المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جولات في كتابات الأستاذ عطية زاهدة ( 2)


نائل أبو محمد
02-16-2011, 10:54 AM
تفسير كلمة (كهيعص) في فاتحة سورة مريم ...

----------------------------------

بقلم : عطية زاهدة – الخليل – فلسطين

يقول ربُّ العالمينَ : "كهيعص(1). ذِكْرُ رحمةِ ربِّكَ عبدَهُ زكريّا (2)" .. ولمّا كانَ الإنسانُ عجولاً فإنّني أُظهرُ حلَّها قبلَ كيفيةِ الوصولِ إليْهِ ، وإقامةِ الدليلِ عليْهِ .

حلُّ "كهيعص" هوَ : (كبيراً هديْناهُ يحيى عليماً صبيّاً) . فكيفَ نصلُ لهذا الحلِّ ؟

1- أقرأْ معي : "كهيعص . ذِكْرُ رحمةِ ربِّكَ عبدَهُ زكريّا" .. ثمّ اسألْ نفسَكَ هذا السؤالَ : ما هيَ "كهيعص" ؟

الجوابُ : إنَّ "كهيعص" هيَ : "ذِكْرُ رحمةِ ربِّكَ عبدَهُ زكريّا" ؛ فالآيةُ الثانيةُ شرحٌ وتفصيلٌ للآيةِ الأولى. "كهيعص" هيَ تعريفٌ بقصةِ زكريّا ، هيَ حديثٌ عمّا ذكرَهُ اللهُ تعالى منْ أمرِ رحمتِهِ لعبدِهِ زكريّا . هيَ ذكرٌ لِوجوهِ الرحمةِ التي رحمَها اللهُ تعالى لعبدِهِ زكريّا .

أجلْ ، "كهيعص" هيَ اختزالٌ لمختصرِ قصةِ زكريّا ، هيَ "زبدةُ" ما قصّتْهُ السورةُ عنْ زكريّا ، هيَ مقدَّمةٌ اختزاليّةٌ تعرِّفُ بموجزِ القصّةِ.

حسناً ، اعتبرْ أنَّ كلمةَ "هيَ" مقدرةٌ بينَ الآيتيْنِ واقرأْهما هكذا : "كهيعص" - هيَ - "ذِكْرُ رحمةِ ربِّكَ عبدَهُ زكريّا" . والآنَ يمكنُكَ أنْ تسألَ هذا السؤالَ : ماذا حدَّثتنا السورةُ وبقيّةُ القرآنِ الكريمِ وخاصّةً في سورةِ آلِ عمرانَ عنْ قصّةِ زكريّا ؟

1- حدّثنا القرآنُ الكريمُ أنَّ زكريّا صارَ كبيراً دونَ أنْ تأتيَهُ ذريّةٌ .

2- وأنَّ اللهَ تعالى وهبَهُ على حالِِ الكِبَرِ غلاماً اسمُهُ "يحيى" .ِ فيحيى هَدْيٌ أوْ هديّةٌ ، هبةٌ منَ اللهِ سبحانهُ لعبدِهِ زكريّا ، أيْ إنَّ اللهَ تعالى هدى لزكريا هَدْياً تمثّلتْ فيهِ رحمتُهُ له . وقدْ سبقَ لإبراهيمَ أنْ هدى إسماعيلَ هدياً للكعبةِ المشرّفةِ : "ربّنا إنّي أسكنتُ منْ ذرّيّتي بوادٍ غيرِ ذي زرعٍ عندَ بيتِكِ المحرّمِ ؛ ربّنا ليقيموا الصلاةَ .."

3- وأنَّ يحيى قدْ أوتيَ حكماً وعلماً وهوَ صبيٌّ ، أيْ أنَّ يحيى كانَ عليماً صبيّاً ( وكلمةُ "صبياً" هيَ هنا حالٌ ، وليستْ نعتاً لعليم ).

ألا تجدُ الآنَ أنَّ "كهيعص" هيَ : (كبيراً هديْناهُ يحيى عليماً صبيّاً) ؟

نعمْ ، صارَ زكريّا كبيراً فهداهُ اللهُ يحيى العليمَ في صباه . وهذا هوَ جوهرُ قصّتِهِ .

ومنْ أجلِ مزيدٍ منَ التبسيط ألفتُ نظرَكَ إلى الآتيةِ :

1- أبرزُ ما في أمرِ زكريا في قصةِ القرآنِ عنهُ هوَ كيرُهُ : "وقدْ بلغتُ منَ الكبرِ عتيّاً" ؛ فقدِ اشتعلَ رأسُهُ شيباً .

2- موضوعُ الرحمةِ هوَ "يحيى" الذي كانَ أولَ إنسانٍ حظيَ بهذا الاسمِ : "إنَّا نبشّرُكَ بغلامٍ اسمُهُ يحيى لمْ نجعلْ لهُ منْ قبلُ سميّاً".

3- وأظهرُ ما في "يحيى" أنّهُ كانَ ذا علمٍ وهوَ صبيٌّ : "وآتيْناهُ الحكمَ صبيّاً" ؛ والحكمُ يؤتى للأنبياءِ معَ العلمِ . فقدْ جاءَ في حقِّ يوسُفَ : "ولمّا بلغَ أشُدَّهُ آتيْناهُ حكماً وعلماً وكذلكَ نجزي المحسنينَ" ، ويحيى بلا ريبٍ هوَ منَ المحسنينَ . ولا ريبَ أنَّ قصةَ زكريّا تذكّرُنا بقصةِ تبشيرِ اللهِ تعالى لإبراهيمَ الشيخِ الكبيرِ بإسماعيلَ الغلامِ العليم .

أجلْ :

إنَّ أوْلى كلمةٍ تبدأُ بالكافِ في قصةِ زكريّا هيَ كلمةُ "كبير" .

وإنَّ أوْلى كلمةٍ تبدأُ بالهاء في قصةِ زكريّا هيَ كلمةُ "هدي" ، منَ الهديّةِ والعطاءِ .

وإنَّ أوْلى كلمةٍ تبدأُ بالياءِ في قصةِ زكريّا هيَ كلمةُ "يحيى" .

وإنَّ أوْلى كلمةٍ تبدأُ بالعين في قصةِ زكريّا هيَ كلمةُ "عليم" ؛ فقد طلبَ زكريّا الغلامَ ليرثَ العلمَ في الكتابِ .

وإنَّ أوْلى كلمةٍ تبدأُ بالصادِ في قصةِ زكريّا هيَ كلمةُ "صبيّ" .

حسناً ، على حالٍ منْ كِبَرِ زكريّا هداهُ اللهُ تعالى غلاماً عليماً في صباهُ : ( كبيراً هديْناهُ يحيى عليماً صبيّاً) . فهذا هوَ ملخّصُ قصّتِهِ . وهذا هوَ اختزالُها : "كهيعص" . ونتركُكَ الآنَ معَ نورِ السورةِ تتفكّرُ فيها وتتدبّرُ آملينَ أنْ تصلَ إلى تأييدِ تقديرِنا :

بسم الله الرحمن الرحيم

"كهيعص (1) هذا هوَ الاخنزالُ .

"ذكرُ رحمةِ ربِّكَ عبْدَهُ زكريّا (2) .. وهذا هوَ الإجمالُ .

ويأتيكَ التفصيلُ : "إذْ نادى ربَّهُ نداءً خفيّاً (3) قالَ : ربِّ إنّي وَهَنَ العظمُ منّي واشتعلَ الرأسُ شيباً ولمْ أكنْ بدعائكَ ربِّ شقيّاً (4) وإنّي خفتُ المواليَ منْ ورائي وكانتِ امرأتي عاقراً فَهبْ لي مِنْ لَدُنْكَ وليّاً (5) يرثُني ويرثُ منْ آلِ يعقوبَ واجعلْهُ ربِّ رضيّاً (6) يا زكريّا إنّا نبشِّرُكَ بغلامٍ اسمُهُ يحيى لمْ نجعلْ لهُ منْ قبلُ سمِيّاً (7) قالَ ربِّ أنّى يكونُ لي غلامٌ وكانتِ امرأتي عاقراً وقدْ بلغتُ منَ الكبرِ عِتيّاً (8) قالَ كذلكَ قالَ ربًُّكَ هوَ عليَّ هيّنٌ وقدْ خلقتُكَ منْ قبلُ ولمْ تكُ شيئاً (9) قالَ : ربِّ اجعلْ لي آيةً قالَ : آيتُكَ ألّا تكلِّمَ الناسَ ثلاثَ ليلٍ سويّاً (10) فخرجَ على قومِهِ منَ المحـرابِ فأوحى إليْهم أنْ سبِّحوا بُكرةً وعشيّاً (11) يا يحيى : خُذِ الكتابَ بقوّةٍ وآتيْناهُ الحكمَ صبيّاً (12) وحناناً مِنْ لدُنّا وزكاةً وكانَ تقيّاً (13) وبَرّاً بوالديْهِ ولمْ يكنْ جبّاراً عصيّاً (14) وسلامٌ عليْهِ يومَ وُلِدَ ويومَ يموتُ ويومَ يُبْعَثُ حيّاً (15) [من سورة مريم] .

والصلاةُ والسلامُ على محمدٍ وإبراهيم وإسماعيلَ وزكريّا ويحيى ومريمِ وسائرِ المرسلين .