المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القاعدة الشرعية"شرع من قبلناليس شرع لنا"


سليم
01-28-2012, 08:00 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد استمعت إلى مناظرة جرت بين أحد شباب حزب التحرير والشيخ عدنان ابراهيم,والتي وقعت في النمسا,وكان أس المناظرة"شرع من قبلنا ,هل هو شرع لنا " أو لا؟
وقد أقر الشيخ عدنان ابراهيم أن شرع من قبلنا هو شرع لنا طبعاً مع ايراده أدلته.
وهنا_إن شاء الله_سوف أحاول أن أبين صحة هذه القاعدة ,أن شرع من قبلنا ليس شرع لنا.
القواعد الشرعية ,ما هي؟
القواعد هي جمع قاعدة ,وهي من الجذر الثلاثي "قعد" أي استقر وثبت في مكانه,وتعني في اللغة الإستقرار والثبات,وقد أطلقت العرب على شهر من عدة الشهور:شهر ذي القعدة" ,سمي بذلك لقُعُودهم في رحالهم عن الغزو والميرة وطلب الكلإِ، وتعني ايضا الاساس,فقد جاء في لسان العرب:والقاعِدَةِ: أَصلُ الأُسِّ، والقَواعِدُ: الإِساسُ، وقواعِد البيت إِساسُه, ومنها قول الله تعالى:"وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ".


وأما اصطلاحا فقد عرفها الفقهاء على أنها:”قضية كلية تنطبق على جزيئاتها"أو أنها:”الجكم الشرعي الكلي الذي ينطبق على الحكم الفرعي".
وبما أنها حكم شرعي فتتطلب الدليل.
والآن لنأخذ القاعدة الشرعية "شرع من قبلنا ليس شرع لنا
والأدلة على انها قاعدة شرعية أي حكم شرعي هي من الكتاب والسنة ,فاما الأدلة من الكتاب فهي:
1.قول الله تعالى في سورة آل عمران:"إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ وَمَا ٱخْتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ".
وقد قال العلماء في تفسير هذه الآية أن المقصود من الإسلام هنا هي الشريعة وأحكام الله,ومنهم من قال أنها الإيمان من باب التجويز.
**قال القرطبي في الجامع لاحكام القرآن:"قوله تعالى: { إِنَّ الدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ } الدَّين في هذه الآية الطاعة والمِلّة، والإسلام بمعنى الإيمان والطاعات؛ قاله أبو العالية، وعليه جمهور المتكلمين. والأصل في مسمى الإيمان والإسلام التَّغَايُر؛ لحديث جبريل. وقد يكون بمعنى المَرادَفَة. فيسمى كل واحد منهما باسم الآخر؛ كما" في حديث وفد عبد القيس وأنه أمرهم بالإيمان (بالله) وحده قال: «هل تدرون ما الإيمان» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال؛ «شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تؤدوا خمساً من المغنم» " الحديث. وكذلك قوله : " الإيمان بضع وسبعون بابا فأدناها إماطة الأذى وأرفعها قول لا إله إلا الله " أخرجه الترمذي. وزاد مسلم " والحياء شعبة من الإيمان " ويكون أيضاً بمعنى التداخل، وهو أن يطلق أحدهما ويراد به مسماه في الأصل ومسمى الآخر، كما في هذه الآية إذ قد دخل فيها التصديق والأعمال؛ ومنه قوله عليه السلام: " الإيمان معرفة بالقلب وقول باللسان وعمل بالأركان " أخرجه ٱبن ماجه، وقد تقدّم. والحقيقة هو الأوّل وضعا وشرعا، وما عداه من باب التوسع. والله أعلم.
**وقال ابن عطية في المحرر الوجيز:"و { الدين } في هذه الآية الطاعة والملة، والمعنى، أن الدين المقبول أو النافع أو المقرر، و { الإسلام } في هذه الآية هو الإيمان والطاعة، قاله أبو العالية وعليه جمهور المتكلمين، وعبر عنه قتادة ومحمد بن جعفر بن الزبير بالإيمان.
قال أبو محمد رحمه الله: ومرادهما، أنه من الأعمال، و { الإسلام } هو الذي سأل عنه جبريل النبي عليه السلام حين جاء يعلم الناس دينهم الحديث وجواب النبي له في الإيمان الإسلام يفسر ذلك، وكذلك تفسيره قوله عليه السلام: بني الإسلام على خمس، الحديث، وكل مؤمن بنبيه ملتزم لطاعات شرعه فهو داخل تحت هذه الصفة، وفي قراءة ابن مسعود " إن الدين عند الله للإسلام " باللام ثم أخبر تعالى عن اختلاف أهل الكتاب، أنه كان على علم منهم بالحقائق، وأنه كان بغياً وطلباً للدنيا، قاله ابن عمر وغيره.
**وقال البقاعي في نظم الدرر:" إن الدين } واصله الجزاء، أطلق هنا على الشريعة لأنها مسببة { عند الله } أي الملك الذي له الأمر كله { الإسلام } فاللام للعهد في هذه الشهادة فإنها أس لكل طاعة، فلأجل أن الدين عنده هذا شهدوا له هذه الشهادة المقتضية لنهاية الإذعان.
**وقال ابن عاشور في تحريره:"وتوكيد الكلام بأنّ تحقيق لما تضمنَّه من حصر حقيقة الدين عند الله في الإسلام: أي الدين الكامل.
وقرأ الكسائي { أنّ الدين } - بفتح همزة أنّ - على أنّه بدل من
{ أنَّه لا إله إلاّ هو }
[آل عمران: 18] أي شهد الله بأنّ الدين عند الله الإسلام.
والدين: حقيقته في الأصل الجزاء، ثم صار حقيقة عرفية يطلق على: مجموع عقائد، وأعمال يلقّنها رسولٌ من عند الله ويعد العاملين بها بالنعيم والمعرضين عنها بالعقاب. ثم أطلق على ما يشْبِه ذلك مما يضعه بعض زعماء الناس من تلقاء عقله فتَلتزمه طائفة من الناس. وسمّي الدين ديناً لأنّه يترقب منه مُتَّبِعُهُ الجزاءَ عاجلاً أو آجلاً، فما من أهل دين إلاّ وهم يترقّبون جزاء من رب ذلك الدين، فالمشركون يطمعون في إعانة الآلهة ووساطتهم ورضاهم عنهم، ويقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، وقال أبو سفيان يوم أحُد: أعْلُ هُبَلْ. وقال يوم فتح مكة لما قال له العباس: أما آن لك أن تشهد أن لا إله إلا الله: «لقد علمتُ أنْ لو كان معه إله غَيرُه لقد أغنى عَنّي شيئاً». وأهل الأديان الإلهيَّة يترقّبون الجزاء الأوْفَى في الدنيا والآخرة، فأول دين إلهي كان حقاً وبه كان اهتداء الإنسان، ثم طرأت الأديان المكذوبة، وتشبّهت بالأديان الصحيحة، قال الله تعالى - تعليماً لرسوله -
{ لكم دينكم ولي ديني }
[الكافرون: 6] وقال: { ما كان ليأخذ أخاه فِي دِين الملك }
[يوسف: 76].وقد عرّف العلماء الدين الصحيح بأنّه «وضعٌ إلهيٌّ سائق لذوي العقول باختيارهم المحمود إلى الخيْر باطناً وظاهراً».
والإسلام علم بالغلبة على مجموع الدِّين الذي جاء به محمد كما أُطلق على ذلك الإيمان أيضاً، ولذلك لقب أَتباع هذا الدين بالمسلمين وبالمؤمنين، وهو الإطلاق المراد هنا، وهو تسمية بمصدر أَسْلَم إذا أذْعَن ولم يعاند إذعاناً عن اعتراف بحق لا عن عجز، وهذا اللقب أولى بالإطلاق على هذا الدين من لقب الإيمان؛ لأنّ الإسلام هو المظهر البين لمتابعة الرسول فيما جاء به من الحق، واطّراح كل حائل يحول دون ذلك، بخلاف الإيمان فإنّه اعتقاد قلبي، ولذلك قال الله تعالى:
{ هو سمَّاكم المسلمين }
[الحج: 78] وقال:
{ فقل أسلمتُ وجهي للَّه ومن اتّبعني }
[آل عمران: 20] ولأنّ الإسلام لا يكون إلاّ عن اعتقاد لأنّ الفعل أثر الإدراك، بخلاف العكس فقد يكون الاعتقاد مع المكابرة.
2.وأما الدليل الثاني من الكتاب فهو قول الله تعالى:" أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ", ومن اللافت للنظر أن هذه الآية جاءت في نفس السورة أي"آل عمران",مما قد يبين أن من يتخذ ديناً غير الإسلام يكون قد أتى أمراً إداً.
يتبع...

سليم
01-30-2012, 05:16 PM
قال الرازي في بفسير هذه الآية:"اعلم أنه تعالى لما قال في آخر الآية المتقدمة
{ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }
[آل عمران: 84] أتبعه بأن بيّن في هذه الآية أن الدين ليس إلا الإسلام، وأن كل دين سوى الإسلام فإنه غير مقبول عند الله، لأن القبول للعمل هو أن يرضى الله ذلك العمل، ويرضى عن فاعله ويثيبه عليه، ولذلك قال تعالى:
{ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ }
[المائدة: 27] ثم بيّن تعالى أن كل من له دين سوى الإسلام فكما أنه لا يكون مقبولاً عند الله، فكذلك يكون من الخاسرين، والخسران في الآخرة يكون بحرمان الثواب، وحصول العقاب، ويدخل فيه ما يلحقه من التأسف والتحسر على ما فاته في الدنيا من العمل الصالح وعلى ما تحمله من التعب والمشقة في الدنيا في تقريره ذلك الدين الباطل واعلم أن ظاهر هذه الآية يدل على أن الإيمان هو الإسلام إذ لو كان الإيمان غير الإسلام وجب أن لا يكون الإيمان مقبولاً لقوله تعالى: { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإسْلَـٰمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ } إلا أن ظاهر قوله تعالى:
{ قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ ءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا }
[الحجرات: 14] يقتضي كون الإسلام مغايراً للإيمان ووجه التوفيق بينهما أن تحمل الآية الأولى على العرف الشرعي، والآية الثانية على الوضع اللغوي".
وقال ابن عاشور:"تفريع عن التذكير بما كان عليه الأنبياء.

والاستفهام للتوبيخ والتحذير.

وقرأه الجمهور { تبغون } بتاء الخطاب فهو خطاب لأهل الكتاب جارٍ على طريقة الخطاب في قوله آنفاً:
{ ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة }
[آل عمران: 80] وقرأه أبو عَمرو، وحفص، ويعقوب: بياء الغيبة فهو التفات من الخطاب إلى الغيبة، إعراضاً عن مخاطبتهم إلى مخاطبة المسلمين بالتعجيب من أهل الكتاب. وكله تفريع ذكر أحوال خلَف أولئك الأمم كيف اتبعوا غير ما أخذ عليهم العهد به. والاستفهام حينئذ للتعجيب.

ودين الله هو الإسلام لقوله تعالى:
{ إن الدين عند الله الإسلام }
[آل عمران: 19] وإضافته إلى الله لتشريفه على غيره من الأديان، أو لأنّ غيره يومئذ قد نسخ بما هو دين الله".
وقال ابن عجيبة:"قلت: { أفغير }: مفعول مقدم، و { يبغون }: معطوف على محذوف، أي: أتتولون فتبغون غير دين الله، وقدم المعمول؛ لأنه المقصود بالإنكار، و { طوعاً وكرهاً }: حالان، أي: طائعين أو كارهين.

يقول الحقّ جلّ جلاله: للنصارى واليهود، لمَّا اختصموا إلى النبيّ ، وادعوا أن كل واحد على دين إبراهيم، فقال لهم - عليه الصلاة والسلام: " كِلاكما بَرِيءٌ مِنْ دِينه، وأنا على دِينه، فخذوا به " ، فغضبوا، وقالوا: والله لا نرضى بحكمك ولا نأخذ بدينك، فقال لهم الحقّ جلّ جلاله - منكراً عليهم -: أفتبغون غير دين الله الذي ارتضاه لخليله وحبيبه، وقد انقاد له تعالى { من في السماوات والأرض } طائعين ومكرهين، فأهل السموات انقادوا طائعين، وأهل الأرض منهم من انقاد طوعاً بالنظر واتباع الحجة أو بغيرها، ومنهم من انقاد كرهاً أو بمعاينة ما يُلجئ إلى الإسلام؛ كنتق الجبل وإدراك الغرق والإشراف على الموت، أو: " طوعاً " كالملائكة والمؤمنين، فإنهم انقادوا لما يراد منهم طوعاً، { وكرهاً } كالكفار فانقادوا لما يراد منهم كرهاً، وكلٍّ إليه راجعون، لا يخرج عن دائرة حكمه، أو راجعون إليه بالبعث والنشور. والله تعالى أعلم.

الإشارة: اعلم أن الدين الحقيقي هو الانقياد إلى الله في الظاهر والباطن، أما الانقياد إلى الله في الظاهر فيكون بامتثال أمره واجتناب نهيه، وأما الانقياد إلى الله في الباطن فيكون بالرضى بحكمه والاستسلام لقهره. فكل من قصَّر في الانقياد في الظاهر، أو تسخط من الأحكام الجلالية في الباطن، فقد خرج عن كمال الدين، فيقال له: أفغير دين الله تبغون وقد انقاد له { من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً } ، فإما أن تنقاد طوعاً أو ترجع إليه كرها. وفي بعض الآثار يقول الله تبارك وتعالى: " منْ لم يَرْضَ بقضائي ولم يَصْبِرْ على بَلائِي، فليخرجْ من تحت سَمَائي، وليتخذْ ربّاً سِوَاي ".
وكما ذكرت فإن ورود الإستفهام الإستنكاري في مطلع الآية يدل على أن الإسلام هو دين الله ,وبما أن الاديان والكتب السماوية تدعو جميعا إلى التوحيد وعدم الشرك بالله, فعلى هذا فيكون المراد من دين الله "الإسلام" هو شريعته وأحكامه العملية.
يبتع...

سليم
01-31-2012, 11:06 PM
وأما الدليل الثالث من الكتاب فهو قول الله تعالى:" وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ", نلاحظ أن هذه الآية جاءت يعد أن أكد الله في الآية السابقة وهي:"قُلْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ",أن الإيمان غير الإسلام بدلالة القرينة في آخر الآية"وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ",فبعد أن أمرهم الله أن يقولوا آمنا,جاء ليقول :ونحن له مسلمون".وكما قال ابن عجيبة:" أي: منقادون لأحكامه الظاهرة والباطنة، أو مخلصون في أعمالنا كلها".
وأما أقوال علمائنا في تفسير هذه الاية:
1.الطبري:"يعني بذلك جلّ ثناؤه: ومن يطلب ديناً غير دين الإسلام لـيدين به، فلن يقبل الله منه، { وَهُوَ فِى ٱلأَخِرَةِ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ } ، يقول: من البـاخسين أنفسهم حظوظها من رحمة الله عزّ وجلّ. وذُكر أن أهل كل ملة ادّعوا أنهم هم الـمسلـمون لـما نزلت هذه الآية، فأمرهم الله بـالـحجّ إن كانوا صادقـين، لأن من سنة الإسلام الـحجّ، فـامتنعوا، فأدحض الله بذلك حجتهم. ذكر الـخبر بذلك:حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، قال: زعم عكرمة: { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإسْلَـٰمِ دِينًا } فقالت الـملل: نـحن الـمسلـمون، فأنزل الله عزّ وجلّ:{ وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَـٰعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِىٌّ عَنِ ٱلْعَـٰلَمِينَ }فحجّ الـمسلـمون، وقعد الكفـار".
2.ابن كثير:"ثم قال تعالى: { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلَـٰمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ } الآية، أي: من سلك طريقاً سوى ما شرعه الله، فلن يقبل منه { وَهُوَ فِى ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ } كما قال النبي في الحديث الصحيح: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، حدثنا عباد بن راشد، حدثنا الحسن، حدثنا أبو هريرة إذ ذاك ونحن بالمدينة، قال: قال رسول الله :" تجيء الأعمال يوم القيامة، فتجيء الصلاة فتقول: يا رب، أنا الصلاة؛ فيقول: إنك على خير؛ وتجيء الصدقة فتقول: يا رب، أنا الصدقة، فيقول: إنك على خير، ثم يجيء الصيام فيقول: يا رب، أنا الصيام، فيقول: إنك على خير، ثم تجيء الأعمال، كل ذلك يقول الله تعالى: إنك على خير، ثم يجيء الإسلام فيقول: يا رب، أنت السلام وأنا الإسلام، فيقول الله تعالى: إنك على خير، بك اليوم آخذ، وبك أعطي، قال الله في كتابه: { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلَـٰمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ } " تفرد به أحمد، قال أبو عبد الرحمن عبد الله بن الإمام أحمد: عباد بن راشد ثقة، ولكن الحسن لم يسمع من أبي هريرة".
3.ابن عاشور:"عطف على جملة { أفغير دين الله يبغون } وما بينهما اعتراض، كما علمت، وهذا تأييس لأهل الكتاب من النجاة في الآخرة، وردّ لقولهم: نحن على ملة إبراهيم، فنحن ناجون على كلّ حال. والمعنى من يبتغ غير الإسلام بعد مجيء الإسلام. وقرأه الجميع بإظهار حرفي الغين من كلمة { من يبتغ } وكلمة { غير } وروى السُوسي عن أبي عمرو إدغام إحداهما في الأخرى وهو الإدغام الكبير".
4. محمد متولي الشعراوي:"إذن فقول الحق سبحانه: { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } يدلنا على أن الذي يشرع تشريعا يناقض ما شرعه الله فكأنه خطأ الله فيما شرع، وكأنه قد قال لله: أنا أكثر حنانا على الخلق منك أيها الإله؛ لأنه قد فاتتك هذه المسألة.
وفي هذا القول فسق عن شرع الله، وعلى الإنسان أن يلتزم الأدب مع خالقه. وليرد كل شيء إلى الله المربي، وحين ترد أيها الإنسان كل شيء إلى ربك فأنت تستريح وتريح، اللهم إلا أن يكون لك مصلحة في الانحراف. فإن كان لك مصلحة في الانحراف فأنت تريد غير ما أراد الله، أما إذا أردت مصلحة الناس فقد شرع الحق ما فيه مصلحة كل الناس؛ لذلك قال الحق: { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ }".

سليم
02-02-2012, 02:15 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وأما الدليل الرابع من الكتاب_وأظنه الشافي _ هو قول الله تعالى في سورة المائدة :" وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَىٰ الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ",ففي هذه الآية ترى أن الله سبحانه وتعالى بدأ بقوله "أنزلنا " على وجه الإلزام لما في السياق من قرائن,كقوله تعالى:"مصدقاً" ,وكقوله :"مهيمناً"...فهذه تدل على أن القرأن جاء تصديقا لما نزل على من قبله من الرسل من حيث الأًصل والمصدر والتوحيد, ومهيمناً عليه من حيث الشريعة والمنهاج لقوله تعالى في تفس الآية:"لكل جعلنا شرعة ومنهاجاً"",وكذلك أمر الله الرسول أن يحكم بما أنزل الله في القرآن بين اليهود وأن لا يرجع إليهم في الحكم الشرعي,وسوف أنقل إليكم أقوال بعض المفسرين في هذه الآية:
1.الرازي:"ثم قال تعالى: { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقّ مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ } وهذا خطاب مع محمد صلى الله عليه وسلم، فقوله { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقّ } أي القرآن، وقوله { مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ } أي كل كتاب نزل من السماء سوى القرآن".اهـ
ثم قال :"ثم قال تعالى: { فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ } يعني فاحكم بين اليهود بالقرآن والوحي الذي نزله الله تعالى عليك." وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ ٱلْحَقّ } وفيه مسائل:
المسألة الأولى: { وَلاَ تَتَّبِعِ } يريد ولا تنحرف، ولذلك عداه بعن، كأنه قيل: ولا تنحرف عما جاءك من الحق متبعاً أهواءهم.
المسألة الثانية: روي أن جماعة من اليهود قالوا: تعالوا نذهب إلى محمد صلى الله عليه وسلم لعلنا نفتنه عن دينه، ثم دخلوا عليه وقالوا: يا محمد قد عرفت أنا أحبار اليهود وأشرافهم، وإنا إن اتبعناك اتبعك كل اليهود، وإن بيننا وبين خصومنا حكومة فنحاكمهم إليك، فاقض لنا ونحن نؤمن بك، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
المسألة الثالثة: تمسك من طعن في عصمة الأنبياء بهذه الآية وقال: لولا جواز المعصية عليهم وإلا لما قال: { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ ٱلْحَقّ }.
والجواب: أن ذلك مقدور له ولكن لا يفعله لمكان النهي. وقيل: الخطاب له والمراد غيره.
ثم قال تعالى: { لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَـٰجاً } وفيه مسائل:
المسألة الأولى: لفظ (الشرعة): في اشتقاقه وجهان: الأول: معنى شرع بين وأوضح.
قال ابن السكيت: لفظ الشرع مصدر: شرعت الإهاب، إذا شققته وسلخته. الثاني: شرع مأخوذ من الشروع في الشيء وهو الدخول فيه، والشريعة في كلام العرب المشرعة التي يشرعها الناس فيشربون منها، فالشريعة فعيلة بمعنى المعفولة، وهي الأشياء التي أوجب الله تعالى على المكلفين أن يشرعوا فيها، وأما المنهاج فهو الطريق الواضح، يقال: نهجب لك الطريق وأنهجب لغتان.
المسألة الثانية: احتج أكثر العلماء بهذه الآية على أن شرع من قبلنا لا يلزمنا، لأن قوله { لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَـٰجاً } يدل على أنه يجب أن يكون كل رسول مستقلاً بشريعة خاصة، وذلك ينفي كون أمة أحد الرسل مكلفة بشريعة الرسول الآخر".اهـ
2.ابن عاشور:"
جالت الآيات المتقدّمة جولة في ذكر إنزال التّوراة والإنجيل وآبت منها إلى المقصود وهو إنزال القرآن؛ فكان كردّ العجز على الصّدر لقوله:
{ يا أيها الرسول لا يُحزنك الّذين يسارعون في الكفر }
[المائدة: 41] ليبيّن أنّ القرآن جاء نسخاً لما قبله، وأنّ مؤاخذة اليهود على ترك العمل بالتّوراة والإنجيل مؤاخذة لهم بعملهم قبل مجيء الإسلام، وليعلمهم أنّهم لا يطمعون من محمّد صلى الله عليه وسلم بأن يحكم بينهم بغير ما شرعه الله في الإسلام، فوقْعُ قوله: { وأنزلنا إليك الكتاب بالحقّ } إتماماً لترتيب نزول الكُتب السماويّة، وتمهيداً لقوله: { فاحْكم بينهم بما أنزل الله }. ووقع قوله: { فاحكم بينهم بما أنزل الله } موقع التّخلّص المقصود، فجاءت الآيات كلّها منتظمة متناسقة على أبدع وجه.
والكتاب الأوّل القرآن، فتعْريفه للعهد. والكتاب الثّاني جنس يشمل الكتب المتقدّمة، فتعريفه للجنس. والمُصدّق تقدّم بيانه.
وقد أشارت الآية إلى حالتي القرآن بالنّسبة لما قبله من الكتب، فهو مؤيّد لبعض ما في الشّرائع مُقرّر له من كلّ حكم كانت مصلحته كلّيّة لم تختلف مصلحته باختلاف الأمم والأزمان، وهو بهذا الوصف مُصَدّق، أي مُحقّق ومقرّر، وهو أيضاً مبطل لبعض ما في الشّرائع السالفة وناسخ لأحكام كثيرة من كلّ ما كانت مصالحه جزئيّة مؤقّتة مراعى فيها أحوال أقوام خاصّة.
وقوله: { فاحكم بينهم بما أنزل الله } أي بما أنزل الله إليك في القرآن، أو بما أوحاه إليك، أو احكم بينهم بما أنزل الله في التّوراة والإنجيل ما لم ينسخه اللّهُ بحكم جديد، لأنّ شرع من قبلنا شرع لنا إذا أثبت الله شرعه لِمَنْ قبلنا. فحكم النّبيء على اليهوديين بالرجم حكم بما في التّوراة، فيحتمل أنّه كان مؤيّداً بالقرآن إذا كان حينئذٍ قد جَاء قوله: «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما».
وقوله: { لكلَ جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً } كالتعليل للنّهي، أي إذا كانت أهواؤهم في متابعة شريعتهم أو عوائدهم فدعهم وما اعتادوه وتمسَّكوا بشرعكم..
والشرعة والشريعة: الماء الكثير من نهر أو واد. يقال: شريعة الفرات. وسمّيت الديانة شريعة على التشبيه، لأنّ فيها شفاء النّفوس وطهارتَها. والعرب تشبّه بالماء وأحواله كثيراً، كما قدمناه في قوله تعالى:
{ لَعَلِمه الّذين يستنبطونه منهم }
في سورة النساء (83).
والمنهاج: الطريق الواسع، وهو هنا تخييل أريد به طريق القوم إلى الماء، كقول قيس بن الخطيم:وأتبعت دلوي في السماح رِشاءها
فذكر الرشاء مجرّد تخييل. ويصحّ أن يجعل له رديف في المشبَّه بأن تشبّه العوائد المنتزعة من الشّريعة، أو دلائل التّفريع عن الشريعة، أو طرق فهمها بالمنهاج الموصّل إلى السماء".اهـ
3.محمد متولي الشعراوي:"وهنا أجملت الآية، فقالت: { وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَابِ } أي أن القرآن مصدق للكتب السماوية السابقة. وما الفارق بين كلمة " الكتاب " الأولى التي جاءت في صدر الآية، وكلمة " الكتاب " الثانية؟
إننا نعلم أن هناك " ال " للجنس، و " ال " للعهد، فيقال " لقيت رجلا فأكرمت الرجل " ، أي الرجل المعهود الذي قابلته. فكلمة الكتاب الأولى اللام فيها للعهد أي الكتاب المعهود المعروف وهو القرآن، وكلمة الكتاب الثانية يراد بها الجنس أي الكتب المنزلة على الأنبياء قبله، فالقرآن مهيمنٌ رقيبٌ عليها؛ لأنها قد دخلها التحريف والتزييف.
كلمة " الحق " - إذن - تعني أن كتاب الله الخاتم لكتبه المنزلة وهو القرآن قد نزل بالحق الثابت في كل قضايا الكون ومطلوب حركة الإنسان. ونزل بالحق بحيث لم يصبه تحريف ولا تغيير.
إذن فالحق هو في مضمونه وفي ثبوت نزوله. وقد نزل القرآن بعد كتب أنزلها الله متناسبة مع الأزمنة التي نزلت فيها؛ لأنه سبحانه خلق الخلق لمهمة أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن يعمروا هذا الكون بما أمدّهم به من عقل يفكر، وطاقات تنفّذ، ومادة في الكون تنفعل، فإن أرادوا أصل الحياة مجرداً عن أي ترقٍ أو إسعاد فلهم في مقومات الأرض ما يعطيهم، وإن أرادوا أن يرتقوا بأنفسهم فعليهم أن يُعملوا العقل الذي وهبه الله ليخدم الطاقات التي خلقها الله في المادة التي خلقها الله، وحينئذ يأخذون أسرار الله من الوجود.
وقال:"{ فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ }. و " احكم " مأخوذة من مادة " حكم " ، و " الحَكَمة " هي قطعة الحديد التي توضع في فم الحصان ونربطها باللجام؛ حتى نتحكم في الحصان. والحكمة هي الأ تدع المحكوم يفلت من إرادة الحاكم.
وحين يقول الحق: { فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } فهل يحدث ذلك أيضا مع غير المؤمنين؟ نعم. فإذا ما جاء إليك يا رسول الله أناس غير مؤمنين وطلبوا أن تحكم بينهم فاحكم بما أنزل الله. ولذلك قال الحق: { فَإِن جَآءُوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ }[المائدة: 42]."
وقال ايضاً:"هم - إذن - يريدون أن يستبدلوا بآيات الله مصلحتهم في الحكم. ويقول الحق: { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً } ، وإن افترضنا أن بعضا من التوراة لم يحرف، وبه حكم أراد الإسلام أن يبدله، فأي أمر يتبع؟ إن الاتباع هنا يكون للقرآن لأنه هو المهيمن، فسبحانه أراد بالقرآن أن يصحح ويعدل ويغير.
إن مناهج الأديان في العقائد ثابتة لا تغيير فيهان وأما ما يتصل بالأحكام التي تحكم أفعال الإنسان فالله سبحانه وتعالى ينزل حكماً لقوم يلائمهم ثم ينزل حكما آخر يلائم قوماً آخرين. ولذلك نجد أن سيدنا عيسى قال:
{ وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ }
[آل عمران: 50]
أي أن هناك أشياء كانت محرمة في دين اليهود. وجاء عيسى عليه السلام ليحلل بعضاً من هذه المحرمات، وكان التحريم مناسباً بني إسرائيل في بعض الأمور، وجاء المسيح عيسى ابن مريم ليحلل لهم بعضاً من المحرمات، وكان تحريم بعض الأمور لبني إسرائيل بهدف التأديب:
{ فَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ }[النساء: 160]".اهـ

يتبع...

نائل أبو محمد
02-02-2012, 02:12 PM
الخميس 10 ربيع الأول 1433

قد تكون العبارة واردة لم أقراء الموضوع كله بصراحة ولكني كنت أسمع عبارة : القاعدة الشرعية"شرع من قبلناليس شرع لنا" وإن وافق شرعنا .. حتى لو وافق شرعنا شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا . .. سمعت بهذا والله أعلم .

سليم
02-06-2012, 10:12 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الدليل الخامس من الكتاب هو قول الله تعالى في سورة المائدة:"حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ",هذه الآية ذكرت أمرين يتعلقان بالدين :أولهما: إكمال الدين ,وثانيهما:إتمام النعمة_وهي_ الدين).

فإكمال الدين يعني أنه غير ناقص,وعدم النقصان يعني عدم احتياجه لغيره من الأديان لسد عجزه أو لإكمال نقصه,وميلنا لشرع غير شرع هذا الدين يكون بمثابة الإعتراف بنقصه,والقول بعجزه,وهذا ينافي نص القرآن وطبيعة أخر الرسالات_عقلُا_.

والإتمام يكون في الإكمال,أي أن عطف إتمام النعمة على إكمال الدين يدل على أن منة الإتمام غير منة الإكمال,وإلا لما كان هناك عطف أو أن العطف من باب التكرار _وهو غير محمود في هذه الحالة,وهو على الله محال,لأن القرآن هو كلام الله النفسي_ ,وهي نعمة النصر، والأخوّة، وما نالوه من المغانم، ومن جملتها إكمال الدين، فهو عطف عامّ على خاصّ. وجوّزوا أن يكون المراد من النعمة الدّين، وإتمامها هو إكمال الدين، فيكون مفاد الجملتين واحداً، ويكون العطف لمجرّد المغايرة في صفات الذات، ليفيد أنّ الدين نعمة وأنّ إكماله إتمام للنعمة؛ فهذا العطف كالذي في قول الشاعر أنشده الفرّاء في «معاني القرآن»:

إلى الملك القرم وابنِ الهما=م وليثِ الكتيبة في المُزْدَحَمْ

كما قال ابن عاشور في التحرير والتنوير.
وقد أكد لنا الله سبحانه وتعالى أن الدين الذي أكمله وأتم نعمة الإكمال للمسلمين والناس كافة هو الدين الذي ارتضاه من عقيدة وشريعة وهو الدين الإسلامي كما قال رب العالمين:"وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً ",كما ونلاخظ أن سياق الآية يدل على أحكام شرعية نهى الله عنا في كتابه العزيزمثل أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وغيرها,مما يدل على أن الدين الكامل والتام والمعتبر عند الله هو المرجع الوحيد للمسلمين.

كما أن الظاهر من الآية حدوث هذا الأمر وكان أمرًا مفعولًا,وذلك لاستعماله الزمن الماضي في فعلي الإكمال والإتمام:"أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً ".

قال الشعراوي:" ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } والإكمال هو أن يأتي الشيء على كماله، وكمال الشيء باستيفاء أجزائه، واستيفاء كل جزء للمراد منه. وقد أتم الله استمرار النعمة بتمام المنهج.
لقد رضي الحق الإسلام ديناً للمسلمين. ومادام رضي سبحانه الإسلام منهجاً، فإياكم أن يرتفع رأس ليقول: لنستدرك على الله؛ لأن الله قال: " أكملت " فلا نقص. وقال: " أتممت " فلا زيادة. وعندما يأتي من يقول: إن التشريع الإسلامي لا يناسب العصر. نرد: إن الإسلام يناسب كل عصر، وإياك أن تستدرك على الله؛ لأنك بمثل هذا القول تريد أن تقول: إن الله قد غفل عن كذا وأريد أو أصوب لله، وسبحانه قال: " أكملت " فلا تزيد، وقال: " أتممت " فلا استدراك، وقال: " ورضيت " فمن خالف ذلك فقد غَلَّب رضاه على رضا ربه".اهـ

قال القرطبي:"
وقيل: { أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } بأن أهلكت لكم عدوّكم وأظهرت دينكم على الدين كله كما تقول: قد تمّ لنا ما نريد إذا كُفِيت عدوّك.
الثالثة والعشرون ـ قوله تعالىٰ: { وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } أي بإكمال الشرائع والأحكام وإظهار دين الإسلام كما وَعَدتكم، إذ قلت: { وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ } وهي دخول مكة آمنين مطمئنين وغير ذلك مما ٱنتظمته هذه الملّة الحنيفيّة إلى دخول الجنة في رحمة الله تعالىٰ".

سليم
02-09-2012, 11:45 PM
السلام عليكم
وأما الدليل السادس من الكتاب فهو قول الله تعالى في سورة االنحل:" وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِّنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَىٰ هَـٰؤُلآءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ",فهذه الآية تدل على أن كل أمة لها شهيد,وهذا الشهيد تبي تلك الامة وذلك لقول الله تعالى في نفس الآية "وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً ",فقد خاطب الله تعالى سيدنا محمد عايه الصلاة والسلام مبيناُ أنه شهيد هذه الأمة,وعلى هذا فكل شهيد امة هو نبيها,وكذل أيضلأ وجوب العصمة لكل شهيدلأن وقوع الخطأ من شخص يخرجه من إطار العصمة ويجعله عرضة للطعن فيشهد عليها في أمور دينها من عقيدة وشريعة,أي أحكامها الشرعية.
وقوله تعالى في الآية :"وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ ",يعني تبيانا للحلال والحرام كما قال مجاهد.
أما أقوال المفسرين في هذه الآية:
1.الرازي:"المسألة الثانية: من الناس من قال: القرآن تبيان لكل شيء وذلك لأن العلوم إما دينية أو غير دينية، أما العلوم التي ليست دينية فلا تعلق لها بهذه الآية، لأن من المعلوم بالضرورة أن الله تعالى إنما مدح القرآن بكونه مشتملاً على علوم الدين فأما ما لا يكون من علوم الدين فلا التفات إليه، وأما علوم الدين فإما الأصول، وإما الفروع، أما علم الأصول فهو بتمامه موجود في القرآن وأما علم الفروع فالأصل براءة الذمة إلا ما ورد على سبيل التفصيل في هذا الكتاب، وذلك يدل على أنه لا تكليف من الله تعالى إلا ما ورد في هذا القرآن، وإذا كان كذلك كان القول بالقياس باطلاً، وكان القرآن وافياً ببيان كل الأحكام، وأما الفقهاء فإنهم قالوا: القرآن إنما كان تبياناً لكل شيء، لأنه يدل على أن الإجماع وخبر الواحد والقياس حجة، فإذا ثبت حكم من الأحكام بأحد هذه الأصول كان ذلك الحكم ثابتاً بالقرآن".
2.ابن عطية:"وقوله { لكل شيء } أي مما يحتاج في الشرع ولا بد منه في الملة كالحلال والحرام والدعاء إلى الله والتخويف من عذابه، وهذا حصر ما اقتضته عبارات المفسرين، وقال ابن مسعود: أنزل في هذا القرآن كل علم، وكل شيء قد بين لنا في القرآن، ثم تلا هذه الآية".
3.ابن عجيبة:" و } اذكر أيضًا: { يومَ نبعثُ في كل أمةٍ شهيدًا عليهم من أنفسهم }؛ يعني: نبيهم؛ فإنَّ نبي كل أمة بعث منها. { وجئنا بك } يا محمد { شهيدًا على هؤلاء }؛ على أمتك، أو على هؤلاء الشهداء، { ونزَّلنا عليك الكتابَ }: القرآن { تبيانًا }؛ بيانًا بليغًا { لكل شيءٍ } من أمور الدين على التفصيل، أو الإجمال؛ بالإحالة على السنة أو القياس. { وهُدىً } من الضلالة، { ورحمة } بنور الهداية لجميع الخلق.".
4.ابن عاشور:"و { تبياناً } مفعول لأجله. والتّبيان مصدر دالّ على المبالغة في المصدرية، ثم أريد به اسم الفاعل فحصلت مبالغتان، وهو ــــ بكسر التاء ــــ، ولا يوجد مصدر بوزن تفعال ــــ بكسر التاء ــــ إلا تِبيان بمعنى البيان كما هنا. وتِلقاء بمعنى اللّقاء لا بمعنى المكان، وما سوى ذلك من المصادر الواردة على هذه الزّنة فهي ــــ بفتح التاء ــــ.
وأما أسماء الذوات والصفاتُ الواردة على هذه الزنة فهي ــــ بكسر التاء ــــ وهي قليلة، عدّ منها: تمثال، وتنبال، للقصير. وأنهاها ابن مالك في نظم الفوائد إلى أربع عشرة كلمة.
و«كلّ شيء» يفيد العموم؛ إلا أنه عموم عرفي في دائرة ما لمثله تجيء الأديان والشّرائع: من إصلاح النفوس، وإكمال الأخلاق، وتقويم المجتمع المدنيّ، وتبيّن الحقوق، وما تتوقّف عليه الدعوة من الاستدلال على الوحدانية، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم وما يأتي في خلال ذلك من الحقائق العلمية والدقائق الكونية، ووصف أحوال الأمم، وأسباب فلاحها وخسارها، والموعظة بآثارها بشواهد التاريخ، وما يتخلّل ذلك من قوانينهم وحضاراتهم وصنائعهم.
وخصّ بالذّكر الهدى والرحمة والبُشرى لأهميتها؛ فالهدى ما يرجع من التّبيان إلى تقويم العقائد والأفهام والإنقاذ من الضلال. والرحمة ما يرجع منه إلى سعادة الحياتين الدنيا والأخرى، والبُشرى ما فيه من الوعد بالحسنيين الدنيوية والأخروية.
وكل ذلك للمسلمين دون غيرهم لأن غيرهم لما أعرضوا عنه حَرموا أنفسهم الانتفاع بخواصّه كلها".
5.محمد متولي الشعراوي:"{ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ.. } [النحل: 89].
الكتاب: القرآن الكريم.. تبياناً: أي بياناً تاماً لكل ما يحتاجه الإنسان، وكلمة (شيء) تُسمّى جنس الأجناس. أي: كل ما يُسمّى " شيء " فبيانُه في كتاب الله تعالى.
فإنْ قال قائل: إنْ كان الأمر كذلك، فلماذا نطلب من العلماء أن يجتهدوا لِيُخرجوا لنا حُكْماً مُعيّناً؟
نقول: القرآن جاء معجزة، وجاء منهجاً في الأصول، وقد أعطى الحق تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم حق التشريع، فقال تعالى:
{ وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ.. }
[الحشر: 7].
إذن: فسُنة الرسول صلى الله عليه وسلم قَوْلاً أو فِعْلاً أو تقريراً ثابتة بالكتاب، وهي شارحة له ومُوضّحة، فصلاة المغرب مثلاً ثلاث ركعات، فأين هذا في كتاب الله؟ نقول في قوله تعالى:
{ وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ... }
[الحشر: 7]. " وقد بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم هذه القضية حينما أرسل معاذ بن جبل رضي الله عنه ـ قاضياً لأهل اليمن، وأراد أن يستوثق من إمكانياته في القضاء. فسأله: " بِمَ تقضي؟ قال: بكتاب الله، قال: فإنْ لم تجد؟ قال: فبُسنة رسول الله، قال: فإنْ لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو ـ أي لا أُقصّر في الاجتهاد.
فقال صلى الله عليه وسلم: " الحمد لله الذي وفَّق رسولَ رسولِ الله لما يُرضي الله ورسوله ".
إذن: فالاجتهاد مأخوذ من كتاب الله، وكل ما يستجد أمامنا من قضايا لا نصّ فيها، لا في الكتاب ولا في السنة، فقد أبيح لنا الاجتهادُ فيها".
فنلاحظ أن المفسرين قالوا في قوله تعالى :"تبياناً لكل شيء" يعني في الأصول والفروع,وهذا يدل على أن الإسلام فيه كل ما يحتاجونه الناس في حياتهم العامة والعملية أيضاً,فإذا كان كذلك فلما نعطف ونأخذ من شرع غيرنا؟؟؟.

سليم
02-10-2012, 08:49 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وأما الادلة من السنة :
1.عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أُعطيتُ خمساً لم يُعطهُنّ أحد قبلي: كان كل نبي يُبعث إلى قومه خاصة وبُعثتُ إلى كل أحمر وأسود"، وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فُضّلتُ على الأنبياء بستٍ فذكرهن وفيها وأُرسلتُ إلى الخلق كافة)، فالرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن كل نبي قبله عليه السلام إنما بُعث إلى قومه خاصة، وهذا يعني أن كل نبي جاء بشرع لقومه,وهذا الشرع خاص بذلك القوم ,وكون النبي بعث لقوم بعينه ولم يبعث لكل الناس فهذا يعني أن شرعه جاء فقط لذاك القوم بعينه,وهذا يدل على أن غير هذا القوم لهم شرع غير شرع قوم النبي .
وأما سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام فقد بعث لكل الناس من أحمر وأبيض ومن عرب ومن عجم ,وهذا يدل على أن شرعه يصلح لكل الناس,وأن شرعنا شرع لكل الناس ,أي أن القاعدة بشكل صحيح ودقيق يجب أن تكون على هذا النحو"شرعنا شرع لغيرنا".
2.ما ورد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه أتى النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه على النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم فغضب، فقال: «أَمُتَهوِّكُون فيها يا ابن الخطاب؟ والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوه، أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى صلّى الله عليه وسلّم كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني".
هذا الحديث حجة ساطعة على أن شرعنا هو المهيمن وهو الشرع الذي يجب أن يكون لكل الناس,وأن شرع من قبلنا ليس بشرع لنا,ودليل هذا هوغضب الرسول عندما سمع عمر بن الخطاب يقرأ من التوراة,فلو لم يكن حرج فيما قرأه عمر رضي الله عنه لما غضب الرسول,ولما قال له:أَمُتَهوِّكُون فيها يا ابن الخطاب؟ ومتهوكون تعني الساقطون في هوة الردى,فهي من التهوك,ومعنى السقوط في الردى أي الخسران وعدم الفلاح في الدنيا والآخرة.
وكما روي عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أنه قال للنبي، صلى الله عليه وسلم: إنا نسمع أحاديث من يَهُودَ تعجبنا أفَتَرى أن نكتبها؟ فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: أمُتَهَوِّكونَ أنتم كما تَهَوَّكَتِ اليهودُ والنصارى؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقِيَّةً ولو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي",وقال أبو عبيدة: معناه أمُتَحَيِّرونَ أنتم في الإسلام حتى تأخذوه من اليهود؟ وقال ابن سيده؛ يعني أمتحيرون؟ وقيل: معناه أمُتَرَدِّدُونَ ساقطون؟ وإنه لمُتَهَوِّكٌ لما هو فيه أي يركب الذنوب والخطايا. الجوهري: التَّهَوُّكُ مثل التَّهَوُّر، وهو الوقوع في الشيء بقلة مُبالاة وغير رَوِيَّةٍ.
ربما يقول أحدهم أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال هذا لما خرجت اليهود والنصارى عن العقيدة الصحيحة,ولكن قوله عليه الصلاة والسلام في أخر الحديث وما روي عن عمر رضي الله عنه"والذي نفسي بيده لو أن موسى صلّى الله عليه وسلّم كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني" يدحض هذا الإدعاء فعبارة "والذي نفسي بيده " هي قسم متين ,ولا يقسم الرسول عليه الصلاة والسلام إلا لأمر جلل ألا وهو حرمة إتباع غير هذا الدين من عقيدة وشريعة ,وغير هذا الشرع لا يستوجب الإتباع,ولأن النبي موسى عليه السلام ما كان ليتبع غير العقيدة البيضاء النقية,فدل هذا على أن المقصود هو الشرع ,وهذا يعني أن شرعنا هو شرع لغيرنا لا شرع غيرنا شرع لنا,وإلا لكان قول الرسول في اتباع موسى عليه السلام له في غير محله,وهذا محال على المعصوم المعتصم.
ولو كان شرع غيرنا شرع لنا لما غضب الرسول عليه الصلاة والسلام,ولأقر عمر على اتباع ما نزل في التوراة على موسى عليه السلام من أحكام شرعية.

سليم
02-13-2012, 12:28 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
والدليل الثاني من السنة:
أخرج أبو داوود والترمذي والدرامي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه بألفاظ مختلفة أن رسول الله لما أراد أن يبعث معاذا إلى اليمن قال: " كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال: أقضى بكتاب الله. قال فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال فبسنة رسول الله . قال فإن لم تجد في سنة رسول الله ولا في كتاب الله؟ قال أجتهد رأي ولا آلو, فضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صدره وقال: "الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله لما يُرضي رسول الله" .
هذا الحديث بيّن لنا أن المعتمد والمعتبر من الأدلة هو القرآن والسنة,وبعد ذلك الإجتهاد,فقول معاذ للرسول عليه الصلاة والسلام :"أقضى بكتاب الله",يعني القرآن الكريم ولا يعني أي كتاب غير القرآن,فقد جاء أولأ بصيغة المفرد,وثانيا مقرونأ بالله تعالى,أي أن كتاب الله المعتبر والأخير هو القرآن الكريم, ولأن القرآن هو الذي أنزل على سيدنا محمد, وليس بين أيديهم إلا القرآن,وكذلك عدم معرفة معاذ كتاب غير "كتاب الله"القرآن.
فلو كان المقصود غير القرآن لقال أقضي في كتب الله,ولكنه لم يقل إلا "أقضي في كتاب الله".
ويدل على هذا ايضًا ما عقب معاذ من قول عندما سأله الرسول عليه الصلاة والسلام إن لم تجد في كتاب الله:"فبسنة رسول الله ",فكما نسب الكتاب الى الله ,نسب هنا السنة لرسول الله ,فلم يقل فبسنة رسل الله.
أضف الى هذا قول معاذ رضي الله عنه:"أجتهد رأي ولا آلو",فبعد أن ذكر الكتاب والسنة ,قال :أجتهد ولا أقصرفي اجتهادي,ولم يذكر كتب الأوليين ولا سنن من تقدم من الأنبياء والرسل,قلو كان شرع من قبلنا شرع لنا لغضب الرسول عند سماعه قول معاذ في الإجتهاد,وقال له:عليك بكتب الرسل السابقين وسننهم,ولكنه لم يقل عليه الصلاة والسلام,بل أثنى على قول معاذ بالقرينة التي اخر الحديث.
حيث قال الرسول عليه الصلاة والسلام:"الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله لما يُرضي رسول الله",هذه القرينة تؤكد أن الأدلة التي ارتضاها الرسول عليه الصلاة والسلام هي التي ذكرها معاذ ترتيبًا,وقول الرسول :الحمد لله,هو مكان حمد ومدح الذي يحث على التقييد والإتباع,فكأنه يقول:هذه هي الأدلة التي يجب عليكم أن تنتهجوها عند القضاء والحكم

سليم
02-13-2012, 12:29 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
والدليل الثاني من السنة:
أخرج أبو داوود والترمذي والدرامي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه بألفاظ مختلفة أن رسول الله لما أراد أن يبعث معاذا إلى اليمن قال: " كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال: أقضى بكتاب الله. قال فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال فبسنة رسول الله . قال فإن لم تجد في سنة رسول الله ولا في كتاب الله؟ قال أجتهد رأي ولا آلو, فضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صدره وقال: "الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله لما يُرضي رسول الله" .
هذا الحديث بيّن لنا أن المعتمد والمعتبر من الأدلة هو القرآن والسنة,وبعد ذلك الإجتهاد,فقول معاذ للرسول عليه الصلاة والسلام :"أقضى بكتاب الله",يعني القرآن الكريم ولا يعني أي كتاب غير القرآن,فقد جاء أولأ بصيغة المفرد,وثانيا مقرونأ بالله تعالى,أي أن كتاب الله المعتبر والأخير هو القرآن الكريم, ولأن القرآن هو الذي أنزل على سيدنا محمد, وليس بين أيديهم إلا القرآن,وكذلك عدم معرفة معاذ كتابأ غير "كتاب الله"القرآن.
فلو كان المقصود غير القرآن لقال أقضي في كتب الله,ولكنه لم يقل إلا "أقضي في كتاب الله".
ويدل على هذا ايضًا ما عقب معاذ من قول عندما سأله الرسول عليه الصلاة والسلام إن لم تجد في كتاب الله:"فبسنة رسول الله ",فكما نسب الكتاب الى الله ,نسب هنا السنة لرسول الله ,فلم يقل فبسنة رسل الله.
أضف الى هذا قول معاذ رضي الله عنه:"أجتهد رأي ولا آلو",فبعد أن ذكر الكتاب والسنة ,قال :أجتهد ولا أقصرفي اجتهادي,ولم يذكر كتب الأوليين ولا سنن من تقدم من الأنبياء والرسل,قلو كان شرع من قبلنا شرع لنا لغضب الرسول عند سماعه قول معاذ في الإجتهاد,وقال له:عليك بكتب الرسل السابقين وسننهم,ولكنه لم يقل عليه الصلاة والسلام,بل أثنى على قول معاذ بالقرينة التي اخرفي الحديث.
حيث قال الرسول عليه الصلاة والسلام:"الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله لما يُرضي رسول الله",هذه القرينة تؤكد أن الأدلة التي ارتضاها الرسول عليه الصلاة والسلام هي التي ذكرها معاذ ترتيبًا,وقول الرسول :الحمد لله,هو مكان حمد ومدح الذي يحث على التقييد والإتباع,فكأنه يقول:هذه هي الأدلة التي يجب عليكم أن تنتهجوها عند القضاء والحكم

سليم
02-18-2012, 06:16 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وأما الدليل الثالث من السنة:
عدم حكم الرسول عليه الصلاة والسلام في مسألة جديدة تعرض عليه إلا بعد نزول الوحي عليه بشأنها,وقد أفرد البخاري بابا بهذا الأمر أسماه: " ما كان النبي يسأل مما لك ينزل عليه الوحي فيقول: لا أدري",وذكر أمثلة منها:
1.وقال ابن مسعود سئل النبي عن الروح فسكت حتى نزلت الآية :وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا".
2.حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال سمعت ابن المنكدر يقول سمعت جابر بن عبد الله يقول مرضت فجاءني رسول الله يعودني وأبو بكر وهما ماشيان فأتاني وقد أغمي علي فتوضأ رسول الله ثم صب وضوءه علي فأفقت فقلت يا رسول الله وربما قال سفيان فقلت أي رسول الله كيف أقضي في مالي كيف أصنع في مالي قال فما أجابني بشيء حتى نزلت آية الميراث.
وغيرها من الأمثلة:
3.حديث ابن عمر جاء رجل إلى النبي فقال : أي البقاع خير ، قال : لا أدري ، فأتاه جبريل فسأله فقال : لا أدري ، فقال : سل ربك فانتفض جبريل انتفاضة .
4.عن ابن عباس رضي الله عنه قال:"جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله فقال: يا رسول الله! هلكت. قال: وما الذي أهلكك؟ قال: حولت رحلي الليلة، فلم يرد عليه شيئاً، فأوحي إلى رسول الله هذه الآية: ?نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم?، يقول: أقبِلْ وأدبِرْ، واتق الدبر والحيضة ".
نلاحظ هنا أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان ينتظر الوحي حتى يقضي في المسألة,فلو كان شرع من قبلنا شرع لنا لقضى بشرع نبي من أنبياء الله,ولكنه عليه الصلاة والسلام لم يفعل,بل كان يقول :لا أدري"...وينتظر الوحي..أي حكم الله في المسألة ,,,أي انتظار شرع الله المنزل على نبيه محمد .
والدليل الرابع:
نهي الرسول عليه الصلاة والسلام اتباع الامم السابقة ,وعدم التشبه بهم ,فقد جاء في الحديث:
1.عن ابن عمر قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام : "من تشبّه بقوم فهو منهم".هذا حديث فيه نهي عن التشبه بغير المسلمين.
2.يعلى بن شداد بن أوس عن أبيه قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام:"خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم",فهذا حديث يأمرنا أن نخالف أهل الشرائع الاخرى,ومن الملاحظ أن الامر في محالفتهم جاء في فرع أي في حكم شرعي,وهو الصلاة في النعال.
3.عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: "ليس منا من تشبّه بغيرنا، لا تشبّهوا باليهود ولا بالنصارى، فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع، وتسليم النصارى الإشارة بالأكف".
4.عن أبي هريرة أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال "غيِّروا الشيب ولا تشبَّهوا باليهود".
5.وعن ابن عمر عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "خالفوا المشركين، وَفِّروا اللحى وأَحفُوا الشَّوارب".
فالملاحظ أنها كلها أمور عملية لا عقائدية...فالنهي جاء فيها أي في الفروع_الاحكام الشرعية_,فكيف يكون شرع من قبلنا شرع لنا,وقد نهانا الرسول عن افعال في شريعتهم.
6.وحديث"لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبرا بشبر، وذراعا بذراع. فقيل: يا رسول الله كفارس والروم، فقال: ومن الناس إلا أولئك".
وجاء بعدة طرق كلها تذكر سنن من قبلنا من يهود ونصارى أي أهل الشرائع الاخرى,وهذا الحديث فيه بيان واضح في عدم الأخذ بسنن من قبلنا من اهل الشرائع...والسنن لا تطلق على الامور العقدية وإنما على الاحكام الشرعية,كما ويدل على هذا قول الرسول عليه الصلاة والسلام "حتى تأخذ أمتي"...وأمتي تعني المسلمين أو الذي يعتقدون الإسلام دينا,أي انهم لم يخرجوا عن الإسلام فيوصفوا بالكفر والضلال.
يتبع..

يتبع..

سليم
02-21-2012, 02:55 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وأما الأدلة العقلية على فساد هذه القاعدة:
1.من البديهي أن الجديد يحل محل القديم,وشرعنا هو الأحدث ,وعليه فهو الأجدر بالإتباع.
2.من سنن الله تعالى في خلقه أن يبعث رسله تترى على عباده ليبلغهم شرعه,وجعل لكل فترة رسولاً أو نبياً,كان لا بد وأن تأتي فترة لا وحي فيها,وعلى هذا يكون أخر شرع هو المعتبر والمعمول به,علاوة على أن الله سبحانه وتعالى أخبرنا أن شرعنا هو المهيمن,ومن معاني المهيمن:الرقيب,الشاهد,القبّان(القسطاس),والقائم,وكل ها تدل على سيطرت شرعنا على غيره من شرائع.
3.شرع من قبلنا إما أن يصلنا مباشرة عن الله أو عن طريق أهل تلك الشرائع,فالأول لا يصح لأن الله سبحانه وتعالى أوحى الى رسوله محمد عليه الصلاة والسلام بوحي "جديد" وشرع غير شرع من قبلنا,ولم يثبت أن وصلنا شرع غيرنا من الله.
والثاني :إما أن نأخده من كتبهم,وإما أن نأخده من أهل تلك الكتب,فأما كتبهم فقد ورد في القرآن القطعي الثبوت أنهم حرفوها,إذن لا تصلح أن تكون مرجعًا أو مصدر تشريع,لأن ما ظهر فساد بعضه فسد كله,والثاني لا يصلح ايضًا لأن أهل تلك الكتب هم الذين حرفوها إتباع أهوائهم,فمن ضل في الأولى ضل في الثانية.
وهناك من يقول بهذه القاعدة ولكن بشكل قد يقبله المسلم,وهي:"شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يخالف شرعنا ",وهذه القاعدة لا معنى لها ,لأن قول "ما لم يخالف شرعنا" أخرج كل شرع غير شرعنا,لأنه لو وافق شرع غيرنا شرعنا,فنحن نتبعه لأنه شرع لنا أقره القرآن أو السنة,وإن خالفهما لا نتبعه,فنحن نقول أن حكم الزاني الجلد أو الرجم لأنه جاء في القرآن والسنة وليس لأنه حكم التوراة ,وكذلك القصاص بالمثل.
فهل يبقى بعد قول الله تعالى، وقول رسوله ، قول؟قال تعالى: "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً ".

سليم
02-24-2012, 09:06 PM
السلام عليكم
هذه أدلة القائلين بعدم جواز العمل بشرع من قبلنا,وإن شاء الله سوف أذكر هنا أدلة القائلين بهذه القاعدة من الكتاب والسنة,وكذلك حجيتهم في مسألة حكم سيدنا يوسف عليه السلام,وايضا استدلال بعضهم بمسألة ملك الحبشة "النجاشي",معقبا ناقضا ما ذكروا من أدلة.
أدلتهم من الكتاب:
1.قول الله تعالى في سورة الأنعام:"أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ" آية 90 ",فقالوا ان الله أمر رسوله الكريم أن يقتدي بهدي من سبقه من الأنبياء,ومن هديهم شرائعهم,وعلى هذا فشرع الأنبياء السابقين شرع لنا.
والرد على هذه المسألة:
إن سياق الآيات من هذه السورة يدل دلالة واضحة على أن المقصود من هدي الأنبياء السابقين هو العقيدة من توحيد وتنزيه,الذي هو ضد الشرك لقول الله تعالى في آية 88 من نفس السورة:" ذٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ",فبيّن أن هدي الله هو الذي ضد الشرك ,لأن من يشرك يحبط عمله ويفسق عن الهدى بدلالة القرينة بأخر الآية,وبعد أن ذكر معظم الأنبياء من عهد سيدنا ابراهيم الى زمن سيدنا عيسى عليهم السلام أجمعين.
قال القاضي: يبعد حمل هذه الآية على أمر الرسول بمتابعة الأنبياء عليهم السلام المتقدمين في شرائعهم لوجوه: أحدها: أن شرائعهم مختلفة متناقضة فلا يصح مع تناقضها أن يكون مأموراً بالاقتداء بهم في تلك الأحكام المتناقضة. وثانيها: أن الهدى عبارة عن الدليل دون نفس العمل.
وقال الالوسي في روح المعاني:" والمراد بهداهم عند جمع طريقهم في الإيمان بالله تعالى وتوحيده وأصول الدين دون الشرائع القابلة للنسخ فإنها بعد النسخ لا تبقى هدى وهم أيضاً مختلفون فيها فلا يمكن التأسي بهم جميعاً، ومعنى أمره بالاقتداء بذلك الأخذ به لا من حيث إنه طريق أولئك الفخام بل من حيث إنه طريق العقل والشرع ففي ذلك تعظيم لهم وتنبيه على أن طريقهم هو الحق الموافق / لدليل العقل والسمع".اهـ
وقال محمد متولي الشعراوي:"أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ ",وحين نقرأ هذا القول الكريم نقول " اقتد " ولا نقول " اقتده " ولا تنطق الهاء إلا في الوقف ويسمونها " هاء السّكت " ، لكن إذا جاءت في الوصل لا ينطق بها، وكل واحد من هؤلاء الرسل السابق ذِكْرهم له خصلة تميز بها، وفيه قدر مشترك بين الجميع وهو إخلاص العبودية لله والإيمان بالله وأنّه واحد في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله، وكلهم مشتركون في هذه الأصول، وتميّز كل منهم بخصلة في الخير؛ فسيدنا سليمان وداود أخذا القدرة والسلطان والملك، وأيوب أخذ القدرة في الصبر على البلاء، ويوسف أخذ القدرة في الصبر والتفوق في الحُكم، وسيدنا يونس أخذ القدرة كضارع إلى الله وهو في بطن الحوت، وإسماعيل كان صادق الوعد.
والمطلوب إذن من رسول الله أن يكون مُقتدياً بهم جميعاً، أي أن يكون كسليمان وكداود وكإسحاق وكيعقوب وكأيوب وكيوسف وكيونس. وأن يأخذ خصلة التميز من كل واحد فيهم وأن يشترك معهم في القضية العامة وهي التوحيد لله. وبذلك يجتمع كل التميز الذي في جميع الأنبياء في سيدنا محمد رسول الله ."اهـ
وقال ابن عاشور:"والاقتداء افتعال من القُدوةَ بضمّ القاف وكسرها وقياسه على الإسوة يقتضي أنّ الكسر فيه أشهر. وقال في المصباح }: الضمّ أكثر.
ووقع في «المقامات» للحريري «وقدوة الشحَّاذين» فضُبط بالضمّ. وذكره الواسطي في إشرح ألفاظ المقامات» في القاف المضمومة، وروى فيه فتح القاف أيضاً، وهو نادر. والقدوة هو الّذي يَعمل غيرُه مثل عمله، ولا يعرف له في اللّغة فعل مجرّد فلم يسمع إلاّ اقتدى. وكأنّهم اعتبروا القدوة اسماً جامداً واشتقّوا منه الافتعال للدّلالة على التّكلّف كما اشتقّوا من اسم الخريف اخترف، ومن الأسوة ائْتسى، وكما اشتقّوا من اسم النمر تَنَمَّر، ومن الحجَر تحجَّر. وقد تستعمل القدوة اسم مصدر لاقتدى. يقال: لي في فلان قُدوة كما في قوله تعالى:
{ لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة }
[الممتحنة: 6].

وفي قوله: { فبهداهم اقتده } تعريض للمشركين بأنّ محمّداً ما جاء إلاّ على سنّة الرّسل كلّهم وأنّه ما كان بدعاً من الرّسل.

وأمْرُ النّبيء بالاقتداء بهُداهم يؤذن بأنّ الله زَوىٰ إليه كلّ فضيلة من فضائلهم الّتي اختصّ كلّ واحد بها سواء ما اتّفق منه واتّحد، أو اختلف وافترق، فإنّما يقتدي بما أطلعه الله عليه من فضائل الرّسل وسيرهم، وهو الخُلُق الموصوف بالعظيم في قوله تعالى:
{ وإنّك لعلى خلق عظيم }
[القلم: 4].

ويشمل هداهم ما كان منه راجعاً إلى أصول الشّرائع، وما كان منه راجعاً إلى زكاء النّفس وحسن الخُلق. وأمّا مَا كان منه تفاريع عن ذلك وأحكاماً جزئيّة من كلّ ما أبلغه الله إيّاه بالوحي ولم يأمره باتّباعه في الإسلام ولا بيّن له نسخه، فقد اختلف علماؤنا في أنّ الشّرائع الإلهيّة السّابقة هل تعتبر أحكامها من شريعة الإسلام إذا أبلغها الله إلى الرّسول ولم يجعل في شريعته ما ينسخها.
وأرى أنّ أصل الاستدلال لهذا أنّ الله تعالى إذا ذكر في كتابه أو أوحى إلى رسوله ـــ عليه الصلاة والسلام ـــ حكاية حكم من الشرائع السابقة في مقام التّنويه بذلك والامتنان ولم يقارنه ما يدلّ على أنّه شُرِع للتّشديد على أصحابه عقوبة لهم، ولا ما يدلّ على عدم العمل به، فإنّ ذلك يدلّ على أنّ الله تعالى يريد من المسلمين العمل بمثله إذا لم يكن من أحكام الإسلام ما يخالفه ولا من أصوله ما يأباه، مثل أصل التّيسير ولا يقتضي القياسُ على حكم إسلامي ما يناقض حكماً من شرائع مَن قَبلنا. ولا حجّة في الآيات الّتي فيها أمرُ النّبيء باتّباع مَن قبله مثل هذه الآية، ومثل قوله تعالى:
{ ثمّ أوحينا إليك أن اتّبِعْ ملّة إبراهيم حنيفاً }
[النحل: 123] ومثل قوله تعالى:
{ شَرع لكم من الدّين ما وصّى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصّينا به إبراهيم وموسى وعيسى }
[الشورى: 13]، لأنّ المقصود من ذلك أصول الدّيانة وأسس التّشريع الّتي لا تختلف فيها الشّرائع، فمن استدلّ بقوله تعالى: { فبهداهم اقتده } فاستدلاله ضعيف.
يتبع...

سليم
03-06-2012, 01:37 AM
السلام عليكم
ودليلهم الثاني من الكتاب هو قول الله تعالى في سورة النساء:"إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً",هذه الآية تبين لنا أن الوحي منذ عهد نوح والأنبياء السابقين لسيدنا محمد عليهم الصلاة والسلام أجمعين هو نفس الوحي الذي نزل على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام,والذي يدل على هذا هو أداة التشبيه "الكاف" في قوله تعالى:"كَمَآ أَوْحَيْنَآ ",فهذه تدل على أن الله الذي أوحى الى محمد عليه الصلاة والسلام هو الله الذي أوحى إلى من سبقه من الانبياء والرسل,وأن الوحي المنزل على سيدنا محمد هو نفس جنس الوحي المنزل على من سبقه من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أجمعين.
فالكاف تشبيه صريح وهي متعلقة بمحذوف ,وقال الجرجاني في دلائل الإعجاز:" فإنّك تقول زيدٌ الأسد أو مِثل الأسد أو شبيه بالأسد فتجد ذلك كله تشبيهاً غفلاً ساذجاً ثم تقول كأنّ زيداً الأسد فيكون تشبيهاً أيضا إلا أنّك ترى بينه وبين الأول بوناً بعيدا ، لأنك ترى له صورة خاصة ، وتجدك قد فخّمتَ المعنى ، وزدتَ فيه بل فت أنّه من الشجاعة وشدة البطش وأنّ قلبه قلب لايخامره الذكر ولايدخله الرّوع بحيث يتوهم أنّه الأسد بعينه ".
فالتشبيه بالكاف أصرح من غيره وألصق إن لم يكن أبلغ.
قال الالوسي في روح المعاني:"{ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيّينَ مِن بَعْدِهِ } جواب لأهل الكتاب عن سؤالهم رسول الله صلى الله عليه وسلم [أن ينزل عليهم] كتاباً من السماء، واحتجاج عليهم بأن شأنه في الوحي كشأن سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الذين لا ريب في نبوّتهم، وقيل: هو تعليل لقوله تعالى:{ ٱلرَّاسِخُونَ فِى ٱلْعِلْمِ }[النساء: 162]. وأخرج ابن إسحاق وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: «قال سكين وعدي بن زيد: يا محمد ما نعلم الله تعالى أنزل على بشر من شيء بعد موسى عليه السلام فأنزل الله تعالى هذه الآية» والكاف في محل النصب على أنه نعت لمصدر محذوف أي إيحاءاً مثل إيحائنا إلى نوح عليه السلام، أو حال من ذلك المصدر المقدر معرفاً كما هو رأي سيبويه أي إنا أوحينا الإيحاء [حال كونه] مشبهاً بإيحائنا الخ، و (ما) في الوجهين مصدرية. وجوّز أبو البقاء أن تكون موصولة فيكون الكاف مفعولاً به أي أوحينا إليك مثل الذي أوحيناه إلى نوح من التوحيد وغيره وليس بالمرضي، و (من بعده) متعلق ـ بأوحينا ـ ولم يجوّزوا أن يكون حالاً من النبيين لأن ظروف الزمان لا تكون أحوالاً للجثث، وبدأ سبحانه بنوح عليه السلام تهديداً لهم لأنه أول نبـي عوقب قومه، وقيل: لأنه أول من شرع الله تعالى على لسانه الشرائع والأحكام، وتعقب بالمنع، وقيل: لمشابهته بنبينا صلى الله عليه وسلم في عموم الدعوة لجميع أهل الأرض، ولا يخلو عن نظر لأن عموم دعوته عليه السلام اتفاقي لا قصدي، وعموم الفرق على القول به ـ وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيقه ـ ليس قطعي الدلالة على ذلك كما لا يخفى.اهت
وقال ابن عاشور في تحريره:"استأنفتْ هذه الآياتُ الردّ على سؤال اليهود أن يُنَزّل عليهم كتاباً من السماء، بعد أن حُمقوا في ذلك بتحميق أسلافهم: بقوله:{ فقد سألوا موسى أكبر من ذلك }[النساء: 153]، واستُطردت بينهما جمل من مخالفة أسلافهم، وما نالهم من جرّاء ذلك، فأقبل الآن على بيان أنّ إنزال القرآن على محمّد صلى الله عليه وسلم لم يكن بِدْعاً، فإنّه شأن الوحي للرسل، فلم يقدح في رسالتهم أنَّهم لم ينزّل عليهم كتاب من السماء.
والتأكيد (بإنّ) للاهتمام بهذا الخبر أو لتنزيل المردود عليهم منزلة من ينكر كيفيّة الوحي للرسل غير موسى، إذ لم يَجْروا على موجب علمهم حتّى أنكروا رسالة رسول لم يُنْزل إليه كتاب من السماء.
والوحي إفادة المقصود بطريق غير الكلام، مثل الإشارة قال تعالى:{ فخرج على قومه من المحراب فأوحَى إليهم أن سبّحوا بكرة وَعَشِيّاً }[مريم: 11]. وقال داوود بن جرير:
يَرْمُون بالخُطب الطِوالِ وتارةً = وَحْيُ اللواحِظِ خيفَةَ الرقباء
والتشبيه في قوله: { كما أوحينا إلى نوح } تشبيه بجنس الوحي وإن اختلفت أنواعه، فإنّ الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم كان بأنواع من الوحي ورد بيانها في حديث عائشة في الصحيح عن سؤال الحارث بن هشام النّبي صلى الله عليه وسلم كيف يأتيك الوحي ـــ بخلاف الوحي إلى غيره ممّن سمّاهم الله تعالى فإنّه يحتمل بعض من الأنواع، على أنّ الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم كان منه الكتاب القرآن ولم يكن لبعض من ذكر معه كتاب. وعدّ الله هنا جمعاً من النبيئين والمرسلين وذكر أنّه أوحي إليهم ولم يختلف العلماء في أنّ الرسل والأنبياء يُوحى إليهم.اهـ
وقال الحلبي السمين في دره المصون:"قوله تعالى: { كَمَآ أَوْحَيْنَآ }: / الكافُ نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ أي: إيحاءً مثلَ إيحائنا، أو على أنه حالٌ من ذلك المصدر المحذوف المقدَّرِ معرفاً أي: أوحيناه أي: الإِيحاء حالَ كونِه مشبهاً لإِيحائنا إلى مَنْ ذكر. وهذا مذهبُ سيبويه وقد تقدَّم تحقيقه. و " ما " تحتمل وجهين: أنه تكونَ مصدريةً فلا تفتقر إلى عائدٍ على الصحيح، وأن تكونَ بمعنى الذي، فيكونُ العائدُ محذوفاً أي: كالذي أوحيناه إلى نوح. و " من بعده " متعلقٌ بـ " أوْحينا " ، ولا يجوز أن تكونَ " من " للتبيين، لأنَّ الحالَ خبرٌ في المعنى، ولا يُخبر بظرف الزمان عن الجثة إلا بتأويل ليس هذا محلِّه. وأجاز أبو البقاء أن يتعلق بنفس " النبيين " ، يعني أنه في معنى الفعل كأنه قيل: " والذين تنبَّؤوا مِنْ بعدِه " وهو معنى حسن.اهـ
وقال الشعراوي في خواطره:" إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ". لماذا قال الحق: { وَٱلنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ } أي من بعد نوح؟، ولماذا قال: { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } وذكر أسماء الأنبياء من بعد إبراهيم؟
يقول العلماء: هنا عطف خاص على عام لزيادة التنبيه على شرف هؤلاء، { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً } ، وكأن الحق يقول: حين يسألك اليهود - يا محمد - أن تنزل عليهم كتابا من السماء قل لهم: إن الله أوحى إليَّ كما أوحى إلى ألأنبياء السابقين؛ فلست بدعا من الرسل. وحتى لو أنزل إليهم محمد كتاباً في قرطاس ولمسوه بأيديهم لقالوا: هذا سحر مبين، كما قال:{ وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ }
[الأنعام: 7]فالمنْكِر يريد الإصرار على الإنكار فقط. وليست المسألة جدلاً في حق وإنما هي لَجَاج في باطل.اهت
فهذه تعضد بعضها بعضًا أن المقصود بالوحي هنا بيان جهة الوحي وجنسه,ولا تدل بأي حال من الأحوال على شرائعهم أو حتى شريعة أحدهم,فشرائعهم متباينة وإلزام اتباعها تجعل المرء يضطرب,وتضعه في حيرة من أمره لتغاير أحكام تلك الشرائع.

سليم
03-09-2012, 07:30 PM
السلام عليكم
ودليلهم الثالث من الكتاب هو قول الله تعالى في سورة الشورى:"شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ",هكذا يذكرونها كدليل على الاخذ بشرع من قبلنا,وهذا اقتطاع من كل,لأن الآية كاملة هي على النحو الآتي:" شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ٱللَّهُ يَجْتَبِيۤ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ",فهذا الشق من الآية يبيّن لنا أن ما شرع الله لنا من الدين وما وصّى به نوح وإبراهيم وموسى وعيسى استكبره المشركون ,أي أن المشركين في زمن كل نبي كبرعليهم ما تدعوهم إليه من إخلاص العبادة لله، وإفراده بالألوهية والبراءة مما سواه من الآلهة والأنداد.
وقد أكد هذا الرأي الطبري في تفسيره حين قال:"وقوله: { كَبُرَ على المُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إلَيْهِ } يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: كبر على المشركين بالله من قومك يا محمد ما تدعوهم إليه من إخلاص العبادة لله، وإفراده بالألوهية والبراءة مما سواه من الآلهة والأنداد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { كَبُرَ على المُشْرِكيِنَ ما تَدْعُوهُمْ إلَيْهِ } قال: أنكرها المشركون، وكبر عليهم شهادة أن لا إله إلا الله، فصادمها إبليس وجنوده، فأبى الله تبارك وتعالى إلا أن يمضيها وينصرها ويفلجها ويظهرها على من ناوأها".
فهذه الآية بكاملها ربطت بين الدين الذي شرع الله لنا عبر أنبيائه وما وصّى به الانبياء وبين ما كبر على المشركين,وما يكبر على المشركين إلا التوحيد والتنزيه.
وأما أقوال علماء التفسبر :
1.القرطبي:"قوله تعالى: { شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً } فيه مسألتان:
الأولى ـ قوله تعالى: { شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ } أي الذي له مقاليد السموات والأرض شرع لكم من الدين ما شرع لقوم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى؛ ثم بيّن ذلك بقوله تعالى: { أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ } وهو توحيد الله وطاعته، والإيمان برسله وكتبه وبيوم الجزاء، وبسائرِ ما يكون الرجل بإقامته مسلماً. ولم يرِد الشرائع التي هي مصالح الأمم على حسب أحوالها، فإنها مختلفة متفاوتة؛ قال الله تعالى:{ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً }[المائدة: 48] وقد تقدّم القول فيه. ومعنى «شَرَعَ» أي نهج وأوضح وبيّن المسالك".
2.الرازي:"ذكر في هذه الآية تفصيل ذلك فقال: { شَرَعَ لَكُم مّنَ ٱلِدِينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً } والمعنى شرع الله لكم يا أصحاب محمد من الدين ما وصى به نوحاً ومحمداً وإبراهيم وموسى وعيسى، هذا هو المقصود من لفظ الآية، وإنما خص هؤلاء الأنبياء الخمسة بالذكر لأنهم أكابر الأنبياء وأصحاب الشرائع العظيمة والأتباع الكثيرة، إلا أنه بقي في لفظ الآية إشكالات أحدها: أنه قال في أول الآية { مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً } وفي آخرها { وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ } وفي الوسط { وَٱلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } فما الفائدة في هذا التفاوت؟ وثانيها: أنه ذكر نوحاً عليه السلام على سبيل الغيبة فقال: { مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً } والقسمين الباقيين على سبيل التكلم فقال: { وَٱلَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ } وثالثها: أنه يصير تقدير الآية: شرع الله لكم من الدين الذي أوحينا إليك فقوله { شَرَعَ لَكُم } خطاب الغيبة وقوله { وَٱلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } خطاب الحضور، فهذا يقتضي الجمع بين خطاب الغيبة وخطاب الحضور في الكلام الواحد بالاعتبار الواحد، وهو مشكل، فهذه المضايق يجب البحث عنها والقوم ما داروا حولها، وبالجملة فالمقصود من الآية أنه يقال شرع لكم من الدين ديناً تطابقت الأنبياء على صحته، وأقول يجب أن يكون المراد من هذا الدين شيئاً مغايراً للتكاليف والأحكام، وذلك لأنها مختلفة متفاوتة قال تعالى:
{ لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَـٰجاً }[المائدة: 48] فيجب أن يكون المراد منه الأمور التي لا تختلف باختلاف الشرائع، وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والإيمان يوجب الإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة والسعي في مكارم الأخلاق والاحتراز عن رذائل الأحوال، ويجوز عندي أن يكون المراد من قوله { وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ } أي لا تتفرقوا بالآلهة الكثيرة، كما قال يوسف عليه السلام:{ أأربابٌ مُّتَّفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ }[يوسف: 39]".
3.ابن عاشور:"والمراد: المماثلة في أصول الدّين مما يجب لله تعالى من الصفات، وفي أصول الشريعة من كليات التشريع، وأعظمُها توحيدُ الله، ثم ما بعده من الكليات الخمس الضروريات، ثم الحاجيات التي لا يستقيم نظام البشر بدونها، فإن كل ما اشتملت عليه الأديان المذكورة من هذا النوع قد أُودع مثله في دين الإسلام. فالأديان السابقة كانت تأمر بالتوحيد، والإيمان بالبعث والحياةِ الآخرة، وتقْوى الله بامتثال أمره واجتناب مَنْهِيّه على العموم، وبمكارم الأخلاق بحسب المعروف، قال تعالى:
{ قد أفلح من تزكّى وذكر اسمَ ربّه فَصلَّى بل تؤثرون الحياة الدّنيا والآخرة خير وأبقى إنّ هذا لفي الصحف الأولى صحفِ إبراهيم وموسى }
[الأعلى: 14 ـــ 19]. وتختلف في تفاصيل ذلك وتفاريعه".
4.متولي الشعراوي:"إذن: قوله سبحانه: { أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ.. } [الشورى: 13] لا تأخذوا أرباباً من دون الله، أو لا تتفرقوا في الدين شيعاً وأحزاباً، كما في قوله تعالى:{ إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ.. }
[الأنعام: 159] فساعة تتشتت الجماعة فِرَقاً اعلم أنهم جميعاً جانبوا الصواب، لأن الحق واحد يجب أنْ نلتفَّ جميعاً حوله.
كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ.. } [الشورى: 13] كلمة كبُر بالضم يعني عَظُم عليهم وشَقَّ عليهم، أما كبَر بالفتح فتُقال للسنِّ فالمشركون عَظُم عليهم ما تدعوهم إليه من التوحيد وإخلاص العبادة لله تعالى، وشَقَّ عليهم أنْ ينطقوا بكلمة الشهادة لا إله إلا الله، وهم يفهمون جيداً معناها ومقتضاها، فهي عندهم ليستْ كلمة تقولها الألسنة إنما هي منهج حياة لها متطلبات، وإلا لكانوا قالوها".

استشهادي مرابط
08-13-2012, 02:45 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك اخي الكريم