ما كان عليكم من الإصر، والأغلال {وَإِيَّـٰىَ فَٱرْهَبُونِ} أن أنزل بكم ما أنزلت بمن كان قبلكم من آبائكم من النقمات {وَءامِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدّقًا لّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} وعندكم فيه من العلم ما ليس عند غيركم {وَتَكْتُمُواْ ٱلْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} أي: لا تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولي، وبما جاءكم به وأنتم تجدونه عندكم فيما تعلمون من الكتب التي بأيديكم، وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عنه في قوله: {أَوْفُواْ * بِعَهْدِى} يقول: ما أمرتكم به من طاعتي، ونهيتكم عنه من معصيتي في النبي صلى الله عليه وسلم، وغيره {أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} يقول: أرض عنكم، وأدخلكم الجنة. وأخرج ابن المنذر، عن ابن مسعود مثله. وأخرج ابن المنذر، عن مجاهد في قوله: {أَوْفُواْ * بِعَهْدِى} قال: هو: الميثاق الذي أخذه عليهم في سورة المائدة
{
لَقَدْ أَخَذْنَا * ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ بَنِى إِسْرٰءيلَ}
[المائدة: 12] الآية.

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة نحوه. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: أوفوا لي بما افترضت عليكم أوف لكم بما وعدتكم. وأخرج عبد بن حميد، وأبو الشيخ، عن الضحاك نحوه. وأخرج ابن جرير، عن أبي العالية في قوله: {وَإِيَّـٰىَ فَٱرْهَبُونِ} قال: فاخشون. وأخرج عبد بن حميد، وابن جريج، عن مجاهد في قوله: {وَءامِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ} قال القرآن: {مُصَدّقاً لّمَا مَعَكُمْ} قال التوراة والإنجيل. وأخرج ابن جريج، عن ابن جرير في قوله: {أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} قال: بالقرآن. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في الآية قال: يقول يا معشر أهل الكتاب آمنوا بما أنزلت على محمد مصدقاً لما معكم؛ لأنهم يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة، والإنجيل {وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} أي: أوّل من كفر بمحمد {وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَـٰتِي} يقول: لا تأخذا عليه أجراً، قال: وهو: مكتوب عندهم في الكتاب الأوّل: يابن آدم علم مجاناً كما علمت مجاناً. وأخرج أبو الشيخ عنه قال: لا تأخذ على ما علمت أجراً، إنما أجر العلماء، والحكماء، والحلماء على الله. وأخرج ابن جرير، عن ابن عباس في قوله: {وَلاَ تَلْبِسُواْ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَـٰطِلِ} قال: لا تخلطوا الصدق بالكذب {وَتَكْتُمُواْ ٱلْحَقَّ} قال: لا تكتموا الحق، وأنتم قد علمتم أن محمداً رسول الله. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {وَلاَ تَلْبِسُواْ} الآية، قال: لا تلبسوا اليهودية، والنصرانية بالإسلام {وَتَكْتُمُواْ ٱلْحَقَّ} قال: كتموا محمداً وهم يعلمون أنه رسول الله يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة، والإنجيل. وأخرج ابن جرير عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: الحق التوراة، والباطل الذي كتبوه بأيديهم.