المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ عكرمة صبري من المسجد الأقصى بتاريخ 15/8/2003م وفق 17 جمادي الثانية 1424 هجري


admin
05-12-2009, 06:04 PM
تاريخ الخطبة: 17 جمادي الثانية 1424 وفق 15/8/2003م
عنوان الخطبة: سنة الهزيمة والنصر
الموضوع الرئيسي: الرقاق والأخلاق والآداب, العلم والدعوة والجهاد
الموضوع الفرعي: آثار الذنوب والمعاصي, المسلمون في العالم
اسم الخطيب: عكرمة بن سعيد صبري
ملخص الخطبة
1- وعد الله المؤمنين بالنصر والظفر. 2- تحقيق هذا الوعد في تاريخ المسلمين. 3- أسباب هزائم المسلمين في هذا العصر. 4- حول معاناة المسلمين في القدس. 5- المؤامرة على الأقصى.

الخطبة الأولى
أما بعد: فيقول الله عز وجل في سورة محمد: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifيٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْ http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَـٰلَهُمْ http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُواْ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَـٰلَهُمْhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [محمد:7-9]. ويقول سبحانه وتعالى في سورة الروم: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءوهُم بِٱلْبَيّنَاتِ فَٱنتَقَمْنَا مِنَ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الروم:47]، صدق الله العظيم.
أيها المسلمون، هاتان الآيتان الكريمتان توضح صورة لنا، لا لبس فيها ولا غموض، أن الله عز وجل قد ربط الأسباب بالمسببات، فهو سبحانه يعطي وعدًا على نفسه بأن ينصر المؤمنين، لأن النصر من عنده وحده، ولن يخلف الله وعده، ولكن يا مسلمون متى يتحقق وعد الله؟ والجواب: إذا نصرنا الله، وكيف يكون نصر المؤمنين لله؟
أيها المسلمون، أقرأ على مسامعكم بعض فقرات من رسالة قيمة وجّهها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الصحابي الجيل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه الذي كان قائدًا للجيوش الإسلامية في العراق، يقول عمر في هذه الرسالة التي كتبت قبل أربعة عشر قرنًا: (فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب).
أيها المسلمون، إن أمير المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يركز في رسالته أول ما يركز على تقوى الله رب العالمين، فإن أول عامل من عوامل نصر المؤمنين لله هو الاتصاف بتقوى الله في جميع الأحوال، وتقوى الله هي أفضل العدة على العدو وأقوى المكيدة في الحرب.
أيها المسلمون، ويقول عمر في رسالته أيضًا: (وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراسًا من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم)، فمن عوامل النصر ـ يا مسلمون ـ الابتعاد عن المعاصي، لأن المعاصي والآثام إذا اقترفها المسلمون تكون أشد خطرًا عليهم من أعدائهم.
والأشد خطرًا وإثمًا هو المجاهرة بالمعاصي، وهذا ما نشهده في أيامنا هذه، فإن ارتكاب المعاصي والآثام والموبقات والمجاهرة بها من أسباب إلحاق الهزائم المتكررة بالأمة.
أيها المسلمون، ويتابع عمر بن الخطاب رضي الله عنه رسالته القيمة فيقول: (وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة، لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عدتنا كعدتهم، فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة)، أي أن من أسباب نصر الله للمؤمنين معاصي أعدائهم، ولولا ذلك لم تكن للمسلمين غلبة على أعدائهم، لأن عدد المسلمين أقل عددًا من الأعداء، ولأن عدة المسلمين لم تكن كعدتهم، وإن استوى الطرفان، أي المسلمون والأعداء في المعصية، كانت الغلبة للأعداء كما نلحظ في أيامنا هذه.
أيها المسلمون، من المعلوم أن المسلمين عبر التاريخ لم يسبق لهم أن انتصروا على أعدائهم بسبب زيادة في العدد أو العدة، فما من معركة انتصر بها المسلمون إلا وكان الأعداء أكثر منهم عددًا وعدة، إنما انتصر المسلمون على الأعداء بتقوى الله والتزام الشريعة الإسلامية والابتعاد عن المعاصي، والله رب العالمين يقول في معركة بدر: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [آل عمران:123]، أي وأنتم ضعاف، وعددكم قليل، وهذا يؤكد بأن نصر المسلمين لم يكن في يوم من الأيام مرتبطًا بالقوة المادية، ولا يعني هذا إهمال القوة المادية، ولكن ليست هي العامل الأساس في النصر، والدليل على ذلك ما حصل قبيل معركة اليرموك، فقد قال أحد الجند من المسلمين: ما أكثر الروم وما أقل العرب! لأن الروم عددهم كثير، فأجابه قائدهم: لا بل قل: ما أكثر العرب وما أقل الروم، فالعبرة يا مسلمون ليست بالعدد، بل بالكيف والنوع، وانتصر المسلمون على الروم رغم التفاوت في العدد.
أيها المسلمون، إن انتشار المعاصي بين المسلمين في هذا الوقت لمؤشر على الهزيمة المستمرة، فلا بد من العودة إلى الله رب العالمين، وبالدعاء والتضرع له مع إعداد العدة، ليحقق الله وعده، وليُجري النصر للمؤمنين، فالنصر من الله رب العالمين لمن يستحق النصر، وأي شك في ذلك هو شك بالإيمان، وهو عين الهزيمة.
أيها المسلمون، والسؤال بالمقابل: كيف يكون نصر الله للمؤمنين؟
إن الله العلي القدير العزيز الجبار لا يعوزه أي أسلوب من الأساليب، ولا أي شكل من أشكال النصر للمؤمنين، فيقول الله عز وجل في سورة المدثر: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِىَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [المدثر:31]، ويتمثل جند الله أحيانًا بالملائكة كما حصل في معركة بدر، لقوله سبحانه وتعالى في سورة الأنفال: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifإِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مّنَ ٱلْمَلَـئِكَةِ مُرْدِفِينَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الأنفال:9]، ويقول سبحانه وتعالى أيضًا في سورة الأنفال: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifإِذْ يُوحِى رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلَـئِكَةِ أَنّي مَعَكُمْ فَثَبّتُواْ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ سَأُلْقِى فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلاعْنَـٰقِ وَٱضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [الأنفال:12].
أيها المسلمون، قد يقول قائل: نحن الآن في عصر الصواريخ والأقمار الصناعية والبوارج البحرية، وهذه الأساليب الحديثة المتطورة هي التي تقرر النتائج وتحسم الموضوع، فما علاقة نصر الله وقدرته في هذا المجال؟ والجواب على هذا الطرح التشكيكي، أقول: إن قدرة الله رب العالمين أزلية دائمة، وهي قائمة، سواء كان ذلك في عصر الجِمال أم في عصر الصواريخ، وإن حرب تشرين عام ثلاثة وسبعين للميلاد لتؤكد ذلك، حين انطلق الجند المؤمنون بهتاف: الله أكبر، كانوا يشاهدون القتلى من الأعداء قبل أن يصلوا إليهم، وكاد هؤلاء الجند أن يقلبوا الموازين لولا الأوامر بالتوقف.
ثم إن هزيمة العراق مؤخرًا جاءت نتيجة للخيانات أولاً، وثانيًا لأن المسئولين في العراق وقتئذ لم يطلبوا النصر من الله، ولم يكون متصلين بالله، ولم يتقوا الله أصلاً، فكيف سيأتيهم النصر، والله سبحانه وتعالى يقول: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifإِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [محمد:7]، جاء في الحديث الشريف: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم، قيل: أين هم يا رسول الله؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس<SUP>))</SUP>[1] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-08-15.htm#_ftn1). صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوز المستغفرين.



<HR align=left width=33 SIZE=1>[1] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2003-08-15.htm#_ftnref1) رواه أحمد في مسنده من حديث أبي أمامة (21816) قال الهيثمي: رواه عبد الله وجادة عن خط أبيه والطبراني ورجاله ثقات. مجمع الزوائد 7/288.



الخطبة الثانية
الحمد لله، له الحمد في الدنيا والآخرة، وله الحكم وإليه ترجعون، ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، صلاة وسلام دائمين إلى يوم الدين.
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين، إنك حميد مجيد.
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء المعراج، هناك ثلاث نقاط تهم المؤمنين في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس وهي:
أولاً: الأسرى المعتقلون السياسيون في السجون الإسرائيلية، لقد قام قبل أيام أهالي الأسرى المعتقلين السياسيين بمسيرات عدة يطالبون فيها بالإفراج عن أبنائهم، ويشرحون الأوضاع السيئة التي يعيشها أبناؤهم خلف القضبان، ونحن نضم صوتنا إلى مطالبهم العادلة، فالحرية والكرامة هما حق شرعي لكل إنسان، وما بعد الضيق إلا الفرج إن شاء الله.
ثانيًا: مكتب الداخلية في مدينة القدس مرة أخرى، وسبق أن أشرنا إلى الشكاوى من قِبل المواطنين الذين يعانون ما يعانونه أمام مكتب وزارة الداخلية في القدس، واليوم نشرت الصحف المحلية عن اعتقال قائد حرس مكتب الداخلية وعن اعتقال عدد من اللذين يعملون في مكتب الداخلية بتهمة الرشاوى وتهمة التحرش الجنسي، ونحن نقول: ليس هذا الاعتقال هو العلاج الكافي، نحن نقول: لا بد من تسهيل المعاملات لدى المواطنين ورفع المعاناة والتعقيد والابتزاز وحماية الناس من المستغلين، فإن تسهيل المعاملات أصلاً يمنع أي ابتزاز وأي رشاوى.
ونشكر الشباب الذين حاولوا فرض النظام والهدوء ومنع الفوضى والرشاوى من أهل القدس، هذا هو جهدهم، وبارك الله فيهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أيها المسلمون، ثالثًا: المسجد الأقصى المبارك، ويوم الخميس القادم تصادف ذكرى إحراقه، وفي هذه الأجواء وقبل أيام، يصرح ما يسمى بوزير الأمن الداخلي الإسرائيلي أنه سيسمح للزوار من غير المسلمين بزيارة باحات المسجد الأقصى المبارك اعتبارًا من الأسبوع القادم، سواء وافقت الأوقاف أم لم توافق، حسب قوله.
وينطبق على هذا الوزير المثل القائل: "سكت دهرًا، ونطق كفرًا" فهل من صلاحياته أن يقرر إعادة برامج السياحة للمسجد الأقصى المبارك؟ ونؤكد له ولغيره بأن الأوقاف الإسلامية هي صاحبة الصلاحية والاختصاص في الإشراف على المسجد الأقصى المبارك، وأن استئناف برامج السياحة هو بيد الأوقاف الإسلامية في الوقت الذي تراه مناسبًا، وإن الأوقاف الإسلامية ترفض التهديد، كما ترفض التدخل في شؤونها، فلا يجوز شرعًا أن يتدخل غير المسلم في شئون المسلمين عامة، والله سبحانه وتعالى يقول: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَـٰفِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاًhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [النساء:141]، ويقول عز وجل: http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَhttp://www.alminbar.net/images/end-icon.gif [المنافقون:8]، وسيبقى المسلمون والمرابطون ـ بإذن الله ـ السدنة والحراس الأوفياء لمسجدهم المبارك، ليقضي الله أمرًا كان مفعولاً.