المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل


نائل أبو محمد
01-10-2014, 11:50 PM
كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
رأيت وسأعمل على نشره ( * ) إن شاء الله
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب :
الفرية الكبرى
صفين والجمل

محمد الشويكي

الطبعة الأولى

بيت المقدس
1435هـ 2013م

إصدار

أنصار العمل الإسلامي الموحد

عدد الصفحات 125

( * ) سأعمل على نشره إن شاء الله لاحقاً من خلال رابط .
الجمعة 10 ـ 1ـ 2014.

نائل أبو محمد
02-16-2014, 08:15 PM
الأحد 16 ربيع الثاني 1435
الفريـــة الــكبرى
صفين والجمل

محمد الشويكي

الطبعة الأولى
بيت المقدس
1435هـ - 2013م



إصدار
أنصار العمل الإسلامي الموحد

نائل أبو محمد
02-16-2014, 08:16 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الفريـــــة الــكبرى
صفيــــن والجمـــــــل
تذكر كتب التاريخ فتنة اقتتال حصلت بين أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم فيما يُسمى وقعتي الجمل وصفين وذلك بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأقل من ثلاثة عقود، أما وقعة الجمل فقالوا بأنها كانت بين عائشة وطلحة والزبير ومن معهم من الصحابة من جهة، وبين علي بن أبي طالب ومن معه من الصحابة من جهة، وأما صِفّين فقالوا بأنها كانت بين معاوية بن أبي سفيان ومن معه من الصحابة من جهة، وبين علي بن أبي طالب ومن معه من الصحابة من جهة، زاعمين أن تلكما المعركتين كانتا بسبب صراع على الخلافة، وليس كذلك بل كانتا بسبب قتلة عثمان، أو قل هم الخصوم فيهما، كما ستعرفه في موضعه، كما وذكرت كتب التاريخ أيضاً بأن آلافاً مؤلفة من الصحابة قتلوا في تلكما الوقعتين زوراً وبهتاناً كما سنذكره عنهم في ثنايا هذا الكتاب مفصلاً ومحققاً، ورُوج لهذا الأمر كأنه دين، بل صار معتقداً عند كثير من أهل السنة والشيعة جهلاً من بعضهم وخُبثاً من الآخرين، لأن الأمر ليس كما قيل وذُكر، بل يمكنك أن تقول بأنه لم يقع مطلقاً، وأن فتنة الاقتتال بين الصحابة كذبة من كذبات المؤرخين رَوَجَ لها أعداء الملة والدين ليتسنى لهم الطعن في عدالة الصحابة وبالتالي الطعن في الدين الذي نقلوه لنا عن رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

نائل أبو محمد
02-16-2014, 08:16 PM
ولبيان زيف هذا الموضوع وكذبه لابد من توضيح عدة أُمور مهمة كمقدمةٍ وأساسٍ لمعرفته والوقوف على حقيقته:
الأمر الأول: في معنى الصحبة، لنعرف من هم الذين اقتتلوا في صفين والجمل، هل هم صحابة أم غير صحابة؟.

الأمر الثاني: الصحابة كلهم عدول، ويدخل فيه مكانة الصحابة في ديننا.

الأمر الثالث: الإسناد من الدين.

الأمر الرابع: كل ما خالف القطعي فهو مردود، ومن ذلك فكرة الاقتتال بين الصحابة، وفكرة فسوقهم وردتهم.

نائل أبو محمد
02-16-2014, 08:17 PM
أما الأمر الأول: معنى الصحبة: وإنما نقصد بها أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذين ورد ذكرهم صراحة ودلالة في القرآن والسنة لا أي أصحاب، قال الله تعالى في سورة التوبة آية (40) {إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} وقد تواترت الأخبار أن الصاحب في هذه الآية هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وقال الله تعالى في سورة الفتح آية (29) {محمد رسول الله والذين معه} وقوله في سورة التوبة آية (117) {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة} كما وقد تواترت الأخبار عن وجود أصحاب له صلى الله عليه وسلم يأتمرون بأمره ويقولون بقوله، فمن ذلك حديث {وأصحابي أمنة لأُمتي} ، وحديث {لا تسبوا أصحابي} ، وحديث {إن الله اختارني واختار لي أصحاباً} ، إلى غير ذلك مما يدفع ادعاء عدم وجود صحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد اختلف العلماء قديماً وحديثاً فيمن هو الصحابي على عدة آراء ، فبعض أهل الحديث يقولون إن كل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم أو لقيه ومات على الإسلام فهو صحابي ولو لم يرو عنه شيئاً، وبعضهم اعتبر الصحبة بمجرد المعاصرة دون الرؤية والرواية، وبعضهم اشترط البلوغ عند الرؤية، إلى غير ذلك:

نائل أبو محمد
02-16-2014, 08:18 PM
ففي صحيح البخاري: "من صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه"
وقال علي بن المديني: "من صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه ولو ساعة من نهار فهو من الصحابة"
وقال أحمد بن حنبل: "كل من صحبه سنة أو شهرا أو يوما أو ساعة أو رآه فهو من أصحابه"
وقال ابن الصلاح: "فالمعروف من طريقة أهل الحديث أن كل مسلم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من الصحابة"
وقال ابن حجر العسقلاني: "أن الصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا ومات على الإسلام روى عنه أو لم يرو"
وفي شرح صحيح مسلم للنووي: "كل مسلم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو لحظة"
وقال يحيى بن عثمان بن صالح المصري: "أن الصحابي هو كل من عاصر النبي صلى الله عليه وسلم ولو لم يسمعه أو لم يره" وهو عمل ابن عبد البر في الاستيعاب.
وقال الواقدي: "إن كل من رآه بالغاً فهو من أصحابه"

نائل أبو محمد
02-16-2014, 08:19 PM
وفرَّق عاصم الأحول وأبو زرعة العراقي وأبو داوود - وهم من أهل الحديث- بين مجرد الرؤية وبين الصحبة كما سيأتي بيانه .
فالمدقق لأقوال أهل الحديث في تعريفهم للصحابي فوق تباينهم واختلافهم فيه، أنه لم يأت أحد منهم على تعريفه بأي دليل ولا شبهة دليل، كما واختلفوا فيمن ارتد بعد الرؤية ثم عاد للإسلام هل هو من الصحابة أم لا؟ واختلفوا فيمن رآه بعد موته صلى الله عليه وسلم هل يُعد في الصحابة أم لا ؟ .
وأما أهل الفقه والأُصول فعندهم أن الصحابي هو كل من طالت صحبته ومجالسته للنبي صلى الله عليه وسلم على وجه التبع له والأخذ عنه لا مجرد الرؤية والسماع.
قال ابن السمعاني في تعريفه للصحابي: "إن معنى الصحبة من حيث اللغة والظاهر يقع على من طالت صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم وكثرت مجالسته له على طريق التبع له والأخذ عنه، قال: وهذا طريق الأُصوليين" .
وقال النووي في التقريب: "وعن أصحاب الأُصول أو بعضهم هو من طالت صحبته ومجالسته على طريق التبع" .
وقال في شرح مسلم: "وذهب أكثر أصحاب الفقه والأُصول إلى أنه من طالت صحبته له صلى الله عليه وسلم" .

نائل أبو محمد
02-16-2014, 08:20 PM
وقال المازري في شرح البرهان: "لسنا نعني بقولنا الصحابة كلهم عدول كل من رآه صلى الله عليه وسلم يوماً أو زاره لماماً أو اجتمع به لغرض وانصرف، وإنما نعني به الذين لازموه وعزروه ونصروه" .
وقال ابن الصباغ: "الصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأقام معه واتبعه دون من وفد عليه خاصة وانصرف من غير مصاحبة ولا متابعة" .
وقال ابن الباقلاني: "فقد تقرر للأئمة عرف في أنهم لا يستعملون هذه التسمية إلا فيمن كثرت صحبته واتصل لقاؤه، ولا يجرون ذلك على من لقي المرء ساعة ومشى معه خطى وسمع منه حديثاً، فوجب لذلك ألا يجري هذا الاسم في عرف الاستعمال إلا على من هذه حاله" .
وقال الراغب الأصفهاني: "الصاحب: الملازم" وقال " ولا يقال في العرف إلا لمن كثرت ملازمته" .
وقال الإسفراييني: "إن الصحبة في العرف عبارة عمن صحب غيره فطالت صحبته له ومجالسته معه" .
وقال الغزالي: "ولكن العرف يخصص الإسم بمن كثرت صحبته" .
وفي فتح الباري: "ومنهم من بالغ فكان لا يعد في الصحابة إلا من صحب الصحبة العرفية، كما جاء عن عاصم الأحول قال: رأى عبد الله ابن سرجس رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أنه لم يكن له صحبة" .
وأما أهل اللغة واللسان فإن الصحابي عندهم مشتق من الصحبة والمعاشرة والملازمة، ويمكن القول أنهم متفقون على ذلك.
جاء في لسان العرب: "صحِبَهُ يَصحبه صُحبة وصحابة، وصاحَبَهُ عاشره، والصاحبُ المعاشر" .
وقال ابن فارس: "وكل شيء لازم شيئاً فقد استصحبه" .
وقال صاحب العين: "الصحبة المعاشرة صَحبه صُحبة وصحابة وصاحَبَهُ، والصاحبُ المعاشر" .
وقال ابن سيدة: "وصاحَبَهُ عاشره والصاحب المعاشر" .
وفي القاموس المحيط: " صَحِبهُ صحابة وصُحبة، وصَحِبَهُ عاشره، واستصحَبَهُ دعاه إلى الصحبة ولازمه" .
وقال صاحب المصباح المنير:"والأصل في إطلاق إسم الصحبة من حيث اللغة لمن حصل له رؤية ومجالسة، ووراء ذلك شروط للأُصوليين" .
وفي تاج العروس: "صَحِبَهُ يصحبه صحابة وهم أصحاب وأصاحيب وصحبان، والصاحب المعاشر، واستصحبه دعاه إلى الصحبة ولازمه، وكل ما لازم شيئاً فقد استصحبه" .

نائل أبو محمد
02-16-2014, 08:21 PM
وفي الإفصاح في فقه اللغة: "الصُحبَةُ المعاشرة" .
وفي مختار الصحاح: "وكل شيء لازم شيئا فقد استصحبه" .
وفي المعجم الوسيط: "صاحبه رافقه واستصحب الشيء لازمه" .
وعلى ما تقدم ذكره من الاختلاف بين العلماء في تعريف الصحبة، وبما أنه لا حجة لأحد منهم على أحد إلا بدليل، فإنه بعد النظر والتدقيق والبحث تبين أن تعريف الفقهاء والأُصوليين يتفق مع اللغة والعرف ومع الشرع مرفوعاً وموقوفاً وهو خير دليل.
أما موافقته للغة: فإن المدقق في هذه التعاريف على اختلافها بين أهل اللغة والفقه والحديث يجد أن أهل الفقه والأُصول أقرب إلى أهل اللغة من أهل الحديث في تعريفهم لمعنى الصحبة، فالقاسم المشترك بينهم هو الملازمة وكثرة المجالسة، كما قاله ابن السمعاني آنفاً، مما يجعل اللغة أساساً ودليلاً لتعريفهم.
وأما ما نقل عن ابن الباقلاني قوله: {لا خلاف بين أهل اللغة أن الصحابي مشتق من الصحبة، جار على من صحب غيره قليلاً أو كثيراً يقال صَحِبَهُ شهراً يوماً ساعة} يفيد بأن المعنى اللغوي للصحبة يتفق مع أهل الحديث لا مع أهل الفقه والأُصول.
الجواب عليه: إن قوله: {بأن الصحابي مشتق من الصحبة} فصحيح، أما قوله {جار على من صحب غيره قليلاً أو كثيراً} فلم أجد أحداً من أهل اللغة ذكر ذلك في تعريفه للصحبة، بل ركزوا فيه على الملازمة والمعاشرة كما قد علمت آنفاً، فيبدو أن كلامه هذا هو إدراج أو فهم منه وليس من تعريف أهل اللغة، وإلا فكيف تكون صحبة اليوم والساعة معاشرة وملازمة؟!.

نائل أبو محمد
02-16-2014, 08:21 PM
وأما موافقته للعرف: فهو موافق لما نقله ابن الباقلاني والاسفراييني والغزالي والراغب الأصفهاني عن أهل العرف آنفاً، وفيه رد على من ظن أن المعنى العرفي للصحبة يتفق مع معنى أهل الحديث لها لا مع أهل الفقه والأصول.
وأما موافقته للشرع مرفوعاً: فقد روى ابن أبي شيبة وابن أبي عاصم والطبراني وغيرهم بسند صحيح عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {لا تزالون بخير ما دام فيكم من رآني وصاحبني، والله لا تزالون بخير مادام فيكم من رأى من رآني وصاحب من صاحبني} .
وروى أبو نعيم في معرفة الصحابة والطبراني في الكبير بإسناد رجاله ثقات عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال {اللهم اغفر للصحابة ولمن رآني} ، فواضح وضوح الشمس في رائعة النهار أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فرق في هذين الحديثين بين الرؤية والصحبة، فالواو العاطفة بينهما للمغايرة لا للتخيير ، وهذا دليل كاف في الرد على من يجعل مجرد الرؤية دليلا على الصحبة، ونظير ذلك في كتاب الله العزيز كما في سورة الحج آية(52) {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي} وكما في سورة غافر آية(3) {غافر الذنب وقابل التوب} وكما في سورة التوبة آية (60) {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل} وكقوله من سورة الأنفال آية (1) {وأطيعوا الله ورسوله} إلى غير ذلك، وقال عليه الصلاة والسلام {فلا رسول بعدي ولا نبي} ، وقال {لا يدخل النار من رآني وآمن بي} ، وقوله {طوبى لمن رآني وآمن بي} ، إلى غير ذلك، فكلها تدل على أن المعطوف غير المعطوف عليه.
وأما موقوفاً: قال ابن الصلاح في مقدمته : "وروينا عن شعبة عن موسى السيلاني _ وأثنى عليه خيراً _ قال: أتيت أنس بن مالك فقلت : هل بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم احد غيرك؟ قال: بقي ناس من الأعراب وقد رأوه، فأما من صحبه فلا" قال ابن الصلاح: إسناده جيد حدث به مسلم بحضرة أبي زرعة .
ورواه ابن عساكر بلفظ " قد بقي قوم من الأعراب، فأما من أصحابه فأنا آخر من بقي" .

نائل أبو محمد
02-16-2014, 08:22 PM
فواضح من هذه الرواية أيضاً أن مجرد الرؤية لا تعني صحبة، وهي بمثابة نص في المسألة وتتفق تماماً مع حديث واثلة وحديث سهل آنفاً، ولا تحتاج إلى كبير عناء لفهمها، وهما يدلان على أن الصحبة أخص من الرؤية، فتقول كل صحابي رأى النبي صلى الله عليه وسلم واجتمع به، وليس كل من رآه صحابياً، كما تقول كل رسول نبي وليس كل نبي رسولا، وهذا بسبب أن للصحبة فضيلة على الرؤية.
غير أن ناساً من المقلدة حاولوا الطعن في هذه الرواية لإسقاط الاحتجاج بها ولكن من غير بينة سوى زعمهم أن في رواتها من لا يُعرف وهو موسى السيلاني، علما أن ابن أبي حاتم قد ترجم له في الجرح والتعديل ونقل عن يحيى بن معين أنه ثقة ، وأن شعبة راوي الحديث أثنى عليه كما أورده ابن الصلاح في الرواية عنه، وقول ابن الصلاح إسناده جيد، فإن كان تجهيلهم لهذا الراوي إخفاء لكونه ثقة؟ فهي من إفرازات التعصب المذهبي المقيت، وإن كان ذلك عن جهل فكفى به مصيبة في تزييف الحقائق.
ثم استماتوا في إسقاط هذه الرواية عن الاعتبار فقالوا بأن موسى السيلاني قد انفرد بهذه الرواية عن أنس بن مالك مما يوهنها ويضعفها، في حين أن من المعلوم عند أئمة الحديث أن انفراد الثقة مقبول، ونقل الخطيب البغدادي الإجماع على ذلك ، ثم هنالك المئات من الأحاديث التي انفرد بها الرواة من الثقات وكانت حجة في الحلال والحرام عند الأئمة، فكيف لا يقبل انفراد موسى السيلاني بهذه الرواية وهو ثقة؟!! إلا لأنها تبطل مذهبهم.

نائل أبو محمد
02-16-2014, 08:23 PM
وأما ما قيل من أن هذه الرواية عن أنس تعارض ما رواه من هو أوثق من موسى السيلاني كما جاء في الصحيح عن سليمان التيمي عن أنس قال: {لم يبق ممن صلى القبلتين غيري} .
الجواب عليه: أولاً: إنها فيمن صلى القبلتين لا في إثبات الصحبة أو نفيها، ولذلك أوردها البخاري في باب التفسير لا في موضوع الصحابة، ثانياً: ليس لها مفهوم يفيد أن هنالك صحابة غير أنس ممن له مجرد رؤية، وأكثر ما تفيده أنه بقي غيره ممن لم يصل القبلتين، فمن هم يا ترى؟ فهل هم من حاز على مجرد الرؤية؟ أم هم من أسلم بعد الحديبية والفتح؟ وهذا كله محتمل، أو لعل مراده أنه آخر من بقي ممن صلى القبلتين في البصرة، سيما وأنه لم يرد في الرواية أنها سؤال عن الصحابة، إذ لو كان الكلام عن الصحابة لضيق أنس واسعاً، أي لاحتمل كلامه أن كل من لم يصل القبلتين ليس بصحابي، وهذا ليس صحيحاً، فهنالك الكثير ممن أسلم وصحب بعد تحويل القبلة بل وحضر المعارك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبذلك كله يثبت أن استدلالهم بهذه الرواية استدلال مبهم لا يقوى على معارضة رواية موسى السيلاني المفسَّرة، حيث من المعلوم أُصولاً أنه إذا تعارض المبهم مع المفسَّر فيقدم المفسَّر على المبهم ، ناهيك عن موافقته للمرفوع آنفاً.
وأما ما قيل ويقال تأويلاً لهذه الرواية بأن أنس بن مالك أراد الصحبة الخاصة لا الصحبة العامة، فكلام لا دليل عليه ولا واقع له سوى التعصب لمذهب بعض علماء الحديث المتباين والعاري عن الدليل والمخالف للمعنى الشرعي واللغوي والعرفي لمعنى الصحبة كما قد عرفت آنفاً.
ومن غريب استدلالهم وعدم انطباقه على دعواهم سوى أن يقال أنهم أتوا بدليل، وذلك قصة كلام خالد بن الوليد في عبد الرحمن بن عوف وقول النبي صلى الله عليه وسلم له: {لا تسبوا أصحابي} فزعموا أن نهي خالد بن الوليد عن سب عبد الرحمن بن عوف فيه دليل على أن عبد الرحمن من أصحاب الصحبة الخاصة بخلاف ابن الوليد.
الجواب عليه: أولاً: لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لخالد: {لا تسب أصحابي} وإنما قال: { لا تسبوا} بصيغة الجمع والعموم، ومعلوم أُصولاً أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، أي لا يسب غير الصحابي أصحابي ولا يسب بعضهم بعضاً، فلا يستلزم أن يكون المنهي عن السب غير صحابي أو أنه من أصحاب الصحبة العامة لا الخاصة كما يزعمون، ونظير ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب في قصة مشابهة لها حين رفض عمر اعتذار أبي بكر له عن كلام قاله في حقه فقال:{فهل أنتم تاركو لي أصحابي} وفي رواية {لا تؤذوني في صاحبي} فمن يقول أنه يستلزم أن يكون المنهي عن السب غير صحابي فقد أخرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الصحابة أو من الصحبة الخاصة فيما يزعمون تقسيمها، فيثبت بذلك جهلهم ويكونون قد أتوا بكبيرة، لأن عمر رضي الله عنه ممن ثبتت صحبته بالتواتر.

نائل أبو محمد
02-16-2014, 08:24 PM
ثم لا فائدة من هذا التقسيم طالما أن الصحابة كلهم عدول نأخذ عنهم ديننا، بل يفتح باباً للحاقدين والمنافقين لإسقاط صحبة من ثبتت صحبته والنيل منه بحجة أن له صحبة عامة لا خاصة، بل وجد منهم في هذا العصر من قفز على هذا الاصطلاح واعتبر الصحبة الخاصة بأنها الصحبة الشرعية وأن الصحبة العامة هي الصحبة اللغوية والعرفية، وأن أصحاب الصحبة الخاصة الشرعية هم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار وحسب، وأن أصحاب الصحبة العامة اللغوية والعرفية هم مسلمة ما بعد الحديبية ومسلمة الفتح وما بعده، لإسقاط صحبة خالد بن الوليد وابن عباس وأبيه وأبي هريرة وعمرو بن العاص وغيرهم ممن أسلم وصحب عام الحديبية وخصوصاً إسقاط صحبة معاوية بن أبي سفيان وأبيه، وليتسنى لهم التطاول عليهم، هذا هو سبب التقسيم المذكور، إذ لا فائدة منه البتة، وسيأتي بيانه والرد عليه في باب عدالة الصحابة.
ثم إن كون الصحبة أخص من مجرد الرؤية، هو مذهب الكثيرين من أهل الحديث ومنذ عصر التابعين أيضاً:
فهذا سعيد بن المسيب من التابعين: فيما يرويه عنه ابن سعد في الطبقات يُعرّف الصحبة بكل من صاحب النبي صلى الله عليه وسلم سنة أو سنتين أو غزا معه غزوة أو غزوتين ، لكن المتعصبين لمذهب بعض أهل الحديث رَدّوا هذه الرواية وضعفوها لأنها من طريق الواقدي، مع أنه مختلف فيه، فضعفه البخاري ويحيى بن معين وغيرهما وكذبه أحمد وغيره ، ووثقه أبو عبيد القاسم بن سلام ومصعب الزبيري وإبراهيم الحربي والصاغاني وغيرهم ، ومع تضعيفهم له فإنهم يعتمدون عليه في أخبار الناس في مغازيهم ووفياتهم، وأحياناً يعتمدونه في الجرح والتعديل، وفي معرفة الصحابة، وهذا ليس إنصافاً، ثم أضف إلى ذلك كله أن هذه الرواية عن سعيد بن المسيب أقرب إلى أخبار الناس منها إلى المرفوع أو الموقوف.

نائل أبو محمد
02-16-2014, 08:25 PM
ومن التابعين أيضاً عاصم الأحول: فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن عاصم الأحول قال: " رأى عبد الله بن سرجس رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أنه لم يكن له صحبة " .
وقال غير واحد من علماء الحديث ومن أهل الجرح والتعديل كأبي حاتم الرازي وأبي داوود والخطابي والعجلي وأبي زرعة الرازي أن طارق ابن شهاب الأحمسي: " له رؤية وليس له صحبة " ، قال الآمدي: وفي كلامهم ما يقتضي أن الصحبة أخص من الرؤية .
وقال أبو حاتم الرازي في محمود بن الربيع: "له رؤية وليست له صحبة" .
وفي الجرح والتعديل للرازي: يوسف بن عبد الله بن سلام رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وليست له صحبة" .
وقال العسكري في مسلمة بن مخلد الأنصاري: "له رؤية وليست له صحبة" .
وقال ابن عبد البر في معبد بن زهير: " له رؤية وإدراك ولا صحبة له " .
وقال في عبد الله بن هدير التيمي: " له رؤية وليس له صحبة " .
وقال ابن حجر العسقلاني في أبي قيس بشير بن عمر: "له رؤية ولا صحبة له" .
وقال في عبد الرحمن بن سهل: لا يبعد أن يكون له رؤية وإن لم يكن له صحبة" .
وقال ابن معين في محمد بن حاطب بن الحارث: "له رؤية ولا يُذكر له صحبة" .
وقال ابن مندة في عبد الرحمن بن حاطب: "له رؤية ولا يصح له صحبة" .

نائل أبو محمد
02-16-2014, 08:26 PM
وقال عنه ابن حجر: "له رؤية وعدوه من كبار التابعين" .
وقال ابن الجوزي مفرقاً بين الصحبة وبين مجرد الرؤية: {وأنس هو آخر من مات من الصحابة بالبصرة، وآخر من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم موتاً أبو الطفيل} ، وذلك أن أبا الطفيــــل له رؤيـــــــــة ولا سماع له.
وقال الحاكم في ابن المعتمر بن عبد الله: "قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم عداده في التابعين" .
وقال ابن سعد في جبير بن الحويرث: "أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ورآه ولم يرو عنه، وقال عنه أبو عمر بن عبد البر: في صحبته نظر، وعده ابن حبان في التابعين" .
واعتبر البخاري وأبو حاتم وابن حبان وخليفة بن خياط حجر بن عدي الكندي من التابعين لا من الصحابة ، مع أنه روي أنه كان ممن وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، غير أنه لم يثبت له رواية عنه.
وقال أبو حاتم الرازي في الحسين بن علي بن أبي طالب: ليست له صحبة .
وقال الإمام أحمد والعجلي في الحسن بن علي بن أبي طالب: إنه تابعي ثقة .
إلى غير ذلك ممن يَعتمد من أهل الحديث على قاعدة - الصحبة أخص من الرؤية- وما على المرء إلا أن يفتش في كتب الرواية والتراجم فسيجدهم.
فإن قيل بأن قصد عاصم الأحول وغيره ممن ذكر من قولهم {ليست له صحبة} أو {لا صحبة له} أي الصحبة الخاصة لا الصحبة العامة، كما زعموه في قول أنس بن مالك آنفاً.

نائل أبو محمد
02-16-2014, 08:29 PM
الجواب عليه: لا أظن أن عاصم الأحول وابن أبي حاتم والخطابي وابن عبد البر وغيرهم ممن قال {له رؤية ولا صحبة له} لا يعي ولا يدري أن النكرات في سياق النفي تفيد العموم ، أي كل صحبة عامة كانت أو خاصة، سيما وأنهم من عصر التدوين والنهضة وعصر الاقحاح، فافهم هذه العبارة تكن من المبصرين، ودع عنك قيل وقال ما دام من غير دليل ولو كان قائله علماء، فالعصمة للأنبياء وحدهم.
ومن الدلائل على أنهم لا يقصدون هذا التفريق المزعوم أنهم صرحوا في أكثر من واحد أنه من التابعين مع أنه ممن ثبتت رؤيته للنبي صلى الله عليه وسلم كما قد علمت آنفاً فيُرد هذا التأويل.
ومن القرائن أيضاً على أن الرؤية لا تعني صحبة، أنه صلى الله عليه وسلم حين طلب اتّباع الصحابة لم يأت على ذكر الرؤية، فقال في الفرقة الناجية مثلا {هي ما أنا عليه وأصحابي} وقال {وأصحابي أمنة لأُمتي} وقال {وأصحابي كلهم خير} وقال {إحفظوني في أصحابي} إلى غير ذلك، كما وأنه حينما يُذكر فضائل الصحابة لا يُكتفى بمجرد الرؤية بل يُذكر جهادهم ونصرتهم وخدمتهم وسائر أعمالهم لا مجرد الرؤية، فمن ذلك: قوله عليه الصلاة والسلام {لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أُحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه} ، وقال عبد الله ابن عمر رضي الله عنه {لا تسبوا أصحاب محمد فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عمره} ، وقال سعيد بن زيد أحد المبشرين العشرة {لمشهد شهده رجل يغبر فيه وجهه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من عمل أحدكم ولو عمّر عمر نوح عليه السلام} .
إلى غير ذلك من الأحاديث التي تمدح المهاجرين والأنصار وأهل بدر والحديبية على جهادهم ونصرتهم للنبي صلى الله عليه وسلم لا لمجرد الرؤية، ولسنا بصدد حصرها في هذه العجالة وهي موجودة لمن طلبها من مظانّها، وسنأتي على ذكر بعضها في باب عدالة الصحابة إن شاء الله تعالى.

نائل أبو محمد
02-16-2014, 08:30 PM
فإن قيل بأن هذا يعني إسقاط العديد ممن قيل أنهم صحابة لأنهم لم يحصلوا إلا على مجرد الرؤية.
الجواب عليه: أولاً: لا يضُرنا ولا يضُر الدين أنهم ليسوا صحابة طالما أنهم لم يرووا لنا شيئاً نتبعه ونحتاجه في ديننا، ثانياً: لا يضرهم أن لا يكونوا صحابة، إلا أنهم لم يحصلوا على زيادة الفضل، فهو بيد الله يؤتيه من يشاء، ثالثاً: إنهم ممن اختلف عليهم أصلاً بين العلماء تبعاً لاختلافهم في معنى الصحبة كما قد علمت، فليست سابقة أن لا يُعتبروا من الصحابة، رابعاً: يضُرنا ويضُر الدين أن نجعلهم من الصحابة لأن معظم أو جميع ما نسبه الحاقدون والمنافقون من هنات ومخالفات للصحابة إنما هو عن مثلهم لا عن من طالت صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على ذلك، ومن أُولئك الحكم بن العاص والوليد بن عقبة وحرقوص بن زهير ومروان بن الحكم وبسر بن أبي أرطأة وعمرو بن الحمق، وغيرهم سنأتي على ذكرهم في باب عدالة الصحابة. خامساً: لقد زعم بعض أهل الحديث والطبقات أن عدد الصحابة يصل إلى قرابة مائة ألف معتمدين على تقدير عدد من حج مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، ومنهم من قدرهم بثلاثين ألف صحابي معتمداً على تقدير عددهم يوم تبوك، غير أنهم حينما جاءوا لإحصائهم وتدوين أسمائهم لم يستطيعوا إثبات إلا قرابة اثني عشر ألفاً مع المختلف فيهم، ومن ضمنهم النساء، وهذا يتفق مع ما رواه الخطيب بسند صحيح عن سفيان الثوري قال: "من قدم علياً على عثمان فقد أزرى على اثني عشر ألفاً مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض" ، وفي رواية أبي بكر الخلال "من قدم على أبي بكر وعمر أحداً فقد أزرى على اثني عشر ألفاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو عنهم راض" ، ويتفق أيضاً مع ما ثبت من أن عدد الصحابة في غزوة حنين كان اثني عشر ألفا وهي من آخر غزواة النبي صلى الله عليه وسلم التي حصل فيها قتال، ليدلك قطعاً على أنه ليس كل من رآه يعتبر صحابياً، أضف إلى ذلك أن آلافاً رأوه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، ولكن عن بعد، بل وربما لم يسمعوا منه شيئاً، ولذلك لم يدوَّنوا لا في دواوين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولا في دواوين الإسلام.
ثم ومن عجيب حال أهل الحديث بعد اختلافهم وتباينهم مع أهل الفقه والأُصول في معرفة من هو الصحابي أنهم اتفقوا معهم على وضع طريقة في معرفة الصحابي، فقالوا: ويعرف كون الصحابي صحابياً تارة بالتواتر، كأبي بكر وعمر وبقية المبشرين العشرة وغيرهم، وتارة بالاستفاضة كضمام بن ثعلبة وعكاشة بن محصن وغيرهما، وتارة بشهادة آحاد الصحابة له أنه صحابي كشهادة أبي موسى الأشعري لحممة بن أبي حممة بالصحبة .

نائل أبو محمد
02-16-2014, 08:30 PM
فهذه الطريقة المتفق عليها تنسف مذهب أكثر أهل الحديث في معرفة الصحابة، وتنسف قول من قال "صحبة عامة وصحبة خاصة"، وتنسف كل اعتراضاتهم على أهل الفقه والأُصول آنفاً، حيث لو طُلب منهم أن يثبتوا بهذه الطريقة صحبة من له رؤية وليست له رواية ولا سماع لعازهم أن يثبتوها عن آحاد الصحابة له فضلاً عن عدد التواتر والاستفاضة، لأنها تعتمد على الرواية المسندة لا على مجرد قيل وقال، أما من انطبق عليه معنى الصحبة عند الغالبية العظمى من علماء الاسلام بشتى علومهم، كما تقدم بيانه، فستجد المئات منهم ثبت كونه صحابياً بالتواتر والاستفاضة وأقله بالآحاد، فكتب الرواية تنبئك بذلك فهي مليئة بذكرهم رضي الله عنهم، وهؤلاء هم المعنيون بقولنا: الصحابة كلهم عدول ليس فيهم فاسق، وبقولنا: الصحابة لم يقتتلوا، وبقولنا: الصحابة هم نقلة هذا الدين وهم شهودنا عليه، وبقولنا: الصحابة لا يخضعون لقانون الجرح والتعديل، إلى غير ذلك كما ستراه بعد قليل.

نائل أبو محمد
02-16-2014, 08:31 PM
الأمر الثاني من أُسس هذا البحث:عدالة الصحابة
فالعدالة لغة: ضد الجور، يقال عدل عليه في القضية فهو عادل، ورجل عدل: أي رضا ومقنع في الشهادة، ويقال عدلته فاعتدل أي قومته فاستقام ، وعرفت العدالة عند أهل الاصطلاح بأنها صفة في النفس تحمل صاحبها على ملازمة التقوى والمروءة ، وعرف عندهم أيضاً أن من كانت محاسنه أكثر من مساويه فهو عدل ، وقد اتصف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بهذه المعاني للعدالة أكثر من غيرهم.
فالصحابة كلهم عدول عند أهل الحق ما عدا الشيعة والخوارج وبعض المعتزلة ومن لف لفيفهم من أهل الجهل والبدع، وستعرف الرد عليهم وعلى هرطقاتهم بعد هذا الباب، وخلافهم هذا في عدالة الصحابة إنما للنيل من الإسلام الذي جاءونا به عن صاحب الشريعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا ديدنهم على مر العصور، ففي تاريخ بغداد عن أبي داود السجستاني قال: (لما جاء الرشيد بشاكر- رأس الزنادقة- ليضرب عنقه قال له: أخبرني لم تعلمون المتعلم منكم أول ما تعلمونه الرفض- أي الطعن على الصحابة- قال: إنا نريد الطعن على الناقلة، فإذا بطلت الناقلة أوشَكَ أن نُبطل المنقول) .

نائل أبو محمد
02-16-2014, 08:32 PM
وليس معنى كلهم عدول ما قيل أنه صحابي بصيغة التمريض والتجهيل، بل من ثبت أنه صحابي بالطرق المتفق عليها كما تقدم ذكرها، كما وليس معنى كونهم عدولاً أنهم معصومون عن المعصية أو الخطأ والنسيان فهم في ذلك كبقية البشر، حتى إن الأنبياء ليسوا معصومين عن الخطأ والنسيان في الأُمور الدنيوية وصغائر الذنوب عند جمهور العلماء، فكيف بالصحابة؟! ، بل معناه أنهم لا يخضعون لقانون الجرح والتعديل الذي يخضع له غيرهم، وهذا ما دلت عليه الأدلة كما ستعرفها بعد قليل.
والأدلة على عدالتهم إنما بمدح الله ورسوله لهم والثناء عليهم، وقد بلغت مبلغ القطع من الكتاب والسنة لا ينكرها إلا جاهل أو كافر أو زنديق.
أما من كتاب الله تعالى: فقوله في سورة التوبة آية(100) {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه} وقوله في سورة الفتح آية (18) {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} وقوله في سورة الحشر آية(8) {للفقراء المهاجرين الذين أُخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أُولئك هم الصادقون} وقوله في حق الأنصار كما في سورة الحشر آية (9) {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} وقوله في عموم الصحابة كما في سورة الحديد آية (10) {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أُولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى} وقوله في سورة الفتح آية (29) {وعد الله الذين آمنوا منهم مغفرة وأجراً عظيما}.

نائل أبو محمد
02-16-2014, 08:33 PM
وأما ما جاء من السنة في مدحهم والثناء عليهم فقد بلغ مبلغ التواتر:

فمن ذلك: ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب} ، فلولا أنهم جميعهم ثقات عدول ما أمرهم على الإجمال بتبليغ ما يسمعونه منه صلى الله عليه وسلم، وهذا يعتبر نصاً في المسألة لا يجوز خلافه.
ومن ذلك: ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {خير الناس قرني} ، وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً {خير أُمتي القرن الذي بعثت فيهم} .
ومعلوم أن أُمته في قرنه هم أصحابه قولاً واحداً، ولا يُعطي الشرع الخيرية لأحد إلا إذا كان ثقةً عدلا.ً
ومن ذلك: ما رواه مسلم وغيره عن أبي موسى الأشعري مرفوعاً {وأصحابي أمنة لاُمتي} ، فلا يكونون أمنة إلا وهم ثقات عدول.

نائل أبو محمد
02-16-2014, 08:34 PM
ومن ذلك: ما رواه البزار بإسناد رجاله موثقون على ما ذكره ابن حجر والسخاوي والهيثمي والقرطبي والزرقاني عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {إن الله اختار أصحابي على جميع العالمين سوى النبيين والمرسلين} ، فلا يُقدّمون على سائر الناس إلا وهم خيارهم.
ومن ذلك: ما رواه البزار وغيره من حديث جابر رضي الله عنه يرفعه {وفي أصحابي كلهم خير} .
ومن ذلك: ما رواه النسائي وعبد بن حميد والطيالسي والبيهقي وغيرهم بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {أكرموا أصحابي فإنهم خياركم} .
ومن ذلك: ما رواه أبو نعيم في الإمامة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خير الناس، قال: {أنا ومن معي، قيل ثم من؟ قال: الذين على الأثر} ، فالخيرية لا يُعطيها الله ورسوله إلا للثقات العدول، لا ينكر ذلك إلا جاحد أو جاهل.
ومن ذلك: ما رواه أحمد والبزار والطبراني بإسناد رجاله ثقات عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفاً قال: {إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه وابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحاب محمد خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون عن دينه} فاختيار الله لا يكون لمن ليس بثقة وعدل.

نائل أبو محمد
02-16-2014, 08:34 PM
ومن ذلك: ما رواه الإمام مسلم وأحمد وابن حبان وغيرهم عن عائذ بن عمرو أنه دخل على عبيد الله بن زياد فقال أي بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول {إن شر الرعاء الحطمة فإياك أن تكون منهم، فقال له اجلس فإنما أنت من نخالة أصحاب محمد، فقال وهل كانت لهم نخالة؟! إنما النخالة بعدهم وفي غيرهم} .
ورواه الطبراني وابن عساكر عن عبد الله بن مغفل المزني بلفظ {إنما أنت من حثالة أصحاب محمد، فقال وهل كانت فيهم حثالة لا أُم لك؟! بل كانوا أهل بيوتات وشرف} .
ورواه ابن الجعد وابن عساكر عن أبي برزة الأسلمي بلفظ {يا للمسلمين وهل كان لأصحاب محمد نخالة؟! بل كانوا لباباً كلهم} .
ففي هذا أيضاً خير دليل على أنهم كانوا كلهم ثقات عدول أولهم عن آخرهم لا يخضعون لقانون الجرح والتعديل.
إلى غير ذلك من الأحاديث التي تمدح المهاجرين والأنصار وأهل بدر وأُحد والحديبية وصحابة أهل البيت وأُمهات المؤمنين وتثني عليهم خيرا على ما سنذكره بعد قليل.

نائل أبو محمد
02-16-2014, 08:35 PM
ومن الأدلة على عدالتهم أيضاً: ما ورد أن أعمالهم وإن كانت قليلة فهي أعظم عند الله من أعمالنا وإن كانت كثيرة، فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة مرفوعاً {والذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أُحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه} ، وروى ابن ماجة وابن أبي شيبة وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: {فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عمره} .
وروى أحمد واللفظ له وأبو داوود وغيرهما عن سعيد بن زيد أحد المبشرين العشرة رضي الله عنه وعنهم أنه قال: {والله لمشهد شهده رجل يغبر فيه وجهه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من عمل أحدكم ولو عمّر عمر نوح عليه السلام} ، فلا تكون أعمالهم أفضل من أعمال غيرهم إلا لأنهم أفضل عند الله تعالى منهم.
فإن قيل بأنه ورد في حديث أبي ثعلبة الخشني أنه سيكون في آخر الزمان أقوام عمل أحدهم بخمسين من أعمال الصحابة، جاء فيه {إن من ورائكم أيام الصبر للصابر فيهن أجر خمسين منكم، قالوا منا أم منهم قال بل منكم} .
الجواب عليه: إن هذا حديث آحاد فلا يقاوم المتواتر والقطعي من {أن أحدكم لو أنفق مثل أُحد ذهباً ما بلغ مُدّ أحدهم ولا نصيفه} ثم لو سلمنا عدم تعارضه مع القطعي، فلأنه في حالة خاصة في فتن آخر الزمان فلا عموم فيه، فلا تعارض، أضف إليه أن عمل أحدهم بخمسين من حيث الأجر لا من حيث الفضل عند الله تعالى، وبذلك يرد الاعتراض لعدم التعارض.
ومن الأدلة على عدالتهم غير ما تقدم: أنه يحرم جرحهم، وذلك بفرض حبهم، وحرمة سبهم والتعرض لهم والطعن فيهم وإيذائهم، وفيها دليل على عدم خضوعهم لقانون الجرح والتعديل.

نائل أبو محمد
02-16-2014, 08:35 PM
فقد روى الترمذي وأحمد وابن حبان وغيرهم عن عبد الله المزني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن يأخذه} .
وروى الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة والحاكم وغيرهم بسند صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إحفظوني في أصحابي} .
وروى الإمام أحمد والنسائي وابن حبان بإسناد صحيح عن عمر مرفوعاً أيضاً {أحسنوا إلى أصحابي} .
وروى الملا في سيرته عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم{من أحب أصحابي وأزواجي وأهل بيتي ولم يطعن في أحد منهم وخرج من الدنيا على محبتهم كان معي في درجتي يوم القيامة} .
وروى البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي سعيد وأبي هريرة وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أُحد ذهباً ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه} .
وروى الحاكم وصححه والطبراني والشيباني وغيرهم عن عويم بن ساعدة مرفوعاً {إن الله اختارني واختار لي أصحاباً وجعل لي منهم وزراء وأنصاراً وأصهارا فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً} .
وروى الطبراني في الكبير بإسناد صحيح عن عائشة أُم المؤمنين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال {لا تسبوا أصحابي لعن الله من سب أصحابي} .
وروى الطبراني في الكبير بإسناد صحيح عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {إذا ذكر أصحابي فأمسكوا} ، وفي هذا دليل صريح على أنهم لا يخضعون لقانون الجرح والتعديل.
إلى غير ذلك من الأحاديث المرفوعة والموقوفة في فرض حب الصحابة وتحريم التعرض لهم وإيذائهم، فالقول إن فيهم فساق أو فجار أو ظلمة أو كذبة هو تعرض وجرح وسب لهم، حيث أن السب في اللغة: هو الشتم والقطع والهجاء وذكر المعايب .
ثم إن سبهم أو الطعن فيهم فوق كونه جرحاً لعدالتهم الثابتة قطعاً كما قد علمت، هو اعتراض على الله ورسوله في مدحهم والثناء عليهم وتعديلهم، وكفى بها خطيئة وكبيرة.

نائل أبو محمد
02-16-2014, 08:36 PM
ومن الأدلة على عدالتهم أيضاً: أنهم مبشرون بالجنة بآحادهم ومجملهم دون غيرهم من الناس.
فمن ذلك: المبشرون العشرة: فقد روى أبو داوود والنسائي والترمذي وأحمد وابن حبان وغيرهم عن عدة من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {عشرة في الجنة أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وعبد الرحمن في الجنة وسعد بن أبي وقاص في الجنة وسعيد بن زيد في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة} .
ومن ذلك: أهل بدر: فقد روى البخاري ومسلم وأبو داوود وأحمد وابن حبان وغيرهم عن عدة من الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم قد غفرت لكم} .

نائل أبو محمد
02-16-2014, 08:37 PM
وروى أحمد وابن ماجة والبزار وأبو يعلى وغيرهم بأسانيد صحيحة عن غير واحد من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا يدخل النار أحد شهد بدراً والحديبية} .
ومن ذلك: أهل بيعة الرضوان والشجرة: فقد روى الإمام مسلم وأحمد والنسائي وأبو داوود والترمذي وغيرهم عن غير واحد من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة } .
وروى الترمذي والبزار وغيرهما عن غير واحد من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {ليدخلن الجنة من بايع تحت الشجرة} .
وروى الإمام مسلم وأبو يعلى والحاكم وغيرهم عن جابر رضي الله عنه في أهل الحديبية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {كلكم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر} ، وصاحب الجمل الأحمر هو أعرابي رفض البيعة لأجل البحث عن جمله الذي ضل عنه.
ومن ذلك: الذين أسلموا بعد الحديبية وقبل فتح مكة وبعدها:
قال الله عز وجل في سورة الحديد آية (10) {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى} أي وكلهم لهم الجنة، وسواء كان الفتح في الآية فتح مكة أو الحديبية على ما جاء في بعض الروايات، فإن الذين أسلموا مع النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبوه ولازموه واتبعوه بعد الحديبية وبعد فتح مكة داخلون تحت قوله تعالى {من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا} لعموم النص، وسيما أنه حصل قتال بعد الفتح وشاركوا فيه كما في معركة حنين ومؤتة وتبوك والطائف، وأكبر دليل على ذلك قوله تعالى في سورة التوبة آية (88-89) يوم غزوة تبوك { لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم}.

نائل أبو محمد
02-16-2014, 08:37 PM
أما ما يقوله بعض المنافقين والحاقدين ممن تأثر بالشيعة والمعتزلة وممن تأثر باليهود والنصارى وبمبادئهم العلمانية والديمقراطية، من أن الصحابة هم فقط السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، فهو كلام لا دليل عليه البتة بل ترده الأدلة والبراهين، ولا ينم إلا عن جهل بالنصوص وحقد في النفوس، وكل هذا اللف والدوران منهم إنما لإخراج مجموعة من الصحابة ممن ثبتت صحبتهم باتفاق من أهل العصور الممدوحة، كعمرو بن العاص وخالد بن الوليد وأبي هريرة وابن عباس وأبيه وخصوصاً معاوية بن أبي سفيان وأبيه، وجل اعتمادهم في ذلك على مصطلح ابتدعوه من غير دليل "الصحبة الخاصة والصحبة العامة" أو "الصحبة الشرعية والصحبة اللغوية" كما تقدم الكلام عليه.
وللرد على هذه الفذلكة وهذا التنطع والجواب عليه: أقول:
أولاً: إن الهجرة استمرت إلى فتح مكة، فكل من أسلم قبل الحديبية وبعدها وقبل فتح مكة وهاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يُعد من المهاجرين، والأدلة على ذلك مستفيضة، فمن ذلك: قول الله تعالى في سورة الأنفال آية (75) {والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأُولئك منكم} قال ابن عباس رضي الله عنه أي بعد الحديبية ، وسواء كان بعدها أو قبلها فإن الآية تعني وجود مهاجرين غير السابقين الأولين، وقوله (فأُولئك منكم) أي من الصحابة، وقال الله تعالى أيضاً في سورة الممتحنة آية (10) {إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن} وسورة الممتحنة نزلت بعد الحديبية مما يدل على استمرارية الهجرة ووجود مهاجرين إلى ما بعد الحديبية، وروى البخاري والنسائي وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:{لا هجرة بعد فتح مكة} ، وهذا يعني بدلالة قاطعة أن الهجرة استمرت إلى فتح مكة، وإن الذين أسلموا بعد الهجرة الأُولى إلى المدينة ثم هاجروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسواء كان قبل الحديبية أو بعدها هم مهاجرون وصحابة، وإن كان فضلهم أقل من فضل السابقين الأولين.

نائل أبو محمد
02-16-2014, 08:38 PM
ومن الأدلة على استمرارية الهجرة إلى فتح مكة أيضاً: قول الله تعالى في آخر سورة الأنفال {والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا} أي أن باب الهجرة ظل مفتوحاً وجوباً إلى أن فتحت مكة.
ومنها أيضاً: قبول النبي صلى الله عليه وسلم لمن هاجر إليه حتى فتحت مكة، كالعباس بن عبد المطلب حيث من المتفق عليه أنه كان آخر المهاجرين إلى المدينة وذلك قبل فتح مكة بأشهر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم {أنت آخر المهاجرين كما أنني آخر الأنبياء} ، وفي رواية أخرى {يختم بك الهجرة كما ختم بي النبوة} .
ومن الأدلة على استمرارية الهجرة ووجود مهاجرين آخرين غير السابقين ما رواه الإمام مسلم وأبو داود وغيرهما عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يؤمكم أقرأكم لكتاب الله فإن كانت قراءتكم سواء فأقدمكم هجرة} ، فيه دليل على وجود هجرة متأخرة وهجرة متقدمة.
ومن الأدلة أيضاً على وجود مهاجرين متأخرين كالمتقدمين وإن كانوا أقل سابقة وفضلاً، ما رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين وضع الديوان فضل الناس بالسابقة {ففرض لكل من شهد بدراً من المهاجرين الأولين خمسة ألاف درهم في كل سنة، وفرض لكل من شهد بدراً من الأنصار أربعة ألاف درهم، وفرض لكل من هاجر قبل الفتح ثلاثة ألاف درهم، ولمن أسلم بعد الفتح ألفي درهم} .

نائل أبو محمد
02-16-2014, 08:39 PM
ومن الأدلة أيضاً على استمرارية الهجرة ووجود صحابة غير المهاجرين الأولين وغير الأنصار، أولئك الذين هاجروا إلى الحبشة وقد أسلموا قديماً في مكة، ولم يهاجروا إلى المدينة إلا بعد هجرة السابقين الأولين، فمنهم من هاجر قبيل معركة بدر وحضرها، ومنهم من هاجر بعد ذلك، ومنهم من لم يهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد فتح خيبر أي بعد الهجرة الأولى بسبع سنوات، ولا يحق لأحد نفي الصحبة عنهم، ولا أن يقول عن صحبتهم أنها عامة لا خاصة أو لغوية لا شرعية، حسب مصطلحهم المزعوم، ومن هؤلاء الصحابة أبو موسى الأشعري، وجعفر بن أبي طالب وزوجته أسماء بنت عميس، وشرحبيل بن حسنة وأُمه، وعتبة بن مسعود، وخالد بن سعيد بن العاص وأخوه عمرو بن سعيد بن العاص، وعامر بن مالك بن أُهيب، وآخرون إلى قرابة ثمانين رجلاً وبضع عشرة إمرأة.
ومن الأدلة على وجود صحابة غير السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار: وجود المئات من غيرهم ممن حضر معهم معركة بدر وأُحد والخندق وبيعة الرضوان، بل قد وصل عددهم يوم فتح مكة عشرة آلاف صحابي، ويوم حنين إلى إثني عشر ألفاً، لا ينكر ذلك إلا جاهل أو مكابر.
ومن الأدلة أيضاً على وجود صحابة غير السابقين وأنهم مثلهم في المكانة والعدالة عندنا: ما رواه أحمد وغيره أن أعرابياً تطاول على بعض الأنصار فأُتي به إلى عمر، فقال عمر:"لولا أن له صحبة لكفيتكموه" ، فجعل صحبة الأعرابي كصحبة الأنصاري لا يجوز المس به ولو سب صحابياً آخر، له ما لجميع الصحابة من المكانة دون اعتبار لما يُسمى صحبة عامة وصحبة خاصة، وإلا لعاقبه كما عاقب ابنه عبيد الله لما سب المقداد بن الأسود ، مفرقاً رضي الله عنه بين الصحابة وبين ابنه عبيد الله، حيث لم يكن من الصحابة، فلم تثبت له رواية ولا سماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن أدركه .

نائل أبو محمد
02-16-2014, 08:40 PM
وعلى ما تقدم كله لم يبق مجال لنفي وجود صحابة غير السابقين الأولين إلا عند المنافقين المكابرين الحاقدين أصحاب الأهواء والبدع.
أما احتجاجهم على أن من أسلم بعد الحديبية وبعد فتح مكة لا يُعد من الصحابة بحديث {أنا وأصحابي حيز والناس حيز} وحديث {المهاجرون والأنصار بعضهم أولياء بعض، والطلقاء من قريش والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض} .
أما الحديث الأول: فأولاً: هو حديث ضعيف لانقطاعه، فلا أعلم له رواية إلا من طريق أبي البختري الطائي عن أبي سعيد الخدري، ولم يدرك أبو البختري أبا سعيد الخدري ، وكفى الله المؤمنين القتال، وثانياً: إنه يتعارض مع القطعي من أن كل من أسلم بعد الحديبية وبعد فتح مكة هم صحابة كما أسلفنا ذكره من قوله تعالى في سورة الأنفال آية(75) {والذين أمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأُولئك منكم} وقوله في سورة الحديد آية (10) {من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى} فهذان نصان قاطعان على أنهم منهم، وكذلك ما أوردناه من الأحاديث، وثالثاً: لو صح هذا الحديث ففيه دليل على أن كل من كان معه يوم الفتح هو من أصحابه سواء صحبه قبل الحديبية أو بعدها، سيما وأنه جاء في روايته أنه قاله يوم فتح مكة، وبذلك كله يبطل احتجاجهم به.

نائل أبو محمد
02-16-2014, 08:41 PM
وأما الحديث الثاني: فأولاً: ليس مذمة أن يكونوا طلقاء فهو عفو لهم من الله ورسوله حينما قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الفتح: {ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا خيراً، أخٌ كريم وابن أخ كريم، قال: إذهبوا فأنتم الطلقاء} ، وفي رواية أقول لكم كما قال يوسف لإخوته {لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين} ، وقد كانوا نحوا من ألفي رجل، وفيهم من صار من خيار المسلمين كالحارث بن هشام وسهيل بن عمرو وصفوان بن أُمية وعكرمة بن أبي جهل ويزيد بن أبي سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وحويطب بن عبد العزى وعتاب بن أسيد الذي ولاه النبي صلى الله عليه وسلم مكة لما فتحها وأبي سفيان بن حرب الذي ولاه النبي صلى الله عليه وسلم نجران لما فتحها وغيرهم.

نائل أبو محمد
02-16-2014, 08:41 PM
ثانياً: لقد ثبت بالنص القطعي أنهم مؤمنون قال الله تعالى في سورة التوبة آية (26) {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين} فكان الطلقاء بهذه الآية من المؤمنين لأنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في تلك المعركة.
ثالثاً: معروف على ظاهر الكف أن الطلقاء والعتقاء ليسوا من المهاجرين والأنصار ولا بفضلهم، لكن القرآن جعلهم معهم في الأجر سواء، وجعلهم منهم في الولاية، قال الله عز وجل في سورة الحديد آية(10){لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى} وقال في سورة الأنفال آية (75) {والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأُولئك منكم}.
رابعاً: إن كان قصدهم من وراء ذلك إخراج معاوية بن أبي سفيان من الصحابة ظانين أنه أسلم بعد الفتح، فهو ظن لا يغني من الحق شيئاً، لأنه رضي الله عنه أسلم عام القضية أي عام الحديبية قبل فتح مكة، وأخفى إسلامه عن أبيه على ما ذكره أهل السير كابن سعد وابن عساكر والطبري والبغدادي والذهبي وغيرهم بأسانيد متعددة .
ومما يؤكد أنه ليس من الطلقاء مع أنها ليست تهمة كما قد علمت، فقد كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة بعد الفتح، في حين كان الطلقاء ممنوعين من الهجرة إليها، كصفوان بن أُمية، فإنه لما قدم مهاجراً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بالرجوع قائلاً له: {إرجع أبا وهب إلى أباطح مكة فقروا على سكنتكم فقد انقطعت الهجرة ولكن جهاد ونية} .

نائل أبو محمد
02-16-2014, 08:44 PM
أما الدليل على أنه كان في المدينة، أنه قام ببعض الأعمال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، منها: أنه كُلف بالذهاب مع وائل الكندي لتسليمه أرضاً أقطعها إياه، وكان ذلك في المدينة ، ومنها: أنه آخى بينه وبين الحتات المجاشعي وكان ذلك يوم وفد عليه في المدينة ، ومنها: أنه كان كاتب النبي صلى الله عليه وسلم ومعلوم أنه كان في المدينة ، ومنها: أنه روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من مئة وستين حديثاً لم يحفظ عددها أحد من الطلقاء ، ومنها: أنه أشهده على ما أقطعه للداريين ، كل ذلك يدل قطعاً على أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، كما وأنه ممن اتفق على صحبته عند الصحابة والتابعين وتابعيهم منذ العصور الأُولى الممدوحة، والحمد لله الذي تتم بنعمه الصالحات.

نائل أبو محمد
02-16-2014, 08:51 PM
الأحد 16 ربيع الثاني 1435

وصلنا الى صفحة رقم 42 من الكتاب وهي تحت عنوان

الصحابة كلهم عدول:

يتبع النشر بالغد إن شاء الله

وما هذا إلا تذكير وبيان لمكان الوصول .

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:12 PM
الاثنين 17 ربيع الثاني 1435

الصحابة كلهم عدول:
بعد أن عرفت من هم الصحابة وعرفت أدلة عدالتهم، ينبغي أن تعرف أيضاً أن كل من ثبت كونه صحابياً على طريقة جمهور أهل الفقه والأصول والحديث واللغة، فهو عدل ثقة بإجماع أهل الإسلام على مر العصور ، ما عدا الخوارج والشيعة ومن لف لفيفهم من منافقين وأهل أهواء وبدع، فهم يُفسقون ويُكفرون جميع الصحابة ما عدا نفر قليل، وقصدهم من ذلك الطعن في المنقول إلينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قد علمته عن أحد زنادقتهم قبل أن يقتله الرشيد، وليس لهم على مذهبهم هذا سوى تأويلات سخيفة وادعاءات باطلة لا يصح منها شيء، وما صح سنده فهو إما آحاد لا يقاوم القطعي، وإما ضعيف المتن أو مُتأوَّل لا يصلح في الأحكام فضلاً عن المغيبات، كما ستعرفه لاحقاً.
ومن أهم ما يدّعونه دليلاً على عدم عدالة كل الصحابة:
أولاً: قوله عليه الصلاة والسلام في حديث الحوض {وإنه سيجاء برجال من أُمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول سحقاً سحقاً} وفي لفظ {فيقول: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم} .
ثانياً: ادّعاؤهم أن في الصحابة فساقاً وفجاراً، كالحكم بن أبي العاص ومروان بن الحكم والوليد بن عقبة وحرقوص بن زهير وبسر بن أبي أرطأة وأبي الأعور السلمي وعمرو بن الحمق وكركرة غلام النبي والرجل الذي تزوج زوجة أبيه.
ثالثاً: ادّعاؤهم أن الصحابة اقتتلوا وقتل بعضهم بعضاً فيما يُسمى الجمل وصفين، وقالوا من كانت هذه حاله فليس بعدل بل هو فاسق عاص لله تعالى، لا تُقبل روايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بغية إلغاء السنة النبوية.

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:13 PM
أما بالنسبة لحديث الحوض فإنه مردود رواية ودراية فلا تقوم به حجة على ادّعائهم.
أما رده رواية: فإنه حديث مضطرب المتن، فمرة روي بلفظ {رب أصحابي} ، على الكثرة، ومرة بلفظ {رب أُصيحابي} ، على القلة والتصغير، ومرة بلفظ {رب أُمتي} ، على العموم، ومرة بلفظ {رب قومي} ، على الخصوص، ومرة بلفظ {رب رهطي} ، على أخص الخصوص، ومرة يدعو عليهم بلفظ {سحقاً سحقاً} ، ومرة يدعو ويتوسل لهم بلفظ : فأقول كما قال العبد الصالح {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} ، فكما ترى فإن الحديث ورد بألفاظ مختلفة مضطربة لا يمكن الجمع بينها، وما كان هذا حاله من الاضطراب فإنه موجب للضعف كما هو مقرر في أُصول ومصطلح الحديث ولو كان صحيح الإسناد، فلا تقوم به حجة في الأحكام فضلاً عن الأُمور الغيبية .

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:13 PM
وأما رده دراية فمن وجوه:
أحدها: أنه يتعارض مع القرآن والسنة في أن كل من صاحب النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة لا من أهل النار، كما تقدمت الأدلة عليه في حق المبشرين العشرة، وفي حق المهاجرين والأنصار، وفي حق أهل بدر وأُحد والرضوان، وفي حق الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا، هؤلاء هم أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذين أخبر القرآن والسنة بالأدلة القاطعة أنهم من أهل الجنة، ولم يثبت عن أحد منهم ارتد أو حتى فسق ومات دون توبة، فلا يستقيم البتة أن يُلغي ذلك حديث ولو كان صحيحاً، فكيف بحديث مضطرب المتن يخضع للظن والاحتمالات، فمن باب أولى أن لا تقوم به حجة في ذلك.
ثانيها: إن هذا الحديث يصطدم مع القرآن والسنة أيضاً في أن الصحابة لن ولم يرتدوا، قال الله تعالى من سورة التحريم آية(8) {يوم لا يُخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم} ومعلوم أنه لا يأمن من الخزي في ذلك اليوم إلا الذين ماتوا والله ورسوله عنهم راض، وهذا خاص بأصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فقد قال الله تعالى {والذين آمنوا معه} ولم يقل {آمنوا به} وهذا ما عليه أئمة المسلمين وفقهاؤهم على مر العصور .
وكذلك يصطدم مع حديث عقبة بن عامر الثابت المتفق على صحته {وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخاف عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها} ، فهو صريح في أنهم لن يشركوا ولن يرتدوا فهو قَسَمٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك.
فهذان النصان من الكتاب والسنة كفيلان برد حديث ردة الصحابة ولو كان صحيحاً غير معتل، فكيف وهو مضطرب المتن؟!!! فمن باب أولى أنه يُرد ولا تقوم به حجة في هذا الموضوع.
ثالثها: على فرض سلامته من العلل والمعارضة، فإنه يحتمل أكثر من معنى، فقوله صلى الله عليه وسلم {رب أصحابي} يحتمل معنى مجازياً غير ما زعموه، أي الذين على ديني، لا في خصوص الصحابة، كما تقول أصحاب الشافعي وأصحاب أبي حنيفة، أي الذين على مذهبهما ورأيهما ولو لم يلتقوا بهما، ويدل عليه ما جاء في بعض الروايات {رب أُمتي}.
وأما قوله {رب أصيحابي} على التصغير والقلة، فيحتمل أنه أراد المنافقين الإثني عشر بقوله صلى الله عليه وسلم {في أصحابي إثنا عشر منافقاً لا يدخلون الجنة} ، فيحتمل أنهم دخلاء بين الصحابة لقلتهم لا أنهم من صحابته، لأنه قال {في أصحابي} ولم يقل {من أصحابي} ثم إن هؤلاء الإثني عشر قد انكشفوا حين همّوا أن يفتكوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق عودته من غزوة تبوك، وأخبر حذيفة عنهم وعن أسمائهم ، وفيهم نزل قول الله تعالى {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا} ، وقيل هم أهل مسجد الضرار ، وسواء عرفناهم أم لم نعرفهم، فإنه لم يثبت لأحد منهم رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يكونون من الصحابة إلا على سبيل الانتساب لهم ادعاءً وكذباً، سيما وأن الله تعالى قد أخبر عن كفرهم في الآية آنفاً.
أما ما يقال بأنهم لما طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يبعث من يقتل أولئك المنافقين، قال: {أكْرَهُ أن يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه} ، فهو على اعتبار الظاهر من أحوالهم عند الناس، لا على اعتبار أنهم صحابة لا شرعاً ولا لغةً ولا عرفاً، وهذه المقولة قالها أيضاً في حق ابن أُبي بن سلول حينما طلب عمر قتله ، ولم يقل عنه أحد أنه من الصحابة ومن أهل الرضا، وبهذه الاحتمالات يسقط الإستدلال بحديث الحوض على ما أرادوه من هذا الوجه أيضاً.

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:14 PM
رابعها: إنه يخالف الواقع حيث الثابت على ظاهر الكف أن الصحابة رضي الله عنهم قاموا بمحاربة المرتدين بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، مما يدل قطعاً على أنهم ليسوا منهم، إلا أن يقال بأن مسيلمة والعنسي ومن ارتد معهما عن الإسلام هم أهل حق وأن الصحابة أهل باطل، ولا يقول هذا من كان في قلبه ذرة إيمان أو مسكة عقل.
خامسها: لقد أورد الزاعمون بردة الصحابة ما يناقض ادّعاءهم ويسقطه، فقد أوردوا في كتبهم أن قرابة ثلاثة آلاف صحابي من المهاجرين والأنصار قاتلوا مع علي في صفين والجمل كما ستعرفه في موضعه، مما يعني حسب هذا الادعاء أن آلافاً من الصحابة لم يرتدوا، لا كما يزعمون من أنهم بضعة نفر لا يتجاوزون الثلاثة أو الخمسة.
أما بالنسبة لادعائهم أن في الصحابة فساقاً وفجاراً، كالوليد بن عقبة، وحرقوص بن زهير، وبسر بن أبي أرطأة، ومروان بن الحكم، والحكم بن أبي العاص، وأبي الأعور السلمي، وكركرة الغلام، وعمرو بن الحمق، والرجل الذي تزوج زوجة أبيه وغيرهم.
فهؤلاء ومن كان على شاكلتهم ممن لهم هنات، حتى ولو كانوا ثقات فليسوا صحابة، بمعنى أنه لم تثبت صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولو رأوه، فإن الصحبة هي المعاشرة والملازمة لا مجرد الرؤية، وهذا مذهب الغالبية العظمى من أهل الحديث والفقه والأُصول والعرف واللغة كما تقدم بيانه في صدر هذا البحث، ولا حاجة لإعادته هنا، وأكثر ما يمكن أن يقال إنه اختلف في صحبتهم كما هو في كتب التراجم، فلا يمكن الجزم لهم بها، بل يمكن الجزم بأنهم ليسوا صحابة، فإضافة إلى عدم انطباق تعريف الصحبة عليهم، فإنه لا ينطبق عليهم أي طريقة من الطرق في معرفة كونهم صحابة، لا بالتواتر ولا بالاستفاضة ولا بالآحاد، على ما اتفق عليه بين العلماء آنفاً.
ثم أضف إليه أيضاً أنه لم يثبت على أي صحابي ثبتت صحبته بالطرق المتفق عليها أنه صدر منه ما يخرم المروءة والعدالة، وبذلك كله تسقط مقولتهم صحابي محسن وصحابي مسيء، بل كل من ثبتت صحبته فإنه محسن مرضي، وما ظُن أنه أساء فقد طلب النبي صلى الله عليه وسلم منا أن نتجاوز عنه، بقوله {أهل بيتي والأنصار كرشي وعيبتي فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم} ، وكفى الله المؤمنين القتال.

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:14 PM
وأما بالنسبة لادّعائهم وزعمهم أن الصحابة اقتتلوا في صفين والجمل وقتل بعضهم بعضاً، فهو عماد دعوة الشيعة ومن لف لفيفهم من معتزلة ومنافقين وحاقدين على الإسلام ونقلته، وهو ادّعاءٌ وزعم باطل مردود رواية ودراية:
أما رده رواية:
أولاً: ليس لهم عليه إسناد يثبت سوى أقاويل وروايات تاريخية تالفة، أو أخبار آحاد ضعيفة، وفي أحسن أحوالها مضعفة مختلف عليها لا تقوم بها حجة في موضوع الإيمان والكفر ولا في موضوع العدالة والفسق كما ستعرفه لاحقاً.
ثانياً: أن رواياته مضطربة المتن متباينة.
ثالثاً: أنها نقلت نقلاً آحادياً يتعارض مع مفهوم قاعدة عموم البلوى.

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:15 PM
أما ضعفها سنداً: وهنا يأتي الكلام على الأمر الثالث من أُسس هذا البحث: وهو: أن الإسناد من الدين:
الإسناد من الدين:
إن صحة أي رأي أو أي دعوى إنما تكون بصحة دليلها، وصدقها بصدق ناقلها وانطباقها وموافقتها، هذا أصل لا يختلف عليه اثنان من ذوي الحجا، قال الله تعالى في سورة الحجرات آية (6) {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} معناه أن الفاسق لا تقبل روايته، وقال الله تعالى أيضاً في سورة محمد آية (14) {أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله} وقال عليه الصلاة والسلام {بئس مطية الرجل زعموا} ، وقال أيضاً {اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم} ، وقال {حدثوا عني ولا تكذبوا علي} ، وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال {كان عمر يأمرنا أن لا نأخذ إلا عن ثقة} ، وقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما {ما جاءكم عن من تأمنونه على نفسه ودينه فخذوا به} ، وقال ابن سيرين {إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم} ، وقال عبد الله بن المبارك {الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء} .

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:16 PM
بهذا الأصل حوكمت الروايات الحديثية على مر العصور، وبه تحاكم الروايات التاريخية عموماً وحادثة صفين والجمل خصوصاً:
فأقول وبالله التوفيق:
أولاً: إن موضوعاً بهذه الأهمية في حياة أُمة الإسلام ولا ذكر له في دواوين الإسلام المعتبرة حسب ما يصوره المؤرخون في كتب التاريخ، ليدل دلالة واضحة على عدم وجوده، وأنه لا يرقى للتصديق والاعتبار، سيما وأن التاريخ لم يُكتب إلا في القرن الثالث أي بعد عصر فتنة الجمل وصفين بأكثر من مائتي عام، وهذا كاف لإسقاط كل ما روي فيه عن اقتتال الصحابة فيما بينهم، إضافة إلى نكارته وضعف أسانيده كما ستراه بعد قليل.
ثانياً: لقد فتشت في أخبار وروايات هذه الفتنة فلم أجد رواية اتفق على صحتها بين الأئمة والمحدثين أن الصحابة اقتتلوا فيما بينهم، أو سَلّ أحدهم سيفاً في وجه صاحبه مطلقاً، لا عن أحد من الصحابة ولا عن أحد من التابعين، بل وجدتها إما مكذوبة ملفقة، وإما ضعيفة الإسناد، وإما منكرة، وإما مضطربة، وأحسنها مختلف عليها.
وأكبر دليل على ذلك بالجملة، أنه لم يرد في دواوين الإسلام الصحيحة ذكر اقتتال بين الصحابة، ولا أنهم شاركوا في موقعة صفين والجمل، بل وجدنا روايات صحيحة تدلل على أنهم رضي الله عنهم لم يشاركوا فيهما كما ستعرفه بعد قليل.

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:16 PM
أما الروايات المكذوبة والملفقة والضعيفة على الجملة في هذا الموضوع من حيث الإسناد فهي عند كذبة المؤرخين: كمروج الذهب للمسعودي، وكتاب الأغاني للأصفهاني، والعقد الفريد لابن عبد ربه، ومرآة الزمان لسبط ابن الجوزي، وكتاب التاريخ لليعقوبي، وكتاب وقعة الجمل لسيف بن عمرو الضبي، وكتاب صفين للغلابي، وكتب صفين لابن مزاحم المنقري، وكتاب الكامل للمبرد، وكتاب البيان والتبيين للجاحظ، وكتاب البدء والتاريخ لابن المطهر، وكتاب الوافدين لابن بكار، وكتاب الخوارج للهيثم بن عدي، وكتاب الإمامة والسياسة المنسوب زوراً وبهتاناً لابن قتيبة الدينوري وهذا الكتاب هو شرٌ مكاناً وأضل سبيلا، فهو مليءٌ بالأكاذيب والطعن على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك كتاب نهج البلاغة المنسوب لعلي بن أبي طالب زوراً وبهتاناً أيضاً، فهاذان الكتابان ليس لهما إسناد يصح إليهما، كما وأن معظم الحكايات والروايات فيهما وردت بقيل وذكر لا بحدثنا، وكتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد.
فكل ما ورد في هذه الكتب بشأن اقتتال الصحابة فيما بينهم هو مشكوك فيه أو قل مكذوب مفترى، وذلك لعدة أسباب:
أولاً: لجرح عدالة مؤلفيها كما هو مقرر في تراجمهم عند أهل الجرح والتعديل يجده من يطلبه، ثانياً: إنها في الأغلب الأعم من غير إسناد، وإن ورد بإسناد فهو ضعيف من طريقهم ومن طريق من حدثهم من الضعفاء والمتروكين كما ستعرفهم بأسمائهم بعد قليل، ثالثاً: إضافة إلى كون ما ورد فيها في الغالب من غير إسناد ولا معزواً إلى كتاب صحيح، فإن من أصحاب هذه الكتب من ليس له علاقة لا بالحديث ولا بالرواية كابن عبد ربه والمبرد والجاحظ، فتسقط مروياتهم لهذا السبب أيضاً، رابعاً: إنها لم تُدون إلا بعد أكثر من مائتي عام من تاريخها أي في عصر خصومهم، ولا يُعرف لها إنكار من أحد، ولذلك كانت مكذوبة وفيها حيد عن الحقيقة، خامساً: إن قتل المسلم لأخيه المسلم بغير وجه حق هو من الكبائر ويعتبر جرحاً للعدالة، ولا يمكن جرح من عدلهم الله ورسوله بروايات مكذوبة أو ضعيفة، فإذا كان جرح غير الصحابة لا يثبت إلا بدليل صحيح، فكيف بمن ثبتت عدالتهم باليقين كما قد عرفت آنفاً، فإن جرحهم لا يثبت إلا بيقين مثله، وهيهات هيهات لذلك، والحمد لله الذي تتم بنعمه الصالحات.
أما ما ورد من الروايات بشأن تلك الفتنة في الكتب المعتبرة عند المسلمين كتاريخ خليفة بن خياط وتاريخ المدينة لعمر بن شبة وتاريخ الفسوي وتاريخ الطبري وتاريخ بغداد وتاريخ دمشق وغيرها مما كتب بحدثنا، فلا يشفع لها أن رواها هؤلاء الثقات، فإنك لو فتشت فيها ستجد أن كل رواية ورد فيها طعن أو تحريض على الصحابة بخصوص صفين والجمل أو غيرهما هي من طريق الوضاعين الأفاكين، والضعفاء والمتروكين، كأبي مخنف لوط بن يحيى، وجابر الجعفي، وعمرو بن شمر، ومحمد بن السائب الكلبي وابنه هشام، ومحمد بن مروان السدي الصغير، ويونس بن خباب، ومحمد بن عمرو الواقدي، وأبي بكر الهذلي، وابن أبي الأزهر البوشنجي، وعبد الله بن شبيب، ورشيد الهجري، وثابت بن دينار الثمالي، والحارث بن حصيرة، ومسلم بن نذير السعدي، ومحمد بن القاسم المحاربي، وأبي حريز الأزدي، وعثمان بن عمير، وشعيب الجبائي، وهشام جعيط، وأصبغ بن نباتة، وابن الكوا، وأبي عبيدة معمر بن المثنى، وعلي بن محمد المدائني، وأبي شيبة الكوفي قاضي واسط، وأبي قدامة حبة بن جوين العرني، وسعيد بن المرزبان، وضرار ابن صرد، ومحمد بن عبيد الله بن أبي رافع، وغيرهم لو فتشت في تراجمهم لوجدت صدق ما نقول، وخصوصاً أول ثمانية منهم، فإن مدار معظم ما روي عن هذه الفتنة إن لم يكن جميعها هو من طريقهم، وستجد أحسن الرواة لهذه الفتنة حالاً مختلف في عدالته كالواقدي والمدائني ويعقوب القمي وجعفر بن أبي المغيرة ومجالد بن سعيد، كما وستجد أحسن الروايات حالاً في هذه الكتب المشار إليها آنفاً إنما بأسانيد منقطعة ليست عن أحد ممن شارك فيها أو عاصرها، أو روايات عن مجاهيل كشعيب بن ابراهيم الكوفي، ونمير بن وعلة الهمداني، وقد نأتي على ذكر بعضها في ثنايا البحث.
ولا يفوتنا أن نذكر ونحذر أيضاً مما كُتب عن التاريخ في القرن الماضي متأثرين بما أورده كذبة المؤرخين دون تمحيص أو تحقيق، بل كانوا كحاطب ليل، كجورجي زيدان في تاريخه، وطه حسين في كتابه الفتنة الكبرى، والعقاد في عبقرياته، ومحمد رشيد رضا في كتابه مناقب علي ابن أبي طالب، وعبد الوهاب النجار في كتابه الخلفاء الراشدون، وحسن ابراهيم في كتابه عمرو بن العاص وفي كتابه تاريخ الإسلام، وغيرهم ممن كتب دون تحقيق في سند الروايات.
لذا فإن موضوعاً يتعلق بجرح من بشرهم الله ورسوله بالجنة جملة وتفصيلاً كما قد علمت، فإنه لا يصلح فيه روايات آحاد ولو كانت صحيحة الإسناد، فكيف بالضعيفة فإنها لا تصلح من باب أولى.

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:17 PM
هذا بالنسبة لرد روايات هذه الفتنة وإبطالها من حيث الإسناد، وأما ضعف رواياتها من حيث المتن لاضطرابها فحدث ولا حرج، وهو كفيل أيضاً بردها وإبطال حجيتها، فقد أطبق علماء المصطلح على ضعف المضطرب ولو كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو صح إسناده ما دام قد اضطرب متنه ولم يمكن الجمع بين رواياته .
وإليك مثالاً واحداً من هذا النوع من الروايات في هذه الفتنة وهو أساس فيها، يكمن في عدد من قاتل وعدد من قًتل في هذه الفتن من الصحابة وغير الصحابة، ولنبدأ بوقعة الجمل:

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:18 PM
وقعـة الجمل:
أما وقعة الجمل: فإنه حينما رفض علي بن أبي طالب رضي الله عنه طلب طلحة والزبير إقامة الحد على قتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه بسبب عدم قدرته على ذلك حسبما جاء في بعض الروايات ، فذهبوا إلى مكة وجاؤوا بأُم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعنهم، ومعهم الكثير من أهل البصرة ممن أيدهم ليصطلحوا سوياً لإقامة الحد على أولئك القتلة، كما سنبينه بالتفصيل في موضعه بعد قليل، وهذا أيضاً كان سبب وقعة صفين كما ستعرفه في موضعه أيضاً، ولما علم قتلة عثمان بذلك وقد أوشك الصلح أن ينجح، أشعلوا نار الفتنة بين الطرفين وأضرموا نار الحرب بينهما ليلاً فهذا ما كان ، لا كما يصوره كذبة المؤرخين ممن يتمذهب بمذهب الخوارج والشيعة والزنادقة والمنافقين، من أنّ صراعهم كان على الخلافة والملك لتشويه تلك الحقيقة، كما وشوهوا أيضاً حقيقة من اشترك ومن قتل في تلك الفتن، غير أن الله تعالى أراد كشف زيفهم فاختلفوا في ذلك وتباينوا فيه تبايناً لا يمكن الجمع فيه مطلقاً.

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:18 PM
أما اختلافهم في عدد من شارك فيها عموماً:
ففي فتح الباري "أن عدد جيش علي يوم الجمل تسعماية راكب" ، ومن طريق سيف بن عمر الضبي "عشرون ألفاً " وفي البداية والنهاية من غير إسناد "عدد جيش علي عشرون ألفاً وجيش عائشة ثلاثون الفاً " وفي مصنف عبد الرزاق" اثني عشر ألف رجل " وفي المناقب المزيدية: " أصحاب علي عشرة آلاف أو نحوها وأصحاب الجمل أربعة وعشرون ألفاً "، وفي شذرات الذهب من غير إسناد "ثلاثة وثلاثون ألفاً" .

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:19 PM
وأما اختلافهم واضطرابهم في عدد من حضرها من الصحابة خصوصاً فحدث ولا حرج أيضاً:
ففي تاريخ خليفة بن خياط: "كان مع علي يوم الجمل ثمانماية من الأنصار وأربع ماية ممن شهد بيعة الرضوان" ، وفي إسناده يعقوب القمي وجعفر بن أبي المغيرة مختلف في عدالتهما ، ومنه أيضاً " شهد مع علي ثمانماية ممن بايع بيعة الرضوان" ، وفي سنده يزيد بن عبد الرحمن وجعفر بن أبي المغيرة وفيهما مقال ، وفي مروج الذهب للمسعودي من غير إسناد: وكان جميع من شهد مع علي من الصحابة ألفين وثمانماية" ، ويكفي لضعفها أنها من طريق المسعودي ، إضافة لعدم إسنادها، وفي تاريخ الإسلام للذهبي عن السدي قال: شهد مع علي يوم الجمل ماية وثلاثون بدرياً وسبعماية من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم" ، فالسدي: إثنان، فإن كان الصغير فهو أحد الكذابين عند علماء الجرح والتعديل ، وإن كان السدي الكبير فمختلف في عدالته ، كما ولم يدرك علياً، فتكون روايته منقطعة لا حجة فيها، ومن طريق ابن مزاحم عن علي قال: "ليس بدري إلا قد بايعني وهو معي" ، وفي السُّنة للخلال بإسناد صحيح عن التابعي الكبير سعيد بن المسيب قال: "وقعت الفتنة ولم يبق من أهل بدر أحد " وفي مصنف ابن أبي شيبة والسُّنة للخلال وغيرهما بإسناد صحيح عن التابعي الكبير عامر الشعبي قال: "لم يشهد الجمل من أصحاب النبي من المهاجرين والأنصار إلا علي وعمار وطلحة والزبير" .
فهذا الإضطراب في عدد من شارك في هذه الوقعة عموماً وخصوصاً، يوجب ضعف رواياته واسقاطها عن الاعتبار كأنه لا وجود لها، لأنه لا يمكن الجمع بينها.
أما الترجيح فيمكن: وذلك بترجيح الصحيح على الضعيف والمتفق على صحته على المختلف فيه، ورواية من شارك على من لم يشارك، ومن عاصر على من لم يعاصر وهكذا، فنظرنا فوجدنا أن أصح ما ورد في ذلك هو رواية الشعبي وابن المسيب ففي روايتهما من الدلالة على قلة من شارك من الصحابة في موقعة الجمل أو قل لا وجود لهم فيها، فأربعة أو خمسة أو عشرة من بين عشرين ألفاً أو خمسين ألفاً على ما زعمه كذبة المؤرخين آنفاً، فإنه يعني واحداً لكل خمسة آلاف أو عشرة آلاف، لذا فلا يقول بأنها معركة بين الصحابة إلا كل منافق أو حاقد أو مغرض أو جاهل، لأن الحكم للغالب لا للنادر كما هو مقرر عند أهل العلم قاطبة .
أضف إلى ذلك ترجيح آخر يُبين قلة أو عدم اشتراك الصحابة في هذه الفتنة، ألا وهو أن كل من كتب من المؤرخين ثقات وغير ثقات عن هذه الفتنة لم يذكروا واحداً من المهاجرين أو الأنصار أو من أهل بدر أو من غيرهم ممن ثبتت صحبته أنه كان من قادة علي أو من قادة أهل الجمل غير الذين ذكرهم الشعبي، كما ولم يذكروا عن أحد منهم نِزالاً أو مشاركة في هذه المعارك المزعومة ولو كذباً، بل قل أن المعركة كانت بين قتلة عثمان وبين عموم المسلمين كما ستعرفه بعد قليل، والحمد لله الذي تتم بنعمه الصالحات.

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:20 PM
أما اضطراب الروايات في عدد من قتل في موقعة الجمل فهي تزيد من اليقين أيضاً بأن الصحابة لم يشاركوا فيها:
ففي تاريخ خليفة "عدد قتلى الجمل عشرون ألفاً" وفي رواية "سبعة آلاف" وفي رواية "ثلاثة عشر ألفاً" ، وفي تاريخ الإسلام للذهبي "انفرجت وقعة الجمل عن ثلاثة عشر ألف قتيل" ، ومنه أيضاً من طريق السدي وهو ضعيف: "أنه قتل بينهما ثلاثون ألفاً" ، وفي أنساب الأشراف "قتل من الناس من أهل البصرة عشرين ألفاً" وفي تاريخ الطبري والبداية والنهاية والاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى: عدد من قتل يوم الجمل عشرة آلاف من الطرفين، خمسة من هؤلاء وخمسة من هؤلاء ، وفي شذرات الذهب "ثلاثة وثلاثون ألفاً" ، وفي المناقب المزيدية "عدد قتلى أصحاب علي دون الألف والباقون من أصحاب الجمل" .
فاضطراب هذه الروايات في عدد القتلى يوجب ضعفها وإسقاطها عن الاعتبار أيضاً ولو زعموا صحة إسنادها عناداً ومكابرة، فهذا التهويل في عدد القتلى لا يقبله إلا من كان في قلبه دغل أو جهل، ليس فقط لسقوط هذه الروايات عن الاعتبار رواية، بل لأنه ثبت أن موقعة الجمل لم تستغرق أكثر من نصف نهار ، فلا يصدق إلا جاهل أنه قتل في هذه المدة القصيرة هذا العدد الهائل من الجيش حتى ولو كان السلاح اتوماتيكياً وكيميائياً، كما ولا يصدق إلا جاهل ما يصوره كذبة المؤرخين من وقوع أكثر من عشرين ألف قتيل حول الجمل، وكأنه جبل أو نصب تذكاري لا يهيج ولا يجفل من قعقعة السلاح!!، ثم لو أراد أن يصطف هذا العدد من الجيش بخيله ورجله للزمه مساحة لا تقل عن كيلو متر مربع، في حين يصور لنا كذبة المؤرخين وكأنها لا تتجاوز مئتي متر مربع كما في روايتهم: فصرخ صارخ في الجيش وقيل إنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه "اعقروا الجمل فإنه إن عقر تفرقوا عنه" ، كل ذلك يدلل على كذب مزاعمهم.
ثم ويدلل على كذبهم وافترائهم أيضاً أن القتلى يوم الجمل هم قلة قليلة كقتلى شجار بين عائلتين أو على الأكثر بين قبيلتين صغيرتين، أن أهل الطبقات والتراجم بمجموعهم حينما جاءوا ليذكروا عدد القتلى ويدونوا أسماءهم في التاريخ لم يستطيعوا أن يحصوا مائتين بل لم يبلغوا المئة ، فأين ذهب ذلك العدد الهائل من القتلى الذي يصوره لنا كذبة المؤرخين؟!! إلا أن يكون مختلقاً للطعن في المسلمين وخصوصاً في أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:20 PM
فإن قيل بأنه ثبت بالدليل الصحيح وقوع قتلى كثيرون، وهو ما رواه البزار وغيره عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنسائه: "أيتكن صاحبة الجمل الأدبب، تخرج فينبحها كلاب الحوأب يقتل عن يمينها وعن يسارها قتلى كثير ثم تنجو بعد ما كادت" .
الجواب عليه: أولا: هذا خبر آحاد والآحاد لا يفيد إلا الظن عند جمهور علماء الحديث والفقه والأصول ، فلا يقاوم القطعي في عدالة الصحابة وأنهم من أهل الجنة كما تقرر في بحث عدالة الصحابة آنفاً، ثانياً: هذا الحديث مما اختلف في صحته، فأنكره القاضي أبو بكر بن العربي ، وقال ابن أبي حاتم وأبو زرعة: حديث منكر، لم يُرو إلا من طريق عصام بن قدامة ، وفي الإسناد أيضاً عكرمة مولى ابن عباس، مختلف عليه، فكذبه مجاهد وابن سيرين ويحيى بن سعيد ومالك بن أنس وغيرهم، ووثقه آخرون ، وهذا يجعله أقل من الظن إلى مستوى الشك في موضوع لا يصلح له إلا الأدلة المتواترة، وكفى الله المؤمنين القتال، ثالثاً: إن أحق من يروي هذه الرواية هو أُمهات المؤمنين رضي الله عنهن، لأنها تبين أن الخطاب لهن وفيهن، وربما لم يكن ابن عباس معهن أيضاً، فلمّا لم يروها أحد منهن دل ذلك على غرابة هذه الرواية، فإن قيل قد وردت رواية في كلاب الحوأب عن عائشة رضي الله عنها تعضد رواية ابن عباس كما في مسند أحمد وغيره: "أنها رضي الله عنها لما بلغت بعض مياه بني عامر ليلاً نبحت الكلاب عليها، فقالت: أي ماء هذه؟ قالوا: هذا ماء الحوأب، فوقفت وقالت: ما أظنني إلا راجعة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنا ذات يوم: {كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب} ، فهذه الرواية فوق كونها ليست في موضوع عدد القتلى الهائل الذي زعمه كذبة المؤرخين، فهي أيضاً مما اختلف عليه، فهي من طريق قيس بن أبي حازم، قال علي بن المديني عن يحيى بن سعيد القطان: قيس بن أبي حازم: منكر الحديث، ثم ذكر له حديث كلاب الحوأب ، وقال عنه يعقوب بن شيبة السدوسي: وكان يحمل على علي وعلى جميع الصحابة ، ومن المعلوم عند أهل الجرح والتعديل أن المتطاول على الصحابة ليس بثقة ولا تقبل روايته ، ثم إن تفرده بها عن بقية عدد الجيش الهائل حسب رواياتهم المزعومة، يخالف قاعدة "عموم البلوى" المعمول بها عند أئمة المسلمين ، لأن الدواعي متوفرة أن يروي هذه الرواية عدد التواتر، فلما لم يكن، دل ذلك على كذبها ولو كان الراوي ثقة، هذا هو مفهوم تلك القاعدة، ولعل هذا هو سبب قول القطان عنه: منكر الحديث، ومما يؤكد نكارته أيضاً، أن قيس ابن أبي حازم لم يشارك في موقعة الجمل ولا هو من الرواة عن عائشة رضي الله عنها، فكيف حصلت له هذه الرواية عنها؟!!.

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:21 PM
فإن قيل بأن لها شاهد عند ابن أبي شيبة عن أنس بن مالك ، يقال بأن التواتر لا يحصل بإثنين على الراجح من الأقوال فلم يحصل الغرض منه لقاعدة عموم البلوى، ثم فتشت عن هذه الرواية فلم أجدها في مصنف ابن أبي شيبة، ووجدتها في اتحاف الخيرة المهرة للبوصيري ، وهي أيضاً من طريق قيس بن أبي حازم، وهذا يعني اضطراباً في السند، فمرة يرويها عن عائشة مباشرة ومرة بواسطة أنس بن مالك وهذا كاف لإسقاط الرواية عن الاعتبار، ثم أيضاً لم يثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان ممن شارك في فتنة الجمل مما يعني وجود جهالة وانقطاع في السند أيضاً، ثانياً: إنه فوق نكارة حديث الحوأب وغرابته فليس فيه تصريح بأن القتلى هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما وليس فيه تصريح بأن المعني فيه أُم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، بل يمكن أن لا تكون المعنية بذلك، سيما وأنه ورد في بعض الروايات أن عبد الله بن الزبير نفى لها أن يكون هذا هو الحوأب فصدقته ، كما وقد وردت بعض الروايات تقول بأن المعنية به سلمى بنت مالك الفزارية وكانت سبية وهبت لعائشة فأعتقتها، ثم ارتدت وقادت المرتدين مع طليحة بن خويلد وكانت على جمل وقتل حولها مائة رجل، هذا ما ذكره غير واحد من المحدثين والمؤرخين ، فإن قيل بأنها رواية ضعيفة، يقال بأن رواياتكم التهويلية في عدد الجيش والقتلى ليست بأحسن حال من هذه الرواية، ثالثا: لو سلمنا جدلاً بصحة هذا الحديث وخُلُوه من العلل وأن المعني بذلك هو أُم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فإن الألف قتيل والخمسمائة بل المائة قتيل كثير في فتنة بين المسلمين، ولا يعني بالضرورة أنهم عشرون أو ثلاثون ألف قتيل كما زعم كذبة المؤرخين.
وعلى ما تقدم فإنه يتبين أن حديث الحوأب مضطرب السند والمتن فلا تقوم به حجة في موضوع لا يصلح له إلا الأدلة القطعية، والحمد لله الذي تتم بنعمه الصالحات.

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:21 PM
ثم هنالك أمر هام لابد من الإشارة إليه يفهم منه أيضاً عدم مشاركة الصحابة في هذه الفتنة، وهو أنها قد نشأت عن غير إرادة من علي وعائشة وطلحة والزبير رضي الله عنهم أجمعين، بل كانوا كارهين لها راغبين في الصلح ليتسنى إقامة الحد على قتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه، يدلك على ذلك قول ابن الزبير لأبيه حينما أراد الرجوع "أو للقتال جئت! إنما جئت لتصلح بين الناس" ، وقول الزبير لعائشة حينما أرادت الرجوع "عسى الله أن يصلح بك بين الناس" ، وفي رواية ثانية "تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله بك" ، وسأل القعقاع عائشة رضي الله عنها: ما أقدمك؟ قالت: "للإصلاح بين الناس" كما ولم يثبت عن أحد من الصحابة أي دور في نشوب تلك الوقعة ولا سعى في إثارتها، وإنما الذي سعى لها وأضرمها بعد أن كادت لا تنشب بحدوث الصلح، هم قتلة عثمان رضي الله عنه، المعروفون بالثوار، والمقدر عددهم بألفين وخمسمائة شخص ، وكانوا ثلاثة مجموعات من مصر والكوفة والبصرة، وإنهم لما رأوا علياً يصطلح مع طلحة والزبير وعائشة، اجتمع من رؤوسهم جماعة كالأشتر النخعي وشريح بن أبي أوفى وعبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء وغلاب بن الهيثم وسالم ابن ثعلبة وغيرهم، وقالوا قولتهم المشهورة: "إن كانوا قد اصطلحوا فإنما اصطلحوا على دمائنا" ، ثم أضرموا نار الحرب بين الفريقين بأن أرسلوا فئة منهم ليلاً تقتل من أصحاب علي، ويصيحون: إن عائشة ومن معها يقاتلونكم فخذوا حذركم، وفئة تقتل من أصحاب طلحة والزبير، ويصيحون: إن علياً ومن معه يقاتلونكم فخذوا حذركم، فظن كل فريق أن صاحبه قد غدر به فكانت الوقعة، ثم انخرطوا في جيش علي يقتلون المسلمين ويحرضون على قتلهم ، وهذا من أكبر الأدلة على أن هذه الوقعة إنما كانت بين قتلة عثمان وبين سائر المسلمين، لا بين الصحابة أنفسهم كما يدعيها كذبة المؤرخين، ويدلك على ذلك أيضاً أن كعب بن سور قاضي البصرة لما قام بين الفريقين يحمل مصحفاً يدعوهم إلى الصلح ويناشدهم الله في دمائهم، فما زال حتى رشقه قتلة عثمان بالنبل فقتلوه رحمه الله تعالى ، ويدلك على ذلك أيضاً ما فعله حكيم بن جبلة من الاستفزاز وإنشاب الحرب واضرام نارها وكان أميراً على قومه في موقعة الجمل وهو أحد المشاركين في قتل عثمان رضي الله عنه، فقُتل في تلك الوقعة، وقُتل معه سبعون من قتلة عثمان من أهل البصرة ، فكان أول من أدرك ذلك عائشة أُم المؤمنين رضي الله عنها حين نشبت المعركة، فصارت تدعو وبصوت عال: "اللهم العن قتلة عثمان" فصار معسكرها يدعو بدعائها، ولما سمعها علي رضي الله عنه صار هو الآخر يدعو بدعائها ، كما وأدرك معسكرها ذلك فكانوا ينادون: "من لم يكن من قتلة عثمان فليكفف عنا، فإنا لا نريد إلا قتلة عثمان ولا نبدأ أحداً" .
أما ما يقال من أن عائشة أُم المؤمنين كانت تكره علياً بن أبي طالب بسبب موقفه منها يوم حادثة الإفك بتحريضه النبي صلى الله عليه وسلم على طلاقها، فخرجت لذلك يوم الجمل لقتاله متهمة إياه بقتل عثمان!.

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:22 PM
الجواب عليه: أولاً: يظن أصحاب هذه المقولة أنهم يتكلمون عن رعاع الناس وأوباشهم، ولا يعلمون أنهم يتكلمون عن أصحاب رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وعن نقلة دينه للناس جميعاً، الذين رضي الله عنهم ورسوله، والذين ليس في قلوبهم غلاً للذين آمنوا، والذين جعلهم الله أمنة لأُمة الإسلام، والذين اختارهم الله على جميع العالمين سوى النبيين والمرسلين!!!.
إن مقولتهم هذه لا أصل لها إنما هي من وحي كذبهم وافترائهم وحقدهم، فلم تثبت عن أحد من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم، بل لم تثبت عن علي بن أبي طالب صاحب الشأن، بل الثابت عنهم أن عائشة وطلحة والزبير إنما خرجوا للطلب بدم عثمان من قتلته وليس علياً منهم كما قد علمت آنفاً بالأدلة الصحيحة.
ثانياً: إنه صدر عن علي وعائشة رضي الله عنهما ما ينافي ذلك ويضحده، ففي كتاب الشريعة للآجري ودلائل النبوة للبيهقي عن عائشة رضي الله عنها قالت "إنه والله ما كان بيني وبين علي في القدم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها، وإنه لمن الأخيار، فقال علي: صدقت، والله ما كان بيني وبينها إلا ذلك، وإنها لزوج نبيكم في الدنيا والآخرة" ، وقيل إن قولهما هذا كان عقب موقعة الجمل .
ثالثا: أما الحكاية التي اتكئوا عليها في زعمهم فهي قول علي رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم "لم يضيق الله عليك، النساء سواها كثير" فقوله رضي الله عنه هذا إنما كان جواباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين استشاره فيما جرى لعائشة رضي الله عنها وفي فراقها، وليس تبرعاً منه بذلك، فإنه لما رآه مهموماً يستشيره في فراقها قال له ما قال مُسلياً له، وليس فيه لا صراحة ولا دلالة أنه أمره بطلاقها أو أشار عليه بذلك، سيما وأنه أردف ذلك بجملة أُخرى حذفها المفترون والمشككون من كلامهم كي يثبتوا مذهبهم الفاسد، وهي قوله رضي الله عنه "وإن تسأل الجارية تصدقك" ، أي اسأل جارية عائشة فهي التي تعرف بحالها أكثر مني، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأل الجارية قائلاً " أي بريرة هل رأيت شيئاً يريبك، قالت: لا والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها أمراً قط أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتاكله" ، فاطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقولها وسكن روعه، ثم ذهب وصعد المنبر خطيباً في الناس فقال: "من يعذرني في رجل آذاني في أهلي وما علمت عليهم إلا خيراً" ، يقصد عبد الله بن أُبي بن سلول رأس المنافقين.
هذا هو أصل الحكاية ولكن الحاقدين دوماً يختلقون الأكاذيب لإثبات مذاهبهم الفاسدة.

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:22 PM
فإن قيل: كيف تطالب عائشة بدم عثمان وتحرض الناس على ذلك وهي قد أمرت وحضت على قتله بقولها: "اقتلوا نعثلاً فإن نعثلاً قد كفر" وبقولها "إنما نقمنا على عثمان خصالاً ثلاثاً إمرة الفتى وضربة السوط وموقع الغمامة".

الجواب عليه: أولاً: هذه كذبات أخرى من كذبات المؤرخين، حيث لم تثبت في أي كتاب من الكتب المعتمدة الصحيحة سوى في كتب المؤرخين، فالرواية الأُولى في كتاب سيف وهو متفق على ضعفه ، ورواها الطبري في تاريخه من طريق سيف أيضاً وفي سنده مجاهيل، ورواها ابن الأثير من غير إسناد ، وأما الرواية الثانية ففي كتاب تاريخ بغداد وتاريخ دمشق وفي سندها عكرمة بن إبراهيم الأزدي ضعفه النسائي ويعقوب بن سفيان وغيرهما، وقال ابن معين وأبو داود: ليس بشيء ، وما كانت هذه حاله لا يصلح للاستدلال في مواضع الظنون فكيف فيما لا يصلح له إلا القطع واليقين، فمن باب أولى أنه لا يصلح للاستدلال، ثانياً: لقد ثبت عنها رضي الله عنها ما ينافي ذلك، كما قد علمت من مطالبتها بدم عثمان وإقامة الحد على قتلته، وثبت عنها أيضاً أنها حينما سئلت فيم قتل عثمان؟ فقالت "قتل مظلوماً، لعن الله قتلته" ، وحينما سُئلت أيضاً: أكتبتِ إلى الناس تأمرينهم بالخروج على عثمان؟ فقالت "والذي آمن به المؤمنون وكفر به الكافرون ما كتبت إليهم سواداً في بياض" قال الأعمش رحمه الله: فكانوا يرون أنه كتب على لسانها بدون علمها ، أضف إلى ذلك كله أن كذبة المؤرخين أوردوا في كتبهم أن علياً وعماراً وطلحة والزبير قد ألبوا على عثمان وحرضوا على قتله وليس عائشة وحسب، ولم يثبت شيء من ذلك والحمد لله الذي تتم بنعمه الصالحات.

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:23 PM
وقعـة صفين:
أما بالنسبة لوقعة صفين فهي كذلك كانت بسبب الثأر من قتلة عثمان أو قل كانت مع قتلة عثمان كما في وقعة الجمل، لا كما يصوره كذبة المؤرخين من أنها كانت نزاعاً بين علي ومعاوية على الخلافة، وذلك منهم لتشويه الحقائق للنيل من أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كما وقد خضعت جميع أحداثها للتشويه من قبل هؤلاء الكذبة كما ستعرف ذلك كله بالتفصيل بعد قليل.

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:24 PM
وأول أمر نتناوله: إخبارهم عن عدد من حضر هذه الوقعة، فهو كذلك مضطرب المتن لا تقوم به حجة على أن الصحابة اقتتلوا فيما بينهم أو قتل بعضهم بعضاً، فقد روى البيهقي في الدلائل بإسناد منقطع عن صفوان بن عمر قال " كان عدد أهل الشام ستين ألفاً، قُتل منهم عشرون ألفاً، وكان أهل العراق ماية وعشرين ألفاً قُتل منهم أربعون ألفاً" ، وفي كتاب صفين لابن مزاحم "عدد جيش علي ماية وخمسون ألفاً من أهل العراق، وعدد جيش معاوية نحو ذلك" ، وفي تاريخ خليفة "كان علي في مائة ألف يوم صفين وكان معاوية في سبعين ألف" ، ومنه أيضاً "جيش علي خمسون ألفاً" ، وفي مروج الذهب للمسعودي "عدد جيش علي يوم صفين تسعين ألفاً" ، وفي البداية والنهاية "كان عدد جيش علي خمسة وستين ألفاً وكمل في ثمانية وستين ألف فارس" ، وفي نفس المصدر" عدد كل فريق أكثر من مائة ألف" .
فهذا الاختلاف والاضطراب في عدد من شارك عموماً، أما اضطرابهم فيمن شارك في هذه الفتنة من الصحابة خصوصاً وهو ما يعنينا أكثر في هذه العجالة، فحدث ولا حرج أيضاً، وستجد فيه استماتة كذبة المؤرخين من شيعة وغير شيعة على إدخال ذكر الصحابة في هذه الفتن كما ستراه، للنيل من عدالتهم، لكنّ الحمد كله لله على نعمة الإسناد الذي كشف كذبهم وافتراءهم.
ففي تاريخ خليفة بن خياط من طريق يزيد بن عبد الرحمن وجعفر ابن أبي المغيرة وفيهما مقال ، عن عبد الرحمن بن أبزي قال "شهدنا مع علي ثمانمائة ممن بايع بيعة الرضوان" ، وفي بغية الطلب بتاريخ حلب بسند ضعيف من طريق أبي إسرائيل العبسي عن الحكم بن عتيبة "شهد صفين مع علي رضي الله عنه ثمانون بدرياً وخمسون ومائة ممن بايع تحت الشجرة" ، فأبو إسرائيل العبسي تركوه لأنه رافضي يشتم أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، والحكم بن عتيبة لم يدرك علياً ولا صفين، لأنه ولد سنة خمسين للهجرة أي بعد الفتنة بأربعة عشر عاماً ، كما وقد اتهم بالتدليس والتشيع ، ورواه الحاكم في المستدرك وسكت عنه من طريق الحكم أيضاً بلفظ " ومائتان وخمسون ممن بايع تحت الشجرة" ، وهذا يعني أضافة إلى انقطاعه أنه مضطرب المتن، وفي مستدرك الحاكم عن ابن سيرين قال: " ثارت الفتنة والصحابة عشرة آلاف لم يخفّ فيها منهم إلا أربعون رجلاً، ووقف مع علي بن أبي طالب مئتان وبضع وأربعون رجلاً من أهل بدر منهم أبو أيوب وسهل بن حنيف وعمار" ، فهذا خبر لا يصح سنداً ولا متناً، فأما سنداً: ففيه اسحق بن ابراهيم بن عباد الديري وهو ضعيف ، وأما متناً: ففيه اضطراب بين كونهم أربعين أو مائتين وأربعين، وأيضاً فإن في اشتراك أبي أيوب في هذه الفتنة اختلاف ، وفي تاريخ دمشق وبغية الطلب بتاريخ حلب أيضاً عن محمد بن علي وزيد بن حسن "شهد مع علي من أصحاب بدر سبعون رجلاً، وشهد معه ممن بايع تحت الشجرة سبعماية رجل فيما لا يحصى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" ، وفي إسناد هذه الرواية: عمرو بن شمر وجابر الجعفي كذابان ، إضافة إلى انقطاع سندها بين الرواة وبين علي بن أبي طالب، فلم يعاصروا الوقعتين، وفي بغية الطلب عن خباب بن يونس قال" شهد مع علي بن أبي طالب يوم صفين ثمانون بدرياً" ، خباب بن يونس هذا كذبه أهل الجرح والتعديل ، وفي كتاب صفين لابن مزاحم من طريق عمرو بن شمر وجابر الجعفي وهما كذابان: أن الأشتر النخعي قام يخطب ويحرض الناس على قتال أهل الشام، وكان مما قال: "واعلموا أنكم على الحق وأن القوم على الباطل يقاتلون مع معاوية، وأنتم مع البدريين قريب من مائة بدري ومن سوى ذلك من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم" ، وفي تاريخ اليعقوبي من غير إسناد "وكان مع علي يوم صفين من أهل بدر سبعون رجلاً وممن بايع تحت الشجرة سبعماية رجل ومن المهاجرين والانصار أربعماية رجل" ، وفي الإمامة والسياسة من غير إسناد أيضاً "شخص معه تسعماية راكب من وجوه المهاجرين والأنصار" ، وفي مروج الذهب من غير إسناد أيضاً : وكان ممن شهد صفين مع علي من أصحاب بدر سبعة وثمانون رجلاً، منهم سبعة عشر من المهاجرين وسبعون من الأنصار، وشهد معه من الأنصار ممن بايع تحت الشجرة تسعماية، وكان جميع من شهد معه من الصحابة ألفين وثمانمائة" ، وفي مسند الشاميين وتاريخ دمشق بإسناد ضعيف عن عبادة بن نسي قال: "خطبنا معاوية فقال: شهد معي صفين ثلاث مائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم" ، ففي إسناد هذه الرواية عمرو بن هزان عن أبيه وهما مجهولان ، وفيها أيوب بن سويد الرملي ضعفه أحمد والنسائي وغيرهما ، وقال الذهبي عن هذه الرواية: إسنادها لين ، وفي ميزان الاعتدال وغيره عن حبة العرني قال "كان مع علي في صفين ثمانون بدرياً" وحبة العرني متفق على ضعفه ، وفي تاريخ الطبري من طريق سيف بن عمرو عن الشعبي قال "بالله الذي لا إله إلا هو ما نهض في تلك الفتنة إلا ستة بدريين ما لهم سابع أو سبعة ما لهم ثامن" ، وفي وقعة الجمل لسيف "أن علياً استنفر أهل المدينة فلم يجبه إلا رجلان أحدهما من الأنصار وهو أبو الهيثم بن التيهان وخزيمة بن ثابت" ، وفي العلل ومعرفة الرجال لأحمد والسنة لأبي بكر الخلال بسند صحيح عن ابن سيرين قال "هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف، فما خفّ لها مائة بل لم يبلغوا ثلاثين" ، وفي السنة للخلال وتاريخ بغداد وغيرهما بسند حسن أنه قيل لشعبة وهو من كبار التابعين: إن أبا شيبة روى عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال" شهد صفين من أهل بدر سبعون رجلاً، قال: كذب والله- يعني أبا شيبة- ذاكرنا الحكم فما وجدنا شهد صفين غير خزيمة بن ثابت" ، فتكذيب شعبة هو لأبي شيبة لأنه ضعيف ومنكر الحديث ، وفي السنة للخلال بسند صحيح عن سعيد ابن المسيب قال: "وقعت الفتنة ولم يبق من أهل بدر أحد، ولم يبق من المهاجرين أحد" .
فهذا الاضطراب في متن هذه الروايات حتى ولو زعموا صحة إسنادها جميعها فهو موجب لضعفها وعدم اعتبارها وكأنها لم تكن، ومن ثم يعني أن أحداً من الصحابة لم يشارك في هذه الفتن، حالها كحال أي رواية مضطربة المتن لا يمكن الجمع بين رواياتها المختلفة المضطربة، حيث لا يمكن إصدار حكم على ما تناقض واضطرب، وأكثر ما يمكن فعله في الروايات المضطربة متناً إن جاز لنا ذلك هو الترجيح بينها مع شرط التسليم بأن فيها الصحيح والضعيف، فيرجح الصحيح على الضعيف، والمتفق على صحته على المختلف فيه، والمسند على غير المسند، وما طابق الواقع والأُصول على ما لم يطابق، فترجح روايات النفي على الإثبات، ولأنها أيضاً بأسانيد صحيحة كما قد علمت.
ثم لو سلمنا جدلاً أن بعض الصحابة شاركوا في هاتين الفتنتين مع المختلف في صحبتهم، على أكثر الروايات الصحيحة آنفاً فإنه لا يتجاوز عددهم ثلاثين من بين ثلاثمائة ألف مقاتل في الجمل وصفين حسب مجموع الروايات المزعومة، أي بنسبة واحد لعشرة آلاف، وبالنسبة لعدد الصحابة الذين مات عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على طريقة بعض أهل الحديث في معرفة الصحابي على ما تقدم ذكره بأنه كل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم ومات على الإسلام، فهم قرابة مائة ألف عدد من حج معه حجة الوداع، أي بنسبة ثلاثة لكل عشرة آلاف، وبالنسبة لعدد الصحابة على طريقة جمهور أهل الحديث والفقه والأُصول واللغة في معرفة الصحابي بأنه كل من لازم وعاشر النبي صلى الله عليه وسلم، فهم في أكثر ما يمكن ثلاثون ألفاً عددهم في غزوة تبوك، وكانت آخر غزوة للنبي صلى الله عليه وسلم، أي واحد لكل ألف.

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:24 PM
ومما يؤكد قلة عدد الصحابة الذين شاركوا في هذه الفتنة أو قل ندرتهم، أن علماء الطبقات والرجال حينما أحصوا من شارك من الصحابة فيها فلم يتجاوزوا الثلاثين، ومن ضمنهم المختلف في صحبتهم ، كحجر بن عدي، وبسر بن أبي أرطأة، وعمرو بن الحمق، والحسنين أبناء علي بن أبي طالب، والأشعث بن قيس، وسليمان بن صرد، وأبي الأعور السلمي، وجعدة بن هبيرة، والوليد بن عقبة، والضحاك بن قيس الفهري، وزيد بن صوحان، وجبير بن الحباب، ومعاوية بن خديج، وعبد الله بن بديل، وغيرهم، مما يعني أن ما نُسب إليهم أنهم شاركوا في هذه الفتنة ممن اتفق على صحبته هم أقل مما ذكر بكثير وربما لم يتجاوزوا العشرة من بين أكثر من مائتي ألف مقاتل حسب الروايات المذكورة آنفاً.
فلا يقول بعد كل هذا أن معركة الجمل وصفين كانت بين الصحابة إلا جاهل أو مغرض حاقد منافق يريد الطعن على أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لأن من المعلوم على ظاهر الكف عند علماء المسلمين قاطبة بشتى علومهم ومذاهبهم "أن الحكم للأغلب لا للنادر" ، وفي هاتين الوقعتين كان الأعم الأغلب أو قل الغالبية العظمى والساحقة من الجيش في رواياتهم، هم من المنافقين والسفهاء من قتلة عثمان ومن غيرهم، بل وقد كان رؤوسهم قادة في هاتين المعركتين كما تقدمت الإشارة إليه، وليس للصحابة فيها ذكر غير العشرة أو الخمسة عشر، والحمد لله الذي تتم بنعمه الصالحات.

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:25 PM
وبعد هذا التحقيق والتدقيق يتبين خطأ وبطلان ادعاء ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى مشاركة جمهور الصحابة في هذه الفتنة ، فقد خالف في ذلك ما رواه الثقات من التابعين ممن عاصر تلك الحقبة كما قد علمته عنهم آنفاً، فالعبرة بالدليل لا بما قيل ولو كان صاحبه من العلماء.
ومما يزيدك يقيناً أن هذا التهويل الذي يصوره لنا كذبة المؤرخين في عدد من شارك في صفين والجمل ما هو إلا كذب واختلاق، ذاك الاضطراب في عدد القتلى في تلك الفتنة أيضاً، ففي تاريخ خليفة "عدد القتلى سبعون ألفاً، خمسة وأربعون من أهل الشام، وخمسة وعشرون من أهل العراق" ، وفي مروج الذهب من غير إسناد " قتل يوم صفين من أهل الشام تسعون ألفاً، ومن أهل العراق عشرون ألفاً" ، وفي دلائل النبوة للبيهقي بسند فيه انقطاع "قُتل من أهل الشام عشرون ألفاً ومن أهل العراق أربعون ألفاً" ، وفي شرح الزرقاني على الموطأ من غير إسناد "قتل من أهل الشام سبعون ألفاً ومن أهل العراق عشرون وقيل خمسة وأربعون" ، وفي تاريخ بغداد "ستون ألفاً" ، وفي الفواكه الدواني للقيرواني من غير إسناد "قتل في صفين ألف وستماية" .
ومما يدلك على سقوط هذه الروايات لهذا العدد الهائل من القتلى عن الاعتبار فوق اضطرابها وعدم انضباطها ولو ادّعوا صحة أسانيدها، هو سقوط روايات عدد المشاركين الهائل في هذه الفتن عن الاعتبار لضعف أسانيدها واضطراب متنها كما قد علمت، فمن أين جاءوا بهذا العدد الهائل من القتلى؟!!.، لقد قرأنا عن معارك المسلمين مع الكفار كالقادسية واليرموك والجسر فلم يصل القتلى فيها جميعها إلى هذا العدد، مع أنها كانت معارك فيصلية بين الحق والباطل، فالقادسية لم يقتل فيها إلا ثمانية آلاف ونصف، واليرموك لم يقتل فيها إلا ثلاثة آلاف، والجسر لم يقتل فيها إلا أربعة آلاف، فلا يُصدق وقوع هذا العدد الهائل من القتلى في هاتين الفتنتين إلا جاهل أو منافق حاقد.
ثم أضف إليه اضطرابهم في مدة هذه الوقعة، فمن قائل تسعة أشهر ومن قائل سبعة أشهر ، ومن قائل ثلاثة أشهر ، ومن قائل مائة وعشرة أيام، ومن قائل سبعة وسبعون يوماً ، ومن قائل أربعون صباحاً ، ومن قائل بضعة أيام ، كل ذلك يدعو للتشكيك في وقوع هذه المعركة، إن لم يقطع بعدم وقوعها حسب ما يصوره كذبة المؤرخين.
فمعركة لا يُدرى عدد من حضرها ولا عدد من قتل فيها ولا كم استغرقت من الزمن، ليعني بالضرورة أنها كانت عبارة عن مناوشات هنا وهناك، لا كما يصوره كذبة المؤرخين من أنها معركة طاحنة بين جيشين عظيمين لم تشهد الأمة مثلها، سيما وأنه لم يثبت أنه تجاوز عدد القتلى من الطرفين فيها طيلة هذه المدة أكثر من مائة شخص، فانظر إلى رواياتهم التي تفضح كذبهم، فقد رووا لنا كما قد علمت أنه قتل في صفين قرابة مائة ألف، وكانوا يعدونهم بالقصب كما في تاريخ خليفة عن ابن سيرين وفي سنده عبد الأعلى مختلف في عدالته ، والسؤال هو: متى كان العد؟ أفي أول يوم أم في آخر يوم؟ وقد استغرقت المعركة في معظم رواياتهم أكثر من ثلاثة أشهر، فإن كان العد في أول يوم من أيامها فإنه يدل على كذب دعواهم هذه المدة لأن المعركة بعد العد قد انتهت فلا قتل ولا قتال، وإن كان العد في آخر يوم من أيامها فإنه يدل على كذب دعواهم استمراريتها طيلة هذه المدة الكبيرة، فتسقط رواياتهم من هذا الوجه أيضاً، فإن زعموا أن هذا العدد من القتلى سقط طيلة هذه المدة، فيا لله العجب جثث ظلت ملقاة على الأرض وفي الأودية طيلة ثلاثة شهور أو أكثر وفي آخر يوم قاموا بِعَدّها!!!! ألم تتعفن هذه الجثث ألم تنهشها الوحوش والزواحف؟!!!، فهل يصدق إلا غبي أن الصحابة وعلى رأسهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعنهم يتركون القتلى من غير دفن طيلة هذه المدة المزعومة!!!.

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:25 PM
ثم وأعجب من ذلك أن كذبة المؤرخين رووا ما يناقض هذا، ففي كتاب صفين لنصر بن مزاحم عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي يقول عن أهل صفين في أثناء المعركة : "وكانوا إذا تحاجزوا دخل هؤلاء في عسكر هؤلاء وهؤلاء في عسكر هؤلاء فيستخرجون قتلاهم فيدفنونهم" ، أي لم ينتظروا حتى انتهاء المعركة أو ليعدّوهم مع بقية القتلى، وإنما كانوا يدفنونهم أولاً بأول.

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:26 PM
ثم وأكثر من ذلك أنه جاء في بعض الروايات أنهم كانوا يدفنون كل خمسين رجل في قبر واحد ، وبما أن عددهم وصل إلى مائة ألف قتيل فإنه يعني أنهم صلوا عليهم ألفي صلاة، ومما يعني أيضاً أن حفر قبورهم بهذا الحجم وتجهيزها وتجهيزهم للصلاة عليهم استغرقهم عدة أيام أو قل عدة أسابيع، وهذا يعني أن قتلاهم ظلوا منبوذين في العراء طيلة هذه المدة!!، لا يصدق هذا الكلام إلا جاهل أو حاقد، ويكفيك أن هذه الرواية منقطعة الإسناد، فإن راويها هو الزهري رحمه الله تعالى، ولم يدرك علياً ولا صفين .

إنهم يقصدون من مثل هذه الروايات البعيدة عن الأخلاق والمروءة والتقوى، والقريبة من الجاهلية، هو إيغار صدورنا على أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

لذا فإن كتب صفين والجمل من أخطر ما كتب في التحريض ضد الصحابة، فيحظر على عوام الناس قراءتها، ولقد صدق الإمام يحيى بن يحيى بقوله: "من نظر في كتاب صفين حمله على سب الصحابة" ، لأن كذبة المؤرخين من شيعة وغير شيعة حشوا في إخبارهم عنها من أقوال وأفعال نسبوها للصحابة زوراً وبهتاناً وتشويهاً للحقائق كعادتهم تصل إلى حد الخرافات، وخصوصاً في المراسلات بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، وفي خطبهم التحريضية على قتال بعضهم لبعض مما يوهم الناس أن تلك المعارك إنما كانت بين الصحابة أنفسهم وأنهم قتلوا بعضهم بعضاً ولم يحفظوا فيها حرمة لدم ولا لدين.

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:26 PM
فمن ذلك: ما رواه لوط بن يحيى أبو مخنف رأس كذبة المؤرخين ، أن علي بن أبي طالب قال: "عباد الله امضوا إلى حقكم وقتال عدوكم، فإن معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي معيط وحبيب بن مسلمة وابن أبي السرح والضحاك بن قيس ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، أنا أعرف بهم منكم، صحبتهم أطفالاً وصحبتهم رجالاً فكانوا شر أطفال وشر رجال" .
ومن ذلك: ما رواه نصر بن مزاحم من طريق عمرو بن شمر وجابر الجعفي وهما كذابان : أن علياً رضي الله عنه خطب بصفين فكان مما قال: "وقد عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم عهداً فلن أحيد عنه، وقد حضرتم عدوكم وقد علمتم من رئيسهم منافق ابن منافق يدعوهم إلى النار، وابن عم نبيكم معكم بين أظهركم يدعوكم إلى الجنة وإلى طاعة ربكم، ويعمل بسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، فلا سواء من صلى وكبر قبل كل ذكر، لم يسبقني بصلاتي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا من أهل بدر ومعاوية طليق ابن طليق" .

ومن ذلك: ما رواه لوط بن يحيى أبو مخنف ونصر بن مزاحم وهما كذابان ، أن علياً رضي الله عنه بعث عدي بن حاتم وشبث بن ربعي إلى معاوية رضي الله عنه يدعوانه إلى الطاعة والجماعة، فكان مما قاله معاوية
لهما: أما بعد فإنكم دعوتم إلى الطاعة والجماعة، فأما الجماعة فنعما هي، وأما الطاعة لصاحبكم فإنا لا نراها، إن صاحبكم قتل خليفتنا وفرق جماعتنا وآوى ثأرنا وقتلتنا، وصاحبكم يزعم أنه لم يقتله، فنحن لا نرد ذلك عليه، أرأيتم قتلة صاحبنا؟ ألستم تعلمون أنهم أصحاب صاحبكم؟ فليدفعهم إلينا فلنقتلهم به، ونحن نجيبكم إلى الطاعة والجماعة، فقال له شبث بن ربعي: أيسرك بالله يا معاوية إن أمكنت من عمار بن ياسر فقتلته؟ قال: وما يمنعني من ذلك؟ والله لو أمكني صاحبكم من ابن سمية ما قتلته بعثمان، ولكن كنت أقتله بنائل مولى عثمان بن عفان .

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:27 PM
ومن ذلك: ما رواه لوط بن يحيى أبو مخنف ونصر بن مزاحم وهما من هما في الكذب، "أن معاوية رضي الله عنه بعث إلى علي بن أبي طالب حبيب بن مسلمة الفهري وشرحبيل بن السمط ومعن بن يزيد الأخنس فكان مما قالوا لعلي: ادفع لنا قتلة عثمان إن زعمت أنك لم تقتله نقتلهم به، ثم اعتزل أمر الناس فيكون أمرهم شورى بينهم يولي الناس أمرهم من أجمع عليه رأيهم" فكان مما قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه لهم: أما بعد فإن الله جل ثناؤه بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق فأنقذ به من الضلالة وانتاش به من الهلكة وجمع به من الفرقة، ثم قبضه الله إليه وقد أدى ما عليه صلى لله عليه وسلم، ثم استخلف الناس أبا بكر رضي الله عنه، واستخلف أبو بكر عمر رضي الله عنه، فأحسنا السيرة وعدلا في الأُمة، وقد وجدنا عليهما أن توليا علينا ونحن آل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فغفرنا ذلك لهما، وولي عثمان رضي الله عنه فعمل بأشياء عابها الناس عليه، فساروا إليه فقتلوه، ثم أتاني الناس وأنا معتزل أُمورهم، فقالوا لي بايع فأبيت عليهم، فقالوا لي بايع فإن الأُمة لا ترضى ألا بك، وإنا نخاف إن لم تفعل أن يفترق الناس، فبايعتهم فلم يرعني إلا شقاق رجلين قد بايعاني، وخلاف معاوية الذي لم يجعل الله عز وجل له سابقة في الدين ولا سلف صدق في الإسلام طليق ابن طليق، حزب من هذه الأحزاب، لم يزل لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين عدواً هو وأبوه حتى دخلا في الإسلام كارهين، فلا غرو إلا خلافكم معه وانقيادكم له، وتدعون آل نبيكم صلى الله عليه وسلم الذين لا ينبغي لكم شقاقهم ولا خلافهم ولا أن تعدلوا بهم من الناس أحداً، فقالوا له: اشهد أن عثمان رضي الله عنه قتل مظلوماً، فقال: لا أقول إنه قتل مظلوماً ولا أنه قتل ظالماً، قالوا: فمن لم يزعم أن عثمان قتل مظلوماً فنحن منه براء ثم قاموا وانصرفوا" .

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:27 PM
ومن ذلك أيضاً: ما رواه نصر بن مزاحم وأبو مخنف: "وكان علي عليه السلام إذا صلى الغداة والمغرب وفرغ من الصلاة يقول: اللهم العن معاوية وعمراً وأبا موسى وحبيب بن مسلمة والضحاك بن قيس والوليد ابن عقبة وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد، فبلغ ذلك معاوية، فكان إذا قنت لعن علياً وابن عباس وقيس بن سعد والحسن والحسين" .
فهذه الروايات وما شاكلها كلها كذب وافتراء على علي ومعاوية رضي الله عنهما، فهي من طريق الأفاكين الكذابين كما قد علمت من حالهم، وذلك منهم لإيغار صدور المسلمين على أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أضف إليه أن الثابت عن علي ومعاوية رضي الله عنهما غير ذلك، فقد رد علي بن أبي طالب رضي الله عنه على من سب أهل الشام يوم صفين قائلاً "لا تسبوا أهل الشام جماً غفيراً فإن فيهم قوماً كارهون لما ترون" ، وقال: "لا تكرهوا إمارة معاوية فإنكم إن فقدتموه سترون الرؤوس تندر عن كواهلها كالحنظل" ، وفي كتب كذبة المؤرخين عن علي رضي الله عنه أنه كان ينهى أصحابه يوم صفين وقد سبوا أهل الشام قائلاً لهم: "كرهت لكم أن تكونوا لعانين، ولكن قولوا: اللهم احقن دماءنا ودماءهم وأصلح ذات بيننا وبينهم" ، وفيها أيضاً أن علياً قال: "وبدأ أمرنا أنا التقينا والقوم من أهل الشام والظاهر أن ربنا واحد ونبينا واحد ودعوتنا في الإسلام واحدة، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله، ولا يستزيدونا، فالأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء" ، وكذلك فعل معاوية رضي الله عنهم أجمعين، فقد كان إذا نزلت به نازلة أثناء الفتنة ولم يعرف جوابها كان يسأل عنها علي بن أبي طالب، فكان علي يجيبه عنها ، ومرة سُئل عن مسألة فقال للسائل: سل عنها علي بن أبي طالب فهو أعلم مني بها، قال: قولك أحب إلي من قول علي، قال بئس ما قلت" ، ولما بلغه موت علي بن أبي طالب قال: ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب، فقال له أخوه عتبة: لا يسمع هذا منك أهل الشام، فقال له: دعني منك" ، وقوله لزوجته لما استنكرت عليه بكاءه لموت علي: "إنك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم" ، وخلى لجيش علي يوم صفين عن الماء ليشربوا .

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:28 PM
لذا فلا يظن عاقل أن من كانت هذه أخلاقهم قد يقولون في بعضهم ما زعمه كذبة المؤرخين فضلاً عن قتل بعضهم بعضاً، إضافة إلى كذب أسانيدها.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن ما زُعم عن معاوية بن أبي سفيان أنه أمر بسبّ علي بن أبي طالب على المنابر، فهو من مرويات الشيعة وكذبة المؤرخين ، وأكثر ما يحتجون به على ذلك غير ما تقدم من الروايات التاريخية، ما رواه مسلم والترمذي وغيرهما من طريق بكير بن مسمار عن سعد بن أبي وقاص أن معاوية قال له :"ما منعك أن تسب أبا تراب" فذكر سعد ثلاث خصال لعلي تمنع من سبه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له {أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي}، وقال{لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله، فقال ادعوا لي علياً فأتى به أرمد فبصق في عينيه ودفع الراية إليه} ولما نزل قوله تعالى {قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم} دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال{ هؤلاء أهلي} .
فهذه الرواية لا يشفع لها مجرد وجودها في صحيح مسلم أو في سنن الترمذي، لأن في إسنادها بكير بن مسمار مختلف عليه، فلينه ابن حبان وابن حزم، وقال عنه البخاري: فيه نظر ، وهذا يضعف الاستدلال به، أضف إليه وجود اضطراب في متن الرواية، فرواها البخاري وأحمد وغيرهما من طريق ابن مسمار من غير ذكر السب ، ثم ليس في الرواية ما يدل على أن معاوية أمر سعداً بسب علي لا على المنابر ولا على غير المنابر، فكل ما في الرواية أن معاوية سأل سعداً عن السبب الذي منعه من سب علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، فأجابه عن السبب، وانتهت المسألة عند هذا الجواب، دون إنكار من معاوية عليه، أو أمره بسبه.

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:28 PM
ومما يحتجون به أيضاً ما رواه ابن ماجة في سننه "أن سعداً دخل على معاوية، فذكروا علياً فنالوا منه فغضب سعد" فهذه الرواية أيضاً لا تصلح للاستدلال على أن معاوية سبّ علياً أو أمر بسبه على المنابر كما يزعمون، ففي إسنادها أبو معاوية محمد بن خازم الضرير، وابن سابط، وفيهما كلام، أما أبو معاوية: فإنهم اتهموه بالتدليس والارجاء ، وعن أحمد والنسائي وابن خراش وغيرهم أنه إن روى عن غير الأعمش فليس بحجة ، ورواية السبّ هذه رواها عن ابن سابط لا عن الأعمش، وأما ابن سابط: فقال عنه ابن معين: إنه لم يسمع من سعد بن أبي وقاص ، مما يعني أنها رواية منقطعة لا تقوم بها حجة، أضف إليه أنه ليس فيها تصريح بأن معاوية أمر بسب علي لا على المنابر ولا على غير المنابر.
ثم من المحال عند العقلاء على من اشتهر عنه العدل والحلم كمعاوية أن يأمر بذلك أو يسكت عنه، فإذا لم يفعله أثناء الفتنة فكيف بعدها؟!! بل وبعد موت علي رضي الله عنه؟!!

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:29 PM
ثم أمر آخر وهو فيصلي في مثل هذه القضية أن ما يشاع بأن معاوية بن أبي سفيان أمر بسب علي على المنابر دون أن يُروى ذلك بالتواتر فهو كذب وافتراء، لأنه يكون مما عمت به البلوى واطلع عليه وسمعه المئات بل الألوف، وتوفرت الدواعي على نقله بالتواتر، فلما لم يكن فقد دل على كذبه ولو صح عن آحاد الثقات، هذا ما عليه أئمة المسلمين على مر العصور، فكيف وهو عن روايات عرجاء لم تصح؟!! ، وأما ما قيل من أن سبه رضي الله عنه على المنابر استمر إلى أن منعه عمر بن عبد العزيز، فهو كذلك كذب وافتراء فلم يرو ذلك إلا في كتب التاريخ كما في الطبقات الكبرى لابن سعد ، من طريق لوط بن يحيى وهو من كذبة المؤرخين كما قد علمت.
ثم نعود إلى مرويات صفين، فهنالك روايات أُخرى من طريق كذبة المؤرخين أيضاً تتحدث عن أحوال المقاتلين في تلكما الموقعتين وعن دقائقها، فيها من المبالغة والسخافة والاستهزاء بالصحابة ما فيها، لتؤكد على كذبها فوق كذب إسنادها، فهي تتحدث عن أشياء لا يعرفها أحد إلا الله تعالى ثم الكاميرا الخفية، لأن الذين رووها لم يكونوا من المشاركين فيها ولا رووها عن أحد ممن شارك.
على نحو ما رواه الشيعي أبو الحسن المسعودي من غير إسناد أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قتل في موقعة صفين خمسمائة وثلاثة وعشرين رجلاً، وذلك أنه كان إذا قتل قتيلاً كبر إذا ضرب، ثم زعم المسعودي أنه ذكر ذلك من كان يليه في حربه ولا يفارقه من ولده وغيرهم، دون أن يبين من هم ولا سند ذلك .
وعلى نحو ما رواه المسعودي من غير إسناد أيضاً أن عمرو بن العاص كشف في المعركة لعلي بن أبي طالب عن عورته فتركه علي .
وعلى نحو ما رواه الطبري من طريق سيف بن عمر الضبي وهو متروك باتفاق ، أن رجلاً ضرب حكيم بن جبلة فقطع رجله، فحبا حتى أخذها فضرب بها صاحبه فأصاب جسده فصرعه وأتاه فقتله ثم اتكأ عليه .
وعلى نحو ما رواه غير واحد عن المقاتلين من نظمهم للشعر أثناء الاقتتال، وكأنهم في مبارزة شعرية لا في حرب، إلى غير ذلك من الحكايات والقصص البعيدة عن الحقيقة والقريبة من الخرافة فوق كونها من طريق الضعفاء والكذبة.

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:29 PM
ومن الروايات المضطربة والمتناقضة في هذه الفتن المزعومة أيضاً والتي لا تقل أهمية عن عدد المشاركين والقتلى فيها، لتدلل على تأكيد كذبها، ألا وهي روايات رفع المصاحف والصلح بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، حيث مرة تبين قبول علي للصلح بمحض اختياره ومرة يجبر عليه من أصحابه وهو الخليفة.
فقد روى الإمام أحمد عن شقيق بن سلمة قال: "كنا بصفين فلما استحر القتل بأهل الشام اعتصموا بتل فقال عمرو بن العاص لمعاوية أرسل إلى علي بمصحف فادعه إلى كتاب الله فإنه لا يأبى عليك ذلك، فجاء به رجل، فقال بيننا وبينكم كتاب الله {ألم تر إلى الذين أُتوا نصيباً من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم بعد ذلك وهم معرضون} فقال علي: وأنا أولى بذلك، بيننا وبينكم كتاب الله" .
غير أن كذبة المؤرخين كأبي مخنف ونصر بن مزاحم رووا ما يناقضها، ففي وقعة صفين لابن مزاحم من طريق عمر بن سعد بن أبي الصيد الأسدي ، وتاريخ الطبري من طريق شيخ كذبة المؤرخين أبي مخنف واللفظ له، أن علياً قال لأصحابه: "ويحكم ما رفعوا المصاحف لكم إلا خديعة ودهناً ومكيدة، فقالوا له: ما يسعنا أن نُدعى إلى كتاب الله عز وجل فنأبى أن نقبله، فقال لهم: فإني إنما قاتلتهم ليدينوا بحكم هذا الكتاب، فإنهم عصوا الله عز وجل فيما أمرهم ونسوا عهده ونبذوا كتابه، فقال له مسعر بن فدكي التميمي وزيد بن حصين الطائي في عصابة معهما من القراء الذين صاروا خوارج بعد ذلك: يا علي، أجب إلى كتاب الله عز وجل إذ دعيت إليه، وإلا ندفعك برمتك إلى القوم، أو نفعل كما فعلنا بابن عفان، فقال: احفظوا عني نهيي إياكم ومقالتي لكم، أما أنا فإن تطيعوني تقاتلوا، وإن تعصوني فاصنعوا ما بدا لكم" .
ثم هنالك رواية ثالثة من طريق كذبة المؤرخين أيضاً لا ذكر فيها لا لعمرو بن العاص ولا للمكر والكيد والخديعة، وإنما كانت فكرة الاحتكام إلى كتاب الله رغبة الفريقين، فقد روى نصر بن مزاحم من طريق عمرو بن شمر وجابر الجعفي وهما كذابان، عن صعصعة بن صوحان قال: "إن الأشعث بن قيس قام في أصحابه ليلة الهرير يوم صفين، وكان مما قال: إنا إن نحن تواقفنا غداً إنه لفناء العرب وضيعة الحرمات، والله ما أقول هذه المقالة جزعاً من الحتف ولكني رجل مسن أخاف على النساء والذراري غداً إذا فنينا، قال صعصعة: فانطلقت عيون معاوية إليه بخطبة الأشعث، فقال: أصاب ورب الكعبة، لئن نحن التقينا غداً لتميلن الروم على ذرارينا ونسائنا ولتميلن أهل فارس على نساء أهل العراق وذراريهم، وإنما يبصر هذا ذوو الأحلام والنهى، اربطوا المصاحف على أطراف القنا، قال صعصعة: فثار أهل الشام فنادوا في سواد الليل: يا أهل العراق من لذرارينا إن قتلتمونا؟ ومن لذراريكم إن قتلناكم؟ الله الله في البقية، فأصبح أهل الشام وقد رفعوا المصاحف على رؤوس الرماح وقلدوها الخيل، ونادوا يا أهل العراق: كتاب الله بيننا وبينكم.

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:30 PM
ثم تقول الرواية: وقام الناس إلى علي فقالوا: أجب القوم إلى ما دعوك إليه فإنا قد فنينا، فقام علي فقال:إنه لم يزل أمري معكم على ما أُحب إلى أن أخذَتْ منكم الحرب، وقد والله أخذَت منكم وتَرَكَتْ، وأخَذَت من عدوكم فلم تترك، وإنها فيهم أنكى وأنهك، إلا إني كنت أمس أمير المؤمنين فأصبحت اليوم مأموراً، وكنت ناهياً فأصبحت منهياً، وقد أحببت البقاء وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون" .
فأنت كما ترى في هذه الروايات فإنها مرة تبين أن علياً كان مُكرها على الصلح من قبل أصحابه وهو الخليفة، ومرة يقبل الصلح باختياره دون إكراه، ومرة تذكر أن فكرة الصلح والاحتكام إلى كتاب الله فكرة خبيثة مخادعة ماكرة صاحبها عمرو بن العاص رضي الله عنه، ومرة تبين أنه لا علاقة لا لعمرو بن العاص ولا للمخادعة والمكيدة فيها، وإنما هي فكرة الطرفين للخروج من الفتنة، فروايات هذه حالها ولو صح إسنادها فهي ساقطة عن الاعتبار ولا حجة فيها لاضطرابها وتناقضها، فكيف وهي كذب؟! فلا حجة فيها من باب أولى قولاً واحداً.
ثم إضافة إلى اضطراب هذه الروايات وتناقضها، فإنها تتعارض مع ما صح إسناده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "إنه سيكون بعدي اختلاف وأمر، فإن استطعت أن تكون السلم فافعل" .

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:31 PM
ومن الروايات المضطربة والمتناقضة أو قل المتهافتة المختلقة المكذوبة على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم للنيل من عدالتهم، ما روي في قصة الحكمين بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، وهما عمرو بن العاص من طرف أهل الشام وأبي موسى الأشعري من طرف أهل العراق، فتصف هذه الروايات علياً رضي الله عنه بالضعيف المكره على قبول أبي موسى الاشعري حَكَماً، وتصف عمرو بن العاص بالماكر والمخادع، وتصف أبا موسى الأشعري بالمغفل، وحاشاهم رضي الله عنهم من هذا البهتان.
ومن هذه الروايات ما رواه نصر بن مزاحم عن عمرو بن شمر وجابر الجعفي وهما كذابان كما قد علمت، عن محمد بن علي قال: "لما أراد الناس علياً أن يضع الحكمين، قال لهم: إن معاوية لم يكن ليضع لهذا الأمر أحداً هو أوثق برأيه ونظره من عمرو بن العاص، وانه لا يصلح للقرشي إلا مثله، فعليكم بابن عباس فارموه به، فإن عمرأً لا يعقد عقدة إلا حلها عبد الله، ولا يحل عقدة إلا عقدها، ولا يبرم أمراً إلا نقضه، ولا ينقض أمراً إلا أبرمه، فقال الأشعث: لا والله لا يحكم فينا مضريان حتى تقوم الساعة، ولكن اجعل رجلا من أهل اليمن إذ جعلوا رجلاً من مضر، فقال علي: إني أخاف أن يُخدع يمنيكم، فإن عمراً ليس من الله في شيء إذا كان له في أمر هوى، فقال الأشعث: والله لأن يحكما ببعض ما نكره وأحدهما من أهل اليمن أحب إلينا من أن يكون بعض ما نحب في حكمهما وهما مضريان، فقال علي: قد أبيتم إلا أبا موسى، قالوا نعم، قال: فاصنعوا ما شئتم" .

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:31 PM
وروى الطبري من طريق أبي مخنف نحو ذلك بألفاظ متغايرة فيها تحريض على الصحابة، جاء فيها أن علياً قال: "فإنكم قد عصيتموني في أول الأمر، فلا تعصوني الآن، إني لا أرى أن أُولي أبا موسى، فقال الأشعث وزيد بن حصين الطائي ومسعر بن فدكي: لا نرضى إلا به، فإنه ما كان يحذرنا منه وقعنا فيه، قال علي: فإنه ليس لي بثقة، قد فارقني وخذل الناس عني ثم هرب مني حتى آمنه بعد شهر، ولكن هذا ابن عباس نوليه ذلك، قالوا: ما نبالي أنت كنت أم ابن عباس، لا نريد إلا رجلاً هو منك ومن معاوية سواء، ليس إلى واحد منكما بأدنى منه إلى الآخر، فقال علي: فإني أجعل الأشتر –النخعي- فقال الأشعث بن قيس: وهل سعر الأرض غير الأشتر، وهل نحن إلا في حكم الأشتر، قال علي: وما حكمه؟ قال: حكمه أن يضرب بعضنا بعضاً بالسيوف حتى يكون ما أردت وما أراد، قال: فقد أبيتم إلا أبا موسى، قالوا: نعم، قال: فاصنعوا ما أردتم" .
ومن هذه الروايات أيضاً ما رواه الطبري من طريق أبي مخنف رأس كذبة المؤرخين عن أبي جناب الكلبي وهو متروك وضعيف أيضاً عند الجمهور ، أن عمرو بن العاص احتال على أبي موسى الأشعري بخلع علي واثبات معاوية، جاء فيها: "فخطب أبو موسى الناس فقال: أيها الناس إنا قد نظرنا في أمر هذه الأمة فلم نر أمراً أصلح لها ولا ألم لشعثها من رأي اتفقت أنا وعمرو عليه وهو أن نخلع عليا ومعاوية ونترك الأمر شورى وتستقبل الأمة هذا الأمر فيولوا عليهم من أحبوه، وإني قد خلعت علياً ومعاوية، ثم تنحى وجاء عمرو فقال: إن هذا قد قال ما سمعتم، وإنه قد خلع صاحبه، وإني قد خلعته كما خلعه وأثبت صاحبي معاوية" .

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:32 PM
وقد روى نحو ذلك ابن سعد في طبقاته الكبرى وابن عساكر في تاريخه من طريق الواقدي وأبي بكر بن أبي سبرة ، وهما متروكان ضعيفان عند الجمهور .
فإن هذه الروايات فوق كونها كذباً لا يصح منها حرف واحد، فإنها تخالف الواقع والقضية المتنازع عليها، أما مخالفتها للواقع: فإن معاوية لم يكن خليفة حتى يخلع مع علي ثم يختار الناس واحداً غيرهما، وأما القضية المتنازع عليها فهي قضية قتلة عثمان كما قد علمت آنفاً، لا النزاع على الخلافة، فبان بذلك كذب هذه الروايات بجميع طرقها فوق كذب إسنادها والحمد لله رب العالمين.
ثم هنالك رواية ثانية مع ضعفها لانقطاعها، لا ذكر فيها لا لخلع علي ومعاوية رضي الله عنهما ولا للغفلة والمكر والخديعة، وهي كما في تاريخ الطبري ومصنف عبد الرزاق عن الزهري قال: "فأصبح أهل الشام قد نشروا مصحفهم ودعوا إلى ما فيها، فهاب أهل العراق، فعند ذلك حكّموا الحكمين، فاختار أهل العراق أبا موسى الأشعري، واختار أهل الشام عمرو بن العاص، فتفرق أهل صفين حين حُكّم الحكمان، فاشترطا أن يرفعا ما رفع القرآن ويخفضا ما خفض القرآن، وأن يختارا لأُمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأنهما يجتمعان بدومة الجندل، فإن لم يجتمعا لذلك اجتمعا من العام المقبل بأذرح" ثم قال: "فلما اجتمع الحكمان بأذرح وتكلما قال عمرو بن العاص: يا أبا موسى أأنت على أن نُسمي رجلا يلي أمر هذه الأُمة، فسمه لي فإن أقدر على أن أتابعك فلك علي أن أتابعك، وإلا فلي عليك أن تتابعني، قال أبو موسى: أُسمي لك عبد الله بن عمر، وكان ابن عمر فيمن اعتزل، قال عمرو: إني أسمي لك معاوية بن أبي سفيان، فلم يبرحا مجلسهما حتى استبا، ثم خرجا إلى الناس، فقال أبو موسى: إني وجدت مثل عمرو مثل الذين قال الله عز وجل {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها} فلما سكت أبو موسى تكلم عمرو فقال: أيها الناس وجدت مثل أبي موسى كمثل الذي قال عز وجل {مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا} وكتب كل واحد منهما مثله الذي ضرب لصاحبه إلى الأمصار" .

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:32 PM
فهذه الرواية رغم مغايرتها للتي سبقتها فإنها أيضاً ضعيفة لأنها منقطعة، فالزهري لم يدرك علياً ولا صفين فقد ولد سنة خمسين للهجرة أي بعد الفتنة بأكثر من عشرة أعوام، بل اعتبر العلماء أن ما لم يسنده الزهري من المراسيل فلا حجة فيه، فقال الشافعي وابن معين والقطان وغيرهما: مراسيل الزهري ليست بشيء ، والحمد لله على نعمة الإسناد.
ثم هنالك رواية ثالثة تغاير اللتين سبقتاها أيضاً، تدلل على اضطراب هذه الحكاية وإسقاطها عن الاعتبار، فقد روى ابن عساكر والدارقطني واللفظ له عن حضين بن المنذر قال: "لما عزل عمرو معاوية جاء حضين بن المنذر فضرب فسطاطه قريباً من فسطاط معاوية، فبلغ نبأه معاوية، فأرسل إليه فقال: إنه بلغني عن هذا - أي عمرو- كذا وكذا، فاذهب فانظر ما هذا الذي بلغني عنه، فأتيته فقلت: أخبرني عن الأمر الذي وليت أنت وأبو موسى كيف صنعتما فيه؟ قال: قد قال الناس فيه في ذلك ما قالوا، والله ما كان الأمر على ما قالوا، ولكن قلت لأبي موسى: ما ترى في هذا الأمر؟ قال: أرى أنه في النفر الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فقلت: أين تجعلني أنا ومعاوية؟ فقال: إن يستعن بكما ففيكما معونة، وإن يستغن عنكما فطالما استغنى أمر الله عنكما، قال: فكانت هي التي قتل معاوية منها نفسه" .
فهذه الرواية وإن اختلفت عن مرويات كذبة المؤرخين آنفاً من حيث عدم ذكرها لما زعموه من غفلة أبي موسى ومكر عمرو، إلا أنها متفقة معها في خلع الرجلين، مع أن القضية ليست فيمن يكون خليفة، بل فيمن يقتل قتلة عثمان كما تقدم ذكره عن طلحة والزبير وعائشة ومعاوية وعلي، ولعلك تسأل أيضاً كيف يتوصل الحكمان إلى خلع الرجلين ولم نسمع عن أحد أن علياً تنازل عن الخلافة نزولاً لحكم الحكمين، أو قام الناس باختيار غيره خليفة لهم، بل المعروف يقينا أنه رضي الله عنه كان الخليفة واستمر فيها إلى أن قتله الخارجي ابن ملجم، فهذا كله يرد هذه الروايات صحيحها وسقيمها، إضافة إلى اضطراب متنها وتناقضه.

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:33 PM
ومن الروايات التالفة والمتناقضة في موضوع التحكيم المزعوم ما ورد في كتاب الخوارج لأحد كذبة المؤرخين وهو الهيثم بن عدي ، جاء فيه: "أن الأشعث بن قيس لما ذهب إلى معاوية بالكتاب-أي كتاب الصلح- وفيه: هذا ما قاضى عبد الله علي أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان، قال معاوية: لو كان أمير المؤمنين لم أُقاتله، ولكن ليكتب اسمه وليبدأ به قبل اسمي لفضله وسابقته، فرجع إلى علي فكتب كما قال معاوية" .
ورواها الطبري نحو ذلك من طريق أبي مخنف وابن مزاحم من طريق عمر بن سعد الأسدي ، وهم من هم في الضعف والكذب، جاء فيها أن الذي رفض كتابة أمير المؤمنين في عقد الصلح هو عمرو بن العاص لا معاوية بن أبي سفيان، فبان بذلك الاضطراب فوق كذب الرواية وتلفيقها على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم لم يكتف كذبة المحدثين والمؤرخين أن كذبوا على الصحابة في موضوع التحكيم بل كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً، فروي عنهم روايتان إحداهما عند البيهقي وابن عساكر عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن هذه الأُمة ستختلف فلا يزال اختلافهم بينهم حتى يبعثوا حكمين ضلا وضل من اتبعهما" ، والثانية عند الطبراني وابن عساكر عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يكون في هذه الأمة حكمان ضالان، ضال من اتبعهما" ، ففي إسناد الرواية الأُولى زكريا بن يحيى الكندي الأعمى: قال عنه يحيى بن معين: ليس بشيء ، وفي الرواية الثانية جعفر بن علي وشيخه علي بن عابس، أما جعفر بن علي: فقال عنه الطبراني بعد أن روى هذه الرواية عنه: هذا عندي باطل، لأن جعفر بن علي شيخ مجهول ، وأما علي بن عابس: فقد ضعفه ابن معين والنسائي والجوزجاني والأسدي وغيرهم .

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:33 PM
وبالجملة قال عنه الذهبي: حديث منكر ، وقال ابن كثير: هذا حديث منكر جداً وآفته زكريا بن يحيى، وقال في موضع ثان: فإنه حديث منكر ورفعه موضوع .
ثم ومما يرد هذه الروايات أيضاً، أنه لا تستقيم موافقة علي وأبي موسى رضي الله عنهما على التحكيم وهما قد رويا هذا الحديث، إلا أن يكون مما كُذب عليهما وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحمد لله أولاً وآخراً على نعمة الإسناد التي اختص بها ديننا عن بقية الملل والأديان.
وللعلم فإنك لو تتبعت كل ما روي في حادثة التحكيم وفي الحكمين وفي وصفهما بالغفلة والمكر لوجدتها كلها من صنع كذبة المؤرخين لم يصح منها حرف واحد، لأن الثابت الصحيح أن عمراً وأبا موسى رضي الله عنهما من خيار الصحابة، فلم يثبت عن أحد من الصحابة أو التابعين خلاف ذلك، كيف لا وأبو موسى قد ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قضاء اليمن، فهل يولي من كان مغفلاً؟!!ّ! وكذلك ولاه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، ويعتبره المسلمون منذ العصر الأول من فقهاء الصحابة، وأما عمرو بن العاص فأمره رسول الله على ذات السلاسل واستعمله على عمان، ثم سيره أبو بكر أميراً على الشام، وأمره عمر على جيش لفتح مصر وأمره عليها، كل ذلك معروف عند أهل الحق على ظاهر الكف، فلا يُصدق ما يقوله كذبة المؤرخين في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطعن والغمز واللمز، إلا المغفلون أو الحاقدون المنتسبون.

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:34 PM
ومما يرد هذه الروايات جميعها رواية أيضاً غير ما ذكر من اضطرابها وضعف أسانيدها، سواء التي ذكرت عدد المشاركين في هذه الفتنة أو عدد القتلى فيها، أو التي ذكرت أخبار التحكيم أو أحوال المعركة: أنها تخالف مفهوم قاعدة عموم البلوى، وقاعدة تكذيب ما روي آحاداً وقد توفرت الدواعي على نقله بالتواتر .
فمعركة يحضرها عشرات الأُلوف إلى أكثر من مائتي ألف لم يُسند فيها شيء في دواوين الإسلام الصحيحة مما ذكر آنفاً من الروايات، في حين يجب أن يرويها من التابعين عدد لا حصر لهم عما لا يقل عن ثلاثين صحابياً مما زُعم أنهم شاركوا في تلك الفتن، لتوفر الدواعي على نقلها من قبل هذا العدد المتواتر، لأنها مما عمّت به البلوى، ولما لم يكن ذلك دل على كذب هذه الروايات جملة وتفصيلاً حسب هذه القاعدة حتى ولو روي فيها عن آحاد الثقات ولو كان صحيح الإسناد.
ومما يؤكد صحة هذه القاعدة وانطباقها على الواقع: أن حرب علي ابن أبي طالب رضي الله عنه للخوارج في النهروان بلغ ذِكرها صراحة وذِكرُ من حضرها ومن قتل فيها حد التواتر عن الصحابة والتابعين، وقد ملأ ذكرُها دواوين الإسلام الصحيحة، وهذا بخلاف ما قيل وزعم عما حصل في الجمل وصفين، فإن ما صح فيها فهو آحاد غريب يخالف مفهوم قاعدة عموم البلوى، وهو غير صريح أيضاً كما ستعرفه في الجواب عن الإعتراضات، وما كان صريحاً فليس بصحيح بل معظمه كذب كما عرفته آنفاً.
ولعلك تسأل عن سبب عدم اهتمام كذبة المؤرخين بحرب الخوارج في النهروان كاهتمامهم بالجمل وصفين؟!! ويمكن أن تعزو الأمر إلى سببين:
أولهما: أنه لم يوجد في الخوارج أحد ممن اتفق على صحبته لا فيمن خرج على عثمان ولا فيمن خرج على علي، والحمد لله رب العالمين ، إذ لو كان فيهم صحابي واحد ممن انطبق عليه معنى الصحبة لغة وشرعاً وعُرفاً، لنسجوا حوله الأكاذيب والمخالفات كالتي نسجوها حول العشرة الذين قيل أنهم شاركوا في صفين والجمل، وذلك منهم للنيل من شهودنا على ديننا وللطعن فيه بطريقة باطنية خبيثة.

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:34 PM
ثانيهما: إن هذه الحرب قد اشتهر ذكرها في كتب المسلمين المعتمدة والصحيحة، فلم يستطيعوا تزييفها والكذب عليها كما فعلوا بشأن الجمل وصفين.
وعلى ما تقدم ذكره من أكاذيب حول هاتين الوقعتين فليس غريباً من بعض العلماء إنكارهم لهما كهشام وعباد وابن حزم وابن العربي ، ولا يقال بأنه إنكار لما هو معلوم بالتواتر وقوعه، لأن إنكار الكذب وما يتعارض مع القطعي هو من أخلاق العقلاء والحكماء ولو تواتر ذكره، بل وقد أوجبه الشرع على المسلمين، كوجوب إنكار ما ادعاه اليهود والنصارى في عيسى عليه السلام ولو تواتر عنهم ذلك، كما وإن إنكار اشتراك الصحابة في هاتين الوقعتين لا يضرنا، بل الأسلم لديننا إنكارها ليس فقط لأنها لم تثبت، بل لأنها تخالف ما أخبر به الله ورسوله عن الصحابة من العدالة والتقوى والورع في الدين كما تقدم ذكره.
أضف إلى ذلك كله أن هنالك روايات توحي صراحة ودلالة أنه لم يقع قتال في تلكما الوقعتين بتلك الضخامة وبذاك التهويل الذي يصوره كذبة المؤرخين، وهذا يتفق مع ما هو معلوم عند علماء المسلمين على ظاهر الكف أن قتال البغاة إنما هو قتال تأديب حتى يرجعوا إلى أمر الله لا قتال إبادة، فلا يتبع مدبرهم ولا يجهز على جريحهم ، هذا إذا سُلّم أنهم بغاة، لأن كل من لم يشارك فيه من الصحابة وكذلك جمهور علماء الحديث والفقه اعتبروه قتال فتنة لا قتال بغاة ، وهو أدنى منه بكثير، فلا هو واجب ولا مستحب، بل تركه أولى كما سيأتي بيانه.

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:35 PM
ففي تاريخ دمشق الكبير عن أبي الصلت سليم الحضرمي قال: "شهدنا صفين فإنا على صفوفنا وقد حلنا بين أهل العراق وبين الماء فأتانا فارس على برذون مقنعاً بالحديد فقال السلام عليكم فقلنا وعليك، قال: أين معاوية؟ قلنا: هو ذا، فأقبل حتى وقف ثم حسر عن رأسه، فإذا هو الأشعث بن قيس الكندي، فقال: الله الله يا معاوية في أُمة محمد صلى الله عليه وسلم، هبوا أنكم قتلتم أهل العراق، فمن للبعوث والذراري؟ أم هبوا أنا قتلنا أهل الشام، فمن للبعوث والذراري؟ الله الله، فإن الله يقول {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأُخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله} فقال له معاوية: فما الذي تريد؟ قال: أن تخلوا بيننا وبين الماء، فوا الله لتُخلن بيننا وبين الماء أو لنضعنّ سيوفنا على عواتقنا ثم نمضي حتى نرد الماء أو نموت دونه، فقال معاوية لأبي الأعور وعمرو بن سفيان: خل بين إخواننا وبين الماء، فقال الأعور لمعاوية كلا والله لا نخلي بينهم وبين الماء، فعزم عليه معاوية حتى خلى بينهم وبين الماء، فلم يلبثوا إلا قليلاً حتى كان الصلح بينهم، ثم انصرف معاوية إلى الشام بأهل الشام، وعلي إلى العراق بأهل العراق" .
فهذه الرواية تعتبر من أصح ما روي في موضوع الماء، وحتى التي زعم فيها أنهم اقتتلوا على الماء فوق كونها كذباً لأنها من طريق أبي مخنف لوط بن يحيى شيخ كذبة المؤرخين ، فإنه ليس فيها أنه كان قتال إبادة، ففيه عن شاهد عيان للوقعة "ثم أشهد أنهم خلوا لنا عن الماء فما أمسينا حتى رأينا سُقاتنا وسُقاتهم يزدحمون على الشريعة وما يؤذي إنسان إنساناً" .
وفي تاريخ الطبري عن أبي عبد الرحمن السلمي "وكنا إذا تواعدنا من القتال تحدثوا إلينا وتحدثنا إليهم" .
وفي مستدرك الحاكم عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: "وكانوا إذا تحاجزوا دخل هؤلاء في عسكر هؤلاء وهؤلاء في عسكر هؤلاء" .
وفي تاريخ دمشق عن بكار بن بلال "إنه لما بلغ أهل الشام يوم صفين مقتل عمار بن ياسر، فنادى مُنادِ أهل الشام أصحاب علي: إنكم لستم بأولى بالصلاة على عمار منّا، قال: فتواعدوا عن القتال حتى صلوا عليه جميعاً" .
ومن الروايات الدالة أيضا على أنه لم يكن قتال في تلك المعركتين بتلك الضخامة التي زعمها كذبة المؤرخين ما رواه اسحق بن راهويه والحاكم في المستدرك والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة واللفظ له بسند صحيح أن رجلاً من أهل صفين لعن أهل الشام فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "لا تسبوا أهل الشام جمعاً غفيراً، فإن فيهم قوماً كارهون لما ترون، وإن فيهم الأبدال" ، فإن هذا الحديث عن علي رضي الله عنه يرد كل ما نُسب إليه من روايات فيها تحريض على قتال أهل الشام وسبهم، إضافة إلى أنها من طريق كذبة المؤرخين كما قد علمت.
فلا يقول بعد كل هذه الروايات في علاقاتهم في هذه الحرب المزعومة أنهم اقتتلوا قتال إبادة وقتال أعداء لا قتال فتنة إلا جاهل أو مغرض حاقد، هذا على فرض التسليم أنه حصلت معركة لا شجار، وأن بضعة من الصحابة شاركوا فيها، خصوصاً وأن كل ما روي في كونها معركة طاحنة، وفي عدد الجيش وفي عدد قتلاهم الهائل، كله كذب كما قد علمت آنفاً، والحمد لله على براءة الصحابة مما نسبه إليهم الحاقدون.

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:37 PM
الأمر الرابع في أسس هذا البحث: ما خالف القطعي يرد دراية:
أما رد ما روي في كون الصحابة رضي الله عنهم شاركوا في هذه الفتن دراية، فمن عدة وجوه:
أولاً: إنه يتعارض مع القطعي من القرآن والسنة في شدة تقواهم وورعهم وعدالتهم وتراحمهم وحبهم لبعضهم والحرص على أُخوتهم وأنهم خير الناس بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم ذكر الأدلة عليه عند الحديث على عدالتهم، فلا يتعمدون فعل ما يخالف ذلك، {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأً} وما قيل أنه ورد فيُرد دراية لمخالفته لهذا القطعي.
ثانياً: إن كل ما قيل في الصحابة واشتراكهم في هذه الفتن ومِن قتل بعضهم بعضاً هو من باب التحريض على الصحابة للطعن في عدالتهم وورعهم ودينهم لإثبات فسقهم وبالتالي إسقاط مروياتهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يتعارض مع قوله صلى الله عليه وسلم {إذا ذكر أصحابي فأمسكوا} ومع قوله {وأصحابي أمنة لأُمتي} وقوله {أكرموا أصحابي فإنهم خيار أُمتي} وقوله {إحفظوني في أصحابي فإنهم خياركم} .
ثالثاً: يتعارض مع ما قاله الله تعالى فيهم وفي أخلاقهم {أشداء على الكفار رحماء بينهم} وقوله {ربنا لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا}.
رابعاً: رواياتهم عن اقتتال الصحابة فيما بينهم تتعارض مع مفهوم رضا الله عنهم، لأن مرتكبي المعاصي والآثام لا يرضى الله عنهم قال الله تعالى {إن الله لا يحب المفسدين} وقوله {إنه لا يحب الظالمين} وقوله {إن الله لا يحب المعتدين} إلى غير ذلك.

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:38 PM
خامساً: تتعارض مرويات كذبة المؤرخين من شيعة وغير شيعة من أن الصحابة اقتتلوا فيما بينهم مع ما رواه الصحابة لنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله {لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض} وقوله أيضاً {إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار} وقوله {سباب المسلم فسوق وقتاله كفر} وقوله {كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه} وقوله {ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم} فهذه الاحاديث الصحيحة عنهم في التحذير من قتل المسلمين بعضهم لبعض لتؤكد أن ما روي عنهم من المشاركة في تلك الفتن هو محض كذب وافتراء.

نائل أبو محمد
02-17-2014, 09:40 PM
الاثنين 17 ربيع الثاني 1435

يتبع غداً إن شاء الله ، بقية النقل من الكتاب صفحة 106 ، وصلنا عند العنوان التالي : ملابسات واعتراضات:

نائل أبو محمد
02-18-2014, 05:14 PM
ملابسات واعتراضات:
فإن قيل بأن هنالك أحاديث صحيحة تدلل على أنه حصل قتال بين الصحابة وأنه بغى بعضهم على بعض وهي كفيلة بإسقاط عدالتهم: من ذلك: حديث {تقتل عماراً الفئة الباغية} الجواب عليه من وجوه:
أولاً: هذا الحديث وإن ورد في الصحاح، غير أنه ليس مما اتفق العلماء على تصحيحه، فقد ضعفه غير واحد منهم، ففي المنتخب من علل الخلال بإسناد عن أبي أُمية محمد بن إبراهيم قال: "سمعت في حلقة أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبي خيثمة والمعيطي، وذكروا {تقتل عماراً الفئة الباغية} فقالوا: ما فيه حديث صحيح" ، ومنه أيضاً عن أحمد بن حنبل قال: "روي في عمار {تقتله الفئة الباغية} ثمانية وعشرون حديثاً ليس فيها حديث صحيح" ، وفي البصائر والذخائر عن أبي حيان التوحيدي قال: "سألت ابن الجعابي عن حديث {تقتل عماراً الفئة الباغية} فقال: لا أصل له ولا فضل، وإنما ولّده مولد" ، وفي شذرات الذهب عن أبي علي النجاد الصغير في حوار له مع رافضي وقد سأله عن حديث "تقتله الفئة الباغية" قال: إن أنا قلت لم يصح وقعت منازعة ، وفي منهاج النبوة لابن تيمية: وضعفه الحسين الكرابيسي ، فهذا الاختلاف على صحته بين العلماء وإن رواه البخاري وغيره، يجعل الاحتجاج به مضطرباً ظنياً في جرح من ثبتت عدالته بالدليل القطعي من الكتاب والسنة كما تقدم ذكره، ثم الذين ضعفوه حتماً يرفضون أن يكون معاوية ومن معه بغاة، أو أن يكون قتال علي لهم قتال بغاة، وهذا منهم يتفق مع رأي الصحابة الذين لم يشاركوا في الجمل وصفين، معتبرينه قتال فتنة لا قتال بغاة وهم الغالبية الساحقة من الصحابة، كما قد علمت عنهم آنفاً.

نائل أبو محمد
02-18-2014, 05:15 PM
ثانياً: لم يثبت أن الذي قتله ممن اتفق على صحبته، بل اختلف فيمن قتله أيضاً، فقيل أبو الغادية، وقيل عقبة بن عامر الجهني وقيل عمرو بن الحارث الخولاني وقيل شريك بن سلمة ، وقيل جوى بن ماتع السكسكي، وقيل غيرهم ، وهذا مما يشكك أيضاً فيما زعم أن الصحابة اقتتلوا وأنه قتل بعضهم بعضاً.
ثالثاً: أنه اختلف أيضاً فيمن هي الفئة الباغية في الحديث هل هم فئة معاوية أم هم قتلة عثمان أم غيرهم، ففي تاريخ بغداد وتاريخ دمشق عن دحيم وهو عبد الرحمن بن ابراهيم الدمشقي "يرفض أن تكون الفئة الباغية أهل الشام" ، ويعتبرها محب الدين الخطيب قتلة عثمان لأنهم سبب كل الفتن بعد قتلهم عثمان ، ويقول ابن تيمية: إن عماراً تقتله الفئة الباغية ليس نصاً في أن هذا اللفظ لمعاوية وأصحابه، بل يمكن أنه أُريد به تلك العصابة التي حملت عليه حتى قتلته وهي طائفة من العسكر، ومن رضي بقتل عمار كان حكمه حكمها، ومن المعلوم أنه كان في معسكر معاوية من لم يرض بقتله .
أقول: لا خلاف أن قتلة عثمان فئة باغية بغوا عليه، وأن فتنة الجمل وصفين كانتا بسبب ذلك، حيث من المعروف على ظاهر الكف أن طلب طلحة والزبير وعائشة يوم الجمل هو إقامة الحد على قتلة عثمان لا قتال علي بن أبي طالب والصحابة كما تقدم ذكره، وكذلك كان طلب معاوية، فطلب منهم علي أن يتريثوا ويدخلوا في الطاعة حتى تستقر الأمور، فاستغل قتلة عثمان الذين كانوا يُسمون بالثوار هذا الخلاف وقاموا بتحريض كل الأطراف على القتال فكان ما كان يوم الجمل كما تقدم بيانه ، وكذلك كانوا يوم صفين من ضمن جيش علي بن أبي طالب عنوة، كما كانوا يوم الجمل، فكان عددهم يوم صفين أضعاف عددهم يوم الجمل، بل وكان منهم قادة في جيش علي في الوقعتين، كالأشتر النخعي وحكيم بن جبلة وشبث بن ربعي وشريح بن أبي أوفى وعمرو بن الحمق وحرقوص بن زهير وغيرهم، بل وصور لنا كذبة المؤرخين كأن جيش علي لم يكن فيه أحد سواهم، وقد انكشفت نواياهم يوم صفين أيضاً حين وافق علي على الصلح مع معاوية رضي الله عنهم أجمعين ووافق على التحكيم، فرفضوا ذلك وأصروا على الحرب، ولما لم يجبهم علي لذلك، اخترعوا مقولة "حكمت الرجال لا حكم إلا لله" ثم انخزلوا عنه وتحصنوا بعيدا وسُموا بالخوارج، فانكشفوا وكان ذلك سبباً في هلاكهم وحربهم في معركة النهروان على يد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولم يعرف عن أحد من الصحابة خلاف له في ذلك ، وقُدّر عددهم حينها بإثني عشر ألف مقاتل، رجع منهم ثمانية آلاف وقتل الباقي، وهذا من أكبر الأدلة على أن صفين والجمل كانتا بأمر قتلة عثمان وبتصرفهم عنوة، فكانوا بحق فئة باغية، فقد بغوا على عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في موقعة الجمل كما تقدم بيانه، وبغوا على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه في صفين كما قد علمت من تحريضهم علياً على القتال والقيام بأعمال كثيرة دون الرجوع إلى علي، ورفضهم الصلح والتحكيم، وأخيراً بغوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه حينما انحازوا إلى النهروان، بل وبغوا عليه حينما قتلوه رضي الله عنه.

نائل أبو محمد
02-18-2014, 05:16 PM
ثم هنالك شروط لمن يعتبر فئة باغية إضافة إلى عدم قتالهم قتال إبادة: أن لا يُبادأوا بالقتال إلا بعد رفض الصلح قال الله تعالى {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأُخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله} ولم يحصل قتال بين معاوية وعلي رضي الله عنهما بعد الصلح، فكيف يكون معاوية باغياً؟!!.
ثم هنالك أمارات وشواهد تدل على أن ما وقع في صفين والجمل إنما هو قتال فتنة لا قتال بغاة، أنه جاء عن الصحابة والتابعين لهم صراحة أن ما حصل في الجمل وصفين إنما هو فتنة، ففي مسند الإمام أحمد عن مطرف بن الشخير قال: "قلنا للزبير رضي الله عنه يا ابا عبد الله ما جاء بكم ؟ ضيعتم الخليفة حتى قتل-يعني عثمان- ثم جئتم تطلبون بدمه، قال الزبير: إنا قرأنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} لم نكن نحسب إنا أهلها حتى وقعت منا حيث وقعت" ، وفي مسند الإمام أحمد " أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أتى أهبان بن صيفي فقال: ما يمنعك من اتباعي، قال: أوصاني خليلي وابن عمك صلى الله عليه وسلم أنه ستكون فتنة وفُرقة، فإذا كان ذلك فاكسر سيفك واتخذ سيفاً من خشب، فقد وقعت الفتنة والفرقة وكسرت سيفي واتخذت سيفاً من خشب" ، وقال سعيد بن المسيب: "وقعت الفتنة ولم يبق من المهاجرين أحد" ، وعن ابن سيرين قال: "هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف فلم يشارك منهم مائة بل لم يبلغوا ثلاثين" ، وعن الشعبي قال: "لم ينهض في تلك الفتنة غير ستة بدريين" ، وقال الزهري: "وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله متوافرون، فأجمعوا على أن كل مال أو دم أُصيب بتأويل القرآن فإنه هدر" .

نائل أبو محمد
02-18-2014, 05:17 PM
ومن هذه الأمارات أيضاً أن كل طرف كان يدعي على الطرف الآخر أنه الباغي، ففي تاريخ دمشق وبغية الطلب عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في أهل صفين قال: "زعموا أنا بغينا عليهم، وزعمنا أنهم بغوا علينا" ، وهذا يعني اشتباههم فيمن هو الباغي، وهذا هو عين الفتنة كما أخبر عنها حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: "الفتنة إذا اشتبه عليك الحق والباطل، فلم تدر أيهما تتبع فتلك الفتنة" ، وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لعبد الله بن بديل وقد رأى رؤيا فقصها على أبي بكر، فقال له أبو بكر: "إن صدقت رؤياك فإنك ستُقتل في أمر ذي لبس، فقُتل في صفين" .
ومن الأمارات أيضاً: أن أهل الجمل وصفين مأجورون على اجتهاداتهم، الطالب منهم والمطلوب مع التفاوت في الأجر والفضل، وذلك أن أبا سلام الدالاني سأل علياً: هل لهؤلاء القوم حجة فيما طلبوا من هذا الدم إن كانوا أرادوا الله في ذلك؟ قال: نعم، قال: فهل لك من حجة في تأخير ذلك؟ قال: نعم، قال: فما حالنا وحالهم إن ابتلينا غداً؟ قال: إني لأرجو أن لا يقتل منا ومنهم أحد نقى قلبه لله إلا أدخله الجنة" ، وقال في أهل صفين: "من كان يريد وجه الله منا ومنهم نجا" ، وقال: "قتلاي وقتلى معاوية في الجنة" ، فلو كانوا بغاة فلا أجر لهم، ومن هذا المنطلق اعتبر المجتهد المصيب والمجتهد المخطئ في هاتين الفتنتين مأجوراً، لاشتباهها عليهم، لا على اجتهادهم في البغي كما يظنه البعض، لأن البغي في اللغة هو الظلم: فالبغاة جمع باغ، فمن بغى على الناس ظلم واعتدى، وبغى سعى بالفساد .

نائل أبو محمد
02-18-2014, 05:17 PM
ومن الأمارات الدالة على أن قتالهم كان قتال فتنة لا قتال بغي، تخلف الغالبية العظمى من الصحابة عنه، فلو أن أهل الجمل وصفين كانوا بغاة حقاً وقطعاً لما صح أن يتخلف أحد من الصحابة عن قتالهم من غير عذر، ولكنها حرب فتنة اشتبهت عليهم، فلم يشاركوا فيها بخلاف مشاركتهم لعلي في قتاله للخوارج لأن بغيهم كان واضحاً لا لبس فيه، فيتضح بذلك الفرق بين قتال الفتنة وقتال البغاة.
ومن الأمارات التي تدل على أن تلك الحروب إنما هي حروب الفتنة لا حروباً ضد بغاة أيضاً إضافة إلى عدم مشاركة جمهور الصحابة فيها، أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ندم ندماً شديداً على قتاله لهم، فقال يوم الجمل: "وددت أني مت قبل هذا بعشرين سنة" ، وقال يوم صفين: ليت أني مت قبل هذا بثلاثين سنة" ، وفي رواية قال وهو عاض على شفته "لو علمت أن الأمر يكون هكذا ما خرجت" ، وقال أيضاً: "لله در مقام عبد الله بن عمر وسعد بن مالك -وهما ممن اعتزلا الفتنة- إن كان براً إن أجره عظيم وإن كان إثما إن خطره ليسير" ، وفي رواية "لله منزل نزله سعد بن مالك وعبد الله بن عمر، والله لئن كان ذنباً إنه لصغير مغفور، ولئن كان حسناً إنه لعظيم مشكور" ، في حين لم يندم على حربه للخوارج ولم ينكر عليه أحد من الصحابة حربه لهم ، مما يدلل على أن حربه لأهل صفين والجمل لم يكن فرضاً، وإلا لم يصح منه الندم على القيام بما فرضه الله عليه.
فإن قيل بأنه روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه وصفهم بالبغاة حين قال "إخوة لنا بغوا علينا".

نائل أبو محمد
02-18-2014, 05:18 PM
الجواب عليه: أن هذا القول قد قاله مرة في الخوارج ، ومرة قاله في أهل الجمل، ولم أر من أثبته عنه أنه قاله في أهل صفين، ثم أصح الروايتين عنه ما قاله في الخوارج، لأن إسناد الرواية عنه أنهم أهل الجمل ضعيفة كما في مصنف ابن أبي شيبة وسنن البيهقي ، فمرة رويت منقطعة من طريق أبي البختري الطائي ولم يدرك علياً ولا رآه ، وفيه تشيع أيضاً ، ومرة رويت بإسناد فيه أحمد بن عبد الجبار: ضعفه جميع أهل العراق . فإن قيل يمكن حمل قوله على الجميع!!.

نائل أبو محمد
02-18-2014, 05:18 PM
الجواب: لم يساوي علي رضي الله عنه ولا أحد من الصحابة ولا من بعدهم بين الخوارج وبين أهل صفين والجمل، لا في فروع ولا في أُصول ولا في معاملة ولا في حرب ولا في أخذ ولا في رد ولا في تأويل ولا في أجر وثواب، أضف إليه أنه لم يكن أحد من الصحابة معهم كما قد علمت، لذا فوصفهم بالبغاة أدق وأصوب من وصف أهل الجمل وصفين، إضافة إلى افتعالهم للحروب بين المسلمين في هاتين الوقعتين كما تقدم ذكره.
ثم إن الذي يقول عن طلحة والزبير أنهم بغاة وهم من أهل الجنة قطعاً، يلزمه أن يقول بأن الحسين بن علي بن أبي طالب باغ على يزيد بن معاوية الخليفة المبايع من معظم الأُمة، علما أن الحسين من أهل الجنة أيضاً مع أن طلحة والزبير أفضل منه قطعاً، فإذا لم يلزم سقط اللزوم عن الجميع.
فإن قيل هذا قياس مع الفارق، حيث أن الحسين أفضل من يزيد، الجواب: هذا صحيح، لكن الفضيلة وعدمها لا يؤثران في تطبيق الأحكام، قال عليه الصلاة والسلام "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" ، ثم الصحيح أيضاً أن طلحة والزبير أفضل من الحسين، وقد وصفوهم بالبغاة، وأن عبد الله بن الزبير أفضل من يزيد ومن مروان بن الحكم وأولاده، وقد وُصف بالباغي، ثم إن الحسن بن علي وهو أفضل من معاوية بن أبي سفيان قد تنازل لمعاوية عن الخلافة، وهذا دليل مجمع عليه قاطع على أن إمامة المفضول مع وجود الأفضل سائغ شرعاً شريطة أن يكونوا من قريش.

نائل أبو محمد
02-18-2014, 05:19 PM
فإن قيل بأن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قد وصف أهل صفين بالبغاة بقوله: " لم أجدني آسى على شيء إلا أني لم أُقاتل الفئة الباغية مع علي" .
الجواب عليه: ليس فيه صراحة أنهم أهل صفين، بل جاء عنه تصريح بغيرهم مما يعني حمل عموم هذه الرواية على خصوص ما جاء في غيرها، ففي سنن البيهقي الكبرى أنه رضي الله عنه سئل عن الفئة الباغية فقال: "ابن الزبير بغى على هؤلاء القوم فأخرجهم من ديارهم ونكث عهدهم" ، وفي رواية ثانية من طريق ابن عساكر "أنها الحجاج بن يوسف الثقفي" ، فيسقط بذلك اعتراضهم. ورابع الأجوبة: أنه لم يثبت عن عمار رضي الله عنه أنه قُتل في نِزال أو مبارزة مع أحد ممن اتفق على صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم، بل قُتل غيلة كما قُتل طلحة والزبير يوم الجمل، فلم يثبت عن أحد من الصحابة ممن كان مع معاوية على قِلِّتهم أنهم أمروا بقتل عمار أو حرضوا على قتله.
فهذا الاختلاف في صحة حديث "تقتل عماراً الفئة الباغية" وفي دلالاته يزيد في عدم صراحته اقتتال الصحابة فيما بينهم، فلا يصلح في اتهام وجرح من ثبتت عدالته بالقطع واليقين، بل إن إنكار العلماء لصحته أسلم لديننا، كإنكار أي رواية تتعارض مع القطعي، أو فيها ضعف ونكارة ولو رواها البخاري ومسلم وغيرهما فلا عصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا هو المعهود عند أئمة العلم منذ العصور الممدوحة، ولذلك استدرك أبو علي الغساني وأبو مسعود الدمشقي وغيرهما عدة أحاديث على الصحيحين، بل أعل الدارقطني أكثر من مائة حديث في الصحيحين ، وضعف أحمد بن حنبل حديث الاستخارة وقد رواه البخاري ، وضعف حديث {أيما إهاب دبغ فقد طهر} وقد رواه مسلم، وضعف الباجي حديث {إن إبني هذا سيد} وقد رواه البخاري، وضعف ابن معين والدارقطني حديث {كان للنبي فرس يقال له اللحيف} وقد رواه البخاري ، إلى غير ذلك.

نائل أبو محمد
02-18-2014, 05:20 PM
فإن قيل: إن بإنكاره تُنكر إمامة علي بن أبي طالب!!.
الجواب: إن إمامة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثابتة ببيعة جمهور الصحابة له من أهل المدينة، وليس من هذا الحديث، كما وأنه وحده خليفة المسلمين في عصره لم ينازعه أحد على ذلك لا طلحة ولا الزبير ولا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم أجمعين، وما قيل أن معاوية نازعه الخلافة فمن تأليف كذبة المؤرخين، ويكفي للرد عليه أنه ورد عنه رضي الله عنه بأسانيد رجالها ثقات ما يبطل دعواهم ويكشف كذبهم، فعن أبي مسلم الخولاني أنه قال لمعاوية: أنت تنازع علياً في الخلافة أو أنت مثله؟ قال: لا، وإني أعلم أنه أفضل مني وأحق بالأمر، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوماً وأنا ابن عمه ووليه أطلب بدمه وأمره إلي؟ فقولوا له: فليسلم إلي قتلة عثمان وأنا أُسلم له الأمر" ، وفي مصنف ابن أبي شيبة عن أبي بردة قال: "قال معاوية ما قاتلت عليا إلا في أمر عثمان" ، وفي تاريخ دمشق وأنساب الاشراف وغيرهما عن ابن شهاب الزهري قال: "لما بلغ معاوية هزيمة يوم الجمل وظهور علي، دعا أهل الشام للقتال معه على الشورى والطلب بدم عثمان، فبايعوه على ذلك أميراً غير خليفة" ، وفي البداية والنهاية لابن كثير من طريق ابن ديزيل أن أبا الدرداء وأبا أُمامة دخلا على معاوية، فقالا له: يا معاوية، علام تقاتل هذا الرجل؟ فوا الله إنه أقدم منك ومن أبيك إسلاماً، وأقرب منك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحق بهذا الأمر منك، فقال: أُقاتله على دم عثمان، وأنه آوى قتلته، فاذهبا إليه فقولا له: فليقدنا من قتلة عثمان، ثم أنا أول من يبايعه من أهل الشام" ، وفي هذه الآثار دليل أيضاً أن معاوية لم يتطاول على علي بن أبي طالب لا كما زعم كذبة المؤرخين من شيعة وغير شيعة، وأنه يعترف بفضله وحقه، وقد تقدم ذكره بالتفصيل آنفاً والحمد لله الذي تتم بنعمه الصالحات.

نائل أبو محمد
02-18-2014, 05:20 PM
ومن الأحاديث التي توهموا أن فيها دليل على اقتتال الصحابة فيما بينهم وهي كفيلة بإسقاط عدالتهم، حديث الصحيحين: "لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان دعواهما واحدة" .
الجواب عليه:
أولاً: فوق كون هذا الحديث خبر آحاد لا يفيد إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً، فالحق المقطوع به أن كل من ثبت كونه صحابياً فهو عدل، وهم من أهل الجنة ومرضيون ورحماء بينهم كما تقدمت الأدلة عليه آنفاً، فلا يقاومه ظن أنهم فسقوا أو فجروا بقتال بعضهم لبعض.

نائل أبو محمد
02-18-2014, 05:21 PM
ثانياً: هذا حديث مبهم، فلم يبين هل هم أهل الجمل؟ أم أهل صفين؟ أم أهل النهروان؟ فليست فئة منهم بأولى بالمعنى من الأُخرى إلا بدليل، وليس هنالك دليل سوى أقاويل، بل ليس فيه تصريح أنه في حق عموم المسلمين فضلاً عن خصوص الصحابة، إنما فيه تصريح أن ذلك قرب الساعة، فإن سٌلم أنه في عموم المسلمين، فيحتمل أنه في المقتلة على كنز الفرات قرب الساعة ، ومعلوم أن الاحتمال لا يقوم به استدلال في الفروع، فكيف بالمغيبات؟!!، فيسقط بذلك اعتراضهم.
فإن قيل بأنه قد ورد عند عبد الرزاق وأحمد والحميدي وغيرهم في بعض روايات الحديث ما يدلل أنه في المسلمين وأن الصحابة هم المقصودون منه، جاء فيه "لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان من المسلمين دعواهما واحدة، تمرق بينهما مارقة يقتلها أولى الطائفتين بالحق" .
الجواب عليه: هذا حديث ضعيف لا تقوم به حجة، ففي إسناده عندهم جميعاً علي بن زيد بن جدعان، ضعفه الجمهور واتهم بالرفض والتشيع ، ويخالف حديث مسلم وغيره في الفئة المارقة حيث لم يُذكر فيه قتال ولا اقتتال وإنما اقتصر فيه على ذكر الفُرقة، جاء فيه "تمرق مارقة على حين فُرقة بين المسلمين، يقتلهم أولى الطائفتين بالحق" ، ومن المعلوم أنه ليس كل فُرقة اقتتال، وأكثر ما يمكن حمله إن جاز لنا ذلك، وسُلم أنه في المسلمين، هو على غير الصحابة من تابعين ورعاع وسوقة ومرتزقة وقتلة عثمان وخوارج ومنافقين من الطرفين، لأنه ثبت أن الصحابة لم يشاركوا في هذه الفتن ولا ذِكر لهم فيها سوى عشرة أشخاص أو أقل ممن ثبتت صحبته من بين قرابة ثلاثمائة ألف مقاتل حسب زعم كذبة المؤرخين آنفاً.

نائل أبو محمد
02-18-2014, 05:22 PM
ومن الروايات التي توهموا أن فيها دليلاً على اقتتال الصحابة فيما بينهم وأنها كافية لإسقاط عدالتهم، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير "تقاتل علياً وأنت ظالم له" .
الجواب عليه: أولاً: هذا حديث فوق كونه خبر آحاد فهو ضعيف لا تقوم به حجة في موارد القطع، فرواه الحاكم والبيهقي وأبو يعلى من طريق أبي جروة المازني وهو مجهول ، وفي سنده أيضاً عبد الملك بن مسلم الرقاشي، قال عنه البخاري: لم يصح حديثه ، وقال ابن حجر، لين الحديث ، ورواه ابن ابي شيبة وعبد الرزاق من طريق عبد السلام رجل من بني حية بسند منقطع، لأن عبد السلام لم يثبت له إدراك ولا سماع من علي والزبير ، ورواه عبد الرزاق عن قتادة منقطعاً، فقتادة فوق كونه اتهم بالتدليس فهو أيضاً لم يدرك علياً ولا الزبير، بل ولد بعدهما بأكثر من ثلاثين عاماً ، فمن أين له الرواية عنهما؟!! هذا بالنسبة لضعفه بالتفصيل، وأما بالجملة: فقد قال عنه العقيلي: ولا يُروى هذا المتن من وجه يثبت ، وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح ، وقال ابن كثير: هذا حديث غريب ، وقال العجلوني: لم يثبت ولم يصححه أهل الحديث ، وقال التويجري: رواه أبو يعلى والبيهقي بسند ضعيف .
ثانياً: وزيادة في ضعفه ونكارته أنه خالف الواقع، فطلحة والزبير رضي الله عنهما لم يثبت أنهما قاتلا علياً بل الثابت أنهما قُتلا غيلة، فقُتل طلحة قبل البدء بالمعركة بسهم غرب وقيل أطلقه عليه مروان بن الحكم وكان من أصحابه وقيل غيره .
وأما الزبير فانسحب حينما وجد الناس قد اختلفوا فتبعه عمرو ابن جرموز فقتله غيلة وغدراً وهو يصلي وقيل وهو نائم، وكان ذلك بواد السباع لا في المعركة المزعومة .

نائل أبو محمد
02-18-2014, 05:22 PM
ثالثاً: لو سلمنا جدلاً بصحة هذا الحديث وهو لم يصح، فإنه في حق شخص واحد من الصحابة ولم يوافقه عليه جماهيرهم كما قد علمت، فليس من الإنصاف تعميم ذلك على كل الصحابة، بل هو من الإجحاف لإثبات مذهبهم الباطل في أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
ومن الروايات التي توهموا فيها أن الصحابة قتل بعضهم بعضاً وأنها كافية في إسقاط عدالتهم، بحديث عن علي رضي الله عنه قال: "أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، فالناكثون أصحاب الجمل، والقاسطون أصحاب صفين، والمارقون الخوارج" .

نائل أبو محمد
02-18-2014, 05:23 PM
الجواب عليه: إضافة إلى كونه خبر آحاد لا يصلح في موارد القطع التي أثبتت عدالة الصحابة، فهو حديث كذب موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما ذكره ابن الجوزي والذهبي وابن كثير والسيوطي وغيرهم ، وقال العقيلي: والأسانيد في هذا الحديث عن علي لينة الطرق ، وقال في موضع آخر: ولا يثبت في هذا الباب شيء ، وكفى الله المؤمنين القتال.
ومما توهموه دليلاً أيضاً على سوء مذهبهم في أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وليس بدليل، ما رواه البزار وغيره عن أبي بكرة يرفعه "يخرج قوم هلكى لا يفلحون قائدهم إمرأة قائدهم في الجنة" .
الجواب عليه: هذا أيضاً حديث منكر موضوع، على ما ذكره ابن الجوزي والسيوطي وابن كثير، وأورده العقيلي في ضعفائه، وآفته من قبل إسناده، ففيه عمر بن الهجنع وعبد الجبار بن عباس كذابان متروكان ، فالحمد لله على نعمة الإسناد.

نائل أبو محمد
02-18-2014, 05:24 PM
وفي ختام رسالتنا هذه وبعد كل الذي أوردناه مما قيل في صفين والجمل من الأكاذيب ومن الأقوال الشاذة والمنكرة مما لم يثبت فيه شيء، لا يُنكر على أحد إنكاره وتكذيبه لوقوع هاتين الفتنتين، بل يتوجب على كل مسلم تقي غيور على إسلامه ودينه ونبيه أن يحمد الله عز وجل على براءة الصحابة مما نسبه إليهم الحاقدون من شيعة وغير شيعة، وأن يُكذّب كل ما قيل من اقتتال الصحابة فيما بينهم في صفين والجمل، فكل ما قيل فيه لم يصل إلى حد الظن فضلا عن القطع، بل كله مشكوك فيه لكذبه وضعفه ونكارته واضطرابه كما قد علمت، بل ويمكن للمرء أن يتحدى أن يثبتوا حرفاً واحداً منه من غير علة أو تأويل، والحمد لله الذي تتم بنعمه الصالحات، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

محمد الشويكي – بيت المقدس
العاشر من محرم – 1435هـ

نائل أبو محمد
02-18-2014, 05:28 PM
فهرست المواضيع

صفحة المقدمة----------------------------------------------------------3
معنى البة---------------------------------------------------------------5
اختلاف العلماء في معنى الصحبة لغة وشرعا وعرفا----------------------5
الفرق بين الرؤية والصحبة---------------------------------------------11
ليس كل من رأى النبي يعتبر صحابيا ولو مات مسلما -------------------12
لا أصل لمصطلح صحبة عامة وصحبة خاصة --------------------------15
الصحبة أخص من الرؤية----------------------------------------------19
لا يتجاوز عدد الصحابة إثني عشر الفاً---------------------------------21
اتفاق العلماء على طريقة محددة في معرفة من هو الصحابي—-----------22
الأدلة من الكتاب والسنة على عدالة الصحابة جملة وآحادا--------------- 25
الرد على من يزعم أن الصحابة هم المهاجرون والأنصار فقط -----------34
الصحابة كلهم عدول عند أهل الإسلام ما عدا الشيعة والخوارج—--------42
الصحابة مرتدون وفسقة عند الشيعة والرد عليه------------------------ 42
الرد على استدلالهم بحديث الحوض------------------------------------43
الرد على استدلالهم وجود فساق في الصحابة----------------------------43
الإسناد من الدين------------------------------------------------------49
كتب التاريخ التي أصحابها كذبة----------------------------------------51

نائل أبو محمد
02-18-2014, 05:28 PM
كتب التاريخ التي أصحابها ثقات----------------------------------------52
تسمية كذبة المؤرخين--------------------------------------------------52
وقعة الجمل وسببها ---------------------------------------------------55
اضطراب كذبة المؤرخين في عدد من حضرها عموما-------------------55
اضطراب المؤرخين في عدد من حضرها من الصحابة------------------56
لم يشارك في موقعة الجمل من الصحابة إلا أربعة ----------------------57
اضطراب المؤرخين في عدد من قتل فيها------------------------------58
لم تستغرق وقعة الجمل سوى سويعات---------------------------------59
لم يتجاوز عدد القتلى يوم الجمل أكثر من مائة شخص-------------------60
الرد على احتجاجهم بحديث الحوأب وبيان ضعفه-----------------------60
عائشة وطلحة والزبير لم يأتوا لحرب علي بل لأجل قتلة عثمان----------63
قتلة عثمان هم الخصوم في الجمل وصفين-----------------------------64
الرد على مزاعم أن عائشة أم المؤمنين كانت تكره عليا-----------------66
الرد على مزاعم أن عائشة أمرت بقتل عثمان--------------------------69
وقعة صفين وسببها---------------------------------------------------70
اضطراب المؤرخين في عدد من حضرها عموما-----------------------70
اضطرابهم في عدد من حضرها من الصحابة---------------------------71
عدد الصحابة في صفين والجمل لا يتجاوز خمسة عشر رجلا من بين ثلاثماية ألف مقاتل-----------------------------------------------------------75
بطلان القول بمشاركة جمهور الصحابة في تلكما الوقعتين---------------76
اضطراب المؤرخين في عدد من قتل في صفين------------------------77

نائل أبو محمد
02-18-2014, 05:29 PM
اضطرابهم في عدد أيامها----------------------------------------------78
كتب صفين والجمل من أخطر ما كتب في حق الصحابة------------------80
بيان كذب لعن معاوية لعلي--------------------------------------------85
روايات خرافية حول صفين--------------------------------------------87
كذب مرويات رفع المصاحف في صفين -------------------------------90
كذب روايات قصة الحكمين في صفين----------------------------------91
مخالفة ما روي في صفين والجمل لقاعدة عموم البلوى-------------------99
قتال البغاة قتال تأديب لا قتال إبادة----- -------------------------------100
ما حصل في صفين والجمل هو قتال فتنة لا قتال بغاة-------------------100
عدة روايات تناقض ما زعموه من التهويل ------------------------ ---101
كل ما خالف القطعي فهو مردود--------------------------------------104
تعارض ما روي عن صفين والجمل مع القطعي من الشرع------------ 104
ملابسات واعتراضات والرد عليها -----------------------------------106
تضعيف علماء الجرح والتعديل لحديث تقتل عمارا الفئة الباغية—------106
اختلاف العلماء فيمن هي الفئة الباغية في الحديث المذكور--------------107
الفئة الباغية في الحديث هم الخوارج قتلة عثمان وعلي-----------------107
القتال في صفين والجمل إنما هو قتال فتنة والدليل عليه---------------109
أهل الجمل وصفين مأجورون على اجتهادهم في الفتنة-----------------110
لا يساوى بين الخوارج وبين أهل الجمل وصفين----------------------113
ثبوت خلافة علي بن أبي طالب--------------------------------------115
الأدلة على أن معاوية لم ينازع عليا على الخلافة----------------------115

نائل أبو محمد
02-18-2014, 05:30 PM
الرد على احتجاجهم بحديث"اقتتال الفئتين العظيمتين"-------------------116
الرد على احتجاجهم بحديث الناكثين والمارقين والقاسطين--------------119
الخاتمة-------------------------------------------------------------121
فهرست المواضيع---------------------------------------------------122

نائل أبو محمد
02-18-2014, 05:31 PM
في هذا الكتاب
يعتبر هذا الكتاب بحق بمثابة إعادة نظر فيما كتبه التاريخ عن موقعة صفين والجمل بطريقة تحقيقية علمية، وقد تناول الكتاب عدة جوانب مهمة في هذا الموضوع:
معرفة من هم الصحابة، فليس كل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم يعتبر صحابياً ولو مات على الإسلام.
كل من ثبت كونه صحابياً فهو عدل ثقة لا يخضع لقانون الجرح والتعديل ولا يصدر منه ما يخالف ذلك.
فكما أن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار صحابة فكذلك كل من صاحب في الرضوان وفي فتح مكة وبعد الفتح، فلم ينته وجود صحابة إلا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم.
مناقشة أحاديث يتوهم منها أن في الصحابة فساق وفجار ومرتدون.
كل رواية تخالف القطعي من القرآن أو السنة أو تخالف الواقع الثابت فمردودة، ومن ذلك كل ما ورد في شأن صفين والجمل.
إبطال وتكذيب كل ما روي في عدد الجيش والقتلى في تلكما الوقعتين.
إبطال وتكذيب كل ما دار حول الحكمين في صفين.
تضعيف حديث الحوأب.
تضعيف حديث" تقتل عماراً الفئة الباغية".
الحرب التي وقعت على صغرها هي حرب فتنة لا حرب بغاة، وإنها ليست نزاعا على الخلافة ولا ضد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وإنما كانت بسبب المطالبة بدم عثمان.
إن الفئة الباغية هي الخوارج قتلة عثمان رضي الله عنه.
لم يشارك في هاتين الفتنتين إلا بضعة صحابة لا كما يصوره أهل الكذب من أنهم يعدون بالآلاف.

نائل أبو محمد
02-18-2014, 05:34 PM
الثلاثاء 18 ربيع الثاني 1435

والحمد لله الذي تتم بنعمه الصالحات، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

محمد الشويكي – بيت المقدس
العاشر من محرم – 1435هـ

عدد الصفحات 127.

نائل أبو محمد
02-18-2014, 09:07 PM
الثلاثاء 18 ربيع الثاني 1435
رسالة من منتدى ضفاف لعلوم اللغة العربية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ

بخصوص الفرية الكبرى.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك أخي الكريم وأجزل لك المثوبة والجزاء
بخصوص موضوعكم:
كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
ترى الإدارة أن الموضوع حساس وقد يجُرُّ إلى خلافات طائفية وهو من المواضيع المتخصصة في التاريخ الإسلامي، التي توترت حولها الأجواء، وكثر فيها الجدال والنقاش، ونحن أهل السنة والجماعة نلتزم موقفنا منها موقف السلف الصالح وهو السكوت عمَّا جرى بين أصحاب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأنَّ كلًا منهم مجتهد، إما مصيب فله أجران أو مخطئ فله أجر اجتهاده، وأنَّا نحبهم ولا نبغضهم ولا نسيء إلى أحدٍ منهم ولا نطعن فيه، وأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم عدول.
ومن اتباعنا مذهب السلف الصالح سكوتنا عمَّا شجر بينهم إلا لحاجة تقتضي.
وهنا لا تقتضي الحاجة لذكر هذا، فليس هذا صرح نقاش ولا حوار، ومن أراد العلم والمعرفة طلبها من مصادرها ومظانِّها، فلا يطلب علم التاريخ من منتدى للغة العربية.
ثم إن هذا الموضوع مخالف لما تنص عليه قوانين المنتدى:
- الإلتزام بأدب الحديث والحوار ، وعدم التعرض للدين الإسلامي بالإساءة ، وجعل شبكة ضفاف مسرحا للخلافات المذهبية ..ونذكر بأن منهج شبكتنا هو منهج أهل السنة والجماعة .

لذلك وجبت الإشارة إلى ذلك أخي الكريم
وفقنا الله وإياك لما يحبه ويرضاه.

نائل أبو محمد
02-19-2014, 10:21 AM
الأربعاء 19 ربيع الثاني 1435

بوركت أخي، ترى الإدارة حذف الموضوع للأسباب المذكورة.
ولم نذكر أنَّ المحتوى عارض مذهب أهل السنة والجماعة إلا أنه لا ينبغي التحدث به إلا لحاجة، وإذ لم تدعُ الحاجة إلى ذلك فلا ينبغي الحديث عنها، وأنت تعلم أخي والكاتب الكريم يعلم أن مثل هذه الأمور تُعرَضُ على الباحثين والمحققين والمتخصصين، لا على عامة الناس، وهناك منتديات خاصة كما رأيتكم نشرتم الكتاب فيها، فنحن نتابعها هناك، عمومًا نحنُ هنا مستأمنون وهذه مسؤوليتنا ونحن ندين الله تعالى بعدم الخوض في هذه الأمور أمام العامَّة، ومن أراد البحث والفائدة فلذلك مواطن خاصة.
بوركت وبورك صاحب الكتاب، أبلغه سلامي.

نائل أبو محمد
02-19-2014, 09:28 PM
الأربعاء 19 ربيع الثاني 1435

حذف موضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأستاذ : نائل سيد أحمد
تم حذف موضوعك كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل

وذلك لمخالفته القانون التالي لشبكة ضفاف لعلوم اللغة العربية :
- الإلتزام بأدب الحديث والحوار ، وعدم التعرض للدين الإسلامي بالإساءة ، وجعل شبكة ضفاف مسرحا للخلافات المذهبية ..ونذكر بأن منهج شبكتنا هو منهج أهل السنة والجماعة .

وافر التقدير والإحترام لمقامك .

نائل أبو محمد
04-12-2014, 09:18 PM
السبت 12 جمادى الثانية 1435

نائل أبو محمد
06-11-2014, 09:29 AM
الأربعاء 13 شعبان 1435


للتوثيق والمتابعة ، وقد يكون هناك المزيد ، هذا الجهد والعمل بحاجة الى متابعة :





Khayri Attaieb
4 ساعة · تم التعديل ·
مما جاء في ثنايا الكتاب
كتاب الفرية الكبرى صفين و الجمل للاخ الفاضل محمد الشويكي جزاه الله خيرا عن الاسلام و المسلمين منافحا عن دين الاسلام و رسوله صلى الله عليه و آله و سلم و على اصحابه الاخيار رضوان الله عليهم اجمعين
أما بالنسبة لحديث الحوض فإنه مردود رواية ودراية فلا تقوم به حجة على ادّعائهم.
أما رده رواية: فإنه حديث مضطرب المتن، فمرة روي بلفظ {رب أصحابي} ، على الكثرة، ومرة بلفظ {رب أُصيحابي} ، على القلة والتصغير، ومرة بلفظ {رب أُمتي} ، على العموم، ومرة بلفظ {رب قومي} ، على الخصوص، ومرة بلفظ {رب رهطي} ، على أخص الخصوص، ومرة يدعو عليهم بلفظ {سحقاً سحقاً} ، ومرة يدعو ويتوسل لهم بلفظ : فأقول كما قال العبد الصالح {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} ، فكما ترى فإن الحديث ورد بألفاظ مختلفة مضطربة لا يمكن الجمع بينها، وما كان هذا حاله من الاضطراب فإنه موجب للضعف كما هو مقرر في أُصول ومصطلح الحديث ولو كان صحيح الإسناد، فلا تقوم به حجة في الأحكام فضلاً عن الأُمور الغيبية .
أعجبنيأعجبني · · مشاركة
‏‎Mohamed Tayeb Ftita‎‏ معجب بهذا.

ابراهيم السمان ( فكما ترى فإن الحديث ورد بألفاظ مختلفة مضطربة لا يمكن الجمع بينها )هذه الالفاظ تدور على معنى واحد او متقاربة فاذا كانت رواية الحديث بالمعنى جائزة فاين الخلل ؟
2 ساعة · أعجبني

نائل أبو محمد
09-06-2021, 09:21 AM
الاثنين 29 محرم 1443

نائل أبو محمد
09-06-2021, 09:24 AM
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=389435899221226&id=100044644578680