المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الصلاة في الاسلام (1)


الاقصى اسير
07-03-2010, 03:32 PM
اخترت هذا في فصل الصلاة من كتاب المُغْنِي لابن قدامة المقدسي للاستفادة للجميع
(جميع الحقوق محفوظة islamweb.net اسلام ويب الشبكة الاسلامية) تعرض فيه للكثير من المسائل التي تحدث للمسلم في الصلاة وشرح مفصل لذلك/
مسألة: الجزء الأول
[ ص: 222 ] الصلاة في اللغة الدعاء ، قال الله تعالى { وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم } أي ادع لهم ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم { إذا دعي أحدكم فليجب ، فإن كان مفطرا فليطعم ، وإن كان صائما فليصل } . وقال الشاعر :
تقول بنتي وقد قربت مرتحلا يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا عليك مثل الذي صليت فاغتمضي
نوما فإن لجنب المرء مضطجعا
وهي في الشرع عبارة عن الأفعال المعلومة ، فإذا ورد في الشرع أمر بصلاة أو حكم معلق عليها ، انصرف بظاهره إلى الصلاة الشرعية .

وهي واجبة بالكتاب والسنة والإجماع ; أما الكتاب فقول الله تعالى { : وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة } وأما السنة فما روى ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { : بني الإسلام على خمس ; شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصيام رمضان ، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا } . متفق عليه مع آي وأخبار كثيرة ، نذكر بعضها في غير هذا الموضع ، إن شاء الله تعالى .

وأما الإجماع فقد أجمعت الأمة على وجوب خمس صلوات في اليوم والليلة .

( 513 ) فصل : والصلوات المكتوبات خمس في اليوم والليلة ولا خلاف بين المسلمين في وجوبها ، ولا يجب غيرها إلا لعارض من نذر أو غيره هذا قول أكثر أهل العلم وقال أبو حنيفة : الوتر واجب ; لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { : إن الله قد زادكم صلاة وهي الوتر } وهذا يقتضي وجوبه . وقال عليه السلام { الوتر حق } رواه ابن ماجه

، ولنا ما روى ابن شهاب عن أنس بن مالك ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { فرض الله على أمتي خمسين صلاة } فذكر الحديث ، إلى أن قال { فرجعت إلى ربي ، فقال : هي خمس وهي خمسون ، ما يبدل القول لدي } متفق عليه وعن عبادة بن الصامت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { خمس صلوات افترضهن الله على عباده ، فمن جاء بهن لم ينقص منهن شيئا استخفافا بهن ، فإن الله جاعل له يوم القيامة عهدا أن يدخله الجنة ، ومن جاء بهن وقد نقص منهن شيئا ، لم يكن له عند الله عهد ، إن شاء عذبه ، وإن شاء غفر له } وروي عن [ ص: 223 ] طلحة بن عبيد الله ، { أن أعرابيا أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله : ماذا فرض الله علي من الصلاة قال : خمس صلوات قال : فهل علي غيرها ؟ قال : لا إلا أن تطوع شيئا فقال الرجل : والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها ، ولا أنقص منها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلح الرجل إن صدق } متفق عليه

وزيادة الصلاة يجوز أن تكون في السنن ، فلا يتعين كونها فرضا ; ولأنها صلاة تصلى على الراحلة من غير ضرورة ، فكانت نافلة كالسنن الرواتب .
[ ص: 224 ] أجمع المسلمون على أن الصلوات الخمس مؤقتة بمواقيت معلومة محدودة ، وقد ورد في ذلك أحاديث صحاح جياد نذكر أكثرها في مواضعها ، إن شاء الله تعالى .

( 514 ) مسألة : قال أبو القاسم رحمه الله : ( وإذا زالت الشمس وجبت صلاة الظهر ) بدأ الخرقي بذكر صلاة الظهر ; لأن جبريل بدأ بها حين أم النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس ، وجابر وبدأ بها صلى الله عليه وسلم حين علم الصحابة مواقيت الصلاة ، في حديث بريدة وغيره ، وبدأ بها الصحابة حين سئلوا عن الأوقات في حديث أبي برزة وجابر وغيرهما تسمى الأولى والهجير والظهر . وقال أبو برزة : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الهجيرة التي يدعونها الأولى حين تدحض الشمس . } متفق عليه ، يعني حين تزول الشمس . وأجمع أهل العلم على أن أول وقت الظهر : إذا زالت الشمس .

قاله ابن المنذر ، وابن عبد البر وقد تظاهرت الأخبار بذلك ، فمنها ما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أمني جبريل عند البيت مرتين ، فصلى بي الظهر في الأولى منهما ، حين كان الفيء مثل الشراك ، ثم صلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله ، ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس ، وأفطر الصائم ، ثم صلى العشاء حين غاب الشفق ، ثم صلى الفجر حين برق الفجر وحرم الطعام على الصائم ، وصلى في المرة الثانية الظهر حين صار ظل كل شيء مثله لوقت العصر بالأمس ، ثم صلى العصر حين صار ظل كل شيء مثليه ، ثم صلى المغرب لوقت الأولى ، ثم صلى العشاء الأخيرة حين ذهب ثلث الليل ، ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض ، ثم التفت إلي جبريل وقال : يا محمد ، هذا وقت الأنبياء من قبلك ، والوقت فيما بين هذين } رواه أبو داود ، وابن ماجه والترمذي ، وقال : هذا حديث حسن . وروى جابر نحوه ، ولم يذكر فيه { لوقت العصر بالأمس } ، وقال البخاري : أصح حديث في المواقيت حديث جابر .

وروى بريدة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم { أن رجلا سأله عن وقت الصلاة ، فقال : صل معنا هذين اليومين فلما زالت الشمس أمر بلالا فأذن ، ثم أمره فأقام الظهر ، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية لم يخالطها صفرة ، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس ، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق ، ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر ، فلما كان اليوم الثاني أمره فأبرد في الظهر ، فأنعم أن يبرد بها ، وصلى العصر والشمس بيضاء مرتفعة ، آخرها فوق الذي كان ، وصلى المغرب حين غاب الشفق ، وصلى العشاء حين غاب ثلث الليل ، وصلى الفجر فأسفر بها ، ثم قال : أين السائل عن وقت الصلاة ؟ فقال الرجل : أنا يا رسول الله . فقال : وقت صلاتكم بين ما رأيتم } رواه مسلم [ ص: 225 ] وغيره . وروى أبو داود ، عن أبي موسى نحوه ، إلا أنه قال : { بدأ فأقام الفجر حين انشق الفجر ، فصلى حين كان الرجل لا يعرف وجه صاحبه ، أو أن الرجل لا يعرف من إلى جنبه ، فلما كان الغد صلى الفجر وانصرف ، فقلنا : طلعت الشمس . }

وفي الباب أحاديث كثيرة .
516 ) فصل : وتجب صلاة الظهر بزوال الشمس ، وكذلك جميع الصلوات تجب بدخول وقتها في حق من هو من أهل الوجوب ، فأما أهل الأعذار ; كالحائض والمجنون والصبي والكافر ، فتجب في حقه بأول جزء أدركه من وقتها بعد زوال عذره . وبهذا قال الشافعي ، رحمه الله . وقال أبو حنيفة ، رحمه الله : يجب تأخير وقتها إذا بقي منه ما لا يتسع لأكثر منها ; لأنه في أول الوقت يتخير بين فعلها وتركها ، فلم تكن واجبة كالنافلة .

ولنا أنه مأمور بها في أول الوقت بقوله تعالى : { أقم الصلاة لدلوك الشمس } والأمر يقتضي الوجوب على الفور ; ولأن دخول الوقت سبب للوجوب ، فيترتب عليه حكمه حين وجوده ; ولأنها يشترط لها نية الفريضة ، ولو لم تجب لصحت بدون نية الواجب كالنافلة ، وتفارق النافلة ; فإنها لا يشترط لها ذلك ، ويجوز تركها غير عازم على فعلها ، وهذه إنما يجوز تأخيرها مع العزم على فعلها ، كما تؤخر صلاة المغرب ليلة مزدلفة عن وقتها ، وكما تؤخر سائر الصلوات عن وقتها إذا كان مشتغلا بتحصيل شرطها .

517 ) فصل : ويستقر وجوبها بما وجبت به . فلو أدرك جزءا من أول وقتها ثم جن ، أو حاضت المرأة ، لزمهما القضاء إذا أمكنهما . وقال الشافعي وإسحاق : لا يستقر إلا بمضي زمن يمكن فعلها فيه ، ولا يجب القضاء [ ص: 226 ] بما دون ذلك . واختاره أبو عبد الله بن بطة ; لأنه لم يدرك من الوقت ما يمكنه أن يصلي فيه ، فلم يجب القضاء ، كما لو طرأ العذر قبل ذلك الوقت . ولنا أنها صلاة وجبت عليه ، فوجب قضاؤها إذا فاتته ، كالتي أمكن أداؤها ، وفارقت التي طرأ العذر قبل دخول وقتها ; فإنها لم تجب ، وقياس الواجب على غيره غير صحيح .


518 ) مسألة : قال : ( فإذا صار ظل كل شيء مثله فهو آخر وقتها ) يعني أن الفيء إذا زاد على ما زالت عليه الشمس قدر ظل طول الشخص ، فذلك آخر وقت الظهر . قال الأثرم : قيل لأبي عبد الله : وأي شيء آخر وقت الظهر ؟ قال : أن يصير الظل مثله . قيل له : فمتى يكون الظل مثله ؟ قال : إذا زالت الشمس ، فكان الظل بعد الزوال مثله ، فهو ذاك . ومعرفة ذلك أن يضبط ما زالت عليه الشمس ، ثم ينظر الزيادة عليه ، فإن كانت قد بلغت قدر الشخص ، فقد انتهى وقت الظهر ; ومثل شخص الإنسان ستة أقدام ونصف بقدمه ، أو يزيد قليلا ، فإذا أردت اعتبار الزيادة بقدمك مسحتها على ما ذكرناه في الزوال ، ثم أسقطت منه القدر الذي زالت عليه الشمس ، فإذا بلغ الباقي ستة أقدام ونصف فقد بلغ المثل ، فهو آخر وقت الظهر ، وأول وقت العصر .

وبهذا قال مالك ، والثوري ، والشافعي ، والأوزاعي ونحوه قال أبو يوسف ، ومحمد ، وأبو ثور وداود وقال عطاء : لا تفريط للظهر حتى تدخل الشمس صفرة . وقال طاوس : وقت الظهر والعصر إلى الليل . وحكي عن مالك : وقت الاختيار إلى أن يصير ظل كل شيء مثله ، ووقت الأداء إلى أن يبقى من غروب الشمس قدر ما يؤدى فيه العصر ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر في الحضر .

وقال أبو حنيفة : وقت الظهر إلى أن يصير ظل كل شيء مثله ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إنما مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أجيرا ، فقال : من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط ؟ فعملت اليهود ، ثم قال من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط ؟ فعملت النصارى ، ثم قال : من يعمل لي من العصر إلى غروب الشمس على قيراطين ؟ فأنتم هم . فغضب اليهود والنصارى ، وقالوا : ما لنا أكثر عملا وأقل عطاء ؟ قال : هل نقصتكم من حقكم ؟ قالوا : لا ؟ قال فذلك فضلي أوتيه من أشاء } أخرجه البخاري وهذا يدل على أن من الظهر إلى العصر أكثر من العصر إلى المغرب .

ولنا { أن جبريل عليه السلام صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم الظهر حين كان الفيء مثل الشراك في اليوم الأول ، وفي اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثله ، ثم قال : الوقت ما بين هذين } وحديث مالك محمول على العذر بمطر أو مرض ، وما احتج به أبو حنيفة لا حجة له فيه ; لأنه قال : إلى صلاة العصر . وفعلها يكون بعد دخول الوقت وتكامل الشروط ، على أن أحاديثنا قصد بها بيان الوقت ، وخبرهم قصد به ضرب المثل ، فالأخذ بأحاديثنا أولى . قال ابن عبد البر خالف أبو حنيفة في قوله هذا الآثار والناس ، وخالفه أصحابه .
( 519 ) مسألة : قال : ( وإذا زاد شيئا وجبت العصر ) وجملته أن وقت العصر من حين الزيادة على المثل أدنى زيادة متصل بوقت الظهر ، لا فصل بينهما ، وغير [ ص: 227 ] الخرقي قال : إذا صار ظل الشيء مثله فهو آخر وقت الظهر وأول وقت العصر . وهو قريب مما قال الخرقي . وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : إذا زاد على المثلين ; لما تقدم من الحديث ، ولقوله تعالى : { وأقم الصلاة طرفي النهار } ولو كان على ما ذكرتموه لكان وسط النهار . وحكي عن ربيعة : أن وقت الظهر والعصر إذا زالت الشمس .

وقال إسحاق آخر وقت الظهر وأول وقت العصر يشتركان في قدر الصلاة ، فلو أن رجلين يصليان معا ، أحدهما يصلي الظهر والآخر العصر ، حين صار ظل كل شيء مثله ، كان كل واحد منهما مصليا لها في وقتها . وحكي ذلك عن ابن المبارك لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس : { صلى بي الظهر لوقت العصر بالأمس . }

ولنا ما تقدم في حديث جبريل عليه السلام وقوله تعالى : { أقم الصلاة طرفي النهار } . لا ينفي ما قلنا ; فإن الطرف ما تراخى عن الوسط ، وهو موجود في مسألتنا ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم { لوقت العصر بالأمس } أراد مقارنة الوقت ، يعني أن ابتداء صلاته اليوم العصر متصل بوقت انتهاء صلاة الظهر في اليوم الثاني ، أو مقارب له ; لأنه قصد به بيان المواقيت ، وإنما تبين أول الوقت بابتداء فعل الصلاة ، وتبين آخره بالفراغ منها ، وقد بينه قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو { وقت الظهر ما لم يحضر وقت العصر } رواه مسلم وأبو داود وفي حديث رواه أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إن للصلاة أولا وآخرا ، وإن أول وقت الظهر حين تزول الشمس ، وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر } أخرجه الترمذي

520 ) مسألة : قال : وإذا صار ظل كل شيء مثليه خرج وقت الاختيار . اختلفت الرواية عن أحمد رضي الله عنه في آخر وقت الاختيار ; فروي : حين يصير ظل كل شيء مثليه . وهو قول مالك ، والثوري ، والشافعي لقوله في حديث ابن عباس ، وجابر : { الوقت ما بين هذين . } وروي عن أحمد ، رحمه الله ، أن آخره ما لم تصفر الشمس . وهي أصح عنه حكاه عنه جماعة ، منهم الأثرم ، قال : سمعته يسأل عن آخر وقت العصر ؟ فقال : هو تغير الشمس . قيل : ولا تقول بالمثل والمثلين ؟ قال : لا ، هذا عندي أكثر ، وهذا قول أبي ثور ، وأبي يوسف ، ومحمد ، ونحوه عن الأوزاعي لحديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { وقت العصر ما لم تصفر الشمس } رواه مسلم .

وفي حديث أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم { وإن آخر وقتها حين تصفر الشمس } وفي حديث بريدة ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العصر في اليوم الثاني والشمس بيضاء نقية لم تخالطها صفرة } . قال ابن عبد البر أجمع العلماء على أن من صلى العصر والشمس بيضاء نقية ، فقد صلاها في وقتها .

وفي هذا دليل على أن مراعاة المثلين عندهم استحباب ، ولعلهما متقاربان يوجد أحدهما قريبا من الآخر .

( 521 ) فصل : ولا يجوز تأخير العصر عن وقت الاختيار لغير عذر ; لما تقدم من الأخبار ، وروى مسلم وأبو داود بإسنادهما ، عن أنس بن مالك ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { تلك صلاة المنافقين ، تلك صلاة [ ص: 228 ] المنافقين ، تلك صلاة المنافقين ، يجلس أحدهم ، حتى إذا اصفرت الشمس ، فكانت بين قرني شيطان ، أو على قرني شيطان ، قام ، فنقر أربعا ، لا يذكر الله فيها إلا قليلا } ولو أبيح تأخيرها لما ذمه عليه ، وجعله علامة النفاق .

( 522 ) مسألة : قال : ( ومن أدرك منها ركعة قبل أن تغرب الشمس ، فقد أدركها مع الضرورة ) وجملة ذلك أن من أخر الصلاة ثم أدرك منها ركعة قبل غروب الشمس ، فهو مدرك لها ، ومؤد لها في وقتها ، سواء أخرها لعذر أو لغير عذر ، إلا أنه إنما يباح تأخيرها لعذر وضرورة ، كحائض تطهر ، أو كافر يسلم ، أو صبي يبلغ ، أو مجنون يفيق ، أو نائم يستيقظ ، أو مريض يبرأ ، وهذا معنى قوله : " مع الضرورة " . فأما إدراكها بإدراك ركعة منها ، فيستوي فيه المعذور وغيره ، وكذلك سائر الصلوات يدركها بإدراك ركعة منها في وقتها ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم { من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة } متفق عليه وفي رواية { من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر } متفق عليه ولا أعلم في هذا خلافا
( 523 ) فصل : وهل يدرك الصلاة بإدراك ما دون ركعة ؟ فيه روايتان : إحداهما لا يدركها بأقل من ذلك ، وهو ظاهر كلام الخرقي ومذهب مالك ; لظاهر الخبر الذي رويناه ، فإن تخصيصه الإدراك بركعة يدل على أن الإدراك لا يحصل بأقل منها ; ولأنه إدراك للصلاة ، فلا يحصل بأقل من ركعة كإدراك الجمعة . والثانية ، يدركها بإدراك جزء منها ، أي جزء كان . قال القاضي : ظاهر كلام أحمد أنه يكون مدركا لها بإدراكه . وقال أبو الخطاب : من أدرك من الصلاة مقدار تكبيرة الإحرام قبل أن يخرج الوقت فقد أدركها . وهذا مذهب أبي حنيفة . وللشافعي قولان كالمذهبين .

ولأن أبا هريرة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من أدرك سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته ، وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته ، } متفق عليه وللنسائي { فقد أدركها } ; ولأن الإدراك إذا تعلق به حكم في الصلاة استوى فيه الركعة وما دونها ، كإدراك الجماعة ، وإدراك المسافر صلاة المقيم ، ولفظ الحديث الأول يدل بمفهومه ، والمنطوق أولى منه ، والقياس يبطل بإدراك ركعة دون تشهدها

( 524 ) فصل : وصلاة العصر هي الصلاة الوسطى ، في قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم ، منهم : علي بن أبي طالب ، وأبو هريرة ، وأبو أيوب ، وأبو سعيد وعبيدة السلماني ، والحسن ، والضحاك ، وأبو حنيفة ، وأصحابه . وروي عن زيد بن ثابت وعائشة أنها صلاة الظهر .

وبه . قال عبد الله بن شداد ; لما روي عن زيد بن ثابت ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة ، ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ، فنزلت : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } } رواه أبو داود وروت عائشة { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر } رواه أبو داود والترمذي ، وقال حديث صحيح .

وقال طاوس ، وعطاء ، وعكرمة ، ومجاهد ، والشافعي : هي الصبح لقول الله تعالى : { والصلاة الوسطى [ ص: 229 ] وقوموا لله قانتين } والقنوت طول القيام ، وهو مختص بالصبح ; ولأنها من أثقل الصلاة على المنافقين ، ولهذا اختصت بالوصية وبالمحافظة عليها ، وقال الله تعالى : { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب } يعني صلاة الفجر والعصر ، وروى جرير بن عبد الله قال : { كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر ، فقال : أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ، لا تضامون في رؤيته ، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها } متفق عليه . وللبخاري { فافعلوا } ثم قرأ جرير { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها }

وقال النبي صلى الله عليه وسلم { يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ، ثم يعرج الذين باتوا فيكم ، فيسألهم ، وهو أعلم بهم : كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون : تركناهم وهم يصلون ، وأتيناهم وهم يصلون } وقال النبي صلى الله عليه وسلم { من صلى البردين دخل الجنة } يريد هاتين الصلاتين . وقال : { لو يعلمون ما في صلاة العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا } متفق على هذه الأحاديث .

وقيل : هي المغرب ; لأن الأولى هي الظهر ، فتكون المغرب الثالثة ، والثالثة من كل خمس هي الوسطى ; ولأنها وسطى في عدد الركعات ، ووسطى في الأوقات ; لأن عدد ركعاتها ثلاث ، فهي وسطى بين الأربع والاثنين ، ووقتها في آخر النهار وأول الليل ، وخصت من بين الصلاة بأنها وتر ، والله وتر يحب الوتر ، وبأنها تصلى في أول وقتها في جميع الأمصار والأعصار .

ويكره تأخيرها عنه ، وكذلك صلاها جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليومين لوقت واحد ، ولذلك ذهب بعض الأئمة إلى أنها ليس لها إلا وقت واحد لذلك ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم { لا تزال أمتي ، أو قال : هذه الأمة بخير أو قال على الفطرة ، ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم } رواه أبو داود وقيل : هي العشاء ; لما روى ابن عمر ، قال : { مكثنا ليلة ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة ، فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده ، فقال : إنكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم ، ولولا أن أشق على أمتي لصليت بهم هذه الساعة . وقال : إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة الغداة والعشاء الآخرة ، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا } متفق عليهما .

ولنا ما روي عن علي رضي الله عنه قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب : شغلونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا } متفق عليه . وعن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { صلاة الوسطى صلاة العصر . } وعن سمرة مثله ، قال الترمذي في كل واحد منهما : هذا حديث حسن صحيح .

وهذا نص لا يجوز التعريج معه على شيء يخالفه ; ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله } متفق عليه ، وقال : { من فاتته صلاة العصر حبط عمله } رواه البخاري ، وابن ماجه وقال : { إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فضيعوها ، فمن حافظ عليها كان له أجره مرتين ، ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد } يعني النجم رواه البخاري وما ذكر في صلاة الصبح فقد شاركته [ ص: 230 ] صلاة العصر في أكثره ، ورواية عائشة " وصلاة العصر " فالواو زائدة كالواو في قوله تعالى { وليكون من الموقنين } وفي قوله { وخاتم النبيين } وقوله : { وقوموا لله قانتين } فالقنوت قيل : هو الطاعة . أي قوموا لله مطيعين .

وقيل : القنوت السكوت . قال زيد بن أرقم : كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت { وقوموا لله قانتين } فأمرنا بالسكوت ، ونهينا عن الكلام . ثم ما روينا نص صريح . فكيف يترك بمثل هذا الوهم ، أو يعارض به ؟

الاقصى اسير
07-03-2010, 03:34 PM
525 ) مسألة : قال : وإذا غابت الشمس وجبت المغرب ، ولا يستحب تأخيرها إلى أن يغيب الشفق أما دخول وقت المغرب بغروب الشمس فإجماع أهل العلم . لا نعلم بينهم خلافا فيه ، والأحاديث دالة عليه . وآخره : مغيب الشفق .

وبهذا قال الثوري ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي ، وبعض أصحاب الشافعي وقال مالك ، والأوزاعي ، والشافعي ليس لها إلا وقت واحد ، عند مغيب الشمس ; لأن جبريل عليه السلام صلاها بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليومين لوقت واحد ، في بيان مواقيت الصلاة ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم { لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا المغرب إلى أن يشتبك النجم } ; ولأن المسلمين مجمعون على فعلها في وقت واحد في أول الوقت .

وعن طاوس : لا تفوت المغرب والعشاء حتى الفجر . ونحوه عن عطاء ; لما ذكرناه في الظهر والعصر . ولنا حديث بريدة { ، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب في اليوم الثاني حين غاب الشفق } وفي لفظ رواه الترمذي : { فأخر المغرب إلى أن يغيب الشفق . }

وروى أبو موسى { أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر المغرب في اليوم الثاني حتى كان عند سقوط الشفق . } رواه مسلم وأبو داود وفي حديث عبد الله بن عمرو ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { وقت المغرب ما لم يغب الشفق } رواه مسلم وفي حديث أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إن للصلاة أولا وآخرا ، وإن أول وقت المغرب حين تغرب الشمس ، وإن آخر وقتها حين يغيب الأفق } . رواه الترمذي وهذه نصوص صحيحة ، لا يجوز مخالفتها بشيء محتمل

; ولأنها إحدى الصلوات ، فكان لها وقت متسع كسائر الصلوات ; ولأنها إحدى صلاتي جمع ، فكان وقتها متصلا بوقت التي تجمع إليها كالظهر والعصر ; ولأن ما قبل مغيب الشفق وقت لاستدامتها ، فكان وقتا لابتدائها كأول وقتها . وأحاديثهم محمولة على الاستحباب والاختيار ، وكراهة التأخير ، ولذلك قال الخرقي " ولا يستحب تأخيرها " .

فإن الأحاديث فيها تأكيد لفعلها في أول وقتها ، وأقل أحوالها تأكيد الاستحباب . وإن قدر أن الأحاديث متعارضة وجب حمل أحاديثهم على أنها منسوخة ; لأنها في أول فرض الصلاة بمكة ، وأحاديثنا بالمدينة متأخرة ، فتكن ناسخة لما قبلها مما يخالفها ، والله أعلم .
( 526 ) مسألة : قال : ( فإذا غاب الشفق ، وهو الحمرة في السفر ، وفي الحضر البياض ; لأن في الحضر قد تنزل الحمرة فتواريها الجدران ، فيظن أنها قد غابت ، فإذا غاب البياض فقد تيقن ، ووجبت عشاء الآخرة إلى ثلث الليل ) لا خلاف في دخول وقت العشاء بغيبوبة الشفق ، وإنما اختلفوا في الشفق ما هو ؟ فمذهب إمامنا ، رحمه الله ، أن الشفق [ ص: 231 ] الذي يخرج به وقت المغرب ، ويدخل به وقت العشاء ، هو الحمرة . وهذا قول ابن عمر ، وابن عباس ، وعطاء ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، والزهري ، ومالك ، والثوري ، وابن أبي ليلى ، والشافعي ، وإسحاق ، وصاحبي أبي حنيفة .

وعن أنس ، وأبي هريرة : الشفق البياض . وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز ، وبه قال الأوزاعي ، وأبو حنيفة ، وابن المنذر ; لأن النعمان بن بشير قال : أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة صلاة العشاء ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها لسقوط القمر لثالثة . رواه أبو داود وروي عن ابن مسعود ، قال : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي هذه الصلاة حين يسود الأفق . }

ولنا ، ما روت عائشة ، رضي الله عنها قالت : { أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعشاء حتى ناداه عمر بالصلاة : نام النساء والصبيان . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما ينتظرها أحد غيركم قال : ولا يصلي يومئذ إلا بالمدينة وكان يصلون فيما بين أن يغيب الشفق الأول إلى ثلث الليل . } رواه البخاري والشفق الأول هو الحمرة . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { وقت المغرب ما لم يسقط فور الشفق } رواه أبو داود وروي " ثور الشفق " وفور الشفق : فورانه وسطوعه . وثوره : ثوران حمرته ، وإنما يتناول هذا الحمرة ، وآخر وقت المغرب أول وقت العشاء .

وروي عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { الشفق الحمرة ، فإذا غاب الشفق وجبت العشاء } رواه الدارقطني وما رووه لا حجة لهم فيه ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤخر الصلاة عن أول الوقت قليلا ، وهو الأفضل والأولى ، ولهذا روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه { قال لبلال : اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله ، والمتوضئ من وضوئه ، والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته } إذا ثبت هذا ، فإنه إن كان في مكان يظهر له الأفق ، ويبين له مغيب الشفق ، فمتى ذهبت الحمرة وغابت ، دخل وقت العشاء ، وإن كان في مكان يستتر عنه الأفق بالجدران والجبال ، استظهر حتى يغيب البياض ، ليستدل بغيبته على مغيب الحمرة ، فيعتبر غيبة البياض ، لدلالته على مغيب الحمرة لا لنفسه .

527 ) مسألة : قال : ( فإذا ذهب ثلث الليل ذهب وقت الاختيار ، ووقت الضرورة مبقى إلى أن يطلع الفجر الثاني ، وهو البياض الذي يرى من قبل المشرق ، فينتشر ، ولا ظلمة بعده ) اختلفت الرواية في آخر وقت الاختيار ، فروي عن أحمد أنه ثلث الليل ، نص عليه أحمد ، في رواية الجماعة ، وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأبي هريرة ، وعمر بن عبد العزيز ، ومالك ; لأن في حديث جبريل ، أنه صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم في المرة الثانية ثلث الليل ، وقال : { الوقت فيما بين هذين } وفي حديث بريدة ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها في اليوم الثاني ثلث الليل } وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { صلوا فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل } وفي حديثها الآخر : وكانوا يصلون فيما بين أن يغيب الشفق الأول إلى ثلث الليل .

ولأن ثلث الليل يجمع الروايات ، والزيادة تعارضت الأخبار فيها ، فكان ثلث الليل أولى ، والرواية الثانية أن آخره نصف الليل . وهو قول الثوري ، وابن المبارك وأبي ثور وأصحاب الرأي ، وأحد قولي الشافعي ، لما روي عن أنس بن مالك قال : { أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء إلى نصف الليل . } رواه البخاري

وعن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لولا ضعف الضعيف ، وسقم السقيم ، لأمرت بهذه الصلاة أن تؤخر إلى شطر الليل } رواه أبو داود ، [ ص: 232 ] والنسائي ، وفي حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { وقت العشاء إلى نصف الليل } رواه أبو داود والأولى إن شاء الله تعالى أن لا يؤخرها عن ثلث الليل ، وإن أخرها إلى نصف الليل جاز ، وما بعد النصف وقت ضرورة ، الحكم فيه حكم وقت الضرورة في صلاة العصر ، على ما مضى شرحه وبيانه ، ثم لا يزال الوقت ممتدا حتى يطلع الفجر الثاني .

( 528 ) فصل : وتسمى هذه الصلاة العشاء ، ولا يستحب تسميتها العتمة ، وكان ابن عمر إذا سمع رجلا يقول : العتمة . صاح وغضب ، وقال : إنما هو العشاء

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم ، فإنها العشاء ، وإنهم يعتمون بالإبل } وعن أبي هريرة مثله . رواهما ابن ماجه وإن سماها العتمة جاز ; فقد روى أبو داود بإسناده عن معاذ ، أنه قال : أبقينا - يعني - انتظرنا - رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة العتمة ; ولأن هذا نسبة لها إلى الوقت الذي تجب فيه ، فأشبهت صلاة الصبح والظهر وسائر الصلوات

529 ) مسألة : قال : ( وإذا طلع الفجر الثاني وجبت صلاة الصبح والوقت مبقى إلى ما قبل أن تطلع الشمس ، ومن أدرك منها ركعة قبل أن تطلع فقد أدركها ، وهذا مع الضرورة ) وجملته أن وقت الصبح يدخل بطلوع الفجر الثاني إجماعا ، وقد دلت عليه أخبار المواقيت ، وهو البياض المستطير المنتشر في الأفق ، ويسمى الفجر الصادق ; لأنه صدقك عن الصبح وبينه لك ، والصبح ما جمع بياضا وحمرة ، ومنه سمي الرجل الذي في لونه بياض وحمرة أصبح ، وأما الفجر الأول ، فهو البياض المستدق صعدا من غير اعتراض ، فلا يتعلق به حكم ، ويسمى الفجر الكاذب .

ثم لا يزال وقت الاختيار إلى أن يسفر النهار ; لما تقدم في حديث جبريل وبريدة وما بعد ذلك وقت عذر وضرورة ، حتى تطلع الشمس ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو : { ووقت الفجر ما لم تطلع الشمس . ومن أدرك منها ركعة قبل أن تطلع الشمس كان مدركا لها } وفي إدراكها بما دون ذلك اختلاف قد ذكرناه .

وقال أصحاب الرأي ، فيمن طلعت الشمس وقد صلى ركعة : تفسد صلاته ; لأنه صار في وقت نهي عن الصلاة فيه . وهذا لا يصح لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح } متفق عليه وفي رواية { من أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته } متفق عليه ; ولأنه أدرك ركعة من الصلاة في وقتها ، فكان مدركا لها في وقتها ، كبقية الصلوات ، وإنما نهي عن النافلة ، فأما الفرائض فتصلى في كل وقت ، بدليل أن قبل طلوع الشمس وقت نهي أيضا ، ولا يمنع من فعل الفجر فيه

نائل أبو محمد
12-08-2010, 12:29 PM
الأربعاء 2 محرم 1432

نائل أبو محمد
10-18-2011, 11:47 AM
الثلاثاء 21 ذو القعدة 1432
جهد طيب .