المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ محمد حسين من المسجد الأقصى بتاريخ 16/8/2002 وفق 7 جمادي الثاني 1423 هجري


admin
05-12-2009, 04:31 PM
تاريخ الخطبة: 7 جماد ثاني 1422 الموافق ل 16/8/2002م
عنوان الخطبة: بين يدي عام دراسي جديد
الموضوع الرئيسي: العلم والدعوة والجهاد, موضوعات عامة
الموضوع الفرعي: التربية والتزكية, جرائم وحوادث
اسم الخطيب: محمد أحمد حسين

ملخص الخطبة
1- كلمة في استقبال العام الدراسي الجديد. 2- الغاية في تحصيل العلم وتعلمه. 3- دور المجتمع في حراسة العملية التربوية. 4- قصة لقمان مع ابنه ونموذج التربية الإيمانية. 5- دعوة للنهوض بالمسيرة التربوية. 6- ذكرى حرق اليهود للمسجد الأقصى.

الخطبة الأولى
أما بعد:
فيقول الله تعالى في محكم كتابه العزيز: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبّكَ ٱلَّذِى خَلَقَ http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif خَلَقَ ٱلإِنسَـٰنَ مِنْ عَلَقٍ http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif عَلَّمَ ٱلإِنسَـٰنَ مَا لَمْ يَعْلَمْhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [العلق:1- 5].
أيها المسلمون، أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، يقف أبناؤنا الطلاب في هذه الأيام على أعتاب عام دراسي جديد، إذ يتوجهون بعد أيام قليلة إلى مدارسهم ويلتحقون بجامعاتهم للانخراط في طلب العلم في عام جديد من الدرس والتحصيل والاستزادة من العلم الذي ينفعهم في دينهم ودنياهم، فقد حث إسلامنا الحنيف على طلب العلم، وحسب العلم شرفاً أن تكون أول سورة من القرآن الكريم المنزل على قلب رسولنا الأكرم http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif تحث على القراءة والكتابة والعلم، وهما من أهم الوسائل الموصلة إلى المعرفة والثقافة وتكوين العلوم وحفظ المعارف المختلفة، وقد بينت الآيات الكريمة أن الغاية من العمل وطلبه هو الإيمان بالخالق سبحانه وتعالى: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبّكَ ٱلَّذِى خَلَقَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [العلق:1]، وبهذا تتضح غاية العملية التربوية والتعليمية التي أرادها الإسلام لأبناء المسلمين، بل لكل بني البشر، فالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة تربط طلب العلم بغاية نبيلة وهدف، هو الإيمان بالخالق جل علاه.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، إن المسيرة التعليمية تحتاج إلى تضافر كل الجهود المخلصة لإنجاحها وتقدمها واستمرارها، فلا تقع المسئولية على عاتق الهيئات التدريسية وحدها، هذه الهيئات التي تعمل مشكورة بتفانٍ والتزام _ في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها وطننا الغالي _ على انتظام العام الدراسي الجديد، بل يشاركها المسئولية البيت والمجتمع وكل من له علاقة بعملية التربية والتعليم، إذ لا تقوم المجتمعات المتقدمة إلا على أسس العلم والاستفادة من طاقات العلماء.
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، لقد أدرك سلفنا الصالح غايات المنهاج التربوي، فعملوا على تحقيقها وتطبيقها في حياتهم، فنشأ أبناؤهم على الإيمان القوي والعلم النافع والعمل الصالح والقيم الفاضلة، لقد طبقوا التوجيه التربوي في آيات القرآن الكريم على أنفسهم وأبنائهم، ومن ذلك ما حكاه القرآن الكريم عن لقمان الحكيم، وهو يعظ ولده http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يٰبُنَىَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ بِوٰلِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ أَنِ ٱشْكُرْ لِى وَلِوٰلِدَيْكَ إِلَىَّ ٱلْمَصِيرُ http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif وَإِن جَـٰهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَـٰحِبْهُمَا فِى ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَىَّ ثُمَّ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif يٰبُنَىَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِى صَخْرَةٍ أَوْ فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ أَوْ فِى ٱلأرْضِ يَأْتِ بِهَا ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif يٰبُنَىَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ وَأْمُرْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱنْهَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلاْمُورِ http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif وَلاَ تُصَعّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِى ٱلأرْضِ مَرَحاً إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [لقمان:13_18]، وفي الحديث الشريف عن النبي http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif قال: ((ما نحل والدٌ ولداً أفضل من خلق حسن)).
إن هذه النصوص الكريمة تأسس لمنهاج تربوي شامل يجدر بكل المربين أن يطبقوه، وهم يباشرون عملية التربية والتعليم لأبناء هذه الأمة، فأول معالم هذا المنهاج التركيز على تثبيت العقيدة والتوحيد في نفوس الأبناء: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifيٰبُنَىَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif، وثانيها: العبادات بمعناها الواسع حيث شحن النفس بطاقات الإيمان والصبر ومراقبة الله بالسر والعلن http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifيٰبُنَىَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif، إذ من أقام الصلاة التزم بسائر الطاعات، وثالثها: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي قاعدة شاملة لكل أنواع الخير، والبعد عن أسباب الشر والفساد، ورابعها: التحلي بمكارم الأخلاق والرفض القاطع لكل مظاهر التكبر والتجهر والفجور http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَلاَ تَمْشِ فِى ٱلأرْضِ مَرَحاً إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [لقمان:18].
على هذا المنهاج العظيم نشّأ سلفنا الصالح أبناءهم، فكانوا سادة الدنيا وقادتها في جميع ميادين العلم والفضل والمعرفة، ولقد أصاب القائل:
وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه
ما دان الفتى بحجي ولكن يعوده التديـن أقربوه
أيها المسلمون، أيها المربون والمعلمون، إن مسئولية تربية الأجيال وتوعيتهم وإزالة الغشاوة عن قلوبهم وعقولهم تقع عليكم، فنوروا عقولهم بالمعارف الإسلامية، وبثوا في نفوسهم الأمل بمستقبل هذه الأمة، احرصوا على التزام الأبناء بالإسلام ديناً ودولة، وبالقرآن دستوراً ينظم الحياة والأحياء، وبالثقافة الإسلامية روحاً وفكراً، وبدعوة الإسلام حركة وجهاداً، بينوا أن الإسلام مصحف وبندقية ومحراب وقيادة، وهو الدين الذي له ملكة الشمول والخلود والبقاء للزمن المتحضر والحياة المتطورة، ابعثوا هذه القيم فكراً حياً في عقول وقلوب الأبناء الطلاب حتى ينشأ على حب الإسلام ومكارم الأخلاق ويحملوا مشعل الهداية لصياغة مستقبل الأمة على أسس العلم والتقوى والعزة والوحدة، الذي طالما افتقدته الأمة منذ زمن بعيد، وراح الكافر المستعمر يقطع أوصال الأمة وينفرد بشعوبها وينهب خيراتها ويملي إرادته عليها، وينفذ مخططاته في السيطرة على مقدراتها كما هو جارٍ في دنيا العروبة والإسلام في أيامنا هذه، مع أننا نملك من أسباب القوة وعوامل الوحدة ما يجعل أمتنا في مقدمة ركب الأمم، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَكَذٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًاhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [البقرة:143]، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [المنافقون:8]. فاعتبروا يا أولي الألباب، وادعوا الله، وأنتم موقنون بالإجابة.
الحمد لله الهادي إلى الصراط المستقيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن اقتدى واهتدى بهداه إلى يوم الدين، وبعد:
أيها المسلمون، إن النهوض بالعميلة التربوية والتعليمية مسؤولية خاصة وعامة، تبدأ في البيت والمدرسة والجامع والجامعة، فاحرصوا على التصدي لكل المظاهر السلبية التي تتفشى بين الطلاب وتفتك بقيمهم وأخلاقهم وثقافتهم، فلا تفسحوا للتسيب مجالاً ولا تسمحوا للأفكار الوافدة أن تسيطر على أذهان الجيل، اكشفوا لهم عن المخططات المعادية التي تستهدف تدمير الأبناء ونشر الانحلال من خلال المخدرات والإسقاط في براثن الفساد والمفسدين، ليكون الأبناء بعد هذا لقمة سائغة للمستعمر الطامع لأرضكم ومقدراتكم، إذ كيف يمكن للمرابطين أن يصمدوا في أرضهم إن لم يكونوا محصنين بالتقوى وقوة الإيمان وحسن الخلق والوعي والمعرفة؟ فالأخلاق حصن منيع لا يمكن لعوائد الدهر اقتحامه، وإن ما يدعو للأسف في هذه الديار المباركة ويؤلم كل نفس أبية أن نرى الرذيلة قد زحفت على مواقع الفضيلة، فاختلت القيم الإيمانية والاجتماعية، فبدا من كان يذود عن الشرف بالأمس يلاحق بالسوء اليوم لتشيع الفاحشة التي تهيأت أسبابها من الاختلاط الفاضح وتبرج فاق تبرج الجاهلية الأولى وتشبه الرجال بالنساء وتشبهت النساء بالرجال، فكثرت المترجلات وازداد المتخنثون، وحلت الميوعة مكان الرجولة وغابت المروءة والنخوة، فأصبحت ترى شباباً يجوبون شوارع وأزقة المدينة المقدسة، همهم التعرض لبنات شعبهم، وكأنهم ليسوا من أبناء الشعب الذي يقع على عاتقهم حماية أخلاق وقيم وشرف هذا الشعب، هذا الشعب الصابر المرابط المكافح، فهلا نهض المربون بمسؤولياتهم وأدركوا أن أجيال الأمة أمانة في أعناقهم، فهم يحملون أشرف رسالة تقود إلى أنبل غاية اطلع بها العظماء من المربين والفضلاء من المعلمين الذين وهبوا - وما زالوا يهبون - حياتهم في سبيل نهضة أمتهم وبعث حضارتهم، أما آن الأوان لأن تنفض الأمة غبار التخلف والهزيمة والضياع لتأخذ بزمام العودة الصادقة إلى الإسلام، منهاج حياة يعيد للبشرية المنكوبة كرامتها وإنسانيتها.
إننا ندعو كل مسئول إلى بذل المزيد من الجهد والعطاء في سبيل نجاح مسيرة العلم وتأمين كل الوسائل اللازمة التي تهيؤ جو العطاء للمعلم والطالب والمربي والناشئ، واعلموا أيها الناس أن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع.
اللهم أعنا على أداء الأمانة وارزقنا الإخلاص في القول والعمل إنك سميع مجيب.



الخطبة الثانية
أيها المسلمون بعد أيام قلائل تحل علينا ذكرى مشؤومة، إنها ذكرى الحريق المشؤوم للمسجد الأقصى المبارك، ففي الحادي والعشرين من آب لعام 1969امتدت يد الغدر والعدوان إلى هذا المسجد الأقصى المبارك، فأشعلت فيه نار الحقد والكراهية للإسلام والمسلمين، وقد أتى ذاك الحريق المشؤوم على منبر العزة والكرامة الذي نصبه القائد المحرر للقدس، صلاحُ الدين الأيوبي رحمه الله في هذا المكان الطاهر، ولكن العناية الإلهية ثم هبّة المسلمين في هذه الديار المباركة الذين يرابطون ويفتدون المسجد الأقصى بمهجهم وأرواحهم فوتت أهداف العدوان وردت كيد المعتدين إلى نحورهم.
ولكن أيها الإخوة، ما زالت يد العدوان تثير الفوضى وتثير الكراهية وتبث الخراب والدمار في أنحاء هذه المدينة المقدسة للوصول إلى تهويدها والنيل من المسجد الأقصى المبارك.
أيها الإخوة المسلمون، بصبركم وثباتكم وشرفكم الذي منحكم الله إياه بأن تكونوا سندة للمسجد الأقصى المبارك وحراساً أوفياء له نستطيع بإذن الله وقوته أن نفوت كل أطماع الطامعين ونحافظ على المسجد الأقصى عامراً بالإسلام والمسلمين وعلى مدينة القدس مدينة عربية إسلامية شامخة تتحدى الخطوب، والنصر قريب بإذن الله سبحانه وتعالى، وما ذلك بعزيز على أمةٍ القرآنُ دستورها والرسول قائدها، وسبحانه وتعالى ربها ومؤيدها.