المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ يوسف أبو سنينة من المسجد الأقصى بتاريخ 10/7/2003م وفق 11 جمادي الأولى 1424 هجري


admin
05-12-2009, 05:57 PM
تاريخ الخطبة: 11 جمادي الأول 1424 وفق 10/7/2003م
عنوان الخطبة: استوصوا بالشباب خيراً
الموضوع الرئيسي: الأسرة والمجتمع
الموضوع الفرعي: الأبناء
اسم الخطيب: يوسف بن عبد الوهاب أبو سنينه

ملخص الخطبة
1- دعوة لاغتنام الأوقات والأعمال. 2- الوصاة بالشباب وحسن الرفق بهم. 3- مجد الإسلام الذي ضاع بقدر ما ضيعنا من ديننا. 4- التضييق على المسلمين ومنع كثيرين من الصلاة في الأقصى. 5- الهدنة مع اليهود.

الخطبة الأولى
أما بعد: فيا عباد الله، يقول صلى الله عليه وسلم: ((اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك))<SUP><SUP>[1]</SUP></SUP> (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-07-10.htm#_ftn1).
أيها المؤمنون، إن بناء المجتمعات لا يمكن أن يرتفع له لواء، إلا إذا سارت وراء الهدي النبوي، وخير من يوصى به لأهميته في البناء، الشباب الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ((استوصوا بالشباب خيرا، فإنهم أرق أفئدة))، الشباب الذي لا يجد له في هذه الأيام مرشداً كريماً، ولا موجهاً عظيماً، ولا مربياً رفيعاً، ولا أباً رحيماً إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جاء شاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (ائذن لي بالزنا يا رسول الله)، كلمة خطيرة تكاد السموات يتفطرن منها، وتنشق الأرض، وتخر الجبال هداً، إلى من يوجه هذا الكلام؟ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان يجلس حول الرسول عليه الصلاة والسلام أصحابُه الكرام، يحيطون به كما تحيط النجوم بالقمر، وكما تحيط الجنود بالعَلم.
فثار الصحابة رضي الله عنهم، وثارت دماء الغضب في عروقهم، ولكنه عليه الصلاة والسلام كما عهدناه بحلمه ووقاره وجلاله وسكينته وأدبه وأخلاقه، يجلس في هدوء يرسل الحكمة كما يرسل القمر أضواءه.
أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يهدؤوا، ثم دعا الشاب إليه، فجلس أمام النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هدوء الأستاذ مع التلميذ، وبحكمة الطبيب مع المريض، قال للشاب: ماذا تريد يا فتى، قال: ائذن لي بالزنا يا رسول الله.
وإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يرسل هذه الحكمة الرفيعة: ((يا فتى أفترضاه لأمك؟))<SUP><SUP>[2]</SUP></SUP> (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-07-10.htm#_ftn2)، كان عليه الصلاة والسلام يداوي الجراح الدامية بتنسم الروحانيات الصافية، ونزلت هذه الكلمة باستفهامها على سمع الفتى، ثم أخذت طريقها إلى قلبه، فصادفت مكاناً خالياً، فتمكنت منه، فقال: لا يا رسول الله.
ويكرر الرسول صلى الله عليه وسلم السؤال: ((أفترضاه لأختك؟ أفترضاه لعمتك؟ أفترضاه لخالتك؟)) وإذا بالشاب يجلس أمام الرسول صلى الله عليه وسلم وينتفض ويقول: ادع الله لي يا رسول الله، وإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يدعو لهذا الفتى، فقال، الدعوة الأولى: ((اللهم حصن فرجه))، ثم قال في الثانية: ((وطهر قلبه))، ثم قال في الثالثة: ((واغفر ذنبه)).
يقول هذا الشاب: فخرجت من عند رسول صلى الله عليه وسلم، وليس على وجه الأرض أحد أحب إلي من رسول الله، هكذا يكون الدواء وهكذا يكون العلاج.
وصدق الله تبارك وتعالى وهو يخاطب نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَـٰلَمِينَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الأنبياء:107].
الشباب والصحة نعمتان من أجلّ نعم الله تبارك وتعالى، إن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يداوي بالحكمة والموعظة الحسنة، لذلك ربى جيلاً لم تعرف البشرية له مثيلاً، اسمعوا إلى ما قاله عمر رضي الله عنه، وعمر أحد الذين دخلوا الإسلام في سن الشباب، كان عمره يوم أسلم ستاً وعشرين سنة، كان اسمه في سجل المسلمين رقم أربعين، عمر عندما دخل الإسلام ونطق بالشهادتين كان أول كلمة قالها لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علام نخفي ديننا يا رسول الله؟ إن الإسلام والإيمان قد تمكنا من قلبه، إن الإسلام قد رسخ في فؤاده، علام نخفي ديننا يا رسول الله؟ لم لا تصدع بما تأمر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لم يأمرني بذلك))<SUP><SUP>[3]</SUP></SUP> (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-07-10.htm#_ftn3)، وإذا بالوحي يتنزل على قلب وفؤاد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifفَٱصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الحجر:94]، فقال له جميع الجالسين: لا إله إلا الله، والله أكبر.
كل شيء إلى تغير وفناء، كل شيء إلى زوال، ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت، فبادروا يا عباد الله بالرجوع إلى الله، بادروا بالصلح مع الله تبارك وتعالى، ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها، كان من دعاء الحبيب صلى الله عليه وسلم: ((اللهم بارك لأمتي في بكورها))<SUP><SUP>[4]</SUP></SUP> (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-07-10.htm#_ftn4).
والرسول صلى الله عليه وسلم مر بالسيدة فاطمة رضي الله عنها بعد صلاة الفجر فرآها قد نامت بعد ما صلت، فقال لها: ((يا فاطمة قومي فاشهدي هذه الساعة التي يقسم الله فيها الأرزاق على العباد))<SUP><SUP>[5]</SUP></SUP> (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-07-10.htm#_ftn5).
عباد الله، أمتنا الإسلامية أمة عظيمة، ولا نظير لها، كانت تسيطر على البحر الأبيض كله وعلى ثلثي البحر الأحمر، كانت تنام على بحر من البترول فماذا حدث؟، سلبتهم الدنيا أملاكهم، فالمقاطعات الإسلامية استولى على كثير منها المعسكر الشرقي، وضاعت الأندلس وظاعت صقلية وضاعت فلسطين، وسلبت الجولان واحتل بيت المقدس والضفة الغربية، لماذا؟ لأن الدنيا فتحت علينا، فنسينا الله تبارك وتعالى، نسينا أحكامه، ونسينا كتابه.
كانت الغنائم تأتي لبيت مال المسلمين من المشارق والمغارب في زمن عمر رضي الله عنه، جاءت الغنائم من بلاد فارس، فبكى بكاءً شديداً، فيقول له ابن مسعود رضي الله عنه: أتبكي يا أمير المؤمنين في يوم النصر؟ فيقول أمير المؤمنين: أخشى على المسلمين أن تفتنهم الدنيا، عمر يخشى من فتة الدنيا على المسلمين.
صدقت يا أمير المؤمنين تعال وانظر اليوم إلى أحوال المسلمين.
أمتنا أمة عظيمة، عندما أسلمنا وآمنا، عندما قرأنا القرآن واتخذناه منهجاً وسلوكاً ونظام حياة، عندما عشنا مع القرآن في نومنا وفي يقظتنا وفي أكلنا وشربنا وحياتنا، كانت حياتنا كلها مع القرآن، إذا أصبح مجتمعنا مجتمعاً قرآنياً منهجاً وسلوكاً، فسوف نقود العالم كله إلى شاطئ الأمان، وبغير ذلك كله لن نفلح أبداً، فأخلصوا قلوبكم لله يا عباد الله وافتحوا قلوبكم، واستعينوا بالله واصبروا، لا تنسوا الله تبارك وتعالى وأحسنوا صلتكم بالله، اجعلوا أيامكم كلها لله، قيل للإمام الحسن البصري رضي الله عنه أي الأيام عندك عيد يا إمام؟ فقال: كل يوم لا أعصي الله فيه، فهو يوم عيد.
عباد الله، أمر الله تعالى المؤمنين بالانضباط، فما هو الانضباط في الإسلام كما ورد في شريعة خير الأنام؟
الانضباط في قول الله تبارك وتعالى: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَأَنَّ هَـٰذَا صِرٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الأنعام:153]، الانضباط الذي أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال له ربه: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifفَٱسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [هود:112]، فإذا أردنا أن نطبق الانضباط في مجتمعاتنا لا بد ان نأخذ جانبين: جانب الوقاية وجانب العلاج، أما الوقاية فهي إزالة الموانع التي تؤدي بنا إلى غضب الله وارتكاب المعاصي، أيكون هناك انضباط وأبواب الخمارات مفتوحة؟ أيكون هناك انضباط والنساء كاسيات عاريات؟ أيكون هناك انضباط ومعاملاتنا كلها معاملات ربوية؟ أيكون هناك انضباط والنفوس مشحونة بالحقد والحسد والشحناء وسفك الدماء؟
عباد الله، الإسلام ليس صلاة وصياماً وحجاً فقط، الإسلام استسلام لله تبارك وتعالى وتطبيق لمنهجه في كل نواحي الحياة.
عباد الله، اعلموا جيداً أنه لا يجوز بحال من الأحوال أن يمنع المصلون من الدخول إلى المسجد الأقصى المبارك، وذلك لقول الله عز وجل في كتابه العزيز: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifأَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ وَسَعَىٰ فِى خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِى ٱلدُّنْيَا خِزْىٌ وَلَهُمْ فِى ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [البقرة:114]، فالمساجد هي بيوت الله ويأتي المصلون إليها لأداء الصلوات تطبيقاً لمنهج الله تبارك وتعالى في الأرض، ومن تجرأ على منع المصلين من الدخول إلىالمساجد فقد ارتكب إثماً عظيماً وجُرماً كبيراً سيحاسب عليه حساباً كبيراً من الله الواحد الجبار.
وتذكروا أيها المؤمنون أن من يتجرأُ على بيوت الله ويمنع المصلين من أداء الصلوات فهو عدو لله ومحارب لله، وسوف ينتقم الله تعالى منه.
وفي نفس الوقت يجب على المسلمين أن يحافظوا على مسجدهم، وأن يكون إيمانهم قوياً بالله عز وجل.
وانظروا أيها الإخوة إلى قوله تعالى: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif، معناه أنه لا يوجد أحد أظلم من الذي يمنع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، أي أن هذا الظلم هو الظلم العظيم، ويختم الله سبحانه وتعالى الآية بقوله: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifلَهُمْ فِى ٱلدُّنْيَا خِزْىٌ وَلَهُمْ فِى ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif، أي لن يتركهم الله تبارك وتعالى في الدنيا ولا في الآخرة بل يصيبهم في الدنيا خزي، وهذا مظهر غيرة الله على بيوته، أما في الآخرة فلهم عذاب عظيم، فهل سمعتم على مر الزمان أن قوماً من الأقوام يمنعون الناس من أداء العبادات والشعائر الدينية، وهذا الفعل بذاته مخالف لكل الأعراف الدولية، وصدق الله تبارك وتعالى وهو يقول: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifأَرَأَيْتَ ٱلَّذِى يَنْهَىٰ http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif عَبْداً إِذَا صَلَّىٰhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [العلق:9، 10]، فقد ذكر المفسرون أن هذه الآية نزلت في أبي جهل عليه لعنة الله، والعبرة كما تعلمون بالعموم، وليس بالخصوص، فاتقوا الله يا عباد الله، وحافظوا على مسجدكم، فهو رمز مجدكم وعزكم وكرامتكم.
اللهم حرر المسجد الأقصى، وطهره من رجس الكافرين، واجعلنا فيه من عبادك المرابطين إلى يوم الدين، اللهم اجعله عامراً بالإسلام والمسلمين يا رب العالمين.
عباد الله، ورد في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بادروا بالأعمال سبعاً هل تنتظرون إلا غنىً مطغياًَ، أو فقراً منسياً، أو مرضاً مفسداً أو هرماً مفنداً أو موتاً مجهزاً، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر))<SUP><SUP>[6]</SUP></SUP> (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-07-10.htm#_ftn6).
عباد الله، توجهوا إلى الله تبارك وتعالى بالدعاء
وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة فيا فوز المستغفرين، استغفروا الله



<HR align=right width=33 SIZE=1> [1]أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 306)، وصححه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الترغيب [3355]، وأخرجه ابن المبارك في الزهد، ومن طريقه البغوي في شرح السنة [4022] عن عمرو بن ميمون مرسلاً، وصحح سنده الحافظ في الفتح (11/234).

[2] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-07-10.htm#_ftnref2) أخرجه أحمد (5/256).

[3] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-07-10.htm#_ftnref3) أخرجه ابن خثيمة القرشي (ص 128) في جزئه بنحوه.

[4]رواه الترمذي في البيوع (1212)، وأبو داود في الجهاد (2606)، وابن ماجه (2236)، وأحمد (1/153)، وصححه ابن حبان (4754). والألباني في صحيح أبي داود (2270).

[5] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-07-10.htm#_ftnref5) في البيهقي وغيره (فاشهدي أضحيتك).

[6] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-07-10.htm#_ftnref6) رواه الترمذي في الزهد (2306). وقال حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وضعَّفه الألباني في الضعيفة (1666).




الخطبة الثانية
الحمد لله العزيز الوهاب، أنزل على عبده الكتاب هدى وذكرى لأولي الألباب، ونشهد أن لا إله إلا الله، أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة، وجعل أمتنا - ولله الحمد -خير أمة أخرجت للناس، وبعث فينا رسولاً منا يتلو علينا آياته ويزكينا ويعلمنا الكتاب والحكمة، فالصلاة والسلام على سيد الأحباب، النبي الأمي المبعوث بالحق والصواب، الشافع المشفع يوم الحساب، وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المآب.
أما بعد: أيها المسلمون، إن الحدث الأبرز على الساحة الفلسطينية هو إعلان الهدنة من جانب الفلسطينيين المغلوبين على أمرهم فيما يسمى وقف إطلاق النار مع الجانب الإسرائيلي، وأسئلة عدة تفرض نفسها على الحدث، لأنه يتعلق بصميم وواقع شعبنا الفلسطيني المسلم الذي أعقب اندلاع انتفاضة الأقصى، فالحديث يشمل الفترة الزمنية الحالية من المعاناة، ناهيك عن المأساة المتواصلة على امتداد نصف قرن من الزمان، منذ سقوط فلسطين المسلمة في يد المحتلين، فهل يصمد وقف إطلاق النار الحالي؟ هل تؤدي هذه الهدنة إلى إعادة الهدوء والاستقرار والحياة إلى شعبنا المسلم؟ هل ستزول الحواجز ونقاط التفتيش، حواجز الإهانة والاضطهاد والإذلال؟ هل ستوقف إسرائيل عن تصفية المسلمين على امتداد الوطن؟ هل سيتم انسحاب إسرائيل الكامل وتفكيك جميع المستوطنات؟ هل ستعود مدينة القدس المسلمة لعصمة المسلمين وسيادتهم؟ هل سيعود المهجرون والنازحون والمبعدون إلى ديارهم ووطنهم وأهلهم؟ هل سيتم إطلاق سراح أبناء شعبنا الفلسطيني المسلم من زنازين الاحتلال وأقبية المعتقلات والسجون دون تمييز بينهم؟ هل ستتوقف إسرائيل عن استفزازاتها تجاه المسجد الأقصى المبارك؟
أيها المسلمون، إن المتابع للتجارب المريرة التي خاضها ويخوضها شعبنا قديماً وحديثاً وعلى امتداد عمر المأساة، يجد أن إسرائيل تضرب عرض الحائط بكل المواثيق والأعراف والمعاهدات.
ولقد أثبتت التجارب والأيام أنه لا يكاد حبر أي اتفاق يجف، حتى تنقض إسرائيل هذا الاتفاق، ومسلسل الأحداث منذ اتفاقات كامب ديفيد وأوسلو وشرم الشيخ والعقبة تدل على ذلك.
كانت هناك وعود منذ العام 1993م بإقامة دولة فلسطينية، وانسحاب إسرائيلي كامل، ولكن ماذا حدث؟ انسحبت إسرائيل فترة زمنية قصيرة من بعض المناطق بعد تقسيمها، ثم ما لبثت أن أعادت احتلالها بعد انتفاضة الأقصى.
إن حجم التضحيات الجسام التي بذلها ويبذلها شعبنا في المال والبنين، تفوق ما قدمه أي شعب من أجل حريته، ثم تأتي الضغوط من القريب والبعيد للقبول، بما يسمى الأمر الواقع.
إن ما يزيد الأمور تعقيداً هو ما يعلنه الأمريكيون إثر زياراتهم للمنطقة واجتماعهم مع زعمائها، من أن وقف إطلاق النار يجب أن يعقبه تفكيك الجماعات المسلحة قبل تفكيك المستوطنات، ويتحدث الأمريكيون أن الفلسطينيين هم عقبة في طريق السلام، وبعكس إسرائيل، فإنها دولة محبة للسلام، غير أنها محاطة بالأعداء.
وأنتم يا أهلنا في أرض فلسطين المباركة، أنتم في رباط إلى يوم القيامة، أنتم أهل الصبر والمصابرة والمرابطة، اجعلوا ثقتكم بالله تنكشف الأمور وتزول الغمة، ولا نريد أن نقول ما قال الشاعر:
صبرنا إلى أن ملّ من صبرنا الصبر وقلنـا غـداً أو بعـده ينجلي الأمر
فكـان غـد شـهراً ولو ومـد حبله فقد ينطوي في جوف هذا الغد العمر
وقلنـا عسى أن يـدرك الحق أهلـه فصاحت عافاني الله ولا طعمُها مـر
سـلام على الدنيا سـلام على الورى إذا ارتفع العصفور وانخفض النسـر
أيها المسلم:

دع المقادير تجري من أعنتها ولا تبيتـن إلا خالـي البـال
ما بين غمضة عين وانتباهتها يغيـر الله من حال إلى حـال