المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من كتابات المفكر محمد نافع أبو رامي *


نائل أبو محمد
06-10-2009, 10:25 PM
عمالة ايران لأمريكا ( التحليل السياسي ورسم السياسات )

بسم الله الرحمن الرحيم

التحليل السياسي ورسم السياسات

يدرِك من يتصدى لإعطاء الرأي في الأحداث السياسية المتجددة والمتعددة صعوبة فهم الأحداث والرجال الفاعلين فيها، حتى المتمرسين في المتابعة السياسية. وهنا يقع سؤال طبيعي هو: كيف يمكن التوصل إلى الرأي السياسي بشكل يجعله أقرب ما يكون إلى الصواب؟ والسؤال الذي يليه هو: ما أهمية تحليل الأحداث وإعطاء الرأي فيها، علماً بأن الصعوبة لا تقتصر على التوصل إلى الرأي فحسب، بل أنها تتعدى ذلك إلى نقل الرأي وإقناع المتابعين للسياسة، ناهيك عن عامة الناس، فهل يستحق إعطاء الرأي السياسي كل ذلك الجهد والعناء؟
قبل الإجابة على السؤال الأول نقول إن قضية المسلمين هي سياسية بالدرجة الأولى، ومن هنا فإن من يعمل في هذه القضية لا يستغني عن فهم الأحداث والرجال، فهو يرغب في تسلم قيادة المسلمين ليغيّر واقعهم ويغيّر بهم واقع غيرهم، ولذلك كان لزاماً عليه أن يتخذ موقفاً من الأحداث، فالسؤال: هل الخميني مخلص لله ورسوله أم عميل؟ ولا مفر من الإجابة عليه بالنسبة لنا، فإن كان مخلصاً فسيكون الموقف تجاهه بخلاف حالة كونه عميلاً. وعليه فإن من لا يفهم الأحداث لا يستطيع أن يتصدى للقيادة، بل هو محتاج إلى من يقوده. ولا شك أن أهمية فهم الأحداث والرجال تزداد لمن يتسلم زمام الحكم لدولة تتطلع إلى دور قيادي في العالم، لأن رسم سياسة تفصيلية للدولة لا يتأتى دون الفهم الصحيح للأحداث وللعالم بشكل عام. فهو بذلك سيلعب دور المهندس المعماري الخلاق للسياسة فيسوغ دولة وإدارة حديثة من لا شيء، فيرسي دعائم في فن الحكومة تكون مَناراً للأجيال القادمة.
يرتكز التحليل السياسي على أمرين: أولهما المعلومات السياسية، والثاني الربط. واختلاف الرأي عند المحللين ناتج عن اختلاف المعلومات عندهم كثرة أو قلة، وعن الاختلاف في قوة الربط وضعفه، أي القدرة العقلية والمعلومات السياسية، منها ما هو متعلق بالموقف الدولي ومنها ما يتعلق بالحدث المحلي الذي يراد إعطاء الرأي بحقه، والموقف الدولي رهن بسياسة الدولة الأولى في العالم وهي حالياً أمريكا، ولذلك فإنه من الأهمية بمكان فهم السياسة الأمريكية ومراقبتها لرصد ما يطرأ عليها من تغيرات، وهذا يتطلب معرفة من يحكم أمريكا ومن يرسم السياسة فيها، والسياسيين الذين يلعبون دوراً في تنفيذها. والمعلومات السياسية يمكن الحصول عليها بمتابعة الأخبار من مصادرها وفي الإذاعات والصحف مع مراعاة التفريق بين الخبر والرأي وإمكانية أن يكون الخبر مدسوساً، ومع تقديم لمصادر الأخبار من حيث الدقة والكثرة.
ومع أن الموقف الدولي لا يقف عند حال من الأحوال، فهو في حالة تغيُّر مستمر، إلاّ أن بعض التغيرات تكون جذرية وبعضها تكون غير ذلك. فمن التغيرات الجذرية التي حصلت في السياسة الأمريكية مثلاً الانتقال من الحرب الباردة إلى الوفاق مع روسيا وذلك سنة 1961م.
ومنها أيضاً ما يسعى كارتر إلى إحداثه وهو الانتقال من حالة الوفاق مع روسيا إلى حالة المجابهة.
ومن الناس من يعطي رأياً في الأحداث دون أن يكون له سند أو أدلة من الأحداث والوقائع، ثم يبدأ بعد ذلك في تفسير الأحداث لتوافق الرأي، وهذه العملية ليست من قبيل التحليل السياسي بل هي من قبيل التخمين والتنجيم، ولا ترقى إلى مستوى التحليل السياسي، ولو كان الرأي صحيحاً.
والأوْلى في حالة عدم وضوح الرؤية التوقف عن إعطاء الرأي حتى تتضح الأمور. وإذا ما استعرضنا أحداث إيران نرى عملية إسقاط الشاه قامت بها على ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى، خلخلة الحكم وإيجاد الفراغ وذلك بإظهار الشاه وأعوانه كقوة غير قادرة على تصريف الأمور، وذلك عن طريق المظاهرات الصاخبة والاضطرابات والقلاقل، وقد شارك الخميني في هذ ه الأحداث عن طريق أنصاره حيث كان يثيرهم من منفاه في العراق.
المرحلة الثانية، وهي مرحلة إيجاد البطل المزيف. وتبدأ منذ أن غادر الخميني العراق الذي أظهر حرصاً على الشاه، فحينما رأى أن الخميني قد دخل في صراع مكشوف مع الشاه على السلطة، أخرجه، ويكفي للتدليل على دعم العراق للشاه قبوله استقبال زوجة الشاه في وقت كان يتعرض فيها لهزات مميتة من جماهير بلاده. فاستقبل صدام حسين الشهبانو فرح بحفاوة وسمح لها بمقابلة الخوئي المرجع الشيعي الأعلى الذي استجاب لطلب المساعدة من الشاه، فأصدر بيانات تطالب بالهدوء والسكينة وزعتها طائرات الهيلوكوبتر في يوم عاشوراء في طهران.
انتقل الخميني إلى باريس في أكتوبر سنة 1978 وواصل حملته على الشاه، وقد أظهرت الحكومة الفرنسية تبرماً من حملة الخميني على الشاه وطلبت منه إما أن يخفف منها أو أن يخرج من فرنسا، إلاّ أنها عادتت وسكت عنه، وفي باريس تم تحويل الخميني من آية من آيات الله وهم كُثر إلى ما يشبه الأسطورة، والفضل في ذلك كله يعود إلى ما يسمى "التلاعب بوسائل الإعلام"، فلو أن وسائل الإعلام الغربية مارست سياسة التعتيم على أنباء الخميني كما تفعل حيال المخلصين، لمَا زاد الخميني وزناً عن الآلاف من معارضي حكم الشاه المنتشرين في أوروبا وأمريكا. وعلى العكس من ذلك فقد سلطت عليه الأضواء بشكل لافت للنظر وأصبح يظهر على شاشات التلفزيون في أوروبا وأمريكا، كما فتحت له المجلات الأمريكية والغربية أبوابها فظهرت صورته على غلاف الكثير منها وأخذ الصحفيون في التسابق على مقابلته، وأصبح مقره قرب باريس يغص بالقاصدين من أصحاب الحركات ومن السياسيين، وهكذا أسطورة الخميني زادت قدرته على تحريك الجماهير ضد الشاه.
المرحلة الثالثة والأخيرة، هي مرحلة الانقلاب النهائي، وقد بدأت بإقناع الشاه بمغادرة إيران. وقد مارست أمريكا ضغطاً مباشراً على الشاه ليخرج، فشكّل مجلس وصاية وكلّف بختيار ليشكّل حكومة مدنية، ولم يخرج الشاه إلاّ مضطراً، فقد صرح الجنرال منوشهر خسروداد "ان بختيار سيحفر قبره بيديه إذا سمح للشاه بمغادرة إيران". وبعد أن استقر الشاه في المغرب وصرح لأحد زائريه فيما نقلته مجلة التايم أن كارتر هو المسؤول عما حدث في إيران. وقال إن الأمريكان ضغطوا عليه ليتنازل عن العرش ولمّا رفض أمروا استخباراتهم بالعمل لإسقاطه. وقد قال بعضهم إن بختيار ضالع مع الخميني. وكان ذلك أيضاً من قبيل التخمين والتنجيم، والأدلة على أن بختيار كان يعمل ضد الخميني بإخلاص هي:
أولاً، أن الشاه عقد النية على مقاومة أمريكا ومحاربة خططها حتى النهاية، وكان يظن أن قواه في الجيش راسخة، ويدل على ذلك تصريحه وهو في المغرب لإحدى الصحف البريطانية، حيث قال "إنني ما زلت حاكم إيران الفعلي وقائد الجيش"، لذلك كان تعيينه لبختيار دليل على ثقته به وثقة الضباط الموالين له.
ثانياً، وردت أنباء تفيد أن الإنجليز ساعدوا على تأليف حكومة بختيار حيث أرسلوا وزير خارجية بريطانيا السابق اللورد جورج براون، فزار الشاه واتصل بالمعارضة، وصرح على التلفزيون البريطاني أنه لعب دوراً في تشكيل حكومة بختيار، وقد أيد ذلك الخميني الذي قال بعد عودته إلى طهران إن الإنجليز يعملون على عودة الشاه إلى إيران.
ثالثاً: لقد قاوم بختيار الخميني بحنكة وسرق شعاراته، وحاول أن يحتويه سياسياً بأن منع الجيش من التصدي لمظاهراته ورتّب لعودته بحيث يسلبه سحره. ولو صمد الجيش لَما تمكّن الخميني من الوصول إلى الحكم، لأن بختيار شكّل واجهة سياسية للضباط الموالين للشاه، وقد هاجم بختيار أنصار الخميني، وشبّه وسط الخميني بحديقة حيوانات. وسواء عاقبته جماعة الخميني أم شفع له صديقه بازركان، فإن الأدلة السابقة كافية للحكم عليه. أمّا كريم سنجابي فقد حاول أن يتقرب إلى الخميني فصدّه ولم يرِد اسمه من بين أعضاء المجلس الثوري الذي أعلنه الخميني في باريس، وقد عرض سنجابي تشكيل حكومة قبل أن يشكلها بختيار، ووضع لذلك شرطاً وهو رضا الخميني، وحتى بعد انتصار الخميني وسقوط بختيار فإنه ورد في إحدى الصحف الأجنبية أن الخميني رفض استقبال سنجابي، وقالت الصحيفة إن المراقبين فسروا ذلك على أنه موت سياسي لسنجابي، لكن بازركان عاد فعيّنه وزيراً للخارجية، وذلك يعود لقلة السياسيين الموالين لأمريكا، فالوسط السياسي بمعظمه في إيران يسيطر عليه الإنجليز.
في المرحلة الأخيرة كثفت أمريكا أعمالها السرية في كسب الضباط وتخذيلهم عن الشاه. فقد ذكرت الأنباء أن أمريكا زادت موظفي سفارتها في طهران بستين موظفاً من رجال الاستخبارات، وعندما كشفت روسيا ذلك ردّت أمريكا أن هؤلاء الموظفين أُرسلوا للمساعدة في الأمور القنصلية. كما أرسلت كذلك الجنرال هويزر المعروف بصداقاته مع الضباط الإيرانيين، ولا سيما أنه من ضباط سلاح الجو الأمريكي، وقد مكث في طهران قرابة شهر، ولم يغادرها إلاّ قبيل انهيار أنصار الشاه بأيام، فبعد أن عاد الخميني ظهر أن حملته ضد النظام قد أخذت تفقد زخمها حتى أنه يقال إن بازركان قال حين أصر الخميني على العودة إلى طهران: "إنه رجل مجنون"، وفجأة انهارت مقاومة الجيش للخميني. وقد روى قائد سلاح الجو الإيراني بأن رئيس الوزراء أمر بنسف مصنع للذخيرة حتى لا يقع في يد أنصار الخميني وذلك يوم الأحد صباحاً في اليوم الذي أنهار فيه نظام الشاه ولكنه رفض. ولا شك في أن انهيار مقاومة الجيش للخميني كان انقلاباً أمريكياً ومن صنع الأمريكان وليس من صنع الخميني وأنصاره، فقد عمدت أمريكا إلى الضغط على كبار الضباط الموالين للشاه بأساليب الترغيب والترهيب، وربما تكون قد عمدت إلى قتل بعضهم فسحبت البساط من تحت بختيار وانهار حكم الشاه. ويعتبر هذا نجاحاً لكارتر الذي لم يستطع أن يخفي فرحته، فأعلن أنه على استعداد للتعاون مع النظام الجديد بعد نجاحه مباشرة، ولمّا يتوقف القتل في طهران بعد، على حد تعبير إحدى الصحف الإنجليزية التي لا تنفك تهاجم الخميني. وكان من أسرع الناس اعترافاً بالخميني حافظ الأسد، وقد ساد الوجوم بغداد واعترفت حين لم يكن بد من الاعتراف.
أمّا رسم السياسة فهو عملية تصميم الخطط والأساليب اللازمة لتحقيق هدف معين، مع مراعاة القيود المفروضة على راسم السياسة، وهذه القيود تختلف باختلاف الدول، والذين يرسمون سياسات الدولة هم نفر قليل من رجال الدولة الذين هم أكبر ذخر للأمم، ورجل الدولة لا ينبت إلاّ في وسط فكري وسياسي راق. ولنسمع ماذا يقول كيسنجر الذي يعتبر رجل دولة من الطراز الأول عن الدروس التي يمكن أن يتعلمها رجل الدولة: "إن المشكلة بالنسبة لرجل الدولة أن الدروس الوحيدة التي يمكن أن يتعلم منها هي التي تعود إلى التجربة التاريخية. لكن المرء يجب أن يكون حريصاً على ألاّ يفرض أن التجارب متماثلة تماماً". ويتحدث عن بسمارك بإعجاب فيقول: "إنني أعتقد أنه أول رجل دولة حديث من حيث أنه حاول أن يجري السياسة الخارجية على أساس تقدير توازن القوى دون أن يقيّد نفسه بكليشيهات الفترة السابقة. وقد أدى به ذلك إلى سياسة ذات أداء راق لكنها بالغة التعقيد حيث أن من جاءوا بعده لم يكونوا على مستواه من العبقرية فبسطوا سياسته، فلم يبق منها إلاّ حساب للقوة العسكرية المحضة دون فهم الاعتبارات السياسية وغيرها لتلك السياسة".
ثم يتحدث كيسنجر عن رسم السياسة الأمريكية من خلال تجربته في الحكم، فيصف التعقيد المتناهي الذي يقتضيه رسم سياسات فعالة، ويتحدث عن القيود المفروضة على السياسة الأمريكية فيقول: "إن الرئيس الأمريكي يجب أن يحصل على ثقة الكونغرس والشعب الأمريكي عامة حتى ينفذ ما يريد، وفي حين أن هذا يشكل قيداً على السياسة لكن ذلك لا يعني إطلاقاً تسيير السياسة الأمريكية حسب رغبات الكونغرس أو الشعب". وهنا يقول كيسنجر: "إن بناء السياسة على أسس استفتاءات الرأي العام هو الطريق إلى الكارثة، والشعب لا يغفر لزعمائه ما يسببون له من كوارث حتى لو أنها حدثت نتيجة لاستجابة الزعماء لرغبات الشعب".
وهنا يرِد السؤال: كيف يتغلب الساسة الأمريكان على هذا القيد؟
والجواب على ذلك: أنهم يعمدون إما إلى خداع الشعب وتنفيذ ما يراه السياسي، مع إيهام الشعب بأن ذلك لا يتعارض مع ما يريده، أو يعمدون إلى العمل على تغيير الرأي العام عند الشعب بأي أسلوب يرونه مناسباً. فقد كان الشعب الأمريكي في الحرب العالمية الثانية ميالاً إلى العزلة ويقف ضد دخول أمريكا الحرب، فعمد روزفلت إلى الحيلة لتغيير موقف الشعب، فقد قيل إنه كان يعلم بنية اليابان الهجوم على قاعدتهم العسكرية بيرل هاربور ولكنه لم يتخذ تدابير مضادة، حتى يكون للهجوم الياباني أثراً قوياً في تحريك الشعب الأمريكي وزيادة حماسه لدخول الحرب.
وهذا كارتر أيضاً عمد إلى الدخول في عمليات سياسية مدروسة لحمل الشعب الأمريكي على التحول عن تأييده لإسرائيل. وفي هذا المجال لا يرى الساسة الأمريكان في الكذب والخدع بأساً. فها هو أحد الكتّاب السياسيين البارزين في أمريكا يقول: "السياسي الساذج لا يصل إلى أي هدف فهو يتخبط بين المشاعر والتلاعب والهوى والطمع والمصالح. أمّا السياسي الناجح فلا مفر له من أن يكون على درجة من النفاق، يَعِد كل الناس بكل شيء، وهو يعلم أنه إذا انتُخب يجب عليه أن يضحي حتماً بمصالح البعض على حساب الآخرين... وإذا عُرّض كشف أعماله إلى التناقض مع أقواله فعليه أن يترك أعماله ويتمسك بأقواله، لأن الناس يجب أن يثقوا بأقواله مهما كان الثمن وإلاّ فإنه لن يستطيع أن يحكم"، ولذلك تحفل النصوص السياسية الصادرة عن الساسة الأمريكان بالتناقضات والكذب. ومن أبرز الأمثلة على ذلك ما يصدر عن كارتر من أقوال بخصوص موقف أمريكا من روسيا، ففي حين يسعى كارتر إلى جر روسيا للحرب، إلاّ أنه يحرص على إظهار رغبته في السلام وعمله على تحسين العلاقات مع روسيا، وذلك لأن الشعب الأمريكي لا يحب الحروب في خارج أمريكا، وقد ظهر ذلك في الحرب العالمية الثانية وفي قضية فيتنام، ولذلك يقول كيسنجر: "أعتقد أن كل حكومة غربية عليها التزام بأن تُظهر لشعبها أنها تقوم بجهد جاد لتجنب مخاطر الحرب. وإذا لم تفعل ذلك فإنها ستجد نفسها أمام الانقسامات الداخلية مثل أمريكا أثناء أزمة فيتنام". ولذلك فإن كارتر يقوم بما من شأنه أن يثير روسيا، لكنه في نفس الوقت حريص على إظهار نفسه بمظهر الساعي إلى السلام، وهذا يؤدي إلى ظهور التناقضات في أقواله.
ولعل التناقض بين السياسة الحقيقية والسياسة المعلَنة أوضح ما يكون بالنسبة لإسرائيل، ففي حين تعلن الإدارة الأمريكية الحالية أنها تسعى للسلام ولتوقيع معاهدة للسلام بين إسرائيل والعرب، كما أُعلن عقب كمب ديفيد التي كان من نتيجتها أن ارتفعت شعبية كارتر في أمريكا وظن الكثير من الناس أنه يسعى فعلاً لإيجاد السلام بين إسرائيل والعرب، وكانت الحقيقة أنه كان يهدف إلى تعرية إسرائيل وضرب الفكرة الصهيونية فيها، فشتّان ما بين السياسة المعلَنة والسياسية الحقيقية.
ولعل هذه الازدواجية تجعل من العسير على السياسي أن يجد التقدير من شعبه، وهذا ما جعل كيسنجر يقول: "إنه ليس المهم في السياسة الخارجية أن يعلن السياسي أهدافاً ثم يحققها بل المهم أن يحققها بشكل يوجِد الانطباع لدى الصديق والعدو على أنه قادر على تحقيق أهدافه وليس عاجزاً". ولعل ذلك أيضاً هو الدافع إلى ما ذهبت إليه مجلة "تايم" في معرض حديثها عن كارتر: "إنه يعامَل بقدر من الاحترام من قبل الجمهور والكونغرس والصحافة أقل مما يستحق رجل له مثل سجله"، وهذا راجع إلى استحالة كشف النوايا الحقيقية للسياسي مما يعرّض سياسته للفشل.
والأمر الذي لا مراء فيه أن رجل الدولة الإسلامية لا غنى له عن رسم سياسات فعالة للدولة، ولكن القيود المفروضة عليه تختلف عن نظرائه في الغرب، لكنه لا يستغني عن رسم السياسات، لأن المشاكل التي تواجهها الدولة المبدئية في عصرنا الحاضر أشد تعقيداً من تلك التي واجهها أسلافنا في فجر الدولة الإسلامية، بما جلبته التطورات الحديثة من تشابك وترابط بين مختلف القضايا. والقيد الأول الذي يجب أن يتقيد به راسم السياسة هو الأحكام الشرعية المتعلقة بالسياسة الخارجية منها والداخلية، أو ما يمكن أن يسمى بـ "الفقه السياسي".
والقيد الثاني هو أن يجعل نصب عينيه الحفاظ على كيان الدولة وحمايتها من الأخطار المحدقة بها، وخصوصاً في أيامه الأولى.
والقيد الثالث هو تأمين ثقة المسلمين ورضاهم، فالفقه السياسي يقيد راسم السياسة بعدم الكذب إلاّ في الحرب، ولكن ذلك لا يعني أن يكون السياسي ساذجاً يصرح بكل شيء، فلذلك يُنقل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: "أمَا في المعاريض ما يغني المسلم عن الكذب"، ويُنقل عن ابن عباس رضي الله عنه قوله: "ما أُحبّ بمعاريض الكلام حُمُر النعم"، والمعاريض جمع معارض من التعريض الذي هو خلاف الصحيح، والمعاريض التورية بالشيء عن الشيء. أمّا إذا كان ما يفعله السياسي مما يجيزه الشرع ولكنه ليس مما يحوز رضا المسلمين فلا سبيل إلى ذلك إلاّ بالعمل على إقناع المسلمين وترضيتهم عنه ولا يجوز خداعهم.
ومن باب التمثيل على رسم السياسات نقول: لو قامت الدولة في سوريا، فما هي السياسة التي ترسمها بشأن لبنان؟
إن أمام راسم السياسة خيارات ثلاثة:
1- أن يعمل على ضم لبنان إلى الدولة بأسرع ما يمكن.
2- أن يترك لبنان جانباً.
3- أن يعمل على ضم لبنان على المدى الطويل.
أمّا الخيار الأول فهو محفوف بالمخاطر، لأن ثورة مسلحة يقوم بها الموارنة قد تفتح على الدولة أبواب حرب صليبية يهب فيها مسيحيو أوروبا لنجدة الموارنة بالإضافة إلى تأييد إسرائيل، فيكون ضم لبان شوكة في حلق الدولة وهي لم يشتد عودها بعد. وأمّا الخيار الثاني فهو أيضاً غير مقبول من باب أنه يترك لبنان للعملاء، فيكون مصدر تآمر على الدولة. ولذلك لا مفر من الخيار الثالث، فتتبنى الدولة المسلمين في لبنان وتقوم بتدريبهم وتزويدهم بالمال والرجال والعتاد، وتساعد على تهيئتهم فكرياً وسياسياً وعسكرياً، وبعد ذلك تمكّنهم من السيطرة على لبنان، حتى إذا حانت فرصة مواتية ضمتها إليها. ولا يكفي للنجاح رسم السياسات الفعالة بل لا بد من إحسان تنفيذها. وفي كلا الحالين لا غنى للسياسي عن التحليل السياسي الصحيح، ومنه فهم الرجال. فلا يُتصور مثلاً أن يعهد منفذ الخطة السياسية في لبنان إلى صائب سلام بالقيام بدور ما وهو العميل المعروف. فاختيار الأساليب والوسائل يحتاج إلى بُعد النظر والحصافة بالإضافة إلى القدرة على سبر أغوار المشكلات والرجال.
جمادى الثانية 1399هـ
4/1979م* كتب بواسطة السياسي المفكر محمد نافع أبو رامي رحمه الله تعالى

نقلاً عن : منتدى صوت الأمة الفكري > منتدى الحوار العربي > قسم المفاهيم السياسية
عمالة ايران لأمريكا ( التحليل السياسي ورسم السياسات ) كتبه الأخ مؤمن .
الأربعاء 17 جمادى الثانية 1430

ابو حسام الرملي
07-04-2010, 02:36 PM
رحم الله ابا رامي رحمة واسعة واسكنه فسيح جنانه فتحليلاته السياسية قوية جدا تذكرنا بنشرات الحزب في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي وهو الذي قاد عملية التغيير في الحزب في عام 1997 وتوفي في شهر ايار من عام 1998 .

نائل أبو محمد
07-04-2010, 05:27 PM
رحم الله ابا رامي رحمة واسعة واسكنه فسيح جنانه فتحليلاته السياسية قوية جدا تذكرنا بنشرات الحزب في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي وهو الذي قاد عملية التغيير في الحزب في عام 1997 وتوفي في شهر ايار من عام 1998 .


الأحد 23 رجب 1431

أحسنت يا أخي
في الإيجاز وحسن الإنجاز

ابو البراء الشامي
07-05-2010, 10:26 AM
رحم الله ابا رامي رحمة واسعة واسكنه فسيح جنانه فتحليلاته السياسية قوية جدا تذكرنا بنشرات الحزب في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي وهو الذي قاد عملية التغيير في الحزب في عام 1997 وتوفي في شهر ايار من عام 1998 .

الاخ الفاضل ابا حسام
دعك من الخرافات والدواوين الفاضية
قاد عملية التغيير............... وما شاكلها من قصص المقاهي والدواوين

وتفرغ لنفع الامة بدل قصص اكل عليها الدهر وشرب واصبح اصحابها اثرا بعد عين

حزب التحرير قائم ويعمل في الامة والمعرف لا يحتاج الى تعريف
وتقبل تحياتي

ابو حسام الرملي
07-05-2010, 02:40 PM
الاخ الفاضل ابا حسام
دعك من الخرافات والدواوين الفاضية
قاد عملية التغيير............... وما شاكلها من قصص المقاهي والدواوين

وتفرغ لنفع الامة بدل قصص اكل عليها الدهر وشرب واصبح اصحابها اثرا بعد عين

حزب التحرير قائم ويعمل في الامة والمعرف لا يحتاج الى تعريف
وتقبل تحياتي

اخي الفضل ابو البراء
يعرف الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال فالحزب هو الفكرة ولا قيمة للاشخاص الا بالتزامهم بالفكرة فإذا مست الفكرة بأي خلل فلا يوجد حزب وبالتالي لن تكون هناك دولة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ابو البراء الشامي
07-05-2010, 02:52 PM
اخي الفضل ابو البراء
يعرف الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال فالحزب هو الفكرة ولا قيمة للاشخاص الا بالتزامهم بالفكرة فإذا مست الفكرة بأي خلل فلا يوجد حزب وبالتالي لن تكون هناك دولة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله بك اخانا ابا حسام
وبذلك نقول
وحزب التحرير قائم على الفكرة ولله الحمد والمنة
ومعنى ذلك ليس العصمة لاحد كما ان العصمة لم تكن للشيخ المؤسس رحمه الله
وفي مسيرة الحزب طالما سقطت خلايا وماتت ومرضت خلايا
ومع ذلك مسيرة الحزب قائمة
وحزب التحرير موجود ومعروف وعمله وقيادته لا تخفى لا احد


وحياك الله

نائل أبو محمد
07-05-2010, 04:16 PM
وحياك الله

وكلمة حياك الله
أجدها كلمة لطيفة منك يا أباالبراء ..
أجدها كلمة صحيحة سليمة تسر السامع
وتفتح القلب أسأل الله لنا جميعاً حسن العمل والقول
وإن كنت مدرك أن العمل ينتج عن الفهم الصحيح ..
عن نفسي أحب الهدوء والحوار البناء وعلى إستعداد للبعد أميال عن التشنج والتعصب لأاجل التعصب
أذكر أننا مطالبون بنص القرآن بجدال أهل الكتاب بالتي هي أحسن فكيف بإخواننا في الإسلام ...

نائل أبو محمد
10-04-2010, 12:41 PM
الاثنين 26 شوال 1431
للحديث بقية أي متابعة وتواصل ..