المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثلاثون يوما في سجون مبارك ( لا بارك الله فيه ) .


نائل أبو محمد
03-13-2011, 04:33 PM
ثلاثون يوما في سجون مبارك / بقلم: عامر عبد المنعم

عامر عبد المنعم

3/12/2011

اقتحام الشعب المصري لمقار مباحث أمن الدولة ومطاردة الجلادين وأباطرة التعذيب كان رد فعل طبيعي ضد هذا الجهاز الذي مارس الإرهاب ونشر الرعب في البلاد، وسام السياسيين وخاصة الشباب الإسلامي سوء العذاب في ظل حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك.
إن فظائع التعذيب وإهدار الآدمية في العهد السابق فاقت كل ما سمعنا عنه عبر العصور. لقد استطاع الجلادون الذين رباهم نظام مبارك ارتكاب جرائم ضد الإنسانية لم يكشف عن معظمها حتى الآن.
وشاء الله أن أكون شاهدا على جانب من هذه الجرائم في عام 1992 عندما اعتقلتني وزارة الداخلية 30 يوما لأشاهد بنفسي جانبا مظلما من تاريخ مصر، وأوثق في حينها بعض وقائع التعذيب التي تعرض لها البعض من الشباب الإسلامي، من خلال تجربة شخصية رويت تفاصيلها في جريدة الشعب من خلال خمس حلقات، كتبت فيها مشاهداتي عن إهدار الآدمية في سجون مبارك والتي كانت بحق مقابر تضم الآلاف من الأحياء.
وكانت هذه الأيام التي قضيتها في قبضة الجلادين منحة ربانية بالنسبة لي، ولم تكن شرا كما قد يظن البعض، وكان فضل الله علي عظيما. لقد كانت قناعتي أن الله اختارني واستعملني في هذا الوقت لفضح التعذيب الذي يتعرض له الشباب الإسلامي، وكشف معاناة المظلومين على أيدي الجلادين في الأوكار المظلمة.
وأود أن أقرر حقيقة، وهي أن وسائل التعذيب في بداية التسعينات التي رويت مشاهداتي عنها تطورت فيما بعد إلى وسائل أكثر بشاعة، ولم يرو أحد هذه الفظائع حتى الآن.
ورغم أنني كتبت شهادتي على التعذيب منذ 18 عاما فإنني رأيت أن إعادة نشرها يوضح أن ثورة 25 يناير المجيدة لم تبدأ في يناير وإنما هي حصاد جهاد سنين لقوي وتيارات ورموز. شارك في هذا الجهاد شباب مصري وقفوا بكل جرأة ضد مبارك ودفعوا ثمن رفضهم للنظام بالتعرض للتعذيب وقضاء أعمارهم في السجون.
وقد شاهدت الكثير من هؤلاء المعتقلين السابقين في ميدان التحرير منذ بداية الثورة وحتى تنحي مبارك، ينصبون خيامهم في صمت لإسقاط النظام ولم يحرصوا على الظهور والوقوف أمام الكاميرات.

فيما يلي الحلقات الخمس كما نشرت في حينها:

الحلقة الأولى: ثلاثون يوماً في مقابر الأحياء
---------------------------------------------

..الحكومة التي تذل شعبها وتعتقل شبابها وتعذب نساءها وتهين شيوخها، ما كان لها أن تحيا فضلاً عن أن ترفع رأسها بين الأمم، والحكومة التي تقوم على الظلم والبطش والطغيان لن تعيش طويلاً مهما زين لها المنافقون ودافع عنها أصحاب المصالح والمنتفعون، ففي الوقت الذي نرى فيه حكامنا يمدون أيديهم لليهود ويصافحون المجرمين سافكي الدماء، ويبحثون عن السلام الذليل مع الصهاينة، نراهم يعلنون الحرب علينا، وبدلاً من أن يصوبوا المدافع إلى أعدائنا نراها مصوبة إلى صدورنا العارية..وبدلاً من أن تضع الحكومة يدها في أيدينا كي نواجه الهجمة الغربية الشرسة على بلادنا ومقدرات أمتنا، راح أهل الحكم في مصر يصدرون القوانين ويفتحون السجون والمعتقلات للأحرار والشرفاء، ليكمموا الأفواه ويبطشوا بكل معارض، وأصبح المصري غير آمن على نفسه في بلده وبين أهله وعشيرته .. وكان آخر ما ابتدعوه ما يسمى بقانون مكافحة الإرهاب، هذا القانون الذي يحاكمنا على الخطرات والأفكار التي تدور في أذهاننا، القانون الذي يكشف حقيقة الوجه القبيح للذين يحكموننا بغير إرادتنا..وكان من قدري أن أكون من ضحايا هذا القانون لأذوق من مرارة الكأس الذي أعدوه لكل الأحرار في مصر.
ففي فجر يوم الاثنين 20 يوليو ، بينما أنا نائم في بيتي فوجئت بطرقات شديدة على الباب، فقمت أنا وزوجتي مفزوعين. من أول وهلة تأكدت أنهم زوار الفجر, ترددت لحظات، لا أدري ماذا أفعل. الطرقات تزداد شدة .. يا إلهي الباب قد يتحطم. أسرعت وفتحت الباب، فأنا أعلم ماذا يمكن أن يحدث إذا تأخرت لبعض الوقت. وما أن فتحت الباب حتى امتلأ البيت بعدد كبير من الضباط، أحدهم يحمل في يده بندقية غريبة الشكل، أعتقد أنها خاصة بالقنابل المسيلة للدموع !! انتشروا في كل أنحاء المنزل وكان كل واحد منهم يعرف مهمته. كل في مكان يفتشه .. لم يتركوا شبراً إلا وفتشوه، وبعد أن وجدوا ضالتهم هموا بالخروج.
كانت الغنيمة والمضبوطات الخطيرة التي عثروا عليها هي كالتالي : شنطة مليئة برسائل القراء متضمنة حلول المسابقة الرمضانية ، ثلاث أجندات بها أرقام تليفونات مصادري خلال العمل الصحفي منذ سنوات، وثيقة زواجي، عقد إيجار شقتي، بعض قصاصات من الصحف تتضمن مقالات لكبار الكتاب، تحقيقات صحفية من قضايا متفرقة، وبيانات للجماعة الإسلامية، لا توجد منه نسخة مكررة، وهذه أشياء موجودة لدى معظم الصحفيين ..
اقتادوني إلى مبنى مباحث أمن الدولة بالجيزة، مكثت حوالي 15 ساعة، ثم استدعوني للتحقيق، سألوني عدة أسئلة متفرقة لا تدور حول موضوع معين، وقال لي أحدهم ألا تعلم إن هذه المطبوعات (مطبوعات الجماعة الإسلامية) مجرمة في قانون الإرهاب الجديد، فأجبته بأنني بحكم عملي الصحفي فإني أقرأ كل شئ، فتساءل : ولماذا أنت بالذات يرسلون لك هذه المطبوعات ؟ فقلت له : وما أدراك أنني فقط ؟ فأنا اعتقد أن معظم الصحفيين ستجد لديهم مثل الذي عندي فكل صحفي لديه أرشيف خاص به، ومن يعمل في مجال الصحافة لابد أن يتابع ما يحدث في بلده سواء من تيارات إسلامية أو غيرها وأنا لميولي الإسلامية ترسل لي هذه الأشياء وتطرقت المناقشة إلى السياسة المصرية داخلياً وخارجياً.. وإحقاقا للحق فإنني لم أتعرض لأي سوء، إلا أنني كنت معصوب العينيين.
في نهاية الجلسة قال لي أحدهم: نحن مضطرون لأن نحيلك إلى النيابة ونتمنى أن يطلق سراحك، وأخرجوني لأعود إلى الحجز، وهو عبارة عن غرفة خشبية مظلمة رأيت فيها بعض المقبوض عليهم من محطات السكك الحديدية والشوارع وكلهم من الشباب الإسلامي ورأيت بينهم مواطناً جاء من أسوان حاول مقابلة رئيس الجمهورية في جامعة القاهرة أثناء انعقاد مؤتمر الحزب الوطني لتقديم شكوى خاصة به ففوجئ بالمباحث التي كانت تملأ المكان يقتادونه إلى أمن الدولة.

تهم ساذجة

قضيت ليلتي حتى الصباح وتم عرضي على نيابة أمن الدولة بتهمة حيازة منشورات تحض على كراهية نظام الحكم وتوزيعها باليد ..
فقلت لوكيل النيابة : إنني صحفي بجريدة الشعب، ورئيس تحرير جريدة صوت الشعب ، وأعبر عن رأيي بحرية تامة، وما أكتبه يقرأه مئات الألوف، ومن السذاجة أن أتهم بأنني أوزع منشورات .. لكن النيابة أمرت بحبسي 15 يوماً، وتم ترحيلي إلى سجن استقبال طرة حيث سجنوني في زنزانة انفرادية.
بمجرد دخولي صدمت .. يا إلهي ما هذه الزنزانة؟ إنها قبر .. نعم قبر.. الزنزانة مساحتها 1.5متر×3متر وبها دورة مياه، لا توجد بها فتحات للتهوية، يوجد شباك بأعلى الزنزانة مسدود بالخرسانة المسلحة ، وأخبرني المعتقلون أن محمد عوض مأمور السجن السابق ـ هو الذي سده ليمنع الهواء والشمس والضوء عن المعتقلين.
الزنزانة مظلمة و الحصول على المياه عملية صعبة جداً، وينبغي عليك أن تكون من هواة تسلق الجبال والمرتفعات، فلا يوجد داخل الزنزانة حنفية سوى محبس في أعلى السقف، إذا أردت ماء كان عليَّ أن أتسلق الحائط الذي يفصل بين الزنزانة ودورة المياه، والذي يبلغ ارتفاعه ثلاثة أمتار.
ونظراً لقلة التهوية داخل الزنزانة فقد انتشرت جميع أنواع الحشرات بالإضافة إلى الطفح المستمر للمجاري، وتشبع جو الزنزانة بالبخار يصيبك بالغثيان..وهذه القبور تطوي بين جدرانها المظلمة عشرات الأحياء جاءوا من مناطق شتى لا لشيء إلا أنهم يقولون ربنا الله .. مكثت في هذه الزنزانة عدة أيام..

إهدار الآدمية

وفي يوم الاثنين 27يوليو استدعوني وأوهموني بأن محامياً جاء لزيارتي فخرجت ولم يدر بخلدي ما يدبر لي، أجلسوني في غرفة قريبة من البوابة وأغلقوا بابها ووضعوا حراسة على الباب ـ كان هذا في حوالي الثانية ظهراً ــ طال انتظاري وبدأت أشعر بالقلق، أردت أن أستكشف الأمر فافتعلت مشكلة مع الحراس، وخرجت أنظر عسى أن أجد شيئاً، كان السجن خالياً من الزائرين. أدخلوني بسرعة وأغلقوا عليَّ الباب.. شعرت أن هناك أمراً ما يدبر لي في الخفاء. لم يطل انتظاري كثيراً وإذا بالباب يفتح بقوة ويقتحم الغرفة حوالي 15شخصاً يهجمون نحوي، أحدهم يمسك في يده القيد الحديدي (الكلابش) وآخر شاهر في وجهي قطعة قماش لتعصب عيني رأيت في عيونهم الشر .. طلبت منهم أن يسمحوا لي بأن أرتدي ملابسي وأذهب معهم صرخوا في وجهي ( ستأتي معنا الآن ) وهجموا عليّ. حاولت المقاومة ولكن ماذا تجدي شجاعة مع كثرة عاتية ؟! وأسفرت هذه المعركة غير المتكافئة عن تمزيق جلبابي ووضع الكلابش في يدي خلف ظهري وتعصيب عيني وبعض اللكمات. اقتادوني إلى غرفة أخرى ودخل عليَّ أحدهم ووجه لي بعض الشتائم ولكمني بقبضة يده في ظهري .
بدأت أشعر أن القيد الحديدي يغوص في يدي، فهو نوع حديث أمريكي الصنع يختلف عن الكلبشات التي نعرفها، فمع كل حركة لليد يضيق أكثر مثل السوستة .. صرخت فيهم وطلبت منهم أن يفتحوا القيد درجة واحدة ولكن دون جدوى .

ساقوني أمامهم كما تساق الخراف إلى خارج السجن ووضعوني في سيارة ملاكي وغطوني بجلبابي الممزق، وفي هذه الأثناء انقطعت عن الدنيا تماماً، وبدأت أشعر أنني ذاهب إلى بيت الجلادين، مقر مباحث أمن الدولة ، وكم هو إحساس مخيف أن ترى نفسك مقيد الحركة تماماً وفاقد الرؤية وممزق الثياب ولا أحد يعلم عنك شيئاً ولا حول ولا قوة إلا بالله. كانت الدقائق تمر كأنها سنوات. أخيراً توقفت السيارة ساقوني أمامهم وصعدت سلالم وأوقفوني أمام أحد المكاتب. فكوا القيد الحديدي، وفي هذه اللحظة لم أشعر بيدي اليسرى، لقد تورمت .. وبعد دقائق أدخلوني إلى غرفة كنت أرتدي بنطلوناً وفانلة وكأنني من عتاة المجرمين، أو أحد قيادات المافيا .. وبدأ التحقيق شعرت بأن الغرفة بها عدد كبير من المحققين. لم أرى أحداً منهم. قال لي أحدهم : احكي قصة حياتك وتحدث بصراحة بالذوق ولا تضطرنا لأساليب أخرى أنت تعرفها ..
فقلت له :اسألني وأنا أجيبك .. فصاح قائلاً : نحن نعرف عنك كل شيء ولن نسألك وإنما سنتركك تتحدث ونحن نسمع لك ، فقص علينا كيف بدأت تلتزم ؟ وما نشاطك داخل الجامعة ؟
بدأت أروي، لهم فليس لدي ما أخفيه ، سألوني عن أفراد الجماعة الإسلامية الذين أعرفهم ، أو الذين يترددون على الجريدة، والذين يأتون بأخبار أو مقالات، والمحامين الإسلاميين الذين أعرفهم .. فأخبرتهم أني لا أعرف أحداً ..وإذا كان هناك من يأتي بأخبار فإنه لا يذكر اسمه للأسباب الأمنية .
ولكن يبدو أن إجابتي لم تعجبهم.. سألوني عن المطبوعات التي وجدوها في منزلي فأخبرتهم أنها وصلتني بالبريد وهي أوراق عادية وموجودة لدى الصحفيين .
كرروا هذه الأسئلة عدة مرات ثم أخرجوني لبعض الوقت بعدها أدخلوني مرة أخرى، وسألوني نفس الأسئلة واستمر التحقيق عدة مرات بعدها صرخ أحدهم في وجهي :( أنت مش نافع معاك الذوق وسأجعلك تتكلم ) وأخرجوني ثم وضعوا القيود في يدي من الخلف وأدخلوني .

فصل من التعذيب

وبدأ معي ما كنت أسمع عنه وأكتبه نقلاً عن الآخرين بدأ فصل من فصول التعذيب الهمجي، أمسك أحدهم بلحيتي وصرخ في وجهي، كان صوته غليظاً كأنه أحد القادمين من قعر التاريخ، وبدأ يصعقني بالكهرباء في رقبتي وفي صدري .. لم أر شكل الآلة التي يستخدمها إلا أنها تصدر فرقعات مثل المدفع الرشاش بدأ جسدي ينتفض بشدة .. صرخت كانت صرخاتي عالية، كنت أصرخ من أعماقي. أصبت بحالة هستيرية، ومع كل صعقة تخرج مني صرخة مدوية تزلزل أركان المكان، لم أكن أعرف من قبل أن هناك آدميين بهذه القسوة والطغيان، لا أستطيع أن أعبر عن مدى بشاعة الإحساس في تلك اللحظات؛ فقد شعرت أنني لست إنساناً ولا حتى حيواناً .. وحوش كاسرة جاءوا من عالم غير عالمنا يستأسدون على أسير عاجز عن المقاومة.
أصعب شيء على الإنسان أن يرى نفسه عاجزاً عن الدفاع عن نفسه أمام زبانية وطواغيت باعوا أنفسهم للشيطان، وكم تمنيت في تلك اللحظات أن أموت على أيدي هؤلاء الجلادين المجرمين.
كنت في ذهول مما يحدث فأنا لم أرتكب جرماً ولم أقترف إثماً، ولكن كان عزائي الوحيد أنني أقول ربي الله .
شعرت بأن الدنيا تدور بي، وحقيقة لم أجد مبرراً لما يحدث ولا أعرف اتهاما محدداً ، قلت لهم : ليس لدي شيء وما عندي قلته لكم فلماذا تعذبونني؟ فصرخ فيَّ هذا الطاغية الذي يصعقني، صاح بصوته الأجش قائلاً : ( لكي تنجّي نفسك من هذا العذاب ليس أمامك إلا حل واحد ، لابد أن تنكسر ، ودعك مما أنت فيه وانظر إلى مستقبلك .. أما إذا كنت مصراً على ما أنت عليه فنحن على استعداد لئلا ندعك تبيت أسبوعاً واحداً في بيتك ونحن قادرون على أن نلفق لك قضية ، ونعد لك محضر تحريات ( ما يخرش المية ) وأنت عارف أن قانون الإرهاب الجديد أقل عقوبة فيه 5 سنوات وسنتركك تفكر) .
وتوقف التعذيب وأخرجوني من الغرفة، كنت أقف على قدمي بصعوبة فجلست على الأرض أسترد أنفاسي لمدة ربع ساعة تقريباً، بعدها أدخلوني مرة ثانية وسألوني نفس الأسئلة .
في اللحظات التي كنت أجلس فيها خارج الغرفة كنت أشعر بأن هناك محتجزين آخرين لم يحقق معهم فقد كانوا متفرغين لي وحدي، وما استطعت أن أسمعه تألم أحد المعتقلين، وهو يطلب منهم أن يقف بجوار الشباك ليستنشق بعض الهواء.
أستمر التحقيق معي حتى الثانية صباحاً، ثم ساقوني أمامهم في الطرقات ومن يمسك بي يأمرني بأن أطأطيء رأسي ليوهمني بأنني أسير داخل أنفاق، ثم وضعوني في عربة انطلقت بي وأعادتني إلى سجن الاستقبال مرة أخرى، كل هذا وأنا مازلت معصوب العينين لم أر أحداً منذ خرجت منذ أذان العصر حتى عودتي مرة أخرى في الثالثة صباحاً.

عودة إلى السجن

وصلت إلى السجن منهك القوى تماماً ..ألقوا بي في زنزانة مظلمة ارتميت ولم أشعر بنفسي إلا بالباب يفتح عليَّ في العاشرة من صباح اليوم التالي ومكثت في هذه الزنزانة لعدة أيام . حدث أن أصبت بمغص كلوي حاد قبل انتهاء فترة الحبس الاحتياطي الأولى حيث أعالج من التهاب في الكلى، ونظراً لعدم تناول العلاج طوال هذه المدة ولسوء جو الزنزانة تدهورت حالتي؛ فأتوا بطبيب السجن الذي أمر بإخراجي من هذه المقبرة، وتسكيني في الدور الثاني حيث الزنازين صحية نوعاً ما .. وأمر بشراء الدواء من الخارج ، إلا أنني علمت أن مأمور السجن رفض هذا وورد إلى علمي أن هناك أوامر من مباحث أمن الدولة بتسكيني انفراديا. . عرضت يدي اليسرى على طبيب السجن لتشخيص ما أصابها فكان التشخيص : تهتك في أعصاب الأطراف نتج عنها فقدان الإحساس في ظاهر الكف وأعطاني بعض الفيتامينات، وما زالت يدي حتى الآن لم تشف بعد وإن كانت قد تحسنت كثيراً بعد العلاج الذي تابعه الدكتور (نبيل زاهر ) المعتقل حالياً بالسجن .


بعد انتهاء مدة الحبس الأولى تم عرضي على النيابة التي أثبتت الإصابات وأحالتني إلى الطبيب الشرعي وأمرت في نفس الوقت باستمرار حبسي 15 يوماً أخرى. وفي هذه الأثناء كانت الضغوط التي مارسها الأستاذ (مكرم محمد أحمد) نقيب الصحفيين تؤتي ثمارها، وكذلك الجهود التي بذلها حزب العمل وخاصة الأب الفاضل الأستاذ ( إبراهيم شكري ) وتضامن الزملاء الصحفيين ..كل هذا أدى إلى تحسين المعاملة داخل السجن؛ فوافقوا على نقلي من المقبرة إلى الدور الثاني حيث الزنازين الجماعية لأقضي باقي أيامي مع المعتقلين .

حكاية مصلحة السجون

فاجأني ما نشر على لسان مدير مصلحة السجون من أنني لم أتعرض للتعذيب في السجن، وأن هناك إقرار بخط يدي يثبت ذلك !! فوجئت لأن هذا الكلام غير دقيق .
فالحقيقة أن الأستاذ ( علاء عامر ) المحامي تقدم ببلاغ للنائب العام ضد وزير الداخلية ومصلحة السجون لاضطهادي داخل السجن وحبسي في زنزانة انفرادية غير آدمية، وكان من المفترض أن يرسل النائب العام عضوا من النيابة إلى السجن للتحقيق في هذه الاتهامات .. إلا أن ما حدث أن النائب العام أحال البلاغ إلى مصلحة السجون، فتم استدعائي إلى إدارة السجن لمقابلة العقيد ( سامي عبد اللطيف) مفتش مباحث المصلحة والمقدم ( علاء الدين صالح ) رئيس مباحث المصلحة وأخبراني أنهما جاءا للتحقيق في البلاغ المقدم من الأستاذ (علاء عامر )
ففاجأني هذا الإجراء؛ إذ كيف يكون الخصم هو الحكم؛ فإدارة السجن ومصلحة السجون ومباحث أمن الدولة ووزير الداخلية كلهم خصوم بالنسبة لي؛ لأنهم جهة واحدة ..فكيف يحقق معي مسئول من المصلحة وأنا سجين لديهم ؟!!
وخاصة أن معظم المسئولين في مصلحة السجون كانوا ضباطاً في مباحث أمن الدولة، كما أخبرني بذلك المقدم (حلمي هاشم ) المعتقل حالياً بسجن الاستقبال لانتمائه الإسلامي ، وقد كان يشغل منصب نائب مأمور سجن أبو زعبل، ثم رئيس لجنة العلاقات الإنسانية بمصلحة السجون لضمان السيطرة الكاملة على السجون .

ولا أنكر أن العقيد (سامي عبد اللطيف) والمقدم (علاء صالح) أبديا استعدادهما لتذليل كافة العقبات وتلبية جميع طلباتي، وقالا لي أن ما يسألاني عنه هو : هل هناك مشاكل مع إدارة السجن ؟ فقط ولا صلة لهما بما حدث في أمن الدولة !!
وعندما وصلنا إلى ما حدث ليدي اليسرى داخل السجن قالا:إن التحقيق قد يتوسع ليشمل كل من في السجن، وكذلك مباحث أمن الدولة ونحن نقترح أن نكتب عن إصابتك أنها نتجت عن المقاومة حتى نغلق المحضر، فقلت لهم اكتبا ما تريدان فأنا أعلم أن مثل هذا التحقيق لا يعتد به لما به من إكراه غير مباشر، ولولا أن رئيس المصلحة ورط نفسه وتكلم في هذه الموضوع ما كنت تناولته .
وفي النهاية تبقى كلمة ..إذا كان الإفراج عني تم بعد ضغوط فإن هناك الآلاف داخل السجون لا يجدون من يدافع عنهم، وإذا كنت قد تعرضت لبعض التعذيب ولم أفعل شيئاً فما بالكم بمن يتهم بأنه يدعو الناس أو يخطب في المساجد وغير ذلك من الاتهامات ؟
فعلى الحكومة أن تعي أن الإرهاب المنظم الذي تمارسه لن يوقف قدر الله وعليهم أن ينظروا إلى الحكومات المستبدة الظالمة التي تتساقط في كل مكان وإن لم يفيقوا ويفتحوا الأبواب ويطلقون الحريات فعليهم أن ينتظروا الطوفان . وحسبنا الله ونعم الوكيل .
المصدر والبقية