قوله تعالى: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا
إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا
حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ هذه الآية مبينة
لحكم الخلع ولا تكاد تقع الفرقة بين الزوجين إلا بعد فساد الحال، ولذلك علق القرآن
جوازه مخافة تركهما القيام بالحدود، وهذا أمر ثابت والآية محكمة عند عامة العلماء.
إلا أنه قد أخبرنا إسماعيل ابن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد الله البقال قال: أبنا
أبو الحسين بن بشران، قال: أبنا إسحاق بن أحمد الكاذي، قال: بنا عبد الله بن أحمد
بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: بنا حماد [بن] خالد الخياط، قال: بنا عقبة بن أبي
الصهباء "قال: سألت بكر بن عبد الله" عن رجل سألته "امرأته" الخلع؟ فقال: لا يحل له
أن يأخذ منها شيئا، قلت له: يقول الله عز وجل: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا
افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ الآية؟ قال: نسخت، قلت: فأين جعلت؟ قال: في
سورة النساء وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ
إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا.
قلت: وهذا قول "بعيد" من وجهين:
أحدهما: أن المفسرين قالوا في قوله تعالى وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ
مَكَانَ زَوْجٍ نـزلت في الرجل يريد أن يفارق امرأته ويكره أن يصل إليها ما فرض لها
من المهر فلا يزال يتبعها بالأذى حتى ترد عليه ما أعطاها لتخلص منه. فنهى الله
تعالى عن ذلك، فأما آية الخلع فلا تعلق لها بشيء من ذلك.
والثاني: أن قوله: فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا إذا كان النشوز من قبله، وأراد
استبدال غيرها، وقوله فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ إذا كان النشوز من قبلها فلا وجه
للنسخ.
وقد ذكر السدي في هذه الآية نسخا من وجه آخر فقال: قوله: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ
تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا منسوخ بالاستثناء وهو قوله: إِلا أَنْ
يَخَافَا قلت: وهذا من أرذل الأقوال، لأن [الاستثناء إخراج بعض ما] شمله اللفظ وليس
بنسخ.