المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ملاحظات على مشروع قانون الأحوال الشخصية الأردني الجديد للنشر


نائل أبو محمد
10-02-2010, 02:25 PM
الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فهذه بعض الملاحظات على مشروع قانون الأحوال الشخصية الأُردني الجديد، ونحن إذ نذكر هذه الملاحظات نثمن -بصدق- الجهد الكبير الذي قامت به دائرة قاضي القضاة في وضع هذا القانون، وما بذلته من وقت وجهد وطاقات حتى تيسر لها أن تضع مثل هذا الجهد الكبير.
وهذه الملاحظات المقترحة أتت لتُتمّم هذا الإنجاز الكبير. إلا أن أي عملٍ بشري يعتريه الخلل والنقص، وليس الكمال إلا صفة لله تعالى ولكتابه. وهذه الملاحظات إنما الغاية منها النصح لله عز وجل ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، وليتكامل البناء ويستوي على سوقه.
وهذه الملاحظات قد عُرضت على عدد من القضاة الشرعيين والعلماء وطلبة العلم، فأقروا بأكثرها ووافقوا عليها.

وقبل أن نبدأ بذكر هذه الملاحظات كان لا بُد من وضع قواعد كلية وملاحظات عامة على مشروع القانون، فأما القواعد الكلية فهي قواعد ننطلق منها ونرجع إليها عند الاختلاف؛ كانت منطلق القانون في كثيرٍ من مواده، إلا أنها غابت عن أعين مقنني القانون في بعض مواده. وأما الملاحظات العامة على مشروع القانون فهي ملاحظات على المشروع برمته بعد دراسته مادةً مادة، لُوحظ أن مقنني القانون كانوا يُراعونها في وضعهم لمواد هذا المشروع، مما أدى إلى تكررها في جملةٍ من مواده، مع كون هذه الملاحظات سلبية لا ينبغي مراعاتها، بل الواجب تركها وطرحها وعدم اعتمادها.
القواعد الكلية والملاحظات العامة على مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد:
ينبغي في أي قانون أن يُقلل تباين الأحكام القضائية في ذات القضية الواحدة بين قاضٍ وآخر إلى أقصى حدود التقليل، وذلك من خلال وضوح مواد القانون وعدم العودة إلى اجتهاد القاضي واختياره لاختلاف الاجتهادات والآراء بين قاضٍ وآخر (تُنظر: الملاحظة التفصيلية (9) و(16)).
ونحن إذ نقول ذلك لا نُهمل دور القاضي وضرورة إعمال عقله وجهده في التعامل مع القضية، إلا أننا نُؤكد على ضرورة العدل المتمثل باتفاق الأحكام القضائية في ذات القضية بين جميع القضاة.
فالقانون من شروطه الرئيسة العدل بين المتخاصمِين، ولا يتحقق العدل المرجو إذا اختلفت الأحكام القضائية بين قاضٍ وآخر في ذات القضية الواحدة.
كأن دائرة قاضي القضاة سارت سير الجمعيات النسائية، والتي في الحقيقة تعترض على الحكمة الإلهية في جعل الطلاق حق للرجل دون المرأة، فسلكت الدائرة منظومةً متكاملة في ذلك من اعتبار مطلق الإيذاء (يشمل الإيذاء المعنوي) من مسوغات خروج المرأة من بيت زوجها بغير إذنه (تُنظر: الملاحظة التفصيلية (9))، واعتباره كذلك من مسوغات طلب التفريق للشقاق والنزاع (تُنظر: الملاحظة التفصيلية (16)).
ثم ميَّز المشروع بين الرجل والمرأة في دعوى الشقاق والنزاع؛ فاقتصر في حق المرأة على مجرد تحقق القاضي من وجود الشقاق والنزاع دون أن تأتي ببينات على ذلك؛ في حين اشترطت على الزوج شهادة التسامع في إثبات الشقاق والنزاع (تُنظر: الملاحظة التفصيلية (17)).
ثم غيَّر المشروع المادة المتعلقة بثبوت الإساءة كلها من الزوجة؛ فرأى أنه إذا ثبتت أن الإساءة كلها من الزوجة فإنها تُلزم بدفع عوض لا يزيد عن المهر وتوابعه؛ بدل العوض الذي نصَّ عليه القانون النافذ والذي لا يقل عن المهر وتوابعه (تُنظر: الملاحظة التفصيلية (18)).
ثم أعطى القانون للمرأة الحق بطل التفريق من الزوج بسبب إيلاء الزوج عنها وتركه وطء زوجته، كما أعطاها الحق في طلب التفريق من الزوج بسبب هجر زوجها لها وامتناعه من فراش الزوجية. في المقابل لم يُعط شيئاً من هذه الحقوق للزوج –مع كون حق الاستمتاع والمجامعة من الحقوق المشتركة بينهما-؛ إذ لم يُدخل المشروع امتناع الزوجة من فراش زوجها ضمن تعريفه للناشز (تُنظر: الملاحظة التفصيلية (10))، وعليه فلو امتنعت الزوجة من فراش زوجها، ثم امتنع الزوج من الإنفاق عليها لامتناعها من فراشه؛ يُلزمه القانون بالإنفاق عليها ولا يُعد ذلك نشوزاً، في نفس الوقت الذي يجعل لها الحق في طلب التفريق لإيلاء الزوج وتركه وطء زوجته وهجره لفراش الزوجية وامتناعه منه.
ثم أعطى المشروع الزوجة طلب التفريق للعقم دون الزوج استجابةً لغريزة الأُمومة، ولم يُعطه للزوج المعسر الذي يعجز عن فتح بيتين والزواج من امرأتين (تُنظر: الملاحظة التفصيلية (19)).
فأنت ترى أنها منظومة متكاملة أعطاها القانون للمرأة لطلب التفريق وإنهاء الحياة الزوجية، وسلب أكثر هذه المسوغات من الرجل –مع كونها من الحقوق المشتركة بين الزوجين-، وما ذلك إلا لتسير دائرة قاضي القضاة خلف الجمعيات النسائية والتي في الحقيقة تُريد تصحيح الخطأ الإلهي الذي وقع في الحكمة الإلهية من جعل الطلاق والعصمة بيد الزوج دون الزوجة.
وهذا يقودنا إلى الحديث عن الملاحظة التالية.
لزوم العدل بين الجنسين وعدم التفريق بينهما من غير مسوغٍ شرعيٍ صحيحٍ لذلك. إذ أساس أي قانون أن يعدل بين المتخاصمين دون أي نوعٍ من أنواع التمييز، إلا ما أتت شريعة الحكيم الخبير بالتفريق فيه لغاية عظمى ومقصدٍ سامٍ لا يُدرك إلا من قِبل الراسخين في علم الشريعة؛ كما قال تعالى: âألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبيرá.
فإن رأى الناس عدم عدل القانون حكموا على القانون بالفساد والبطلان والتحيز والمحاباة، وإذ ذاك لا يُقيمون له قداسة، ولا يُراعون له حرمة، وينسبون له النقص والعوار. ولا يجوز ذلك كله في حق هذا القانون، لأنه منسوب إلى الشريعة، فكان الواجب على مقنني القانون أن يُقيموا العدل بميزانه بين الجنسين تفادياً لكل تلك المساوئ أن تُنسب للشريعة الغراء.
الأصل في قانون الأحوال الشخصية أن يسعى إلى تكثير الزواج والوفاق وتقليل الطلاق والفراق إلى أقصى حدود التقليل، وأن يسعى إلى المحافظة على الأُسرة والحياة الزوجية قدر الإمكان.
والقانون قد خالف هذا الأصل في بعض مواده؛ خصوصاً ما يتعلق بالتفريق بسبب الشقاق والنزاع (تُنظر: الملاحظة التفصيلية (15))، فهو قد تراخى في جوانب متعددة تقود بمجموعها في المحصلة إلى إنهاء الحياة الزوجية. فهو قد أطلق الإيذاء والضرر الذي يحق من أجله طلب التفريق للشقاق والنزاع؛ فجعله مطلق الإيذاء (تُنظر: الملاحظة التفصيلية (16))، وأيضاً قد ألغى البيِّنات في حق الزوجة؛ فجعله يرجع إلى تحقق القاضي من وجود الشقاق دون حاجة إلى بيِّنات (تُنظر: الملاحظة التفصيلية (17)). ثم منع من الزيادة على المهر وتوابعه بالنسبة للزوجة إن ثبتت أن الإساءة كلها منها (تُنظر: الملاحظة التفصيلية (18)).
فالأصل فيه إنْ تراخى في بعض الجوانب وتساهل مراعاةً لبعض المسوغات والاعتبارات أن يتشدد في جوانب أُخرى حتى لا تكون الحياة الزوجية عرضة للزلزلة. وذلك أن المرأة إن علمت بهذه القوانين فإنها ستستعلي غالباً على زوجها وتقف منه موقف الندية والعند والتحدي؛ لا موقف الشراكة والتفاهم، وهذا بدوره يُؤدي إلى تكثير الطلاق والفراق بين الزوجين. وهذا ما يسعى إليه الشيطان وحزبه؛ مِن التفريق بين الزوجين؛ لما في ذلك من الآثار السيئة على الأولاد وضياعهم، وبالتالي تفكك المجتمع وتمزقه.
وأنت ترى أن كل ما تسعى إليه اللجان والجمعيات النسائية إنما هو خدمة للأجندة الخارجية الساعية لتفكيك المجتمع الأُردني وتمزقه، ليكون لقمة سائغة للأعداء.
ضرورة اعتبار العرف الذي لا يُخالف الشرع؛ خاصةً إذا أدى عدم اعتباره إلى هتك الأعراض أو إزهاق الأرواح. فمشروع القانون لم يشترط الولاية في عقد النكاح (تُنظر: الملاحظة التفصيلية (1) و(2) و(4))، وهذا الموضوع بالغ الحساسية في مجتمعنا، إذ لا يقبل الأب أن تأتيه البنت متزوجة زواجاً عرفياً -مثلاً- من غير إذنه ولا علمه، بل المتصور في مجتمعنا أن يعتبر ذلك هتكاً لعرضه وفضحاً لستره؛ مما قد يُؤدي به إلى قتلها.
ثم إن عدم اشتراط ذلك في عقد النكاح يُؤدي إلى نشر الفحش والرذيلة في المجتمع؛ إذ قد تُقدم البنت والولد الفاسدَين على اقتراف فاحشة الزنا والوقوع بالرذيلة، ثم يُشهدان بعض أصحابه مِن ساقطي العدالة والديانة، ثم يُبرران ذلك بأنهما قد تزوجا من غير علم الولي.
ثم إن المشروع ينبغي أن يُراعي ما وقع في بعض المجتمعات العربية من انتشارٍ فاحشٍ للرذيلة باسم الزواج العرفي وغيره بسبب عدم اشتراط الولي في عقد النكاح؛ فالمسلم مرآة أخيه، خاصةً مع العلم أن نصوص الشرع الحنيف تُؤكد لزوم اشتراط الولي في عقد النكاح.
ثم كيف يقبل العاقل أن يقوم الأب برعاية ابنته منذ أول يوم من ولادتها، والإنفاق عليها، وتربيتها، والقيام على مصالحها، ثم إنْ بلغت العشرين عاماً أو حولها لا ترجع إليه في اختيار زوجها الذي سيكون صهره ونسيبه، هذا وربي في القياس بديع.
أحياناً يُعالج مشروع القانون خللاً ما مِن أحد الزوجين إلا أنه يُعمم ذلك على جميع تصرفاته الصحيحة وغير الصحيحة، ولا يُمايز بين الخلل الذي يجب أن يُعالجه وبين تصرف ذلك الزوج الصحيح الذي سلكه حفاظاً على سلوك الأولاد وتربيتهم واستقامة الحياة الزوجية. إذ قد استعمل المشروع نظرية التعسف في استعمال الحق في موضوع عمل المرأة (تُنظر: الملاحظة التفصيلية (7))؛ فرأى أن رجوع الزوج عن موافقته على عمل زوجته التي كانت تعمل سابقاً دون سبب مشروع هو في حقيقته تعسف في استعمال حقه، وهو ممنوع من ذلك شرعاً؛ لأنه قد يلحق بها أضراراً تؤدي إلى فقدان حقوقها المكتسبة، لذلك منع المشروع إسقاط نفقتها في هذه الحالة منعاً للزوج من الإضرار بها سنداً لقاعدة (لا ضرر ولا ضرار). وهذا الأمر إلى هذا الحد لا إشكال فيه.
إلا أنه قد يظهر للزوج عدم قدرة الزوجة على التوفيق بين عملها وقيامها بواجباتها الزوجية، وهذا الأمر لم يكن بادياً له أول الأمر لعدم تكاثر مسؤوليات البيت والأولاد عليها، فيمنعها من ذلك بناء على الضرر الذي وقع عليه بسبب عملها خارج المنزل، لا لكونه تعسف في استعمال الحق. فيلزمه حينها في نظر القانون أن يُثبت تقصير زوجته وإهمالها في أُمور بيتها، وهذا الأمر عسير؛ إذ يصعب عليه إحضار الشهود لكون الحوادث تكون بين الزوجين ولا يطلع عليها أحد فيتعذر عليه إحضار شهودٍ لإثبات دعواه. فيُصبح كأن الحق سُلب منه، ويكون مشروع القانون قد عالج الخطأ بالخطأ؛ بمعنى: أن القانون تعسف في استعمال نظرية التعسف.
ومن تكلم على نظرية التعسف –كأُستاذنا د. فتحي الدريني رحمه الله تعالى- حصر حق القانون في سلبه حقه فيما تعسف فيه، لا أن يُسلب كامل حقه.
فالأصل أن تُطالب الزوجة بإثبات أن زوجها يتعسف في استعمال حقه وتُقيم البينات على ذلك، لا أن يُطالب صاحب الحق بإثبات ما يتعذر عليه إثباته، فيُسلب الحق منه حُكماً.
وكما استند القانون على قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) في حق الزوجة لزمه أن يستند على هذه القاعدة أيضاً في حق الزوج.
والله تعالى المسؤول أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن يتقبله، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله من وراء القصد، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

وإليك الآن أبرز الملاحظات التفصيلية على مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد.

أبرز الملاحظات التفصيلية على مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد:

هذه أبرز الملاحظات التفصيلية على مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد:
المادة (19) قد نصت على عدم اشتراط موافقة الولي في زواج المرأة الثيب العاقلة المتجاوزة من العمر ثمانية عشر عاماً. وهي بذلك تُخالف حديث رسول الله r: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل , فنكاحها باطل , فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها , وإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي لها) رواه أصحاب السنن بسند صحيح.
ولفظ النبي r: (أيما امرأة) يدل على العموم، ويشمل البكر والثيب.
وقوله r: (لا نكاح إلا بولي) رواه أبو داود والترمذي بسندٍ صحيح.
وقوله r: (لاَ تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ ، وَلاَ تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا ، فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا) رواه ابن ماجه والدارقطني.
ثم إن الثيب قد جاء النص على ضرورة موافقة وليها في كتاب الله تعالى، إذ قال الله تعالى: âوَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّá إلى آخر الآية.
فوجه الاستدلال بالآية: أن المخاطب بالنهي عن العضل هم أولياء المرأة، نُهوا عن عضل النساء اللاتي طُلقن وأتممن عدتهن عن العودة إلى أزواجهن إذا جاء الزوج خاطباً ورضيت المرأة بالعودة إليه.
وقد قوَّى مذهب جمهور أهل العلم في ذلك ما ورد في صحيح البخاري في سبب نزول هذه الآية، و(أَنَّ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ كَانَتْ أُخْتُهُ تَحْتَ رَجُلٍ فَطَلَّقَهَا ثُمَّ خَلَّى عَنْهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثمَّ خَطَبَهَا فَحَمِيَ مَعْقِلٌ مِنَ ذَلِكَ أَنَفًا فَقَالَ خَلَّى عَنْهَا وَهْوَ يَقْدِرُ عَلَيْهَا ثُمَّ يَخْطُبُهَا فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ : {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَ عَلَيْهِ فَتَرَكَ الْحَمِيَّةَ وَاسْتَقَادَ لأَمْرِ الله).
وفي سبب نزولها يقول الإمام الشافعي: "وَلاَ أَعْلَمُ الآيَةَ تَحْتَمِلُ غَيْرَهُ لأَنَّهُ إنَّمَا يُؤْمَرُ بِأَنْ لاَ يَعْضُلَ الْمَرْأَةَ من له سَبَبٌ إلَى الْعَضْلِ بِأَنْ يَكُونَ يَتِمُّ بِهِ نِكَاحُهَا من الأَوْلِيَاءِ وَالزَّوْجُ إذَا طَلَّقَهَا فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَيْسَ بِسَبِيلٍ منها فَيَعْضُلُهَا وَإِنْ لم تَنْقَضِ عِدَّتُهَا فَقَدْ يَحْرُمُ عليها أَنْ تَنْكِحَ غَيْرَهُ وهو لاَ يَعْضُلُهَا عن نَفْسِهِ وَهَذَا أَبْيَنُ ما في الْقُرْآنِ من أَنَّ لِلْوَلِيِّ مع الْمَرْأَةِ في نَفْسِهَا حَقًّا وَأَنَّ على الْوَلِيِّ أَنْ لاَ يَعْضُلَهَا إذَا رَضِيَتْ أَنْ تَنْكِحَ بِالْمَعْرُوفِ".
هذا كله من جانب، ومن جانبٍ آخر فإن هذا يفتح باب شرٍّ مستطير، وخصوصاً في الجامعات فيما يُسمى بالزواج العرفي، بحيث تُقدِم المرأة الثيب البالغة من العمر (18) عاماً على تزويج نفسها من زميلها الفاسد تحقيقاً لرغباتها من غير علم وليها ولا إذنه، فتقع المفسدة الكبرى من قتل وليها لها دفاعاً عن شرفه، إذ لا يخفاكم أن عادات مجتمعنا العريقة وتقاليده لا تقبل مثل هذا التصرف ولو كان مُقنناً بقوانين.
ولا يخفاكم كذلك أن نِسَب ما يُسمى بالزواج العرفي قد ارتفعت مُؤخراً بشكل ظاهر، لا سيما في الجامعات.
والقانون ينبغي أن يُراعي العادات والتقاليد غير المخالفة للشريعة حتى لا يقع من تطبيقه مفسدة ظاهرة من هلاك للأنفس، أو هتكٍ للأعراض.
والجمعيات النسائية التي تدعوا لمثل هذا إنما استقت مشاربها من الغرب وقيمه وحضارته لا من قيم الإسلام وتقاليد المجتمع الأُردني العريقة.
يحسن في القانون أن يذكر تحت الفصل الثالث المتعلق بالولاية في الزواج مادة تنص على اشتراط الولي في عقد الزواج، إذ تكلم القانون في مواد عدة في هذا الفصل عن الولاية في التزويج إلا أنه لم ينص على اشتراطه.

المادة (26) هي مما أضافه القانون الجديد، وعليها ملاحظتان:
أولاً: موضعها غير مناسب؛ إذ قد فصلت بين المحرمات على التأبيد بسبب النسب والمصاهرة (المادتان (24) و(25)) وبين المحرمات على التأبيد بسبب الرضاع (المادة (27)).
وأشعر وضعها في هذا الموضع أنها تعني زنا المحارم، مع أن لفظها عام في كل امرأة وُطئت وليست بزوجة.
ثانياً: هناك تعارض بين هذه المادة وبين المادة (33) في حرمة المصاهرة، إذ نصت هذه المادة أن وطء المرأة غير الزوجة يُوجب حرمة المصاهرة؛ فتشمل الزنا وزنا المحارم. في حين نصت المادة (33) على أن الدخول في العقد الباطل (يعني: وطء المرأة في العقد الباطل) لا يُرتب أثراً في حرمة المصاهرة.
فإن كان الوطء في العقد الباطل لا يُرتب أثراً في حرمة المصاهرة فمن باب أولى أن لا يترتب ذات الأثر في وطء غير الزوجة في سفاح أو زنا. بمعنى: أن الزنا إن كان يُوجب حرمة المصاهرة فمن باب أولى العقد الباطل؛ لأن العقد الباطل إما أن يُكيَّف على أنه زنا أو دون الزنا، فإن كان الزنا يُرتب أثر حرمة المصاهرة، فأيُّ عقد أخذ حكمه أو كان دونه في الحكم استحق ذات الأثر.

لم يذكر القانون في المادة (30 و31) عند الحديث عن حالات الزواج الباطل أو الفاسد زواج المرأة البكر؛ أو الثيب دون الثامنة عشر نفسها دون إذن الولي. وكأن القانون يتوجه إلى عدم اعتبار الولاية شرط صحة للعقد.
مع العلم أن النبي r قد نصَّ على بطلانه؛ كما سبق في قوله r: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل , فنكاحها باطل , فنكاحها باطل...) الحديث.

ما الضابط في عدّ العقد فاسداً أو باطلاً؟، فقد نصَّ ابن قدامة وغيره أن النكاح الباطل ما أُجمع على بطلانه عند أهل السنة ولم يكن فيه شبهة لأحد، ومثَّل عليه ببعض الصور التي ذكرها القانون في العقد الفاسد، فقال رحمه الله تعالى: "وَكُلُّ نِكَاحٍ أُجْمِعَ عَلَى بُطْلَانِهِ ، كَنِكَاحِ خَامِسَةٍ ، أَوْ مُتَزَوِّجَةٍ ، أَوْ مُعْتَدَّةٍ ، أَوْ نِكَاحِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا ، إذَا وَطِئَ فِيهِ عَالَمًا بِالتَّحْرِيمِ ، فَهُوَ زِنًى ، مُوجِبٌ لِلْحَدِّ الْمَشْرُوعِ فِيهِ قَبْلَ الْعَقْدِ ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ".
ومُقننوا القانون قد راعوا هذا الضابط، ويُستشف ذلك من جملة من الأُمور؛ منها: أن القانون الجاري قد نصَّ في مادته (33) الفقرة (3) على أنه من حالات الزواج الباطل أن يتزوج الرجل من امرأة تحرم عليه على التأبيد بسبب النسب أو المصاهرة أو الرضاع، فنظر مقننوا القانون الجديد إلى هذا الضابط الذي ذكره ابن قدامة وغيره؛ فجعلوا من حالات الزواج الباطل أن يتزوج الرجل من امرأة تحرم عليه على التأبيد بسبب النسب أو المصاهرة، أما المحرمات بسبب الرضاع فنقلوه إلى الزواج الفاسد لعدم العلم بوقوع الرضاع في بعض الأحيان وللخلاف بين أهل العلم في عدد الرضعات المحرمات ومقدارهن.
ومن الأُمور التي يُلاحظ فيها انتباه المقننين إلى هذا الشرط إضافتهم الفقرة (5) في المادة (30) والتي تُشير إلى العذر بالجهل، وتكلمهم عن الوطء بشبهة في المادة (158) الفقرة (ب).
فبعد هذه التقدمة أقول: لو اتفقنا على هذا الضابط في التفريق بين النكاح الباطل والفاسد؛ وهو: أن الباطل ما أُجمع على بطلانه ولم يكن فيه شبهة لأحد، بخلاف الفاسد الذي لم يُجمع عليه؛ نجد أن بعض الصور التي ذكرها القانون في الفاسد حقها أن تكون في الباطل كما في الفقرة (3) و(4) من المادة (31).
فأما الفقرة (3) فلا خلاف بين أهل السنة في عدم الزواج بأكثر من أربعة، ويعلمه الصغير والكبير. وأما الفقرة (4) فحق القانون أن يذكر بدلها: زواج التحليل، أو يقول: تزوج الرجل بمطلقته ثلاثاً المعقود عليها قبل الدخول.

جاء في المادة (43): "وبالطلاق بعد الخلوة الصحيحة"، والأصح أن يُقال: "أو بالطلاق بعد الخلوة الصحيحة"؛ كما في القانون الجاري في مادته (48).

بالنسبة لعمل المرأة وفق الضوابط الشرعية؛ القانون قد أجاز ذلك في المادة (61) ونص على عدم اعتباره نشوزاً مانعاً من استحقاقها للنفقة ما دام مشروعاً ورضي به الزوج صراحة أو ضمناً، كما نص على أن الزوج ليس له الرجوع عن موافقته على عمل زوجته دون سبب مشروع ودون أن يُلحق بها ضرراً.
وقد علّلت دائرة قاضي القضاة –على موقعها على الشبكة العنكبوتية- هذا بقولها: "وإن رجوع الزوج عن موافقته على عمل زوجته دون سبب مشروع هو في حقيقته تعسف في استعمال حقه، وهو ممنوع من ذلك شرعاً؛ لأنه قد يلحق بها أضراراً تؤدي إلى فقدان حقوقها المكتسبة، لذلك منع المشروع إسقاط نفقتها في هذه الحالة منعاً للزوج من الإضرار بها سنداً لقاعدة (لا ضرر ولا ضرار)".
وعلى هذه المادة وتعليل المقننين لها ملاحظة ننظمها في العناصر التالية:
أولاً: الأصل الشرعي أن الرسول الكريم r قد منع خروج المرأة من بيت زوجها من غير إذنه؛ فقال r: (إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهَا وَزَوْجُهَا كَارِهٌ ذَلِكَ ، لَعَنَهَا كُلُّ مَلَكٍ فِي السَّمَاءِ ، وَكُلُّ شَيْءٍ تَمُرُّ عَلَيْهِ ، غَيْرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ ، حَتَّى تَرْجِعَ) رواه الطبراني وحسنه الحافظ المنذري.
ثانياً: رأى مقننو القانون أن الزوج إذا رجع عن موافقته على عمل زوجته دون سبب مشروع هو في حقيقته تعسف في استعمال حقه، فسلبوه حقه بناء على تعسفه في استعمال الحق، وهذا الأمر إلى هذا الحد لا إشكال فيه.
إلا أنه قد يظهر للزوج عدم قدرة الزوجة على التوفيق بين عملها وقيامها بواجباتها الزوجية، وهذا الأمر لم يكن بادياً له أول الأمر لعدم تكاثر مسؤوليات البيت والأولاد عليها، فيمنعها من ذلك بناء على الضرر الذي وقع عليه بسبب عملها خارج المنزل، لا لكونه تعسف في استعمال الحق.
ثالثاً: يلزمه حينها في نظر القانون أن يُثبت تقصير زوجته وإهمالها في أُمور بيتها، وهذا الأمر عسير؛ إذ يصعب عليه إحضار الشهود لكون الحوادث تكون بين الزوجين ولا يطلع عليها أحد فيتعذر عليه إحضار شهودٍ لإثبات دعواه. فيُصبح كأن الحق سُلب منه، ويكون مشروع القانون قد عالج الخطأ بالخطأ؛ بمعنى: أن القانون تعسف في استعمال نظرية التعسف.
ومن تكلم على نظرية التعسف –كأُستاذنا د. فتحي الدريني رحمه الله تعالى- حصر حق القانون في سلبه حقه فيما تعسف فيه، لا أن يُسلب كامل حقه.
فالأصل أن تُطالب الزوجة بإثبات أن زوجها يتعسف في استعمال حقه وتُقيم البينات على ذلك، لا أن يُطالب صاحب الحق بإثبات ما يتعذر عليه إثباته، فيُسلب الحق منه.
وكما استند القانون على قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) في حق الزوجة لزمه أن يستند على هذه القاعدة أيضاً في حق الزوج.
لم يتطرق القانون إلى ما دفعه الخاطب على حساب المهر إذا تُوفي أحدهما قبل عقد النكاح، في حين تطرق إليه القانون النافذ في مادته (65).

استُبدل قيد الضرب من الإيذاء الوارد على المسوغات التي تُجيز للزوجة الخروج من بيت الزوجية في المادة (62) بمطلق الإيذاء (ويُنظر: القانون النافذ المادة 69). فيشمل حينها الإيذاء النفسي والإيذاء العاطفي والإيذاء الاجتماعي والإيذاء السلوكي وغيرها.
والمرأة بطبعها متجنية، كما صح عن نبينا الكريم r: (وَرَأَيْتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا قَطُّ، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ، قَالُوا: لِمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟، قَالَ: بكُفْرِهِنَّ. قِيلَ: يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟، قَالَ: يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ؛ وَلَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطّ).
فهذا القيد الجديد يجعل الحياة الزوجية عرضة للزلزلة لأتفه الأسباب، وهل تصفو الحياة من الأكدار؟!.
وهذا فيه فتح باب شر عظيم على الأُسرة والحياة الزوجية؛ لأن المرأة تتعلل بأنه قد وقع عليها إيذاء، فتتجرأ على الاستخفاف بالحياة الزوجية لذلك، هذا أولاً.
وأما ثانياً، فهذه المادة فيها مخالفة صريحة لقول الله تعالى: âواللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاًá، ومخالفة لما ثبت في صحيح مسلم عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته في حجة الوداع: (فَاتَّقُوا اللَّهَ فِى النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ. فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ).
فوجب أن يُجيز القانون الضرب غير المبرح ولا يعده من المسوغات التي تُجيز للزوجة الخروج من بيت الزوجية، لا أن يعد من المسوغات مطلق الإيذاء.
وأما ثالثاً؛ فستختلف وجهات نظر القضاة إليه بين قاضٍ وآخر؛ فما يراه قاضٍ إيذاءً معنوياً لا يراه آخر كذلك؛ لكونه غير مضبوط، فتتباين الأحكام القضائية في ذات القضية بين قاضٍ وآخر.
وأما رابعاً؛ فلماذا لا يُجعل أيضاً للزوج حق قطع النفقة عن الزوجة لمطلق الإيذاء الواقع عليه منها؟!.

عرَّف القانون في المادة (62) الفقرة (أ) الناشز بأنها التي تترك بيت الزوجية بلا مسوغ شرعي أو تمنع الزوج من الدخول إلى بيتها قبل طلبها النقلة إلى بيت آخر.
فحصر النشوز بهذين القيدين فقط، ولم يذكر مثلاً: منعها له من معاشرتها، أو عدم طاعتها له وارتفاعها عليه.
ويُؤكد دخول هذه الأُمور في معنى النشوز المانع للنفقة ما يلي:
أولاً: ورود الأحاديث المانعة من ذلك، والمتكاثرة فيه؛ فمن ذلك: (أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْهُ ، فَقَالَتْ : مَا حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى امْرَأَتِهِ؟ فَقَالَ : لاَ تَمْنَعُهُ نَفْسَهَا وَإِنْ كَانَتْ عَلَى ظَهْرِ قَتَبٍ ، وَلاَ تُعْطِي مِنْ بَيْتِهِ شَيْئًا إِلاَّ بِإِذْنِهِ ، فَإِنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ كَانَ لَهُ الأَجْرُ وَعَلَيْهَا الْوِزْرُ ، وَلاَ تَصُومُ تَطَوُّعًا إِلاَّ بِإِذْنِهِ ، فَإِنْ فَعَلَتْ أَثَمْتَ ، وَلَمْ تُؤْجَرْ ، وَأَنْ لاَ تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَإِنْ فَعَلَتْ لَعَنَتْهَا الْمَلاَئِكَةُ مَلاَئِكَةُ الْغَضَبِ وَمَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ حَتَّى تَتُوبَ ، أَوْ تُرَاجَعَ قِيلَ : وَإِنْ كَانَ ظَالِمًا ؟ قَالَ : وَإِنْ كَانَ ظَالِمًا).
ثانياً: أن القانون قد راعى هذا الحق للمرأة، فأعطى لها الحق في طلب التفريق من الزوج بسبب إيلاء الزوج عنها وتركه وطء زوجته (كما في المادة 123)، كما أعطى لها الحق في طلب التفريق من الزوج بسبب هجر زوجها لها وامتناعه من فراش الزوجية (كما في المادة 122).
فمشروع القانون قد راعى حق الزوجة في ذلك، فلِمَ لا يُراعي حق الزوج في ذلك، مع العلم أن هذا الحق مشترك بينهما، وأن النصوص المتوعدة للمرأة في فعلها ذلك أكثر بكثير من الواردة في حق الرجل.
ثالثاً: أن دخولها في معنى النشوز منصوص مذهب مالك والشافعي وأحمد وعامة أهل العلم, وفي هذا:
يقول الخرشي من المالكية: "( ص ) أَوْ مَنَعَتْ الْوَطْءَ ( ش ) الْمَشْهُورُ أَنَّ الزَّوْجَةَ إذَا مَنَعَتْ زَوْجَهَا مِنْ الْوَطْءِ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَإِنَّ نَفَقَتَهَا تَسْقُطُ عَنْهُ لِأَنَّ مَنْعَهَا نُشُوزٌ وَالنَّفَقَةُ تَسْقُطُ بِالنُّشُوزِ ...وَالنُّشُوزُ أَنْ تَخْرُجَ إلَى أَوْلِيَائِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ أَوْ تَمْنَعَهُ مِنْ الْوَطْءِ (شرح مختصر خليل للخرشي، بَابُ مُوجِبَاتِ النَّفَقَةِ).
ويقول حطاب من المالكية: "ص: وسقطت إن أكلت معه ولها الامتناع أو منعت الوطء أو الاستمتاع أو خرجت بلا إذن ولم يقدر عليها إن لم تحمل.
ص: "أو منعت الوطء والاستمتاع أو خرجت بلا إذن ولم يقدر عليها إن لم تحمل" ش: يعني أن المرأة إذا منعت زوجها الوطء أو الاستمتاع فإن نفقتها تسقط يريد إذا كان ذلك بغير عذر فإن كان لعذر كسفرها للحج أو حبسه أو حبسها أو مرض ونحوه فلا تسقط" (مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، باب في النفقة 5/551-552).
ويقول النووي من الشافعية: "إذا سلمت المرأة نفسها إلى زوجها وتمكن من الاستمتاع بها ونقلها إلى حيث يريد، وهما من أهل الاستمتاع في نكاح صحيح، وجبت نفقتها" (المجموع شرح المهذب للنووي، كتاب النفقات، باب نفقة الزوجات، 18/235).
ويقول أيضاً: "والناشزة سقطت نفقتها بالمنع من التمكين" (المجموع شرح المهذب للنووي، كتاب النفقات، باب نفقة الزوجات، 18/ 246).
ويقول صاحب مغني المحتاج من الشافعية: "( وَالنُّشُوزُ ) هُوَ الْخُرُوجُ عَنْ الطَّاعَةِ ...وَضَابِطُ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ (أي: القسم) كُلُّ امْرَأَةٍ لَا نَفَقَةَ لَهَا فَلَا تَسْتَحِقُّهُ أَمَةٌ لَمْ تُسَلِّمْ لِلزَّوْجِ لَيْلًا وَنَهَارًا ، وَلَا الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا تُطِيقُ الْوَطْءَ ، وَلَا الْمَحْبُوسَةُ ، وَلَا الْمَغْصُوبَةُ ، وَ ( لَا نَاشِزَةٌ ) بِخُرُوجِهَا عَنْ طَاعَةِ زَوْجِهَا كَأَنْ خَرَجَتْ مِنْ مَسْكَنِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، أَوْ لَمْ تَفْتَحْ لَهُ الْبَابَ لِيَدْخُلَ ، أَوْ لَمْ تُمَكِّنْهُ مِنْ نَفْسِهَا بِلَا عُذْرٍ لَهَا كَمَرَضٍ" (مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج، كِتَابُ الْقَسْمِ وَالنُّشُوزُ).
ويقول أيضاً: "وَالنُّشُوزُ هُوَ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَنْزِلِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ لَا إلَى الْقَاضِي لِطَلَبِ الْحَقِّ مِنْهُ ، وَلَا إلَى اكْتِسَابِهَا النَّفَقَةَ إذَا أَعْسَرَ بِهَا الزَّوْجُ وَلَا إلَى اسْتِفْتَاءٍ إذَا لَمْ يَكُنْ زَوْجُهَا فَقِيهًا وَلَمْ يَسْتَفْتِ لَهَا وَكَمَنْعِهَا الزَّوْجَ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَلَوْ غَيْرَ الْجِمَاعِ لَا مَنْعِهَا لَهُ مِنْهُ تَدَلُّلًا" (مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج؛ فَصْلٌ فِي حُكْمِ الشِّقَاقِ بِالتَّعَدِّي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ).
ويقول ابن قدامة من الحنابلة: "مسألة : قال : والناشز لا نفقة لها فإن كان لها منه ولد أعطاها نفقة ولدها: معنى النشوز معصيتها لزوجها فيما له عليها مما أوجبه له النكاح وأصله من الارتفاع مأخوذ من النشز وهو المكان المرتفع فكأن الناشز ارتفعت عن طاعة زوجها فسميت ناشزا فمتى امتنعت من فراشه أو خرجت من منزله بغير إذنه أو امتنعت من الانتقال معه إلى مسكن مثلها أو من السفر معه فلا نفقة لها ولا سكنى في قول عامة أهل العلم منهم الشعبي وحماد ومالك والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وأبو ثور" (المغني لابن قدامة المقدسي 9/296، مسألة 6533).

رابعاً: أن الأحناف الذين أخذ القانون بمذهبهم قد عللوا عدم إدخالهم امتناع الزوجة من الفراش بعلّة؛ فقالوا: "قَالَ (وَإِنْ امْتَنَعَتْ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا ) إنْ امْتَنَعَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الِامْتِنَاعُ بِحَقٍّ مِثْلَ أَنْ تَطْلُبَ الْمَهْرَ الْمُعَجَّلَ أَوْ لَا ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِهَا ، فَمُطَالَبَةُ أَحَدِهِمَا لَا يُسْقِطُ الْآخَرَ ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهِيَ نَاشِزَةٌ لِأَنَّ النَّاشِزَةَ هِيَ الْخَارِجَةُ مِنْ مَنْزِلِ الزَّوْجِ الْمَانِعَةُ مِنْهُ نَفْسَهَا وَهَذِهِ كَذَلِكَ ، وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْخَارِجَةِ مِنْ مَنْزِلِ الزَّوْجِ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ سَاكِنَةً مَعَهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الزَّوْجَ يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا فَلَا تَبْطُلُ النَّفَقَةُ ، فَإِنْ كَانَ الْمَنْزِلُ مِلْكًا لَهَا وَهُوَ يَسْكُنُ مَعَهَا فِيهِ فَمَنَعَتْهُ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِهِ" ( العناية شرح الهداية للبابرتي، كتاب الطلاق، باب النفقة).
فعللوا عدم إدخالهم امتناع الزوجة من الفراش ضمن النشوز لأن الزوج يستطيع أن يأخذ ذلك منها مادامت في بيته طوعاً من زوجته أو كرهاً منها. فنقول: هل يُقبل هذا الأمر في زماننا؟!، فكثير من الأزواج لا تسمح له كرامته بذلك، ثم قد يُؤدي الإكراه إلى الضرب غير المبرح، فلو رفعت زوجة قضية شقاق ونزاع بحجة أن زوجها يُكرهها على الجماع جبراً وأن في هذا إيذاءً حسياً أو معنوياً لها، فهل سيعتبر مشروع القانون أن هذا مسوغاً مشروعاً لقبول الشقاق والنزاع؟، الظاهر من تصرف المقننين أن هذا المسوغ مقبول لديهم، وأنهم يمنعون الرجل من هذا التصرف.

اختلف تعريف المدهوش في المشروع الجديد (المادة (86)، الفقرة (ب)) عن القانون الجاري، وتساهل في وضع ضابطه وحدِّه، مع أن الجمهور عرفوا المدهوش على نحو ما جاء في القانون النافذ. فقد قال الرملي: "المراد بالمدهوش مَن ذهب عقله من ذَهل أو وَلَه"، وكذا جاء تعريفه في درر الحكام شرح مجلة الأحكام، وقال في حاشية "رد المختار": "وأفتى به الخير الرملي فيمن طلق وهو مغتاظ مدهوش؛ لأن الدهش من أقسام الجنون".
وهذا الذي يُؤيده قول النبي r: (لا طلاق في إغلاق) رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد بسند حسن، والإغلاق هو انغلاق العقل وذهابه.
وكأن القانون قد تساهل في حد المدهوش مراعاةً للأُسرة وحفاظاً عليها من الانفكاك والضياع، وهذا المقصد حسن وجيد، إلا أن التساهل في مثل ذلك يقود إلى النتيجة العكسية من تسيب بعض الرجال من أجل ذلك وانفلاتهم في أمر الطلاق لعلمهم أن القانون لا يُوقعه، إذ صرنا نسمع بعضهم يقول لمن حلف على زوجته بالطلاق: اذهب إلى المفتي فتُطعم عشرة مساكين وينتهي الأمر؛ يُكني عن أن المفتي سيعدها يميناً لا طلاقاً.
والسياسة الشرعية التي سلكها عمر بن الخطاب t في ذلك معلومة؛ من إنفاذه طلاق الثلاث وإمضائه على من تلفظ به، ونحن وإن كنا لا ندعو لما رآه عمر t، إلا أننا نقصد أن السياسة الشرعية تقتضي منع الناس من التسيب.
ومشروع القانون بذلك لا يُريد أن يُوقع طلاق الغضبان، وفي ذلك يقول ابن السيد: "لو كان كذلك لم يقع على أحد طلاق لأن أحداً لا يُطلق حتى يغضب".

نصَّ مشروع القانون على أن الطلاق المضاف إلى المستقبل لا يقع مطلقاً من غير تفصيل (المادة (87)، الفقرة (ب))، كما نصَّ على أن الطلاق المعلق بشرط صحيح واقع مطلقاً من غير تفصيل (المادة (88)، الفقرة (أ))، ثم نصَّ على أن الطلاق غير المنجز إذا قصد به الحمل على فعل شيءٍ أو تركه لا يقع (المادة (87)، الفقرة (أ))، ففرَّق في الطلاق غير المنجز وفصَّل، مع أن الطلاق غير المنجز لا يخرج عن أن يكون أحد الطلاقين السابقين؛ إذ هو ما عُلِّق على شرط أو ما أُضيف إلى الزمن المستقبل.

يحسن إعادة صياغة المادة (118)، الفقرة (أ)؛ إذ المراد منها غير ظاهر، فتكون: "تطليق القاضي لعدم الإنفاق يقع رجعياً إذا كان بعد الدخول ما لم يكن مكملاً للثلاث، أما إذا كان قبل الدخول فيقع بائناً".
بالنسبة للمادة (119) يحسن إضافة قيد "بلا عذر مقبول"؛ لتكون: "إذا أثبتت الزوجة غياب زوجها عنها سنة فأكثر بلا عذر مقبول وكان معلوم محل..."، لأنه قد يكون الزوج غائباً عنها تلك المدة برضاها، فيلزم حينها أن يُبدي الزوج العذر لقبول غيابه تلك المدة.
مع العلم أن القانون الجاري قد نصَّ على هذا القيد وذكره في المادة (123).

عالج القانون موضوع التفريق للشقاق والنزاع في مادتيه (126) و(127)، واعتمد في علاجه لهذا الموضوع على أن الأمر يُرفع إلى القاضي، ثم إذا ثبتت الدعوى وأصر المدعي على دعواه رُفع الأمر للحكمين للإصلاح.
والأصل في قانون الأحوال الشخصية أن يسعى إلى التزاوج والتناكح وأن يُقلل الطلاق والفرقة بين الزوجين قدر الإمكان.
والناظر في قضايا الشقاق والنزاع في واقعها التطبيقي في المحاكم الشرعية يستبعد الإصلاح بين الزوجين إذا رُفع الأمر للحكمين؛ لأن كلاً من الزوجين قد فضح ستر الآخر، وانتشرت العورات على الملأ، واستُدعي الشهود، فبلغت الخصومة كل مبلغ. فيصل الأمر إلى الحكمين والصدور قد أُوغرت، والشحناء والبغضاء والكراهية قد بلغت كل مبلغ.
من أجل ذلك؛ فلعل الأنسب أن يُرفع الأمر عند تقديم الدعوى إلى جهة للإصلاح ترتئيها المحكمة أولاً، لمحاولة الإصلاح، فإن عجزت عن الإصلاح ورأت ثبوت الشقاق والنزاع واستفحال الأمر بين الزوجين وصعوبة بقائهما تحت مظلة الزوجية رفعت الأمر إلى القاضي، فيأخذ القاضي إجراءاته، ثم يرد الأمر إلى الحكمين لتحديد المخطئ، ونسبة الخطأ على كل من الزوجين.
وهذا الأمر يقع في بعض الدول الإسلامية كسوريا. فحري أن يأخذ به القانون رأباً لصدع الحياة الزوجية.

أطلقت المادة (126) الضرر الذي يحق لأحد الزوجين بسببه المطالبة بالتفريق للشقاق والنزاع، فجعلت الضرر إما حسياً كالإيذاء بالفعل أو بالقول، وإما معنوياً؛ مع قيد تعذر استمرار الحياة الزوجية.
فأضافت الإيذاء المعنوي؛ إذ لم يرد هذا القيد في القانون النافذ في مادته (132).
ومع ملاحظة أن القانون قد ذكر قيد تعذر استمرار الحياة الزوجية إلا أن الإيذاء المعنوي لا ضابط له ولا حدّ يحده؛ بخلاف الإيذاء بالفعل أو بالقول، وهو بهذا يفتح الباب لأي من الزوجين في إنهاء الحياة الزوجية مع إمكانية بقائها واستدامتها. وذلك لأن قيد تعذر استمرار الحياة الزوجية أمر نسبي غير منضبط، فالخلافات التي يرى البعض الحياة معها متعذرة، لا يراها بعضهم الآخر كذلك.
وكما ذكرنا سابقاً فإن الأصل في قانون الأحوال الشخصية تكثير الزواج وتقليل التفريق بين الزوجين قدر الإمكان، هذا كله من جانب.
ومن جانبٍ آخر، فستختلف وجهات نظر القضاة إليه بين قاضٍ وآخر؛ فما يراه قاضٍ إيذاءً معنوياً لا يراه آخر كذلك؛ لكونه غير مضبوط، فتتباين الأحكام القضائية في ذات القضية بين قاضٍ وآخر.

فرّق مشروع القانون في المادة (126) الفقرة (1و2) في دعوى الشقاق والنزاع بين الزوج والزوجة؛ مِن غير وجهٍ للتفريق بينهما؟، إذ أعطى المشروع القاضي حق التحقق من وجود الشقاق دون حاجة إلى البينات؛ هذا في حق الزوجة. أما الزوج فطلب منه شهادة التسامع.
وشهادة التسامع أشق كما هو معلوم من التحقق من وجود الشقاق، هذا أولاً.
وأما ثانياً، فقد علّلت دائرة قاضي القضاة –على موقعها على الشبكة العنكبوتية- هذا التفريق بأنه يتعذر على الزوجة في كثيرٍ من الأحيان إثبات الشقاق والنزاع لكون الحوادث تكون بين الزوجين ولا يطلع عليها أحد، فيتعذر عليها إحضار الشهود لإثبات دعواها.
وهذا التعليل غريب أن يصدر من مثل هذه الدائرة المرموقة، ألا يحق لنا أن نتساءل فنقول: ألا تتحقق ذات العلة –مِن تعذر إحضار الشهود- مع الزوج، فيتعذر عليه إحضار الشهود لإثبات دعواه؛ لكونه يسعى إلى الستر وعدم الفضيحة، فلا يطلع عليها أحد؟!، فلِمَ التفريق إذن والعلة مشتركة بينهما؟!.
ثم إن مشروع القانون يفتح بذلك باب شر على الأُسرة والأولاد، وذلك لأن الحياة لا تصفو من الأكدار، والخلاف وقع في بيت رسول الله r مع زوجاته. فبمجرد دعوى وقوع الشقاق من الزوجة يتم إنهاء الحياة الزوجية بناءً على هذا المشروع من غير وجود بيِّنة، هذا كله من جانب.
ومن جانبٍ آخر؛ فلِمَ لم يُفصل مشروع القانون في مسوغات الشقاق والنزاع ومبرراته المعتبرة لإنهاء الحياة الزوجية والتي تُسمع معها الدعوى؟، فهو إذ تراخى في جانب لزمه أن يُوضح حينها ويُفصِّل حتى لا تكون الحياة الزوجية ريشة في مهب الريح.

نصّ مشروع القانون في المادة (126) الفقرة (5) على أنه إذا ثبت للحكمين أن الإساءة كلها من الزوجة فإنها تُلزم بدفع عوض لا يزيد على المهر وتوابعه، في حين أن القانون النافذ ينص على أن العوض لا يقل عن المهر وتوابعه.
وهذا فيه حيف وهضم لحق الزوج وإهمال للآثار النفسية والاجتماعية وضياع الأولاد بسبب إساءة الزوجة، ولزومها التعويض ليس المالي فحسب، بل التعويض عن إفساد الأولاد وضياعهم بالطلاق والفرقة بين الزوجين.
وقد علّلت دائرة قاضي القضاة –على موقعها على الشبكة العنكبوتية- هذا التوجه لأن ذلك يُحمل الزوجة أعباءً مالية كبيرة نتيجة مبالغة بعض المحكمين في تقديرها، فرُؤي أنه من العدالة أن لا يزيد العوض عن المهر وتوابعه.
وهذا الكلام عليه ملاحظات:
أولاً: ما الضير أن يتحمل كل مخطئ نتيجة أخطائه؛ خاصةً إذا كانت هذه الأخطاء يعود أثرها ويتعدى إلى غيره، ويتضرر غيره بها، سواء كان المخطئ زوجاً أو زوجة.
فالقانون قد جعل للمرأة الحق أن ترفع قضية تُطالب فيها بالتعويض المالي بعد تطليق الزوج لها طلاقاً تعسفياً للضرر المترتب عليها اجتماعياً بسبب الطلاق. فالقانون قد نظر هنا إلى أن الزوج قد وقع منه تعسف في استعمال الحق أدى إلى الإضرار بالآخرين، فأعطى للزوجة الحق أن تُطالب الزوج في التعويض بسبب هذا الضرر الذي وقع عليها بسببه.
وكذا الحال ينبغي أن يكون هنا، فالقانون أهمل بهذه المادة أي أثر وضرر قد أحدثته الزوجة على الزوج والأولاد بسبب إساءتها، وهذا عين الظلم والجور.
ثانياً: أليس الحكمان هما من تختارهما المحكمة الموقر؟، أليس الشرط في الحكمين أن يكونا ثقتان عدلان خبيران بواقع القضايا والمحاكم؟. أليس في ذلك تشكيك في المحكمة التي تنتدب من يُبالغ في التقدير فيظلم الزوجة؟، مع العلم أن أكثر واقع المحاكم أن الحكمين هما محاميان شرعيان من أهل الخبرة والدراية في شؤون المحاكم الشرعية؟.

أجاز المشروع التفريق للعقم الذي أُعطي للزوجة دون الزوج في المادة (136) رفعاً للضرر عنها واستجابة لغريزة الأُمومة. ولم يُعط هذا الحق للزوج لإمكانه الزواج من أُخرى طلباً للولد ودفعاً للضرر عن نفسه.
فالمشروع قد فرَّق لأن الزوج بإمكانه أن يُعدِّد طلباً للولد، ولكن إذا كان الزوج عاجزاً مالياً عن فتح بيتين، فكيف يُحقق غريزة الأُبوة عنده؟!. ومن المعلوم أن كثيراً من الرجال خصوصاً في الأوضاع المعيشية الصعبة التي نعيشها عاجزون عن ذلك.
فيحسن بالقانون أن يُجيز للزوج ذلك بقيد ثبوت إعساره وعدم يساره.

حصرت المادة (157) الفقرة (ب) ثبوت نسب المولود لأبيه بفراش الزوجية أو بالإقرار أو بالبينة أو بالوسائل العلمية الحديثة القطعية مع اقترانها بالفراش.
وقد وضحت دائرة قاضي القضاة –على موقعها على الشبكة العنكبوتية- ذلك؛ فقالت: "كما نص المشروع على وسائل إثبات نسب المولود لأبيه وحصرها بأربع وهي الفراش أو الإقرار أو البينة وهي موطن اتفاق بين الفقهاء في الجملة، وأما الرابعة فهي الوسائل العلمية الحديثة القطعية مع اقترانها بالفراش".
فإذن يثبت النسب للأب بواحدة من هذه الأربعة، إلا الأخيرة فإنه لا بد من اقترانها بالفراش.
وعلى هذا ملاحظتان:
الأولى: بالنسبة للإقرار، فمِن صوره: أن يُقر الزاني بأن هذا الولد منه. فالقانون حينها يُلحقه به.
ولم يُبين القانون ما إذا تعارض الإقرار مع الفراش؛ فأيهما يُقدم؟، بمعنى: أن القانون لم يُفرق بين إقرار الزاني بالنسب وأُم الولد على فراش الزوجية وبين إقراره وأُم الولد ليس لها فراش الزوجية.
بل أطلق القانون ثبوت النسب في كل ذلك. وادعى مقننوه أنه موطن اتفاق بين الفقهاء في الجملة.
ولتحقيق كلام الفقهاء ننظم الكلام في حالتين:
الحالة الأولى: إقرار الزاني بالنسب وأُم الولد على فراش الزوجية:
ففي هذه الحالة أجمع أهل العلم على أنه يُنسب للفراش، وقد حكى الإجماع السرخسي من الحنفية وابن عبد البر وأبو الوليد الباجي من المالكية وابن مفلح وابن القيم وابن قدامة من الحنابلة وغيرهم.
الحالة الثانية: إقرار الزاني بالنسب وأُم الولد ليس لها فراش زوجية:
ففي هذه الحالة ذهب جمهور العلماء من المذاهب الأربعة، والظاهرية، وغيرهم إلى أنه لا يُلحق ولد الزنا بالزاني. ولم يُخالفهم في ذلك إلا قلة من العلماء.
فلا أدري بعد ذلك أين موطن الاتفاق بين الفقهاء في الجملة؟!.
وأما بالنسبة لمستند جمهور أهل العلم فجملة من الأحاديث لا يُعلم لها مخالف من حديث رسول الله r:
ما روا البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي فَاقْبِضْهُ قَالَتْ فَلَمَّا كَانَ عَامَ الْفَتْحِ أَخَذَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَقَالَ ابْنُ أَخِي قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ فَقَامَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ أَخِي ، وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَتَسَاوَقَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللهِ ابْنُ أَخِي كَانَ قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ فَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ أَخِي ، وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم احْتَجِبِي مِنْهُ لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ)، وفي رواية: (فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى شَبَهِهِ فَرَأَى شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ فَقَالَ هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ).
فعتبة بن أبي وقاص قد أقرَّ بالنسب مع ما اقترن بذلك من الشبه البيِّن به –الذي جعل النبي r يأمر سودة بالاحتجاب عنه مع أنه حكم أنه من محارمها-.
ووجه الاستدلال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يجعل ولداً لغير الفراش كما لم يجعل للعاهر سوى الحجر - وهو الخيبة والحرمان -، وإلحاق ولد الزنا بالزاني إلحاق للولد بغير الفراش ، ومخالفة لحرمان العاهر. وهذا الحديث دليل في المسألة إن كانت الأُم فراشاً.
ما رواه عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي اللَّه عنهما أنه لما فتحت مكة على عهد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، قام رجل فقال إن فلاناً ابني عاهرت بأُمه في الجاهلية فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : (لا دعوة في الإسلام ذهب أمر الجاهلية ، الولد للفراش وللعاهر الأثلب ) ، قالوا وما الأثلب قال : ( الحجر ).
وجه الاستدلال : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنكر استلحاق ولد الزنا وعده من أمور الجاهلية ولم يستفسر عن حال الولد : هل هو على فراش أم لا . فهذا الحديث عام سواء كانت الأُم فراشاً أم لا.
عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا مساعاة في الإسلام من ساعى في الجاهلية فقد لحق بعصبته ، ومن ادعى ولداً من غير رشدة فلا يرث ولا يورث ).
وجه الاستدلال : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ألغى المساعاة في الإسلام : ( وهي الزنا عموماً). ثم إنه بيّن - صلى الله عليه وسلم - حكم ادعاء ولد الزنا أنه لا يرث ولا يورث ، والإرث من لوازم النسب فيدل على أنه لا يلحق بالمدعي ولم يفصِّل في كون الأم فراشاً أو عدمه بل هو عام ؛ لأن الشرط من ألفاظ العموم .
عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي اللَّه عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في ولد الزنا : "وإن كان من أَمَةٍ لا يملكها أو من حرة عاهر بها فإنه لا يلحق به ولا يرث، وإن كان الذي يدعى له هو ادعاه فهو ولد زِنْيَة من حرَّة كان أو أمة" ، وفي رواية : "وهو ولد زنا لأهل أُمِّهِ من كانوا؛ حرَّةً أو أمة ".
الملاحظة الثانية: بالنسبة للبينة، لم يُفصل القانون فيها، فهل الشَّبه والقيافة منها؟.

تم رفع سن الحضانة للأُم إلى (15) عاماً، وللأُنثى إلى (18) عاماً إذا رأى القاضي ذلك في المادة (173).
والحق يُقال: الهدف في الحضانة مصلحة الولد، ومصلحة الولد بالتربية والإشراف والمتابعة تكون للأب أكثر بعد سن التمييز، وقد حقق هذه المسألة وأطال الكلام فيها شيخ الإسلام ابن تيمية، وخاصة في الأُنثى، فليُنظر غير مأمور: "الفتاوى المصرية" له (ص: 597-621).

أجازت المادة (175) سفر الحاضنة أو الولي بالمحضون إلى بلد داخل المملكة، واستثنت من ذلك إذا ما كان لهذا السفر تأثير على رجحان مصلحة المحضون، وهذا جيد. إلا أنه يحسن أن يُضاف قيد آخر؛ وهو ما لم تصعب المشاهدة والرؤية والاستزارة، فإن صعبت يمنع سفر المحضون ويُسلم للطرف الآخر.

ألزم مشروع القانون الأب الموسر بنفقة تعليم أولاده من السنة التمهيدية قبل الصف الأول وإلى أول شهادة جامعية في المادة (190)، والذي يُلاحظ على هذه المادة أنه قد ذُكرت نفقة التعليم في القانون النافذ في المادة (169)، ونصت على يسار الأب كما نصت عليه هذه المادة في المشروع الجديد، إلا أنه عند تطبيق هذه المادة في المحاكم الشرعية فإنهم لا ينظرون إلى قيد اليسار المذكور في المادة، فإذا طالب الولد بنفقة تعليم وثبت إعسار الأب عن دفع نفقة التعليم وخاصة الجامعية فإن الأب يُسجن ثلاثة شهور، ثم يخرج، ثم يُعاد سجنه ثلاثة شهور في السنة الآتية إذا جدد الولد المطالبة بالنفقة، وكذا يُفعل به في السنة الثالثة.
وهذا الفعل يقطع أواصر الأُبوة والبنوة بين الأب وابنه، فكيف يُظن بقاء هذا الرابط المقدس -ألا وهو: الأبوة- بعد أن يُحبس الأب من قبل ابنه.
فالواجب نظر القضاة إلى قيد اليسار، ثم أن لا يقع الحبس للأب بحال من الأحوال، وإنما إذا ثبت إعسار الأب يُرجع بالنفقة على من يلزمه نفقته بعد الأب، على أن تكون ديناً على الأب.
فوَّضت المادة (250) المدة التي يُحكم فيها بموت المفقود الذي لا يغلب على الظن هلاكه إلى القاضي، ويحسن أن يُضاف لذلك قيد آخر؛ وهو أن لا تقل المدة عن أربع سنين من تاريخ فقده، وذلك لأن المادة (249) نصت على أن المفقود في جهة معلومة ويغلب على الظن موته يُحكم بموته بعد مرور أربع سنين، وهذا في حق من غلب على الظن موته، فكان المفقود الذي لا يغلب على الظن هلاكه أولى بزيادة المدة ليُحكم فيها بوفاته.

ارتضى القانون في المادة (282) الفقرة (ب) رأي من قال بوراثة المسلم للمرتد مع مخالفته الصريحة لقول النبي r فيما رواه البخاري ومسلم: (لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلاَ يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ)، والمرتد كافر بلا خلاف، فيدخل في عموم قوله r. وقوله r: (لاَ يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى)، والمرتد انتقل إلى ملةٍ غير ملة الإسلام، فكان الحكم عدم التوارث بينه وبين المسلمين، هذا أولاً.
وأما ثانياً، فإن رأى مقننو القانون اعتماد هذا الرأي ورضوا به، فإنه يحسن أن يُضيفوا إلى نص المادة: "ولا يرث المرتد المسلم"؛ فتكون المادة: "يرث المسلم المرتد، ولا يرث المرتد المسلم" لإطباق الأُمة على أن المرتد لا يرث أحداً، وفي هذا يقول ابن قدامة: "لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في أن المرتد لا يرث أحداً. وهذا قول مالك والشافعي، وأصحاب الرأي، ولا نعلم عن غيرهم خلافهم؛ وذلك لأنه لا يرث مسلماً، لقول النبي r...".
فالقانون إن نصّ على أنه يرث المسلم المرتد، إلا أنه سكت عن وراثة المرتد للمسلم، فكان حقه أن ينص عليها بما اتفقت عليه آراء الفقهاء.
هذه أهم الملاحظات، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

نائل أبو محمد
10-02-2010, 02:29 PM
http://ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=223244
ملاحظات على قانون الأحوال الشخصية الأردني الجديد
هذه ملاحظات على قانون الأحوال الشخصية الأردني كتبها بعض طلبة العلم بأسلوب علمي بعيد عن المهاترة والتجريح

ـــــــــــــــ
رد: ملاحظات على قانون الأحوال الشخصية الأردني الجديد
حبذا لو يوصلها أحد الأخوة لسماحة الشيخ د. أحمد هليل ،،

حتى يكون للبحث فائدة على أرض الواقع ، ولا يكون حبيس أجهزة الحاسوب !!

نائل أبو محمد
10-04-2010, 12:23 PM
الاثنين 26 شوال 1431

نائل أبو محمد
12-05-2010, 02:26 PM
الأحد 29 ذو الحجة 1431