المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقتطفات من كتيب"حماة اللغة العربية"


سليم
06-04-2009, 09:49 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حماة اللغة العربية

الفهرس:


1.المقدمة


2.العرب من هم؟


*العرب والعروبة


*أمية العرب وأمية الرسول عليه الصلاة والسلام


*اللغة واللسان


3.البلاغة والقرآن


*لا سجع ولا شعر في القرآن


*البلاغة والتحدي والإعجاز


4.النحو والإعراب


*نشأة النحو


*ضرورة الإعراب



5.مشاهير النحو


6.مشاهير البلاغة


7.حماة اللغة العربية:


*الله سبحانه وتعالى..."القرآن الكريم"


*سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام


*الخليفة علي بن أبي طالب


*الأدباء والشعراء
الكاتب:سليم إسحق الحشيم

سليم
06-04-2009, 09:51 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتهالمقدمةالحمد لله رب العالمين, خلق الإنسان وجعله من الناطقين, وعلّمه البيان والبلاغة وأنزل القرآن بلسان عربي مبين, والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين وأفصح من نطق بالضاد وأبلغ الناس أجمعين, سيدنا محمد بن عبدالله الرسول العربي الأمي الأمين.
لم تلق لغة من لغات الشعوب إهتمامًا من ناطقيها ومحبيها أو من أعدائها أكثر من لغة العرب, اللغة العربية التي نزل بها القرآن وبلّغ الله عز وجل عبادَه أحكامَه ودينه الحنيف الدين الإسلامي, وأصبحت لغة أمة عريقة بنت حضارتها على أسس روحية خالدة عطفت على رعاياها بلغة سامية بليغة فريدة الأسلوب والنظم, معجزة ومتحدية أرباب اللغة العربية من عرب ومن عجم, فبهرت الثقلين ببديع لسانها وعلو كعبها, ولذا عكف العلماء الجهابذة على بيان ما في القرآن من ضروب الإعجاز ووجوه البيان, وأساليب العربية, فكان ما خلفوة ثروة فكرية وأدبية لم تحظها لغة أخرى غير العربية, فصنفوا في إعجاز القرآن وبلاغته, وتشبيهاته, ومعانيه, وإعرابه وغريبه, ومجازه, وأمثاله, وقراءاته, وأسباب النزول والناسخ والمنسوخ, ولم يخل عصر من علماء شرحوا وأضافوا وبينوا علوم القرآن, ومنهم من تصدى لما أتى الحاقدون من شبهات وترهات للنيل من بلاغة القرآن الكريم.

نائل أبو محمد
06-04-2009, 09:57 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حماة اللغة العربية

*أمية العرب وأمية الرسول عليه الصلاة والسلام

الكاتب:سليم إسحق الحشيم


الخميس 11 جمادى الثانية 1430

جزاك الله خيراً ..
حتماً أنك ستواصل العرض بفضل الله وتوفيقه ..
وللتذكير العام لنا ولك ..
نحن بشوق للقراءة عن
فصل :

ـ أمية الرسول ( صل الله عليه وسلم )
وخاصة لمقارنتها مع من سبق وبحث الموضوع .

سليم
06-05-2009, 01:07 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتهالعرب والعروبةإن من إكتمال نصاب معرفة لغة العرب معرفة العرب أنفسهم وسجاياهم, وخاصة القبيلة التي أنجبت خير وِلد آدم النبي الأمي محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم).
العرب عرق وجنس من أجناس البشرية الذين سكنوا الأرض كغيرهم من الأجناس ولهم خصائص ومميزات ومعالم انتروبولوجيه (بشرية) ولغة تخاطب خاصة وأهم هذه الخصائص والمميزات (الشجاعة والكرم والصبر على تحمل الشدائد, ولسان بليغ فصيح دقيق التعبير), ولهذا السبب اختارهم الله لحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم أجمع.
العرب: عند سماع هذه الكلمة يتبادر للذهن الصحراء والقفار والفيافي وحرقة الشمس والرمال, وقد أطلق هذا اللفظ منذ أقدم العصور على جزيرة العرب، كما أطلق على قوم قَطَنُوا تلك الأرض واتخذوها موطناً لهم‏.‏
وجزيرة العرب يحدها غربًا البحر الأحمر وشبه جزيرة سيناء، وشرقًا الخليج العربي وجزء من بلاد العراق الجنوبية، وجنوبًا بحر العرب الذي هو امتداد لبحر الهند، وشمالًا بلاد الشام وجزء من بلاد العراق، على اختلاف في بعض هذه الحدود، وتقدر مساحتها ما بين مليون ميل مربع إلى مليون وثلاثمائة ألف ميل مربع، ولأجل هذا الوضع الجغرافي كان شمال الجزيرة وجنوبها موئلًا للأمم، ومركزًا لتبادل التجارة، والثقافة، والديانة، والفنون.
وكلمة عرب تعني لغة: فَصُح بعد لُكْنَةٍ. وفي الحديث: (أَنَّ رجُلا أَتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إِنَّ ابن أخي عَرِبَ بطنُه. فقال: اسقِهِ عَسلًاً),(عَرُبَ) - عُرُوبًا، وعُرُوبةً، وعَرَابةً، وعُرُوبيَّة. فصُحَ. ويقال: عَرُبَ لسانُهُ. (أَعْرَبَ) فلانٌ: كان فصيحًا في العربيّة وإِن لم يكن من العَربِ. و- الكلامَ: بيَّنَهُ. و- أتى به وَفْقَ قواعِد النحو. و- طبَّق عليه قواعد النحو. و- بمرادِه: أَفْصَح به ولم يوارب. و- عن حاجتِهِ: أَبانَ. و- الاسمَ الأعجميَّ: نطَق به على منهاجِ العَرَب. ولم تكن تسمية العرب عربًا عبثًا, بل لأنهم أفصح الناس لسانًا وأبلغهم بيانًا وأوسعهم تعبيرًا وأوجزهم لفظًا.

أقسام العرب
فقد قسمها المؤرخون إلى ثلاثة أقسام؛ بحسب السلالات التي ينحدرون منها‏:‏
1ـ العرب البائدة‏:‏ وهم العرب القدامى الذين انقرضوا تمامًا ولم يمكن الحصول على تفاصيل كافية عن تاريخهم، مثل‏:‏ عاد، وثمود، وطَسْم، وجَدِيس، وعِمْلاق، وأُمَيْم، وجُرْهُم، وحَضُور، ووَبـَـار، وعَبِيل، وجاسم، وحَضْرَمَوت، وغيرها‏.‏
2ـ العرب العاربة‏:‏ وهم العرب المنحدرة من صلب يَشْجُب بن يَعْرُب بن قَحْطان، وتسمى بالعرب القحطانية‏.‏
3ـ العرب المستعربة‏:‏ وهي العرب المنحدرة من صلب إسماعيل عليه السلام، وتسمى بالعرب العدنانية‏,بعد ان استقر اسماعيل عليه السلام في الجزيرة واختلط مع العرب العاربة وتزاوجهم.
أما العرب العاربة ـ وهي شعب قحطان ـ فمَهْدُها بلاد اليمن، وقد تشعبت قبائلها وبطونها من ولد سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان‏.‏ فاشتهرت منها قبيلتان‏:‏ حِمْيَر بن سبأ، وكَهْلان بن سبأ، وأما بقية بنى سبأ ـ وهـم أحـد عشـر أو أربعة عشـر بطنًا ـ فيقال لهم‏:‏ السبئيون، وليست لهم قبائل دون سبأ‏.
وأما العرب المستعربة، فأصل جدهم الأعلى ـ وهو سيدنا إبراهيم عليه السلام ـ من بلاد العراق، من مدينة يقال لها‏:‏ ‏[‏أر‏]‏ على الشاطئ الغربي من نهر الفرات، بالقرب من الكوفة، وقد جاءت الحفريات والتنقيبات بتفاصيل واسعة عن هذه المدينة، وعن أسرة إبراهيم عليه السلام، وعن الأحوال الدينية والاجتماعية في تلك البلاد‏.‏ ومعلوم أن إبراهيم عليه السلام هاجر منها إلى حاران أو حَرَّان، ومنها إلى فلسطين، فاتخذها قاعدة لدعوته، وكانت له جولات في أرجائها وأرجاء غيرها من البلاد، وفي إحدى هذه الجولات أتى إبراهيم عليه السلام على جبار من الجبابرة، ومعه زوجته سارة، وكانت من أحسن النساء، فأراد ذلك الجبار أن يكيد بها، ولكن سارة دعت الله تعالى عليه فرد الله كيده في نحره، وعرف الظالم أن سارة امرأة صالحة ذات مرتبة عالية عند الله، فأخدمها هاجر اعترافًا بفضلها، أو خوفًا من عذاب الله، ووهبتها سارة لإبراهيم عليه السلام‏.‏ ثم رزقه الله تعالى من هاجر ابنه إسماعيل، حتى جاء أمر الله وهاجرت هاجر مع ولدهـا الرضيـع ـ إسماعيل ـ فقدم بهما إبراهيم عليه السلام إلى الحجاز، وأسكنهما بواد غير ذي زرع عند بيت الله المحرم الذي لم يكن آنذاك إلا مرتفعًا من الأرض كالرابية، تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله، فوضعهما عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضع عندهما جرابا فيه تمر، وسقاء فيه ماء، ورجع إلى فلسطين، ولم تمض أيام حتى نفد الزاد والماء، وهناك تفجرت بئر زمزم بفضل الله، فصارت لهما قوتا وبلاغًا إلى حين‏. وجاءت قبيلة يمانية ـ وهي جُرْهُم الثانية ـ فقطنت مكة بإذن من أم إسماعيل‏.‏ يقال‏:‏ إنهم كانوا قبل ذلك في الأودية التي بأطراف مكة، وقد صرحت رواية البخاري أنهم نزلوا مكة بعد إسماعيل، وقبل أن يشب، وأنهم كانوا يمرون بهذا الوادى قبل ذلك‏.‏ فقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم أنه أرى إبراهيم في المنام أنه يذبح إسماعيل، فقام بامتثال هذا الأمر‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (http://al-msjd-alaqsa.com/quran/ay037103.htm) * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (http://al-msjd-alaqsa.com/quran/ay037104.htm)* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (http://al-msjd-alaqsa.com/quran/ay037105.htm) * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ (http://al-msjd-alaqsa.com/quran/ay037106.htm) * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ‏ (http://al-msjd-alaqsa.com/quran/ay037107.htm)}‏ ‏[‏الصافات37: ‏103-107‏]‏. إن اسماعيل عليه السلام لما شبّ وتعلم العربية من جُرْهُم، وأعجبهم فزوجوه امرأة منهم، وماتت أمـه، وبدا لإبراهيم أن يطالع تركته، فجاء بعد هذا الزواج، فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه وعن أحوالهما، فشكت إليه ضيق العيش فأوصاها أن تقول لإسماعيل أن يغير عتبة بابه، وفهم إسماعيل ما أراد أبوه، فطلق امرأته تلك وتزوج امرأة أخرى ‏[‏وهي ابنة مُضَاض بن عمرو، كبير جرهم وسيدهم على قول الأكثر‏]‏‏.‏ وجاء إبراهيم عليه السلام مرة أخرى بعد أن تزوج إسماعيل هذه الزوجة الثانية، فلم يجده فرجع إلى فلسطين بعد أن سأل زوجه عنه وعن أحوالهما، فأثنت على الله بخير، فأوصى إلى إسماعيل أن يُثَبِّتَ عَتَبَة بابه.‏ وقد رزق الله إسماعيل من ابنة مُضَاض اثنى عشر ولدًا ذكرًا، وهم‏:‏ نابت أو نبايوط، وقَيْدار، وأدبائيل، ومِِبْشام، ومِشْماع، ودوما، ومِيشا، وحدد، وتيما، ويَطُور، ونَفيس، وقَيْدُمان‏. وتشعبت من هؤلاء اثنتا عشرة قبيلة، سكنت كلها في مكة مدة من الزمان، وكانت معيشتهم إذ ذاك التجارة من بلاد اليمن إلى بلاد الشام ومصر، ثم انتشرت هذه القبائل في أرجاء الجزيرة بل وإلى خارجها، ثم أدرجت أحوالهم في غياهب الزمان، وأما قيدار بن إسماعيل فلم يزل أبناؤه بمكة، يتناسلون هناك حتى كان منه عدنان وولده مَعَدّ، ومنه حفظت العرب العدنانية أنسابها‏.‏ وعدنان هو الجد الحادى والعشرون في سلسة النسب النبوى، وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا انتسب فبلغ عدنان يمسك ويقول‏:‏ ‏(‏كذب النسابون‏)‏، فلا يتجاوزه، وذهب جمع من العلماء إلى جواز رفع النسب فوق عدنان؛ مضعفين للحديث المشار إليه، ولكنهم اختلفوا في هذا الجزء من النسب اختلافا لا يمكن الجمع بين أقوالهم، وقد مال المحقق الكبير العلامة القاضى محمد سليمان المنصورفورى ـ رحمه الله ـ إلى ترجيح ما ذكره ابن سعد ـ والذي ذكره الطبرى والمسعودى وغيرهما في جملة الأقوال ـ وهو أن بين عدنان وبين إبراهيم عليه السلام أربعين أبا بالتحقيق الدقيق‏. وقد تفرقت بطون مَعَدّ من ولده نَزَار ـ قيل‏:‏ لم يكن لمعد ولد غيره ـ فكان لنزار أربعة أولاد، تشعبت منهم أربعة قبائل عظيمة‏:‏ إياد وأنمار وربيعة ومُضَر، وتشعبت قبائل مضر إلى شعبتين عظيمتين‏:‏ قَيْس عَيْلان بن مضر، وبطون إلياس ابن مضر، فمن قيس عيلان‏:‏ بنو سليم، وبنو هوازن، وبنو ثقيف، وبنو صَعْصَعَة، وبنو غَطَفان‏.‏ ومن غطفان‏:‏ عَبْس، وذُبْيان، وأشْجَع، وأعْصُر‏.‏ ومن إلياس بن مُضَر‏:‏ تميم بن مرة، وهُذَيْل بن مُدرِكة، وبنو أسد بن خزيمة، وبطون كنانة بن خزيمة، ومن كنانة قريش، وهم أولاد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة‏. وانقسمت قريش إلى قبائل شتى، من أشهرها‏:‏ جُمَح وسَهْم وعَدِىّ ومخزوم وتَيْم وزُهْرَة، وبطون قُصَىّ بن كلاب، وهي‏:‏ عبد الدار بن قصى، وأسد بن عبد العزى بن قصى، وعبد مناف بن قصى‏.‏ وكان من عبد مناف أربع فصائل‏:‏ عبد شمس، ونَوْفَل، والمطلب، وهاشم، وبيت هاشم هو الذي اصطفي الله منه سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن الله اصطفي من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفي من ولد إسماعيل بنى كنانة، واصطفي من بنى كنانة قريشًا، واصطفي من قريش بنى هاشم، واصطفانى من بنى هاشم‏)‏‏.‏ وعن العباس بن عبد المطلب قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن الله خلق الخلق فجعلني من خير فرقهم وخير الفريقين، ثم تخير القبائل، فجعلني من خير القبيلة، ثم تخير البيوت، فجعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفسًا وخيرهم بيتًا‏).

سليم
06-05-2009, 11:49 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أمية العرب وأمية الرسول عليه الصلاة والسلام:
لقد تناقلت الأخبار عن العرب ما قبل الاسلام بأنهم كانواجهلة لا يعرفون الكتابة والقراءة وأنهم كانوابعيدين عن كل مدنية او حضارة آنذاك,والحق أن العرب كانواعلى علم ومعرفة بالحرف والكتابة والفلك والتاريخ,إلا أنهم كانوافعلاً في جاهلية دينية ولم يكن لهم كتاب سماوي,وكانت اليهود والنصارى _وخاصةاليهود_ يعتبرونهم من الغوييم أي الأميين _الذين لا كتاب سماوي عندهم.
والدليل على أنهم كانوا يعرفون الحرف والكتابة والتدوين,الأثار التي وجدت ومنها الشعرالمكتوب على قبر ملك الشعر إمرئ القيس,وأسواق الشعر _كعكاظ وذي المجنة وغيرها,والمعلقات التي دونت وكتبت بماء الذهب ,الأحلاف والعهود التي كانوايعقدوها ويبرموها ومآثرهم في الغزو والسبي والقتال فيما بينهم,وقد برع كثير منهم ,فهذا أمية بن أبي الصلت وورقة بن نوفل ,وكذلك كتبة الوحي بعد البعثة وطلب الرسول عليه الصلاة والسلام من أسرى بدر تعليم أبناءالمسلمين...فهذا كله يدل على أنه كان منهم من يجيد الكتابة والقراءة,فهم لم يكونوا أميين بالكلية,وكانوا على معرفة بالفلك والحساب ,وهم لم ينكروا على القرآن عندما ذكر النجوم في قوله تعالى:" فَلَاأُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ *الْجَوَارِ الْكُنَّس",وقوله تعالى:" وَالسَّمَاء وَالطَّارِقِ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ *النَّجْمُ الثَّاقِبُ",فهم كانوا يعرفون النجوم وأسماءها ومواقعها,وكانوا يهتدون بها في ترحالهم وتجارتهم ,وكانوا يعرفون الحساب والسنين,والأيام والشهور والفصول ,فالله سبحانه وتعالى يقول :" إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ".واما موضوع الأمية ومعناها في القرآن فإليك التفصيل:
لقد وردت لفظة أُمي في القرآن الكريم في ستة مواقع وهي:
1."وَمِنْهُم أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الكِتابَ إِلاَّ أَمَانيَّ وَأَنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ"سورة البقرة/ 78.
2."الَّذينَ يَتَّبعُونَ الرَّسُولَ النَّبيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوراةِوالإِنجِيلِ"سورة الأعراف/ 157
3."فَأَمِنُوابِاللهِ وَرَسُولهِ النَّبِّي الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلمَاتِهِ وَاتَّبعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" سورة الأعراف/ 158.
4."فَإنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمتُ وَجْهِيَ للهِوَمَنِ اتَّبعَنِ وَقُل للَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ وَالأُمِّيِّينَ أأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلمُوا فَقَدِ اهْتدَوا وَّإِن تَولَّوا فَإِنَّمَا عَليْكَ البَلاغُواللهُ بَصيرٌ بِالعِبَادِ"سورة آل عمران/ 20.
5."ذَلكَ بِأَنَّهُم قَالُوا لَيْسَ عَليْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ"سورة آل عمران/ 75.
6."هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاًمِّنْهُم يَتْلُوا عَلَيْهَم آيَاتهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَوَالحِكمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ"سورة جمعة/ 2.
قال الاصفهاني:"والأمي: هو الذي لا يكتب ولا يقرأ من كتاب",وقالايضًا:"الأمية: الغفلة والجهالة، فالأمي منه، وذلك هو قلة المعرفة"..قال الفراء: همالعربالذين لم يكن لهم كتاب,قيل: منسوب إلى الأمةالذين لم يكتبوا، لكونه على عادتهم كقولك: عامي، لكونه على عادة العامة، وقيل: سميبذلك لأنه لم يكن يكتب ولا يقرأ من كتاب، وذلك فضيلة له لاستغنائه بحفظه، واعتماده على ضمان الله منه بقوله: "سنقرئك فلا تنسى"[الأعلى/6].
وقيل: سمي بذلك إلى أم القرى.
من الواجب ملاحظتة ان الآيات التي تذكر النبي محمد عليه الصلاةوالسلام وتصفه بأنه أُمي فإن معناه هنا هو الذي لا يجيد الكتابة ولا القراءة,وذلك أنه عليه الصلاة والسلام كان أُميًا لا يعرف الكتابة ولا القراءة بشهادة القرآن حيث يقول الله تعالى:"وَمَا كُنتَ تَتْلُوا مِن قَبْلهِ مِنكِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَميِنكَ إِذاً لاَّرْتَابَالمُبْطِلُونَ"العنكبوت/48.
واما الآيات التي تذكرالعرب بوصفهم أميين...فهذايحمل على معنى أن لا كتاب سماوي كان لهم,ولأن الآيات تبين الفرق بين العرب واليهود والنصارى أهل الكتاب.
فمثلاً في سورةالبقرة:"وَمِنْهُم أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الكِتابَ إِلاَّ أَمَانيَّ وَأَنْهُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ",فالمقصود بالأميين هنا هم اليهود ,قال الزمخشري:"وَمِنْهُمْ أُمّيُّونَ " لا يحسنون الكتب فيطالعوا التوراة ويتحققوا مافيها. { لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَـٰبَ } التوراة { إِلاَّ أَمَانِىَّ } إلا ما هم عليه من أمانيهم، وأن الله يعفو عنهم ويرحمهم ولا يؤاخذهم بخطاياهم، وأن آباءهمالأنبياء يشفعون لهم وما تمنيهم أحبارهم من أن النار لا تمسهم إلا أياماً معدودة".وقال الرازي:"اعلم أن المراد بقوله: { وَمِنْهُمْ أُمّيُّونَ } اليهود لأنه تعالى لما وصفهم بالعناد وأزال الطمع عن إيمانهم بين فرقهم، فالفرقة الأولى هي الفرقة الضالة المضلة، وهم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه. والفرقة الثانية: المنافقون، والفرقة الثالثة: الذين يجادلون المنافقين، والفرقة الرابعة: هم المذكورون في هذه الآية وهم العامة الأميون الذين لا معرفة عندهم بقراءة ولا كتابة وطريقتهم التقليد وقبول ما يقال لهم، فبين الله تعالى أن الذين يمتنعون عن قبول الإيمان ليس سبب ذلك الامتناع واحداً بل لكل قسم منهم سبب آخر ومن تأمل ما ذكرهالله تعالى في هذه الآية من شرح فرق اليهود وجد ذلك بعينه في فرق هذه الأمة، فإن فيهم من يعاند الحق ويسعى في إضلال الغير وفيهم من يكون متوسطاً، وفيهم من يكون عامياً محضاً مقلد",واما إبن عاشور فقد قال:"والمعنى كيف تطمعون أن يؤمنوا لكم وقدكان فريق منهم محرفين وفريق جهلة وإذا انتفى إيمان أهل العلم منهم المظنون بهم تطلب الحق المنجي والاهتداء إلى التفرقة بينه وبين الباطل فكانوا يحرفون الدين ويكابرون فيما يسمعون من معجزة القرآن في الإخبار عن أسرار دينهم فكيف تطمعون أيضاً في إيمان الفريق الأميين الذين هم أبعد عن معرفة الحق وألهى عن تطلبه وأضل في التفرقة بينالحق والباطل وأجدر بالاقتداء بأئمتهم وعلمائهم فالفريق الأول هم الماضون. وعلى هذا فجملة { ومنهم أميون } معطوفة على جملة { وقد كان فريق منهم } إلخ باعتبار كونها معادلاً لها من جهة ما تضمنته من كونها حالة فريق منهم وهذه حالة فريق آخر".اهـ

أمية الرسول عليه الصلاة والسلام:

مسألة أُثيرت في السابق وتُثارالآن ألا وهي مسألة معرفة النبي عليه الصلاة والسلام القراءة والكتابة ,وقد قرأت عدة مقالات لكل من الطرفين (مؤيد ومعارض)...والحجة التي يراها المعارضون لأمية النبي ويدورون حولها هي كيف يكون النبي عليه السلام أميًا ففي هذه منقصة وعيب...والحق أن الأمية في حق سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام شرفًا وتعظيمًا ورفعة وفي حق غيره عيب ونقصان.
والأميّة وصف خص الله به من رسله محمداً، إتماماً للإعجاز العلمي العقلي الذي أيده الله به، فجعل الأمية وصفاً ذاتياً له، ليتم بها وصفه الذاتي وهوالرسالة، ليظهر أن كماله النفساني كمالٌ لدُنّي إلهي، لا واسطة فيه للأسباب المتعارفة للكمالات، وبذلك كانت الأمية وصف كمال فيه، مع أنها في غيره وصف نقصان،لأنه لمّا حصل له من المعرفة وسداد العقل ما لا يحتمل الخطأ في كل نواحي معرفةالكمالات الحق، وكان على يقين من علمه، وبينة من أمره، ما هو أعظم مما حصل للمتعلمين، صارت أميته آية على كون ما حصل له إنّما هو من فيوضات إلهية.
وقبل خوض غمار هذا الموضوع من الواجب بيان معنى الأمي ونعت قوم بها أوأفراد...
وهذا ملخص ما جاء في المعاجم من معنى لفظة أمي:
1.الأمي: الذي لا يعرف الكتابة والقراءة، قيل هو منسوب إلى الأم أي هو أشبه بأمه منه بأبيه، لأن النساء في العرب ما كُنّ يعرفن القراءة والكتابة، وما تعلمْنها إلاّ في الإسلام، فصار تعلم القراءة والكتابة من شعار الحرائر دون الإماء كما قال عُبيْد الراعي، وهو إسلامي:أما الرجال ففيهم من يقرأ ويكتب.
2. منسوب إلى الأمّة أي الذي حاله حال معظم الأمة، أي الأمة المعهودة عندهم وهي العربية، وكانوا في الجاهلية لايعرف منهم القراءة والكتابة إلاّ النادر منهم، ولذلك يصفهم أهلُ الكتاب بالأُمييّن،لما حكى الله تعالى عنهم في قوله: "ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأُميين سبيل" آل عمران ,75.
3.ومن معانيها:العَيُّ الجِلف الجافي القليل الكلام .
4.ومن معانيها على أطلاق الجمع:الأمة التي لم ينزل عليها كتاب من عند الله,واليهود اطلقوها على العرب لعدم نزول كتاب سماوي عليهم.
هذه هي معاني الأمي والأميين.
والآيات التي جاءت في القرآن الكريم وورد هذا النعت على صنفين:الأول بصيغة الجمع ,والثاني بصيغة المفرد وفي حق سيدنا محمد عليه الصلاةوالسلام.
الآيات من الصنف الأول:
1."فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْالْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْوَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌبِالْعِبَادِ",آل عمران20.
2."وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِمَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً ذَلِكَبِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَعَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ "آل عمران 75.
3."هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُوعَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَوَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ "لجمعة2.
هذه هي الآيات التي وردت فيها صفة الأميين على الجمع...ومعنى أميين هنا هو القوم الذي لا كتاب سماوي له ولم ينزل عليهم كتب من عند الله,لأنه ليس من العقل أن نصف قومًا بالأمية بمعنى عدم القراءة والكتابة,كما لايجوز عقلًا أن نصف قومًا أنهم موتى ,فنقول قوم ميت لأنها من الصفات الفردية ,فعند إطلاق مثل هذا الصفات يخصص أو يبعض المقصود كما في قوله تعالى في سورة البقرة:"وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَالْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ ",هنا"وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ " أي بعضهم وليس كلهم وعقب بقوله تعالى مبينًا حالهم" لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ "...قال الرازي:"المسألة الأولى: اختلفوافي الأمي فقال بعضهم هو من لا يقر بكتاب ولا برسول. وقال آخرون: من لا يحسن الكتابةوالقراءة وهذا الثاني أصوب لأن الآية في اليهود وكانوا مقرين بالكتاب والرسول ولأنه عليه الصلاة والسلام قال: " نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " وذلك يدل على هذاالقول، ولأن قوله: { لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَـٰبَ } لا يليق إلا بذلك.
وأما الآيات الوارد فيها لفظ أمي بصيغة المفرد:
1."الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمبِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِوَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُوَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }الأعراف157
2."قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّيرَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِلا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }الأعراف158
في هاتين الآيتين وصف الله سبحانه وتعالى رسولنا الكريم أنه أمي,وهذه صفته أي أمي ومن بعد إستعراض معاني الأمي يتضح لنا أن المقصود من هذه اللفظة في حق سيدنا محمد عليه الصلا ة والسلام هو أنه لا يعرف القراءة ولا الكتابة,فهي صفة ونعت لفرد ويمكن أن تجعل هذه الصفات لفرد لظهورها فيه,فسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام كان أميًا لم يخط بيمينه ولم يقرأ كتابًا.
كما ويلاحظ أن الله سبحانه وتعالى قد كرر ثلاثة صفات في الآيتين: رسول ونبي وأمي,وهذا التكرار ما هو إلا تأكيدًا على أن هذه الصفات فيه,فهو رسول أرسله الله ونبي بعثه الله وأمي لا يعرف القراءة والكتابة.يقول الله تعالى في سورةالعنكبوت:"وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَاتَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ".قال إبن عاشور في تفسيره هذه الآية:"ومعنى: { ما كنت تتلو من قبله من كتاب } أنك لم تكن تقرأ كتاباً حتى يقول أحد: هذا القرآن الذي جاء به هو مما كان يتلوه منقبل.
و { لا تَخُطُّهُ } أي لا تكتب كتاباً ولو كنت لاتتلوه، فالمقصود نفي حالتي التعلم، وهما التعلم بالقراءة والتعلّم بالكتابة استقصاء في تحقيق وصف الأمية فإن الذي يحفظ كتاباً ولا يعرف يكتب لا يُعدّ أمياً كالعلماء العمي، والذي يستطيع أن يكتب ما يُلقى إليه ولا يحفظ علماً لا يُعدّ أمياً مثل النُسَّاخ فبانتفاء التلاوة والخط تحقق وصف الأمية.اهـ
وهذا كلام متين ,فالله سبحانه وتعالى نفى أن يكون رسولنا الكريم قارئًا كما ونفى أن يكون كاتبًا...وفي هذه حجة دامغة على إثبات وتحقق وصف الأمية.
ومن الأدلة التي يستدل بها القائلون بعدم أميته ..قول الله تعالى في سورة العلق:"أقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَٱلَّذِي خَلَقَ "..فيقولون أنه من العبث أن يطلب الله من أحد أن يفعل ما هوليس به...وكلامهم هذا يدل على عدم إلمام بمعنى كلمة إقرأ...قال إبن عاشور:"وافتتاح السورة بكلمة { اقرأ } إيذان بأن رسول الله سيكون قارئاً، أي تالياً كتاباً بعد أن لم يكن قد تلا كتاباً :{ وما كنت تتلوا من قبله منكتاب }[العنكبوت: 48]، أي من قبل نزول القرآن، ولهذا " قال النبي لجبريل حين قال له اقرأ: "ما أنا بقارىء",وفي هذا الافتتاح براعة استهلال للقرآن.
وقوله تعالى: { اقرأ } أمر بالقراءة، والقراءة نطق بكلام معيَّن مكتوبٍ أو محفوظٍ على ظهر قلب.اهـ
ويدل عليه قول الله تعالى:"فإذا قرأت القرآن فاستعذ باللَّه من الشيطان الرجيم ",فليس كل من يقرأ يجب عليه ان يقرأ من الكتاب..بل يمكن أن يقرأ من ذاكرته,ونحن في صلاتنا نقرأ القرآن دون النظر في الكتاب.
ومن استدلالتهم ما ورد في قول رسول الله وجعه يوم الخميس ، فقال : ( ائتوني بكتاب أكتبلكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا ) . فتنازعوا ، ولا ينبغي عند نبي تنازع ، فقالوا : هجر رسول الله ؟ قال : ( دعوني ، فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه ) . وأوصى عندموته بثلاث : ( أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ) . ونسيت الثالثة.
فهذا لا يدل على أنه كتب بيده,فمن عادة الرؤساء أن يقولوا أتونا أكتب لكم قانونًا أو وصية على المجاز أي بأمره أن يكتب كاتبه أوغيره,والله سبحانه وتعالى استعمل هذا الأسلوب, يقول الله تعالى:"وَاكْتُب ْلَنَا فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَقَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍفَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُمبِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ"...هل هنا قام الله عز وجل بكتابة الحسنات أوالملائكة...طبعًا الملائكة...وسياق الحديث من مثاله.
ثم أن زيد بن ثابت قال : فقدت آية من سورة كنت أسمع رسول الله يقرؤها : { من المؤمنين رجالصدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه } [ الأحزاب : 23 ] فالتمستها فوجدتها مع خزيمة بن ثابت أو أبي خزيمة فألحقتها في سورتها . قال الزهري : فاختلفوا يومئذ في التابوت والتابوه ، فقال القرشيون : التابوت وقال زيد : التابوه ، فرفعاختلافهم إلى عثمان فقال : اكتبوه التابوت ، فإنه نزل بلسان قريش ، قال الزهري : فأخبرني عبد الله بن عبد الله عتبة أن عبد الله بن مسعود كره لزيد بن ثابت نسخ المصاحف ، وقال : يا معشر المسلمين ، أعزل عن نسخ كتابة المصاحف ، ويتولاها رجل ،والله لقد أسلمت وإنه لفي صلب رجل كافر يريد زيد بن ثابت ولذلك قال عبد الله بنمسعود : يا أهل القرآن اكتموا المصاحف التي عندكم وغلوها ، فإن الله يقول : { ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة } [ آل عمران : 161 ] فالقوا الله بالمصاحف ، قال الزهري : فبلغني أن ذلك كرهه من مقالة ابن مسعود رجال من أصحاب رسول الله .هنا ظهر الإختلاف في الكتابة,فلو كان سيدنا محمد يعرف القراءةوالكتابة لكان لاحظها او كتبها بصورة صحيحة.

سليم
06-09-2009, 01:44 AM
السلام عليكم
اللغة واللسان:
إن لفظه لغة في اللسان العربي هي الوحيده من بين كل ألسنة العالم "الشاذة" والمستعمله للدلاله على كلام العرب,حيث أن الألفاظ المستعملة للدلالة على الكلام في (اللغات)غير العربية تعني اللسان,وهو ذلك العضو البشري والموجود بين فكيّ الإنسان.
والقرآن الكريم عند ذكره وصف اللغة التي اُُنِزل بها يقول:"بلسان عربي مبين",او"قرأناًعربياً",وغيرها من الآيات,ولم يذكر القرآن لفظة لغة على الاطلاق....لماذا؟
اللغه (لغه):لَغَا - [ل غ و]. (مص. لَغِيَ). 1."تَرَدَّدَاللَّغَا" : الصَّوْتُ. 2."تَكَلَّمَ بِاللَّغَا" : أَيْ مَا لاَ يُعْتَدُّ بِهِوَلاَ يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ مِنْ كَلاَمٍ.
وكذلك:"لَغَا" في القول-ُ لَغْوًا: أَخطأ وقال باطلا. ويقال: لغا فلانٌ لَعْوًا: تكلَّم باللَّغو. ولغا بكذا: تكلَّمَبه . و- عن الصواب، وعن الطريق: مال عنه. و- الشَّيْء: بَطَلَ.

(لَغِيَ) فيالقول-َ لَغًا: لَغَا. و- بالأمر: أُولِع به. و- بالشيء: لزِمه فلم يفارقْه. و- بالماء والشَّرَاب: أَكثر منه وهو مع ذلك لا يَرْوَى. و- الطائرُ بصوته: نَغَمَ.

وفي لسان العرب:اللُّغَة أصوات يعبّر بها كلُّ قومٍ عن أغراضهم . وقيلما جرى على لسان كلّ قومٍ . وقيل الكلام المصطلح عليهِ بين كل قبيلة . وقيل اللفظالموضوع للمعنى,وقيل اشتقاق اللغة من لَغِيَ بالشيءِ أي لهج بهِ,وأصلها لُغْيٌ أولَغْوٌ ( لا لُغْوَة كغُرْفَة خلافًا للمصباح ) فحُذِفت لامها وعُوِّض عنها بالتاءِكما في ثُبَة وبُرَة ولا يبعد أن تكون مأخوذة من لوغوس باليونانية ومعناهاكلمة.
لسان:لَسِنَ لسَناً فهو لَسِنٌ. وقوله عز وجل:" وهذا كتابٌ مُصَدِّقٌ لساناً عربيّاً"؛ أَي مُصَدِّقٌ للتوراة، وعربيّاً منصوب على الحال، المعنى مُصَدِّقٌ عربيّاً، وذكَرَ لساناً توكيداً كما تقول جاءني زيد رجلاً صالحاً، ويجوزأَن يكون لساناً مفعولاً بمصدق، المعنى مصدّق النبي، صلى الله عليه وسلم، أَي مصدق ذا لسان عربي. واللَّسِنُ والمُلَسَّنُ: ما جُعِلَ طَرَفُه كطرف اللسان.اللِّسانُ: جارحة الكلام، وقد يُكْنَى بها عن الكلمة فيؤنث حينئذ.
واللغة:لَغِيَ يَلغَى،لُغةٌ، ولَغا يَلْغُو لَغْواً: تكلم.واللُّغة: اللِّسْنُ، وحَدُّها أَنها أَصوات يُعبِّر بها كل قوم عن أَغراضِهم، وهي فُعْلةٌ من لَغَوْت أَي تكلَّمت.
والفرق بين اللغة واللسان ,اللسان عام ,واللغة خاصة,فاللسان قد يضم اكثر من لغة واحدة,كاللسان العربي فهو يضم لغات القبائل العربية كلها.
عن ابن عباس قال: نزل القرآن عَلَى سبعة أحرُف أَوْ قال بسبعِ لغات، منها خمسٌ بلغة العَجْزِ من هَوازن وهم الذين يقال لهم علُيا هَوازن وهي خمس قبائل أَوْ أربع، منها سَعدُ بن بكروجُشَمُ بن بكر ونَصْر بن مُعاوية وثَقيف.
قال أبو عُبيد: وأحسب أفصَحَ هؤلاءبني سعد بن بكر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أفصَح العَرَب مَيْد أنيمن قريش وأني نشأت فِي بني سعد بن بكر" وَكَانَ مُسْتَرْضَعاً فيهم، وهم الذين قال فيهم أبو عمرو بن العَلاء: أفصح العرب عُليا هَوازِن وسُفْلى تميم.
وعن عبد الله بن مسعود أنه كَانَ يَستَحبُّ أن يكون الذين يكتبون المَصاحف من مُضر.
وقال عمر: لا يُمْلِيَنَّ فِي مَصاحِفِنا إِلاَّ غلمان قريش وثَقيف.
وقال عثمان: اجعلواالمُمليَ من هُذَيل والكاتبَ من ثقيف.
قال أبو عبيد: فهذا مَا جاءَ فِي لغات مُضر وَقَدْ جاءت لغاتٌ لأهل اليَمن فِي القرآن معروفةٌ.
وتقع فِي الكلمات ثلاثلُغات. نحو: "الزُّجاج" و "الزِّجاج" و "الزَّجاج" و "وَشْكانَ ذا" و "وُشْكانَ ذا" و "وِشْكان ذا".
وبما أن القرآن فيه من كلام كل العرب على إختلاف قبائلها وقد اعزى إبن فارس في كتابه الصاحبي في فقة اللغة إختلاف اللغات بين العرب في وجوه:اختلاف لغات العرب من وجوه: أحدها: الاختلاف فِي الحركات كقولنا: "نَستعين" و "نِستعين" بفتح النون وكسرها. قال الفرَّاء: هي مفتوحة فِي لغة قريش، وأسدٌ وغيرهميقولونها بكسر النون.
والوجه الآخر: الاختلاف فِي الحركة والسكون مثل قولهم: "معَكم" و "معْكم" أنشد الفرّاء: ومَنْ يتَّقْ فإنّ الله معْـهُ ورزق الله مُؤْتابٌوغادِ
ووجه أخر: وهو الاختلاف فِي إبدال الحروف نحو: "أولئك" و "أُولالِكَ". أنشد الفرّاء: أُلا لِك قومي لَمْ يكونوا أُشابَةً وهل يعِظُّ الضِّلّيلَ إلا أُلالكا
ومنها قولهم: "أنّ زيداً" و "عَنّ زيداً".
ومن ذَلِكَ: الاختلاف فِيالهمز والتليين نحو "مستهزؤن" و "مستهزُوْن".
ومنه: الاختلاف فِي التقديموالتأخير نحو "صاعقة" و "صاقعة".
ومنها: الاختلاف فِي الحذف والإثبات نحو "استحيَيْت" و "استحْيت" و "وصدَدْت" و "أَصْدَدْت".
ومنها: الاختلاف فِي الحرف الصحيح يبدلُ حرفاً معتلاً محو "أما زيد" و "أَيْما زيد".
ومنها: الاختلاف فِي الإمالة والتفخيم فِي مثل "قضى" و "رمى" فبعضهم بفخّم وبعضهم يُميل.
ومنها: الاختلاف فِي الحرف الساكن يستقبله مثله، فمنهم من يكسر الأول ومنهم من يضمّ،فيقولون: "اشتَرَوُ الضلالة" و "اشتَرَوِ الضلالة".
ومنها: الاختلاف فِي التذكيروالتأنيث فإن من العرب من يقول "هَذِهِ البقر" ومنهم من يقول "هَذَا البقر" و "هَذَا النخيل" و "هَذَه النخيل".
ومنها: الاختلاف فِي الإدغام نحو "مهتدون" و "مُهَدُّون".
ومنها: الاختلاف فِي الإعراب نحو "مَا زيدٌ قائماً" و "مَا زيدٌقائم" و "إنّ هذين" و "إنّ هذان" وهي بالألف لغة لبني الحارث بن كعب يقولون لكلّياء ساكنة انفتح مَا قبلها ذَلِكَ.وكلّ هَذِهِ اللغات مسماة منسوبة إِلَى أصحابها،لكن هَذَا موضع اختصار، وهي وإن كَانَتْ لقوم دون قوم فإنها لما انتشرت تَعاوَرَهاكلٌّ.
وقد أختار الله عزوجل لغة اهل قريش على غيرهم لأنهم أفصح العرب على الاطلاق," حدثنا إسماعيل بن أبي عُبَيد الله قال: أجمَعَ علماؤنا بكلام العرب،والرُّواةُ لأشعارهم، والعلماءُ بلُغاتهم وأيامهم ومَحالّهم أن قُرَيشاً أفصحُالعرب ألْسنةً وأصْفاهم لغةً. وذلك أن الله جل ثناؤه اختارهم من جميع العربواصطفاهم واختار منهم نبيَّ الرحمة محمداً صلى الله تعالى عَلَيْهِ وسلم. فجعلقُريشاً قُطَّان حَرَمِه، وجيران بيته الحرام، ووُلاتَهُ. فكانت وُفود العرب منحُجاجها وغيرهم يَفِدون إِلَى مكة للحج، ويتحاكمون إِلَى قريش فِي أُمورهم. وَكَانَتْ قريش نعلّمهم مَناسكَهم وتحكُمُ بَيْنَهم. ولن تزل العرب تَعرِف لقريش فضلها عليهم وتسمّيها أهل الله لأنهم الصَّريح من ولد إسماعيل عَلَيْهِ السلام،لَمْ تَشُبْهم شائبة، وَلَمْ تنقُلْهم عن مناسبهم ناقِلَة، فضيلةً من الله - جلّثناؤه - لهم وتشريفاً. إذ جعلهم رَهط نبيّه الأذْنَيْنَ، وعِتْرته الصالحين.

سليم
06-09-2009, 10:55 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
البلاغة والقرآن
البلاغة وأقسامها وهيئتها الحالية لم تكن كذلك قبل أن يتعهدها ويطورها أهل الكلام...والحق أن الدراسات البلاغية قامت على أيدي المعتزلة وبحثهم في إعجاز القرآن...ومصطلح "النظم" أول من أخرجه الى حيزالوجود والتداول هو الجاحظ ، وعلل به الإعجاز القرآني حتى قال:"( ولأن كبار المتكلمين ، ورؤساء النظارين كانوا فوق أكثر الخطباء ، وأبلغ من كثير من البلغاء ، وهم تخيروا تلك الألفاظ لتلك المعاني ، وهم اشتقوا لها من كلام العرب تلك الأسمـاء ، وهم اصطلحـوا على تسمية ما لم يكن له في لغة العرب اسم ، فصاروا في ذلك سلفا لكل خلف ، وقدوة لكل تابع ."اهـ
وألف كتابًا مستقلا سماه " نظم القرءان " ,ولكن الذي طوره وهذبه هو عبد القاهر الجرجاني حتى أخرج كتابيه"دلائل الإعجاز " و" أسرار البلاغة ".
ورغم هذا لم يصل علم البلاغة الى نضجه وتقسيماته وبيان الفوارق بينها إلا على يد الزمخشري فقسمه إلى ثلاثة أقسام:علم البيان,والمعاني والبديع.

لا سجع ولا شعر في القرآن:

الشعر كما عرف هو كلام موزون ومقفى يقوله صاحبه على وجه القصد...وعلى هذه فالقرآن الكريم لا يحوي شعرًا ولم يأت على وجه القصد شعرًا..وقد نفي الله سبحانه وتعالى الشعر عن القرآن ,يقول الله تعالى في سورة يس:"وَمَا عَلَّمْنَاهُالشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ ",
ولم يختلف علماء المسلمين في هذا...ولكن السجع؟ !!!
سجع لغة:استوىواستقام وأَشبه بعضه بعضاً؛ قال ذو الرمة:


قَطَعْتُ بها أَرْضاً تَرَى وَجْه رَكْبها =إذا ما عَلَوْها، مُكْفَأً غَيْرَ ساجِـعِ
وتقول العرب: سجَعَت الحمامة إذادَعَتْ وطَرَّبَتْ في صوتها,ورددت صوتها...
قال الشعر إبن دريد:


طربت فأبكتك الحمام السواجع = تميل بها ضحوا غصون نوائع
وقال الشاعر إبراهيم طوقان:


بيض الحمائم حسبهن = إني أردد سجعهـن
وأما إصطلاحًا فالسجع:هو موالاة الكلام على وزن واحد,قال ابن جني: سمي سَجعاً لاشتباه أَواخره وتناسب فَواصِلِه وكسَّرَه على سُجُوع، فلا أَدري أَرواه أَم ارتجله.
ذهب أكثر العلماء الى نفي السجع في القرآن ومنهم الإمام ابو الحسن الأشعري ,وذكر هذا في أكثر من موضع...وذهب فريق آخرالى وجود السجع في القرآن...
والحقيقة أن القرآن الكريم في أسلوبه المميزوبلاغته الفائقة لا يساويه شعر الشعراء ولا يضاهيه سجع الكهان...ولا يجوز في حق القرآن أن يحوي سجعًا وذلك لعدة أمور:
1.نهي الرسول عليه الصلاة والسلام عن السجع,فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذين جاءوه وكلموه في شأن الجنين: "كيف نذي من لا شرب ولا أكل، ولا صاح فاستهل، أليس دمه قد يطل".
فقال: "أسجاعةكسجاعة الجاهلية"؟ وفي بعضها: أسجعاً كسجع الكهان" فرأى ذلك مذموماً لم يصح أن يكون في دلالته.فما دام مذمومُا في حق البشر فمن باب أولى أن يترفع الله سبحانه عنه,والرسول عليه الصلاة والسلام هو الذي تلقى القرآن وحيًا وهو أعلم بعدم وجودالسجع من غيره,وكما أنه لا يعقل أن ينهى عن شئ ويأتي به.
2.السجع من صفات وعلامات الكهان,وما قول الشاعر إبراهيم طوقان:


بيض الحمائم حسبهن = إني أردد سجعهـن

إلا دليل على أن همهمة وهدهلة الحمام من قبيل سجع الكهان,كما وأن القرآن نفى أن يكون رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام كاهناً ..ويأتي بكلام يشبه كلام الكهان من سجع وهمهمة وهدهلة...يقول الله تعالى فيسورة الطور:"فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ ",ويقول في سورة الحاقة:"وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ".
3.السجع تلكلف,فالمتكلم يتكلف في إختيار اللفظ ليوافق آواخره مما يودي به الى البعد عن المعنى المقصود.
4.السجع يقهر الكلام والألفاظ ,فنرى المتكلم يشرق ويغرب كي يجعل كلامه على آواخر متشابه ظنًا منه أن له وقع على آذان السامعين,وهذه ايضًا من صفات الكهان..فهم يتوخون الألفاظ المنمقة والكلام المسجع للإيهام والتغرير...فهم كالحمائم تهمهم ولربما بكلام غير مفهوم.
5.لو كان في القرآن سجعًا لعارضوه...قال الباقلاني في كتابه "إعجاز القرآن":"فلو رأوا أن ما تُلِيَ عليهم من القرآن سجع لقالوا: نحن نعارضه بسجع معتدل، فنزيد في الفصاحة على طريقة القرآن، ونتجاوز حده في البراعة والحسن. ولا معنى لقول من قدر أنه ترك السجع تارة إلى غيره ثم رجع إليه، لأن ما تخلل بين الأمرين يؤذن بأن وضع الكلام غير ما قدروه من التسجيع، لأنه لو كان من باب السجع لكان أرفع نهاياته وأبعد غاياته".اهـ
6.ولو كان في القرآن سجعًا لأقروا القول بالصرفة...قال الباقلاني في نفس كتابه:"ولابد لمن جوز السجع فيه وسلك ما سلكوه منأن يسلم ما ذهب إليه النظّام، وعباد بن سلمان، وهشام الفوطي، ويذهب مذهبهم في أنهليس في نظم القرآن وتأليفه إعجاز، وأنه يمكن معارضته، وإنما صرفوا عنه ضرباً منالصرف. ويتضمن كلامه تسليم الخبط في طريقة النظم، وأنه منتظم من فرق شتى، ومن أنواع مختلفة، ينقسم إليها خطابهم، ولا يخرج عنها، ويستهين ببديع نظمه، وعجيب تأليفه،الذي وقع التحدي إليه.
وكيف يعجزهم الخروج عن السجع، والرجوع إليه، وقد علمناعادتهم في خطبهم وكلامهم، أنهم كانوا لا يلزمون أبداً طريقة السجع والوزن؟ بل كانوايتصرفون في أنواع مختلفة، فإذا ادعوا على القرآن مثل ذلك لم يجدوا فاصلة بين نظمي الكلامين".اهـ
ومن هذا كله نخرج بالقول الفصل” أن القرآن الكريم لا سجع فيهولا شعر".

سليم
06-14-2009, 12:52 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
البلاغة والتحدي والإعجاز:
هذه ثلاثة أمور مرتبطة ببعضها البعض ,وللوقوف على معانيها وارتباطها يجب أن نقف على كل واحدة على حدى:
البلاغة هي البلوغ .
والبلاغ ، الأنتهاء إلى أقصى المقصد والمنتهى ، مكاناً كان أو زماناً أو أمراً من الأمور المقدرة .
وربما يُعبر به أيضاً عن المشارفة عليه وإن لم ينته إليه ، يقال : الدنيا بلاغ ؛ لأنها تُؤديك إلى الأخرة .
ورجلٌ بَلْغٌ وِبلْغٌ وبليغٌ : حسن الكلام فصيحه ، يبلغ بعبارة لسانه كُنْهَ ما في قلبه ، والجمع بُلغاء .
وسمي الكلام بليغاً ؛ لأنه يكون قد بلغ الأوصاف اللفظية والمعنوية وانتهى إليها .
وينتهي معنى البلاغة في اللغة إلى معنيين :
الأول : الوصول والإنتهاء . قال تعالى: (ولّما بلغ اشدَّه)أي وصل.
الثاني : الحُسن والجودة .
أما البلاغة في إصطلاح البلاغيين :
البلاغة : مطابقة الكلام لمقتضى الحال .
ويعنون بالمقتضى : الإعتبار الملائم ، أو ما يتطلبه الواقع ، أو ما يستدعيه الأمر ، وهوــ المقتضى ــ الهيئة المخصوصة التي نُصدرُ عليها كلامنا ، والصورة المحددة التي تَحْكُمُ نُطقَنا . ويقصدون بالحال ــ ها هنا ــ واقع المخاطب أو السامع ، أو متلقي الكلام.
والعرب قوم قد برعوا ونبغوا وتألقوا في البلاغة وصياغة اللفظ وتطويعه حتى أصبح بسيط كلامهم نظمًا يبلغ مبلغه,وأسلوبًا له رونقه ووقعه في الآذن,وفنونًا يسجعون فيها وينظمون شعرًا,فأقاموا أسواقًاً يتبارون فيها ويتسابقون شعرًا ونثرًا.
وأكثر ما ظهرت البلاغة في كلامهم في الشعر ,وبزغ جم من الشعراء في الجاهلية والإسلام ممن يُشهد لهم في طول الباع وملكة الكلمة ,كما وظهر خطباء لا يُشق لهم غبار في نظم الكلم...
ومن الخطباء في الجاهلية شافع بن كليب الصدفي...إسمعوا الى بلاغة كلامه وحسن نظمه عندما تكهن بقدوم سيد العالمين محمد عليه الصلاة والسلام:
قَدِمَ على تُبَّعٍ الآخِرِ ملكِ اليمن قبلَ خروجِهِ لقتال المدينة شافع بن كُليب الصَّدفيّ وكان كاهناً,فقال له تُبَّع هل تجد لقوم ملكاً يوازي ملكي,قال لا إلاّ مُلكَ غسّان
قال فهل تجد ملكاً يزيد عليه, قال أجِدُه لبارٍّ مبرور ورائدٍ بالقُهُور ووَصفٍ في الزَّبور فضِّلت أُمَّته في السُّفور يفرِج الظلَم بالنور أحمد النبي طوبى لأمّته حين يجئ أحد بني لُؤيّ ثم أحد بني قُصيّ.
فنظر تبع في الزبور فإذا هو يجد صفة النبي صلى الله عليه وسلم.
وانصتوا لخطبة كعب بن لؤي:
اسمعوا وعُوا وتعلّموا تعلَموا وتفهّموا تفهَموا , ليل ساجٍ ونهار صاجٍ والأرض مِهاد والجبال أوتاد والأوّلون كاللآخرين كلّ ذلك إلى بلاء, فصِلوا أرحامكم وأصلحوا أحوالكم فهل رأيتُم من هلك رَجع أو ميتاً نُشِر, الدار أمامكم والظنّ خلاف ما تقولون, زَيِّنُوا حَرَمَكم وعظِّموه ولا تفارقوه فسيأتي له نبأٌ عظيم وسيخرج منه نبيٌ كريم, وتمسكوا به ,ثم قال شعرًا:


نهارٌ وليلٌ واختِلافُ حوادِثٍ = سواءٌ علينا حُلْوُها ومَريرُهـا
يَئوبانِ بالأحداثِ حتى تَأَوَّبـا = وبالنِّعَمِ الضّافي علينا سُتورُها
صُروفٌ وأنباءٌ تَقَلَّبَ أهلُهـا = لها عُقَدٌ ما يستحيلُ مَريرُهـا
على غفلةٍ يأتي النَّبيُّ مُحَمَّـد = فَيُخْبِرُ أخباراً صَدوقاً خبيرُها

ثم قال:


ياليتَني شاهدٌ فحـواءَ دَعوَتِـهِ = حين العشيرَةُ تبغي الحقَّ خِذلانا

فهذه نماذج من بلاغة العرب في الجاهلية قبل الإسلام,وهي تدل على المرتبة العالية التي وصل اليها العرب في إتقان اللفظ وإنتقائه وحسن إيراده...وهذه بلاغة يُشهد لها في العلو والسمو, ولكنها لا تصل بلاغة القرآن إيجازًا وتصويرًا, وإستعارة وتشبيهًا,و تلاؤم الكلمات والحروف,وتجانس الألفاظ وتصريف القصص والحوادث.
وأما التحدي : تحَدَّى الرجلَ تعمَّدَه، وتَحَدَّاه: باراه ونَازَعه الغَلَبَةَ، وهي الحُدَيَّا. وأَنا حُدَيَّاك في هذا الأَمر أَي ابْرُزْ لي فيه؛ قال عمرو بن كلثوم:


حُدَيَّا الناسِ كلِّهِمِ جَمِيعا = ًمُقارَعَةً بَنِيهمْ عن بَنِينَا

فالتحدي إذن هو التعمّد والمباراة ومنازعة الغلبة,وعند التحدي في امر ما إما ان يقدر عليه او أن تعجزه قدرته على المبارزة والمقارعة,والقرآن الكريم من مفهوم آياته قد تحدى العرب أن يأتوا بمثل القرآن في حسن نظمه ورفعة أسلوبه, يقول الله تعالى في سورة البقرة:" وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ",ويقول الله سبحانه وتعالى في سورة يونس:" أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ",ويقول رب العزة في سورة هود:" أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ",فالله سبحانه وتعالى هنا تحدى القوم ان يأتوا بشئ من القرآن,حيث نلاحظ انه قال في الآ يات الثلاث:" فَأْتُواْ" وهي دعوة تحدي,وكما وضع شرطًا بقوله تعالى:"إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ",وهم كاذبون.
وأما الإعجاز: إِفعال من العَجْز الَّذى هو زوال القدرة عن الإِتيان بالشىء من عمل أَو رأْى أَو تدبير.
وأصل الإعجاز العجز أي الضعف,جاء في لسان العرب:" والعَجْزُ: الضعف، تقول: عَجَزْتُ عن كذا أَعْجِز. وفي حديث عمر: ولا تُلِثُّوا بدار مَعْجِزَة أَي لا تقيموا ببلدة تَعْجِزُون فيها عن الاكتساب والتعيش، وقيل بالثَّغْر مع العيال. والمَعْجِزَةُ، بفتح الجيم وكسرها، مفعلة من العَجْز: عدم القدرة."
والمعجزة مختصَّة بالأتبياء دائما، وقت إِظهارها مردَّد بين الجواز والوجوب، ويُقرن بالتحدِّى، وتحصل بالدُّعاء.
ِ وكلُّ معجزة كانت لنبىٍّ من الأَنبياءِ فكان مثلها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان إِظهارها له ميسَّراً مسلماً.
وأَفضل معجزاته وأَكملها وأَجلُّها وأَعظمها القرآن الذى نزل عليه بأَفصح اللُّغات، وأَصحِّها، وأَبلغها، وأَوضحها، وأَثبتها، وأَمتنها، بعد أَن لم يكن كاتباً ولا شاعراً ولا قارئاً، ولا عارفاً بطريق الكتابة، واستدعاءٍ من خطباءِ العرب العرباءِ وبلغائهم وفصحائهم أَن يأْتوا بسورة من مثله، فأَعرضوا عن معارضته، عجزاً عن الإِتيان بمثله، فتبيَّن بذلك أَن هذه المعجزة أعجزت العالَمِين عن آخرهم,يقول الله تعالى في سورة البقرة:" فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ",قال المفسر العلامة إبن عاشور في تفسير هذه الآية:" وقوله: { ولن تفعلوا } من أكبر معجزات القرآن فإنها معجزة من جهتين: الأولى أنها أثبتت أنهم لم يعارضوا لأن ذلك أبعث لهم على المعارضة لو كانوا قادرين، وقد تأكد ذلك كله بقوله قبل "إن كنتم صادقين",البقرة: 23] وذلك دليل العجز عن الإتيان بمثله فيدل على أنه كلام مَن قدرتهُ فوق طوق البشر. الثانية أنه أخبر بأنهم لا يأتون بذلك في المستقبل فما أتى أحد منهم ولا ممن خلَفهم بما يعارض القرآن فكانت هاته الآية معجزة من نوع الإعجاز بالإخبار عن الغيب مستمرة على تعاقب السنين فإن آيات المعارضة الكثيرة في القرآن قد قرعت بها أسماع المعاندين من العرب الذين أبوا تصديق الرسول وتواترت بها الأخبار بينهم وسارت بها الركبان بحيث لا يسع ادعاء جهلها، ودواعي المعارضة موجودة فيهم، ففي خاصتهم بما يأنسونه من تأهلهم لقول الكلام البليغ وهم شعراؤهم وخطباؤهم.
ومذهب أَهل السُّنة أَنَّ القرآن معجز من جميع الوجوه: نظماً، ومعنى، ولفظاً، لا يشبهه شىء من كلام المخلوقين أَصلاً، مميَّز عن خُطَب الخطباءِ، وشعر الشعراء.
ومجملها إِيجاز اللفظ، وتشبيه الشىءِ بالشىءِ، واستعارة المعانى البديعة؛ وتلاؤم الحروف، والكلمات، والفواصل، والمقاطع فى الآيات، وتجانس الصِّيغ، والأَلفاظ، وتعريف القِصَص، والأَحوال، وتضمين الحِكَم، والأَسرار، والمبالغةُ فى الأَمر، والنهى، وحسن بيان المقاصد، والأَغراض، وتمهيد المصالح، والأَسباب، والإِخبار عما كان، وعما يكون.
أَمّا إِيجاز اللفظ مع تمام المعنى فهو أَبلغ أَقسام الإِيجاز. ولهذا قيل: الإِعجِاز فى الإِيجاز نهاية إِعجاز. وهذا المعنى موجود فى القرآن إِمّا على سبيل الحذف، وإِما على سبيل الاختصار.
فالحذف مثل قوله تعالى :"وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ", أَى أَهلها , وقوله تعالى:"وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ} أَى برّ من آمن. والاختصار ,وأيضً قوله:" وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَاةٌ" هذه أَربع كلمات وستة عشرة حرفاً يتضَّمَّن ما ينيِّف على أَلف أَلف مسأَلة، قد تصدَّى لبيانها علماءُ الشريعة، وفقهاءُ الإِسلام فى مصنَّفاتهم؛ حتَّى بلغوا أُلوفاً من المجلَّدات، ولم يبلغوا بعدُ كنهَها وغايَتَها.
وأَمَّا تشبيه الشىءِ بالشىءِ فنحو قوله تعالى:" أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ", وقوله: "أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ", وقوله: "أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ", وكلُّ مَثَل من هذه الأَمثال دُرْج جواهر، وبُرْج زواهر، وكنز شرف، وعالَم عِلم، وحُقُّ حقائق، وبحار دُرَر دِراية، ومصابيح سالكى مسالك السنَّة. ولهذا يقال: الأَمثال سُرج القرآن.
وأَمَّا استعارة المعنى فكالتعبير عن المضىِّ والقيام بالصَّدع {فَٱصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} أَى قُم بالأَمر، وكالتعبير عن الهلاك، والعقوبة بالإِقبال والقدوم {وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ} ، وكالتعبير عن تكوير الليل والنهار بالسَّلخ {وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلْلَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ} ولا يخفى ما فى أَمثال هذه الاستعارات من كمال البلاغة، ونهاية الفصاحة. يحكى أَنَّ أَعرابيّاً سمع {فَٱصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} فلم يتمالك أَن وقع على الأَرض وسجد، فسئل عن سبب سجدته فقال، سجدت فى هذا المقام، لفصاحة هذا الكلام.
وأَما تلاؤم الكلمات والحروف ففيه جمال المقال، وكمال الكلام؛ نحو قوله تعالى: "فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ} {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ} {يَٰأَسَفَىٰ عَلَى يُوسُفَ} {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً} {فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ} {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} {وَجَنَى ٱلْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} ونظائرها.
وأَمَّا فواصل الآيات ومقاطعُها فعلى نوعين: إِمَّا على حرف كطه؛ فإِنَّ فواصل آياتها على الأَلف، وكاقتربت؛ فإِنَّ مقاطع آياتها على الراء، وإِمَّا على حرفين كالفاتحة؛ فإِنَّها بالميم والنُّون: {ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ} ونحو {قۤ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ} فإِنَّها بالباءِ والدَّال.
وأَمَّا تجانس الأَلفاظ فنوعان أَيضاً: إِمَّا من قبيل المزاوجة؛ كقوله {فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ} {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ٱللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ} {يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وأَكِيدُ كَيْداً} {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُ} {وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ} {هَلْ جَزَآءُ ٱلإِحْسَانِ إِلاَّ ٱلإِحْسَانُ} وإما من قبيل المناسبة كقوله {ثُمَّ ٱنصَرَفُواْ صَرَفَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُم} {يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلأَبْصَارُ}.
وأَمَّا تصريف القِصَص والأَحوال فهو أَنَّ الله تعالى ذكر بحِكَمهِ البالغة أَحوال القرون الماضية، ووقائع الأَنبياءِ، وقصصهم، بأَلفاظ مختلفة، وعبارات متنوِّعة، بحيث لو تأَمّل غوّاصو بحار المعانى، وخوَّاضو لُجَج الحُجَج، وتفكّروا فى حقائقها، وتدبَّروا فى دقائقها، لعلموا وتيقَّنوا (وتحققوا) وتبيَّنوا أَنَّ ما فيها من الأَلفاظ المكرَّرة المعادات، إِنَّما هى لأَسرار، ولطائف لا يرفع بُرْقع حجابها من الخاصَّة إِلاَّ أَوحدُهم وأَخصُّهم، ولا يكشف سِتر سرائرها من النحارير إِلاَّ واسِطتهم وقصهم.
وأَمَّا تضمين الحِكَم والأَسرار فكقولنا فى الفاتحة: إِن فى {بِسْمِ} التجاءَ الخَلْق إِلى ظلِّ عنايته، وكلمة الجلالة تضمَّنت آثار القدرة والعظمة، وكلمة الرَّحمٰن إِشارة إِلى أَنَّ مصالح الخَلْق فى هذه الدَّار منوط بكفايته. وكلمة الرَّحيم بيان لاحتياج العالَمين إِلى فيض من خزائن رحمته. والنِّصف الأَوَّل من الفاتحة يتضمَّن أَحكام الرُّبوبيَّة. والنصف الثَّانى يقتضى أَسباب العبوديَّة. وخُذْ على هذا القياس. فإِنَّ كلَّ كلمة من كلمات القرآن كنزُ معانٍ، وبحر حقائق.
ومن جوامع آيات القرآن قوله تعالى: {خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ} فإِنها جامعة لجميع مكارم الأَخلاق، وقوله: {إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ} مستجمعة لجميع أَسباب السِّياسة والإِيالة. وقوله: {أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا} محتوية على حاجات الحيوانات كافَّة. وقوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} إِلى آخر الثلاث الآيات جامعة لجميع الأَوامر والنَّواهى، ومصالح الدُّنيا والآخرة، وقوله: {وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ} يشتمل على أَمرين، ونهيين، وخبرين، وبشارتين.
وأَمَّا المبالغة فى الأَسماءِ والأَفعال فالأَسماءُ {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ}، {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ}، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ}، {ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ}، {وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ لِلْحَيِّ ٱلْقَيُّومِ}، {ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ}، {يُوسُفُ أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُ} . والأَفعال {أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقْتِيلاً}، {وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ}، {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً}، {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً}، {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً}، {وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً}، {قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً}.وَأَمَّا حُسْن البيان فلتمام العبارة: {كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} ، ولبيان فصل الخصومة والحكومة {إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً} ، وللحجّة للقيامة {يُحْيِيهَا ٱلَّذِيۤ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ} ، وللنَّصيحة والموعظة {يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ} ، ولثبات الإِيمان والمعرفة: {كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ} ، ولبيان النعت والصِّفة {بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيم}، {عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِير} ، ودليلاً لثبوت الرِّسالة {وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ} ، وإِظهاراً للعمل والحكمة {وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً} ، وللرَّحمة السَّابقة واللاحقة {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} ، وبرهاناً على الوَحْدانيَّة والفَرْدانيَّة {لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا} ، وتحقيقا للجنَّة والنَّار {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}، {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينْ} ، وتحقيقاً للرُّؤية واللِّقاءِ {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ، وتمهيداً لمصالح الطَّهارات {وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً طَهُوراً} ، وللصَّلاة {وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ} ولِلزكاة والصيام والحجّ {وَءَاتُوْا الزَّكَاةَ}، {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}، {وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ} ، وللمعاملات {أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ} ، وللصِّيانة والعِفَّة {وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ} ، وللطلاق والفراق بشرط العِدَّة {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} ، ولرعاية مصلحة النفوس {وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَاةٌ} ولكفَّارة النُّذور والأَيمان {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ".

سليم
06-16-2009, 12:41 AM
أسلوب القرآن الكريم

الأسلوب لغة هو الطريق الممتد، ويقال للسطر من النخيل أسلوب، والأسلوب الطريق والوجه والمذهب، والأسلوب الفن، يقال: أخذ فلان في أساليب من القول، أي أفانين منه, وللشموخ بالانف ولعنق الأسد ويقال لطريقةالمتكلم في كلامه أيضاً,وتُجمع على أساليب,ويقال سلك أسلوبه أي طريقته,وهذا المعنى هو الذي اختاره البلاغيون في تعريفهم للأسلوب.
وفي اصطلاح البلاغيين:هو طريقة اختيار الألفاظ وتأليفها للتعبير بها عن المعاني قصد الإيضاح والتأثير، أو هو العبارات اللفظية المنسّقة لأداء المعاني.
فالله سبحانه خلق البشر متفاوتين في القدرات والمهارات ,مختلفين في الأذواق والأفهام, متغايرين في اللغات والألسن,فجاءت أساليبهم في التعبير مختلفة متباينة ,فكل إنسان ينتهج طريقًة غيرالأخر في الإفصاح عن أفكاره ومشاعره وأحلامه وأماله,والأسلوب يعتمد على أمور عدة منها البيئة واللغة ودرجة العلم وسلامة اللسان .
وجاء القرآن وهو كلام الله النفسي وانتهج طريقة في التعبير ورصف الألفاظ ,فالأسلوب القرآني:هو طريقته التي انفرد بها في تأليف كلامه واختيار ألفاظه، ولقد تواضع العلماء قديماً وحديثاً على أن للقرآن أسلوباً خاصاً به مغايراً لأساليب العرب في الكتابة والخطابة والتأليف.
وكان العرب الفصحاء يدركون هذا التمايز في الأسلوب القرآني عن غيره من الأساليب، روى مسلم في صحيحه (أن أُنَيساً أخا أبي ذر قال لأبي ذر: لقيتُ رجلاً بمكة على دينك، يزعُمُ أن الله أرسله، قلتُ: فما يقول الناس، قال : يقولون شاعر، كاهن، ساحر ـ وكان أنيس أحد الشعراء ـ قال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر فلم يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر، والله إنه لصادق وإنهم لكاذبون).