المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أساليب الدعوة إلى الله تعالى في القرآن الكريم


نائل أبو محمد
06-06-2009, 06:48 PM
أساليب الدعوة إلى الله تعالى
في القرآن الكريم
الدكتور أبو المجد سيد نوفل
أستاذ بجامعة الأزهر
8- العقيـدة في أساليب المحاورة والمحاججـة:
والمحاورة: مصدر حاور. وأصله: حار، أي رجـع، و يحاوره يرا جعه. وهى أسلوب يقتضى وجود طرفين أو أكثر يدور كلام بينهم في صورة حوار يقصد من ورائه الحكم على أمر ما إيجابا أو سلباً وهى طريقة من طرق توضيح المعنى وتثبيته، وهى تتميز بجذب انتباه السامع أو القاريء نحو الموضوع الذي تتحدد معانيه، وتنكشف أبعاده بطريقة تقوم على السؤال والجواب, والأخـذ والرد، والاعتراض والمراجعة ولا يخفى مافي ذلك من عناصر الجذب والمتابعة والتشويق التى تساعد على إدراك الحقيقة العلمية إدراكا واضحا لا خفـاء فيه.
والمحاججـة: نوع من المحاورة، وهى تتميز بوجود عنصر الإلزام والافحام، واضحـا بارزاً بينما يكثر في المحـاورة أسلوب العرض والوصفِ.. وقال العلماء: إت المحاجة أسلوب قدم الله فيه مخاطباته مع مخلوقاته في أجلى صور ليفهم العامة من جليها ما يقنعهم وتلزمهم الحجة، ويفهم الخواص من أثنائها ما يرمي على ما أدركه فهم الخطباء وقد اتخذ الأنبياء والمرسلون، والأئمة الهداة.. هذه الأساليب كـثيرا في دعوتهم الناس إلى العقيدة والإ يمان باللّه سبحانه تعالى.
ولقد عرض القرآن الكريم الكثير من هذين اللونين لاشتمالهما على ما ينشط الذهن ويهيء الفكر للوقوف على الحقيقة والإيمان بالحق.
ومن المحاورة ما ورد في القرآن الكريم بين اللّه تعالى وبين ملائكته وبين آدم... وفيه بين اللّه سبحانه وتعالى هذه الحقائق العقائدية، فهو سبحانه الرب المالك لكل شيء وهو الذي خلق الملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وهو سبحانه القادر عل كل شيء، والعالم بكل شيء والذي يعلم مخلوقاته من علمه سبحانه، ويمنح منهم من يشاء من فضله وكرمه، فيجعل خلافته في الأرض في آدم لا في الملائكة، وأنه سبحانه وتعالى الفاعل المختار، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه. {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ. وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} البقرة/30-33.
ومن مواقف نوح، وهود، وصالح، وموسى، وعيسى، ومحمد، وجميع الأنبياء والمرسلين صلوات اللّه عليهم أجمعين الكثير من أساليب الحوار مع أقوالهم لبيان الحق وعرض العقيدة وطلب الإيمان بالله تعالى.
ومن المحاججة ما ورد في القرآن الكريم بين إبراهيم الخليل صلوات اللّه عليه وسلامه وبين عدو الله الذي حاج إبراهيم في ربه. فلقد قال إبراهيم له وهو يدعوه إلى الإيمان: أن الرب هو الذي يحيى ويميت، وأنت مخلوق من مخلوقاته يميتك ويحييك. فيقول النمرود: أنا رب مثل ربك لأني أحيى وأميت، آمر بقتل الناس فيموتون فأنا أميت, وأعفو عنهم فلا يموتون ويحيون, فأنا أحيى. لكن إبراهيم عليه السلام الذي آتاه الله رشده وعلمه من علمه يأتي للعدو بحجة أخرى لا يقوى على دفعها ولو ظاهرا. فيقول له إبراهيم: إن الله يأتي بالشمس من المشرق، فإن كنت صادقا في ادعائك الألوهية فأت بها من المغرب, وهنا لا مجال إلا الهزيمة لعدو اللّه {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} البقرة/258.
9- العقيدة في أسلوب القصـة
والقصة جمعها قصص بكسر القاف، وهي من قصص، والفعل قص، والمصدر قصص بفتح القاف قال تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ …}يوسف/3, والقصص بفتح القاف إما مصدر بمعنى الاقتصاص أي نحن نقص عليك أحسن الاقتصاص هذا القرآن بإيحائنا إليك والمراد بأحسن الاقتصاص أنه اقتص على أبدع طريقة وأعجب أسلوب، ألا ترى أن هذا الحديث مقتص من كتب الأولين وفي التواريخ، ولا ترى اقتصاصه في كتاب منها مقاربا لاقتصاصه في القرآن.
أو بمعنى المقصوص أي نحن نقص عليك أحسن ما يقص من الأحاديث، وإنما كان أحسن لما يتضمنه من العبر والحكم والعجائب {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَاب..} يوسف/111 ويشتق القصص من قص أثره إذا أتبعه لأن الذي يقص الحديث يتبع ما حفظ منه شيئا فشيئا كما يقال تلا القرآن إذا قرأ، لأنه يتلو أي يتبع ما حفظ منه آية بعد آية.
والقصة: هي أحد أنواع النثر الفني، ونمط من أنماط الأساليب الجمالية، تقوم على عوامل كثيرة، من التشويق، والحوار، والحبكة، والوحدة الموضوعية، وحل المشكلات عن طريق تسلسل الأحداث وربط المشاهد بعضها ببعض.
والقصة عامة كلون من ألوان الأدب قديما وحديثا تقدم الحقائق المختلفة، كما تقدم إلى جانب ذلك الخيالات والمبالغات، والأساطير، وما إليها.
وقد يكون هدفها التعبير، والنصح، والتوجيه،.. كما يكون هدفها مجرد المتعة الذهنية والعاطفية… وقد تتخذ وسيلة للحق أو للباطل، وللخير أو للشر....
لكن القصة في القرآن الكريم تتميز عن سائر أنواع القصص بأنها منزهة عن أي نقص في شكلها وفي مضمونها، ومنزهة عن الخيالات والأوهام، والأساطير، والأباطيل...
وهي عفيفة الأسلوب، طاهرة اللفظ والمعنى، حيية السياق والعرض، بارعة التركيب، سامية القصد، حسنة الهدف...
وهي تضم إلى جانب الإيضاح، والتعليم، والنصح... جوانب الإقناع الذهني والنفسي والعلمي والأدبي، وتضم إلى جانب عرض الحقائق الدينية الحقائق التاريخية والاجتماعية والثقافية...
ومن هنا جاءت القصة في القرآن الكريم تحمل لواء الدعوة إلى الإسلام وتعرض مبادئه، وكانت أسلوبا من أساليب الدعوة إلى اللّه {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} يوسف/111.
والقصص في القرآن الكريم كثيرة، منها قصة إبراهيم عليه السلام مع الأوثان والنمرود.... وقصص نوح وهود وصالح مع أقومهم.. وقصة موسى مع فرعون وبني إسرائيل، وقصة مريم وزكريا وعيسى مع اليهود والرومان...
وكلها تعرض دعوة الحق والتوحيد، وتقيم الأدلة على صحتها وسلامتها، وتبين آثارها ونتائج الأخذ بها واعتناقها..
كما تعرض العقائد الفاسدة من عبادة الأوثان، والأصنام، واتخاذ الآلهة مع اللّه... وتقيم البراهين على فساد هذه العقائد، وما حل بالكافرين والمشركين، والعصاة من عذاب وعقاب ومن هذه القصص القصة التي جمعت سليمان عليه السلام، والهدهد وملكة بلقيس.
وستظهر لنا من خلال تتبعنا لمشاهد هذه القصد عظمة القصص القرآني، وروعة صياغته وعظيم نفعه، وتصدره قمة القصص الرفيع الذي حوى كل أصول الأدب العالي، من جودة العرض وجمال الصورة، وإيضاح الفكرة، وقوة الحركة، وتناسب المشاهد، وحسن العرض. إن هذه القصة إثبات للخالق سبحانه وتعالى ووحدانيته، ودعوة إلى عقيدة التوحيد ونبذ غيرها من سائر العقائد الفاسدة..
وهي ذات مشاهد وأحداث، وأبطال، وصراعات، ومفاجآت... وأعاجيب تفوق الأساطير، بيد أنها حقائق واقعة بقدرة من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ولا تشاهد في هذه القصة آدميين فحسب، وإنما تشاهد فيها الجن، ومن هو فوق الجن قوة وعلما.. كما تشاهد فيها الطيور تتكلم، والحشرات تنطق، كل بلغته، وكل يؤدي دوره في صدق، وقوة وإخلاص بين يدي سيده سليمان الذي علمه اللّه منطق الطير وآتاه من كل شيء فضلا منه سبحانه وتعالى عليه.
في القصة تنطق النملة بنصح قومها وإشفاقها عليهم.. ويدعو الهدهد إلى الإيمان بالذي يخرج الخبء في السموات والأرض ويعلم ما خفي وما علن..
ويعمل الجن بين يدي الملك، ومن يزغ منهم عن أمره يذقه من عذاب أليم.
والذي عنده علم من الكتاب يأتي بما هو أقوى من الخيال، لكنه حقيقة أجراها رب العالمين على يديه، حيث استطاع هذا العالم أن ينقل عرش الملكة من اليمن إلى الشام وهي مسافة لا تقل عن خمسة آلاف كيلو مترا في أقل من لمحة، أو قبل أن يرتد إلى سليمان طرفه.
في القصة قوة الأنبياء وحكمتهم، وعظمة الملوك وحنكتهم، ومشورة أهل الرأي وإخلاصهم وسهر الحاكم على رعيته الكبير منها والصغير حتى الحيوان والطير.. وجرأة المحكوم وحريته في القول والتعبير والعمل مادام يؤدي دوره بصدق ويقوم بواجبه.. وفيها رجوع أهل الفضل إلى الحق بعد ما تبين لهم....
وكل هذه العناصر من القصة هدفت في الأصل إلى أمرين:
أولهما: بيان العقيدة الصحيحة التي يمثلها سليمان وجنوده، وهي عقيدة التوحيد وبيان عقيدة الشرك التي تمثلها بلقيس وقومها قبل إسلامهم.
وثانيهما: تسخير كل مقومات الأمة، وتوجيه طاقاتهاِ إلى الدعوة إلى وجود اللّه ووحدانيته وصبغ أبناء الأمة بالصبغة الدينية..ِ فهذا الهدهد ينفق جهده وقته في البحث عما يخدم العقيدة ويعلي أمرها، ويعزز شأنها... وتحتوي القصة على مشاهد كثيرة، كل منها يؤكد ما ذهبنا إليه ويقرره
وأول هذه المشاهد، يبين قوة الملك، واتساع ملكه ، وعظمة سلطانه، وكثرة أتباعهِ…فسليمان ملك سخرت له الرياح التي تجري بأمره رخاء حيث أصاب، والشياطين كل بناء وغواص وجمع له الإنس والجن والطير والحيوانات والحشرات، وهو عالم بلغات هؤلاء وهؤلاء {يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ, وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} النمل/16-17.
وثانيها: يبين قوة هذا الملك العلمية والروحية، فهو قادر على سماع كل ما يدور في مملكته وقادر على سماع حديث النملة، ومعرفة لغتها، وهو يبتسم ضاحكا من قولها لبني قومها تنصحهم بدخول مساكنهم حتى لا يحطمهم سليطان وجيشه..
ثم هو يرجـع الفضل في هذه النعمة وغيرها إلى صاحب الفضل اعترافا منه بعظيم منّه وكرمه سبحانه وتعالى عليه، وهو يرجوه توفيقه لينال رضاه {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ. فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} النمل/18-19.
وثالثها: يبين مدى حب هذا الملك لرعيته، وحرصه على سعادتها، وتوفير الحرية والأمن لها.. فهو دائب التفقد لشئونها، وهو الساهر على سلامتها، وهو السائل عن غائبها والمعين لحاضرها، وهو الشديد في الحق، لا تأخذه فيه لومة لائم، وهو الغاضب لمحارم اللّه إذا انتهكت، والمقيم للعدل بين سائر أفراد رعيته، الإنس والجن والحيوان والطير إنه لا يرى الهدهد بين الجمع الذي جمع له فيسأل عنه، ويعلن ذلك على الملأ.... وفيه ما فيه من إحـاطته بجميع أجزاء مملكته وكافة أفراد رعيته… كما يعلن غضبه من تخلف الهدهد إلا أن يكون عنده عذر أو حجة مقبولة: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ, لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} النمل/20-21 وكانت المفاجأة عندما يتقدم هذا الغائب من الملك العظيم غير خـائف ولا مرتاع وقي قوة واعتداد واعتزاز.. ليقول: ما غبت إلا لأمر هام عرفته أنا ولم تعرفه أنت أيها الملك وأحطت به ولم تحط به أنت. لقد رأيت أثناء طـيراني ملكة لا تعبد الذي يخرج الخبء في السموات وفي الأرض... وإنما تعبد الشمس هي وقومها من دون اللّه الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم.
{فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ. وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ. أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ. اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} النمل/22-26 .
ورابعها: يبين موقف سليمان من الهدهد، فهو يأمره بإقامة البينة على دعواه، ويكلفه بعمل ما يثبت قوله، ويأمره بنقل خطاب إلى هذه الملكة يدعوها فيه سليمان إلى الإيمان بالله تعالى وتوحيده، ونبذ عبادة الأوثان والأصنام هي وقومها.
ويطير الهدهد بالكتاب من الشام إلى اليمن ويلقيه بين يدي الملكة، فتطلب من ذويها الرأي والمشورة فيرجعوا إليها الأمر لأنها العارفة بأمور السياسة والمطلعة على سير الملوك وأحوالهم أما هم فأهل الحرب والقوة..
ثم تقدم الملكة على عمل تجربة تتبين من ورائها مدى قوة هذا الملك وقصده، فهل هو كسائر الملوك الذين يسعون إلى جمع المال وقوة السلطة. وهو يسعى إلى هدف نبيل وغاية سامية كما جاء في كتابه فإن كان من الأولين فهو قابل لما ترسله إليه من هدايا مبق على عقيدتها.. فتنقض عليه بعد أن عرفت خباياه.. وإن كان من الآخرين فهو على حق ولا قبل لها به وعليها أن تستسلم إليه:{قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ. اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ. قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ. إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ. قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ. قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ. وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} النمل27- 35.
وخامسها: يعود بالقصة من اليمن إلى الشام ليقدم رسل بلقيس الهدايا إلى سليمان، فيغضب النبي عليه السلام ويقول لهم {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ. ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ. قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ. قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ. قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ. قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ. فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ. قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (النمل 36-44) .
وهكذا عرضت هذه القصة العقيدة الصحيحة والعقيدة الفاسدة، وأقامت الدليل على صدق الأولى {أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} وعلى فساد الثانية {.. وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ}.
وما انتهت إليه هذه المشاهد من غلبة الحق وأهله، وهزيمة الباطل وجنده، واستسلام الملكة وإذ عانها أَخيرا للحق بعد ما تبين لها {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
بقي بيان عقيدة البعث والإيمان بالآخرة وبالقدر. وبيان العقيدة في أساليب المثل والأساليب النفسية، وأساليب الترغيب والترهيب، والأساليب البرهانية والوصفية والموضوعية، وغيرها.. وهى في مقال تال إن شاء اللّه. والله الموفق.

http://www.iu.edu.sa/Magazine/52/11.doc

نائل أبو محمد
01-17-2011, 07:30 PM
الاثنين 12 صفر 1432

نائل أبو محمد
05-20-2011, 11:52 AM
الجمعة 17 جمادى الثانية 1432
سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

نائل أبو محمد
11-20-2011, 01:07 PM
الأحد 24 ذو الحجة 1432 سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك