المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ عكرمة صبري من المسجد الأقصى بتاريخ 3/7/2003م وفق 4 جمادي الأولى 1424 هجري


admin
05-12-2009, 05:55 PM
تاريخ الخطبة: 4 جمادي الأولى 1424 وفق 3/7/2003م
عنوان الخطبة: بين التوكل والتواكل
الموضوع الرئيسي: الرقاق والأخلاق والآداب
الموضوع الفرعي: أعمال القلوب
اسم الخطيب: عكرمة بن سعيد صبري

ملخص الخطبة
1- تقوى الله والتوكل عليه فرج من الهموم والكروب. 2- الفرق بين التوكل والتواكل. 3- أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بالأسباب مع توكله على الله. 4- حديث ابن عباس: ((احفظ الله يحفظك)). 5- المؤمن يتوكل على اله في سائر أحواله. 6- بعض جرائم اليهود في القدس المسلمة.

الخطبة الأولى
أما بعد، فيقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ ٱللَّهَ بَـٰلِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلّ شَىْء قَدْراًhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الطلاق:2، 3]، صدق الله العظيم.
أيها المسلمون، هاتان الآيتان الكريمتان من سورة الطلاق، وهي مدنية، ولهما سبب نزول، فقد ذكرت كتب التفسير بأن رجلاً من قبيلة أشجع، كان فقير الحال وكان كثير العيال، وأن ابناً له قد وقع في الأسر بيد المشركين، فأتى النبيَ صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله، إن ابني أسره العدو، وجزعت عليه أمه، فما تأمرني؟ فقال له عليه الصلاة والسلام: ((اتق الله واصبر، وأكثر من قولك: لا حول ولا قوة إلا بالله))<SUP><SUP>[1]</SUP></SUP> (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-07-03.htm#_ftn1).
ولم تلبث مدة وجيزة حتى تمكن الابن من الانفلات من الأسر، و في طريقه آتى على غنم سباها من الأعداء، فنزلت هاتان الآيتان الكريمتان من سورة الطلاق، لتوضح أن من يتوكل على الله حقَّ توكله، فإنه يكفيه ما أهمه وما أغمه، وما يحتاج إليه.
أيها المسلمون، إن التوكل على الله رب العالمين من أعظم ثمار الإيمان، وأهم أسباب العزة والطمأنينة لدى الأنام، وقد ورد التوكل في القرآن الكريم في سبعة وستين موضعاً، لبيان أهميته، وما من آية ورد فيها التوكل إلا واقترن بالإيمان، فيقول سبحانه وتعالى في سورة آل عمران وفي سورة إبراهيم أيضاً: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [التغابن:13]، وفي سورة المائدة: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [المائدة:23]، وفي سورة التغابن: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُوhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif.
أيها المسلمون، لذا كان التوكل على الله عز وجل جزءاً من عقيدة المؤمن بالله رب العالمين، والفهم الحقيقي للتوكل يحتم أن نؤمن بأنه طاعة لله والقيام بالأسباب المطلوبة بأي عمل من الأعمال، وقد يظن البعض ويتوهمون أن التوكل ترك العمل وعدم الأخذ بالأسباب، وهذا ظن خاطئ، ولا يقول به إلا الجهلة في أمور العقيدة والتوحيد، فإن ديننا الإسلامي العظيم قد أثنى على المتوكلين العاملين، فالتوكل مقره الخيط المتعلق بالله عز وجل، والعمل منوط بالجوارح، وشؤون الدنيا هي وسيلة لا غاية، لذى نقول: اللهم لا تجعل الدنيا في قلوبنا، واجعلها في أيدينا.
أيها المسلمون، إن رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم كان وباستمرار يأخذ بالأسباب المادية المطلوبة، فعلى سبيل المثال، ما حصل في معركة الأحزاب، فبعد أن أعد العدة توجه إلى الله رب العالمين بالدعاء قائلاً: ((اللهم منزل الكتاب، ومجريَ السحاب، وهازم الأحزاب اهزمهم و انصرنا عليهم))<SUP><SUP>[2]</SUP></SUP> (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-07-03.htm#_ftn2).
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم على ناقة فقال: يا رسول الله أرخي لناقتي وأتوكل؟ أي أتركها بدون عقال وأتوكل؟ فماذا كان جواب الرسول عليه الصلاة والسلام؟ ((اعقلها وتوكل))<SUP><SUP>[3]</SUP></SUP> (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-07-03.htm#_ftn3)، أي اربطها ثم توكل على الله.
أيها المسلمون، هناك فرق شاسع بين التوكل والتواكل، فالتوكل هو العمل والأخذ بالأسباب، والاعتماد على الله عز وجل، أما التواكل فهو الكسل والاعتماد على الغير وعدم الإنتاج، وعدم الأخذ بالأسباب، فالله سبحانه وتعالى يقول: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَٱلْمُؤْمِنُونَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [التوبة:105].
وقد طبق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مفهوم التوكل عملياً، ولاحق المتواكلين الكسالى، الذين لا يعملون، والذين يعتمدون على غيرهم، فمن أقواله رضي الله عنه: (أرى الرجل، فيعجبني، فإن قيل: لا حرفة له سقط من عيني)، فالرجل العاطل عن العمل يكون محتقراً في نظر أمير المؤمنين.
وشاهد عمر بن الخطاب أناساً يتعبدون في المساجد ولا يعملون، فسألهم عن عملهم فقالوا: نحن متوكلون، فقال لهم: لا، أنتم متواكلون، وبادرهم بالدرة. أي بالعصا التي يحملها، ثم قال: المتوكل هو الذي يلقي حبه في الأرض ويتوكل على الله، أي الذي يعمل ثم يتوكل على الله.
أيها المسلمون، ثم نقول للذين يخافون على أرزاقهم، ولا يتوكلون على الله، نقول للعمال الذين يتخلفون عن صلاة الجمعة، لأن رب العمل يرفض له السماح بأداء صلاة الجمعة، ويلزمهم العمل، نقول لهم: أين التوكل على الله؟، إنهم يدَّعون فيقولون: إذا أتينا إلى صلاة الجمعة فإن رب العمل يفصلنا، نقول لهم ما ورد في سورة الطلاق: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ ٱللَّهَ بَـٰلِغُ أَمْرِهِhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الطلاق:2، 3]، فهل نترك كلام الله ونتمسك بكلام العباد.
ونؤكد بأن التذمر التضجر والـتأفف حين البحث عن العمل ليس من التوكل على الله، ونقول للتجار ولأصحاب الأملاك: إن التوكل على الله هو الرأفة والرحمة بالناس وعدم استغلالهم، ونقول للموظفين وللمستخدَمين: إن التوكل على الله هو الإخلاص في العمل المشروع، والقيام بالواجب الملقى على عواتقهم، دون محاباة، دون تزلف، دون تخوف، فالله عز وجل بيده الرزق ويتكفل الدفاع عن المسلمين، والمسلم الصادق يجب عليه أن يتوكل على الله وحده.
أخي المسلم، عليك أن تحفظ هذا الحديث النبوي الشريف، وأن تكرره باستمرار، عن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: ((يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف))<SUP><SUP>[4]</SUP></SUP> (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-07-03.htm#_ftn4)، وفي رواية أخرى: ((احفظ الله تجده أمامك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك بالشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً))<SUP><SUP>[5]</SUP></SUP> (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-07-03.htm#_ftn5) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فتوكل أخي المسلم على الله الحي الذي لا يموت، وسيكون الله معك أينما توجهت وأينما حللت، جاء في الحديث الشريف: ((من قال حين يخرج من بيته: بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: كُفيت ووُقيت، وتنحى عنه الشيطان))<SUP><SUP>[6]</SUP></SUP> (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-07-03.htm#_ftn6) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوز المستغفرين.
<HR align=right width=33 SIZE=1>[1] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-07-03.htm#_ftnref1) عزاه الحافظ ابن حجر في الإصابة (3/11) إلى ابن مردويه في التفسير.

[2] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-07-03.htm#_ftnref2) رواه البخاري في صحيحه في كتاب الجهاد، من حديث عبد الله بن أوفى (2744)، ورواه مسلم في صحيحه في كتاب الجهاد والسير (3267).

[3] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-07-03.htm#_ftnref3) رواه الترمذي من حديث أنس (2441)، وقد حسنه الألباني في صحيح الترمذي (2044).

[4] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-07-03.htm#_ftnref4) أخرجه الترمذي في صفة القيامة (2516)، وهو عند أحمد أيضا (4/409-410) [2669]، قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/460-461). "روي هذا الحديث عن ابن عباس من طرق كثيرة.. وأصح الطرق الطريق التي خرجها الترمذي"، وصححه الألباني في صحيح السنن (2043).

[5] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-07-03.htm#_ftnref5) الرواية أخرجها أحمد (5/18-19) [2803]، والحاكم (3/623)، والضياء في المختارة (10/24)، وصححها القرطبي في تفسيره (6/398).

[6] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-07-03.htm#_ftnref6) رواه الترمذي في سننه من حديث أنس بن مالك (3348)، ونحوه عند أبي داود في سننه (3321).



الخطبة الثانية
الحمد الله، له الحمد في الدنيا والآخرة، له الحكم وإليه ترجعون، ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، صلاة وسلام دائمين إلى يوم الدين.
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.
أيها المسلمون، يا أبناء ارض الإسراء والمعراج، في الوقت الذي يعلن فيه عن ما يسمى بالهدنة ووقف إطلاق النار، تقوم السلطات الإسرائيلية بالاغتيال وهدم المنازل بالإضافة إلى الأمور الآتية:
المصادقة على بناء آلاف الشقق الاستيطانية في مدينة القدس وما حولها، وبخاصة في الجهتين الجنوبية والشرقية، وهو ما أعلن عنه من خلال أجهزة الإعلام، وذلك لخنق هذه المدينة من جميع الجهات.
مصادر أربعة عشر ألف دونم من أراضي بيت إكسا المحاذية لمدينة القدس، وهذا ما أعلن عنه من خلال أجهزة الإعلام أيضاً، وذلك لإقامة مستوطنة جديدة.
تجريف عشرات الآلاف من الدنمات التي تخص القرى الأمامية، وحرمان المواطنين من الوصول إلى أراضيهم، نتيجة إقامة ما يسمى بالجدار الواقي.
أيها المسلمون، بالرغم من معارضة المجتمع الدولي لهذه المصادرت، إلا أن هذه المعارضة هي معارضة شكلية غير مؤثرة وغير فعالة، ولا يوجد أي ضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف أعمال المصادرات وإقامة المستوطنات.
وإن حكم الإسلام في ذلك واضح وصريح، فإن ما يُبنى على الأرض المغتصبة يكون باطلاً، وإن ما يُبنى على الباطل فهو باطل، وإن الاعتداء على الأرض لا يعطي شرعية للبناء.
أيها المسلمون، وأما رابعاً وأخيراً بشأن المسجد الأقصى المبارك والسياحة لغير المسلمين به، فقد أصدرت الهيئة الإسلامية العليا ومجلس الأوقاف والشؤون والمقدسات في القدس قبل يومين بياناً موحداً، بتوقيع كل من الهيئة الإسلامية ومجلس الأوقاف، وما أذيع عبر إذاعة الأعداء التي تقول بأن الهيئة الإسلامية لها موقف يختلف عن موقف الأوقاف، نقول: إن موقف المسلمين هو موقف واحد، ويتضمن البيان تأكيداً على المواقف الإيمانية التي تعتمد على القرار الرباني والآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة بأن الأقصى هو للمسلمين وحدهم، وأوضح البيان بأن وقف السياحة لغير المسلمين في هذه الظروف العصيبة، إنما يهدف المحافظة على حرمة المسجد الأقصى، وتجنيب الأقصى عن أي توتر محتمل، كما يهدف إلى حقن الدماء وعدم الاقتتال، وسيبقى المسلمون ـ بإذن الله ـ الحراس الأوفياء لمسجدهم المبارك ليقضى الله أمراً كان مفعولاً.