المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ محمد حسين من المسجد الأقصى بتاريخ 8/11/2002م وفق 3 رمضان 1423 هجري


admin
05-12-2009, 04:48 PM
تاريخ الخطبة: 03 رمضان 1422 الموافق ل 8/11/2002م
عنوان الخطبة: اغتنام رمضان
الموضوع الرئيسي: فقه
الموضوع الفرعي: الصوم
اسم الخطيب: محمد أحمد حسين

ملخص الخطبة
1- استمرار الاعتداءات اليهودية على مقدسات المسلمين. 2- دعوة لاغتنام فرصة رمضان. 3- فضل عبادة الصوم. 4- انتصارات المسلمين في شهر رمضان.

الخطبة الأولى
عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله العظيم وطاعته، وأحذركم وإياي من وعصيانه ومخالفة أمره، بقوله تعالى: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifمَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [فصلت:46].
أيها المسلمون، أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، يا أحباب المصطفى عليه الصلاة والسلام، وقد وفدتم على رب كريم في بيته المقدس، الذي على التوحيد والتقوى تأسس، وقد حزتم حلقة الفضل من جميع أطرافها، بخصوصية الزمان والمكان والإنسان، فأنتم في يوم الجمعة الذي شرفه الله على سائر الأيام، وفي شهر رمضان المبارك الذي اختصه الله بفريضة الصيام، ونزول القرآن ومضاعفة الأجر والثواب لكل من صلى وصام وقام، وقد وفقكم الله لشد الرحال إلى هذه الرحاب الطاهرة، التي بارك الله فيها وجعل ما حولها مباركاً في إسرائه تعالى بنبيه على الصلاة والسلام إلى مسجدها الأقصى، وعروجه به من فوق صخرتها المشرفة، إلى السماوات العلى، في ربط عقدي بين رموز التوحيد في الأرض، ووصل هذه الأرض بالسماء إيذاناً بربط رسالة أمتكم بسائر الرسالات وبإرث النبوات.
أيها الإخوة، نعيش في وقت اشتد فيها وطأة الاحتلال وتمادى فيه العدوان فمنع عباد الله من الوصول إلى بيت الله http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [البقرة:114]، اللهم إليك نشكو ظلم الظالمين واعتداء المعتدين ونسألك يا رب العالمين أن تحفظ الإسلام والمسلمين في هذه الديار وفي كل مكان، من كيد الكائدين واعتداء المعتدين وغطرسة البغاة والمجرمين، إنك نعم المولى ونعم المصير، وندعوك ربنا أن تتقبل صيامنا وتكرم وفادتنا وترحمنا برحمتك التي وسعت كل شيء وتكلأنا بعين رعايتك الذي أحاطت بكل شيء علماً.
أيها المسلمون، أيها الصائمون، وقد أظلكم شهر رمضان شهر الصيام وشهر القرآن شهر التراويح والتسابيح وموسم الخير والطاعات وشهر العزة والانتصارات، إنه محطة الإيمان الذي يتزود فيها المسلم بزاد التقوى، http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifلَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [البقرة:179]، ويشحذ همته ويقوى عزيمته، ويمتحن صبره ويجدد بيعته لله على الطاعة، باتباع أوامره واجتناب ما نهى عنه، شاكراً مولاه أن بلغه هذا الشهر الفضيل الذي حرم منه سواه بحلول الأجل والرحيل عن الأهل والمال والولد، فهنيئاً لمن أخذ من يومه لغده، وغنم صحته قبل سقمه، وقوّته قبل ضعفه، وشبابه قبل هرمه، وغناه قبل فقره، فأقبل على الله في هذا الشهر الفضيل، بتوبة نصوح ونية خالصة صادقة، وعزيمة ثابتة على التزام الطاعة وفعل الخيرات، وترك المنكرات، فقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه))[1] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2002-11-08.htm#_ftn1)، فيا سعادة من حرر النية وعقد العزيمة على صيام رمضان وقيامه، تصديقاً بوعد الله وثوابه وانتظاراً الأجر الجزيل من رب كريم، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((كل عمل بن آدم يضاعف، الحسنة بعشرة أمثالها، إلى سبع مائة ضعف))[2] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2002-11-08.htm#_ftn2)، وفي ما يرويه صلى عليه وسلم عن ربه قال الله عز وجل: ((إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه))[3] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2002-11-08.htm#_ftn3).
أيها المسلمون، أيها الصائمون، لقد بينت هذه الأحاديث الشريفة عظيم فضل الصيام، فقد اختص الله تعالى الصيام لنفسه، من بين أعمال العبد، وفي هذا تفضيل للصيام، ومن جهة هو دلالة على أوليته على سائر العبادات، فالصوم سرٌ بين العبد وربهُ، وهو أبعد العبادات عن مظاهر الرياء، فالصائم يخشى الله ويرغب في ثوابه، يدع شهوته وطعامه من أجل الله،.
إن الأعمال تضاعف بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف، إلى أضعاف كبيرة، أما عبادة الصوم، فإن الله تعالى اختصها من بين أعمال العبد، ليجزى عليها الجزيل دون حد، وإن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وخلوف فم الصائم تغير رائحته بسبب الصيام لخلو المعدة من الطعام والشراب، هذه الرائحة الذي قد يستقذرها الإنسان أكرمها الله بأنها أطيب من ريح المسك.
وهذا التغير لما كان ناشئاً من طاعة الله عز وجل لصيام كان الجزاء لصاحبه، أن جعله الله أطيب من ريح المسك.
ويفرح الصائم في رمضان، ويدرك الصائم هذا الفضل بفرحته عند فطره، بتمام صومه وكمال عبادته بتوفيق الله وفضله، وتزداد الفرحة، وتزداد الفرحة عند لقاء ربه، بما يجد من ثواب الصيام، وإكرام الله له، فالصيام يشفع لصاحبه يوم القيامة، لما رواه بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى عليه وسلم قال: ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه، ويقول القران: منعته النوم بالليل فشفعني فيه قال: فيشفعان))[4] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2002-11-08.htm#_ftn4).
أيها المسلمون، هذه بعض فضائل الصيام، الذي افترضه الله علينا في شهر رمضان، فاحمدوا الله واذكروه أن بلغكم شهره المبارك واحرصوا على عمارة أوقاته بأنواع الطاعات، من قيام وذكر ودعاء، وتلاوة وتدبر لكتاب الله، واعملوا على إشاعة الخير بين الناس، بمواساة الفقراء والمحتاجين، وليكن الصيام الذي يوحد المسلمين في إمساكهم وإفطارهم، موحداً لمشاعرهم تجاه الجياع والمحرومين، ولعل من ثمرات الصيام إرهاف الحس بحاجة المحتاج وإغاثة الملهوف، وما أكثرهم بين أبناء شعبنا المرابط الذي يتعرض لشتى أنواع الحصار والإغلاق ومنع التجوال وسائر الممارسات الاحتلالية الغاشمة، من قتل وترويع وتجريف للأرض واقتلاع للمزروعات.
واحفظوا أيها الصائمون صيامكم، من شوائب الذنوب كالغيبة والنميمة، وقول الزور، فقد ورد في الحديث الشريف: ((من لم يدع قول الزور والعمل به فليس بالله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه))[5] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2002-11-08.htm#_ftn5) والله در القائل:
إذا لم يكن في السـمع مني تصـامم وفي مقلتي غــض وفي منطقي صمت
فحظي إذن من صومي الجوع والظما وإن قلت: إني صمت يوماً فمـا صـمت
اللهم كما بلغتنا شهر رمضان فأعنا على صيامه وقيامه، وإتمامه، واجعل أعمالنا خالصة لوجهه، وأعتق رقابنا ورقاب والدينا ورقاب المسلمين من النار يا عزيز يا غفار، جاء في الحديث الشريف عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله تعالى إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً))[6] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2002-11-08.htm#_ftn6)، أو كما قال.
فيا فوز المستغفرين، استغفروا الله وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.



<HR align=right width=33 SIZE=1>[1] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2002-11-08.htm#_ftnref1) رواه البخاري من حديث أبي هريرة (37)، كتاب الإيمان، باب تطوع قيام رمضان، ومسلم في صحيحه (759)، كتاب: صلاة المسافرين، باب: الترغيب في قيام رمضان.

[2] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2002-11-08.htm#_ftnref2) رواه مسلم عن أبي هريرة (1151)، كتاب الصيام، باب: فضل الصيام.

[3] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2002-11-08.htm#_ftnref3) راجع تخريج الحديث السابق.

[4] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2002-11-08.htm#_ftnref4) رواه أحمد في مسنده (6589).

[5] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2002-11-08.htm#_ftnref5) رواه البخاري عن أبي هريرة (1903)، كتاب: الصوم، باب: من لم يدع قول الزور...

[6] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2002-11-08.htm#_ftnref6) رواه البخاري من حديث أبي سعيد الخدري (2840)، كتاب: الجهاد، باب: الصوم في سبيل الله ونحوه في مسلم (1153)، كتاب الصيام، باب: فضل الصيام في سبيل الله.




الخطبة الثانية
الحمد الله الهادي إلى الصراط المستقيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن اهتدي بهديهم واقتفى إلى يوم الدين.
وبعد:
أيها المسلمون، إن شهر رمضان شهر العزة في الإسلام، هو نقطة مضيئة في تاريخ أمتكم، فيه استلهمت أمتكم الصبر على الطاعة وقامت بإعداد وحمل الدعوة والدفاع عنها، فقد وقعت في شهر رمضان الأحداث الفاصلة في تاريخ المسلمين، حتى غدا شهر رمضان سجلاً حافلاً بأمجاد أمتكم، وحري بنا أن نطل على صفحاته المشرقة، لنأخذ العبرة والعظة لتنهض الأمة على هدي السلف الصالح، الذين تمسكوا بكتاب الله المنزل في شهر رمضان، فخرجوا من الظلمات إلى النور، ومن الهوان إلى القوة، ومن الفرقة إلى الوحدة، ومن الهزيمة إلى النصر، فانتقلت كتائب الصائمين من ظل الإسلام، تسطر بحروف من نور خبر عزة الأمة ومجدها.
من أهم الغزوات والمعارك الفاصلة في تاريخ هذه الأمة غزوة بدر الكبرى http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [آل عمران:123]، ثم كان الفتح الكبر لمكة المكرمة بهزيمة الشرك والمشركين http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَقُلْ جَاء ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَـٰطِلُ إِنَّ ٱلْبَـٰطِلَ كَانَ زَهُوقًاhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الإسراء:81]، هذا الفتح الذي يرسم خارطة العودة إلى الديار الإسلامية في كل زمان ومكان.
وفي رمضان ثبت المسلمون في وجه الهمج المغول والتتار، فهزموهم في عين جالوت، يوم صاح قائد المسلمين: وا إسلاماه.
وفي رمضان، فتح المسلمون عن عمورية انتصارًا لامرأة مسلمة استنجدت بخليفة المسلمين المعتصم، فمن للمستغيثات اليوم أيها الحكام والمحكومون؟!
أيها المسلمون، إن الراية الذي استظل بها المسلمون في هذه المواقع وغيرها هي راية الحق والجهاد في سبيل، صدقوا الله فصدقهم، وآمنوا به فكان عوناً لهم، وما كان للباطل أن يهزم الحق الذي يؤيده الله بنصره، ويمده بجند من عنده، والله يقول: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifيٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [محمد:7]، فما أحوج المسلمين اليوم إلى توحيد صفهم وجمع كلمتهم والعمل على استئناف حياة إسلامية كريمة يؤسسها القرآن ويحدوها نبينا عليه والصلاة والسلام، بعيدا عن كل الرايات العمّية، والعصبيات الجاهلية والحدود القطرية والنزاعات الإقليمية، فآخر هذه الأمة لا يصلح إلا بما صلح عليه أولها، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي))[1] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2002-11-08.htm#_ftn1).
أيها المسلمون، هناك ملاحظة، فإنه قد شاع بين أطفالنا بل وشبابنا ما يسمى بلعبة المفرقعات هذه التي تضر بالمال وتضر بالأشخاص وتروع الآمنين، فاحذروا أيها الإخوة، وخذوا على أيدي أبنائكم من استمرار في هذه الظاهرة، جزاكم الله خيراً.

<HR align=right width=33 SIZE=1>[1] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2002-11-08.htm#_ftnref1) رواه مالك في الموطأ من حديث عمر (1661).