المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حادث جبع .... كشف عورتنا من جديد / د. طريف عاشور


نائل أبو محمد
02-18-2012, 04:29 PM
السبت 26 ربيع الأول 1433

حادث جبع .... كشف عورتنا من جديد / د. طريف عاشور
نشر أمـــس الساعة 17:43
الكاتب: د. طريف عاشور
اتذكر يوم ان نظمت لنا ولاية كارولاينا بالولايات المتحدة محاضرة في قاعة بلديتها من اجل التدريب على التجهيزات التي يقوم بها المختصون تحضيرا لمبارة كرة سلة تجري سنويا تجمع فريقين متنافسيين هناك ، حيث تنتهي المباراة عادة بحوادث شعب واصابات ، سألتهم يومها عن اخر حصيلة لتلك الحوادث ، كانت 6 اصابات ، ابتسمت وقلت لهم : لكن في حادث اعتدنا مثله في فلسطين القت طائرة حربية اسرائيلية من طراز (اف16) قنبلة تزن طنا من المتفجرات على حي الشيخ رضوان من اجل اغتيال ناشط فلسطيني وكيف ان اكثر من عشرين عمارة سكنية سويّت بالارض وكل ما خلف ذلك من ضحايا مدنيين اكثرهم من الاطفال والنساء ، على اثرها قال المحاضر بخجل : اسف يبدو اننا نحن بحاجة الى خبراتكم كي نتدرب عليها .

كانت فرصة كبيرة لنا للتدرب على حالات الطوارىء ، بدأت بالانتفاضة الاولى مرورا بهبة النفق وانتفاضة الاقصى وفلسطين تعيش بحالة طوارىء يومية ، عشرات الاصابات والشهداء ولا ننسى كيف تفنن جيش رابين بكسر عظام شبابنا ، مرورا بضربنا بالرصاص الحي والمعدني والبلاستيكي والمطاطي والدمدم والقذائف والغاز السام من شتى الصنوف ، فرصة اعتقدنا حينها اننا ملكنا من التجارب الصعبة التي ستكوّن في حال وجود سلطة وطنية مدرسة في التعامل العملي مع كل تلك الكوارث والمصائب ، كيف لا وكانت كل تلك السنوات التي سبقت اقامة السلطة بلا جهاز شرطة ولا دفاع مدني ولا وزارة صحة ولا حكم محلي ، فكل ما كنت نملكه وقتها عدد قليل من رجال الهلال الاحمر بسيارات متواضعة وبعض المستشفيات الخاصة التي حملت معظم تلك المرحلة كمستشفى الاتحاد النسائي في نابلس .

اليوم وبعد 6730 يوما بالتمام والكمال على اوسلو ، وقعت كارثة في بلادنا ، وقعت لكن بوجود ركائز الدولة من دفاع مدني وهلال احمر لنقل المصابين بعناية ووزارة صحة من المفروض انها لا تحتاج الى تحويل مرضى خارج اطارنا الصحي الوطني الا في حال وجود مئات الاصابات ، مع وزارة تربية وتعليم من المفروض انها تعرف ما لها وما عليها، لا ان تخرج بطريقة كاريكاتيرية تسيء لها كما خرج احد مسؤوليها ويا ليته ما خرج ، فبعد كل تلك المؤسسات التي جهزناها للدولة ، نجد اننا وفي مساء يوم الحادث الذي حصل في الساعات الاولى من الصباح ، وزير الصحة يعلن رقما عن الضحايا ، والشرطة تعلن رقما اخر ، والهلال الاحمر رقما ثالثا ، والتربية والتعليم لا قائمة لديها باسماء الطلاب ولا حتى لدى مديرة المدرسة ، والدفاع المدني يقول وصلنا حالما ابلغنا المتواجدون الذي اهتموا بالانقاذ قبل الاتصال معنا ، الهلال الاحمر يقول : وصلنا حالما استطعنا الوصول ، ووزير الصحة يحمل الاحتلال المسؤولية ، ووزارة التربية تحمل المدرسة ورئيس مجلس الخدمات يحمل سائقي الحافلات ، والشرطة تحمل المتجمهرين ، والكل يحّمل ولا احد يتحمل المسؤولية ، التي ربما تلقى اخيرا على عاتق الاطفال المتفحمة جثثهم .

سأل احد الصحفيين : لماذا لم نجد غرفة طوارىء او على الاقل ناطقا رسميا بأسمها او ناطقا بأسم الشرطة او الدفاع المدني او الصحة او التربية يشفي غليل اسئلتنا التي يتنظرها الشعب كله ؟

سأل اخر : كل الضحايا كانوا حمولة باص وحتى المساء ثلاث جثث متفحمة غير معروفة من اصل ستة ، ترى لو ضرب المنطقة هزة ارضية عنيفة لا قدر الله ( وارضنا خصبة لذلك ) وهدمت عشرات المباني ومنها بعض المستشفيات وبالتالي اغلقت الطرقات وتوقفت كافة وسائل الاتصالات وقتل وشرد الالاف الضحايا ، ترى كيف سيكون وضعنا ؟

معظم المتحدثين باسماء وزاراتهم حمّلوا الاحتلال المسؤولية او حتى جزء منها كون الحادث حصل في مناطق لا تخضع للسلطة وبحاجة الى تنسيق ، ولكن احدا منهم لم يذكر كيف انه وفي الثامن من شباط من العام 2007 اندلع حريق في محطة بنزين النبالي بوسط رام الله (العاصمة المؤقتة للسلطة) حيث من المفروض ان تتوافر افضل واحدث التجهيزات ، وكيف ان ثماني شهداء ارتقوا للعلى واصيب اربعة عشر بحروق ، لكن الاهم ، بل الاقسى كان ان الدفاع المدني الفلسطيني لم يفلح بأطفاء الحريق ، بل استعان بالمطافىء الاسرائيلية التي تدخلت وسيطرت على الحريق بعد ساعات ، عندها وبعد 40 يوما كلف المجلس التشريعي لجنة تحقيق ، لا نزال حتى اليوم ننتظر نتائجها .

يقال في الطب ان التشخيص هو نصف العلاج ان لم يكون ثلاث ارباعه ، واليوم وللاسف وانا ارى كافة الاطراف تلقى اللوم كل على الاخر واخيرا تلقيه على الاحتلال ، واهالي الاطفال الذين استودعوا اطفالهم لدى مؤسسة تسمى التربية والتعليم يهيمون على وجوههم ، ارى ان نعترف اننا لا نزال في اول الطريق ، واننا بحاجة الى الكثير الكثير من الخبراء والمخططين واصحاب الكفاءات حتى لو استوردناهم من الخارج ، ولنعترف اننا وبعد كل تلك المصائب التي حلت بنا ، لا نزال نخطأ في نقل المصاب للمستشفى ، الى كيف نخطط للحوادث والكوارث الطبيعية اوالتي هي من صنع البشر .

هي رسالة اذن كتبتها اليوم ست جثث متفحمة ، اننا لا نزال وعلى الرغم من كل ما نقوله في الاعلام ، بدائيون في علم الكوراث ، وان حادث جبع اليوم كشف عورتنا امام انفسنا ، قائلا لنا : ان تحميل الاحتلال مسؤولية حادث اليوم هو هروب من المسؤولية كتلك النعامة التي دفنت راسها بالرمل ايقانا منها انها باتت مأمن ، فهل ستكون تلك الجثث المتفحمة ناقوس خطر اضافي يطرق ابواب وافئدة صناع القرار ، كي يلملموا ارواقهم من جديد ، ويعرفوا الارضية التي نقف عليها بحق ، فرحم الله تعالى امرء عرف قدر نفسه .. ووقف عندها .

كما أنه نشر اليوم في ج ق ص 20 عمود 7ـ8 ( 18ـ 2 2012 ) السبت .