بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مرحبا بكم مع الشيخ خالدالمغربي - المسجد الأقصى

002

البقرة

آية رقم 164

إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ

صدق الله العظيم

 

هرمون الإزهار … واختلاف الليل والنهار
 

 الأستاذ الدكتور نظمي خليل أبو العطا

أستاذ النبات في جامعة عين الشمس سابقاً

 مدير مركز ابن النفيس للخدمات الفنية في البحرين حالياً

 

قال تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُون)  سورة البقرة.

هذه الآية من الآيات العظيمة في القرآن الكريم ، والقرآن كله عظيم وقد أمرنا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم أن نتفكر فيها ، وفي هذا الموضوع سوف نتعرض للتفسير العلمي لقوله تعالى: (واختلاف الليل والنهار ) لنتدبر جانباً من الإعجاز النباتي في الآية السابقة .

      1.        أهمية النهار لاستمرار الحياة على الأرض :

المعلوم علمياً أن النهار وضوء الشمس وما تمدنا به من حرارة وإشعاعات من أهم العوامل التي سخرها الله سبحانه وتعالى لقيام الحياة واستمرارها على كرتنا الأرضية فعندما يسقط ضوء الشمس على النباتات الخضراء فإنها ، بما أودع الله سبحانه وتعالى فيها من خصائص حيوية ، تحول تلك الطاقة الضوئية إلى طاقة كيميائية على هيئة روابط في المواد السكرية ، بعملية البناء الضوئي    (Photosynthesis) حيث يثبت النبات ثاني أكسيد الكربون في وجود الماء ولولا عملية البناء الضوئي ما كانت على الأرض أي حياة ، فجميع صور الطاقة على الأرض تقريباً وجميع المواد الغذائية عليها مصدرها عملية البناء الضوئي ولولا الضوء ما تمت تلك العملية ولفنيت البشرية وجميع الكائنات الحية كما حدثناكم سابقاً .

      2.        أهمية الليل لاستمرار الحياة على الأرض:

 

 تتم عمليات البناء الضوئي داخل أوراق النبات

كما أن أهم العلميات الحيوية تتم في الضوء ، فإنه توجد الملايين من العلميات الحيوية المهمة لا تتم إلا في الليل فالعلماء يقسمون تفاعلات البناء الضوئي إلى تفاعلات  الضوء وهي التي لا تتم إلا في الضوء (النهار ) وتفاعلات الظلام وهي تتم في الليل أولاً تحتاج إلى الضوء حتى تتم .

      3.        أهمية اختلاف الليل والنهار لاستمرار الحياة:
اختلاف الليل والنهار طولاً وقصراً نوراً وإظلاماً برودة ودفئاً من أهم عوامل استمرار الحياة على الأرض ففي النباتات الزهرية إذا لم تتكون الأزهار لا تتكون الثمار ولا الحبوب وهذه الأزهار لا تتكون في أي نبات إلا إذا تكونت فيه أولاً مادة كيميائية حيوية تؤدي إلى عملية الإزهار هذه المادة تسمى هرمون الإزهار (Flowaring Hormone) وهذه المادة تتكون فقط عندما يختلف الليل والنهار في حياة النبات فتكوين هذا الهرمون متوقف على تتابع فترة الإضاءة وفترة الإظلام ومدة كل منهما واستمرارها، وشدة الضوء والظلام .

 

 تتم داخل خلايا أوراق النبات الخضراء عمليات مقعدة تسمىPhotosynthesis 

فقد خلق الله سبحانه وتعالى في المملكة النباتية نباتات تحتاج إلى فترة إظلام يومية لا تقل عن عدد معين من الساعات حتى تزهر ولذلك سميت هذه النباتات بنباتات الليل الطويل .

وتوجد أيضاً نباتات تحتاج إلى فترة إضاءة يومية لا تقل عن عدد معين من الساعات حتى تزهر ولذلك سميت بنباتات النهار الطويل .

إذا نقلنا نبات من نباتات الليل الطويل إلى بيئة فيها النهار أطول فإن هذه النباتات تفشل في تكوين الأزهار والثمار والحبوب .

إذا قطعنا ليل النباتات المحتاجة إلى ليل طويل بالضوء الصناعي فإن عملية تكوين هرمون الإزهار تفشل وتقف ، ويقف الإزهار وتكوين الثمار .ولذلك نحذر من الخلل البيئي العظيم الذي ينجم عن استخدام مرآة كبيرة من قبل بعض العابثين لتحويل الليل إلى نهار في بعض أجزاء الأرض ، عندها ستختل العمليات الحيوية للنبات ويحدث إفساد كبير في البيئة المضادة

توجد في الكائنات الحية الأخرى غير النبات كائنات حية لا تنشط إلا في الليل وأخرى لا تنشط إلا في النهار.

توجد جراثيم لا تخرج من مكامنها إلا ليلاً وأخرى لا تخرج إلا نهاراً .

الهائمات البحرية تصعد إلى الطبقات السطحية للمياه في الصباح وتهبط إلى الطبقات السفلية في وسط النهار.

وجد بالتجربة أن طبقة الأوزون تحمي كائنات الأرض من شدة الإضاءة ونوعيتها وزيادة الضوء عن الحد المقدر يؤدي إلى هلاك الكائنات الحية ، فعندما زادت كمية الضوء وتغيرت نوعيتها بالنسبة إلى بعض النباتات انخفضت نسبة البروتين فيها 20% عن المعدل ووجد أن الليل ضروري لحماية تلك النباتات والحفاظ عليها من الهلاك .

مما سبق ومن غيره من الحقائق العلمية نرى أن خلق الليل ضروري لاستمرار الحياة على الأرض وعندما بحثت في آيات القرآن الكريم التي تتكلم عن الليل والنهار وجدت أن كلمة الليل في كثير منها تسبق كلمة النهار ، وهذا يدل على أن الليل ضروري ومفضل في القرآن الكريم مثله مثل النهار تماماً .

وأيضاً فإن النهار حيوي وضروري واختلاف الليل والنهار قصراً وطولاً ضروري من الناحية العلمية وعلى من ينكر آيات الله أن يثبت لنا عكس ذلك.

فهل بعد ذلك نقول : أن الكون خلق صدفة وبعشوائية كما يقول الدارونيون والعلمانيون الماديون القارونيون ؟ أم أن كل شيء خلقه الله تعالى بقدر !!.

تعرف على المؤلف في سطور

التواصل مع المؤلف :

موبايل 0097339622238

هـ 0097317334685

alfowz@batelco.com.bh

مواضيع أخرى للمؤلف :

 

 

إحياء الأرض في القرآن الكريم والعلم الحديث
 

 قال تعالى : (وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهـَا وَبَثَّ فِيهـَا مِن كُلِّ دَآبَّة)[1]

وقال سبحانه : (وَاللّهُ أَنزَلَ مِنَ الْسَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)[2].

وقال سبحانه : (فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[3].

فهل هناك أرض حية بمعنى كلمة حية. وما تعني كلمة الحياة من معان ومدلولات ؟

هل الموت هنا موت فعلي ، والحياة هنا حياة فعلية .
أم أنها صور بيانية وكلمات مجازية وألفاظ لغوية كما يدعي الجاهلون الماديون ؟

نعم علمياًتوجد أرض ميتة لا تنبت زرعاً ولا تخرج نباتاً، يتصف معظمها بالصفات التالية :

      1.        أرض صخرية أو حصوية أو رملية أو طينية .

      2.        خالية من عديد من الكائنات الحية ومن الدبال .

      3.        لا تنبت الزرع ولا تخرج الكلأ

      4.        غير قابلة للزراعة إلا إذا أحييت أولاً إذ هي أرض ميتة

وعلمياً توجد أرض حية لها المواصفات التالية :

      1.        بها جزء معدني (صخر ـ رمل ـ طين ).

      2.        مأهولة بالعديد من الكائنات الحية .

      3.        بها بقايا الكائنات الحية .

      4.        تنبت الزرع إن وجد الماء

      5.        السعة المائية لها مختلفة عن سعتها المائية قبل إحيائها .

      6.        قوى التماسك وقوى التلاصق بين جزيئاتها مختلفة عنها قبل إحيائها .

      7.        تموت وتتصحر إذا غاب عنها الماء مدة طويلة ، وإذا لم تزرع أو نزرع كساءها الخضري مدة طويلة أو لوثت ببعض الملوثات المميتة لها.

ولكن كيف تكونت الأرض الزراعية ؟ وكيف حييت بعد موتها .
في البداية كان سطح الكرة الأرضية عبارة عن كتلة صخرية .
تدخلت بعض العوامل الخارجية لتفيتيت الصخور بإذن الله .

بعد ذلك نمت على سطحها بعض الكائنات الحية في وجود الرطوبة الموجودة في الهواء وضوء الشمس  وهذه الكائنات تسمى الأشن : وهي عبارة عن طحلب وفطر يعيشان مع بعضهما معيشة تكافلية .

حيث يثبت الطحلب الطاقة الشمسية ويقوم بعملية التمثيل الضوئي ويكون المصادر الكربونية والنتروجينية له وللفطر.

والفطر يمتص الرطوبة الجوية وينتج كميات هائلة من الإنزيمات تحلل الصخور تجعلها تذوب في الماء وتصبح في هيئة جزيئات صغيرة يمتصها الطحلب وتصبح صالحة للتغذية النباتية .

بعد مدة تتفتت الصخور بالإنزيمات الناتجة من الفطريات الموجودة في الأشن .

وتساعد درجات الحرارة والبرودة والأمطار الحمضية على تفتيت الصخور.

بعد مدة تموت الأشنات وتتحلل فيزداد المحتوى العضوي للتربة ، وتصبح التربة مناسبة لإرتياد بعض الكائنات الحية الدقيقة مثل : البكتيريا والفطريات والاكتينوميسيات .

بعد ذلك تصبح التربة صالحة لإرتياد بعض أنواع الطحالب تسمى الطحالب الخضراء المزرقة فتقوم بتفيت الصخور وزيادة المحتوى العضوي للتربة .

تزداد وتتنوع الكائنات الحية الدقيقة في التربة

في المرحلة التالية :

ترتاد التربة أنواعاً جديدة من النباتات الثالوسية التي ليس لها جذور أو سيقان أو أوراق تسمى الحزازيات وتدب الحياة أكثر في التربة وتصبح أرضاً حية أكثر .

بعد ذلك تظهر السراخس ويزداد دبال التربة وزيادة عدد الكائنات الحية .

في المرحلة السابقة تقطن التربة العديد من الحشرات والديدان والحيوانات الأخرى.

وبالدرسة وجد أن المتر المكعب الواحد من التربة الزراعية به:

200 ألف حشرة .

100 ألف نوع من العثة .

20 مليون دودة خيطية

وأعداداً لا تكتب أرقامها بسهولة من البكتيريا والفطريات والطحالب الخضراء المزرقة .

ووجد أن كل 10 أمتار مكعبة تحتوي على 25 ألف مليون حيوان صغير أي ما يعادل وزن بقرتين كاملتين .

لكل نبات من النباتات معراة البذور، ومغطاتها ، ينمو في التربة، مجموعة من الكائنات الحية الدقيقة والحشرات والحيوانات الأخرى تعيش محيطه الجذري في التربة وإن إنتاج النبات وحياته في أحيان كثيرة تكون مرتبطة بهذه الكائنات الحية .

توجد بكتيريا وفطريات جذرية، وإذا عقمت التربة أو رشت ببعض المبيدات الفطرية والبكتيرية فإن هذه الكائنات الحية تموت وتقل خصوبة التربة وتدب فيها عوامل الموت والتصحر.

وعملية التصحر التي تهدد العديد من الدول ما هي إلا عملية موت للأرض الزراعية وتحولها إلى أرض ميتة قاحلة .

تجريف الأرض الزراعية يميت الأرض الزراعية ويجعلها غير صالحة للزراعة .
غياب المياه فترة عن الأرض الزراعية يحولها من أرض حية خصبة قابلة للزراعة إلى أرض ميتة غير صالحة للزراعة .

التصحر يقضي على الكساء الخضري ويميت الأرض ويهدم بنيانها الحيوي .

قطع الغابات يقضي على الكساء الخضري ويحولها بعد مدة إلى أرض صحراوية .

إذاَ عملياً توجد أرض حية وأرض ميتة وأن الماء من أهم العوامل في حياة الأرض .

عملياً توجد أرض حية وأرض ميتة .

قرآنياً توجد أرض حية يحيها الله سبحانه وتعالى بالماء .

قال تعالى : (وللّهُ أَنزَلَ مِنَ الْسَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)[4].

وقال سبحانه وتعالى في إعجاز معجز :(وعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)[5].

فهل كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عالماً بعلوم الفلك والتربة والكائنات الحية الدقيقة والحيوانات الأولية والزراعة والماء وغيرها من العلوم حتى يقرر أن هناك أرض حية وأرض ميتة ؟

وهل كان فينا ، قبل أن يتعلم العلم ، من يعلم أن الأرض الزراعية أرض حية وبها حياة كحياتنا تماماً ؟ وأنه توجد أرض ميتة بمعنى كلمة الموت المعلومة لنا جميعاً أم أنه القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، والذي لا تنقضي عجائبه ولا يخلق عن كثرة الرد .
وأنه كتاب أحكمت آياته وأنه المعجزة الباقية التي تتحدى الناس جميعاً على مر العصور والأزمنة على أن يأتوا بسورة من مثله
.

بقلم الدكتور نظمي خليل أبو العطا موسى

أستاذ علوم النبات في جامعة عين شمس

ومدير مركز ابن النفيس للخدمات الفنية في البحرين

http://www.nazme.net


[1] سورة البقرة الآية 164

[2]  سورة النحل 65

[3]  سورة الروم 50

[4]سورة  النحل

[5]سورة الحديد

 

 

آيات البحار ومعانيها العلمية
 

في القرآن الكريم

أحمد جلال مرسي

حاصل على بكالوريوس تجارة

لقد تجلت حكمة الخالق أن يجعل البحار تمثل 71% من مساحة كوكب الأرض في حين أن مساحته لا تتعدى 29% وذلك لاستمرار دورة المياه والحياة في الأرض مصداقاً لقول الله في الآية الكريمة (وجعلنا من الماء كل شيء حي)[ الأنبياء:30]، حتى إن الله سبحانه وتعالى قد ضرب المثل بالبحر في الاتساع والكثرة (قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً)[الكهف: 109] كذلك عندما ورد الإعجاز الكوني العام في القرآن الكريم كان نصيب البحر وافراً حيث الفلك التي تجري فيه، وأن السبب الرئيسي والمعين الذي لا ينضب لماء السماء ـ المطر ـ حيث يقول الله تعالى : (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون)[سورة البقرة:164].

حيث حركة السفن والتي تسير في البحر لتحقيق مصالح الناس وقضاء منافعهم في شتى المجالات لآية من الآيات مصداقاً لقوله تعالى:( وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره)[سورة إبراهيم:32]. ثم نجد أن ما في البحار من ثروات وطاقات تنقع البشرية لهي من مفاتيح الغيب التي لا يعلمها سوى الله سبحانه وتعالى:( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين )[سورة الأنعام:59].

وفي هذا البحث المتواضع والذي يقدم بالمناقضة والدراسة محاولة متواضعة لبحث أحد جوانب الإعجاز الوارد في القرآن الكريم ألا وهو الإعجاز العلمي وبالأخص آيات البحار حيث المحاولة المتعمقة لإثبات مدى أهمية البحار في حياتنا، ثم لفت الأنظار بشدة لهذه الثروة التي لم يستغل الإنسان منها إلا القليل كمصدر جديد للغذاء خاصة في ظل المخاوف من حدوث فجوات غذائية كبيرة في المستقبل، ومحاولة الوصول لمصادر غذاء جديدة وغير تقليدية كالأسماك والطحالب البحرية والتي يتناولها الملايين في اليابان والصين وكوريا كطبق غذاء رئيسي في وجباتهم المختلفة حيث إن " برامج الأمم المتحدة الإنمائي " قد وضع في برنامجه إعادة توليد البيئة وعلى رأسه زراعة البحر في شرق آسيا بتجهيز الأعشاب البحرية كمصدر غذاء للإنسان والحيوان، ووقود، وأيضاً لخلق فرص عمل إضافية، ونرجو أن نجني ثمار هذه التجارب الحقيقة في القرن الجديد، وكذلك لمناقشة ثروات البحار وطاقاته خاصة مع ازدياد تطوير وعمل " التكنولوجيا الحيوية " مع استغلال الثروات الطبيعة والتعدينية في ثروات الخلجان. مع التأكيد بالطبع على استخدام البحار وفوائدها. وهو ما نصبو أن نكون قد وصلنا إليه في هذا الجهد المتواضع.

كيف نشأت البحار:

(قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة )[سورة العنكبوت:20].

بادئ ذي بدء، فإن نشأة البحار والمحيطات جزء من نشأة الحياة على سطح الأرض، وهناك بعض النظريات التي حاولت أن تعطي تفسيراً لكيفية نشوء المحيطات والقارات نذكر منها على سبيل المثال: " الفرضية الهرمية " لصاحبها العالم البريطاني لوثيان جرين سنة 1875 م، إنه رأى نظراً لفقدان الأرض لحرارتها وتعرضها للبرودة فإن سطحها أخذ في الانكماش التدريجي متخذاً في النهاية شكل الهرم الثلاثي، حيث قاعدته في الشمال ورأسه في الجنوب، وتحتل القارات حافات هذه الهرم، في حين تغطي البحار والمحيطات جوانبه المسطحة. وهناك نظريات العالم الفرنسي " سولاس " أن الأرض كانت في أول نشأتها لينة سريعة الاستجابة لعامل الضغط الجوي المرتفع هبطت و انخفضت مكونة قيعان البحار والمحيطات، أما المناطق التي تعرضت للضغط ظهرت في نظرية " زحزحة القارات " (Theory of drifting continents)للعالم الألماني " ألفريد واجنر " ومفادها أن التوزيع الحالي للبحار واليابس يختلف عن التوزيع الذي كان سائداً في العصور والأزمنة سحيقة البعد، حيث يرى واجنر أن نوعاً من الزحزحة قد حدث للأرض نتيجة ضغوط وعوامل عديدة، حيث كانت في الزمن الجيولوجي الأول" أي : قبل 200 مليون سنة " كتلة واحدة هائلة يقع معظمها من جنوب الاستواء حتى القطب الجنوبي، وتحتوي على قارتين فقط، ويتخلل كتلة اليابسة بحار داخلية أهمها: بحر يدعى بحر تيش Teths بامتداده الكبير من الشرق إلى الغرب، ثم في منتصف الزمن الجيولوجي الثاني بدأت كلتا القارتين في التمزق بعد أن تعرضتا للانكسارات المتتالية وأخذ كثير من أجزائها في الزحزحة بعيداً عن الكتلتين الأصليتين لكن على امتداد تلك الانكسارات في ثلاثة محاور رئيسية : أحدها في اتجاه الشمال، والثاني في تجاه الشرق، والأخيرة صوب الغرب باستثناء قارات اليابسة الذي كون القارة المتجمدة، والتي حافظت على وضعها، وظلت في مكانها مكونة قارات العالم المختلفة، وتمددت البحار الداخلية مكونة البحار والمحيطات على ما هو الوضع الآن. وقد استدل واجنر على نظريته بكثير من الأدلة والشواهد " كالرواسب البحرية " في مناطق لا تغمرها مياه البحار حالياً كالخليج العربي على سبيل المثال، ومن الرواسب التي تراكمت خلال ملايين السنين وتعرضت لعوامل الضغط المختلفة برزت الجبال الالتوائية كجبال الألب في أوربا، وأطلس في أفريقيا، والهيمالايا في آسيا، والطيور المختلفة التي تعيش في مناطق متباعدة ومترامية الأطراف، ولكنها تشترك في نفس السلالة كالنعام الأفريقي مما دفع الدكتور " جول كراكرفت " بجامعة إلينوي الأمريكية إلى القول بأن نظرية زحزحة القارات هي مفتاح الحل الذي يفسر مسألة تطور الزهور " لقد اتفق علماء النبات على النظرية القائلة بأنه لا يمكن تفسير ظاهرة وجود نباتات متماثلة في مختلف قارات العالم إلا إذا سلمنا بأن أجزاء الأرض كانت متصلة ببعضها البعض في وقت من الأوقات، وكذلك استدل بالمخلفات القارية وشكل واتجاهات وتعاريج المحيط الهندي، والتي تدل على تداخل هذه السواحل وأنها كانت رتقاً، وهو ما توضحه الآية الكريمة في سورة الأنبياء: (أولم يرى الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون)[سورة الأنبياء:30]، قبل أن تتزحزح ولو كانت لتتقابل من جديد. " فرض نظرية " لتعشقت تلك السواحل وامتلأت فجواتها بنتوءاتها على نحو من الانسجام والتكامل كما في الألعاب (Puzzle) ويمكن مشاهدة ذلك بصفة خاصة في سواحل شمال شرق أمريكا الجنوبية والسواحل المقابلة لها على خليج غانا، وإنه لو تيبس البحر المتوسط والأسود لاتصلت أوربا وآسيا وأفريقيا، وإنه لو تيبس البحر الأحمر لاتصلت أفريقيا وآسيا، ومن الأدلة والبراهين أيضاً وجود العديد من المعابر والأرخبيلات التي تصل بحار العالم ومحيطاته.

وقد أصبحت هذه النظرية علمية تماماً بعد اكتشاف " الجاذبية الحجرية " (Magnetism fossil) واستطاع العلماء بعد دراسة اتجاهات ذرات الحجارة تحديد موقع أي بلد وجدت به هضبة في الزمن القديم، وأن أجزاء الأرض لم تكن موجودة في الأزمنة القديمة كما توجد عليه الآن، وإن كانت كما حددتها نظرية تباعد القارات، والجدير بالذكر أن القرآن الكريم قد سبق علماء الجيولوجيا والبحار والجغرافيا في التأكيد على تباعد الأرض في سورة النازعات (والأرض بعد ذلك دحاها * أخرج منها ماءها ومرعاها).

مما يؤكد التطابق العجيب بين الآيات الكريمة والنظريات الحديثة حيث يؤكد الخالق أنه قد مضى على الأرض زمن طويل قد سواها خلالها حتى أخرج منها اليابسة والماء ـ البحار والمحيطات ـ وأصبحت على وضعها الدائم هذا. حيث يشير لفظ أو مفهوم " الدحو " الوارد في الآية إلى تسوية الشيء ونثره، أي: تباعده كما يقول المثل: " دحي المطر الحصى " أي: فرق وباعد المطر حبات الحصى، وهو نفس المعنى والمفهوم المستخدم في اللغة الإنجليزية لكلمة Driftوالتي استخدمت للتعبير عن هذه النظرية العلمية الحديثة، مما يؤكد أن القرآن من مصدر علوي يحيط علمه بالزمان، ماض وحاضر ومستقبل ـ وأنه يكشف عن الغيب وأسرار الكون.

استخداماته وفوائده:

أولاً : استخداماته:

يعد النقل البحري أرخص أنواع النقل جميعاً سواء من حيث التكاليف المادية أو الإمكانيات والقدرة على الشحن. ويرجع النقل البحري لبداية تاريخ الحضارة، حيث إن المصريين القدماء هم أول من ارتادوا البحار والمحيطات، وتلاهم الفينيقيون والإغريق والرومان حتى العصر الحديث، والذي من أبرز سماته ناقلات البترول الضخمة، حتى وصل حجم السفن والحاملات العملاقة إلى ما يزيد عن مائتي ألف طن، ومن مزايا النقل البحري:

1.    أنه لا يحتاج للإنشاءات إلا في بداية ونهاية الطرق الملاحية كالمواني والأرصفة البحرية.

2.    أن هذه الطرق الملاحية لا تحتاج إلى صيانة مكلفة أو إصلاحات كالنقل البري أو النهري.

3.    أن السفينة أقل تكلفة في بنائها وصيانتها بالمقارنة بقطار له نفس الحمولة.

4.    أن أقل قوة محركة كافية لنقل حمولة هائلة لا تقارن بمثيلاتها في طريق النقل الأخرى.

5.    عدم وجود مشكلات أو عقبات كالشلالات أو الجنادل أو الكباري والأهوسة أو المستنقعات كالتي توجد في النقل النهري مما يؤكد على سرعته ورخص تكلفته.

ومن أعجاز الآيات القرآنية الكريمة اختيار البر والبحر، حيث إن النقل البحري هو عصب الحياة التجارية والاقتصادية، لما يتضمنه من نقل البضائع والبترول وحركة الصادرات المختلفة، وكذلك البر حيث إن النقل البري عن طريق القطارات والسيارات يتميز بالسرعة والرخص أيضاً، حيث إن النفقات الثابتة للنقل من (أجور وإيجار ومخازن) خاصة إن كانت في مسافات قصيرة كنقل الخامات والبضائع من المصانع والحقول إلى الأسواق التجارية. وذلك كأحد مظاهر التكريم الإلهي للإنسان(ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً)[سورة الإسراء: 70]، ولم يتم ذكر النقل النهري والذي مع رخصه يتميز ببطء الحركة بالنسبة للوسائل الأخرى، لذا كان مناسباً لنقل البضائع والخامات الرخيصة والتي لا تتطلب سرعة في نقلها خاصة في المناطق التي تخلو من العقبات كالشلالات والأهوسة، لذا جاءت الآية الكريمة لتعلن عن تسخير الأنهار للغرض القصير المنوط به. سورة إبراهيم (الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به من الثمرات رزقاً لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار ) بعكس النقل البري والبحري والذي هو عصب الحركة التجارية والاقتصادية في العالم وبخاصة النقل البحري، حيث تقوم عليه حركة الصادرات والواردات في العالم خاصة في ظل ظهور التخصص، كناقلات البترول المعروفة باسم التنكرز(Tankersوناقلات المواد الخام والمعادن، وناقلات الموز بين أمريكا الوسطى والشمالية، إلى جانب سفن البضائع والركاب المختلفة والتي تجوب العالم من خلال الخطوط الملاحية المنتظمة في جميع أرجاء العالم. والآية الكريمة في سورة الجاثية (الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون)[سورة الإسراء].

(ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله إنه كان بكم رحيماً)[سورة الحج].

(ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرؤوف رحيم)،وسورة لقمان(ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور).

ثم نجد دقة الوصف الإلهي في سورة الشورى (ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام) وسورة الرحمن(وله الجواري المنشآت في البحر كالأعلام)حيث إن السفن الجارية في البحر، ولفظ (المنشآت) يدل على وجود تصميم هندسي معين، ثم يأتي لفظ (كالأعلام) أي : كالجبال، ليؤكد على الضخامة والارتفاع وكبر الحجم، وهو ما نجده حقاً الآن في الناقلات والسفن وحاملات الطائرات، والتي تجاوزت حمولتها ربع مليون طن، ليدلنا على هتك القرآن لأسرار الكون، والكشف الحقيقي والواضح للمستقبل، في حين أن القرآن قد نزل من ألف وأربعمائة سنة.

ثانياً : فوائده

(وهو الذي سخر لكم البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون)[سورة النحل]. وكذلك سورة الرحمن (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان).

وفي الآيتين إظهار لمدى فوائد البحر حيث الثروة السمكية كإحدى الثروات الطبيعة لأي دولة ساحلية أو لديها أنهار(أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرماً واتقوا الله الذي إليه تحشرون)[سورة المائدة]، كإحدى مميزاتها، حيث الصيد في جميع أشهر السنة بما فيها الأشهر الحرم، بعكس صيد البر المحرم خلالها.

خاصة أن الأسماك قد ظهرت من الأزمنة السحيقة، وأن الإنسان البدائي كان يذهب إلى شاطئ البحر ليحصل منه لنفسه على الطعام الذي يسد رمقه، ويعود عليه بالخير والرزق الوفير، لذا فهي أقدم مهنة قام بها الإنسان، ثم أخذت في التطور حتى أصبحت السفن العملاقة تخصص لصيد الأسماك كما يحدث في اليابان، بل إنه قد تحول الأمر إلى منافسة بين الدول المختلفة للسيطرة على أكبر مساحة من المسطحات المائية، ومد حدود مياهها الإقليمية، حتى تستأثر بما تحتويه من موارد ومصايد سمكية، حتى أنه قد ظهر بسبب ذلك بعض مشكلات المياه الإقليمية كالتي حدثت سابقاً بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وكندا في الستينات حول مصايد الأسماك بشمال المحيط الهادي لغناه بأسماك السلمون، ومحاولة منع سفن الصيد اليابانية من ممارسة الصيد في هذه المنطقة الغنية بالأسماك، حتى تم الاتفاق على تقسيمها بينهم. وتجدر الإشارة إلى أنه بسبب الزيادة المستمرة والمطردة في سكان العالم واستنفاذ أغلب الموارد الموجودة على اليابسة نتوقع مزيداً من التوجه إلى البحار والمحيطات، وإلى التوسع في إنشاء المزارع السمكية خاصة مع رخص تكلفته مقارنة بغيرها.

فلكي نحصل على واحد كيلو جرام من السمك نحتاج إلى واحد كجم من طعام السمك ـ العشب والطحالب البحرية ـ بينما نحتاج للحصول على كيلو جرام واحد من اللحوم البيضاء من دجاج وبط وأوز وديوك رومي وغيرها إلى 4 ك جرام من الكسب والعليقة، وبالنسبة للحوم الحمراء فإن الحصول على كيلو جرام واحد منها فإننا نحتاج إلى 8 ك جرام من الكسب والعليقة، مما يؤكد رخص تكلفتها مقارنتها باللحوم البيضاء والحمراء، فضلاً عن القيمة الغذائية والبروتينية العالية، حيث يحتوي السمك على حوالي 20.6% بروتين، 9.6%دهن، 169% سعر حراري مقارنة باللحوم البيضاء والحمراء على التوالي، حيث لحم البط 41.2% بروتين، 8.2% دهن، 159 سعر حراري .  

واللحم العجالي 19.3% بروتين، 13%دهن، 194 سعر حرارين مما يؤكد تقاربه منهما وتفوقه في القيمة الغذائية على قرينيه اللحوم والفسفور والحديد، والمحتويات الفيتامينية مثل فيتامين A.Bكما أن مذاقه طيب وأنواه وأصنافه مختلفة، وإفراز البيض يكون بالآلاف إن لم يكن بالملايين، كسمك أسينبس والذي يفرز 4 مليون بيضة، وسمك البكالاه والذي يفرز 9 مليون بيضة.

ثم بعد الأسماك نجد القشريات كالجمبري والكابوريا والإستاكوزا بأنواعها المختلفة، ويكفي أن نذكر أن دولة كالإكوادور يمثل صيد الجمبري وتربيته ثلث دخلها القومين ثم تأتي الرخويات، وهي شعبة من أكبر الشعب في عالم الكائنات البحرية وأكثرها تنوعاً، ونجد أنها من حيث الجانب الغذائي فإن قيمتها الغذائية عالية لغناها بالفوسفات والكالسيوم، ومذاقها طيب ولذيذ كالجندوفلي وأم الخلول وبلح البحر وغيرها، أما من حيث الأهمية الاقتصادية والصناعية فتقوم بعض حيواناتها بإنتاج الأصداف والتي تستخدم في الصناعات الخشبية والحلي وأدوات الزينة للنساء، وتنتمي معظم الرخويات المنتجة للآليء القيمة إلى جنس بنكتاد (Pinctade)وهو يحتوي على ما يقرب من ثلاثين نوعاً مختلفاً، والسبب العلمي الرئيسي لتكوين اللؤلؤ هو الدفاع عن النفس والتخلص من إحدى الطفيليات كالديدان الطفيلية، فيبدأ الجزء الواقع تحت الصدفة مباشرة وتسمى " البرنس " نتيجة الاحتكاك الدائم من جانب الجسم الطفيلي بجسم الحيوان الرخوي داخل الصدفة. أما المرجان الأحمر والذي ينتمي إلى شعبة الجوفمعويات حيث يشبه الأزهار النباتية ويعيش في مستعمرات معقدة تشبه الأشجار في تفرعاتها، حتى أطلق عليها " حدائق البحر" حيث يحط على الصخور ثم يبني لنفسه بيتاً بطبقة يفرزها من " كربونات الكالسيوم " وهي تعيش حياة متكافلة، بمعنى أن لها قنوات تحمل الطعام من عضو إلى عضو مما يجعله أشبه بالمجتمع. وفوائده كثيرة، حيث إنه حلية وأداة للزينة كما وصفه القرآن الكريم، وكذلك له استخدامات صناعية، فهو يستخدم كترياق ضد السموم، وفي الأغراض الطبية، وتم اكتشاف الفلورة (Fluoprspar)بواسطته، حيث إن الأشعة فوق البنفسجية لا ترى بالعينن كما أنها أصغر موجة من موجات ألوان الطيف، وعندما أسقط العلماء هذه الأشعة السينية وأشعة Xوالتي تنفذ في جسم المريض ثم تسقط على لوحة بها مادة مثل كبريتيد الكالسيوم حيث تحول الأشعة غير المرئية إلى نور مرئي فيه بعض الاخضرار، مما يساعد في معرفة أسباب وتطورات المرض وعلاجه، ثم جاء الاكتشاف المبهر للشعاب المرجانية والذي بالفعل سيؤدي إلى نتائج طيبة في عالم الطب، حيث قام العالم الفرنسي د/باتات، والعالمة الفرنسية د/جينفيف من " المعهد الوطني الفرنسي للبحوث" بباريس باكتشاف إمكانية استخدام المرجان كبديل للعظام البشرية، نظراً لوجود عنصر الكالسيوم المشترك بينهما، وذلك لمعالجة الكسور في الأطراف والعمود الفقري والفكين، بل ولاستبدال العظام. وقد تمت هذه العمليات بالفعل بنجاح باهر، وكان المريض يخرج منها بعظام جديدة مما شكل بداية جديدة ومختلفة بالنسبة لآلاف ممن قد أجريت لهم هذه الجراحة الناجحة، ويدرس الجراحون البريطانيون استخدام المرجان بعد نجاح ذلك في فرنسا تمهيداً لإقامته في أنحاء العالم.

ثم نجد هناك الإسفنج وهو الكائن الحي الذي ليس له أعضاء أو أنسجة، حيث أنه حيوان أولي ليس له أنسجة (Tissues)ولكن له استخدامات ومنافع مبهرة سنذكرها لاحقاً. والآن يثور تساؤل معين وهو: ماذا كان يحدث لو لم يكن هناك أسماك أصلا؟ أو كان وجودها بأعداد قليلة ؟

والجواب بكل بساطة هو : لما كانت قد ظهرت البرمائيات ثم الزواحف والطيور والثديات، حيث إن ظهور الأسماك كان بداية لظهورها، ولسادت اللافقاريات على البحار واختفت كائنات أخرى كالتماسيح والحيتان وطيور البحر، وازداد مرض " الجوبتر " الناتج عن نقص اليود في الغذاء، ولما تكون الفوسفات في البحار، حيث إن الأسماك تؤدي إلى انتشار صخور الفوسفات، وإلى عدم وجود المنافع الأخرى كصناعة بعض أنواع المبيدات والأصباغ واستخراج الزيوت من كبد الأسماك.

كما أن هناك بعض أنواع السمك مثل الجاميوزيا تتغذى على يرقات وبيض البعوض، وبالتالي تمنع مرض الملاريا ونشر الأوبئة المختلفة، لذا يتم تربيتها بالقرب من المستنقعات. وكذلك سمك الزاق والذي يعيش في أنهار المناطق الحارة، وتسدد قذائف مائية للحشرات، ثم تتغذى عليها.

ولارتفعت أسعار اللحوم البيضاء والحمراء.

على أن فوائد البحار لا تقتصر على الأسماك والحلية والفلك والطاقة لذا سنقوم بعرض أنواع الطاقات التي نستفيد بها من البحار وهي:

أولاً : طاقة الأمواج والمد والجذر:

حيث ارتفاع مياه البحار لعدة أمتار، ثم انحسارها مرة أخرى، ويحدث ذلك مرتين كل يوم بسبب التأثير المباشر للقمر، حيث يحدث انتفاخ مائي مواجه له، وانتفاخ آخر معاكس له على زاوية 180 درجة من سطح الأرض، فضلاً عن القوة الطاردة المركزية، وعندما يكون القمر بدراً تكون الشمس والقمر على مستوى أفقي واحد، تتآخى قوى المد الشمسي والقمري معاً، وهو ما عبر عنه القرآن : (القمر إذا اتسق) لنحصل على مد " الأمواج " وبالتالي يكون الجزر في أدنى انخفاض له، بينما إذا تعامدت الشمس والأرض والقمر فينتج حينئذ " مد الأمواج " وبالتالي يكون الجزر في أدنى انخفاض له، بينما إذا تعامدت الشمس والأرض والقمر فينتج حينئذ " مد الحضيض النسبي مما ينتج طاقة عالية، وقد تم استغلالها في بعض الدول لتوليد الطاقة، ففي سرمنسك بروسيا وصلت إنتاجية محطات الطاقة إلى أكثر من 2000كيلو وات، بينما في فرنسا حتى 9 ميجاواتـ وتقوم دول العالم بدراسة إنشاء محطات بقدرات كهربائية أكبر، واستغلال هذه الطاقة الضخمة اقتصادياً وصناعياً.

ثانياً : الثروة التعدينية:

حيث يتم استخراج البترول والغاز الطبيعي من البحار، بل وإن الاحتياطي العالمي في البحار يمثل 2% من إجمالي الاحتياطي، كما يوجد أيضاً من الثروات المعدنية القصدير والماس والبلاتين والكروم وزنك ونحاس ومركبات الماغنسيوم، وكذلك من الرواسب البحرية مثل الزركون والماجنثيث، حيث يوجد في شواطئ تايلاند واليابان وإندونيسيا وماليزيا والبرازيل.

ثالثاً: استخراج الطاقة الحرارية من البحار:

حيث إن البحار والمحيطات تمتص حرارة الشمس فتكون عند السطح 30مْ بينما في الأعماق 5مْ هذا الفارق الحراري بين السطح والعمق به طاقة عالية، حيث استطاع المهندس الفرنسي " جورج كلود " عام 1930 تشغيل محطة بطاقة قدرها 22 ميجاوات، ثم قامت جامعة " ماسا شوستس " بتبخير الغاز في مبخر يستمد حرارته من هذا الفارق الحراري، ثم تشغيل توربين موصل بمولد كهربائي، ثم هذا الغاز الخارج من التوربين يتم تكثيفه بماء الأعماق البارد ليستخدم ثانية بمضخة إلى المبخر، وهكذا دواليك في دورة مغلقة لا تنتهي.

ولكن التجارب لا تزال مستمرة خاصة مع اشتراك الجامعات الأمريكية مع العلماء الفرنسيين، ونتوقع لها مزيداً من النجاح في القرن القادم.

الملاحة في البحار:

(قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعاً وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين)[سورة الأنعام].

وكذلك في نفس السورة (وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون ).

هذه الآيات الكريمة تدلنا على الملاحة، وبالأخص عن ظلمات البحر والتي يعرفها البحارة جيداً، حيث يكون البحر مظلماً كالفحم، وذلك لاجتماع ظلمة الليل والبحر والسحاب بالإضافة إلى الرياح الصعبة والأمواج الهائلة إليها فلم يعرفوا حقيقة الخلاص، وعظم الخوف، فتكون ساعة كرب لا تذهب إلا بحقيقة الإيمان، خاصة أن العواصف تكون سرعتها حوالي 39ـ 46ميل /ساعة ومحملة بالتراب فتظلم الجو. ومن معجزات هذه الآية أنها قد جعلت أحد البحارة الأوربيين يدخل الإسلام بسبب " ظلمات البحر " فقد تأكد بعقله الثاقب وخبرته في مجال البحر ومهنه والبحارة بعد أن قرأ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يركب البحر أو يخبره، فكيف وصف حالة البحر بمثل هذا الوصف الدقيق!!

لذا عرف أن القرآن ليس من قول بشر حقاً، فاعتنق الإسلام فوراً. ثم توضح الآية الثانية كيفية التغلب على البحر واختراقه حيث الاهتداء بالنجوم، فنجد أن النجم القطبي والذي يدل على الشمال وتتجه إليه إبرة البوصلة دائماً، وإذا كان الأقدمون يهتمون بالنجوم إذا ضلوا وتحيروا في الطريق فإن الأجهزة العلمية الدقيقة والحديثة كالبوصلة تعتمد بالأساس عليها أيضاً.

وقد قام عالم الجغرافيا الشهير " توم شبرد " بالجمعية الجغرافية الملكية ببريطانيا برحلة استكشافية معتمداً على الصور الفضائية والبوصلة الشمسية معه أحدث الأجهزة العلمية التي وجدت أن حدثت عاصفة حدثت عاصفة لم يستطع أن يميز أو يحدد الاتجاهات فاعتمد بالأساس على البوصلة والتي تتجه دائماً شمالاً تجاه النجم القطبي الشمالي. فضلا عن أن جماعة الصيادين تسترشد بالنجوم لمعرفة موسم ظهور أنواع معينة من الأسماك كسمك السردين في شهر سبتمبر، بأن يظهر" نجم سهيل " حتى يظهر بالفعل وتتكسر موجة الحر مما يؤكد دقة وعمق الآية الكريمة " وعلامات وبالنجم هم يهتدون " سورة النحل : 16. ثم جعل المولى ـ عز وجل ـ الهداية في ظلمات البر والبحر مع تسيير الرياح للفلك من دلائل القدرة وسبباً من أساب الإيمان بالله تعالى واستنكاراً للمشركين على هذه الآية العظيمة والتي ساقها الخالق العظيم لنا واضحة جلية وظاهرة، ثم نجد هناك من يشركون به، عز وجل (أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون)[سورة النمل].
ثروات الخلجان:

(وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً)[سورة الفرقان].

أي اختلطا ولكن مع هذا نجد نهراً فراتاً ـ أي ماؤه عذب ـ " شديد العذوبة " ، وآخر مالحاً " شديد الملوحة " ثم بينهما برزخ ـ أي حاجز ـ يمنع كلاً منهما أن يطغى على الآخر، وهي ظاهرة طبعية موجودة من أقدم العصور، وقد وضحها القرآن وكشف عن أسابها العلم الحديث، وهو : إذا التقى نهران في ممر مائي واحد فماء أحدهما لا يطغى على ماء الآخر، أو يذوب فيه، بل يظل كل منهما مستقلاً عن الآخر، فالماء العذب في جانب والماء المالح في جانب آخر، ويحدث ذلك عند الأنهار القريبة من السواحل حيث ماء النهر يصب في ماء البحر عند حدوث المد البحري، فالماء العذب في جانب والماء المالح في جانب آخرن ويحدث ذلك عند الأنهار القريبة نم السواحل حيث ماء النهر يصب في ماء البحر عند حدوث المد البحري، ولكنهما لا يختلطان، حيث يبقى الماء العذب تحت الماء الأجاج، تأن بينهما خطأ فاصلاً يميز أحدهما عن الآخر، ويمنع اختلاطهما تماماً حيث توجد منطقة حجز مائي، وبالتالي يوجد حجر سمكي، وحجر نباتي بحري، كما صورتها الأقمار الصناعية، كما يحدث عند التقاء نهر النيل بالبحر المتوسط والسبب العلمي في ذلك هو قانون " المط " أوالتمدد السطحي " Tension Surface"وهو القانون الضابط للمواد السائلة حيث الفصل بين السائلين لأن تجاذب الجزئيات يختلف من سائل لآخر حيث الفصل بين السائلين، لذا فإنه يحتفظ كل سائل باستقلاله كل في مجاله: الماء العذب والماء الأجاج . وكمثال مبسط إنك لو ملأت كوباً بالماء فإنه لن يفيض إلا إذا ارتفع عن سطح الكوب بقدر معين حيث إن جزيئات السائل عندما لا تجد شيئاً تتصل به فوق سطح الكوب تتحول إلى ما هو تحتها، وعندئذ توجد غشاوة مرنة على سطح الماء Elastic film  حيث تمنع هذه الغشاوة الماء من الخروج عن الكوب لمسافة معينة، وهذا الغشاوة قوية لدرجة أنها لو وضعت عليها إبرة من الحديد فإنها لن تغوص، وهذا هو قانون " التمدد السطحي " وهو نفسه الذي يحول دون اختلاط الماء والزيت في الإناء ، ويفصل بين الماء العذب والمالح كما أخبرنا القرآن الكريم. ثم نجد في سورة النمل (أمن جعل الأرض قراراً وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزاً أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون ).

حيث إن الأرض مستقر وجعل ـ سبحانه وتعالى ـ الأنهار حيث الماء العذب النقي، وكذلك فإن جميع الحضارات قد قامت على ضفاف الأنهار: فعلى الدلتا والوادي قامت الحضارة المصرية القديمة، والبابلية والآشورية، حول دجلة والفرات، وكذلك حول اليانجستي في الصين، والأمازون والميسيسيبي في أمريكا، والدنوب في أوربا، والفولجا في روسيا. ومع الحضارة ولدت الحكومة والإدارة والعلم والتنظيم والتخطيط العمراني، بل والدولة بأكملها بجميع أنماط الحياة، ثم جعل الخالق لها رواسي وهي : الجبال، ولابد أن نلاحظ أمراً مهماً جداً وهو : الارتباط الوثيق بين الأنهار والرواسي ـ الجبال ـ والذي في آيات القرآن في سورة الرعد (وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهاراً ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون). وسورة النمل : (أمن جعل الأرض قراراً وجعل خلالها أنهاراً جعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزاً أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون).  سورة النحل (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهاراً وسبلاً لعلكم تهتدون). وهذا الإعجاز القرآني لم يكتشفه العلم إلا حديثاً، حيث إن مصدر ثراء الأنهار هو نحت مياه الأمطار وجرفها لقمة الجبل يمدها بالغرين والطمي حيث تآكل الأجزاء المنحدرة للجبل بفعل المطر والصقيع والشمس ـ التأثير الجوي ـ حيث تندفع إلى النهر فتصير ضفتا النهر أوسع وأقل انحداراً، ثم يؤدي التآكل النهري تدريجياً إلى تكوين واد بأكمله والدلتا والروافد الكبيرة، وهكذا أوضحنا الربط القرآني بين الأنهار والرواسي والدلتات، وحيث لا توجد رواسي ـ جبال ـ مرتبطة بالنهر فإنه يستتبع ذلك انعدام الغرين والطمي فينشأ الماء معدوم الخصوبة، وبذلك تحتاج الأراضي الزراعية إلى مخصبات وأسمدة كيماوية لمعالجة نقص الطمي والذي لا تخفى أهميته كمجدد لشباب التربة كل عام. بقي أن نوضح حكمة الخالق في جعل الأنهار تتشقق من الحجارة (وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله )[سورة البقرة].

في الإشارة إلى تفجير المياه الجوفية المختزنة في الحجارة تماماً كما حدث في قصة سيدنا إسماعيل ـ عليه السلام ـ ثم ننتقل إلى توضيح الربط بين الماء العذب والماء المالح والغرين والطمي لتكوين الأودية والدلتا للنهر عند مصبه في النهر من خلال إعجاز الآيات القرآنية الكريمة

(أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) [الرعد: 17].

حيث إن ماء المطر قد أجرى الوديان، ثم تحمل الروافد الطين والغرين. ولكن بسبب تباطؤ سرعة مياه الأنهار وإلى أن المادة الطميية ـ الزبد ـ تحمل شحنات كهربية سالبة، ولأن قاع النهر هو الآخر يحمل شحنات سالبة لذا يستحيل أن يستقر في قاع النهر، وبتنافرهما معاً ينتج عن ذلك مزيج رغوي ـ الزبد الرابي ـ حيث يظل يندفع مع مياه النهر أثناء سيره واندفاعه وحركته حتى يصل إلى الماء المالح والذي يحتوي على شحنات كهربية موجبة ناتجة عن كلوريد الصوديوم، لذا ففي منطقة تلاقي ماء النهر والماء المالح تتعادل شحنات الطمي الرغوي فيتحدان حيث يسقط الطمي في قاع النهر ويترسب مكوناً تراكمات طينية عبر آلاف السنين فتحدث دلتا النهر حيث الحضارة والحياة والعمران فضلاً عن تأثير الترسبات وتكوينها معادن الخلجان كالفضة والذهب غيرهما، وحقول البترول والغاز الطبيعي، كما يهاجر إليها كثير من الأسماك لوضع البيض مما يجعل الثروة السمكية تركز على طول السواحل وعند مصبات الأنهار، خاصة أنه يمكن الصيد في مياه النهر وفي مياه البحر، فضلاً عن أن هذه المنطقة قليلة الغور كثيرة الأكسجين بالإضافة إلى حرارة الشمس مما يساعد على فقس البيض وكثرة السمك. ونختم هذا المبحث بثروات الخلجان بتوضيح سورة الرحمن (مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان ) [آية : 19ـ 20].

وإن كان قد أوضحنا العلاقة بين التقاء ماء النهر بماء البحر وما بينهما من برزخ فإن الآيات تحمل إلينا مفاجأة حيث أكدت الحقائق العلمية والاكتشافات الحديثة عن طريق التصوير من الأقمار الصناعية أن المحيط الأطلسي مقسم إلى عدة أبحر  متفاوتة الخواص التكوينية والملوحية، وأن ملتقى البحر الأبيض المتوسط مع المحيط الأطلنطي عند مضيق جبل طارق، وكذلك البرزخ الفاصل بين البحر الأسود والبحر المتوسط عند مضيق البسفور والدردنيل، مما يؤكد على أن البحار المالحة أيضاً بينها برزخ يفصل بينها حتى لا تطغى، وذلك لاختلاف الملوحة والخواص التكوينية المستقلة لكل منها كدرجة الحرارة ودرجة الملوحة ودرجة ذوبان الأوكسجين، وهو ما توضحه الآية الكريمة " بينهما رزخ لا يبغيان " حيث ثبت علمياً وبقياسات دقيقة وجود التيارات المائية التحتية في مضيق جبل طارق والتي تفصل بين البحر المتوسط والمحيط الأطلنطي، وذات الظاهرة نجدها في مضيق البسفور حيث الحواجز الصخرية التحتية بين البحرين المتوسط والأسود، وبين المحيط الأطلنطي والبحر المتوسط، فنجد أن هذا البرزخ يجعل استحالة اختلاط مياه البحار والمحيطات بعضها ببعض كما قد أعلمتنا الآيات العظيمة.

نماذج أخرى للاستفادة من البحار والمحيطات :

حيث سنقوم بعرض إمكانية الاستفادة من البحار والكائنات البحرية وذلك لتوضيح بعض المناذج المختلفة لمنافع وإمكانيات البحار والمحيطات، وهي على سبيل المثال لا الحصر، وذلك من منطلق تسخير البحار لنفع البشرية مصداقاً لقوله تعالى : ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً) [البقرة : 29].

وكذلك (وهو الذي سخر البحر).

أولاً :أكدت وكالات الأنباء أن الدولفين يلعب دوراً كبيراً في اكتشاف الغواصات والألغام البحرية أينما كانت، وذلك بعد التدريب بالطبع، حيث تعتمد أنظمة الإدراك الحسي لديه في تحديدها، وذلك عن طريق استخدامه للموجات فوق الصوتية (Ultrasound) بل والعجيب في الأمر حقاً هو استخدام تلك الموجات في الطب حيث المعالجة الطبية والتشخيص المرضي لأعضاء الجسم الداخلية بنفس الطريقة التي يستخدمها الدولفين حيث يسمى القيام بذلك أسلوب " مبدأ النبضة " حيث توليد دفعات قصيرة لاهتزازات ميكانيكية ضمن مجال ترددي معين 3.5 إلى 10 ميجاهرتز، وذلك بواسطة مرحل Transducerحيث تنتشر عبر أنسجة الجسم الداخلية وتولد انعكاساً جزئياً، فتلتقط إشارة الصدى بالمرحل وتتحول إلى إشارة كهربية يتم تكبيرها لإعطاء صورة لهذا العضو، مما يجعل من الدولفين نموذجاً يحتذي به في أجهزة الأشعة فوق الصوتية بل وتطويرها بحيث يمكن دراسة كيفية توليده للموجات فوق الصوتية، والاستفادة منها تكنولوجياً.

ثانياً :إن حوالي 90% من جميع الكائنات البحرية تعيش في المياه العميقة هي كائنات متألقة وضاءة، وبدأ في المختبرات والمعامل العلمية إجراء التجارب عليها للكشف عن آلية الإضاءة لديها والتي تسمى بالتألق الحيوي (Bioluminescence)وقد ثبت أن هذه المخلوقات أشد حساسية من أية أدوات صنعتها يد الإنسان حتى اليوم، حيث قدم عالم الفسيولوجيا الفرنسي رافائل أول سبب علمي لتوليد الضوء، حيث ينتج الضوء البيولوجي على المستوى الجزئي. إذ يجب أن يدفع الجزئ الأول إلى مستوى طاقة أعلى وغير مستقر في آن واحد، وفي الإضاءة الحيوية يحدث ذلك بوسائل كيميائية أو فيزيائية كالضوء فوق البنفسجين ثم عندما يرجع الجزئ لوضعه الطبيعي فإنه يصدر فوتون أو جسمياً من الضوء، والمهم هو التطبيقات والاستفادة العلمية حيث يتم استخدام الإضاءة الحيوية البكتيرية لقياس جرعة الإشعاع التي سوف تتمكن من تدمير الأورام السرطانية بشكل فعال وآمن، كما قام به بالفعل د/ جوزيف مانتل في مستشفى ديترويت بالولايات المتحدة الأمريكية.

ثالثاً :تحلية مياه البحر والمحيطات والحصول على المياه العذبة لأغراض الشرب والزراعة خاصة أن بها من الماء المالح 1370مليون كيلو متر مكعب، وما يتبخر يرجعه إليه المطر في توازن رباني عجيب.

وقد كان البحارة الأقدمون يأخذون ماء البحر ثم يبخرونه ويتم تكثيفه، وسبيلهم في ذلك الوقود والحطب للحصول على الماء العذب سالكين في ذلك مسلك الطبيعة، ثم باكتشاف الطاقة الشمسية وتطويع الذرة للاستخدامات السلمية أصبح الإنسان يستطيع تحلية مياه البحر بأسعار رخيصة، كما أن هناك عدة طرق حيث التبخير ذو الأثر المضاعف أو الممتد المفعول (Multiple effect)وهي طريقة بسيطة وسهلة للغاية، حيث يتم إدخال بخار شديد الحرارة 120مْ مثلاً في إناء به ماء مالح ثم نخرج هذا البخار بعد أن يكون قد سخن الوعاء الأول فيصعد منه بخار وهو عند درجة 105م ليساق هذا إلى الوعاء الثاني الذي به ماء مالح ثم بدوره إلى الوعاء الثالث والرابع حيث الاستفادة من البخار مرة فمرة بخفض الضغط في الأوعية والحصول على الماء العذب، وهناك طريقة البخر المفاجئ، التكثيف بواسطة الطاقة الشمسية، التحلية بواسطة تثليج مياه البحر كما يفعل أهل سبيريا، تحلية المياه المالحة بواسطة اللوحات المسامية والكهربائية وغيرها.

وهذه الطريقة مستخدمة بالفعل في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والتي تحصل في العام على أكثر من 45 مليون متر مكعب من الماء العذب، وأيضاً في الكويت التي تمتلك ست محطات تحصل منها على حوالي 50 ألف متر مكعب ماء عذباً وفي السعودية والبحرين وغيرها من دول العالم المختلفة.

رابعاً :للحياة وحداتها، ووحدة الحياة الخلية والخلية في نسيج، والنسيج في عضو ثم العضو في الكائن الحي، والذي يمثل بدوره وحدة في جماعة أو شعب أو وطن، ولكي ندرك سر الخلية الحية كان لابد أن نعزلها عن المجتمع الذي تعيش فيه وندرس سلوكها، وهذا ما تم مع شعبة الالتئام والتجمع في مستعمرات خاصة، مع فصلها وتمزيقها إلى اثنين ـ أي خليتين مختلفتين ـ مما ساعد العلماء على معرفة سر نشأة الخلية السرطانية وتدميرها للخلية الحية واختراقها من الداخل وإضعاف مقاومتها ثم قتلها والإحلال محلها، وكذلك ندرك لغز تشكيل وتكوين الجنين الذي يأتي من خلية واحدة ملقحة ثم تتشكل حتى توج العلماء بحوثهم في هذا المجال وتوصلوا إلى أسراره وبداياته، وظهر ما يسمى" طفل الأنابيب " كثمرة لتجارب العلماء في هذا المجال، والعلم " علم زراعة الخلايا والأنسجة بعيداً عن الجسم الحي " نتيجة لجهد عالم الفسيولوجيا الأمريكي هـ .ف . ويلسون بجامعة نورث كارولينا الأمريكية، وذلك على مستعمرة إسفنج، ثم بعد ذلك العالم بول جالستوف من معمل بيولوجيا البحار، وتوم همفريز من جامعة شيكاغو حيث مزق الخلايا الإسفنجية فإذا بها لو توفرت لها الظروف والعوامل المناسبة فإنها تحقق رباطات خلوية ولنظمت كل جالية نفسها، ثم لأخذت الخلايا أوضاعها، عندئذ تبدأ في تكون مستعمرة إسفنجية جديدة لا تختلف قليلاً أو كثيراً عن المستعمرة الأم، وقد وجد أن الخلايا المفككة عندما وضعت في ماء بحر خال من الكالسيوم والماغنسيوم فإنها تتآلف أوتترابط، وقد ثبت علمياً أيضاً أن الخلايا السرطانية التي تنشأ داخل خلايا الإنسان قد تتفكك أيضاً إذا لم تجد الوسط الملائم لنموها متمثلاً في الكالسيوم، غير أنها تهاجر إلى موقع آخر بجسم الكائن الحي حيث تكون فيما بينها رباطات خلوية، وهو ما لا يتوفر لخلايا جسم الإنسان، مما أحدث كشفاً لأسباب مرض السرطان وربما مع بحوث أشمل وأعمق نستطيع القضاء على هذا المرض الخبيث بعد أن أفصح لنا الإسفنج عن بعض أسراره.

خامساً :تتميز الأسماك الكهربائية بوجه عام بتوليد نبضات تيارات كهربية بعضها ضعيف حيث الذبذبات المنخفضة، وأخرى تستطيع توليد جهود كهربائية عالية تترواح بين 300ـ 800 فولت، وقد اكتشفها الإغريق والرومان قديماً وعالجوا بها مرض النقرس، على أن ذلك لم يدم طويلاً نظراً لأن هذا التيار العالي الذي تولده سمكة الشفتين البحرية لا يتحمله إلا ذوو البنية القوية، ولكن الطب الحديث قد استلهم ذلك وطور أساليب ووسائل علاجية بالصدمة الكهربائية ولكن بطريقة آمنة، وذلك عن طريق جهاز مقلد التيار (Simulator)لعلاج مرض اضطرابات الدورة الدموية والأمراض العضلية والعصبية.

سادساً : سمك القرش ذلك الحيوان البحري والذي ثبت وجود مادة " السكوالين " والتي استخدمها اليابانيون في الحرب العالمية الثانية كزيت لتشحيم طائراتهم التي تطير على ارتفاع عال في درجات حرارة منخفضة، وفي معالجة الحروق، وعلاج فعال لكثير من الأمراض بدءاً من الإمساك إلى علاج أورام المخ بفعالية، فضلاً عن أنها تدخل في صناعة أدوات التجميل.

وكذلك اكتشف الباحثون الطبيون أن سمك القرش لا يمرض أبداً ولا يصاب بأي التهاب بالرغم من الجروح الكثيرة التي يتعرض لها، كما أنه محصن وذو مناعة تامة ضد الأورام السرطانية، وذلك لإفراز مضاد حيوي قوي وفعال في كل خلية من خلايا جسمه. وإنه ذو فاعلية مذهلة في القضاء على الميكروبات والفطريات والبكتريا الضارة قضاءً تاماً وفورياً، وأنه قد تم استخراج المادة والبدء في تجربتها واختيار مدى فاعليتها واستخدامها بالنسبة للإنسان، وذلك للقضاء على الأمراض البشرية، وهو ما أثبتت الأبحاث نجاحه بفاعلية.

وأخيراً ـفقد عرف العلماء الكثيرة عن البحار والمحيطات وأهميتها وفوائدها ولكن هذا الكثير لا يزال قليلاً لما تطويه الحياة من علوم (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً).
الفصل الثاني :

لقد استعرضنا في الفصل السابق إعجاز آيات البحار في القرآن وهتكها لأسرار الغيب وكشفها للمستقبل، في حين أن القرآن قد نزل من أكثر من ألف وأربعمائة سنة إلا أن آياته العظيمة تتضح وتتكشف عظمتها وقوتها يوماً بعد يوم وفي هذا الفصل سيتم بحث علاقة البحار بباقي مظاهر الطبيعة والكون من خلال " البحار ومنظومة الحياة " حيث نبحث علاقة البحار بباقي مظاهر الطبيعة والكون من خلال البحار ومنظومة الحياة، من خلال الآيات القرآنية العظيمة، حيث أن البحار مشارك أصيل في الحياة، فهو للماء خازن، ولأشعة الشمس لاقط، وللسحاب مكون، وللكربون قانص، وللأسماك مستقر، ولجوف الأرض مبرد، ولقشرتها وقاء، وللسفن طريق، وللتجارة والنقل شريان، وللمعادن والطاقة حامل، وللحياة بأكلمها مشارك فعال وأصيل في كل نشاطات الحياة المختلفة، وذلك للوصول إلى كشف التوازن الرباني الدقيق لدوام الحياة على الأرض، وكذلك نثبت ونؤكد على التكاملية في خلق الله ـ سبحانه وتعالى ـ من خلال منظومة حياتية متكاملة للكون.

أولاً الشمس والبحار
(سخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار)[سورة إبراهيم : 33]، إذن فالشمس مسخرة كمصدر للطاقة لا ينفد وينضب، فالطاقة التي ترسلها إلى الأرض كافية ووافية، بل وتمثل فيضاً هائلاً من الطاقة لم يستغل بشكل فعال ومؤثر حيث ترسل الشمس 180 ألف تيراوات ـ مليون بليون ـ إشعاع شمس للأرض، بينما تستهلك الأرض 8 تيراوات فقطن وتسقط أشعة الشمس الحرارية على ماء البحار والمحيطات بنسبة 70% حيث تمتصها فيحدث التبخر تاركة وراءها كل الشوائب والأملاح والميكروبات حيث يحدث التبخر بمقادير هائلة في المنطقة شبه الاستوائية، نظراً لتركيز حرارة القطبين، كما أن هناك اختلافات البخر جداً في المنطقة الباردة بالقرب من القطبين، كما أن هناك اختلافات قوية في البخر من الشرق إلى الغرب عبر المحيطات ، حيث يكون البخر في الغرب ضعف مثيله في الشرق على نفس خط العرض على سطح المحيط، وذلك بسبب الحركة العرضية للبخر من الشرق إلى الغرب، وتكمن أهمية عملية البخر في أنها تتسبب في سقوط الأمطار المسببة للحياة، إلى جانب أن هذه العلمية تستخدم كميات هائلة من الطاقة في تسخين مياه المحيطات مما يؤدي إلى الاتزان الحراري للمحيطات مع الحافظ على ملوحتها في ذات الوقت، حيث تقوم الأمواج بتقليب الملح في ماء البحر للمحافظة على ملوحته، كما أن تكثيف البخر يعمل على تخفيف الماء وملوحته بالقرب من سطح المحيطات، مما ينتج عن ذلك استبدال الكتلة التي ميلها تدفق بخار الماء، ويستتبع ذلك تولد غازي الأكسجين وثاني أكسيد الكربون مسببي الحياة البيولوجية مما يؤدي إلى التوازن الغازي، حيث إن غاز ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء فيا لجو يؤدي على امتصاص الضوء، وأن 60% من ثاني أكسيد الكربون الموجود في الهواء يبقى كما هو في الجو بنسبة 40% تمتص في البحار والمحيطات، وغني عن المعرفة أن في حالة غياب ثاني أكسيد الكربون لأي سبب تزداد حرارة الجو ويتغير مناخ العالم بشكل جذري، لذا يتضح أن الخضرة وثاني أكسيد الكربون يلعبان دوراً هاماً في الحياة البحرية واليابسة من خلال استخدام ضوء الشمس كمصدر للطاقة اللازمة للتمثيل الضوئي، ومع مرور الوقت بالنسبة للنباتات يتعاظم عنصر الكربون في الجذور والسيقان، والذي هو عنصر الحفاظ على اتزان البيئة الحية سواء على اليابسة أو البحار، بل وعنصر الأساس لاتزان الحياة البشرية غذاء ودفئاً، وهو ما أكدته الحقيقة القرآنية في سورة يس (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون)[آية :80].

مما يؤدي إلى تبادل الطاقة الميكانيكية، ويؤكد لنا الارتباط الحيوي بين الأحوال الجوية والبحار والمحيطات، فتدفق الطاقة الشمسية من المناطق الاستوائية إلى القطبين الشمالي والجنوبي، وهذا لا يحدث إلا في الأجزاء السائلة من الأرض حيث مياه المحيطات وطبقات الجو مع العامل الناقل الوسيط المتمثل في الجو حيث الرياح وعوامل الضغط المخلفة، مما يؤدي إلى تدفئة الجو بتفاعل البحر والهواء، حيث يعمل الجو على نقل طاقة الشمس إلى القطبين بنحو 600 كالوري /جرام بخار ماء، لذا فإن عملية التكثيف تفرج عن هذه الطاقة المبخرة في تعذيب الماء والحفاظ على درجة حرارة الجو. والسؤال الذي يثور ويفرض نفسه بقوة وبطريقة منطقية وبديهية وهو : لماذا تشغل البحار والمحيطات 70% من مساحة الأرض وهي مياه مالحة؟ ألم يكن من الأجدى أن تكون مياهاً عذبة تصلح للشرب والزراعة وشتى المنافع بدلاً من هذه المياه المالحة؟

ولكن حكمة ربنا العالية اقتضت ذلك لنحافظ على دروة المياه، وبدونها يأسن هذا الماء العذب ويتغير طعمه ويفسد، بينما مياه البحار هي التي حفظت الماء العذب لانتفاع به، وكونها دائماً مصدراً رئيسياً وخزائن للماء لا تنضب أبداً ما دامت الحياة على الأرض، كما أن الماء المالح يحافظ على توازنه، وذلك عن طريق الأمواج، والتي تقوم بعملية تقليب وتذويب الأملاح في المياه حتى تظل ذائبة في ماء البحر أو المحيط.

ثانياً : الرياح والبحار

(وهو الذي أرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهوراً)[سورة الفرقان].

وفي سورة الروم (ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون)، ولعل آية التحدي المتعلقة بالرياح في سورة الشورى(إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) وغني عن البيان أن الرياح هي التي تسير السفن في البحر أما كيف تهب الرياح ودور البحار في ذلك؟!

فهو أن الأرض تدور حول الشمس بحيث تتعرض أجزاؤها لضوء الشمس الواحد بعد الآخر، حيث تقوم طاقة الشمس بتسخين سطح الأرض، والذي بدوره يسخن الهواء فوقه، ثم يرتفع هذا الهواء كسحابة غير مرئية، حيث يصبح ضغط الهواء خفيف الوزن وعندما يرتفع الهواء نتيجة الهواء الدافئ الرطب فوق البحار والمحيطات حيث يأتي هواء آخر بارد ليحل محله، ويصبح الضغط عالياً، إذن فالرياح هي حركة الهواء البارد وهو ينزل ليحل محل الهواء الساخن المرتفع، والذي يبذل طاقة أكبر في الصعود لأعلى حيث تهب الرياح دائماً من مكان الضغط العالي إلى مكان الضغط المنخفض، أما إذا كان الهواء الساخن لا يحمل درجة رطوبة عالية فتكن الرياح جافة وساخنة مصداقاً لقوله تعالى : (ولئن أرسلنا ريحاً فرأوه مصفراً لظلوا من بعده يكفرون)[سورة الروم].

فالرياح إذن مشارك أصيل في دورة المياه العذبة أيضاً.

ثالثاً : السحاب والبحار:

أوضحنا العلاقة بين البحار وتكوين الرياح وذلك كمدخل لدراسة نشأة السحاب والذي يتكون نتيجة امتصاص البحار والمحيطات لطاقة الشمس إلى غاز " بخار الماء " حيث تصعد الرياح إلى أعلى حتى تصل به إلى طبقات الجو العليا حيث الهواء البارد، والذي يجعل جزيئات الماء تتقارب وتتقارب حتى تصير حبيبات من الماء، ثم تتجمع حبيبات الماء حول ذرات الغبار التي تحملها الرياح، وعندما يبرد الهواء أكثر تكبر الحبيبات حتى تصبح سحاباً، مصداقاً لقوله تعالى في سورة الذاريات (والذاريات ذرواً * فالحاملات وقراً * فالجاريات يسراً ). حيث أن الرياح تذرو التراب والسحاب الذي يحمل حبيبات الماء ثم السفن التي تجري في البحر بسهولة ويسر مما يؤكد إعجاز الآيات القرآنية وسبقها العلم الحديث في كشف وإيضاح كيفية نشأة وتكوين السحاب، ثم نجد الرياح والتي ترسل السحب لآلاف من الأميال مصداقاً لقوله تعالى في سورة فاطر : (والله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور ).

ولولا بخار الماء لما صعد السحاب عالياً إلى طبقات الجو العليا حيث ما يعرف علمياً الآن " نويات التكاثف " حيث إن الرياح هي التي تغذي السحب المثقلة ببخار الماء حيث يتم تجميع جزيئات بخار الماء حولها فتتكون بذلك قطرات صغيرة الحجم ودقيقة من الماء، أو بلورات الثلج وتكون متماسكة لدرجة أن مجرد نسمة تبقيها على حالها معلقة في الهواء، وإذا غابت نويات التكاثف هذه من سحابة فإنها لا تمطر أبداً رغم وجود بخار الماء بها، لذا فالعلاقة طردية حيث إذا زادت زاد المطر وإذا قلت فإن المطر يقل بالتبعية، ثم تستمر الرياح في تلقيح السحاب بإمداده ببخار الماء ونويات التكاثف لذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو دائماً " اللهم لقاحاً لا عقيماً " وذلك لأن الرياح تلقح السحاب، وكذلك تنقل حبوب اللقاح من زهرة لأخرى، وهو أيضاً ما توضحه الآيات الكريمة في سورة الحجر: (وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين ).

وكذلك في سورة الروم : (الله الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفاً فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون ).

حيث يكون السحاب كسفاً أي : قطعاً مجزأة، ثم يؤلف الله بينه ليكون سحاباً ركامياً يخرج منه الودق، أي : المطر، وهذه السحب الركامية تبدأ على هيئة وحدات تلتحم مع بعضها فيكبر حجمها ويهطل منها المطر، وهي وحدها التي تجود بالبرد وتشحن بالكهرباء، مما ينجم عنه ظاهرة البرق والتي تسبب العمى المؤقت للناظر له عن قرب، ففي سورة الطور (وإن يروا كسفاً من السماء ساقطاً يقولوا سحاب مركوم).

وكذلك النور (الم تر أن الله يزجي سحاباً ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاماً فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ).

وقد أوضحت الحقائق العلمية دقة التشبيه القرآني البليغ، حيث تشبيه السحاب الركامي بالجبال، حيث ثبت بالفعل أن هذا السحاب يعلو كالجبال، ويلاحظ ذلك بصورة أوضح لراكب الطائرة وهي تعلو فوق السحب أو تسير بينها، فإذا المشهد مشهد الجبال حقاً بضخامتها ومساقطها وارتفاعاتها وانخاضاتها، وهو تعبير مصور للحقيقة التي لم يرها الناس إلا بعدما ركبوا الطائرات، كما أن البرد يدفئ الجو، ومرد ذلك أنه يمتلئ الجرام الواحد من الماء بحوالي 80 سعراً حرارياً، وهذه الحرارة تتسبب في رفع درجة حرارة الجو ارتفاعاً قليلاً. ثم هناك العلاقة المباشرة والربط بين الرياح والسحب نجده في سورة البقرة : (وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون).

حيث إنه كما أوضحنا أن الجبهة السطحية للهواء الساخن فوق الهواء البارد فإن كتلة الهواء الساخن تتخلف عن كتلة الهواء البارد، حيث تبذل الجبهة الساخنة طاقة أكبر للصعود لأعلى، وبما أن الهواء الساخن لا يحمل درجة رطوبة عالية لذا فتكون الرياح ساخنة وجافة إعمالاً لقوله تعالى في سورة الروم: (ولئن أرسلنا ريحاً فرأوه مصفراً لظلوا من بعده يكفرون ). فتكون هذه الرياح مفسدة للنبات والزرع، أما إذا كانت الرياح الساخنة مرطبة لدرجة معقولة ـ أي مشبعة ببخار الماء لحد معين ـ فإن ذلك يشير إلى احتمال نزول ماء المطر، وأما إذا كانت الكتلة الهوائية مشبعة بحبيبات الماء فتكون أثقل من الهواء فتسقط مطراً.

في سورة الأعراف: (وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحاباً ثقالاً سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء ).

أو تكون السحابة داكنة وينزل الغيث، قال تعالى في سورة البقرة : (أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط والله محيط بالكافرين ).

ثم جاء العلم الحديث ليستطيع إسقاط المطر صناعياً، فاعتقد الغرب أنه قد أحدث معجزة مع أنه يعتمد على مادة أيوديد الفضة Silver Iodideوهو عبارة عن مركب كيميائي أصفر اللون يمكن استخدامه لتحفيز السحب الركامية على الهطول، ويسلب عواصف البرد العاتية قوتها المدمرة عن طريق استخدام المادة لتكسير السحب قبل أن تحدث تلك الأضرار الناتجة عن حبات البرد، والتي تخرب الحقول والمزارع، أي أنهم لا يقوموا بإحداث تغيرات في دورة الحياة أو التحكم فيها، بل إن كان ما فعلوه هو تحفيز السحب بعد تكوينها ـ انتهاء دورة المياه ـ على الهطول أو تخفيف كتلة السحاب ولكن الذي ينزل ماء المطر هو الله ـ سبحانه وتعالى ـ وحده : (والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآية لقوم يسمعون)[سورة النحل].

حيث يقول الخالق إن نزول المطر مرتبط بأمره ومشيئته الإلهية فقط، لذا يحذر هؤلاء القوم ألا يغتروا في أنفسهم أو ينسبوا فضلاً لا يستحقونه لأنفسهم، فيوجه له القول في القرآن : (قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماء معين )[سورة الملك].

وكذلك سورة المؤمنون(وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون).

رابعاً : الكربون والبحار
أشرنا إلى أهمية عنصر الكربون ومدى تأثيره على الحياة في المحيطات والبحار حيث دورة ذرة الكربون في البحار والمحيطات، والتي تسهم في غذاء الكائنات الحية البحرية وبخاصة في المياه الباردة، حين تصل ذرة الكربون إلى السطح الدافئ فتواجه أحد المصيرين النقل التياري البحري إلى المناطق القطبية فتبرد وتغوص. أو تكون غذاء للكائنات البحرية وبخاصة الأسماك، وفي المحيط تتحول جزيئات ثاني كربونات الصوديوم إلى غاز ثاني أكسيد الكربون، والتي تذهب عائدة مع التيارات البحرية إلى المياه القطبية الباردة، أو يفر إلى الجو ليلعب الدور الرئيسي في التمثيل الضوئي للنباتات، حيث يحدث تبادل ذرة الكربون بين الجو والبحر لاستكمال حلقات الحياة للنباتات والكائنات الحية كلها، وهو ما توضحه لنا الآية الكريمة (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ). أما بالنسبة لذرات الكربون المشع فتبقى قلقة بين العودة إلى النيتروجين وعنصري الكربون المشع والنيتروجين 14 وحين انبعاث الإلكترون تنتهي حياة الكربون المشع فتنضم إلى مثيلاتها من الكربون الثابت والتي لم يمتصها النبات، فإنها تقع في البحر فتبقى في حركتها مع سطح الماء المتأين في رحلات بحرية بين المياه الدافئة والباردة، مما يؤكد على أن فهم دورة الكربون في المحيط يدخل في الميزان الغازي للمحيطات والجو، بل ومن العوامل المؤثرة في إحداث تغيرات جوهرية في مناخ الكرة الأرضية.

لذا لابد للإنسان من الفهم العميق لكيميائية كربون المحيط وكربون النبات الأخضر، ومعرفة مصير ثاني أكسيد الكربون، والذي يأسر الطاقة بالقرب من سطح الأرض، بامتصاصه الإشعاع المنطلق من الأرض ويرسله ثانية لاتجاه سطح الأرض مما يؤكد أهميته للأنظمة البيولوجية وفي تكوين الوقود الحفري، بل والحياة بوجه عام.

ومجمل القول أن غذاءنا ووقودنا يدخل فيه الكربون، مما يؤكد على أنه مشارك أصيل في التوازن البيئي والأمن الغذائي لجميع المخلوقات الحية بما فيها الإنسان.

أخيراً : سقوط الأمطار

استعرضنا دورة الحياة حيث أشعة الشمس تمتصها البحار والمحيطات والمسطحات المائية، فيحدث البخر فالتكثيف وتكوين السحب ودور الرياح المؤثر في ذلك، ودور الكربون في تبادل الطاقة بالنسبة للهواء، ثم تساق السحب إلى المنطقة التي يريد الخالق ـ سبحانه وتعالى ـ أن يسقطه فيه حيث أخراج النبات والثمرات وإحياء الأرض بعد موتها(وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضراً نخرج منه حباً متراكباً ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبهاً وغير متشابه انظروا إلى ثمره وينعه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون)[سورة الأنعام].

وفي سورة النحل :( هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون). وفي سورة العنكبوت : (ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون). ثم نجد أن ماء السماء للطهارة ويجوز الوضوء به على المذاهب الأربعة. ففي سورة الأنفال: (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام). أو ليكون عيوناً أو ينابيع، في سورة الزمر:( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعاً مختلفاً ألوانه).

كما أن للماء قدرة هائلة على النحت وبخاصة للجبال والصخور وإذابتها، لاحتوائه على ثاني أكسيد الكربون ذائباً فيه، ثم لاحتوائه على مواد أخرى وذلك في طريقه للنزول، وبما يكسبه تفاعلات أيونية نشطة كيميائياً مما يجعل جميع العناصر المعروفة على وجه الأرض موجودة وذائبة في مياه البحر، هو سبب تجمع ثروات الخلجان ودلتات ملتقى الأنهار والبحر وكذلك، تسقط معظم الأمطار أيضاً على البحار والمحيطات لتعيد التوازن لها من جديد لذا فهي مصدر مياه الأرض كلها سواء في بحارها أو جوفها أو أنهارها.

وسبحانه عز من قائل (وجعلنا من الماء كل شيء حي)صد الله العظيم.

المراجع:

1.    القرآن الكريم 

2.    تفسير الطبري   للإمام محمد بن جرير الطبري

3.    نظرات في الكون والقرآن  د. م/عبد الهادي ناصر

4.    الإسلام يتحدى     وحيد الدين خان

5.    من جوانب الحضارة الإسلامية  د. إبراهيم سليمان عيسى

6.    إعجاز الكلمة في القرآن  د. فاروق عبد السلام

7.    مجلة العربي الكويتية   أعداد متفرقة

8.    الجغرافيا قضايا ومشكلات معاصرة

المستوى الرفيع ، العام 1992/1993.

9.    مجلة منبر الإسلام لعام 1979

10.           مجلة الإسلام وطن " الإشارات العلمية في القرآن والسنة " .

http://www.funsocialstudies.learninghaven.com/articles/conddrft2.htm

 

 

آية اختلاف الليل والنهار في ضوء علوم الفضاء
 

صورة  بالأقمار الصناعية توضح إيلاج الليل في النهار في شمال أفريقيا وغرب أوربا

بقلم د. نجاة محمد رشيد رؤوف العبيدي

جامعة بغداد/ كلية العلوم/ قسم الفلك والفضاء

"يكشف هذا البحث حقائق جديدة في ظاهرة اختلاف الليل والنهار، والتي يعيشها الإنسان يوميا على هذه الأرض، فهي واحدة من اهم الحقائق الكونية التي تشهد على وحدانية الخالق وانه إله كل شيء وخالق كل شيء، يقول تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [البقرة: 164]. إن ظاهرة اختلاف الليل والنهار هي نعمة من نعم المولى عز وجل ينبغي التفكر فيها، وهي معجزة إلهية لم يتمكن العلماء من كشف أسرارها إلا في أواخر القرن العشرين، وهذا يشهد على إعجاز هذه الآية الكريمة".

مقدمة

يوجد في القرآن الكريم عدد كبير من الآيات الكونية فيها دلالات بينة على وحدانية الله تعالى وإقامة الحجة على ذلك من خلال التفسير العلمي وهداية للعلماء في أبحاثهم تقودهم إلى الاستنتاجات المقنعة وان الحقيقة الكونية خدمة للبشرية جمعاء تنور طريق الباحثين وتخرجهم من الظلمات إلى النور[1و2 ]، وظاهرة الليل والنهارالتي يعيشها الإنسان يوميٌّا فوق هذه الأرض واحدة من هذه الحقائق الكونية. حقاً، إن القرآن معجزة الدهر، أي معجزة خالدة متجددة يتبين للناس منها على مر الدهور وجه لم يكن تبين وناحية لم يكن أحد يعرفها، فيكون هذا التجدد في الإعجاز العلمي سنداً قوياً للرسالة الإسلامية وكشفاً لكنوز القرآن وبرهاناً على صدق الوحي ونبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعالمية رسالته. في هذا البحث اود ان ابين الاختلاف بين الليل والنهار في ضوء علم الفضاء، فلو رجعنا لكلام المولى تبارك وتعالى وما ورد عن اختلاف الليل والنهار ذكرها الله في خمس آيات نوردها:

1- (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [البقرة: 164].

2- (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) [آل عمران: 190]

3- (إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) [يونس: 6]

4- (وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [المؤمنون: 80]

5- (وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [الجاثية: 5]

لو تأملنا هذه الايات نجد فيها ارتباط بين اختلاف الليل والنهار والسموات والارض والتي ورد ذكرها في اربعة منها وفيها يخاطب الله سبحانه وتعالى اصحاب العقول والعلماء بأن يتفكرون في هذه الايات ويجدون فيها عظمة الخالق وان هذا الكون لابد من وجود مدبر واحد وقانون واحد يحكمه وهذا عكس ما يدعيه بعض العلماء بفوضوية الكون (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران: 191]. عند مراجعة المصادر التي فسرت هذه الايات وما تتفق مع العلم الحديث نجد فيها من الاشياء والحجج المقنعة ولكن يمكن اضافة بعض المعلومات التي اجدها متفقة مع هذه الايات والتي تخص علم الفضاء والتي هي جزء من دراستي وللدخول في هذا المجال يجب التعرف على بعض الحقائق التي ورد ذكرها في بعض المصادر.

ما ورد في كتب المفسرين ... واختلاف الليل والنهار

نوجز بعض ما ورد في تفسير ابن الكثير من سورة البقرة: 164 من قوله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) تلك في ارتفاعها ولطافتها واتساعها وكواكبها السيارة والثوابت ودوران فلكها وهذه الأرض في كثافتها وانخفاضها وجبالها وبحارها وقفارها ووهادها وعمرانها وما فيها من المنافع, واختلاف الليل والنهار. هذا يجيء ثم يذهب ويخلفه الاَخر ويعقبه, لا يتأخر عنه لحظة، وعن ابن أبي حاتم حيث قال: نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) [البقرة: 163] فقال كفار قريش بمكة: كيف يسع الناس إله واحد ؟ فأنزل الله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ) إلى قوله: (لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) فبهذا يعلمون أنه إله واحد، وأنه إله كل شيء، وخالق كل شيء. وفي تفسير آل عمران: 190، أن الله تعالى يقول: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) أي هذه في ارتفاعها واتساعها، وهذه في انخفاضها و كثافتها واتضاعها، وما فيهما من الاَيات المشاهدة العظيمة من كواكب سيارات، وثوابت وبحار وجبال وقفار وأشجار ونبات، وزروع وثمار، وحيوان ومعادن، ومنافع مختلفة الألوان والروائح والطعوم والخواص، (وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) أي تعاقبهما وتقارضهما الطول والقصر، فتارة يطول هذا ويقصر هذا، ثم يعتدلان ثم يأخذ هذا من هذا فيطول الذي كان قصيرا، ويقصر الذي كان طويلا. وكل ذلك تقدير العزيز العليم، ولهذا قال تعالى (لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) أي العقول التامة الذكية التي تدرك الأشياء بحقائقها على جلياتها، وليسوا كالصم البكم الذين لا يعقلون، الذين قال الله فيهم (وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) ثم وصف تعالى أولي الألباب، فقال: (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) أي يفهمون ما فيهما من الحكم الدالة على عظمة الخالق وقدرته وعلمه وحكمته واختياره ورحمته. وما ورد في تفسير الطبري عن اختلاف الليل والنهار لا يختلف عن ما ورد في تفسير ابن الكثير بل يؤكد انها نزلت على الرسول لتبين للمشركين ان الله هو خالق كل شيء وهو واحد احد[3].

الحركات النسبية للارض ... واختلاف الليل والنهار

لوصف اي حركة لأي جسم على الاقل هنالك نقطتا مرجع يجب ان تؤخذ بالحسبان، فحركة الارض تقارن بالنسبة للشمس اأو للقمر أو للنجوم...الخ. ففي كل حالة تختلف عن الحالة الاخرى اعتمادا على المرجع الذي تقارن به، فالارض كوكب صغير ويمتلك عدة حركات في هذا الكون الواسع وهو جزء من نظام شمسي الذي يدور حول مجرة حلزونية، والمجرة نفسها في حركة تسارعية الى خارج الكون قال تعالى (كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى)، ويجدر الاشارة هنا الى ان حركة الارض نسبة للكون صفر اي ان الارض ثابتة نسبة للفضاء الكوني. الفضاء لوحده، مجرد من كل مادة وطاقة، فهو ليس فارغا على اية حال، له كل "قوانين الطبيعة" التي تحكم المادة والطاقة ضمن هذا الكون ان هذه "القوانين" تعتبر الاطار الذي يخلق الفضاء ويعطي هذا الكون شخصيته. فيما يلي ملخص بالعديد من حركات الارض وان هذه الحركات هي نسبة الى اجسام اخرى

* ان الارض تدور حول محورها نسبة للشمس بسرعة 1600 كم في الساعة ويبلغ محيطها 38400 كم وبهذه السرعة تكمل الارض دورة كاملة كل 24 ساعة لذلك فسرعة الدوران هذه في غاية الدقة صنع الله الذي اتقن كل شيء. وان المدار الذي تدور به الشمس يختلف عن المدار الذي تدور به الارض (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [يس: 40] فسبحان من أنزل القرآن بأعجازه تذكرة لأولي الأبصار... وفيما يلي بعض الايات التي تبين كروية الارض ودورانها حول محورها من خلال الوصف الدقيق لتولد الليل والنهار.

دوران الأرض حول محورها نسبة للشمس ينتج عنه الليل والنهار

(يغشى الليل النهار يطلبه حثيثاً )[الأعراف: 54].

(يغشى الليل النهار )[الرعد: 3].

(يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل )[الزمر: 5].

(يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل )[لقمان: 5].

(وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون )[يس: 37].

وقد وضح المفسرون آية الإغشاء بأنه تعالى يجعل زمن الليل وزمن النهار يتعاقبان بسرعة على الأرض، وآية الانسلاخ بأنه تعالى يفصل أو يزيل النهار من الليل فيدخل الناس في الظلام، والتكوير والإيلاج أنه تعالى ينقص في زمن الليل بقدر ما يزيد في زمن النهار، وبالعكس. والايات تشير الى ظلمة الليل ونور النهار [4]

( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ) [الليل: 1 ـ 2].

( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ) [النبأ: 10 ـ 11].

( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ) [يونس: 67].

وإذا استعرضنا لوازم الليل والنهار في علم الطبيعة نجدها ستة وهي، ظلام الليل ونور النهار، مكان حدوث الليل ومكان حدوث النهار، سبب حدوث الليل وسبب حدوث النهار.

* ان تباطأ حركة دوران كوكب الارض نسبة للشمس، فالكوكب يصبح اكثر مستديرا مما يسبب في انكماش محيط خط الاستواء بشكل تدريجي هذا له تأثيرات عميقة على قشرة الارض ومحيطاتها وجوها بينما يتغير شكل الارض بشكل بطيء يقول تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) [الرعد: 41] والاية (بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ )[الانبياء: 44]. وان سرعة تعاقب الليل والنهار متغيرة مع الزمن، وتبين علمياً أن هذه السرعة كانت عالية عند بدء خلق الأرض، ثم تناقصت بالتدريج مع مرور الزمن، وما زال هذا التناقص مستمراً بسبب ظاهرة المد والجزر. أن طول اليوم على كوكب الأرض يزداد بمقدار (1......... ثانية) كل قرن، وإذا تدبرنا آيات القرآن الكريم نجد إشارة واضحة وصريحة لهذه الظاهرة في هذه الاية: (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين)[الأعراف: 54].

* دوران الارض حول الشمس حيث تأخذ الارض 365.25 يوما لاكمال دورة واحدة حول الشمس.

* حركة الارض نسبة الى خلفية النجوم وذلك بترنحه حول محوره وياخذ 26000 سنة لاكمال دورة واحدة.

* حركة الارض نسبة للفضاء نفسه حيث يعتبر ساكنا بالنسبة للكون وهذا ما اشير اليه من قبل العالم مايكلسون اثناء قيامه بتجربة لقياس سرعة الضوء وفي التجارب الاخرى لاوجود لاي حركة بين الارض والفضاء. فيزجيرالد فسر بأن الارض تقلصت فقط بما فيه الكفاية لتعادل حركة الارض المتباعدة خلال الفضاء. اما اينشتاين فجاء بفكرة مختلفة قليلا ولكن الحقيقة المجردة بأن الارض لاتتحرك نسبة الى الفضاء اي ان سرعتها صفر وهذا ما اشار اليه القرآن اذ قال تعالى (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) [الرعد:2] هذه الآية جاءت لتصف حركة الشمس والقمر معا اي ان السرعة النسبية بينهما صفر فسبحان الله اذا تغيرهذا النظام واصبح هنالك سرعة نسبية بين الارض والشمس لاختل النظام واخذت الارض بالابتعاد عن الشمس واصبحت الحياة على الارض غير ممكنة ولكن برحمة من الله تعالى دبر هذا الكون الى ان تقوم الساعة.

صورة للأرض ويظهر فيها الاختلاف بين الليل والنهار

* يميل محور الأرض بمقدار 23.5 على العمود الرأسي على مستوى مدارها حول الشمس، وميل المحور هو السبب في اختلاف زمن الليل وزمن النهار مما يسبب في حدوث فصول السنة الاربعة، الشتاء والربيع والصيف والخريف.

الشكل يبين ميلان الأرض عن محورها بـ 23.5 درجة

ويقول تعالى في سورة الرعد في وصف المراحل النهائية لخلق الأرض: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ  )[الرعد: 2 ـ 3].

* كل الكواكب في المجموعة الشمسية تتحرك تقريبا بنفس السرعة المجرية على الرغم من ان كل كوكب له سرعتة الفردية حول الشمس تختلف عن الكوكب الاخر. وكذلك تتذبذب الكواكب في حركتها نسبة للنجوم الاخرى لمجاورة لها اثناء مسيرتها حول درب التبانة.

أن دوران الارض حول محورها ودورانها حول الشمس وميلان محور الارض كل هذه معا كنظام تولد الاختلاف بين الليل والنهار طبقاً للوصف القرآني، أليس هذا إعجاز قرآني.

الانسان والحيوان ... واختلاف الليل والنهار

وردت عبارة الليل والنهار في احدى وعشرون آية من آيات القرآن الكريم ولو تأملنا هذه الاية : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا) [الاسراء: 12]اي ان الله جعل الليل مظلما للنوم والراحة للانسان والحيوان رحمة منه وجعل النهار مضيئأ للعمل وطلب الرزق، وممكن من خلال تعاقب الليل والنهار معرفة الوقت وحساب السنين.

النبات … واختلاف الليل والنهار

لنتدبر جانباً من الإعجاز النباتي في آية (اختلاف الليل والنهار ) والتي تطرق الى تفسيرها علميا احد الباحثين [5]بما للنهار من أهمية للنبات والتي تكمن في ضوء الشمس وما تمدنا به من حرارة وإشعاعات سخرها الله سبحانه وتعالى لقيام الحياة واستمرارها على كرتنا الأرضية ، بعملية البناء الضوئي (Photosynthesis) يقوم النبات بما أودع الله سبحانه وتعالى فيها من خصائص حيوية بصنع الغذاء. اما اهمية الليل لاستمرار الحياة على الارض، فالعلماء يقسمون تفاعلات البناء الضوئي إلى تفاعلات الضوء وهي التي لا تتم إلا في الضوء (النهار ) وتفاعلات الظلام وهي تتم في الليل. ان اختلاف الليل والنهار طولاً وقصراً نوراً وإظلاماً برودة ودفئاً من أهم عوامل استمرار الحياة على الأرض ففي النباتات الزهرية إذا لم تتكون الأزهار لا تتكون الثمار ولا الحبوب وهذه الأزهار لا تتكون في أي نبات إلا إذا تكونت فيه أولاً مادة كيميائية حيوية تؤدي إلى عملية الإزهار هذه المادة تسمى هرمون الإزهار (lowaring Hormone) وهذه المادة تتكون فقط عندما يختلف الليل والنهار في حياة النبات فتكوين هذا الهرمون متوقف على تتابع فترة الإضاءة وفترة الإظلام ومدة كل منهما واستمرارها، وشدة الضوء والظلام .

تتم داخل خلايا أوراق النبات الخضراء عمليات مقعدة تسمىPhotosynthesis

فقد خلق الله سبحانه وتعالى في المملكة النباتية نباتات تحتاج إلى فترة إظلام يومية لا تقل عن عدد معين من الساعات حتى تزهر ولذلك سميت هذه النباتات بنباتات الليل الطويل . وتوجد أيضاً نباتات تحتاج إلى فترة إضاءة يومية لا تقل عن عدد معين من الساعات حتى تزهر ولذلك سميت بنباتات النهار الطويل. إذا نقلنا نبات من نباتات الليل الطويل إلى بيئة فيها النهار أطول فإن هذه النباتات تفشل في تكوين الأزهار والثمار والحبوب .

توجد في الكائنات الحية الأخرى غير النبات كائنات حية لا تنشط إلا في الليل وأخرى لا تنشط إلا في النهار. توجد جراثيم لا تخرج من مكامنها إلا ليلاً وأخرى لا تخرج إلا نهارا. وجد بالتجربة أن طبقة الأوزون تحمي كائنات الأرض من شدة الإضاءة ونوعيتها وزيادة الضوء عن الحد المقدر يؤدي إلى هلاك الكائنات الحية، فعندما زادت كمية الضوء وتغيرت نوعيتها بالنسبة إلى بعض النباتات انخفضت نسبة البروتين فيها 20% عن المعدل ووجد أن الليل ضروري لحماية تلك النباتات والحفاظ عليها من الهلاك [5].

الغلاف الجوي للارض … واختلاف الليل والنهار

يقسم الغلاف الجوي للارض الى سبع مناطق هي:

1- طبقة التروبوسفيرTroposphere: هي الطبقة الملاصقة لسطح الأرض، ويبلغ متوسط ارتفاعها حوالي 11كم فوق سطح البحر، وتمتاز هذه الطبقة بوجود بخار الماء وثاني اوكسيد الكاربون وغاز الاوكسجين والنتروجين. تقل درجة حرارة الهواء وكثافته وضغطه والجزيئات الثقيلة كلما ارتفعنا إلى الأعلى في هذه الطبقة.

2- طبقة الستراتوسفيرStratosphere: يتراوح ارتفاعها ما بين 11كم و50 كم فوق سطح البحر وتحتوي على طبقة الأوزون حيث له القدرة على امتصاص 99% من الأشعة فوق البنفسجية المهلكة الصادرة من الشمس، ويتراوح ارتفاع غاز الأوزون داخل طبقة الستراتوسفير بين 20 و 30 كم فوق سطح البحر. وتتميز طبقة الستراتوسفير بالاستقرار التام في جوها، حيث ينعدم بخار الماء فيها، وتخلو من الظواهر الجوية.

3- طبقة الميزوسفيرMesophere: هي الطبقة التي تعلو الستراتوسفير، ويتراوح ارتفاعها بين 50 ـ 85 كم، فوق سطح البحر. وتتميز بتناقص مستمر في درجات الحرارة مع الارتفاع فوق سطح البحر، حتى تصبح درجة الحرارة في أعلى هذه الطبقة منخفضة جداً(حوالي 90 درجة مئوية تحت الصفر)، وهي أقل طبقات الغلاف الجوي في درجة حرارتها.

4- طبقة الأيونوسفيرIonosphere: تمتد هذه الطبقة من ارتفاع 85 كيلومتر إلى 700 كيلومتر تقريبا فوق سطح البحر، وتحتوي على كميات كبيرة من الأوكسجين والنيتروجين المتأين والإلكترونات الحرة(بعد تأين جزيئات الأكسجين والنيتروجين المتعادلة بفعل الأشعة السينيةX-ray)، وهي مقسمة إلى ثلاث طبقات داخلية D.E.Fولكل منها خصائصه المميزة، ويتغير سمكها بتغير الليل والنهار وبتغير الفصول والنشاط في الشمس (البقع والانفجاريات الشمسية).

5- طبقات الثرموسفير:Thermosphere: وهي الطبقة الممتدة من ارتفاع 80 كم وحتى 200 كم فوق سطح البحر، ودرجة حرارة هذه الطبقة تتراوح ما بين 180كلفن و1800كلفن، وان سبب هذه الزيارة في درجة الحرارة يعود الى امتصاص المكونات الجوية في هذه الطبقة للأشعة فوق البنفسجية ذات الطاقة العالية (والمسماة XUVأو EUV) وقد تنفذ الجسيمات عالية الطاقة في المجال المغناطيسي للأرض، وتتفاعل مع المناطق العليا من الغلاف الجوي مولدة حرارة إضافية.

6- طبقة الإكسوسفيرExosphere: يتراوح ارتفاعها بين 700 كم و35000 كم فوق سطح البحر، وهي قليلة الكثافة لذلك فإن الجزيئات في هذه الطبقة تكون لها حرية في الحركة تسمح بهروبها من الغلاف الجوي للأرض (إذا كانت سرعتها الحرارية أكبر من السرعة الحرجة اللازمة للتغلب على جاذبية الأرض). ومن الطبيعي أن تتركز جزيئات الغازات الخفيفة (مثل الهيدروجين والهليوم) في طبقات الجو العليا، وبسرعات عالية.

7- الماجنتوسفير Magnetosphere: يمتد المجال المغناطيسي للأرض ويشكل غلافاً حولها إلى مسافة 50000 كم ويقوم هذا الغلاف المغناطيسي إما بصد الجسيمات المشحونة القادمة من الفضاء الخارجي، وإما باصطيادها واقتيادها ناحية قطبي الأرض المغناطيسي وقد أطلق على هذه الأحزمة الإشعاعية اسم (أحزمة فان ألن) [6].

صورة توضيحية لطبقة الماجنتوسفير واحزمة فان الن

 

صورة توضيحية للغلاف الجوي الأرضي وطبقاته وارتفاعاتها النسبية

ان اية اختلاف الليل والنهار تتجلى في اختلاف مكونات هذه الطبقات من كثافة الكترونية ودرجة حرارة وضغط ما بين الليل والنهار وقد اوضحت الدراسات الحديثة هذا الاختلاف ما بين الليل والنهار وبالاخص ما يتعلق بطبقة الايونوسفير لاهميتها للانسان لاحتواءها على طبقة الاوزون التي تعتبر من نعم الله الكبيرة على الإنسان وسائر المخلوقات بالأرض التي تمتص الاشعة الفوق البنفسجية ذات الطاقة العالية ويمكنها أن تهلك الحياة على الأرض والتي تسبب سرطان الجلد اذا تعرض لها الانسان، وتقسم مناطق الايونوسفير الى عدة طبقات حسب اختلاف الكثافة الالكترونية فيها فهي في النهار ثلاث طبقات Dو Eو Fوتنقسم طبقة F الى طبقتين F1و F2 وان حدود الارتفاعات التقريبية للطبقات عن سطح الارض هي على النحو الاتي والموضحة بالشكل

الشكل يبين اختلاف في الكثافة الالكترونية لطبقات الايونوسفير مع الارتفاع بين الليل والنهار

1- طبقة D تمتد من الارتفاع 50 كم الى 90 كم

2- طبقة E وتمتد من ارتفاع 90 كم الى 140 كم

3- طبقة F1 تمتد من ارتفاع 140 كم الى 210 كم

4- طبقة F2 وتمتد الى ما فوق 210 كم

وفي بعض الاحيان في ساعات النهار ترصد طبقة تظهر في طبقة E وتكون متقطعة وهي طبقة Es اما في ساعات الليل فأن كل من الطبقات Dو Eو F1 تستنفذ جزءا كبيرا من الكتروناتها الحرة بسبب عمليات اعادة الاتحاد وتبقى طبقة F2 فقط مما جعل اهميتها بالاتصالات العالية التردد (HF) بكون لها القابلية على عكس الموجات الراديوية بأطوالها الموجية المختلفة (ابتداءا من الملمتر وحتى الكيلومتر) والاية الكريمة تشير الى هذه الظاهرة (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ) [الطارق:11]

الشكل يبين طبقة الأيونوسفير يظهر فيها أهمية هذه الطبقة لعكس موجات الرادار

المجال المغناطيسي للارض … واختلاف الليل والنهار

تتجلى قدرة الله تعالى بعظمته ورحمته في خلقه بأن جعل لهذه الارض التي نعيش عليها درعا واقيا الا وهو المجال المغناطيسي المحيط بها (طبقة الماجنتوسفير) او ما يسمى بأحزمة فان آلن التي تم اكتشافها في الستينيات من القرن العشرين وهو امتداد لخطوط القوة المغناطيسية الخارجية من الأرض لآلاف الكيلومترات في الفضاء الخارجي المحيط بها، ولا يمكن رؤيتها. وصدق الله العظيم إذا يقول (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) [الرعد:2]. إن ظاهرة اختلاف الليل والنهار هي نعمة من نعم المولى عز وجل ينبغي التفكر فيها، وهذا يشهد على إعجاز هذه الآية الكريمة (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) [آل عمران: 190].

صورة توضيحية للغلاف المغناطيسي الأرضي وطريقة التفافه حول الأرض بشكل منتظم

ولدراسة ومعرفة الاختلاف الذي يحدث في هذا المجال المغناطيسي المحيط بالارض بين الليل والنهار فمن الضروري ان نتعرف على التأثيرات التي تحدثها الشمس على هذا المجال، ولنتطرق بعض الشيء على اهم الظواهر التي يمكن ملاحظتها على سطح الشمس خلال نشاطها المرتفع والمنخفض وهي:

التأججات الشمسية: عبارة عن تدفقات مؤقتة وشديدة من الطاقة، تلاحظ بشكل مساحات مضيئة على سطح الشمس في الاطوال الموجية البصرية، وبشكل انفجارات من الضوضاء عند الاطوال الموجية الراديوية وتبقى هذه التأججات من دقائق الى ساعات.

التأججات الشمسية وفي الإطار توضيح لتفاصيل الانفجار

البقع الشمسية: وهي مناطق داكنة تظهر على سطح الشمس (الفوتوسفير)، والبقعة النموذجية لها مركز مظلم يسمى بمنطقة الظل محاط بمساحة اقل ظلاما مسمى منطقة شبه الظل. والبقع الشمسية تأخذ احجاما مختلفة من نقطة صغيرة الى مائة الف كيلومتر وعددها يختلف من دورة واخرى وتستغرق الدورة تقريبا 11سنة. درجة حرارة البقعة تقريبا 4500 كلفن فهي ابرد من حرارة سطح الشمس بحوالي 1500 كلفن ولهذا تبدو لبقع داكنة، كما في الشكل.

البقع الشمسية

الانقذافات الاكليلية: وهي عبارة عن مادة من غاز مؤين ساخن (البلازمة) تقذف من الغلاف الخارجي للشمس وتنتقل بسرعة من 100-1000 م/ ثانية ويستغرق وصولها للارض عدة ايام وان هذه الايونات الموجبة والسالبة تكون تيار مستمر يطلق عليه بالرياح الشمسية.

الرياح الشمسية وما تسببه من اختلاف بين مناطق الليل والنهار على الكرة الارضية

الانبعاثات الصادرة من الشمس ذات تأثير على الارض: وهي على ثلاث انواع

1- الاشعة الكهرومغناطيسية وبالاخص الاشعة السينية والفوق البنفسجية ذات الطاقة العالية التي تؤدي الى تأين الذرات والجزيئات الموجودة في طبقات الجو العليا وتنتقل هذه الاشعاعات الى الارض بسرعة الضوء ويستغرق وصولها 8 دقائق. اثناء النشاط الشمسي العالي يزداد تأين الطبقات مما يؤدي الى حدوث تشويش في الاتصالات الراديوية.

2- الجسيمات ذات الطاقة العالية وهي عبارة عن الكترونات وبروتونات ونيوترونات وذرات عناصر خفيفة كالهيليوم والليثيوم مؤينة وهي تهرب من جاذبية الشمس كسحابة عند الانفجارات العنيفة وتسبح في الفضاء حتى تصل الارض، ولا يمكن رصد هذه الجسيمات الا عند القطبين كما هو الحال في الاشعة الكونية التي تخترق المجال المغناطيسي للارض .

3- تيار البلازما ذات الطاقة المنخفضة وهو ما يعرف بالرياح الشمسية وهي في حالة الهدوء تتكون من غاز متأين معظمة غاز الهيدروجين تنتقل من الشمس بسرعة 300-600 كم في الثانية، اما في حالة النشاط الشمسي فتتضاعف كثافة الغاز وتزداد سرعته فهي تستغرق عدة ايام حتى تصل الارض.

ويمكن من الشكل ان نلاحظ التغيرات التي تحدث في خطوط المجال المغناطيسي الارضي بسبب دخول هذه الانواع من الجسيمات غلاف الارض.

التغيرات التي تحدث في خطوط المجال المغناطيسي الارضي عند حدوث العواصف المغناطيسية

عند وصول الرياح الشمسية إلى الأرض تواجه الحقل المغناطيسي للأرض ويبدأ التفاعل بين الرياح الشمسية وبلازما الغلاف المغناطيسي ويتصرّفان كمولّد كهربائي ، ويمكن ان نلاحظ من الشكل بأن أغلب الجسيمات الصغيرة في الرياح الشمسية تنحرف بمسار منحني حول الأرض بسبب هذا الحقل المغناطيسي. وأن هذه الجسيمات تبدأ رحلتها حول الارض بتقوّس وعلى شكل منحني امام الارض وتسمى "صدمة القوس" ويمكن تشبيها بالماء الذي يكون قوّس موجة أمام المركب المتحرك في الماء. ويمكن ان نلاحظ من الشكل بأن الغلاف المغناطيسي شكله غير كروي فالجانب الذي يواجه الشمس منه (النهار) يمتد الى حدود 70000 كم (10-12 من نصف قطر الارض RE)، اما في جهة الارض البعيدة عن الشمس (الليل) فأنها تمتد من (20-25 RE) وعلى شكل ذيل بسبب تدفق الرياح الشمسية. هناك أيضا فجوات في الذيل المغناطيسي ويطلق عليها اسم (المنخفضات troughs)، حيث لا وجود للتدفق المادي في هذه المنطقة، وان هذه المنخفضات تكون متغيّرة في الحجم والموقع اليست هذه معجزة إلهية والتي لم يتمكن العلماء من كشف أسرارها إلا في أواخر القرن العشرين وجل من قائل (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) [7].

تعقيب

لقد عكف العلماء والباحثين في مجال دراسة الفضاء على وضع النماذج الرياضية بناءا على المعلومات المأخوذة من الاقمار الصناعية للتنبأ ببعض المعاملات مثل البقع الشمسية والترددات الحرجة للسنوات القادمة وذلك لمعرفة على سبيل المثال مدى التأثير الذي يحدثه النشاط الشمسي على الارض او على رواد الفضاء او على بعض الاقمار الصناعية ومن ثم توخي الحذر واتخاذ ما هو لازم. وبالرغم من ذلك فأن هنالك الكثير والكثير من الامور التي عجز العلماء عن التوصل لتفسير لها كظاهرة الانفجار الشمسي وظهور البقع الشمسية وما يتعلق بها من احداث، لندرك عظمة وقدرة الخالق عز وجل مرة اخرى في تدبير هذا الكون (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَر) [القمر:49،50].

ختاما

اود ان اعبر عن شكري وتقديري للمهندس الباحث عبد الدائم الكحيل لتدقيقه هذا العمل المتواضع وتشجيعي على الكتابة والنشر في هذا المجال وفقنا الله واياكم لكل ما هو خير للامة الاسلامية (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون).

بقلم د. نجاة محمد رشيد رؤوف العبيدي

جامعة بغداد/ كلية العلوم/ قسم الفلك والفضاء

البريد الالكتروني: najatmr10@yahoo.com

المصادر

1- موسوعة الاعجاز العلمي في القرآن والسنة "فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة"

بقلم/ هشام طلبة

2- قضايا وآراء، العدد 41853، السنة 1422 هـ، 18 ربيع الاول

بقلم الدكتور/ زغلول النجار

3- كتب التفسير لابن الكثير والطبري رحمهما الله.

4- موسوعة الاعجاز العلمي في القرآن والسنة "حركات الارض بين العلم والقرآن"

الاستاذ الدكتور/ منصور محمد حسب النبي

5- موسوعة الاعجاز العلمي في القرآن والسنة " هرمون الازهار واختلاف الليل والنهار "

الاستاذ الدكتور/ نظمي خليل ابو العطا

6- موسوعة الاعجاز العلمي في القرآن والسنة " والسماء ذات الرجع في ضؤ علوم الفضاء "

الاستاذ الدكتور/ مسلم شلتوت

7- http://science.nasa.gov/ssl/pad/sppb/default.htm

موقع وكالة الفضاء الامريكية ناسا

 

 

رحلة إيمانية في أعماق الكون
 

بقلم اللواء سعد شعبان(1)

مقدمة:

1 ـ الرسالة الإيمانية في الإسلام تقوم على دعامتين، هما: العلم، و " التزكية " ولقد سبق العلم التزكية؛ لأن التزكية لا يمكن أن تأتي بضربة حظ، ولكنها يمكن أن تأتي بالعلم.

وهذا تقرره الآية الكريمة: ) كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ ([سورة البقرة].

2 ـ والتزكية أو تطهير النفس والسمو بها بالإيمان إذا قامت على العلم، فيكون ذلك كالبنيان الذي له أساس متين؛ ولذلك نجد أن الإيمان له سبيلان، أولهما: سبيل التسليم، أو بناء العقيدة على مسلمات لا دخل للعقل في مناقشتها أو تعليلها؛ اعتماداً على ما يشغله الإيمان في العواطف؛ ولذلك نجد أنه شاع بين المسلمين الأوائل القول بأن هناك إيماناً يطلق عليه " إيمان العوام " أو الإيمان بلا مناقشة. وهناك أحاديث عديدة تردد ذلك، ولا عجب في ذلك؛ فالإيمان يحتاج قدراً كبيراً من التسليم، وخاصة بالنسبة للشعائر .. ولذلك أثنى الله على هذا اللون من التسليم ) ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ   ([سورة الحج:32]. 

كما حدث الرسول صلى الله عليه وسلم على الترفع عن الجدل، والخوض في سفسطات التفسير العقيم لأشياء لا يمكن أن يصل إليها العقل البشري لأنه قاصر؛ ولذلك حث الرسول على التوجه بالتفكير إلى نعم الله ومخلوقاته، وعدم التفكير في ذاته؛ لأن العقل البشري لا يعي ذلك.

ولذلك نجد أنفسنا أمام لون آخر من الإيمان غير إيمان العوام، هو الإيمان الذي يقوم على التفكير والتدبر، ويمكن أن يقوم جدل في إنكار هذا اللون من الإيمان .. لأن الله تعالى وصف المؤمنين بأنهم المفكرون: ) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (190 ، 191)([سورة آل عمران].

ولقد قرن القرآن ذكر المؤمنين لله بالتفكير في بديع خلقه الذي يرونه فيما حولهم من السماوات والأرض .. بل وفيما يرونه في أنفسهم أيضاً:

)وفي أنفسكم أفلا تبصرون (21) ([سورة الذاريات].

)قل انظروا ماذا في السماوات والأرض (101) ([سورة يونس].

)قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق (20) ([سورة العنكبوت].

3 ـ وهناك معايير كثيرة فرق الله بها بين من يقوم إيمانهم على العلم ومن يقوم إيمانهم على التسليم .. فهذا إيمان وهذا إيمان أيضاً، ولكن بينهما فرق، ورفع الله مكانة العلم والعلماء في أقوال ترددت في مواقع عديدة من القرآن:

)قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون (9) ([سورة الزمر].

)إنما يخشى الله من عباده العلماء (28)([سورة فاطر].

)يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات (11) ([سورة المجادلة].

)شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط (18) ([سورة آل عمران].

وهناك مئات من الآيات .. تنتهي بالدعوة والتذكير والحث على التفكير وتحكيم العقل: )إن في ذلك لآيات لأولي الألباب (15) ([سورة آل عمران]، )ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون (221) ([سورة البقرة]. )أفلا يعقلون (68) ([سورة يس]. )أفلا يبصرون (27) ([سورة السجدة]، )لو كانوا يعلمون (102) ([سورة البقرة]، )أفلا يتفكرون (50) ([سورة الأنعام].

ولا غرابة في أن يقوم الإيمان في شرع الإسلام على المشاهدة العلمية لعظمة خلق الله .. ليستدل الإنسان على عظمة الخالق من خلال تدبر إحكام ما خلق ووجوده بحكمة وقدر واتزان، والآيات التي تردد هذا المعنى متكررة في عدة أماكن من القرآن:

)إنا كل شئ خلقناه بقدر (49) ([سورة القمر].

)والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شئ موزون (19) ([سورة الحجر].

)الذي أحسن كل شئ خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين (7) ([سورة السجدة].

)وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم (21) ([سورة الحجر].

ولذلك يدعو الإسلام المسلم .. لكي يقلب فكره فيما كبر وما صغر مما خلقه الله محكماً ومتزناً.

ويدلل على ذلك بقصص .. فيها الدعوة للتأمل فيما حولنا .. وكأنه  يقول إن الطبيعة كتاب مفتوح يمكنك أن ترى فيه ممالك متعددة كلها تحكي قدرة الله الذي أبدع خلقها من إنسان ونبات وحيوان وجماد استقر بعضها على الأرض، ويوجد بعضها في السماء .. هذا قمر، وهذه نجوم، وتلك كواكب .. وهذا نور فيه ضياء .. وفيه حرارة، وهذه ممالك يمكنك أن تراها .. وهناك أخرى لا يمكن أن تراها. وفي هذا كله دعوة للتفكر في إحكام صنع الله، الذي أحسن كل شئ خلقه، ومنذ خلقه لم يحدث به خلل ولا اضطراب، ويسير وفق نظام بديع.

5 ـ عندما حث الإسلام المسلمين على التفكير وزع هذا الاهتمام على ملاحطة الظواهر الطبيعية التي نراها على الأرض، وفيما حول الأرض من أكوان وأجرام أخرى، وأتت قصة إيمان سيدنا إبراهيم لتكون تدليلاً على ضرورة شحذ الفكر وكيفية تدرجه مع المنطق:

)وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين * فلما جن عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين * فلما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين * فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني برئ مما تشركون * إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين (75 ـ 79) ([سورة الأنعام].

وذلك فإن من أهم المجالات التي تعمق الفكر الإسلامي " الظواهر الكونية " باعتبارها تلقي بروعة نظامها ودقة تنسيقها في قلب المتأمل أثر ضخامة هذا الكون الذي نعيش فيه، فتصور له قدرة الخالق الذي خلقه وأبدعه.

ولقد تدرج القرآن بالفكر فصور كيفية نشأة الكون من غازات أو دخان، ففي صورة مبسطة يصور كيف كان العالم كتلة واحدة، غازية، وخضعت لقانون الجاذبية، ثم برد بعضها، وتخلفت عنها الكواكب، وظل البعض الآخر مشتعلاً وهي النجوم، بقوله تعالى:

)قل أئنكم لتكفرن بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين * ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين * فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظاً ذلك تقدير العزيز العليم (9 ـ 12)([سورة فصلت].

ولقد وردت عدة آيات عن خلق السماوات والأرض في عدة سور من القرآن مثل: )أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما (30) ([سورة الأنبياء]، )وهو الذي خلق السماوت والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء (7) ([سورة هود]، )إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش (3) ([سورة يونس]، )قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق (20) ([سورة العنكبوت].

إن هذه الصور الواضحة لبدء الخليقة صور علمية دقيقة، استقر عليها أغلب علماء الكونيات، ولم يجدوا تفسيراً آخر أكثر منطقية مما يطلق عليه " الانفجار العظيم " (Big Bang).

6 ـ ولقد تعرض القرآن للظاهر الكونية في صيغة القسم بها في مطالع كثير من السور، مما يحفز فكر المسلم إلى التدبر فيها، ومحاولة استطلاع أمرها، كقوله تعالى:

)والسماء ذات البروج * واليوم الموعود (1 ، 2) ([سورة البروج].

)والسماء والطارق * وما أدراك ما الطارق * النجم الثاقب (1 ـ 3) ([سورة الطارق].

)والفجر * وليال عشر * والشفع والوتر * والليل إذا يسر * هل في ذلك قسم لذي ([سورة الفجر].

)والشمس وضحاها * والقمر إذا تلاها * والنهار إذا جلاها * والليل إذا يغشاها * والسماء وما بناها * والأرض وما طحاها (1 ـ 6) ([سورة الشمس].

)والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى * وما خلق الذكر والأنثى * إن سهيكم لشتى (1 ـ 4) ([سورة الليل].

)والضحى * والليل إذا سجى * وما ودعك ربك وما قلى (1 ـ 3) ([سورة الضحى].

7 ـ ولو شئنا أن نمدد الآيات الكونية في القرآن التي تعرضت للظاهر الفلكية فسنجد أنفسنا أمام هدد مهول من الآيات، ولكن دعونا ننطلق معاً في رحلة كونية خارج سطح الأرض لنتجول بين أجرام الكون التي حولنا محلقين في الفضاء، فسنجد أقرب الأجرام السماوية إلينا هو القمر، ثم تليها الكواكب أخوات الأرض، والتي تدور حول الشمس خاضعة لها بولاء الجاذبية. ثم نجد أنفسنا وسط تيه من بلايين النجوم التي تتلألأ في السماء ليلاً، وما هي إلا شموس، قد تفوق شمسنا آلاف أو ملاين المرات، ويجرنا هذا إلى المجرات أو الجزر الكونية التي تتألف منها مجموعات النجوم، وهي آلاف مؤلفة، وكل منها يحوي ملايين النجوم. ثم يقودنا هذا إلى ضرورة التفكير في نهاية الكون المهول الحجم، المكتظ بأجرام سماوية لا عدد لها ولا حصر.

8 ـ فلو جعلنا كل جرم من هذه الأجرام السماوية محطة نقف عندها، فسنجد أن الفضاء قد ورد ذكره في القرآن باعتباره الوسط الذي يعلو سطح الأرض وما حولها من أجواء، ولو عددنا الآيات التي ذكرت فيها السماء في القرآن فسنجدها بالمئات أو الآلاف:

)الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور (1) ([سورة الأنعام]، )خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار (5) ([سورة الزمر]، )رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش (2) ([سورة الرعد].

كما سنجد أن في القرآن تشبيهاً يصور كيف يتخلخل الهواء كلما ارتفعنا صعوداً في السماء: )فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون (125) ([سورة الأنعام].

وكيف يحثنا الله على العلو عن الأرض، صعوداً في السماء بسلطان العلم: )يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا، لا تنفذون إلا بسلطان (33) ([سورة الرحمن].

المحطة الكونية الأولى (القمر)

فإذا مضينا في رحلتنا الفضائية وتوقفنا عند القمر، نجد أنه أقرب أجرام الكون للأرض، أو هو الباب الذي يمكن أن ننفذ منه إلى الفضاء الفسيح شاسع الأطراف .. إن الآيات القرآنية قد أوردت فوائده وظواهره وطبيعته: )هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب، ما خلق الله ذلك إلا الحق، يفصل الآيات لقومٍ يعلمون (5) ([سورة يونس]، )ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير (29) ([سورة لقمان]، )والشمس تجري لمستقرٍ لها ذلك تقدير العزيز العليم * والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم * لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار كل في فلك يسبحون (38 ـ 40) ([سورة يس]، )فإذا برق البصر * وخسف القمر * وجمع الشمس والقمر * يقول الإنسان يومئذٍ أين المفر (7 ـ 10) ([سورة القيامة]. فهذا وصف القمر وتدرج أوجهه، وظاهرة خسوفه، والربط بين ضوئه وبين الشمس؛ لأن أصل الضوء منها. وحقيقة القمر توصل إليها علماء الفلك على أنه كان قطعة من الأرض وانفصل عنها في بدء التكوين.

طبيعة القمر:

القمر هو تابع الأرض الوحيد، وأقرب أجرام السماء إليها؛ إذ يبلغ بعده عنها 239,000 ميل في المتوسط ـ ألف كيلو متر تقريباً، وهو تابع صغير يزيد قطره عن 1/4 قطر الأرض بمقدار طفيف، ولا يحتفظ القمر لنفسه بجو خاص به، فهو بفصح عن كل تفاصيل سطحه.

ويدور القمر حول الأرض التي تعتبر بمثابة الأم بالنسبة له، فالقول المرجح أنه كان جزءاً منها ثم انفصل عنها، وهما في حالة انصهار عند بدء تكون المجموعة الشمسية. وكما يدور القمر حول الأرض كل 1/3 ـ 27 يوماً، يدور كذلك حول محوره دورة كاملة خلال نفس المدة، ولذلك لا يظهر لنا من سطحه إلا وجه واحد فقط أما الوجه الآخر فيعتبر مختفياً بالنسبة لأهل الأرض يتعذر النظر إليه. ولم يتيسر معرفة تفاصيله إلا بعد ما أطلق الاتحاد السوفيتي عام 1959م أحد الأقمار الصناعية (لونيك ـ 3) فدار حول القمر وصور نصفه المختفي. والناظر إلى سطح القمر يرى بقعاً لامعة، وظلالاً سوداء، وما ذلك إلا لانعكاس ضوء الشمس على قممه العالية. فسطح القمر عليه سلاسل من الجبال العالية، كما أن به منخفضات وشقوقعميقة. ويطلق على هذه المنخفضات مجازاً اسم البحار والمحيطات رغم خلوها من قطرة ماء. وقد مسح الإنسان القمر بالمناظير المقربة منذ عدة قرون، ورسم لهذا السطح الخرائط، وأطلق على مرتفعاته ومنخفضاته الأسماء، ثم صور وجهه المختفي بالأقمار الصناعية وبسفن الفضاء، وسميت تفاصيل هذه الوجه بأسماء مشاهير العلماء. ولقد تركزت أغلب أبحاث الفضاء في الستينات على جمع العناصر والقياسات العلمية عن كل ما يتعلق بالقمر بواسطة الأقمار الصناعية التي توالت من كل من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة. ولقد أوليت عناية خاصة لدراسة مشاكل الجاذبية فوق القمر، وصلابة تربته وكثافتها، ووجود جو محيط به من عدمه، واختلاف درجات الحرارة بين ليله ونهاره الطويلين. مع المسح الطوبوغرافي الدقيق لكل سطحه بالتصوير القريب والبعيد، والمائل والرأسي، لقياس أعماق شقوقه ومنخفضاته وارتفاع جباله وقممه، ولقد لعبت سلسلة الأقمار السوفيتية من طراز (كوزموس) دوراً لا ينكر في هذا المجال، كما أطلقت الولايات المتحدة سلاسل أقمار صناعية عديدة قامت بمهام مماثلة، حتى تحقق النصر التاريخي للإنسان بالهبوط على سطح القمر في يوليو 1969م ضمن برنامج " أبوللو " الأمريكي الذي انتهى في ديسمبر 1972م بعد تنفيذ عشرات الرحلات التي جلب روادها ما يزيد عن 400 كيلو جرام من صخوره.

المحطة الكونية الثانية (الكواكب):

للأرض ثماني أخوات هي الكواكب، وتكون المنظومة الشمسية، وهي تحتل المركز الثالث في تسلسل البعد عن الشمس. ويبدأ هذا التسلسل بكوكب عطارد، ثم الزهرة، ثم الأرض، ويليها المريخ، ثم المشتري، ثم زحل، فأورانوس، ونبتون، ثم بلوتو. وكل الكواكب تدين بولاء الجاذبية للشمس، في أفلاك متباعدة أو مدارات بيضاوية (Ellipse)، بحيث تكون الشمس في إحدى بؤرتي هذا الشكل البيضاوي أو الإهليلجي. وأقرب الكواكب للأرض هو الزهرة (41 مليون كيلو متر)، ويليه المريخ (78 مليون كم) وآخر الكواكب بلوتو الذي اكتشف عام 1930م يبعد عن الشمس (5900 مليون كم). وأكبر هذه الكواكب حجماُ هو المشتري؛ إذ يبلغ قطره قدر الأرض 11 مرة، وبالتالي فإن حجمه قدر حجم الأرض 1295 مرة، ويجذب إليه 12 قمراً، واكتشف صور سفن " فواياجير ـ 2 " أنها (16) قمراً. ومن أن الآخر يتردد أخبار عن اكتشاف الكوكب العاشر في المنظومة الشمسية، ولكن لم يرسخ هذا الكشف بعد.

المحطة الكونية الثالثة (الشمس):

وفي وقفتنا التالية نجد الشمس، وهي دعامة الحياة الإنسانية والنباتية والحيوانية على الأرض، فلولاها لما اكتملت دورة الحياة الإنسانية والحيوانية والنباتية، والتي تعتمد على الماء كأساس؛ مصداقاً لقوله تعالى: )وجعلنا من الماء كل شئ حي (30) ([سورة الأنبياء]، )خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار (5) ([سورة الزمر]، )ألم تروا كيف خلق الله سبه سماوات طباقاً * وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً (15 ، 16) ([سورة نوح].

طبيعة الشمس:

الشمس أقرب نجوم السماء إلى الأرض، فبعدها يبلغ 150 مليون كيلو متر (= 92.9 مليون ميل). وهي تبدو لنا ضخمة الحجم؛ إذ يعادل قطرها قطر الأرض 109 مرة، ويبلغ 864.000 ميل؛ لذلك فإن حجمها يبلغ 1.3 مليون مرة حجم الأرض. وتبدو هذه الكرة النارية محدودة للناظر إليها من الأرض لأن بعدها كبير عنا. غير أنه رغم هذه الضخامة البادية في حجمها، فإنها ليست إلا نجماً متواضع الحجم بالقياس إلى النجوم الأخرى، فكل من هذه النجوم يمكن اعتباره شمساً مع فارق أن بعض هذه النجوم يفوق شمسنا في الحجم مئات أو آلاف المرات. ولكن من رحمة الله أن أبعادها عنا مهولة وشاسعة، ويزيد عن بعد الشمس مئات بل آلاف ملايين المرات فيجعلها تبدو لنا صغيرة، ولا يصل لنا من حرارتها إلا النزر اليسير. ولقد تركز كثير من أبحاث الفضاء حول الشمس، باعتبارها نواة لمدارات كواكب المجموعة الشمسية، ولإجراء القياسات العلمية اللازمة عن إشعاعاتها والسنة اللهب التي تنطلق من سطحها، وقد قامت عدة أقمار صناعية بهذه القياسات خير قيام، ونقلت للعلماء على الأرض المؤثرات الشمسية على الأرض. وسر اتقاد الشمس أنه يحدث انصهار عدد (68) عنصراً، أهمها الأيدروجين والهيليوم تحت ضغط (40 مليون ضغط جوي) ويتوالى انصهار هذه العناصر ذرياً، وتصدر عنها الحرارة والإشعاع الضوئي مكبلاً بالضغط المهول عليها.

المحطة الكونية الرابعة (النجوم):

تبعد النجوم عن الأرض بمسافات شاسعة، وقد تعدد ذكرها في القرآن في آيات كثيرة، وأبلغها دلالة هي:  )والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره (54)  ([سورة الأعراف]، )فلا أقسم بمواقع النجوم * وإنه لقسم لو تعلمون عظيم (75 ، 76) ([سورة الواقعة]. كما ورد ذكر بعض حالات ظواهر خاصة تتعلق بالنجوم مثل النجوم التي تتهاوى: )والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى (1 ، 2) ([سورة النجم]، )والسماء والطارق * وما أدرك ما الطارق * النجم الثاقب ( 1 ـ 3) ([سورة الطارق].

إشارة إلى حركة الشهب وسقوط النيازك.

طبيعة النجوم:

لو شئنا عد نجوم السماء لعجزنا عن ذلك، فعددها لا يقدر بالملايين ولا بالبلايين، ولكن بلايين البلايين. ومن عجب أن تكون شمسنا وهي أحد هذه النجوم منفردة بتكوينها أسرة من تسعة كواكب هي المجموعة الشمسية حولها. وماذا يمنع أن يكون لكل من هذه النجوم ـ أي الشموس ـ أسرها المحيطة بها كذلك؟ وما يمنعنا من رؤيتها إلا أبعادها المهولة عنا، وعجز وسائل القياس المتوفرة لدينا عن التغلغل إلى هذه الأبعاد السحيقة.

إن الملايين من هذه النجوم موغلة في الفضاء اللانهائي، إلى حد أن ضوءها يصل إلينا عبر ملايين السنين. ولقد أصبحت وحدات القياس الطولية غير ذات جدوى في قياس هذه المسافات، فاستخدمت وحدات قياس كبيرة هي " السنة الضوئية " التي تعادل المسافة التي يغطيها الضوء خلال سنة بسرعته الكبيرة، والتي تساوي 186.000 ميل في الثانية. وبذلك فإن السنة الضوئية تعتبر وحدة قياس للمسافات الطويلة تعادل 6 : 10 12  ميل، أي 6 مليون ميل (= 6 بليون ميل) تعادل (9.5 بليون كم).

وعلى سبيل المثال فإن ضوء الشمس يصل إلى الأرض خلال ثمانية وثلث دقيقة. بينما أقرب النجوم الأخرى إليها يبلغ 4.2 سنة ضوئية، أي : يقع على مسافة 25 بليون ميل، ومعنى ذلك أن هذا النجم القريب المعروف باسم " الأقرب القنطوري " ألفاسنتوريس يبلغ بعده عن الأرض قدر بعدها عن الشمس 300.000 مرة. والنجم المسمى " الطائر " يصل إلينا ضوءه خلال 14.5 سنة ضوئية، أي أنه يبعد عنا 87 بليون ميل. والنجم المعروف باسم " النسر " يبلغ بعده 180 بليون بليون ميل، ونجم " السماك " يصل ضوءه خلال خمسين سنة ضوئية، أي: يبلغ بعده 300 بليون ميل.

ولا شك أن هذه المسافات ـ التي يمكن أن ننعتها بأنها خيالية ـ ثمرة قياسات علمية متوالية عبر أجيال طويلة، وهبي تصور لنا مبلغ تواضع الشمس في حجمها بالنسبة لهذه النجوم. فنجم مثل " ألف الجبار " يبلغ قدر حجم الشمس 25 مليون مرة، بينما يكبر نجم" القيطس " عن حجم الشمس 30 مليون مرة، وكثير من النجوم الأخرى يبلغ من الكبر حداً بحيث يمكن أن يبتلع بداخله ملايين مثل شمسنا.

ولا ريب أن ذلك يصور لنا مبلغ ضآلة أرضنا، وشمسنا، ومجموعتنا الشمسية في الفضاء عدداً وبعداً وحجماً، ويرسم لنا من ناحية أخرى مقدار اتساع المجرة الذي يحوي كل هذه النجوم.

الكوكبات:

تتجمع النجوم في مجموعات متقاربة نسبياً، يطلق على كل مجموعة منها اسم كوكبة Constellation، أو " القرى النجمية ".

ولقد أولع القدماء برصد التجمعات النجمية، أي: الكوكبات، حيث يسهل رصد كثير منها بالعين المجردة في الليالي غير القمرية عندما تكون السماء صافية. وليسهل عليهم تصورها تخيلوها على هيئة حيوانات أو أبطال، ونسجوا لها الأساطير الخرافية. وهذا هو السر في أن كثيراً من الكوكبات تحمل أسماء حيوانات: كالجدي، والسرطان، والدجاجة، والدب، والفرس، والأسد، والعقرب. كما أن بعضها الآخر يحمل أسماء أبطال الأساطير العربية أو الرومانية مثل " ذات الشعور " و " إبط الجوزاء " و " أوريون " و " هرقل " و " فرساوس ". وأنت إذا نظرت إلى السماء في ليلة صافية الأديم ترى الآلاف من النجوم ترصع قبة السماء، بدرجات متفاوتة من اللمعان. ويمكنك الإطلاع على أحد أطالس النجوم لمعرفة أسماء الكوكبات التي تراها وتمييز أشهر نجومها.

دائرة البروج:

مجموعات النجوم ـ أي: الكوكبات ـ التي تظهر خلف مدار الشمس الظاهري " Ecliptic" الذي يميل على خط الاستواء بمقدار 23.5ْ تسمى البروج. ويحدها شريط عرضه (9ْ) على جانبي مدار الشمس. ولو قسمنا هذا الشريط إلى (12) قسماً تحتل الشمس كل شهر قسماً منه، ويظهر في كل شهر برج ذو شكل مميز على الترتيب من اليوم (21) إلى اليوم (20) من الشهر التالي: (برج الحمل من 21 مارس إلى 20 أبريل، ثم الثور، ثم الجوزاء، السرطان، الأسد، العذراء، الميزان، العقرب، القوس، الجدي، الدلو، الحوت).

مجرة درب التبانة:

يمكن أن نقول بأن الشمس وما حولنا من نجوم تقع داخل " جزيرة نجمية " يطلق عليها اسم " المجرة " " Galaxy".ولكي نتصور جزيرتنا النجمية " درب التبانة " نشبهها بقرص عظيم القطر، منتفخ عند المنتصف، فيشبه بذلك القرص المستخدم في الألعاب الرياضية. أو هي كصفحتين متعاكستين من صحاف الطعام. ولهذا الشكل الخيالي محوران، المحور الطولي يبلغ طوله 100.000 سنة ضوئية، أما المحور الرأسي قيبلغ طوله 10.000 سنة ضوئية. ولك أن تتخيل مقدار اتساع هذه المجرة بتحويل كل سنة ضوئية إلى 6 مليون مليون " بليون " ميل. وتقع الشمس على المحور الطولي بعيداً عن مركز هذه المجرة على مسافة 30.000 سنة ضوئية من هذا المركز، أي أن موقعها يقسم المحور الطولي بنسبة 4 : 1.

صورة لأحد المجرات في الكون

ولك أن تتخيل عدد النجوم التي تحويها هذه الجزيرة النجمية أو المجرة. إن هذا العدد يقرب من مليون بليون نجم. ولقد ظن القدامى أن حشد النجوم الذي يشبه الوشاح هو نهاية الكون، لكن عندما كبرت المراصد تبين خطأ هذا الظن، وتبين وجود مئات بل آلاف المجرات الأخرى خارج مجرتنا. وشبه القدامى نجوم هذا الوشاح بطريق سقط عليه اللبن، أو تناثرت عليه حبات التبن فلمعت، وأسموه " درب التبانة ".

المحطة الكونية الخامسة (المجرات):

ومن مجموعات النجوم، تتكون المجرات، أو الجزر الكونية أو " لبنات الكون "، ولقد تحقق رصد كثير من المجرات خارج مجرتنا " المنتهية بسكة التبانة " على مسافات تتراوح بين مليون وبليون سنة ضوئية. ثم زادت هذه المسافات بفضل زيادة عدسات ومرايا المراصد الفلكية، وزادت أكثر بفضل إطلاق المراصد الفلكية عام 1973م على متن معمل السماء الأمريكي " سكاي لاب " ثم المرصد الفلكي الفضائي " هابل " عام 1990م، وأقرب المجرات إلينا هي مجرة السديم الأعظم في كوكبه " المرأة المسلسلة " Andromida"وتبعد عنا 700.000 سنة ضوئية. وبها عدد من النجوم يقرب من عدد نجوم مجرتنا. والمجرات أشكال مختلفة بعضها عدسي، وبعضها حلزوني أو لولبي، وبعضها دائري. ولقد حفز اكتشاف مزيد من المجرات كثيراً من العلماء إلى التفكير في نهاية الكون، وانجراف بعضهم إلى القول بأنه يمتد إلى " وهم " تصوروه وأطلقوا عليه " ما لا نهاية Infinity". فكان مثلهم كمثل من وصف الماء بأنه الماء. إلا أن أينشتين أعطى في عام 1961م تصوراً لشكل الكون بأنه محدودب على نفسه كمثل الكرة، وإننا عاجزون حالياً عن إدراك نهايته الثابتة. وحدد لذلكم معاملاً أطلق عليه ( ثابت إينشتين ). وكان ذلك مبنياً على افتراضات نظرية وليس على قياسات أو أسس عملية.

صورة لسديم الجوزاء كما صورته أحد المراصد الفلكية الأوربية

غير أن ( أدوين هابل ) الفلكي الأمريكي طلع على العالم في عام 1925م بملاحظات ذكية عن المجرات قوضت نظرية الكون الثابت، واعتمد على قياسات قام بها من " مرصد جبل ويلسون " الذي قطر مرآته 100 بوصة. وقال بأن الكون يتمدد ويتسع. وقد اعتمد في ذلك على رصد هدد كبير من السحب الكونية المسماة " السدم " (Nebulae).فقد اكتشف أنها تتألف من نجوم متقاربة؛ ولذلك تبدو لنا متلاحقة، وقد كان صبوراً ومثابراً ونجح في رصد (103) سديم، حدد مواقعها بدقة، وصنفها، وحدد شدة إضاءتها وأبعادها في أطلس خاص، وحلل بجهاز الطيف (Spectroscope)أضواءها لمعرفة مادتها.

وقد تحقق " هابل " من ظاهرة " ابتعاد المجرات " بزيادة المسافات بينها. أي: اتساع الكون أو تمدده، برصد (40) مجرة.

وتحقق قول الحق في القرآن: )والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون (47) ([سورة الذاريات].

وبذلك أطاح هابل بنظرية الكون الثابت لإينشتين والتي استنام لها العلماء مدة طويلة. وأصبح لديه الإجابةالشافية عن وجود الظلام الذي يضرب أطنابه على 99% من الفضاء الكوني بين المجرات. إذ أن مادة هذه الجزر الكونية لا تمثل أكثر من 1% من حجم الكون !! وبالتالي يمكن تصور حجم هذا الكون المهول الذي خلقه الله.

واستطاع هابل أن يحدد بحسابات رياضية أن هناك " معاملاً رياضياً لتمدد الكون واتساعه، وأطلق عليه الرياضيون اسم " معامل هابل ". واستطاع بذلك أن يرجع إلى الماضي وحدد عمر الكون بأنه بين 15 ، 20 مليار سنة.

وعلى درب هابل انطلق علماء آخرون وأعطوا تفسيراً لاستمرار تمدد واتساع الكون بأن كل مجرة يتولد منها " جنين " ينطلق من رحم " المجرة الأم " ويبتعد عنها بعد حين في صورة سحابة دخانية. واستطاع بعضهم بواسطة المرصد الأريوي في " نيومكسيكو " اكتشاف مجرات في طور التكوين يبلغ حجمها ثلاثة أمثال حجم مجرتنا، وقاسوا عمرها فوجدوه 12 بليون سنة. وتأيد أن عمر الكون يقرب من 15 بليون سنة. وأن الكون ماض في الاتساع والتمدد. وفي كل عام تفرز ملايين النجوم وتتشكل من مادة أصلها " الدخان السحابي من السدم ".

 

صورة توضح كيفية الانفجار الكوني الكبير وتكون المجرات

وتحقق أيضاً قول الحق تبارك وتعالى:

)ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين * فقضاهن سبع سماوات في يومين، وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظاً ذلك تقدير العزيز العليم (11 ، 12) ([سورة فصلت].

وعلى ضوء هذه الحقائق عادت إلى أذهان العلماء نظرية الانفجار العظيم (Big Bang)التي أعطت تصوراً قديماً عن نشأة الكون في بدايته نتيجة حدوث انفجار هائل في كتلة من المادة، تفرقت منها كتل سحابية ضخمة في مختلف الاتجاهات، بدأت تتشكل منها النجوم، وتتكون من مجموعاتها المجرات.

وفي عام 1989م أطلقت أمريكا القمر الصناعي كوب (Cobe Cosmic Background Explorer)على مدار ارتفاعه 650 كيلو متر فوق الأرض، لإجراء قياسات قرارية غاية في الحساسية، للأضواء الصادرة من النجوم والمجرات، واستطاع أن يسجل فروقاً في درجات الحرارة حتى 1/30000 من الدرجة المئوية بين نجمين مختلفين. فالفرق في درجتين بين نجمين يعطي الدلالة بنظرية " دوبلر " (Doppler) على اتجاه حركة كل منهما بالنسبة للآخر.

صورة لمركبة الفضاء الأمريكية كوب

ومنذ إطلاق القمر " كوب " حتى مايو 1992م استطاع إجراء زهاء (450) مليون عملية قياس ورصد لدرجات حرارة النجوم أخضعت وكالة " ناسا " أغلبها لمجموعات من العلماء لتحليلها، فوجدوا أن المعلومات الحرارية لأجرام كونية على بعد (9.4 × 10 21) مليون كيلو متر، أي : حوالي  10 تريليون كيلو متر. ومعنى ذلك أن المادة التي تشكل أجرام الكون تمتد إلى هذه المسافة الشاسعة، وتتألف منها المجرات البعيدة. ومعنى اختلاف درجات الحرارة أن هناك فروقاً زمنية بين بدء تشكيل كل منها، وهذا برهان دامغ على أن الكون يتمدد.

صورة لخليفة الإشعاع الكوني التي صورته مركبة الفضاء الأمريكية كوب حيث يشير اللون الأحمر إلى المادة الحارة التي يتكون منها الكون وتدرجات اللون الأحمر إلى اختلاف في درجات الحرارة أما اللون الأزرق فيشير إلى المادة الباردة طبعاً هذه الصورة تشير إلى أن الكون يتوسع بلا شك وهذا دليل على الانفجار الكوني العظيم

 

وما زالت الاكتشافات تتوالى ، ففي 17 يناير 1996م أعلنت " ناسا " أن تلسكوب الفضاء هابل ما زال يكتشف مئات المجرات الجديدة التي لم يسبق رؤيتها؛ لأنها شديدة الشحوب، وذلك بالتوغل إلى أعماق سحيقة وصلت إلى أكثر من 500 سنة ضوئية بعداً عن الأرض. وصرح عالم متخصص أن لدينا صوراً عن (1500) مجرة على الأقل في مراحل مختلفة من التكوين. وهذا ما دعا الفلكي الأمريكي الملحد " اسموت " إلى الإيمان بالله بعد أن رجع القمر " كوب " القهقري بالزمن 300 ألف سنة وعشر دقائق وثانية واحدة. إلى لحظة بدء نشأة الكون، إلى لحظة بدء الخلق، أي لحظة إرادة الله التي كانت (كن فيكون).

قضايا كونية

العقلاء في الفضاء:

ولقد تعرض القرآن إلى وجود الحياة على الأرض وعلى الكواكب الأخرى، مما شجع الكثيرين على القول بوجود الحياة على أجرام سماوية أخرى:

)تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم (44) ([سورة الإسراء].

)ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير([سورة الشورى].

بل هناك استنكار للقول بعكس ذلك:

)أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم * إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون (81 ، 82) ([سورة يس].

وفي 20 يناير 1996م أعلن عن كشف كوكبين جديدين خارج المنظومة الشمسية على بعد 35 سنة ضوئية من الأرض، باعتبار أن بيئتهما دافئة بدرجة تسمح بوجود الماء سائلاً، يقع الأول في كوكبة العذراء، والثاني في كوكبة الدب الأكبر. وهذا كشف عالمي، " ستوجه إليهما المراصد لاستكشاف صور الفراغات منها ".

التصوير القرآني ليوم القيامة:

وفي القرآن تصوير علمي ليوم القيامة بأنه اليوم الذي يتحقق فيه وجود الخلل في روابط الجاذبية التي بين الكوكب والشمس وعدم انتظام دورانها، وتفجر مكوناتها، وكلها تشير إلى أنها تعني تفكك الاتزان الموجود في الكون.

* )فإذا برق البصر * وخسف القمر * وجمع الشمس والقمر * يقول الإنسان يومئذ أين المفر * كلا لا وزر * إلى ربك يومئذ المستقر (7 ـ 12) ([سورة القيامة].

* )إذا الشمس كورت * وإذا النجوم انكدرت * وإذا الجبال سيرت * وإذا العشار عطلت * وإذا الوحوش حشرت * وإذا البحار سجرت * وإذا النفوس زوجت * وإذا الموءودة سئلت * بأي ذنب قتلت * وإذا الصحف نشرت * وإذا السماء كشطت * وإذا الجحيم سعرت * وإذا الجنة أزلفت * علمت نفس ما أحضرت (1 ـ 14) ([سورة التكوير].

* )إذا السماء انفطرت * وإذا الكواكب انتثرت * وإذا البحار فجرت * وإذا القبور بعثرت * علمت نفس ما قدمت وأخرت (1 ـ 5) ([سورة الانفطار].

* )إذا السماء انشقت * وأذنت لربها وحقت * وإذا الأرض مدت * وألقت ما فيها وتخلت * وأذنت لربها وحقت * يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه * فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسيراً * وينقلب إلى أهله مسروراً (1 ـ 9) ([سورة الانشقاق].

* )يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين (104) ([سورة الأنبياء].

بصمات الفكر الإسلامي على الحضارات:

ومن الإنصاف القول بأن الحضارة العلمية الإسلامية قد تركت آثارها حتى على صفحة السماء، فإلى جانب الإسطرلاب والكزولة التي عرف بها العرب المقاييس والمواقيت ضبطاً لمواعيد الصلاة والصيام، فما زالت آثار الحضارة العربية في رصد النجوم باقية في كل المراجع الأجنبية بشتى اللغات حتى اليوم مع تحريف في النطق، وعلى سبيل المثال نجد أسماء النجوم التالية في هذه المراجع حتى اليوم شاهداً على ذلك:

آخر النهار

Acer ner

الراعي

El rai

أقمار

Acmer

أنف " الفرس "

Enif

العذارى

Adara

فم الحوت

Fam el haut

الدبران

Aldebaran

جناح

Genah

الغول

Algol

حمل

Hamel

الغراب

Algorab

قوس

Kaus

الجنب

Algenib

مركب

Markeb

القائد

El Kaid

منقار

Menkar

الكأس

Alkes

منطقة (الحبل)

Mintaka

الطرف

Alterf

مرفق

Mirfak

الفرس

Al Pharaz

رجل (قدم)

Rigel

الفرد

Alpherd

صدر (الدجاجة)

Sadr

الفكة

Al Phecca

سيف (الجبار)

Saif

إبط الجوزاء

Bet El Geuse

شولة

Shaula

قيطس

Cetus

سبيكة

Spica

الدنب

Dencb

سهيل

Suhail

ظهر (الأسد)

Duhr

ثعبان

Thuban

الدلفين

Delphine

عنق الحية

Unuk El Hay

الدب

Dubhc

الزبان الجنوبي

Zcben El Genubi

لكن ما يمكن للمسلمين أن يفخروا به هو التحرر الفكري والعقلي الذي اقترن بتفسير الكونيات، دون أن يرموا أي مجتهد في هذا المجال بالكفر والضلالة.

ورغم فارق الزمن نجد على الجانب الآخر أن بعض علماء الفلك المسيحيين رماهم رجال الكنيسة بالكفر والإلحاد؛ لمجرد تجاسرهم على مخالفة رأي رجال الدين فيما تناقلوه عن حركة الأجرام السماوية؛ لأن علم الفلك كانت دراسته حكراً عليهم، ومحرمة على غيرهم، ومثال ذلك ما حدث للعالم الفلكي البولندي كوبرنيكس عام (543 ميلادية) عندما تجاسر وقال بأن الأرض تدور حول الشمس، وأن الأرض ليست مركزاً للكون، بخلاف ما كان يقول رجال الكنيسة. ولقد ظل خائفاً ثلاثة عشر عاماً قبل أن يجرؤ ويعلن هذا الرأي على الملأ في أحد كتبه، وعندما نشر الكتاب جمع وأحرق.

ولقد حوكم الفلكي الفيزيائي الإيطالي " جاليليو " أمام مجمع الكرادلة، وحكم بإحراق مؤلفاته، والزج به في السجن؛ لأنه جوؤ على التطلع إلى السماء بمنظار مقرب صنعه بنفسه، وقال بنفسه ما قال به كوبرنيكوس من أن الأرض والكواكب الأخرى تدور حول الشمس، وكان كل جريمته أنه قال بأن الأرض تدور حول محورها، وظل في السجن حتى كف بصره.

بدعة التنجيم وربطها بالنجوم:

ولق تمثلت المهزلة الكبرى في استغلال رجال الكنيسة علوم الكونيات للارتزاق بعقول البسطاء بالربط بين برج السماء وبعض الظاهر الكونية، وبين حظوظ الناس، فنشأ علم التنجيم Astrologyوكأنه مشتق من علم الفلك Astrononyالأمر الذي انحدر من بعدهم وما زالت آثاره باقية في كثير من الصحف والمجلات؛ سعياً وراء التلاعب بغزيرة الفضول وحب التطلع إلى المستقبل لدى كثير من الناس.

وفي المقابل نجد الإسلام ينهي عن ذلك .. بقوله تعالى: )وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت (34) ([سورة لقمان].ويقول: «كذب المنجمون ولو صدقوا».

ولقد نهى ـ صلى الله عليه وسلم ـ جماهير المسلمين عندما رأى بعضهم يقول بعد موت ابنه إبراهيم بأن كسوفاً حدث للشمس حزناً على إبراهيم، فقال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد أو لحياته، فإن رأيتموهما فادعوا وصلوا حتى ينجلي».

وكان نتاج ذلك كله، أن الفكر الإسلامي المتفتح ـ والذي لم يقيد الاجتهاد ـ سجل على صفحة التاريخ أعظم مفخرة للعلم والعلماء، فأتت الجامعات الثلاث الأولى التي عرفتها البشرية مهداً للعلم وحصناً للعلوم والاجتهاد على أيدي المسلمين، وهي: جامعات فاس، والقيروان، ثم الأزهر الشريف، ومن بعد هذه الجامعات الإسلامية أتت كل جامعات الدنيا الأخرى. ويكفي المسلمين فخراً أن جامعة الأزهر " هي الجامعة الوحيدة التي ما زالت ترسل بنور العلم والمعرفة على مدى أكثر من ألف عام في عطاء متواصل، لم يتوقف ولم ينقص، بل يتحسن مع الأيام، ويكفي الإسلام فخراً أن رجال العلم في شتى بقاع العالم قد أخذوا عن علماء المسلمين لفظ (أستاذ كرسي) وتقليد (روب الجامعة) من كرسي حلقات الأزهر، وجبة عالم الأزهر.

فهم القرآن أهم من حفظه:

وختاماً فإن التربية الإسلامية التي دعت الناس لتدبر قدرة الخالق من خلال قراءة صفحات الكون المحيط بنا، هي في حقيقتها دعوة للمسلمين لكيلا يكتفوا يحفظ القرآن دون تدبر، بل يحفظه وفهم معانيه.

ل . م / سعد شعبان


[1] لواء أركان حرب متقاعد، ورئيس مجلس إدارة الجمعية سابقاً، وعضو العديد من الجمعيات العلمية، وله عشرات الكتب في الثقافة العلمية.

 

 

موضيع ذات علاقة

اسم الموضوع

هجري

تاريخ الموضوع

الإعجاز في علوم الأرض في القرآن الكريم

30 شعبان 1429

2008/08/31

الإعجاز في النباتات

25 شعبان 1429

2008/08/26

موت الرسول

 

2007/06/29

آيات الموت في القرآن الكريم

 

2007/06/30

 

مطويات ذات علاقة

اسم المطوية

تاريخ المطوية

موت الرسول 2007/06/29