المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل نمتلك مشروعاً حضارياً..؟ (3-أ)


محمود الترك
10-09-2010, 04:16 PM
]بسم الله الرحمن الرحيم

هل نمتلك مشروعاً حضارياً..؟ (3-أ)

3- اما الجزيرة العربية - فكانت هناك اشتات من القبائل المتناحرة والمتقاتلة والمتنافرة يغزو بعضها بعضاً ومع ان هناك العديد من الحضارات القديمة التي نشأت في ارض الجزيره وتخومها ورغم ان العرب ما قبل الاسلام قد عاصروا الفرس والروم والحضارة الهندية والصينية وكانت بعض القبائل تتبع هذه الحضارة او تلك الا ان عرب الجزيرة لم يتأثروا بتلك الحضارات القديمة والمعاصرة لهم في ذلك الزمان ولم يرتقوا فكانوا يغطون في جاهلية جهلاء كانت الوثنية دينهم وديدنهم ويُنصب لها في الكعبة ثلاثمائة وستون وثناً لكل قبيلة وثنها ومعبودها المقدس تقطع القبائل الفيافي والصحاري والقفار تضرب اكباد الابل تنشده وتطلبه وتشد الرحال اليه من اقاصي شبه الجزيرة العربيه الى مكة عاصمة الوثنية الاولى بلا منازع وبيت الله المحرم آخر ما ماتبقى من آثار دين الخليل ابراهيم عليه السلام (هذا البيت الذي استهدفه ابرهة الحبشي غيرة وحسداً وطمعاً ناشداً العلو في الارض ليحوّل الناس الى قليسه حتى يحوز هو وحده هذا المجد الوثني) حيث الاوثان و الانصاب والقرابين والتقاسم بالازلام وكانت قريش سيدة العرب بلا منازع و تتيه فخراً وعجباً وطرباً انّ بيدها السقاية والرفادة والحجابة ويُعد موسم الحج موسم تجاري من اعظم المواسم وهناك تعقد اسواق عكاظ والمجنة وذوالمجاز التي يتبارى فيها الشعراء والحكماء وكان لأهل الجاهلية احكام فى الانعام منها السائبة والبحيرة والحامي وكان الرق والتبني والنسيئه والخمر الربا وضروب من الاباحية تسود المجتمع
حتى بعث الله فيهم رسولاً منهم يعلمهم الكتاب والحكمة رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) فنادى بالتوحيد و نبذ الاوثان ودعى الى اخلاص العبودية لله وحده فآمن من قومه من آمن وكفر من كفر وخاصم من خاصم وفجر من فجر فكانت دعوة الاسلام على النقيض من حياة الجاهليه ناسفةً لمعتقداتهم وتعدد آلهتهم وكل تصورات الجاهلية وممارساتها وتقاليدها وتتخطى كل خطوطهم الحمراء وتعصف بكل كبريائهم ومجدهم الوثني و تهدد سيادة قريش للعرب وعزها ومجدها وشرفها وتأتي على كل مفاسدهم من القواعد , فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) القلة من اصحابه رضوان الله عليهم وجمعهم في دار (الأرقم ابن أبي الأرقم, رضي الله عنه) يرسخ فيهم الايمان ويصيغهم صياغة جديده ويصهرهم ويتلوا عليهم القرآن المكي ومصارع الامم والشعوب البائدة و البائسة والمعاندة فترسخ في وجدانهم فكرة
ما آل اليه قوم عاد وثمود وفرعون وهامان وقوم نوح ومدين و قوم لوط من عذاب الخزي في الدنيا والآخرة بسبب جحودهم لالوهية الله وحاكميته للبشر وربوبيته للعالمين ورفضهم العبودية المطلقة الخالصة له وحده عز وجل والدينونة للواحد الاحد والقوامة لهذا الدين والكفر بالطواغيت الحجرية منها و البشرية وربوبيتها للبشر واعلان قيام سلطان الله في الارض فكان شعار الوحي الالهي المرفوع عبر التاريخ اما -التوحيد والعباده واما عذاب الهون والابادة حتى لو كان ذلك لاغلب عموم البشرية كمهلك قوم نوح عليه السلام بالطوفان حيث اكتفى رب العالمين بحمولة سفينه بناها نبي واحد عانى خذلان زوجته وابنه وما آمن معه الا قليل - عمل الرسول (صلى الله عليه وسلم ) على بناء النفسية والعقلية و الشخصية في جيل الصحابة فكانوا مؤمنين بحق و ربانيين بامتياز ادركوا عظم هذا الامر مبكراً متدبرين قصص القرآن التي يراها البعض ادبية مكرورة للتسلي فيما علا الشيب مفرق رسولنا الكريم لهول (قصص سورة هود اشفاقاًعلى قومه من مصرع يحاكي مصارع الامم ) وتدبر الصحابة الكون مع رسولهم الكريم فأدركوا عظمة البناء وجلال وجبروت الباني وثقل رسالة التوحيد التي قام عليها وبسببها هذا البناء الهائل الذي هوقائمٌ و يمضي في حالة انتظار لما تؤول اليه فترة الاختبار والامتحان المقررة للعالمين بالاسلام على هذا الكوكب حتى تقوم وبعدئذٍ أهوال يشيب لها الولدان تتبدل فيها الارض وتُسجّر البحار و تمورالجبال وتطوى السموات السبع كطي السجل وتتناثر نجومها وكواكبها ذلك اوان انقضاء ابتلائنا بهذا الاسلام الاختبار العظيم لاهل الارض ( لنبلوكم ايكم احسن عملا) والحكم بين الناس بالقسط .
لقد امضى الرسول (صلى الله عليه وسلم) في الفترة المكية قرابة ثلاثة عشر سنة يدعو الى التوحيد كمصدر اساسي وحيد للتوجيه يركز مفهوم الحاكمية العليا لله عز وجل والكفر بالطاغوت خاطب الاصدقاء المقربين والاهل والعشيرة والمجتمع وكل الناس ,
ومن ثم لجأ الى سادة القبائل وكبرائها يدعوا ويعرض دعوته ويطلب النصرة له ولدينه ولاصحابه فعرف بعض رجالات القبائل انه سيكون هناك شأن عظيم لهذا الدين فطلبوا ان يكون لهم الامر من بعد رسول لله(صلى الله عليه وسلم) واحست بعض القبائل بخطر هذه الدعوة على حلفها مع الفرس وادرك احد الاعراب بفراسته حقيقة هذا الدين بقوله للرسول (صلى الله عليه وسلم) (ستقاتلك العرب والعجم) وقال آخر (هذا دين تهابه الملوك) ويقول عتبة ابن ربيعة اتركوا محمدا وشأنه فأن ظهر على العرب فان عزه من عزكم وان نالت منه العرب فقد كُفيتموه ولكن سيكون لكلامه هذا شأن عظيم ويتحدث صاحب حرب احدى القبائل قائلاً لو اخذت هذا الفتى من قريش لاكلت به العرب , ويخاطب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قريشاً هل ادلكم على كلمة تقودوا بها العرب وتدين لكم بها العجم أن تشهدوا (انّ لااله الا الله وانّ محمداً رسول الله)
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هذه الايام لماذا فهم الأولى من العرب ولاول وهلة معنى التوحيد وخطورته على الفرس والروم والعرب والعجم و كيف لكلمة ان تغير وتقلب موازين القوى في المنطقة وتنهي واحدة من اعظم الامبراطوريات وتقصي الاخرى وتلاحقها في عقر دارها,
فهل التوحيد هو مجرد كلمة نحن قائلوها هذه الايام والسلام ام له مدلولاته العقدية والعملية في ارض الواقع
لقد اجمع العرب الاوائل من مسلمين ومشركين بأن توحيدنا هو عقيدة سياسية ونحن في هذا العصر مازال البعض ينكر بل ويرجئ مسألة تسييس الدين ويرى انها من نوافل القول . . هذه هي العقيدة التي حملها المسلمون فقادوا بها العرب ودانت لهم العجم وعاشت دولة الاسلام ما يربوا على الالف سنة سادة للبشرية وملوكاً في الارض ودولة توحيد أولى في زمانها بلا منازع حتى اضحى النظام الدولي في زمانها احادي القطب .
ولكن ماهي ملامح حضارتنا الاسلامية وكيف نهض سالف هذه الامة بالاسلام ...؟ يقول عز وجل ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ ) ان من بديهيات ديننا ان كتاب ربنا وسنة نبينا تجيب على كل تساؤلاتنا المعيشية ما كان منها وما هو كائن وما سيكون مستقبلاً ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) امرنا الله جل وعلا ان نتدبر في خلق السموات والارض لندرك انه تعالى قد تجلى بكل صفاته العلا في احكام صنع وتدبير هذا الكون كما تجلى بهذا الدين على عباده فكان مُحكما يدبر كل نواحي حياتنا يصيغها ويصبغها بصبغة ربانية لامثيل لها على وجه الارض فكان نظامنا السياسي والاجتماعي والاقتصادي يُعلي من انسانية الانسان وكرامته وآدميته ويعمل على استقامة حياتنا كما استقامت حركة النجوم والكواكب فاذا كان تعريف الحضارة (هي مجموعة المفاهيم التي تضبط ايقاع الحياة البشرية بكل تفاصيلها ) فان مفاهيمنا احكام ربانية تسير بنا نحو حياة مثلى وان نهضتنا هي ارتقاؤنا الفكري بالوحي السماوي الذي تتصاغر امامه كل حضارات الارض .
عمل رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) على دعوة الافراد والجماعات والقبائل والمجتمعات لبناء قاعدة شعبية وجماهيرية تحتضن الدعوة وحامليها وتؤمن بها وتنصهر بها وتنصرها عن طريق ايجاد رأي عام ناتج عن وعي عام هذا ما حصل في المدينة المنوره على يد مصعب بن عمير رضي الله عنه خريج مدرسة النبوة في دار الارقم ابن ابي الارقم حيث قدم بسادة القوم وكبرائهم ومن يمثلهم بعد ان ترسخ الاسلام قناعات ومقاييس ومفاهيم تحركهم جاؤوا يبايعون بيعة الدم والموت والحرب بعد ان صهرهم بالعقيدة ومن هنا تشكلت نواة دولة الاسلام الاولى من قوم علموا ان الاسلام استسلام وخضوع وطاعة ,وان العبودية عبادة و تذلل وانقياد وقبول لاحكام الله بتسليم ودون حرج وان الدين ان ندين لله باطاعته في كل ما امر فبايعوا على السمع والطاعة في المنشط والمكره والا ينازعوا الامر اهله وان يقولوا الحق في الله و ألايخشوا لومة لائم وان يدافعوا عن الرسول ويمنعوه مما يمنعون منه انفسهم وابناءهم ونساءهم وان يحاربوا لاجله الابيض والاحمر من الناس حتى لواستهلكت الحرب اموالهم واشرافهم واخرج الانصار بامر من الرسول اثني عشر نقيباً كانوا الكفلاء على قومهم لتنفيذ بنود البيعة فكانت دعوة رسولنا (صلى الله عليه وسلم) ومنذ فجر الدعوة تعمل على بناء امة وصياغتها بالتوحيد فأول ورشة بناء للانسان اذا جاز لي التعبير كانت دار الارقم بن ابي الارقم ومن ثم عملية البناء الضخمة والعمل الهائل الذي نفذه سيدنا مصعب ابن عمير فكان البناء العقدي قد تم والنسيج الايماني قد انجز والنسيج الثقافي قد صهر وصاغ امة بلون موحد وصبغها بصبغة ربانية هي الاسلام .
يتبع