المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ محمد حسين من المسجد الأقصى بتاريخ 17/7/2003م وفق 18 جمادي الأولى 1424 هجري


admin
05-12-2009, 05:58 PM
تاريخ الخطبة: 18 جمادي الأولى 1424 وفق 17/7/2003م
عنوان الخطبة: محبة النبي صلى الله عليه وسلم
الموضوع الرئيسي: العلم والدعوة والجهاد, قضايا في الاعتقاد
الموضوع الفرعي: أحاديث مشروحة, الاتباع
اسم الخطيب: محمد أحمد حسين

ملخص الخطبة
1- حديث: ((ثلاث من كنّ فيه)). 2- دليل محبة النبي صلى الله عليه وسلم اتباعه. 3- صور من محبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم. 4- قصة عبد الله بن حذافة السهمي مع قيصر الروم.

الخطبة الأولى
أيها المسلمون، أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، يا أحباب رسول الله، في رحاب المسجد الأقصى الذي يدعوكم دائماً للالتفاف حوله وللصلاة فيه وشد الرحال إليه، ليبقى عامراً بالإسلام والمسلمين، فأنتم أهله، وأنتم حراسه الأوفياء.
أيها المؤمنون، إن الإيمان الذي ترتبط به سعادة الدنيا والآخرة، ويتميز به المؤمن عن سواه من الناس، له علامات وطعم ومذاق، فقد أخرج البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يلقى في النار))<SUP><SUP>[1]</SUP></SUP> (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-07-17.htm#_ftn1).
أيها المسلمون، يا أحباب المصطفى صلى الله عليه وسلم، بنيان واضح، وميزان حق لا يخالطه باطل، وصراط مستقيم لا يعتريه خلل، يذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتم للمؤمن إيمانه، ويزن أعماله، ثم ليجد مذاق هذا الإيمان وحلاوته وطعمه في قلبه ونفسه وعمله، فمن اعتقد وشهد بالألوهية والربوبية والوحدانية لله وحده، وأظهر مقتضيات هذا الاعتقاد على جوارحه بالعمل الصالح، فقد أدى حق الشهادة التي هي أول مراتب الإيمان، ولا يصح عمل دونها.
وتحقيق هذا الإيمان والشهادة كما ذكر العلماء هو العلم المنافي للجهل، واليقين المنافي للشك، والإخلاص المنافي للشرك، والصدق المنافي للكذب، والمحبة لمنافية للبغض، والانقياد المنافي للامتناع، والقبول المنافي للرفض، فمن تحقق به هذه الصفات والتزم بهذه الشروط، كان ممن ذاق حلاوة الإيمان، وأدرك حقائق الإسلام والإحسان، والتحق بركب أهل السعادة من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
وقد أثنى الله على المؤمنين في كثير من آيات القرآن الكريم فقال تعالى: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [التوبة:71].
ونقرأ في هذا الكتاب العزيز رضوان الله عن الأولين من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين في قوله تعالى: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلاْوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَـٰجِرِينَ وَٱلانْصَـٰرِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلانْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [التوبة:100].
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، من مقتضيات محبة الرسول صلى الله عليه وسلم طاعته واتباعه فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن يعظم المؤمن أمره ونهيه، فلا يقدم عليه قول أحد من الناس، فكل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب الرسالة عليه الصلاة والسلام.
لقد جعل الله اتباعه علامة على محبة الله وسبباً لمغفرة الذنوب، قال تعالى: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifإِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [آل عمران:31].
فلا يكتمل إيمان المؤمن حتى يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب الناس إليه، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين))<SUP><SUP>[2]</SUP></SUP> (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-07-17.htm#_ftn2). فمحبته عليه الصلاة والسلام بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى تكون باتباع هديه وسنته، يقول الإمام الشافعي رحمه الله: أجمع العلماء على أن من استبانت له سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد.
وقد سجلت كتب السنن محبة الصحابة الكرام رضوان الله عليهم للرسول صلى الله عليه وسلم، في مواقف إيمانية لا تصدر إلا عمن ذاق حلاوة الإيمان، واطمأنت نفسه لهدي المصطفى عليه الصلاة والسلام.
من ذلك مبيت علي كرم الله وجهه في فراش النبي عليه الصلاة والسلام ليلة الهجرة، وعلي يعلم أن قريشاً تتربص بالنبي عليه الصلاة والسلام لتنال منه، وبذلك كان علي كرم الله وجهه أول من قدم نفسه فدائياً في الإسلام.
ويضع الصديق رضي الله عنه رجله في فم جُحر في غار ثور في طريق الهجرة الشريفة، حينما لم يجد ما يغلق به فم الجحر، حرصاً على النبي صلى الله عليه وسلم من الأذى.
ويلدغ أبو بكر رضي الله عنه بأفعى ذاك الجُحر، وينزل دمعه على وجه النبي صلى الله عليه وسلم من الألم الذي كتمه، مخافة أن يزعج النبي عليه السلام في نومه.
وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يجعلون من أجسادهم تروساً تقي النبي عليه الصلاة والسلام من سهام المشركين ورماحهم، وهذا خبيب بن عدي رضي الله عنه، خرج به أهل مكة لقتله خارج الحرم، وقد نصبوا خشبة صلبه، وراحوا يمثلون به وهو حي، ويقطعون من جسده، القطعة تلو القطعة، وهم يقولون له: أتحب أن يكون محمد مكانك، وأنت ناج في أهلك؟ فاسمعوا جواب المؤمن يا مسلمون، ما هو جواب المؤمن الذي تغلغل الإيمان في قلبه، وتمكن حب الله ورسوله من فؤاده؟ (والله ما أحب أن أكون آمناً وادعاً في أهلي وولدي، وأن محمداً http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif يشاك بشوكة). إنه الإيمان يصنع الرجال.ويرتجز خبيب قائلاً:
ولسـت أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي
ويترك درساً لأهل الإيمان بالصبر والثبات والتضحية من أجل العقيدة والدين، فرضي الله عنه وعن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعلنا ممن يسير على نهجهم، ويقتفي أثرهم، إنه نعم المولى ونعم النصير.
جاء في الحديث الشريف أن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يؤمن أحدكم حتى يجب لأخيه ما يحب لنفسه))<SUP><SUP>[3]</SUP></SUP> (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-07-17.htm#_ftn3).
فيا فوز المستغفرين، استغفروا الله، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.


<HR align=right width=33 SIZE=1>[1] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-07-17.htm#_ftnref1) البخاري في الإيمان، باب حلاوة الإيمان عن أنس (15)، ومسلم في الإيمان، باب خصال من اتصف بهن وجد (60).

[2] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-07-17.htm#_ftnref2) البخاري في الإيمان، باب حب الرسول من حديث أنس (14)، ومسلم في الإيمان، باب وجوب محبة رسول الله (62).

[3] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-07-17.htm#_ftnref3) البخاري في الإيمان، باب من الإيمان أن يحب لأخيه (12)، ومسلم في الإيمان، باب الدليل على خصال الإيمان (64).



الخطبة الثانية

الحمد لله الهادي إلى الصراط المستقيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن اهتدى واقتفى بهداه إلى يوم الدين.
وبعد: أيها المسلمون، لقد أظهر سلفكم الصالح رضوان الله عليهم من خلال مواقفهم الإيمانية حب بعضهم بعضاً، وحبهم لله، وفي الله، وقد وصفهم القرآن الكريم بذلك وقال بحق السابقين ومن جاء بعدهم من المؤمنين: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَٱلَّذِينَ تَبَوَّءوا ٱلدَّارَ وَٱلإيمَـٰنَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةً مّمَّا أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif وَٱلَّذِينَ جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإَيمَـٰنِ وَلاَ تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاًّ لّلَّذِينَ ءامَنُواْ رَبَّنَا إِنَّكَ رَءوفٌ رَّحِيمٌhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الحشر:9، 10].
أيها المسلمون، ما هي مواقف المسلمين اليوم من اللاجئين الذين شُردوا من ديارهم، إن اللاجئين في العراق يستغيثون بكل شعوب العالم لتخليصهم من محنتهم.
أيها المسلمون، أما مواقف المؤمنين في كراهيتهم للعودة إلى الكفر بعد أن أنقذهم الله منه فلا تكاد تحصى، فبعد أن ذاقوا حلاوة الإيمان وخالطت بشاشته قلوبهم وملأت جوانحهم، قضى الكثير منهم شهيداً في سبيل هذا الموقف، وامتحن الكثير منهم، فصبر للمحن، وثبت أمام الترهيب والترغيب، اعتزازاً بالإيمان، ودفاعاً عن الحق الذي يمثله.
راجع موقف أبي بكر رضي الله عنه يوم الردة، وانظر كيف انتصر الإمام أحمد لعقيدة الإيمان يوم المحنة والفتنة التي تمثلت بالقول الباطل بخلق القرآن الكريم وحدوثه.
وهذا صحابي جليل (عبد الله بن حذافة السهمي) يقع أسيراً في أيدي الروم، ويساومه ملكهم على إطلاق سراحه إن هو استجاب له، فعرض عليه التنصر، فماذا كان جواب الأسير ؟ لقد قال في أنفة وحزم المؤمن: (إن الموت لأحب إلي ألف مرة مما تدعوني إليه)، فقال: له قيصر إني لأراك رجلاً فهماً، فإن أجبتني إلى ما أعرضه عليك أشركتك في أمري، وقاسمتك سلطاني، فرد الأسير المكبل بقيده: (والله لو أعطيتني جميع ما تملك وجميع ما ملكته العرب على أن أرجع عن دين محمد http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif طرفة عين ما فعلت)، قال: إذاً أقتلك؟ قال الأسير: اصنع ما تريد، ثم أمر به القيصر، وأمر برميه من يديه ورجليه بالسهام، وهو يعرض عليه مفارقة الإسلام فأبى، وأتي بأحد أسرى المسلمين أمام زميله الأسير وأمر بحرقه في قدر يغلي بالزيت.
وبقى الأسير على ثباته وإيمانه، ليعرض عليه قيصر تقبيل رأسه مقابل إخلاء سبيله، فقال الأسير ـ وهو وفي هذا الموقف، حيث يحرص الإنسان على الحياة والنجاة ـ، فقال: وعن جميع أسرى المسلمين؟ فقال قيصر: وعن جميع أسرى المسلمين، عندها قال عبد الله في نفسه: عدو من أعداء الله أقبّل رأسه ويخلي عني وعن أسرى المسلمين، لا أرى أنه يجوز ترك ذلك علي.
ثم دنا منه وقبل رأسه، وانطلق مع أسرى المسلمين، قادماً إلى المدينة، حيث الفاروق عمر خليفة المسلمين، فأخبره بما جرى له، فنظر الفاروق إلى الأسرى قائلاً: (حق على كل مسلم أن يقبِّل رأس عبد الله بن حذافة، وأنا أبدأ بذلك)، ثم قام وقبّل رأسه<SUP><SUP>[1]</SUP></SUP> (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-07-17.htm#_ftn1).
فهل كثير ـ أيها المسئولون في هذا الزمان ـ أن تولى قضية الأسرى المسلمين، أسرى الحرية مزيداً من الاهتمام بإطلاق سراحهم وعودتهم إلى أهلهم، فهم بحق يستحقون من كل مسلم أن يقبل رؤوسهم.
إنها مواقف الإيمان، مواقف من ذاقوا حلاوة الإيمان وتهيؤوا لنصرة الإسلام، فهل ذاق طعم الإيمان من يتآمر على المسلمين وديارهم؟ أو هل عرف حلاوة الإيمان من والى المشركين وحالفهم، وخان جماعة المسلمين وطعنهم في الصميم؟ وهل ذاق طعم الإيمان من يتاجر بأخلاق شباب المسلمين بترويج المخدرات وشرب المسكرات؟ وهل ذاق طعم الإيمان من فرط بأرضه وعرضه وكرامته؟
أسئلة كثيرة تجد جوابها في واقع المسلمين اليوم، فهل من مدكر؟ وهل من معتبر فاعتبروا يا أولي الأبصار.
<HR align=right width=33 SIZE=1>[1] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-07-17.htm#_ftnref1) القصة أخرجها ابن عساكر في تاريخه (انظر تفسير ابن كثير 2/589)، وذكرها الذهبي في سير أعلام النبلاء (2/14).