بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مرحبا بكم مع الشيخ خالدالمغربي - المسجد الأقصى

037

الصافات

آية رقم 103

فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ

صدق الله العظيم

 

فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ

 

قال الله تبارك وتعالى:﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (الصافات:103- 105).

للنحاة والمفسرين في جواب ﴿ فَلَمَّا  قولان: أحدهما: أنه مذكور في الكلام. والثاني أنه محذوف.. فأما الذين قالوا: إنه مذكور فقد اختلفوا على قولين:

أحدهما: أن الجواب هو قوله تعالى:﴿ وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ . والواو زائدة. وهذا القول نسبه العكبري وأبو حيان إلى بعض الكوفيين، وإليه أشار الدكتور فضل حسن عباس.  

وثانيهما: أن الجواب هو قوله تعالى:﴿ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ . وإلى هذا ذهب الفرَّاء شيخ الكوفيين، وحجته أن العرب تدخل الواو في جواب﴿ فَلَمَّا ، و﴿ حتى إذا ، وتلقيها. وتابع  الفراءَ فيما ذهب إليه الإمامُ الطبري، وردد كلامه دون زيادة، أو نقصان. وعلى هذا القول جمهور الكوفيين، وكثير من المعاصرين. 

وأما الذين قالوا: إن جواب ﴿ فَلَمَّا محذوف فحجتهم أن الواو من حروف المعاني، ولا يجوز أن تزاد. وعلى هذا القول جمهور البصريين، ومن تبعهم من المتأخرين. وتقدير الكلام عندهم:﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ سعدا وأجزل لهما الثواب﴿ وَنَادَيْنَاهُ ..

وقدر الزمخشري الجواب بعد قوله:﴿ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ ، فقال:فإن قلت: أين جواب( لما )؟ قلت: هو محذوف، تقديره: فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا.. كان ما كان مما تنطق به الحال، ولا يحيط به الوصف من استبشارهما، واغتباطهما، وحمدهما لله، وشكرهما على ما أنعم به عليهما من دفع البلاء العظيم بعد حلوله.

ونقل الرازي عن البصريين قولهم:وحذف الجواب ليس بغريب في القرآن. والفائدة فيه أنه إذا كان محذوفًا، كان أعظم وأفخم .

ومن الغريب أن نجد العكبري يقدر الجواب بقوله:( نادته الملائكة ) محذوفًا، ويرفض أن يكون الجواب:( وناديناه ) مذكورًا؛ لأن القاعدة النحوية تمنع من ارتباط جواب ( لمَّا ) بالواو. ولهذا نجدهم يلوون عنق الآية الكريمة، ويخضعونها للقاعدة النحوية، والذي ينبغي أن يكون هو العكس تمامًا.

ولست أدري كيف يستسيغ عاقل أن يقال في تأويل الآية الكريمة: فلما أسلما وتلَّه للجبين- نادته الملائكة- وناديناه أن يا إبراهيم! مع أن المعنى أوضح من أن يحتاج في بيانه إلى مثل هذا التأويل.

ومن المعاصرين الذين اختاروا القول بحذف الجواب الدكتور فضل حسن عباس، فقال في كتابه ( لطائف المنان وروائع البيان في دعوى الزيادة في القرآن ):قالوا: الواو زائدة، والتقدير: فلما أسلما، تلَّه للجبين. وليس الأمر كذلك، فليس قوله تعالى:﴿ تَلَّهُ جواب﴿ فَلَمَّا ؛ بل الجواب محذوف، والتقدير: فلما أسلما، وتلَّه للجبين، وباشر إبراهيم ذبح ابنه،( أجزل لهما في الثواب ). أو ( أكرمهما بالرحمة ). أو ( مَنَّ الله عليهما بنعمة الفداء )...

وأنت إذا تأملت الآية جيدًا، وتدبرت معناها حق التدبر، تبين لك أن كل ما قيل فيها ليس بشيء؛ لأن المعنى المراد منها ليس على ما ذكروا، بل المراد هو: أن إبراهيم وابنه- عليهما السلام- لما فوَّضا أمرهما إلى لله تعالى، وامتثلا لأمره سبحانه بأن رضي الأول بذبح ابنه، ورضي الثاني بأن يذبح، وصرعه والده على جبينه، أو كبَّه على وجهه، وهمَّ بذبحه، تصديقًا للرؤيا، ناداه ربه عز وجل بقوله:﴿ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا  .

فتوقف إبراهيم- عليه السلام- عن الذبح، والتفت وراءه، فإذا بذبح عظيم أرسله الله تعالى فداء لإسماعيل عليه السلام. وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى:﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾(الصافات:107). 

وهذا ما جاء في التفسير، فقد جاء فيه:لما أضجعه للذبح، نوديَ من الجبل: أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا .

وعليه يكون قوله تعالى:﴿ وَنَادَيْنَاهُ ﴾جوابًا لقوله:﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴾، وتكون الواو رابطة لجواب ﴿ فَلَمَّا بشرطها. وإنما جيء بها- هنا- دون غيرها من أدوات الربط؛ لما فيها من معنى الجمع، الذي لا يفارقها، فدلت على أن الجواب قد وقع مع وقوع الشرط في وقت واحد. ولولا وجود هذه الواو في الكلام، لتمَّ ذبح إبراهيم- عليه السلام- لابنه بعد أن صرعه على جبينه، ولم ينفعه النداء شيئًا.

وهكذا يتبين لنا أن الله تعالى، لما أراد أن يوقف هذا الذبح، ويمنع وقوعه، قرن نداءه لإبراهيم- عليه السلام- بهذه الواو، التي قال البعض فيها: إنها زائدة، وقال البعض الآخر: إنها عاطفة، والجواب محذوف، وعدوا حذفه من بلاغة القرآن وإعجازه، ولم يدروا أن سرَّ الإعجاز في إدخال هذه الواو على جواب ﴿ فَلَمَّا .. ومن يعرف جوهر الكلام، ويدرك أسرار البيان، يتبين له أن ما قلناه في هذه الواو هو الحق. والله تعالى أعلم بأسرار بيانه، وله الحمد والمنَّة، وسلام على إبراهيم !!!

محمد إسماعيل عتوك

البريد الإلكتروني:

m-ismael46@mail.sy

 

مواضيع ذات علاقة

اسم الموضوع

التاريخ الهجري

تاريخ الموضوع

الإعجاز اللغوي والبياني في القرآن الكريم

24 رجب 1429

2008/07/27