المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كتاب : منهج الغرباء في مواجهة الجاهليه ( *)


نائل أبو محمد
10-23-2011, 06:11 PM
كتاب : منهج الغرباء في مواجهة الجاهليه
تأليف : الشيخ عبدالمجيد عبدالماجد حفظه الله
ماجستير دراسات إسلاميه

مقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن محمدا عبده ورسوله r، اصطفاه الله نبيا ورسولا لتبليغ دعوته ونصرة دينه، واصطفى معه ثلة من غرباء أول الزمان لمواجهة الباطل وحزبه فأبلوا بلاء حسنا، وكان r قدوة لأصحابه الذين كانوا باتباعهم له قدوة لمن بعدهم.
نعم....هؤلاء هم صحابته الكرام الذين تقرر من أصول الدين فيهم رعاية قدرهم والاقتداء بهديهم والاستنان بسننهم فقد قال رسول الله rفي الحديث الصحيح: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاء الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ »[1].
فقد أزال الله بهم الجاهلية الأولى، ومكنهم في أرضه فملؤوها عدلا ونورا بعد أن ملئت ظلما وجورا، فاستحقوا مدح ربهم وثناءه وجزاءه فقال تعالى فيهم: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).[2]
فمما تقرر في الشريعة أن السبيل للتمكين لهذا الدين لا يتم إلا بابتلاء الله لعباده المؤمنين لذا فقد كان النبي r يبين دائما لأتباعه أن سنة الله تعالى لم تنته، ويبين وعورة الطريق وغرابة الدين مرة أخرى وغرابة أتباعه الذين سيحملون الأمانة من بعد, وتلك من علامات نبوته r، فيقول rبَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاء)[3].
وللكلام عن الغرباء ومنهجهم في مواجهة الجاهلية فإننا سنحاول بمشيئة الله تعالى وعونه أن نسلط الضوء عليهم من عدة أوجه في خمسة فصول :

الفصل الأول:
تشابه الغرباء قديما وحديثا وطبيعة عزائمهم ونفوسهم الصادقة.

الفصل الثاني:
طبيعة وأوجه الشبه بين الجاهلية التي يواجهونها في كل عصر.

الفصل الثالث:
تشابه المؤمنين الغرباء في البلاء الذي يواجهونه والتجارب المستفادة أثناء المسير.

الفصل الرابع:
إثبات أن البلاء سنة ربانية ملازمة لأهل الحق الغرباء, وأن البلاء إنما هو دليل صحة على السير في طريق مواجهة الباطل, وضرورة العلم بطبيعة ووعورة الطريق لبناء المجتمع المسلم.

الفصل الخامس:
البشرى والجزاء الذي أعده الله لأهل الإيمان الغرباء.
وسيكون دأبنا دائما الاستفادة من سنة النبي r اتباعا وتنزيلا على واقعنا الذي نعيشه فنسجل النقاط الهامة في كيفية التعاطي مع هذا الواقع تأصيلا على سنته r .
والله نسأل أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل.

المؤلف




الفصل الأول


معالم طائفة الغرباء المنصورة

قد يتساءل البعض ما هي أهم معالم وصفات الطائفة الغريبة بدينها عن هذه المجتمعات الجاهلية....

1-الغرباء هم النزّاع من القبائل :

يذكر الإمام أحمد في مسنده وفي سنن ابن ماجة: ((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه r إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ قِيلَ وَمَنْ الْغُرَبَاءُ قَالَ النُّزَّاعُ مِنْ الْقَبَائِلِ)).[4] ....
والنزاع جمع النازع وهو الغريب.
وذكر الطبراني في معجمه: ((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:"طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ"، قُلْنَا: وَمَا الْغُرَبَاءُ؟ قَالَ:"قَوْمٌ صَالِحُونَ قَلِيلٌ فِي نَاسِ سَوْءٍ كَثِيرٍ، مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ)).[5]
قال صاحب معاني الأخبار:
((وقال r: «بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء» ، قيل : وما الغرباء ؟ قال : « النزاع من القبائل » فإذا صار الأمر إلى هذا ، كان المؤمن فيهم كالمؤمن في وقت النبي r، فإن النازع من القبيلة مهاجر مفارق أهله وماله ووطنه ، مؤمن بالله مصدق به وبرسوله ، والله عز وجل مدح المؤمنين بإيمانهم بالغيب ، فقال يؤمنون بالغيب))أهـ.[6]

2-اشتراكهم في الغربة والتمسك بالدين وهدي السلف الصالح:

قال البغوي: قوله تعالى: { وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ } أي: عصابة،{ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } قال عطاء عن ابن عباس: يريد أمة محمدr، وهم المهاجرون والتابعون لهم بإحسان. وقال قتادة: بلغنا أن النبي rكان إذا قرأ هذه الآية قال: "هذه لكم وقد أعطي القوم بين أيديكم مثلها، ((ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون)) وقال معاوية رضي الله عنه: سمعت رسول الله r يقول: "لا تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك"))أهـ[7]
وقال ابن حجر في الفتح: ((روى أحمد والدارمي والطبراني من حديث أبي جمعة قال: " قال أبو عبيدة : يا رسول الله، أأحد خير منا ؟ أسلمنا معك، وجاهدنا معك. قال: قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني " وإسناده حسن وقد صححه الحاكم . واحتج بأن السبب في كون القرن الأول خير القرون أنهم كانوا غرباء في إيمانهم لكثرة الكفار حينئذ وصبرهم على أذاهم وتمسكهم بدينهم ، قال : فكذلك أواخرهم إذا أقاموا الدين وتمسكوا به وصبروا على الطاعة حين ظهور المعاصي والفتن كانوا أيضا عند ذلك غرباء ، وزكت أعمالهم في ذلك الزمان كما زكت أعمال أولئك . ويشهد له ما رواه مسلم عن أبي هريرة رفعه((بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء)) [8]

3- طائفة غالبة منصورة من شرطها القتال وعدم الزوال:

فقد وصفهم النبي r بذلك في كثير من الأحاديث الشريفة منها:
مارواه الإمام أحمد: ((عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ rقَالَ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُهُمْ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ ))[9]
وروى مسلم(عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ))[10]
وأيضا: ((عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ r يَقُولُ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ rفَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ تَعَالَ صَلِّ لَنَا فَيَقُولُ لَا إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ))[11]
وقال ابن أبي حاتم: ((حدثنا شيبان ، عن قتادة : ( قل إن هدى الله هو الهدى) قال : ذكر لنا أن نبي الله rكان يقول : لا تزال طائفة من أمتي يقتتلون على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله)).[12]
(قال ابن أبي حاتم ظاهرين: أي غالبين منتصرين ).
فهذه الأحاديث تدل على أنّ طائفة الغرباء المنصورة التي مدحها رسول الله r من معالمها وصفاتها :

أ- من شرطها القتال في سبيل الله لإظهار الدين بدليل قوله r(يقاتلون) كما في الروايات المذكورة, وفي روايةَ: ( ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ) قال النووي: " أَيْ : عَادَاهُمْ ، وَهُوَ مَأْخُوذ مِنْ نَأَى إِلَيْهِمْ وَنَأَوْا إِلَيْهِ ، أَيْ نَهَضُوا لِلْقِتَالِ"اهـ.[13]

ب- وهي طائفة قائمة لم تنقطع ولن تنقطع أبداً بدليل قوله r (لا تزال طائفة من أمتي...).

ج- وهي قائمة على الحق ومعناه إتباع السلف الصالح، تهتدي بهدي الكتاب والسنة.

د- وهي طائفة غالبة منصورة.

ويتبين لنا هنا أن هذه الطائفة غالبة منصورة وهي طائفة مقاتلة ومهتدية بهدي الكتاب والسنة وغير منقطعة ولا يكفي لأي طائفة أن تدعي أنها الطائفة المنصورة لقيامها بأعمال البر المختلفة دون الالتزام بإقامة فريضة الجهاد والقتال في سبيل الله,..فانتبه لذلك.

4- قوة عزائمهم وصدق نفوسهم ووفائهم بعهدهم :

وفي مقابلة الجاهلية التي ذكرنا طرفا من أرجاسها نجد أهل الإيمان الغرباء الذين لا يألون جهدا في نصرة دينهم والذود عنه صابرين محتسبين موفين بعهدهم مع ربهم:
قال تعالى: { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا }سورة الأحزاب 23 ((أي من المؤمنين رجال أوفوا بعهودهم مع الله تعالى، وصبروا على البأساء والضراء وحين البأس: فمنهم من وَفَّى بنذره، فاستشهد في سبيل الله، أو مات على الصدق والوفاء، ومنهم مَن ينتظر إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة، وما غيَّروا عهد الله، ولا نقضوه ولا بدَّلوه، كما غيَّر المنافقون))أهـ.[14]
وهم في ذلك يعلمون أنهم غرباء بدينهم وفي مجتمعاتهم وبين أهليهم وأنهم بإذن الله منصورون لا يضرهم من خالفهم ولو تكاثروا عليهم فالنبي r سماهم "غرباء" و "طائفة" وهذا كله يعني القلة, قال النووي : ((قال القاضي : وظاهر الحديث العموم وأن الإسلام بدأ في آحاد من الناس وقلة ثم انتشر وظهر ثم سيلحقه النقص والإخلال حتى لا يبقى إلا في آحاد وقلة أيضا كما بدأ )).[15]
فما داموا على أمر الله قائمين يدورون مع الكتاب حيث دار فنصرهم على عدوهم سيكون بتوكلهم على ربهم وصدقهم في إيمانهم به سبحانه وثباتهم على أمره لا يضرهم قلة نصير أو نقص في عتاد.
ففي الحديث: ((عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ أَرَضُونَ وَيَكْفِيكُمُ اللَّهُ فَلَا يَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَلْهُوَ بِأَسْهُمِهِ)).[16]
يقول بن القيم: و((قوله تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } [ التوبة 119 ] . وقد قسم سبحانه الخلق إلى قسمين سعداء وأشقياء فجعل السعداء هم أهل الصدق والتصديق والأشقياء هم أهل الكذب والتكذيب وهو تقسيم حاصر مطرد منعكس . فالسعادة دائرة مع الصدق والتصديق, والشقاوة دائرة مع الكذب والتكذيب, وأخبر سبحانه وتعالى : أنه لا ينفع العباد يوم القيامة إلا صدقهم . وجعل علم المنافقين الذي تميزوا به هو الكذب في أقوالهم وأفعالهم فجميع ما نعاه عليهم أصله الكذب في القول والفعل فالصدق بريد الإيمان ودليله ومركبه وسائقه وقائده وحليته ولباسه بل هو لبه وروحه . والكذب بريد الكفر والنفاق ودليله ومركبه وسائقه وقائده وحليته ولباسه ولبه فمضادة الكذب للإيمان كمضادة الشرك للتوحيد فلا يجتمع الكذب والإيمان إلا ويطرد أحدهما صاحبه ويستقر موضعه))أهـ[17]
وإيمانهم بنصر ربهم أقوى مما يلاقونه من عنت طواغيت الأرض وأرسخ من الجبال وهم يقرؤون في كتاب ربهم : { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}[الحج/40، 41] ، وهم يعلمون تماما أن الأيام دول وأن ليل الجاهلية لن يبقى طويلا {وتلك الأيام نداولها بين الناس}، وأن عـِز أجدادهم الذين ملؤوا الأرض عدلا ونورا لهو قادم لا محالة بما بشرنا به نبينا r ولكن سنة الله في خلقه ماضية إلى حيث أراد الله لها وإلى ما شاء الله لها أن تدوم، يملأ ذلك الإيمان قلوبهم ولسان حال شاعرهم يقول:
ملكنا أقاليم البلاد فأذعنت ...... لنا رغبة أو رهـبـة عظمـاؤها
فلما انتهت أيامنا علقت بنا ...... شدائد أيـام قـليـل رضاؤها
وصرنا نلاقي النائبات بأوجه......رقاق الحواشي كاد يقطر ماؤهـا
إذا ما هممنا أن نبوح بما جنت......علينا الليالي لم يدعنـا حياؤهـا

**********


يتبع إن شاء الله

نائل أبو محمد
10-23-2011, 06:12 PM
الأحد 26 ذو القعدة 1432

المصدر والبقية

http://arabalsahel.com/vb//showthread.php?t=5819

نائل أبو محمد
10-26-2011, 07:36 PM
الأربعاء 29 ذو القعدة 1432
سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

نائل أبو محمد
11-22-2011, 07:51 PM
الثلاثاء 26 ذو الحجة 1432 سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك